العودة الى الصفحة السابقة
نجوت من الموت

نجوت من الموت

قصص من الحياة جمعها وعلق عليها اسكندر جديد

اسكندر جديد


Bibliography

نجوت من الموت. اسكندر جديد. Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1974. SPB 8015 ARA. English title: Saved from Death. German title: Vom Tode errettet. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

1 - نجوت من الموت

كان السيد إدوار يتمتع بكل الامتيازات التي يقدرها العالم. شباب، غنى، وجه جميل، صفات محبوبة، وكل هذه الصفات جعلته قبلة الجميع. وها هو الآن يدخل إلى العالم.

منذ الحداثة اهتم ذووه بآدابه فحرصوا على تنشئته بحسب الفضائل المسيحية. وكان موضوعاً لصلواتهم، حتى يحفظه الرب من فخاخ هذا العالم. ولكن فيما هو يتقدم في السن، نظر إلى الحياة الاستقلالية التي كان يعيشها غيره من الشبان وقابلها بالحياة الهادئة المتحفظة، التي عاشها إلى اليوم، فتراءت له إنها حياة رتيبة ومملة. وشيئاً فشيئاً حرر نفسه من الإجراء الذي فُرض عليه.

لم يجد صعوبة في إيجاد رفقاء المسرات والحماقة لكي يوغلوه في سبل الطيش، التي لا تؤدي إلا إلى الخراب، والجهالة والخفة. وفي هذه الحال يكون الإنسان بلا شك فريسة سهلة المنال بالنسبة للمجرب.

ولكن كانت له أم تصلي لأجله. والرب استخدم الظرف الذي سأتكلم عنه، لكي يستجيب الصلوات التي رُفعت من أجله.

أيها الأمهات المؤمنات، لا تتوقفن عن الصلاة لأجل نفوس أولادكن!

كان إدوار قد جاء إلى دبلن عند رئيس مصرفه، الثري الكبير ووالد رفيقه في الدراسة ليمضي بعض الوقت.

- ماذا يا إدوار، سأله رفيقه القديم، كيف تسلك طريقك في هذا العالم.

آه! يا عزيزي، أجاب إدوار بحماس. إننا نعيش حياة رائعة. مراقص، مآدب، سهرات، رحلات صيد، وحفلات سباق، وغير ذلك من الحفلات السارة، التي تبعدنا عن الضجر. والساعات تمر بنا مبهجة بحيث لا نلاحظ فيها سوى قصرها.

فيما إدوار يتكلم كان صديقه يرمقه بنظرة كلها عطف. وكان قلبه يفيض إشفاقاً وهو يرى أن هذا الشاب الجميل المحبوب يجهل تفاهة هذه المسرات، والنتيجة التي تنتظره. ماذا يمكن أن يُقال لنفس كهذه؟ وبعد لحظات من الصمت قال:

- أرى يا إدوار أنك تلهو كثيراً؟ إن ما قلته يذكرني بكلمات حكيم من القدماء: «اِفْرَحْ أَيُّهَا ٱلشَّابُّ في حَدَاثَتِكَ، وَلْيَسُرَّكَ قَلْبُكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ وَٱسْلُكْ فِي طَرِيقِ قَلْبِكَ وَبِمَرْأَى عَيْنَيْكَ» (جامعة 11: 9).

يبدو أن هذه الكلمات وجدت لها رضى في صميم إدوار فقال في نفسه: هذا ما أبغيه فعلاً.

ولكن صديقه لم يلبث أن استطرد مشدداً على كل كلمة.

- «وَٱعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى هٰذِهِ ٱلأُمُورِ كُلِّهَا يَأْتِي بِكَ ٱللّٰهُ إِلَى ٱلدَّيْنُونَةِ. «فَٱنْزِعِ ٱلْغَمَّ مِنْ قَلْبِكَ، وَأَبْعِدِ ٱلشَّرَّ عَنْ لَحْمِكَ، لأَنَّ ٱلْحَدَاثَةَ وَٱلشَّبَابَ بَاطِلاَنِ» (جامعة 11: 9 و10).

وهكذا لم تكن الكلمات موافقة لما كان يتوقعه إدوار، فانسحب من حضرة صديقه، وابتعد سريعاً كأنه أراد الهرب من الكلمات التي سمعها.

ولكن السهم الذي أُطلق من يد الله، أصابه في الصميم، ولم يكن في وسعه أن يتملص منه.

وفي منزله، حاول إدوار عبثاً أن يتخلص من الشعور المؤلم الذي خلقته هذه الكلمات في نفسه. وخصوصاً حين فكر في ندمائه الذين سيراهم قريباً.

وأيضاً، لما عاد إلى مجرى حياته الصاخبة حاول عبثاً أن يستعيد المرح والبهجة.

فالأشياء التي كان في السابق يجد فيها المتعة، فقدت طعمها. والكلمات الأخيرة التي سمعها من صديقه، كان صداها يتردد في خاطره بدون انقطاع.

في الصيد، في المرقص، في السهرات التي يتخللها ألف تنوُّع كان يسمع : «واعلم أن على هذه الأمور كلها يأتي بك الله إلى الدينونة».

وفي اليقظة كما في النوم كان يُخيَّل له أنه يرى هذه الكلمات كأنها مكتوبة بأحرف من نار.

فروح الله ابتدأ عمله في كيانه، ومشيئته تعالى أن يتمم هذا العمل.

طوباك أيها القارئ شاباً كنت أم مسناً، إن كان الله يتعامل معك هكذا.

لا تحاول أن تعمل لإطفاء هذا الصوت الذي يدعوك. لا تطرد من ذهنك الفكر عن الله وعن الأبدية.

لم تستطع المسرات التي كان إدوار يتذوقها أن تخفف عنه الآلام النفسية. على العكس فهذه كانت تزداد يوماً بعد يوم حتى فقد كل شعور بالراحة.

وهذه المسرات التي أحاط نفسه بها، صارت بالنسبة له غير محتملة.

ما العمل في مثل هذه الحيرة؟

- سأذهب إلى دبلن - يجب أن أرى تيوفيل، إنه هو الذي أراني تفاهة كل هذه المسرات.

وهكذا أسرع بالذهاب إلى صديقه، الذي استقبله بكل ترحاب.

- إنني بائس جداً. منذ أن رأيتك لآخر مرة، قال إدوار. قبلاً لم أفكر مطلقاً في المستقبل. كنت أعيش كلياً في متع الحاضر، متوهماً أن الأشياء التي تملأ حياتي كلها أشياء بريئة. والآن أشعر بأنها لاشيء، إنني أرى الآن إنها لم تكن إلا لتنسيني الله. كانت تخدم أنانيتي وتستهلك وقتي، بانتظار القضاء على حياتي في النهاية. وشر ما فيها إنها كانت تحجب النور عن عيني، فلا أرى حقائق الأبدية والدينونة الآتية.

ما العمل؟

إن هذه الأبدية تنتصب أمامي وكأنها مغطاة بحجاب سميك، إنها لا تقدم لي إلا الظلمة. بدون أي شعاع من نور. إنني أشعر أن دينونة مخيفة معلقة فوق رأسي.

قل لي يا صديقي، كيف يمكنني أن أنجو؟

متأثراً من الحيرة التي اعترت إدوار، أخذ صديقه كتابه المقدس، ومن كلمة الله الحية أخذ يبيِّن له كيف أن يسوع أخذ على الصليب مكان الخاطي المذنب الهالك. وكيف أنه مات لأجله متحملاً حكم الدينونة الذي نستحقه جميعاً.

وبعد لحظة من الصمت قرأ له من كتاب الله الفقرات الثمينة التالية:

- «وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا» (رومية 5: 8).

- «فَإِنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ ٱلْخَطَايَا، ٱلْبَارُّ مِنْ أَجْلِ ٱلأَثَمَةِ، لِكَيْ يُقَرِّبَنَا إِلَى ٱللّٰهِ» (1 بطرس 3: 18).

- «إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ ٱللّٰهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ ٱلْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ ٱللّٰهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (2 كورنثوس 5: 20 و21).

- قال يسوع: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ» (يوحنا 5: 24).

- «وَتَنْتَظِرُوا ٱبْنَهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱلَّذِي أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، يَسُوعَ، ٱلَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ ٱلْغَضَبِ ٱلآتِي» (1 تسالونيكي 1: 10).

آمن إدوار بكلمة الله.

لقد رأى بأنه لا يستحق سوى غضب الله وحكم الدينونة، ولكنه آمن أيضاً أن الكتاب يقول: بما أن يسوع قاسى من أجله آلام الموت والدينونة فعدل الله قد وفى حقه، وأنه هو إدوار يمكنه أن يتمتع بالغفران والخلاص اللذين أكملهما يسوع لأجله.

وبالفعل ففي تلك اللحظة التي آمن فيها امتلأ قلبه بالفرح والسلام.

والآن يمكنه أن يتابع طريقه في سعادة على الأرض بانتظار الأبدية التي لم تعد تخيفه.

ولكن في سلوك هذا الدرب الجديد، كم كان في حاجة إلى كل عون الرب!

في بادئ الأمر لم يحط أصدقاءه علماً بالتغيير الذي حصل في حياته، لأن الشيطان وسوس في صدره الفكرة في أن يخفي الأمر، قائلاً له:

- أنت الآن مرتاح، لا حاجة لك أن تبدي لهم أفكارك الشخصية.

