العودة الى الصفحة السابقة
أقاصيص من صميم الحياة

أقاصيص من صميم الحياة

رزق الله حلبي

جمعها 

Bibliography

أقاصيص من صميم الحياة. رزق الله حلبي. الطبعة الأولى. 1975. Order Number SPB8050ARA . German title: Geschichten aus dem täglichen Leben. English title: Stories from Daily Life. Copyright © 1975 All Rights Reserved Call of Hope. P.O. Box 100827 D-70007 Stuttgart Germany Internet: http: //www.call-of-hope.com - .

الفصل الأول: سلاح جاك

جاك! أظن لا أقدر أن أدعك تذهب!

هذا ما قالته أمٌ أرملةٌ لابنها الأكبر الذي كان عدتها وسندها بعد وفاة أبيه. والآن قد دُعي للخدمة في السفينة «كورنيليا» المزمعة أن تسافر إلى الهند الغربية بعد ساعات قليلة.

أما هو فقال لها: ينبغي أن تذكري ما قُلْتِه لي مرات كثيرة وخصوصاً أمس مساء، وهو أني في البحر كما في البر لا خوف عليّ إذا كنت أسأل الله أن يحفظني. وهكذا قال لي معلمي أيضاً. ولا يمكنني أن أظل بطالاً في البيت. بل عليَّ أن أشتغل لأعولك مع إخوتي الصغار. فلا تخافي يا أماه. إني أعتني بنفسي، وإن ساعدني الحظ والتوفيق أجد في الحال مقداراً من الدراهم أرسله إليك.

وكان عمره ثلاث عشرة سنة، لكنه قال هذا الكلام بلهجة وهيئة رجل كبير. فلم يسع أمه حينئذ إلا أن تفتخر به وتقبّله شاكرة الله على إعطائه إياها ابناً كهذا.

ثم أعدت له ثيابه في صندوق. ووضع إنجيله الجميل المهدى له من معلمه فيه أيضاً. وبعدما صلت أمه طالبة من الله حفظه من الخطيئة والخطر انطلق ذاهباً إلى السفينة.

وقد كان السفر أميناً ساراً. وحصل جاك على رضى الضباط ومحبة النوتية. وبلغت السفينة الهند الغربية وأفرغت شحنتها ورجعت بما وسقته من هناك وإذا بنوء شديد يحدث في البحر.

وظلت السفينة أياماً تُحمل مُسلمة لرحمة الأمواج وقَلّ الرجاء بسلامتها، وفي اليوم الخامس تعرقل أحد حبال الصاري المقدم ومست الحاجة إلى واحد يصعد ويحله. ولكن من؟ بالجهد يقدر السنجاب على ذلك في مثل هذه العاصفة.

فنظر القبطان إلى ذلك الصاري المائل بالحبل المعرقل وقال: لا بد من صعود واحد وإلا فكلنا نهلك. يا جاك! فرفع الفتى نظره وأعاد القبطان قوله له. فتوقف جاك قليلاً ثم ذهب صامتاً إلى مقدم السفينة. وبعد دقيقتين عاد واضعاً شيئاً في جيبه. وعلى الفور أخذ بسلم الصاري وصعد.

وحينئذ جاء قسيس السفينة إلى جانب القبطان ونظر الفتى صاعداً فقال للقبطان: لماذا أصعدت هذا الولد؟ لا يمكنه أن ينزل حياً. فأجابه: أصعدته لينقذ حياته. بعض الأوقات نفقد رجالاً في مثل هذا العمل. لكننا لم نفقد قط ولداً. انظر كيف يتمسك كالسنجاب! وعما قليل ينزل سالماً.

فلم يستطع القسيس أن يجيبه شيئاً ووقف منقطع النفس من شدة خوفه على جاك الذي كان يقفز من حبل إلى حبل كالسنجاب. ثم أغمض القس عينيه صارخاً: أه سقط! هلك! لكن جاك لم يسقط بل الصاري المتمايل أخفاه قليلاً عن النظر. وما لبث أن عاد فظهر وقد بلغ الحبل المعرقل. ومسح القسيس دموعه شاكراً الله على ذلك.

وبعد ربع ساعة حلّ جاك عرقلة الحبل واستقام أمر الصاري. وعاد جاك إلى السلم ونزل إلى ظهر السفينة سالماً.

ولما سكنت العاصفة طلب القسيس ذلك الفتى واستوضحه أشياء كثيرة أُشكلت عليه، فقال له أول كل شيء: لقد أقدمت على عمل عظيم ولولا رحمة الله لهلكت.

فقل لي لماذا توقفت قليلاً قبل الصعود. هل خفت؟

فأجابه كلا يا سيدي.

فسأله: إذاً ماذا؟

فأجابه: ذهبت لأصلي. ظننت أني ربما لا أنزل حياً. فاستودعت الله نفسي قبل كل شيء.

