العودة الى الصفحة السابقة
إيمان المسيحي وواجباته

إيمان المسيحي وواجباته

نداء الرجاء


Bibliography

إيمان المسيحي وواجباته. نداء الرجاء. الطبعة الأولى. 1993. Order Number SPB 4910 ARA. German title: Der christliche Glaube und seine Pflichten. English title: Faith and Duties. Copyright © 1993 All Rights Reserved Call of Hope. P.O. Box 100827 D-70007 Stuttgart Germany Internet: http://www.call-of-hope.com - .

هذا الكتاب

يسرنا أن نقدم للقارئ العربي هذا الكتاب الصغير الحجم، الكبير الفائدة، والذي يقدّم عقائد المسيحية الجوهرية، مع الواجبات المسيحية، التي تتفق فيها كل الطوائف المسيحية. راجين أن يدرك القارئ ما يجب أن يؤمن به ويعيشه، فهذان ركنا الدين: الإيمان والأعمال.

ومؤلف هذا الكتاب قسيس اسمه بوتر، جعل عنوانه في طبعته الأولى «الأصول والفروع» وذلك في أواخر القرن التاسع عشر. وقد نُقل الكتاب للعربية في أوائل القرن العشرين وطُبعت منه خمس طبعات في العربية، حتى عام 1934. وهذه الطبعة الجديدة منقَّحة ومزيدة.

منذ أكثر من ألفي سنة قرر أرسطو الفيلسوف الشهير أن الإنسان ميّالٌ إلى حب الاطلاع على العلوم والمعارف، وجَرْياً على هذا المَيْل الشريف أقبل المسيحيون يتبصَّرون في مسائل الدين، حتى أدى بهم شغفهم في ذلك إلى درس الأديان الأخرى والاطّلاع على كتبها المقدسة عند أهلها، وترجموا المشهور منها إلى لغاتهم لتمكين أبناء وطنهم من درسها وفهمها. ومَنْ بلغَت عنايته بالأديان الأخرى إلى هذا الحد، فكم تكون عنايته بدينه وكتابه؟ ولذا ترجَمَ المسيحيون كتابهم إلى أكثر من ألف لغة ونشروه في كل أقسام المعمورة حتى لا يُحرم أحدٌ جني أثماره والاهتداء بأنواره من كل أمة وشعب تحت السماء. وقد أجادوا في ما عملوا وأحسنوا صنعاً، لأنه لا موضوع في العالم أهم من موضوع الدين.

ويميل المرء بالطبع إلى معرفة الدين الحق وتمييز الصحيح من الباطل. لذلك رأينا أن نضع هذا الكتاب مستمدّين القوة من الله، وأن نشرح فيه أصول الإيمان وفروعه لإفادة طالبي الحق. وأردنا أن نرجع في كل قول إلى كتاب اللّه، لأنه هو الأساس المتين لإيماننا. وأشرنا الى مواضع الآيات المقتبسة لتسهيل المراجعة إذا اقتضى الحال.

ومع أنه يوجد بين المسيحيين شِيَعٌ وفرقٌ مختلفة (كما هو الحال عند أهل الأديان الأخرى) إلا أن العقائد الجوهرية والواجبات المسيحية لم تزل متَّفقاً عليها من جميع الفِرَق، وهي ما تجده في هذا الكتاب في قسمين:

الأول - عن أصول الإيمان

الثانى - عن واجبات كل مسيحي

مُصلّيِن أن يبارك الله هذا الكتاب لنا جميعاً، لنحيا كل يوم ما نعتقد به.

الناشرون

القسم الأول: الإيمان المسيحي

مقدمة : الكتاب المقدس أساس الإيمان

كثر البحث في وظيفة العقل البشري إزاء الحقائق الدينية - هل العقل حاكمٌ كفء؟ هل نستطيع الاعتماد عليه والرضوخ إلى أحكامه؟ هل يُحكّم المؤمن عقله تحكيماً مطلقاً؟ كلا! بل يقول: لا بد من وجود قوة مفكرة ومدبّرة فوق الطبيعة أو وراء الطبيعة، لا تُدرَك بالعقل، وهي «الخالق» سبحانه.

ومع ذلك فللعقل مركز لا يُزدرى به، ووظيفة لا ينكرها ذوو الألباب - فما هي وظيفة العقل؟

وظيفة العقل هي إيصالنا إلى معرفة الفرق، والتمييز بين ما هو «أزلي» (وهو ما يختص بالخالق) وما هو «حادث» (وهو صفة من صفات المخلوق). (انظر مزمور 19: 1 ورومية 1: 20) حيث يقول الرسول إنه بواسطة التأمل في «المصنوعات» (الحادثة) نصل إلى معرفة القوة السرمدية التي خَلَقتْها، وهي اللّه الواجب الوجود منذ الأزل.