وهكذا كتم أمره عنهم لمدة من الزمن. ولكنه لم يكن سعيداً، وكان يشعر في أعماقه بأنه ليس من الاستقامة في شيء أن يكتم أمر إيمانه وأنه لضرب من الجبن، أن يستحي أحد بإنجيل المسيح. بينما عدد كبير من الناس، يحتاج إلى الاستنارة به.

وذات يوم فيما هو عائد إلى فندقه من اجتماع ديني، وكتابه المقدس في يده، شاهد بعضاً من أصحابه القدماء العالميين مع جماعة من الضباط واقفين في شرفة الفندق.

- إنهم سيهزأون بك، هكذا ألقى المجرب في ذهنه - ومن جهة أخرى، فإن حمل الكتاب المقدس باليد نوع من المفاخرة على الناس - ضعه في جيبك...

وهكذا وقع في التجربة التي ساقها إليه عدو الصلاح، فصعد مسرعاً درجات السلم المؤدية إلى الشرفة. ولكنه نسي أنه كان يرتدي لباساً من النوع الضيق، بحيث يحدث وجود الكتاب المقدس في جيبه انتفاخاً كبيراً في جسمه.

- ماذا معك هنا يا إدوار؟ سأله أحد هؤلاء الشبان. وكمن بوغت وأصيب في وجدانه، وضع إدوار كل الخوف جانباً، وأخرج الكتاب المقدس من جيبه واعترف أمام الجميع بأنه قد سلم حياته للرب، وأنه يرغب في أن يكون خادماً للمسيح.

بهذا الاعتراف العلني أراح ضميره لأنه أطاع كلمة الله القائلة: «وَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنِ ٱعْتَرَفَ بِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، يَعْتَرِفُ بِهِ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ ٱللّٰهِ. وَمَنْ أَنْكَرَنِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، يُنْكَرُ قُدَّامَ مَلاَئِكَةِ ٱللّٰهِ» (لوقا 12: 8 و9).

ومن جديد كان سعيداً.

ولكن هذه السعادة كانت بداية لهجمات مختلفة، شنها عليه المجتمع والعالم. وهذا ليس بغريب، بل الغريب أن لا يحصل! وهذا النوع من الحكم له من حذاقة مصدّرية ما يسيء اجتماعياً، إلى كل من يريد أن يعيش لأجل المسيح.

منذ تلك الساعة انطلق إدوار يكلم الجميع، أغنياء وفقراء عن يسوع وعن حبه، ويكرز بالإنجيل، الأمر الذي جعله أكثر سعادة وأشد احتمالاً لهجمات أضداد المسيح، الذين ازدادوا ضراوة في التهجم عليه. حتى أن بعضهم أخذوا بالغيظ الحاقد، حتى حاولوا القضاء عليه.

وذات مساء حُملت إليه رسالة، يُطلب فيها حضوره إلى مكان منعزل. وكان في الأمر مؤامرة يُقصد بها إبعاده عن منزله.

وفيما هو ذاهب على فرسه إلى المكان المعيَّن أُطلقت عليه رصاصة. كان التصويب محكماً، بحيث أن الرصاصة أصابته في صدره لجهة القلب. واخترقت ثيابه. وقد ظن أعداؤه بأنه قد قتل فهربوا من مكمنهم ولكنه لم يُصب بأي أذى لأن الرصاصة وجدت في طريقها الكتاب المقدس الذي كان يحمله في جيب سترته الداخلي، فأنقذ حياته.

وقد أرى الكثيرين من زائريه وبكل احترام هذا التذكار الثمين، الدال على رأفة الآب السماوي.

كانت الرصاصة قد اخترقت غلاف الكتاب العزيز ومعظم صفحاته، وتوقفت عند الإنجيل بحسب يوحنا، عند كلمة المسيح في صلاته الشفاعية: «أَيُّهَا ٱلآبُ ٱلْقُدُّوسُ، ٱحْفَظْهُمْ فِي ٱسْمِكَ. ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي» (يوحنا 17: 11).

أيها القارئ العزيز،

كم هو جدير بك أن تضع أمام عينيك الآية، التي لاشت الجبن من نفس هذا الشاب إدوار. وأن تتأمل فيها تاركاً لها المجال لكي تعمل في ضميرك، وتأتي بك إلى يسوع. لكي تجد السلام.

وإن كانت نفسك المتضايقة تصرخ: ماذا أعمل؟ فتذكر أنه مكتوب أيضاً: «إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلاَمِي وَيُؤْمِنُ بِٱلَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ» (يوحنا 5: 24).

وتيقن بأنك لن تندم أبداً، لأنك أتيت إلى المسيح، ورجعت إلى الله به، هارباً من عالم واقع تحت ثقل الدينونة.

2 - من السجن إلى رحاب المسيح

أنا فرنسي، وأبي كان يدير حانة إلى جانب عمله كبيطار. وكان ولوعاً بالخمر، يعبّ منها كميات كبيرة. ومنذ صغري أخذت عن والدي حب الخمرة. وأذكر أنني في الرابعة من عمري، كنت أتسلق الكرسي لتصل يدي إلى الرفوف التي كانت توضع عليها الكؤوس، لأتناول البقايا التي كان رواد الحانة يتركونها في كؤوسهم. وما أن بلغت الرابعة عشرة حتى كان حب الخمرة قد تأصل فيّ، فكنت أحتسي منها إلى أن يتعتعني السكر.

في يوم من أيام الشتاء. وفيما أنا عائد من الحانة، أتمايل ذات اليمين وذات الشمال، زلت بي القدم فسقطت أرضاً وشج رأسي ولم أستطع النهوض، حتى جاء عابر سبيل وأقامني.

لقد صار لي شرب الخمرة مرضاً، غير قابل للشفاء. وحين كانت النقود تنقصني، كنت أسرق من المحل الذي أعمل فيه عدداً من زجاجات «الديبونه» وأفرغها في جوفي في غفلة عن صاحب المحل.

في الثامنة عشرة من عمري، التحقت بالبحارة بموجب عقد لثلاث سنوات. وهناك كنت أشرب باستمرار، مما حمل ربان الباخرة على طردي من عملي. ولكن الطرد لم يحملني على التوقف عن الشرب.

كسكير ابتلعت الكأس سجاياه الخلقية، أضفت إلى ولوعي بحب الخمرة سيئات كثيرة وخطايا فظيعة بمقدار أني أُحلت على القضاء وحكم عليّ بالسجن لمدة سنة ونصف، لأجل ارتكابي جريمة سرقة.

حين أُفرج عني وفيما أنا أتسكع أمام إحدى الحانات، أُصبت بإغماء مفاجئ حتى ظنت صاحبة الحانة أنني فارقت الحياة. ولكن بعد أن قدمت لي بعض الإسعافات عدت إلى وعيي.

في الخامسة والعشرين، كانت حالي قد تفاقمت جداً. فقد تلاشى من نفسي الشقية كل شعور بالسرور. وهربت الابتسامة من وجهي، وحل مكانها عبوس بشع. كنت أعيش حياة خالية من كل ما يسمى نظاماً أو قاعدة. فولعي بالخمرة، صار نوعاً من الجنون، فأقصتني الحال التي صرت إليها عن الإنسانية وَنُبذت من المجتمع كما تُنبذ النفايات.

ولكن فيما أنا نزيل سجن «ريون» جاء المسيح يفتش علي. كنت يومئذ في حالة بؤس شديد. لأن المواد الغذائية كانت شبه مفقودة في تلك السنة 1941. لذلك كنا نعاني من صيام قسري. بيد أن هذا الصوم الذي لم أسع إليه، صار بالنسبة لي أمراً حسناً. لأن بعض الشياطين، قال يسوع، لا يخرج إلا بالصوم والصلاة. والواقع أنني في تلك البرهة كنت أطالع كتاب الله المقدس. والكتاب المسمى بأسبوع المسيحي، وأتعمق في محتويات التاريخ المقدس باللغة الألمانية.

وفي هذه الكتب الثلاثة وجدت الزاد الروحي لنفسي، التي كنت في مسيس الحاجة إليه. وقد حصلت على هذه الكتب عن طريق المقايضة بعلبة سجائر لكل كتاب. ويمكنني أن أصف الصفقة هكذا: أعطيت أشياء تخص الشيطان، مقابل أشياء تخص الله... وهكذا فإن تلاوة كلمة الله والصلاة عملتا مع محبة المسيح في حياتي لإنهاضي من سقوطي شيئاً فشيئاً إلى أن صرت في المسيح خليقة جديدة.

إلا أن أمر إيماني وتجديد حياتي لم يمر بسهولة. فقد نعتني بعض السجناء بالمؤمن الزائف، الذي يمثل مسرحية لكي ينال عطفاً، وبالتالي يُطلق سراحه. ولكن الله في المسيح باركني ورسم لي الطريق الواجب أن أسلكها.

في يوم بهيِّ الجمال من عام 1945 نُقلنا إلى سجن «نيمس» المركزي. وهناك كان علي أن أكافح بجد وسرعة لأجل إطلاقي. ومع أنني قدمت كل الوثائق اللازمة لأجل تحرري من السجن، وبالرغم من أن مدة سجني كانت قد انتهت منذ سبع سنوات، فقد رُفض طلبي وهذا الرفض أتاح لإبليس أن يهاجمني، هامساً في أذني، أين هو إلهك؟ أين قوته؟ أين حبه؟ والذي ضغط على نفسي بالأكثر هو أن عدداً عديداً من رفاقي السجناء، الذين لم يتقوا الله ولا اتكلوا عليه حصلوا على الحرية، مع أنهم لم يقضوا سوى برهة وجيزة في السجن!