فسأله القس متعجباً: وأين تعلمت أن تصلي؟

فأجابه: أمي ومعلمي علَّماني يا سيدي أن أصلي إلى الله ليحفظني.

فقال القس: حسناً فعلت يا بني إذ ليس أفضل من هذه الواسطة عند الخطر. والآن قل لي ما هذا الذي اعتنيت بوضعه في عبّك؟

فأجابه متورداً: هو إنجيلي يا سيدي. أعطاني إياه معلمي حين سافرت. فقلت إني إذا لم أنزل سالماً أحب أن أموت وكلمة الله قريبة من قلبي.

فنعمّا هذا الفتى الذي تقلد سلاحه قبلما ذهب إلى القتال. افتكروا به أيها الأولاد الأعزاء ولا تتعرضوا لخطر بدون أن يكون ترس وصلاة ودرع الله معكم. وحينئذ اشكروا رئيسكم العظيم الذي نلتم به الغلبة والظفر.

الفصل الثاني: حديث في الجنينة

في مساء يوم من أيام الصيف الحارة لما ودعت الشمس الحقول والبساتين والجنينات وانحجبت وراء غيوم المغيب، أخذت هِرتسيس الصغيرة تسقي حسب عادتها أزهار أمها من قرنفل وتمرحنا وخبيزة فرنجية وغيرها. فرفعت هذه الأزهار وجوهها العطشانة فأصابتها قطرات الماء وأنعشتها.

وكانت هِرتسيس نفسها كزهرة صغيرة قائمة في قبعة شمسية كالثلج ومئزر (مريول) كالورد الأصفر وشعر ذهبي يموج بخطرات نسيم المساء.

ولما أكملت عملها تمشت مع أمها حول الجنينة، وتكلمتا عن الأشياء الحلوة الجميلة التي ليست من هذا العالم.

وكانت هِرتسيس مملوءة تصورات مضحكة. وأرادت أن تعرف شيئاً خطر لها بغتة حسب عادتها فقالت: «يا أمي أريد أن أعرف لماذا لا تُترك البنات الصغار وحدهن. لماذا يجب علينا أن نبكر في القيام والنوم؟ لماذا يجب علينا أن نعمل هذا وذاك - وأن نعتني بكل شيء ونحن صغيرات؟ أحب أن أُترَك لنفسي حتى أكبر وأعمل ما أريد وأترك كل المسائل وجميع الواجبات حتى أصير كبيرة مثل ليليلا صندرس. فلماذا لا يكون لي هذا»؟

فأجابت الأم: «هذا سؤال كل بنت صغيرة في غاية الغباوة. وسوف أريك لماذا تجتهد الأمهات الصالحات من البداءة أن تربين أولادهن على العوائد الجيدة الصالحة. فتعالي» ثم أخذتها إلى نبات صغير رخص وقالت لها: اقلعيه يا عزيزتي.

فقلعته هِرتسيس بكل سهولة. ثم أخذتها إلى خبيزة فرنجية كانت متأصلة ومزهرة وقالت لها: اقلعي هذه. فقلعتها ولكن ليس بسهولة. ثم أخذتها إلى نبات آخر وطلبت منها قلعه، وهذا اقتضى بذل كل قوة هرتسيس. فرفعت عينيها إلى أمها متعجبة من كل هذا. ففهمت أمها معنى نظرها إليها لكنها لم تقل شيئاً، بل ذهبت بها إلى شجرة كبيرة وقالت لها: اقلعي هذه. فقالت البنت: ولكن يا أمي؟ ! ولكنها إذ كانت متعودة على الطاعة بأقل إشارة من أمها أحاطت جذع الشجرة بذراعيها وشدت بكل قوتها فلم يؤثر ذلك في الشجرة سوى سقوط بعض الأوراق اليابسة. وحينئذ أخذت الأم توضح لها قصدها فقالت:

هذه يا هِرتسيس حالة ميول قلوبنا وعوائد حياتنا، فحين نكون صغاراً وتكون ميولنا وعوائدنا ضعيفة يمكننا نزعها والتخلص منها عند الضرورة بقليل من الزجر أو السهر أو الاعتناء. ولكن على تمادي السنين تتأصل العوائد والميول ويصير قلع الشيء أصعب. وإذا تركنا عوائد الإهمال والكسل حتى تتعمق جذورها وأصولها في نفوسنا لا تعود قوة إنسان قادرة على قلعها. لا يقدر على ذلك إلا يد القادر على كل شيء.

لهذا يا عزيزتي أجتهد في أن أعوِّدك على النهوض باكراً وعلى النظافة والصدق والطاعة والاعتناء وأنت صغيرة. وبنعمة الله أحرص على قلع كل شر ينمو في قلبك، لأني لا أقدر أن أسمح لأشياء كهذه أن تنمو في جنينة نفسك.