س: هل يكتفي الإنسان بهذه المعرفة العقلية؟

ج: كلا. فالإنسان محتاج إلى وحي سماوي يعلّمه من هو الله، وما هي صفاته، وكيف يعلن إرادته لبني البشر، وكيف يتعامل الإنسان مع الله وكيف يتعامل الله مع الإنسان، وإظهار فساد الطبيعة البشرية مع إظهار محبة الله للناس الساقطين بالرغم من خطاياهم، وطريق الخلاص لتخليصهم منها. وبناءً على ذلك أعلن الله لنا أسفاره المقدسة أي التوراة والإنجيل أو الكتاب المقدس.

ويؤمن المسيحيون أن الكتاب المقدس هو المصدر الوحيد لمعرفة هذه الأمور المذكورة، لأنه لا يوجد في كتاب آخر الخبر السار (البشارة) عن اتّخاذ سيدنا المسيح جسداً وموته لأجل جميعنا. ولهذا السبب نقدم لكم الكتاب المقدس الذي فيه كُتبت أعمال المسيح وأقواله، حتى بقراءتكم إياها تكونون كأنكم قد شاهدتم المسيح نفسه وعاشرتموه. فالكتاب المقدس هو السَّند الأعظم الذي نبني عليه إيماننا.

فهل يوجد دليل على أن هذا الكتاب من الله؟ نعم. لنا أدلة داخلية (أي من آيات الكتاب نفسه) وأدلة خارجية (أي من التاريخ وغيره).

س: ما هي الأدلة الداخلية على صحة الكتاب؟

ج:

  1. يشهد الكتاب المقدس لنفسه على أنه موحَى به من الله، لأننا نرى في أسفار موسى شهادات كثيرة على أن اللّه تكلم معه وأمرَهُ بتأليف كتابه، ونقرأ في أسفار الأنبياء الآخرين: «هكذا يقول رب الجنود» و «كانت كلمة الرب إلى النبي» وأيضاً: «هٰكَذَا تَكَلَّمَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُ إِسْرَائِيلَ: ٱكْتُبْ كُلَّ ٱلْكَلامِ ٱلَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ إِلَيْكَ فِي سِفْرٍ»(ارميا 30: 2).

  2. سموّ آداب الكتاب وروحانية تعاليمه وفاعليتها وجلالة عباراته.

  3. غرضه الشريف الذي هو تمجيد الله وإعلان طريق الخلاص التي لم تُعلَن في كتاب سواه. وأما أفضاله ومحامده التي تجل عن التمثيل فكل هذه أدلة قاطعة وحجج دامغة على أنه كلام الله.

  4. إتمام النبوات التي وردت فيه إتماماً مدققاً يقضي بالعجب، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله العليم بكل شيء، فهو وحده علاَّم الغيوب.

س: ما هي الأدلة الخارجية على صحة الكتاب المقدس؟

ج:

  1. ثباته وبقاؤه إلى هذا اليوم رغم الاضطهادات والأهوال العظيمة التي أثارت عليه حرباً عواناً، ولكنه خرج من ساحة الحرب ظافراً منصوراً، فإنه لا كتاب غيره في الوجود تجرَّدت عليه الأقلام والسيوف فلم تزده إلا ثباتاً وامتداداً بين الناس.

  2. عظيم في تأثيره، فإنه الكتاب الوحيد القادر على إصلاح القلوب وترقية الآداب والمدنية الحقة.

    وفوق هذا كله يشهد له الروح القدس لدى ضمائرنا، وكم اختبرنا صحة هذه الشهادة!! وقد قيل: «إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ يَعْرِفُ ٱلتَّعْلِيمَ، هَلْ هُوَ مِنَ ٱللّٰهِ، أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي» (يوحنا 7: 17).

  3. كثرة الاقتباسات منه في كل عصر وجيل، فالشاعر الانكليزي الذائع الصيت «شكسبير» نقل عن التوراة والإنجيل ما يملأ كتاباً ضخماً، وأما الآباء الأولون فقد اقتبسوا في كتاباتهم كل آيات الكتاب المقدس.

  4. يوجد في المتحف البريطاني بلندرا (لندن) وفي متاحف أخرى نسخ خطّيّة قديمة جداً جداً.