أمام هذه الحادثة المرة بدأت أفقد شجاعتي، وإبليس عدو الخير والصلاح بدأ يحرضني على ترك الصلاة.

وبعد فترة من الزمن نُقلت إلى سجن سان مارتان دي ري وهناك أيضاً جاهدت بشدة لأجل إطلاق سراحي. وذات يوم وضعت أمام الامتحان. فقد كان كثيرون من السجناء يُرسلون للعمل في الخارج ولكن واحداً فقط كان يخرج حراً على دراجة مع نقود، لشراء حاجات السجن . ولسبب ما، لا أعرف كيف أشرحه، أُعفي الشخص المعين من مهمته وطُلب إليّ أن أذهب بديلاً عنه. وهكذا صرت أتجول في شارع سان مارتان دي ري وأتنقل بين المحلات التجارية ومخازن التموين لشراء المؤن للسجن، ثم أعود إلى السجن جزلاً سعيداً.

وأخيراً حل يوم أراد فيه ضابط جيش الخلاص أن يهتم بأمري. فأوصى بي مدير مصح «فاليون» لكي يطلب إطلاقي للعمل في المصح. وبعد مساع قُبلت الوساطة، وأُفرج عني في أول كانون الثاني 1949. وفي ذلك التاريخ كنت قد أمضيت أحد عشر عاماً في السجن مع أن العقوبة التي حُكم علي بها كانت ستة أشهر فقط.

في فاليون كان عليَّ أن أدخل بيئة جديدة بالنسبة لي. كان ذلك وسط العمال، مع العلم أنه لم يسبق لي أن مارست عملاً جدياً، إذا استثنيت الأعمال القليلة التي مارستها في صغري، أو في السجن. كنت في حاجة إلى كل نعمة الله وكل حبه، لكي أحب العمل في المصح، وأن أمارسه برضى وسرور. لأن يسوع صنع مني أنا الذي كنت خاملاً كسولاً، عاملاً يحب أن يبذل نشاطاً. وعمل مني أنا عبد الخمرة رجلاً صبوراً قوياً. وجعل مني أنا الإنسان عديم الشرف، إنساناً شريفاً. وهذه السجايا التي لم يستطع والداي أن يربياني عليها بالرغم من حبهما لي، والتي لم تستطع الإنسانية أن تحققها لي، بالرغم من قوانينها وضغوطها الهائلة. هذه السجايا طبعني بها يسوع المسيح.

وأنا أعلم الآن من اختباري أنه ما من خطيئة مهما فظعت لا يستطيع يسوع أن يمحوها. ليس فقط لأن الكتاب يقول ذلك، بل لأنني اختبرت هذا الأمر العجيب شخصياً. أنا أعلم أنه يحيا فيّ وأنا فيه. ويقيناً أن السعادة التي يشعر بها ذو القلب الذي نقاه المسيح، لهي سعادة غامرة. وأنا أعزو هذا الامتياز، لتدخل الله في حياتي. وأنا فهمت هذا الامتياز جيداً لكي أعيش بنقاوة قلب.

قال القديس أغسطينوس أن الذين يحبون أن يكونوا روحيين حتى في أجسادهم، يصيرون دون أن يعلموا جسديين حتى في أرواحهم.

هذه لم تكن حالتي لأنني بنعمة الله سلكت الطريق المعاكس، لأن التجاديف التي كنت أتلفظ بها سابقاً ضد الله، خرست في فمي، وحل محلها التسبيح لله والعبادة لذاته. وصرت الآن أذرف دموع الفرح والاعتراف بالفضل، بدلاً من الابتئاس وذلك كلما فكرت في محبة الله المخلصة الواسعة من نحوي.

ب. كويزنيز

إن السلام الذي أتي به المسيح، هو سلام داخلي، أما السلام الخارجي الذي يعطيه العالم، فلا يستطيع أن يدخلنا إلى ملكوت الله. أما الوسيلة التي تتيح هذا الدخول، فهي التوبة. هكذا قال المسيح لنا. إن لم تتوبوا فكذلك جميعاً تهلكون!

وهذه كانت كرازة يوحنا المعمدان: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت الله! وأيضاً الرسل الأطهار كرزوا بالتوبة في كل جهات الأرض.

المعروف بالاختبار أنه ليس في وسعي أن أدعو عدواً إلى مائدتي لكي نتعشى معاً بفرح قبل أن أتصالح معه أولاً. هكذا نحن أيضاً أعداء الله بسبب الخطيئة، التي هي التعدي على حق قداسته تعالى. إذن ليست محبتنا البشرية المتروكة هي التي تتيح لنا الدخول إلى ملكوت الله. بل ندخل بالمصالحة مع الله بيسوع المسيح، الذي دفع ثمن المصالحة بموته الفدائي. كما هو مكتوب: «وَلٰكِنَّ ٱلْكُلَّ مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ ٱلْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (2 كورنثوس 5: 18 و19).

كل طريقة أخرى للمصالحة مع الله، والدخول إلى ملكوته وهم، يمكن به أن نضل أنفسنا، ونخدع الآخرين. ولكن ليس في وسع أحد أن يخدع الله. المسيح لم يتكلم لنا عن وحدة العالم، بل على العكس يتكلم عن انقسام الناس حول قضيته. قال: «فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ ٱلإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَٱلٱبْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَٱلْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا» (متى 10: 35).

وأيضاً لم يخبرنا عن وحدة أبناء البشر فيما بينهم، بل كلمنا عن انقسامهم، إذ قال: «لأَنَّهُ يَكُونُ مِنَ ٱلآنَ خَمْسَةٌ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ مُنْقَسِمِينَ: ثَلاَثَةٌ عَلَى ٱثْنَيْنِ وَٱثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ» (لوقا 12: 52).

والمعروف بالاختبار أن الأتقياء الزائفين لا يتعمقون في كلمة الله، ولا يعيشون بموجبها وفقاً لدعوة المسيح التي تبدأ بنكران الذات.

لذلك فالكرازة بالصليب تحسب جهالة بالنسبة لهم، لأنهم أعداء صليب المسيح (فيلبي 3: 18). ولا عجب في ذلك فقد قال يسوع: «لأَنَّ كَثِيرِينَ يُدْعَوْنَ وَقَلِيلِينَ يُنْتَخَبُونَ» (متى 22: 14).

إن كنت أنقل هذه الشهادة للقراء الأحباء، فذلك لكي أؤكد للذين خسروا كل شيء وللذين صارت نفوسهم بلا قوة وبدون رجاء، وللذين لم يبق لهم ما يخسرونه: أنتم في حاجة إلى المسيح اذهبوا إلى المسيح المخلص، فهو الوسيط الوحيد، الذي يجد الهالك عنده الوسيلة الوحيدة لخلاص حياته. اذهبوا إليه وسترون كيف يجعل من حياة ضالة غير نافعة متشائمة، حياة مخلصة للآخرين ومستعدة لكل عمل صالح.

3 - عرض فريد

منذ عدة سنين علق أحد الملاّكين الأثرياء إعلاناً على باب بيته، هذا نصه:

إنني أتعهد بإعفاء أياً من مزارعيَّ من كافة ديونه وذلك بالشروط التالية:

1 - أن ينظم لائحة كاملة بكل ما لي في ذمته.

2 - أن يسلمني هذه الوثيقة شخصياً في مكتبي غداً قبل الساعة الثانية عشرة.

هنري ميني

مالك أطيان

يا لروعة هذا الحدث المدهش! فبعد برهة من الزمن اجتمع جميع سكان القرية أمام البوابة. وكل واحد كان يود التأكد شخصياً من صحة هذا العرض الفريد.

- آه! قال فريدريك العجوز في نفسه حين قرأ الإعلان، يجب أن أخبر زوجتي حالاً، فإنها ستسعد كثيراً، في أن نتخلص من كل ديوننا، بطريقة سهلة وسريعة! قال هذا ثم ذهب مسرعاً إلى بيته:

- مرتا! صرخ فريدريك وهو يلهث! مرتا! هل علمت بالخبر؟ أن المعلم يود إعفاءنا من كل ديوننا! يكفي أن نقدم له في مكتبه لائحة مفصلة بكل ما له علينا، فماذا تقولين؟

- هذا حسن، قالت مرتا، ولكن هل تعتقد أن المعلم جاد في ما أعلنه؟

- ولكن يا مرتا، قال فريدريك بصوت يشوبه الحزن، ألهذا الحد ثقتك قليلة في معلمنا؟ إنه بالحق لم يقصد بعرضه مزاحاً. أنا أعرفه وأعلم أنه سيفي بوعده.

جمعت مرتا كل الفواتير التي لم تسدد بعد، وبدأ فريدريك بالكتابة وقد استغرق وقتاً طويلاً في إعداد اللائحة. كان عليه أن يدون كل دين تاريخاً ونوعاً وقيمة:

20 /10 ثمن بذار شعير 00 ,48

29 /12 ثمن لحم 00 ,28

15 /1 ثمن بذار البطاطا 00 ,186

4 /3 ثمن مواد غذائية 00 ,72

12 /3 قرض 00 ,50

9 /4 ثمن بذار الشوفان 00 ,350

22 /5 ثمن زيت 75 ,46

30 /6 إيجار المزرعة لنصف السنة الثاني 00 ,1200

10 /7 ثمن طحين 80 ,19

- إن مجموع الديون لكبير جداً قال فريدريك في نفسه، فلعله من الأفضل أن أسقط بعض المبالغ. ولكن مضمون الإعلان يقول بوجوب تدوين كل الديون. إذا لم يكن في وسعه أن يسقط أياً منها. لذلك تشجع وتابع الكتابة، قائلاً: إن المعلم سيفي بوعده لذلك أنا أجاريه.