ولعلمي أن الرب يريد أن تكون نفسك مثل جنينة جميلة، أجتهد يا عزيزتي في أن أغرس فيها كل ما هو حسن ومحبوب فينمو ويتأصل فيك ويأتي بثمر لمجد أبيك السماوي. فهل فهمت الآن قصدي؟

فأجابت هِرتسيس: أظن أني فهمت يا أمي. ومن الآن وصاعداً ما عدت أتكدر من النهوض باكراً لإتمام واجباتي.

وبعدما قبّلتها أمها ذهبت إلى فراشها.

الفصل الثالث: البنت التي لم تُرد أن تنجو

لا يَخفى على القارئ أنه كان على الإنكليز في بلاد الهند أن يأخذوا أولادهم وخدامهم وكل ما لهم في أوقات الاضطرابات ويلتجئوا إلى ثكنات العساكر ليكونوا في أمن من تعديات الثائرين.

وكانت إحدى العائلات مؤلفة من الأب والأم وثلاث بنات صغيرات. والصغرى جوليا كانت مدللة متعودة أن تعمل ما تريده.

فحين سمعت هذه أن أباها يوصي أمها في صباح يوم بجمع كل ما ضروري لهم والاستعداد للهرب إلى الثكنة اغتاظت جداً وتذمرت قائلة: «لا أذهب إلى حيث الحر والضيقة والوسخ». ولكن لم يبال أحد باعتراضها هذا. لأنهم لم يجهلوا نتيجة التأخر عن الهرب من وجه الثائرين - الإهانة والنهب والقتل لكل أبيض رجلاً كان أو امرأة أو ولداً خارج ثكنات العساكر الإنكليزية.

فأسرعت الوالدة والخدام وجمعوا كل ما هو ضروري ثمين عندهم. وفي المساء مضوا اثنين اثنين أو ثلاثة كل منهم حامل رزمة أو كيساً. فأبت جوليا أن تذهب مع والدتها وطلبت أن تذهب مع خادمتها، وإذا كانت أمها تثق بأمانة تلك الجارية استودعتها بنتها وأوصتها بالإسراع في الهرب بها.

لكن جوليا علمت أنها قادرة من التسلط على تلك الأَمة. وهكذا لم تبال بالخطر العتيد وعزمت على البقاء في البيت. ولهذا أخذت تخترع أعذاراً وأسباباً لتأخير الجارية. وأخيراً ركضت إلى الجنينة وصرحت لها بأنها لا تريد الذهاب. ورغماً من محاولة الجارية وإلحاحها كانت تهرب من أمامها من مكان إلى آخر. وعندما سمعت الجارية أصوات الهتاف وقرع الطبول فذعرت وبكت وصلت. لكن جوليا لم تبال بدموعها لأنه مضى عليها ثماني سنوات وهي تعمل مسرة نفسها والآن تريد أن تبقى كما كانت قبلاً.

ومن يعلم ماذا كان أصاب هذه البنت الحمقاء الطائشة لولا اهتمام أمها التي بعد ما دخلت الثكنة طلبت ابنتها فلم تجدها فبكت واستغاثت حتى رقّ لها قلب جندي انكليزي، وكان له في بلاده بنت صغيرة، فلم يسعه الصبر برؤية تلك الوالدة على هذه الحال، فامتطى جواده رغماً عن نهي رفقائه له وأسرع إلى ذلك البيت الذي يبعد أكثر من ميل متعرضاً لخطر الثائرين وانتشل تلك البنت الجالسة في الجنينة وهي صارخة مغتاظة وأركبها قدامه غير مبال بمقاومتها وانثنى راجعاً.

فرأته طليعة الثائرين وأمطرته بوابل من الرصاص لكنه نجا بمعجزة وبلغ الحصن وسلم البنت لوالدتها المسرورة الشاكرة. فضمتها إلى صدرها وقالت لها: إن الجندي قد خلصك كبطل فتعالي قبّليه واشكريه من كل قلبك لأنه أنقذ حياتك.

أما جوليا فقامت أمامه عابسة وقالت: لا أريد أن أقبّلك إنك رجل رديء إذ أبعدتني عن لعبي وخادمتي فلم أرد أن تأتي وتخلصني. ثم أخذت تبكي وتطلب الرجوع إلى حيث كانت.

ولا ريب أن القارئ يشارك أبا جوليا وأمها وأصدقاءها في الكدر والتعجب من تصرفها هذا، ويعده غريباً جداً. نعم إنك تتعجب من عدم مبالاتها بما كانت فيه من الخطر وتحسبها في غاية الحمق والغباوة.