كان الوقت متأخراً حين انتهى فريدريك من إعداد لائحة الديون، فطوى اللائحة وذهب للنوم.

في الغد، نهض باكراً، وبعد أن قام بالأعمال الضرورية بسرعة، ودع زوجته وذهب بخطوات ثابتة، ولكن قلبه كان يدق أثناء سيره في اتجاه بيت المعلم. وحين وصل كانت هناك مفاجأة بانتظاره! فقد وجد جمعاً كبيراً أمام البوابة، التي كانت مغلقة.

- أه يا أصدقائي! ماذا حدث حتى أنكم ما زلتم واقفين أمام الباب؟ صرخ فريدريك بصوت تشوبه بحة التأثر. إن طال انتظاركم أكثر فلن يكون في وسع جميعكم الدخول قبل الساعة الثانية عشرة.

- ها ها! هل تسمعون؟ قال بعضهم، فيا للمسكين! لقد أخذ بمزحة المعلم، وصدق ما كتب في الإعلان.

هذه الأصوات أزعجت فريدريك وأثارت مخاوفه وجعلته يقف مشدوهاً.

- ولكن الإعلان صريح، انظروا، قال فريدريك ماداً يده ومشيراً إلى ما هو مكتوب. انظروا، إن العبارات واضحة فالمعلم يعفي كل من يأتي إليه من الديون المترتبة عليه، شرط أن يقدم له لائحة في مكتبه قبل الساعة الثانية عشرة.

- صه! قال آخر، يجب أن لا نصدقه، أنا أفهم ماذا يقصد بإعلانه هذا. إنه يظن بأننا أغبياء بهذا المقدار حتى لا نعرف أن حساباته في حالة من الفوضى، والآن ينتظر أن نقدم له كشوفاً بديوننا حتى يحفظها كوثيقة اعتراف منا بهذه الديون. وحينئذ يستطيع أن يرسل إلى السجن أياً منا، يعجز عن الدفع. كلا، كلا يا عزيزي لست غبياً إلى هذا الحد لأصدق هذا الإعلان! وإن كان في وسعي أن أسديك نصيحة، أقول لك، عد سريعاً إلى البيت لعند عزيزتك مرتا، واترك هذه المسألة لأشخاص أكثر ذكاء.

وبأقوال مماثلة أخذ القرويون الآخرون يحاولون مع فريدريك للعزوف عن مشروعه. ولكن محاولتهم لم تفلح، لأن فريدريك بقي ثابتاً مشيراً إلى الإعلان، ومجتهداً أن يقنع زملاءه بالثقة في هذا المعلم، الذي سبق له أن أعطى مراراً براهين عن صدقه بالتعامل معهم وعطفه عليهم. وأخيراً حين تأكد لديه أن محاولاته لن تنجح معهم. وأنهم رفضوا حتى مرافقته إلى مكتب المعلم، غادرهم حزيناً جداً من تصرفهم، ويمم وجهه اتجاه مكتب المعلم. وما أن طرق الباب حتى سمع وقع خطوات مقبلة في الداخل، وفي لحظة فُتح الباب. وبدون أن يلتفت إلى الجمع الساخر منه، ولج فريدريك المكتب بأسرع ما يمكن من انفراجة الباب الضيقة، وتبع الفرّاش، الذي بعد أن أغلق الباب بكل عناية اقتاده خلال ممرات طويلة إلى مكتب المعلم.

لو بقي شيء من القلق أو الشك في نفس فريدريك لكان عليه أن يتلاشى الآن حين وقف في حضرة المعلم.

- كم أنا سعيد من أجلك يا فريدريك لأنك أتيت، أنت أول من وثق بكلامي. فكل الآخرين لم يصدقوا أني في الانتظار منذ بعد ظهر البارحة، ولكن إلى الآن لم يأت أحد. وبعد لحظة من الصمت استأنف قوله:

- هل أتيت بلائحة ديونك؟

ما أن سمع فريدريك هذه العبارة حتى أخرج من جيبه الورقة الكبيرة وقدمها للمعلم.

- ألم تنس شيئاً؟

- كلا يا سيدي، لقد دونت كل شيء بالتفصيل.

راح المعلم يقرأ الديون واحداً بعد الآخر، وبعدئذ تناول قلماً أحمر وشطبها تباعاً، بحيث لم يبق باستطاعة أحد أن يقرأ شيئاً منها، وأخيراً بعد أن قرأ كل شيء، مزق الورقة بسرعة وطرح أجزاءها في النار.

- ها أنت الآن حر يا فريدريك لأنك صدقت كلامي، أعفيك من كل ديونك.

- يا للبهجة! قال العجوز، وكم أنا ممتن لك يا سيدي، إذن فالعرض كان حقيقياً!

كان سعيداً بمقدار أنه كان في وسعه أن يقفز إلى السقف. ولكنه تذكر فجأة أولئك الذين بقوا واقفين خارج البوابة. كان الواجب المحتوم عليه، أن يبلغهم أن الإعلان صحيح، وأن يحيطهم علماً بسعادته ولهذا شاء أن يركض بسرعة. ولكن المعلم إذ خمّن ما يدور في خاطره أوقفه بإشارة منه.

- رويدك يا فريدريك! قال المعلم، ابق معي قليلاً أيضاً. كان صوته حزيناً حين استطرد القول - في ما يختص بالواقفين خارجاً، ليس من فائدة فقد صار الوقت متأخراً. إنهم لم يشاءوا المجيء، لأنهم لم يأخذوا كلامي بموضع الجد، إنهم لم يثقوا في كلمتي. لقد أهملوا ولم يفتدوا الوقت المناسب. والآن يحتفظون بديونهم وسأطالبهم بها إلى آخر فلس. انتظر هنا إلى أن تدق الساعة الثانية عشرة، بعدئذ يمكنك أن تخرج.

في الخارج كان الجمع ينتظر دائماً أمام البوابة المغلقة. وما من أحد منهم تجاسر أن يتقدم ويطرق الباب. كل واحد كان خائفاً من السخرية وما من أحد منهم يريد الاعتراف بأنه مديون للمعلم. ولكن في سرهم كانوا جميعاً ينتظرون عودة فريدريك العجوز، حيث يمكنهم أن يعرفوا ماذا حدث له حقاً. ولكن فريدريك لم يخرج بعد، لقد تجاوزت الساعة الحادية عشرة، وبعدها الحادية عشرة والنصف ثم الثانية عشرة إلا ربعاً. وراحت إبرة الدقائق تتقدم رويداً رويداً ولعلهم أخذوا يتساءلون؟ هل فريدريك العجوز على حق؟ وإن لم يكونوا قدأخطأوا؟ صارت الساعة الثانية عشرة إلا خمس دقائق، دون أن يتجاسر أحد منهم على الاقتراب من الباب ليقرعه، فيما كانت إبرة الدقائق تقترب. بقي ثلاث دقائق، دقيقتان، دقيقة واحدة فقط، وأخيراً «دونج»! الساعة الثانية عشرة!

في نفس اللحظة فُتح الباب وخرج منه فريدريك العجوز مسروراً جزلاً. فركض إليهم وصاح:

- لقد أُعفيت من ديوني إعفاءً كاملاً!

- ماذا تقول؟ هتف الجماعة الحيارى باندهاش وهم يلتفون حوله. أصحيح هذا الأمر؟ أحقاً حررك المعلم من ديونك كلها؟

- أجل، أجل، ردد فريدريك، لقد عمل بكل دقة وفق ما هو مكتوب في الإعلان.

- إذن هلم بنا إلى الداخل، قال الجماعة معاً وراحوا يتدافعون في اتجاه مكتب صاحب الأرض. ولكنهم عادوا على أعقابهم مذعورين، لأنهم فوجئوا بإعلان آخر على الحائط يحتوي على كلمتين: تأخرتم كثيراً! ولكن قبل أن يصلوا إلى اليأس طرقوا الباب بقبضات أيديهم، ولكن عبثاً فعلوا، لأن أحداً لم يفتح لهم. لقد تأخروا كثيراً «ورفضوا عرضاً فريداً» والآن كل شيء قد ضاع إلى الأبد. لم يبق إلا انتظار مليء بلهاث الموت في دينونة مخيفة من قبل المعلم لأجل جميع الذين لم يثقوا فيه ولم يصدقوا كلامه.