لكنني رأيت كثيرين من الصبيان والبنات مثل جوليا من جهة الأمور الروحية غير مبالين بما يتهدد نفوسهم من الخطر رغماً عن إنذار كلمة الله وأصدقائهم المسيحيين الأمناء بالغضب الآتي، منهمكين بألعابهم وتسلياتهم لاهين عن الخطية ونتائجها الهائلة.

فقد تقص عليهم قصة يسوع المسيح العجيبة كيف وضع حياته ليخلص الخطاة رجالاً ونساء وصبياناً وبنات لكنهم يعيرون أذناً صماء ولا يريدون أن يخلصوا. فهل أنت كذلك؟

هل شكرت الرب يسوع المسيح من كل قلبك على خلاصه العظيم المجيد؟ أو هل خطر ذلك ببالك مرة؟ هل تشكره الآن لأول مرة من حياتك وتعزم على ذلك طول العمر؟

الفصل الرابع: «لا تغرق!»

في إحدى الليالي الحالكة الظلام حين كان تهريب البضائع شائعاً على سواحل بريطانيا، كانت سفينة مشحونة تبغاً مهرباً تسير سيراً ثقيلاً نحو شاطئ انكلترة. وكان القبطان على ظهرها يتمشى قلقاً ممعناً نظره نحو الأفق الشرقي وقد لاحت تباشير الصبح. وما لبث أن نادى معاونه وأخذ يتكلم معه بما لا مزيد عليه من الاضطراب. وكان الداعي إلى ذلك أن ما لاح لعينيه منذ نصف ساعة قد اتضح الآن وظهر أنه أحد مراكب الحكومة الجائلة للتفتيش عن السفن المشحونة بضائع مهربة. وحينئذ ساد الخوف جميع من في السفينة ونشر كل ما فيها من القلع. ولكن بالرغم من هذا كله رأوا أن مركب الحكومة يفوقهم في سرعة المسير وأنه لا بد من وقوعهم في قبضته، ولم يكونوا يجهلون أنه إذا قُبض عليهم وأُمسك التبغ من سفينتهم فعقابهم الموت لا محالة.

وحينئذ أمر القبطان أن يسرع جميع النوتية بالنزول إلى عنبر السفينة حيث التبغ وبطرحه بالة بالة إلى البحر. وهكذا فعلوا حتى لم تبق بالة واحدة منه، وإذ ذاك نادى القبطان أحد رفاقه قائلاً له: «اصعد إلى السفينة وأخبرني ماذا ترى من جهة ذلك المركب» فصعد بما لا مزيد عليه من السرعة ونزل راجعاً ووقف أمام سيده خائفاً مذعوراً لا يبدي نطقاً. فألح عليه القبطان بالكلام فقال: «لم تغرق!» فصعد القبطان إلى فوق ونظر فرأى بالات التبغ عائمة الواحدة بجانب الأخرى في خط واحد على مسافة ساعة.

فمن يقدر أن يصف جزع ويأس أولئك المنكودي الحظ في تلك الساعة الرهيبة؟ فهل كانوا يستطيعون بعد هذا أن يحاموا عن أنفسهم وهذه البالات كلها شاهدة عليهم؟

فتفتيش هذه السفينة بأمر الملك ووضوح الجناية والحكم بالإعدام واستحالة النجاة. كل هذه يذكرنا ولا ريب بملك آخر يفتش قلوب كل بني البشر وبموت آخر للنفس الأثيمة واستحالة النجاة، بينما الخطيئة كالتبغ المهرب يثقل على النفس.

فيا أيها القراء الأعزاء! هل شعرتم بأنكم حاملون أثقالاً؟ وهل أخذتموها إلى المسيح متذكرين أن «الرب وضع عليه إثم جميعنا»؟ فهو حينئذ يأخذ حمل الخطيئة الثقيل ويطرحه. أين؟ هل على وجه المياه لكي يعوم ويشهد علينا؟ كلا. «يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا، وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ ٱلْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ» (مي 7: 19).

الفصل الخامس: كرسمس الصغيرة

كل دعاها كرسمس وكثيراً ما دعيت كرسمس الصغيرة العزيزة، لأن الكل أحبوا وجهها اللطيف الضارب لونه إلى الصفرة وعينيها الزرقاوين وشعرها الذهبي. وكانت تمتاز عن باقي بنات وصبيان قريتها التي بجانب البحر.

ولم تكن تجد صعوبة في دراستها، لكنها كانت ضعيفة البنية. فكانت تتعب حالاً من اللعب مع رفيقاتها وتجلس على البوابة أو تختلس الذهاب إلى البيت إلى أمها. وكان جميع من في البيت يُعزونها ويكرمونها ويقولون كرسمس ضعيفة ينبغي أن نعتني بها.

وفي أحد الأيام رجعت كرسمس من المدرسة إلى البيت وفيما هي تخلع حذاءها سمعت الكلمات التالية من فم امرأة: «حقاً يا مسز تشايمن كنت كأم لكرسمس كما ندعوها ولا أعلم إن كنت تعرفين اسمها الحقيقي أو تعلمين شيئاً عن أبيها وأمها».

فأجابتها: لا أعلم، لكن أنا وميخائيل نحبها كثيراً ويصعب علينا جداً أن نفارقها.

هذا كل ما سمعته كرسمس. وإذ تحققت أن لا أحد علم بوجودها هناك رجعت راكضة إلى مغارة صغيرة قريبة وجلست على صخر فيها وأخذت تبكي قائلة: «الآن علمت لماذا لا يكون لي عيد ميلاد كما يكون لباقي الأولاد، ولماذا ليس لي غير اسم واحد. لم يخطر هذا ببالي قبلما عيَّرتني به ماري باركر يوم الأربعاء. يا ويلي يا ويلي! يظهر أنني منقطعة وحيدة».

هذا كله قالته كرسمس ولم تعلم أنها قالته بصوت عال ولهذا أجفلت حين سمعت بجانبها صوت قسيس القرية يخاطبها بكل لطف: «لا يا عزيزتي كرسمس. لست وحيدة منقطعة كما تقولين». فقالت له: «قد علمت لماذا ليس لي عيد ميلاد ولا أحد يعلم كم عمري. إني تعيسة جداً».

فقال القسيس في نفسه: «يا مسكينة! هذا ما كنت أخافه عليها» ثم خاطبها: اصغ إليّ يا كرسمس فأقص عليك هذه القصة. كان في ذلك الكوخ رجل صياد اسمه ميخائيل تشايمن وعنده ولدان صبي وبنت. ثم رزق بنتاً ثانية لكنها مرضت بعد ولادتها ببضعة أسابيع وماتت وكان ذلك في مساء عيد الميلاد. وفي صباح ذلك العيد نزل ميخائيل إلى الشاطئ وإذا بكلب كبير أسود أخذ ينبح ويشد ثوبه راكضاً أمامه فأدرك ميخائيل أن الكلب يطلب منه أن يتبعه. فتبعه على الشاطئ والكلب راكض قدامه ثم وقف بغتة وإذا بطفلة مطروحة. فأخذها الصياد في ذراعيه والماء يقطر من شعرها وثيابها وظنها ميتة. لكنه إذ جس نبضها رأى فيها بقية من الحياة. فلفها في ثوبه وأسرع بها إلى بيته ودفعها إلى زوجته قائلاً لها «ها قد أرسل لك الله يا ماري بنتاً أخرى لتحبيها وتربيها». فأخذتها زوجته واعتنت بها وما لبثت أن فتحت عينيها الزرقاوين وبسمت في وجه الصياد وزوجته، ومن ذلك الحين صارت لهما كواحد من أولادهما في المحبة والإعزاز. ثم قال الصياد ذات يوم لزوجته (ينبغي أن نسمي هذه البنت) فقالت امرأته «خطر هذا ببالي وأريد أن يكون اسمها...».

ثم قال القسيس سائلاً كرسمس: «ماذا تظنين أرادت امرأة الصياد أن يكون اسم تلك البنت؟» فأجابته «كرسمس؟» فقال: «نعم هكذا قالت زوجة الصياد ندعوها كرسمس ومعناه عيد الميلاد، لأنها جاءتنا يوم عيد الميلاد وبهذا الاسم ندعوها». فنهضت كرسمس وقالت بكل هدوء: «أشكرك يا سيدي ما عدت الآن أشعر بأني هكذا شقية». فقال لها القسيس ماداً يده إليها: «تعالي نرجع إلى الكوخ وأنا أخبر مسز تشايمن إني أطلعتك على هذه القصة».

وفي طريقهما أخبرها أنه بحث كثيراً عن أمر والديها وفي ظنه أنها كانت على أحد المراكب التي انكسرت حين أخذها الصياد عن الشاطئ. ثم قال لها إن كل قطعة من الثياب التي كانت عليها يوم وجودها وهما (ك.أ). وأن هذه الثياب باقية عند زوجة الصياد. ثم خاطبها: «لعل الله يوماً ما يسمعك خبراً عن والديك أو يردهما إليك. فكوني إلى ذلك الحين سعيدة بيننا لأن أباك السماوي يعتني بك. وقبلما تدخلين أريد منك أن تقولي هذا العدد ثلاث مرات وأنا أفتحه لك في توراتك وأضع تاريخ اليوم بجانبه «أَبِي وَأُمِّي قَدْ تَرَكَانِي وَٱلرَّبُّ يَضُمُّنِي» (مزمور 27: 10)».