أيها القارئ العزيز،

أنت في حال مماثلة لحال هؤلاء الغفلة أمام باب معلمهم. إن إنجيل الله هو عرض فريد بالنسبة لك. فأنت أيضاً رازح تحت الديون لله - خطاياك العديدة - التي لا تستطيع أن توفيها أبداً بنفسك. لأجل هذا مات يسوع ابن الله على صليب الجلجثة، وحمل في جسده كل خطاياك وكل ذنوبك. لعلك تتساءل: هل هذا يعني أن جميع الناس خلصوا؟ والجواب على هذا السؤال الهام: «كلا»! ليس جميع الناس خلصوا. ليس جميع الناس سيذهبون إلى السماء. فقط الذين يعترفون بخطاياهم للرب يسوع، ويؤمنون بأنه مات لأجلهم بالذات. فهل تقبل يسوع مخلصاً لك؟ وهل تشاء أن تتبعه منذ اليوم؟ إذن، خذ قرارك الآن! لا تتصرف كما تصرف أولئك الجماعة الذين انتظروا أمام البوابة. لأنه بالنسبة لك أيضاً، يمكن أن يصير الوقت متأخراً. اجثُ على ركبتيك حالاً، واعترف بخطاياك للرب يسوع، واسأله الغفران. تمثَّل بفريدريك العجوز، الذي دوّن كل ديونه دون تمييز. واهمس بالكل في أذن يسوع. قل له إنك نادم على هذه الخطايا العديدة. وإن كنت تنسى بعضها فاذكر أنه مات لأجل هذه أيضاً.

إن كنت الآن تؤمن بالرب يسوع، فآمن أيضاً بأن جميع خطاياك قد غُفرت إلى الأبد. وأنك مخلص بالنعمة وحينئذ تصبح ابناً لله محبوباً ولن يستطيع أحد أن يخطفك من يد الله أبيك. أليس هذا عجيباً؟

4 - الفتى السعيد

كان جيمي في الثانية عشرة، عندما حدث له ما غيَّر مجرى حياته. ففي ذلك اليوم استيقظ كعادته حين ولجت غرفته أول خيوط الشمس الذهبية. وغادر المكان إلى السوق، لكي يسرق بعض الطعام. ولكن لما حاول إخفاء بعض الأشياء داخل ثيابه، باغتته البائعة وراحت تصرخ: النجدة! النجدة! أوقفوا اللص!

أما جيمي فأطلق ساقيه للريح، بسرعة وحيوية لم يسبق له في كل حياته أن شعر بمثلها. لقد حاول كثيرون الإمساك به، ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، واستطاع أن يفلت ويختبئ في أحد الشوارع الضيقة.

كان قلبه يخفق بشدة، حين مر مطاردوه من أمامه. وكان يتساءل في قلق، هل سيكتشفون مخبأي؟ وبعد لحظات راح يلقي نظرة حذرة إلى الشارع، فرأى أن الخطر قد ابتعد لأن آخر مطارديه تجاوزه بمسافة بعيدة.

والآن ما العمل؟ على أي حال لا يجسر على الرجوع ثانية إلى السوق. فهل سيكون حظه أوفر في ساحة البيكادلي؟ كان بطنه الخاوي، يجتذبه إلى هناك فذهب وقبع في زاوية من الشارع، ليتسول، مستجدياً عطف المارة. ولكن أحداً منهم لم يهتم بهذا الصبي الشاحب الهزيل، ذي الثياب البالية. كان يرفع عينيه بنظرة خائفة على رجاء أن ينال صدقة ما. ولكن الطفل المسكين لم يحظ بعطف أحد.

- واأسفاه! لو كانت أمي بعد حية. قال الفتى في نفسه. لو كانت حية ما كنت في حاجة للتسول. كنت سأملك سريراً مثل بقية الأولاد. وكنت سأتناول كل يوم وجبة طعام جيدة على الطاولة.

وهكذا أمضى جيمي الصباح هناك، حزيناً بائساً. وأخيراً بعد ثلاث ساعات طويلة، وقف به سيد كبير السن وأعطاه شلناً. وكان الشلن كافياً لسد جوعه في ذلك اليوم.

بعد الظهر غادر جيمي زاويته في البيكادلي، وقام بنزهة بالقرب من السوق. ولكنه كان قلقاً ينظر ما حوله، خائفاً من أن يعرفه أحد. فمما لا ريب فيه أن أحدهم بلّغ الشرطة عنه. وكان من السهل التعرف عليه من ثيابه المهلهلة! أية حياة هذه! السرقة التسول، والخوف المستمر! هل يجدر به أن يحيا.

في غمرة تعاسته ونقمته على ذاته وعلى الناس جميعاً تابع جيمي مسيرته. كان غارقاً تماماً في هذه الأفكار، لما رأى نفسه فجأة في حي من أحياء لندن، لا يعرفه. وفيما هو يسير على غير هدى، مر أمام بيت تنبعث منه أصوات الترانيم. فاقترب بدافع من فضوله وراح ينصت، وبغتة رآه سيد مسن يشبه ذاك السيد الذي تصدق عليه بالشلن.

- نهارك سعيد يا صغير، قال السيد. ألا تريد الدخول إلى البيت؟

أممكن هذا؟! جيمي المتشرد ذو الثياب الرثة، مدعو للدخول إلى البيت حيث يهلل السعداء؟! ولكن السيد كان يبتسم له، لكي يطمئنه ولم يلبث أن قال له:

- تفضل ادخل، ولكن لا تخف! يوجد شخص ينتظرك وهو يحبك جداً. وسيجعلك سعيداً أيضاً في السماء.

لم يفهم جيمي ما كان يعنيه السيد المسن بقوله، ولكن أمام العينين اللتين كانتا ترمقانه بنظرة كلها صداقة وحنان، لم يستطع رفض الدعوة. فدخل وجلس في آخر مقعد، حيث كان في وسعه أن يرى الواعظ بالرغم من وجود أشخاص عديدين أمامه.

كان الواعظ قد بدأ بإلقاء رسالته، فأخذ كتاباً مقدساً ضخماً وفتحه، ثمّ راح يقرأ الكلمات التالية: «لأَنْ مِنَ ٱلْقَلْبِ تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ، زِنىً، فِسْقٌ، سِرْقَةٌ، شَهَادَةُ زُورٍ، تَجْدِيفٌ» (متى 15: 19). وبعد القراءة قال الواعظ:

- ليس أحد يقدر أن يقول إنه لم يفعل خطية. حتى الأولاد الصغار أنفسهم يعملون الشر.

هذه العبارة الأخيرة جعلت جيمي يفكر في الأعمال التي اعتاد أن يمارسها. ثم استطرد الواعظ فقال:

- إنّ الأولاد الصغار على الأقل لا ينصاعون لنصائح والديهم. وهكذا كل إنسان مذنب أمام الله، صغيراً كان أم كبيراً، شيخاً غنياً كان أم فقيراً، مكرماً أم محتقراً. لأن عيني الله لا تستطيعان أن تريا الخطية. لأن الخطية بالنسبة له أمر فظيع، ولهذا يدين الناس جميعاً. والكتاب المقدس يقول: «وَأَمَّا ٱلْخَائِفُونَ وَغَيْرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلرَّجِسُونَ وَٱلْقَاتِلُونَ وَٱلزُّنَاةُ وَٱلسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ ٱلأَوْثَانِ وَجَمِيعُ ٱلْكَذَبَةِ فَنَصِيبُهُمْ فِي ٱلْبُحَيْرَةِ ٱلْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي» (رؤيا 21: 8).

- إن كان الامر كذلك، فأنا هالك، قال جيمي في نفسه. لقد سرقت وكذبت وكنت شريراً ووقحاً تجاه الأولاد الآخرين. ماذا يجب أن أفعل؟ هل لي من خلاص؟ آه! لو كنت أعرف شخصاً يمكنه أن يساعدني.

في شرود ذهنه وتيهانه وراء أفكاره لم يتابع جيمي العظة. ولكن فجأة أمال أذنه، لأن الواعظ كان يتكلم عن شخص إلهي، جاء لكي يساعد الناس، ويهديهم إلى سبل الحق قال:

- حين رأى الله أن بني البشر لا يستطيعون الذهاب إلى السماء بسبب خطاياهم، أرسل إلى العالم ابنه يسوع المسيح، ليموت على الصليب لفداء الخطاة. وبكلمة أخرى، إنَّ الرب يسوع، أخذ عقاب الدينونة نيابة عنا، مع أنه لم يعمل خطية. ولكن الله وضع عليه إثم جميعنا... وهكذا نستطيع أن نقول مع إشعياء النبي: «لَكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ ٱللّٰهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إشعياء 53: 4 و5).

كل إنسان يقبل يسوع مخلصاً شخصياً ينال باسمه غفران الخطايا ويشعره الروح القدس بأن قلبه الخاطئ قد طهر بدم يسوع، الذي سفك على صليب الجلجثة، وصار أكثر بياضاً من الثلج (مزمور 51: 7).

هكذا نقرأ في الكتاب المقدس: «إِنْ سَلَكْنَا فِي ٱلنُّورِ كَمَا هُوَ فِي ٱلنُّورِ، فَلَنَا شَرِكَةٌ بَعْضِنَا مَعَ بَعْضٍ، وَدَمُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (1 يوحنا 1: 7).

ونقرأ أيضاً: «وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (يوحنا 1: 12). أليست هذه عطية فائقة؟ لست تخلص من خطاياك فحسب، بل أيضاً يصبح الله أباً لك. ويهتم بك كل يوم: إنه يحبك كما لم يستطع أحد أن يحبك. ولا يستطيع أحد أن يخطفك من يده (يوحنا 10: 28 و29).

لأجل هذا احْنِ ركبتيك أمام الله واعترف له بخطاياك واحدة فواحدة. قل له بأنك اقترفت خطايا أخرى قد نسيتها.