ثم انقضت الأسابيع والشهور وظهر لكرسمس أن جميع الذين هي بينهم قد ضاعفوا محبتهم لها بعدما علموا أنها سمعت بقصتها. ومال قلبها لزيادة الافتكار بأبيها السماوي فأخذت تطالع كلمته، ومنها علمت أن قلبها خاطئ وفي حاجة إلى الاغتسال بدم المخلص. فأتت إليه ببساطة لتنال منه صفحاً وغفراناً.

ثم تقوَّت في جسدها وصارت قادرة على مشاركة رفيقاتها في اللعب والمشي. ورتب القسيس لها أن تبقى في المدرسة كمعلمة ابتدائية.

وفي أحد الأيام رجعت إلى البيت بعد انصراف الأولاد فوجدت هناك سيدة لابسة ثياب أرملة وهي صفراء اللون ناحلة الجسم فقالت مسز تشايمن: «يا كرسمس هذه السيدة قد جاءت من لندن وتريد أن ترى ابنتنا الصغيرة التي قذفها البحر إلينا».

وقد لاحظت كرسمس ارتعاشاً شديداً في صوت مربيتها وهمَّت أن تسأل عن سبب ذلك، وإذا بتلك السيدة قد نهضت مسرعة وألقت ذراعيها حو ل كرسمس قائلة: ابنتي، ابنتي! هي ابنتي كونستانس! إن لها نفس فم أبيها وعينيه.

ثم أخبرت مسز إلدردج بيت تشايمن بأن السفينة انكسرت بها وبزوجها في طريقهما من الهند وأن زوجها غرق. وأما هي فقد انتشلها مركب برتغالي وأُخذت إلى لشبونة حيث مرضت وأشرفت على الموت، ولما شُفيت رجعت إلى بلاد الإنكليز وسمعت بغرق زوجها وابنتها فتمردت في أول الأمر على الله وقست أفكارها من جهته تعالى. لكن محبته غيرت قلبها وهي الآن فرحة لخلاصه. وبينما كانت ذات يوم في مستشفى تزور المرضى حسب عادتها جلست بجانب مريض وهو صياد من كورنوال (حيث ابنتها الآن) فسألها أن تقرأ له كتاباً جاءه من أمه وقد كتبته لها كرسمس. ثم أخبرها الصياد بأن هذه الكاتبة قذفها البحر منذ نحو ثلاث عشرة سنة. ولما سمعت هذا منه جاءت إلى كورنوال. ثم قالت: إن زوجي أعطى قلبه لله قبل موته بسنة. والآن قادني الله أنا وبنتي إليه تعالى.

وكانت مسز إلدردج غنية لكنها رأت أنها غير قادرة أن توفي عائلة تشايمن ما عليها لقاء عنايتهم بابنتها. ثم رجعت بابنتها إلى لندن، ولكن في كل صيف كانتا تقضيان نحو ثلاثة أشهر في تلك القرية الصغيرة. وكانت الهدايا لا تنقطع من لندن عن جميع أصدقاء كرسمس. وكانت أمها في كل صيف تعقد اجتماعات لنساء القرية تقرأ فيها الكتاب المقدس وتساعد الجميع بكل ما تقدر عليه، وهكذا فعلت كرسمس. وعند موت أمها أقامت بالقرب من تلك القرية عاملة في حقل الرب.

وقد عاشت أربعاً وستين سنة، وظلت إلى النهاية تزور أهل القرية مباركة ومباركة حيثما ذهبت.

أفلا نقول كما قال أحد الصيادين يوم موتها:

نعم كان للرب قصد عظيم في قذف كرسمس إلى شاطئنا، وكثيراً ما نظنه يخطئ في عمله وذلك لعمى قلوبنا. ولكن أرى أن له أشياء كثيرة يعلنها لنا في السماء كما أعلن لنا قصد رحمته المبارك في إرسال كرسمس إلينا لتعلمنا وتساعدنا في طريقنا إلى السماء.

الفصل السادس: دوامة نهر آفون

أخذ الضباب في صباح أحد الأيام ينقشع شيئاً فشيئاً وظهر تحته منظر جميل جداً يمتد إلى آخر ما يصل إليه النظر، وفي وسطه نهر يجري هادئاً لا يكدر سكونه سوى أصوات بعض الأطيار وحفيف أجنحتها.

ثم سمع فيه على بعد حركة سير قارب من أربعة فتيان اثنان منهم في مؤخرته يديرون دفته والاثنان الآخران يجدفان بسرعة ونشاط. وقد خرجوا في نهر أفون إلى جهة ستراتفورد.

وفي طريقهم اقتربوا من قرية صغيرة لها مطحنتان على النهر وقد بُني لهما فيه سد عريض نشأ عنه دوامة عظيمة. فلما مروا بها رأوا ذواتهم قد اضطربوا واختبط القارب بعنف شديد، لكنهم ثبتوا فيه جهدهم، وما لبث أن عاد إلى سيره الطبيعي. فأخذوا يتساءلون: ما هذا؟ ما الذي أوجب اضطراب القارب واختباطه هكذا؟

فقال أكبرهم: أنا أعرف علة ذلك.