تذكر أن الرب يسوع بموته قد كفر عنك كل ذنوبك وأخطائك. إنه ينتظرك وهو حاضر لكي يغفر لك حالاً إن كنت تعترف بخطاياك مُخْلصاً. وبعدئذ آمن بأنك خلصت، وبأنَّ خطاياك قد غُفرت فعلاً. وبأنَّ قلبك قد تغسل بدم المسيح، وبأنّ لك الحياة الأبدية.

كان جيمي يسمع هذه العبارات هو منقطع الأنفاس. لأنه شعر بأن الكلمات كانت موجهة إليه خصيصاً. ولهذا لم يكن في وسعه أن ينتظر. كان عليه أن يأخذ قراره بدون تأخير. فخرج من القاعة إلى زاوية معتمة في الشارع، حيث يسود الهدوء وحيث لا يقدر أحد أن يراه أو يزعج خلوته. وهناك جثا على ركبتيه وصلى. يا رب يسوع، لقد تألمت كثيراً لما علمت بأنني أحزنت قلبك في معظم الأحيان بسبب خطاياي. كذبت وسرقت وكنت وقحاً وكسولاً جداً وكانت عندي أفكار شريرة.

يا رب يسوع، أقر بأنني مستحق أن أطرح في جهنم النار. لقد سمعت أيضاً بأنك ذهبت إلى الصليب لأجلي لكي ترفع حكم الدينونة عني. يا رب يسوع، أشكرك من كل قلبي، لأنك عملت هذا. آمين.

لما أنهى جيمي صلاة اعترافه، كان قلبه مفعماً بالفرح. فقام من ركوعه وعنده اليقين بأنه الآن أحد أولاد الله. كان سعيداً بمقدار أنه راح يصرخ: قد خلصت، هذا رائع ومجيد! يسوع خلصني، هذا رائع ومجيد!

في صباح أحد الأيام الباكر جداً، ذهب جيمي إلى الميناء وهو يقول في نفسه:

- لا بد أنه يوجد عمل في إحدى البواخر، ولعلي أجد عملاً يناسب صبياً مثلي.

ولكن كل ما دار في خاطر الصبي كان مجرد حلم براق. فكل شيء بالنسبة له تغير منذ أن عرف يسوع وأعطاه قلبه. كان في الماضي متمرداً يائساً مكدراً، ولكن الآن صار سعيداً، حتى ملء القلب. في الماضي لم يخطر في باله أن يشتغل، أما الآن فقد صمم على أن يأكل خبزه بعرق وجهه.

وصل جيمي إلى الميناء، وقبل أن يسعى لإيجاد عمل، ضم يديه وصلى إلى الرب يسوع، سائلاً أن يعطيه عملاً شريفاً، وما أن فرغ من صلاته حتى اتجه إلى مركب متسلقاً السلم المصنوعة من الحبال. وما أن خطا خطوتين على ظهر المركب، حتى انطلق صوت غاضب:

- ماذا تعمل هنا أيها الشقي؟ هل أتيت لتتجسس وتسرق؟ هيا اغرب من هنا! إن عدت ثانية فسألقي بك إلى اليم.

كان البّحار في تلك الساعة يقترب من جيمي رافعاً قبضته ليلطم بها الصبي المسكين.

- ماذا يحدث هنا؟ قال الكابتن. زائر صغير، ماذا تريد يا بني؟

- يا كابتن، هتف جيمي. ما جئت لأسرق بل جئت أسأل إن كان في وسعي العمل على هذا المركب. اسمي جيمي وأنا مستعد أن أقوم بالأشغال، حتى الصعبة والوسخة منها، أرجوك أن تسمح لي بالعمل هنا!

- أوه! تريد عملاً؟ قال الكابتن - حسناً نحن دائماً في حاجة إلى عمّال. اذهب إلى الضابط الأول، فيقول لك ماذا تعمل - قال هذا، ثم ذهب إلى مقصورته.

بقي جيمي لحظة متردداً ولكن أليس هذا هو جواب السماء على صلاته؟

- هذا رائع، قال جيمي في نفسه. لقد رتب الرب يسوع كل شيء لأجلي - المجد للرب، المجد للرب!

وفجأة رن على ظهر السفينة نشيد فرح، وصل إلى سمع البحارة العاملين على المراكب المجاورة. فرفعوا رؤوسهم ونظروا إلى جهة الصوت.

- جيمي، ما هذا! سأل الكابتن. هل أتيت هنا لتشتغل أم لترتل؟

كان الضابط الأول ذئباً بحرياً عتيقاً. يحاول دائماً أن يجعل الحياة صعبة على نوتيّته. وهذا يعني أن الحياة معه لن تكون سهلة بالنسبة لجيمي. فمنذ البداية عيّن له الأشغال الأكثر إزعاجاً وقذارة. ولكنه فوجئ في أن رأى جيمي يهتف قائلاً، المجد للرب!

في البداية سخر الضباط والبحارة من تصرفاته، ولكن سخريتهم لم تستطع التأثير على العامل الصغير. فقد كان يسر في أن يصمت حين كانت اللطمات والركلات تُكال له بكثرة، الأمر الذي لا يقابل عادة بفرح.

مرت أيام قليلة وإذا بالضابط الأول يأتي إلى مقصورة الكابتن ومعه جيمي. وما أن دخل حتى قال:

- أرجوك يا سيدي أن تخلصني من هذا الصبي، فإنني أفضل ألف مرة أن أقوم أنا بنفسي بأعمالي من أن أسمع صرخات الفرح والترانيم التي يطلقها - أتوسل إليك أن تأخذه.

حسناً، قال الكابتن - سآخذ هذا الولد، ثم استدار نحو جيمي وقال له بصوت يشوبه التهديد.

- كفى! لست أريد هذه الترانيم. ستعمل فصاعداً في مقصورتي وويل لك إن سمعتك ترتل!

قال هذا ثم خرج مع الضابط الأول تاركاً جيمي لوحده في المقصورة. ولما صار جيمي وحيداً قال في نفسه وهو يشتغل:

- لماذا طقم السفينة لا يريدون سماع ترانيمي! لا ريب في أنهم لا يعرفون الرب يسوع!

حين انتهى من الكنس والغسيل وترتيب المقصورة سرح نظره في ارجائها. فاكتشف وجود خارطة بحرية كبيرة على الحائط، فاقترب منها وراح يتفحصها باهتمام متسائلاً: ما معنى هذه الأرقام المكتوبة عليها؟ فبقدر ما كان لون البحر قاتماً، كانت الأرقام أعلى. لا شك في أنها تدل على عمق البحر 2000 متراً، 4000 متراً، 5000 متراً.

قرأ جيمي هذه الأرقام، قائلاً في نفسه، إنني أود أن أرى أعمق مكان في البحار. ثم سرح إصبعه على الخارطة فوق الأرقام 6674 متراً، 8137 متبراً، 10863 متراً، هوذا المكان الأكثر عمقاً 10863 متراً، هللويا! في تلك اللحظة فُتح الباب وبدا الكابتن:

- جيمي، ماذا قلت لك منذ هنيهة؟ قالها الكابتن بلهجة مليئة بالغضب والتهديد.

- أوه يا كابتن! قال جيمي، لقد انتهيت إلى اكتشاف رائع ومن أجل هذا صرخت.

- حسناً، تمتم الكابتن، وماذا اكتشفت؟

- أه يا كابتن! لقد اكتشفت المكان الأعمق في البحار. والكتاب المقدس يقول: بأن الله ألقى بجميع خطاياي في أعماق البحار. والآن أعلم أين هي خطاياي وأنا سعيد جداً لأنها أُلقيت بعيداً هكذا.

لم يتوقع الكابتن جواباً كهذا، لذلك رمق الصبي بنظرة متعجبة. وبعد لحظة من الصمت قال في نفسه، أليس ممكناً أن يكون هذا الصبي على حق؟

- هل تريد أن تخبرني كيف صرت سعيداً بهذا المقدار؟ قال الكابتن.

- بكل سرور يا سيدي، أجاب الصبي. وأنت مع أنك كابتن، فأنت أيضاً خاطئ أمام الله، وتستحق الطرح في جهنم ولكن يسوع مات لأجلك على الصليب! وكفر عن خطاياك لكي لا تهلك.

أصغى الكابتن إلى قصته بكل انتباه فتأثر في أعماق قلبه. وحين أنهى كلامه قال:

- جيمي، أنا أيضاً أريد أن أقبل الرب يسوع مخلصاً شخصياً.

قال هذا ثم جثا الاثنان، واعترف الكابتن بخطاياه. وآمن بأن الرب يسوع مات لأجله، وأن الله غفر له كل آثامه. وما أن انتهى من صلاة اعترافه حتى صرخ.

- المجد لله! لقد أصبح سعيداً الآن، بمقدار سعادة جيمي وما كان في وسعه أن يصمت.

كان البحارة خلف الباب ينصتون بكل انتباه. كانوا يرغبون في أن يعرفوا ماذا يفعل الكابتن بجيمي. وعبثاً حاولوا أن يفهموا ماذا يقال في الداخل إلى أن بوغتوا بسماع صرخة الفرح التي انطلقت من حنجرة الكابتن. عندئذ راحوا يتبادلون نظرات الدهشة قائلين: لقد جن العجوز!

بعد هنيهة من الوقت فتح الباب وأطل الكابتن على ظهر السفينة برفقة جيمي.