وإذ كان كاتب هذه القصة واحداً منهم فسيعيد ما قاله كلمة كلمة كما يلي:

خرج منذ بضع سنين رجلان في قارب صغير وأتيا إلى حيث جئنا نحن الآن. ولا أعلم إذا كانا قد خرجا للصيد أو للتنزه. وكان الماء عالياً جداً اندفع فوق السد، فانقلب قاربهما بغتة وسقطا كلاهما في الماء.

وكان أحدهما من مشاهير السباحين في تلك البلاد، والآخر لا يقدر أن يسبح البتة. ولهذا اختبط على سطح الماء وصرخ مستغيثاً. وفي الحال أسرع بعض الرجال إلى إنقاذه وهكذا نجا.

أما الآخر فاتكل على نفسه في أمر النجاة ولهذا سد أذنيه عن نداء الرجال الذين أنقذوا رفيقه وعندما دعوه قائلين: أسرع يا يوحنا إلى قاربنا. أجابهم: إن ثيابي مبللة الآن فلا أدخل قاربكم بل أسبح حوله.

وهكذا أخذ يسبح حول القارب رغماً من إنذارهم له. أخيراً بلغ في سباحة مجرى السد حيث الدوامة وقد ابتعد عن القارب أكثر من ستين أو سبعين ذراعاً. فنظر إليه أولئك الرجال ورأوه يتخبط قبل سقوطه. فبذلوا غاية جهدهم في الوصول إليه ولم يستطيعوا. وقد حاول ذلك المسكين أن يتخلص مجاهداً جهاد الأبطال لكنه لم يقدر على الإفلات من أيدي المياه الملتفة عليه كالحبال. وقبلما استطاع القارب الدنو منه صرخ بصوت اليأس: أخبروا زوجتي وأولادي بموتي. وغاص في العمق. وهكذا هلك.

ولا أرتاب في أن هلاكه كان حيث اختبط قاربنا الآن. ومما يجب أن نلاحظه أن الضعيف نجا والقوي هلك. وذلك لأن الواحد طلب المساعدة والآخر رأى ألا حاجة إليها. فالأول لا يزال حياً والثاني مات لساعته.

فاستولى على جميع من في القارب سكون وخشية عند سمعهم هذه القصة الغريبة. ولا بد أن البعض منا تذكروا القول: يؤخذ الواحد ويُترك الآخر (لو 17: 35).

وهذه الحادثة لا تزال تتكرر. فالخاطئ المسكين المحتاج يصرخ: ارحمني اللهم. وهكذا يُرحم.

والمتكل على بره الذاتي يُترك خارج الحظيرة.

فيا صديقي قل لي ماذا يكون نصيبك أنت؟

أتؤخذ أم تُترك؟

هوذا يسوع يدعوك. هوذا يسوع يطلبك. فدعه يجدك اليوم. وحينئذ حين يأتي المخلص ليجمع خاصته تؤخذ لتكون (مع الرب إلى الأبد).

الفصل السابع: سفر طويل

منذ عدة سنين سافر شاب سفراً طويلاً جداً، مسافة ألف وخمسمائة ميل. وكل هذه الأميال قطعها ماشياً على رجليه وهذه قصته.

كان هذا الشاب خليعاً شريراً ترك الله وراءه وجاهر بعدم مبالاته به تعالى وبالناس. وبغتة شعر بخطيئته فقال في نفسه: إني أشر إنسان في العالم فماذا يصيبني؟ كيف أنجو من خطاياي؟

وكان قد سمع بالأديرة حيث ينقطع الرهبان للتوبة والصلوات لأجل التكفير عن خطاياهم السالفة. فعزم على الترهب وسأل عن الدير الذي يكون أشد أديرة العالم صرامة في القوانين والتقشفات، فقيل له أن دير «لا تراب» يفي بغرضه وهو يبعد ألفاً وخمسمائة ميل عن بيته. فقصده يجدُّ السير أياماً وليالي ماشياً على قدميه وساداً حاجاته بالتسول والاستعطاء لأنه كان فقيراً.

وأخيراً بلغ الدير المقصود وقرع بوابته ففتح له راهب هرم متقدم في الأيام وبالجهد يستطيع المشي وسأله: ماذا تريد؟

فأجابه: أن أخلص. جئت إلى هنا طالباً الخلاص.

فأدخله الراهب إلى داخل وخلا به وسأله إيضاح كلامه فأجابه مفصلاً له تاريخ حياته الماضية وذكر له خوفه من الهلاك ثم قال: اقبلني في الدير وأَنزل بي أشد القوانين صرامة وأثقل التقشفات لعلي أخلص نفسي.