- أيها البحارة الأصدقاء، قال الكابتن بصوت تشوبه نبرة جديدة، لم يعهدوها قبلاً - نحن أسأنا إلى جيمي، إذ ظننا أنه مجنون. لقد أخطأنا في هذا، أخطأنا جداً. لقد مررت لتوي في نفس الاختبار الذي اجتازه هذا الفتى. وأنا أنصحكم أن تختبروا ما اختبرناه. والآن أطلب إليكم أن تترفقوا بجيمي فهو منذ الآن في حمايتي - دعوه يرتل ويطلق صرخات الفرح أثناء عمله. وليس إلا حين تقبلون خلاص الله بالمسيح يمكنكم أن تفهموا هذا الصبي.

وأنت أيها القارئ الكريم، ليتك تختبر خلاص الله كما قبله هذا الكابتن. وعندئذ تتبرر بالإيمان ويكون لك سلام مع الله.

ليس إلا حين تقبل يسوع بالإيمان وتعترف له بخطاياك يمكنك أن تصير سعيداً مثل جيمي الصغير.

قال إمام المرنمين داود: «أَعْتَرِفُ لَكَ بِخَطِيَّتِي وَلاَ أَكْتُمُ إِثْمِي. قُلْتُ: «أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِذَنْبِي، وَأَنْتَ رَفَعْتَ أَثَامَ خَطِيَّتِي» (مزمور 32: 5).

وقال الرب يسوع المسيح: «قَدْ كَمَلَ ٱلّزَمَانُ وَٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِٱلإِنْجِيلِ» (مرقس 1: 15).

5 - جواب للملحدين

ولدت في بيت مسيحي، ولما بلغت الحادية عشرة توفيت أمي. فأرسلت إلى ميتم (ملجأ) بناء على مشورة أصدقاء أبي. كانت هذه المؤسسة تدّعي بأنها تنشئ الأطفال تنشئة دينية، ولكن للأسف! فقد كان ادِّعاؤها كاذباً. وبكلمة أخرى، يمكن أن يقال عن ذلك الميتم كل شيء ما عدا أنه يعنى بالتربية الدينية.

أمضيت خمسة أعوام في هذه المؤسسة، وهي مدة كانت أكثر من كافية لكي أنحرف عن طريق الحق، وأسلك الطريق النجسة، وبدلاً من أن يفعم قلبي بحب الله، امتلأ بالكراهية له وبالحقد عليه.

لقد غرقت كلياً في ظلام الإلحاد، وصرت أصرخ بشدة بأن الله مجرد خرافة اخترعها البشر، وبأن يسوع المسيح مجرد شخص تاريخي مات وأصبح لا نفع منه.

أما الكتاب المقدس فحسبته كتاباً يهودياً مليئاً بالأساطير العقيمة، التي توجب طرحه في سلة المهملات. وفي اعتقادي أن اختباراتي المريرة في سن الطفولة، هي التي ألقتني في ذراعي الإلحاد.

عملاً بتصميمي على تزويد ذهني بالمزيد من المعلومات العامة، كنت أكرس ساعات عديدة للقراءة والدرس في المكتبات العامة. ولكن كنت أعير اهتماماً كبيراً للمحاضرات المضادة للدين، وخصوصاً الخطب المليئة بالتجاديف على الله. ولهذا أطلق علي الأصدقاء لقب بطل التجديف.

بعد أن تمكنت في إلحادي، رحت أجوب البلاد متنقلاً من مدينة إلى أخرى، أدعو لاجتماعات، كنت أقيم فيها مناظرات ومباحثات مضادة للدين. وكنت أقتنص الفرص لتوزيع ألوف المنشورات والكتب الإلحادية، وهدفي الوحيد أن ألاشي فكرة وجود الله من أذهان الناس. وفي أثناء الليل والنهار، كان دأبي السير في هذه الطريق، لتحطيم الدين.

في أثناء مروري بشيكاغو تعرفت على السيد مارتن شارل. وهذا الرجل المتطرف في إلحاده صار لي صديقاً وفياً. ورفيق سلاح أميناً. ولا أظن أن أحداً في الأرض رأى ثنائياً جمعهما الإلحاد أشد تعصباً ضد الله وأكثر وفاء للإلحاد مما كنا.

في بعض من أجزاء أميركا يوجد حتى الآن جمعيات تضم عدداً من الملحدين أطلقوا على أنفسهم «جمعيات أحرار الفكر» وهذه الجمعيات من تأسيس مارتن شارل وأنا رالف اندروود.

في سنة 1931 ألفنا جمعيةباسم «جميعة النشر لعصر الإلحاد» وطبعنا ووزعنا ألوف وألوف المنشورات. وأيضاً أسسنا فروعاً عديدة في كل أنحاء أميركا وأطلقنا على المجموع اسم «الجبهة العالمية الإلحادية المحاربة».

كان مارتن شارل صاحب ورئيس محرري هذه الجمعية. أما أنا فكنت الناشر، ورئيس قسم المبيعات.

بعد فترة من الزمن، حدث انقلاب جذري في حياة صديقي وزميلي مارتن شارل، ذلك على أثر وفاة زوجته، ولم تنفع أية وسيلة في تخفيف آلامه، ولم يلبث أن فقد كل اهتمام بعملنا المشترك، واستولت عليه كآبة خرساء. وفيما هو في غمرة يأسه، ظن أنه يستطيع بالانتحار الهرب نهائياً من أحزانه الأليمة. وكان علي أن أتدخل ثلاث مرات لكي أجعله يصرف النظر عن مشروع الانتحار القذر. في مرتين أخذت منه السم، الذي كان قد استحضره. وفي المرة الثالثة وجدته جالساً إلى مقعد سيارته بلا حراك، كأن الموت قد أخذه. كان قد أغلق أبواب مرآبه (الكراج) وأدار محرك سيارته. وتبعاً لذلك أخذ الغاز يسمم الهواء في الداخل. ولولا تدخلي في اللحظة الأخيرة لقضي نحبه.

صممت على ترك المدينة للالتحاق بعائلتي في ولاية أوريغون ولكنني لم أمكث هناك إلا أياماً قليلة، بسبب خوفي من رجوع صديقي إلى محاولاته للانتحار.

ولكن حين عدت لاحظت أن صديقي أبعد ما يكون عن الانتحار. ماذا أقول؟ إنه كان أكثر من حي! إن ما حدث له، هو أعجوبة الأعاجيب. كان مارتن شارل قد وجد الله!

في مساء يوم عودتي إلى المدينة، ترأست اجتماعاً يطلق عليه اسم «اجتماع زاوية الشارع»، فوقفت أمام مئات من الأشخاص. وبدأت بحملة عنيفة ضد الله، الأمر الذي حاز على رضى سامعيّ اللامؤمنين. ولكن واحداً من بين الجميع لم يكن متقبلاً لما تفوهت به. وكان هذا صديقي مارتن شارل، الذي حين ألمّ بخبر عودتي صرف القسم الأكبر من نهاره في البحث عني.

ما أن أنهيت محاضرتي المتهجمة على الله، حتى هرعت إلى صديقي، لأعلم كيف حدث له هذا التحول، منتظراً منه توضيحاً لموقفه المغاير مني، بعد أن كان يؤيدني في كل ما أقوله ضد الله.

ولكن لشد ما دهشت وأخذت بالمفاجأة، حين علمت بأنه لا يوافق على ما جاء في محاضرتي. كان وجهه ينم عن رغبته في أن يفضي إليّ بتصريح مهم جداً وخطير جداً.

وما أن جمعتنا الخلوة، حتى أفضى إليّ بأفكاره الجديدة، وإن نسيت فلا أنسى ذلك الشعور بالمفاجأة الكاملة، الذي اعتراني وبالصدمة العصبية التي جازت في كياني، حين قال لي صديقي بلهجة حازمة: نحن على خطأ يا رالف. لأنه بالرغم من كل شيء فالله موجود.

- رالف، استطرد صديقي، أنا أعلم بأنك لن تفهم ولكن انتظر. لقد وجدت الله، وأنا متأكد تماماً.

- صحيح إنني لم أفهم، ولن أفهم شيئاً! وكيف يمكنني أن أفهم؟ لأنني منذ بداية شبابي اقتدت في دروب اللاإيمان. ولم يسبق لي مطلقاً أن عرفت محبة الله. إن الله الحي كان دائماً مجهولاً مني.

لست بمبالغ لو قلت بأنني شعرت وكأن صاعقة دوت في سمعي لما تلقيت تصريح مارتن شارل. كانت كلماته مباغتة بمقدار أنها قطعت أنفاسي! لأن شيئاً كهذا، لم يدر في خاطري.

إن كان صديقي سيركز على قوله إنه الآن قد خلص، فإنني سأتظاهر بقبول وجهة نظره، خشية من أن أنفره لو أنني رفضت، هكذا قلت في نفسي.

ربَتُّ على كتف صديقي بلطف وقلت له: طبعاً أنت خلصت. ولكن مجاملتي هذه لم تثر في نفسه أي انتفاخ، وكمن أراد أن يقطع عليّ أية محاولة من هذا النوع، سرد عليَّ قصة جديدة ليسوع المسيح. وفي كل حياتي لم أسمع تبسيطاً لدرس ما كما سمعته اليوم من فم صديقي. كان أسلوبه رائعاً وحيوياً جداً. لم يتحفني بعظة محضرة بعناية، ليريني كيف يستطيع الله أن يعمل في حياة الإنسان. كلا، لم يكن الأمر كذلك. فقد كنت أستمع إلى شهادة إنسان، وهو يصرح بما عمل الله من أجله. وكم هو رائع أن يذيع إنسان بمجاهرة خبر الخلاص السار، بعد أن اختبره شخصياً.

كان مارتن شارل في الليل والنهار يحضني برأفة الله، على تسليم حياتي للمسيح مخلصي. وأنا أذكر أنه بشرني بهذه المناسبة، بأطول عظة سمعتها في حياتي! وقد تابع أسلوبه معي ليلاً ونهاراً لمدة عشرة أيام.

واليوم عليَّ أن أرفع الشكر لله، لأجل ثبات صديقي ومواظبته وطول أناته، فقد استطاع أخيراً أن يقتادني إلى إحناء ركبتيَّ لكي أصلي، ولكنني فيما أنا أصلي، لم أضع نصب عيني، لا عظة صديقي ولا خطابه. لأنني حين كنت أسأل الله خلاص نفسي، تركت نظري يتيه بعيداً على اللوحات المعلقة على الحائط، وكنت ضجراً من وضعي حتى الموت.

بعد ذلك بأيام دعاني مارتن شارل لمرافقته إلى الكنيسة، وكان من الطبيعي أن أرفض. ولكن بعد طلبات عديدة ملحة، ضعفت مقاومتي وقسرت على تغيير موقفي، إلا أنني كنت منزعجاً من وجودي في هذا البيت المكرس لله. وقد بلغ بي الإزعاج ذروته، حين رأيت أحدهم وهو شاب مسؤول عن الاجتماعات التبشيرية، التي تُقام في قاعة قريبة من المكان، الذي كنت أعقد فيه الاجتماعات اللادينية. وكم من المرات عملت لتحريض الغوغاء الشعبية ضده، وضد جماعته بدون هوادة، لإجلائهم عن الحيّ، ولكن كل محاولاتي لم تستطع أن تفتّ في عضدهم. وسواء كان عاجلاً أم آجلاً، فإن هذا الشاب وجماعته سيحتلون الحي المختلف عليه بأجمعه.

كان ثغره يتألق بالابتسامة الوديعة نفسها. وكان في وجهه نور غريب. وشجاعته النادرة استطاعت أن تحملني مرغماً على الإعجاب به. كان هذا الشاب أحد عمال الله المكرسين. والعجيب في أمره أن ليس فقط لم ترد في ذهنه فكرة الانتقام، بل أيضاً كان يفتش عن نفوس ضالة ليأتي بها إلى المسيح.

حين كانت أفكاري تسير في اتجاهات عديدة متضاربة، كنت ألقي نظرة جانبية في اتجاه خصمي، وفجأة صوب نظره عليّ ،ولم يلبث أن اعترته الدهشة. ولكن إن كانت الدهشة عقلت لساني، فهي لم تستطع أن تعقل رجليه. فبخطوات أقرب إلى الركض، جاء إليّ. وإذ امتلأ كياني خوفاً من انتقامه، تطلعت حولي مفتشاً عن باب النجدة. ولكن قبل أن أتحرك كان الشاب قد وصل إليَّ، وأخذ يدي وشدَّ عليها بمصافحة حارة، ثم قال لي: إن فرحي بلقائك لعظيم جداً! بل ما أعظم غبطتي بلقائك، في اجتماع كهذا! وعدد آخر من الحضور جاءوا أيضاً وتناولوا يدي مصافحين وقائلين: كم نحن سعداء في أن نراك هنا.

ومع أن البعض اكتفوا بإلقاء نظرة متحفظة عليَّ، إلا أن أحداً لم يسخر مني. كانت هذه المرة الأولى التي فيها احتك برجال وسيدات، يعيشون في ملء الإنجيل. وللمرة الأولى أيضاً كانت لي الفرصة لأتبادل الحديث معهم.

لا أستطيع تذكر الرسالة التي سمعتها ليلتئذ، ولكن أتذكر أن شعوراً بالذنب راح يجتاح كياني. وحين يحتل التبكيت قلب خاطئ، لا يكون له سلام ولا راحة، إلا إذا انكسر وطلب وجه مخلصه.

في تلك الليلة هرب مني النوم، إلا من بضع إغفاءات قصيرة متقطعة بسبب الاضطراب. وخلال ساعات الأرق، بدأت جدياً أعيد النظر في القواعد التي بنيت عليها أفكاري الإلحادية. وقد تأكدت أن أساس المبدأ الإلحادي، الذي كنت أعتنقه، كان متصدعاً بصورة خطيرة. وأنه بعد قليل، لن يبقى منه سوى الأنقاض والغبار. أمام هذه الحقيقة التي اشرأبت في وجهي. بدأ التبكيت يضغط قلبي، وهكذا انتصرت فيَّ الرغبة لمعرفة الحقيقة.

في أمسية أخرى ذهبت مع صديقي مارتن شارل إلى الكنيسة. وحين صدرت الدعوة تقدمت في اتجاه المنبر، وجثوت على ركبتيَّ. حاولت أن أصلي ولكن صوتاً ما لم يستطع الخروج من حنجرتي. لأن صدري كان مضغوطاً عليه بمقدار أن الكلمات التي حاولت التلفظ بها، لم تستطع اجتياز حاجز شفتي.

وحين أرسلت الساعة دقاتها الاثنتي عشرة، معلنة منتصف الليل. كان اختفاء صوتي ما زال قائماً. ولكي أجنب الاجتماع من إطالة تحمل الحضور على التأخر في العودة إلى منازلهم، غادرت المكان عائداً إلى مقري.

يبدو أن الله في تلك الليلة تكلم إلى رجلين تذللا في ذات الدقيقة معي أمام المنبر. لقد خرجنا معاً من الكنيسة. فذهبنا مع مارتن شارل إلى شقتي بناء على طلب إجماعي. وهناك جثونا على الركب نحن الأربعة، أمام مصدر كل نعمة فائقة. وخلال ما يقرب من الساعتين أصعدنا صلواتنا على عرش المجد، حتى يعلن لي الله ذاته ويخلص نفسي الهالكة.

كانت الساعة حوالي الثانية صباحاً حين أعطيت رؤيا مخيفة جداً. رأيت نفسي ماثلاً أمام محكمة الله. ربما يقول البعض إنني كنت فريسة لأوهامي. أما أنا فأقول كلا، لم أكن واهماً، بل عندي ما يقنعني بأن هذه الرؤيا كانت حقيقة. وقد أعطيتها وفقاً للظروف التي كنت فيها، وتمشياً مع وضعي المرعب، الذي يستلزمني عوناً خارجياً. رأيت نفسي منتصباً قدام الله. فيما رفاقي الثلاثة يجاهدون بالصلاة. أما أنا فكنت لا أزال أخرس.

وبغتة شعرت برغبة جامحة لكي أسكب قلبي قدام الله. وللمرة الأولى في حياتي رحت أصلي بصوت مرتفع. لم أعد في حاجة إلى أي عون بشري.

ومن أعماق كياني طلبت الرب متكلي، فاستجاب الرب لصلواتي. وكان هذا بالنسبة لي أهم اختبار عجيب في حياتي، أجازني الرب فيه. في تلك الليلة خلصت، نعم خلصت!!! كل شكوكي، كل مخاوفي تلاشت بنسمة الروح القدس القديرة. ومنذ تلك الليلة إلى هذا اليوم أعلم علم اليقين بأنني قد خلصت.

لقد حدث تجديدي في مقر حركة الجماعة المسماة «جماعة بدون الله» وفي الحق أنني كنت قطعة حطب أُنقذت من النار (يهوذا 23).

ولكن هذا الاختبار الذي اجتزناه مارتن شارل وأنا، كان حادثاً مروعاً بالنسبة لحركة الملحدين في شط الباسفيك.

مرت عشر سنوات على اليوم، الذي فيه تقابلت مع يسوع. ومنذ ذلك اليوم المشهود، وأنا أجاهد بكل قواي ضد الإلحاد. وضد كل ريح أو حركة مماثلة، شاهداً للاسم المبارك، اسم الذي أحبنا وقد خلصنا من خطايانا بدمه.

المسابقة

أيها القارئ العزيز،

إن تعمقت في قراءة هذا الكتيب تستطيع أن تجاوب على الأسئلة بسهولة. ونحن مستعدون أن نرسل لك أحد كتبنا الروحية جائزة على اجتهادك. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملاً عند إرسال إجابتك إلينا.

  1. اكتب آية سفر الجامعة 11: 9، واكتب تعليقاً قصيراً عليها.

  2. اكتب آيتين قرأهما تيوفيل على مسامع إدوار تبيِّنان محبة الله.

  3. كيف أنقذ الله حياة إدوار من الرصاصة القاتلة وهو راكب حصانه؟

  4. قال السجين الفرنسي الذي تاب «ما من خطيئة مهما قطعت لا يستطيع المسيح أن يمحوها» اكتب آية تؤيد ما قاله السجين.

  5. ما هو وجه الشَّبه بين ما فعله مالك الأطيان «هنري ميني» وما يفعله المسيح؟

  6. ما الذي غيَّر جيمي؟ وما هي الأشياء التي قرَّر أن يهجرها، والشيء الذي أراد أن يفعله؟

  7. ما هو الأمر الذي غيَّر الكابتن حتى قرر أن يحمي جيمي من مهاجمة البحارة له؟

  8. ما هي الأعجوبة التي حدثت لمارتن شارل؟

  9. هل يقدر الله ان يغيّر إنسان ملحد إلى إنسان مؤمن؟