فأجابه الراهب بكل لطف: هذا لا يجديك نفعاً يا ابني. فالعمل المطلوب للخلاص قد عُمل كله. عُمل لأجلك قبلما جئت إلى هنا، من زمان طويل. واحد غيرك عمل هذا العمل بنفقة هائلة وقد (أكمل).

فصرخ الشاب: والعمل أكمل! عُمل كله! فماذا تعني؟

فأجابه: ألا تعلم ان ابن الله جاء ليخلص العالم؟ ألم يكمل العمل الذي أعطاه الآب ليعمل؟

فسأل مذهولاً: ولكن ولكن، التوبة، الأعمال الصالحة؟

فأجابه: الله علمني أن كل ما يمكن من الأعمال الصالحة لا يقدر أن يخلص نفساً واحدة. وربما تتعجب من سماع كل هذا من راهب، لكنني الآن أرى الخطأ الذي ارتكبته منذ سنين ويرتكبه إخوتي الرهبان في الدير. ولو لم أكن شيخاً هرماً لا أستطيع حراكاً لكنت أهرب. ولكن ذلك غير ممكن لي. فانتظر مجيء سيدي ليأخذني إلى فوق. لكنك أنت شاب وحر من كل نذر. فارجع حالاً واخبر الآخرين. اخبر كل من تقدر أن المسيح يسوع أكمل العمل. اقبل على الفور خلاصه المقدم لك واشكر الله على أن ابنه قد عمل كل شيء لأجلك. اذهب وعش لمجده.

وبعدما استراح الشاب قليلاً رجع إلى بلاده يخبر الخطاة ببشرى الخلاص.

فالله لا يسألنا سفرات طويلة ولا أعمالاً عظيمة لأجل تحسين حالتنا. بل يقول «هذا هو عمل الله أن تؤمنوا بالذي أرسله» يطلب أن نقبل خلاصه الكامل «خلاصك الذي أعددته» كم ينبغي أن يكون كاملاً ذلك الخلاص الذي أعده الله ذاته! وهذا الخلاص نفسه يقدمه لك. فهل تقبله؟

الفصل الثامن: هل سمعت قصة روحية مشوقة؟

في عالمنا المتخم بالحروب والعلوم والسرعة، لا تزال حتى اليوم القوة التي تغلب السطحية والشهوات والملل في كل العالم، ألا وهي القصة المشوقة الجاذبة للكبار والصغار، الدافعة للابتسام، والمؤثرة في أعمق أعماق القلب. والمسيح نفسه قص في مواعظ لمستمعيه أمثلة ملموسة واضحة ليوضح لهم الحقائق الصعبة الإدراك.

فنطلب إليك اليوم أن تساعدنا في جمع وتأليف أقاصيص جيدة، عن اختبارات الأفراد وأمانتهم ومحبتهم وصدقهم لنرفعها قدوات صالحة لجماهير أمتنا.

هل تعرف قصة منسجمة مع روح الكتاب المقدس ومشجعة للحياة والفرح في وسط الحزن والمآسي والضيقات؟ اكتبها بأسلوبك الخاص؟ وإن وجدناها نافعة بمضمونها وهدفها نصححها لغوياً وإنشائياً إذا لزم ونستخدمها للتبشير بالإنجيل في بلادنا.

فكر واكتب ما سمعته سابقاً أو قرأت من قبل وأثر فيك أو اختبرته شخصياً مما له قيمة وتعتبره ضرورياً لنفع الآخرين وتثقيفهم وبنائهم بالروح والحق. ارسل قصتك إلينا سريعاً. وإن كانت لديك اختبارات مع المسيح تقوي إيمان الآخرين وتقودهم للتوبة والخدمة، فسجلها وارسلها إلينا حالاً ولا تخجل ولا تستح بل اكتب لتمجيد المسيح، فيعطيك الروح القدس لنفسك جناحين ويمد ريشتك بالقوة ويبارك كلمتك ويجعلها مثمرة إلى الأبد. وبنفس الوقت نطلب إليك ألا تبالغ البتة، بل اثبت في الحق وقل الصدق، لأن الكلمات الرنانة ليست هي المقوية لقصتك بل وصف الحقيقة بكل أمانة وأخلاص لتمجد ربك تمجيداً.

ولكل من يشترك في هذه المسابقة نرسل جائزة كتاباً آخر من مركزنا.

ولك الحق أن تسأل وتستشير غيرك وتأخذ من كنز اختباراتهم معرفة شرط أن تخبرنا عن مؤلف القصة في حالة نقلها عن الآخرين لنستطيع أن نطلب من دور النشر الإذن بطبعها.

فمتى ترسل إلينا أولى قصصك؟


Call of Hope
P.O.Box 100827 
D-70007 
Stuttgart 
Germany