س: ما هو معنى قولك إن كلّ الكتاب هو موحى به من الله؟

ج: معناه إن الله أرشد أذهان كاتبيه على نوعٍ خاص إلى إرادته، وعصمهم من الخطأ في ما كتبوه - فقال الرسول بطرس مشيراً إلى هذه الحقيقة إنه «لَمْ تَأْتِ نُبُّوَةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ ٱللّٰهِ ٱلْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (2بطرس 1: 21) ويقول الرسول بولس: «كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ ٱللّٰهِ» (2تيموثاوس 3: 16) وفي لوقا 1: 70 «كَمَا تَكَلَّمَ بِفَمِ أَنْبِيَائِهِ ٱلْقِدِّيسِينَ». والمسيح نفسه صادَقَ على هذا فاستشهد بالتوراة بناءً على أنها قيلت بالروح القدس (قابل مزمور 110 مع متى 22: 43 و44).

وأما من جهة العهد الجديد فنجد أن المسيح وعد تلاميذه بإرسال الروح إليهم ليذكّرهم ويعلّمهم ويرشدهم إلى الحق (يوحنا 14: 26 و16: 13). وشهد الرسل بذلك، وأظهروا أن ما كتبوه وعلَّموا به كان بإرشاد روح الله القدوس - قال بولس الرسول: «وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ ٱلْعَالَمِ، بَلِ ٱلرُّوحَ ٱلَّذِي مِنَ ٱللّٰهِ، لِنَعْرِفَ ٱلأَشْيَاءَ ٱلْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ ٱللّٰهِ، ٱلَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً، لا بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ، بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ» (1كورنثوس 2: 12و13) ثم في مواضع أخرى يشكر الله لأنه لما قبل أهل تسالونيكي كلمة الله على يده قبلوها ليس كأنها كلمة إنسان، بل كلمة الله، فقال: «مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ نَحْنُ أَيْضاً نَشْكُرُ ٱللّٰهَ بِلا ٱنْقِطَاعٍ، لأَنَّكُمْ إِذْ تَسَلَّمْتُمْ مِنَّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ ٱللّٰهِ، قَبِلْتُمُوهَا لا كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِٱلْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ ٱللّٰهِ» (1تسالونيكي 2: 13).

س: هل «نزل» الكتاب المقدس دفعة واحدة؟

ج: كلا بل كان إعلان هذا الكتاب يتقدَّم بالتدريج من الوعد الأول، وهو قوله في سفر التكوين (أول الكتاب) ما مضمونه أن «نسل المرأة يسحق رأس الحية» (تكوين3: 15) (أي يسوع المولود من المرأة دون الرجل) إلى ختام ذبيحة الفداء للتكفير عن خطايا العالم التي قدمها المسيح على الصليب حين صرخ قائلاً: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا 19: 30) وأسلم الروح. ومع أن هذا الاعلان كُتب بواسطة رجال مختلفين وفي أزمنة وأماكن مختلفة، إلا أننا نجد أجزاءه متفقة بعضها مع بعض، وكله يرمي إلى غرضٍ واحد ولا يتهيّأ لكَتَبَتِه ذلك إلا إذا اعتبرنا أنهم كتبوا ما كتبوه بإلهام الروح القدس.

في العهد القديم نجد الاستعداد لمجيء المسيح المجيء الأول بالنبوات والرموز الدالة عليه، والتي يمكن تطبيقها على أعماله وأحوال حياته. وفي العهد الجديد نجد المسيح جاء فعلاً وتمَّ فيه جميع ما هو مكتوب في أسفار العهد القديم. ففي البشائر الأربع نجد الخبر عن تجسُّده العجيب ومعجزاته وتعليمه وأعماله. وفي سفر الأعمال نجد أن هذه الحقائق المتعلّقة بشخص المسيح قد كُرز بها في أقسام كثيرة من الأرض، وآمن بها خَلْقٌ لا يُعدُّون. وفي الرسائل نجد إيضاحها وتفسيرها وحضّ المسيحيين على السير بمقتضاها. وكان ذلك على الخصوص بواسطة خدمة الرسل الذين اختارهم المسيح ورشَّحهم بالروح القدس، ليشهدوا له ويكرزوا بين الناس بذات شخصه العجيب وفضائله وأعماله. لذلك نعتبر عملهم كأنه عمل المسيح نفسه من الوجهة التعليمية.

نؤمن أن كلمة الله المتضمَّنة في أسفار العهدين الجديد والقديم، هي الدستور الوحيد الذي رسمه الله لنا لنسير عليه في الإيمان والأعمال، وفيه طريقة الخلاص مشروحة للإنسان وتقديسه وإرشاده إلى كل ما يلزمه في هذه الحياة الدنيا. كتب بولس الرسول إلى تيموثاوس يقول: «وَأَنَّكَ مُنْذُ ٱلطُّفُولِيَّةِ تَعْرِفُ ٱلْكُتُبَ ٱلْمُقَدَّسَةَ، ٱلْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاصِ، بِٱلإِيمَانِ ٱلَّذِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ. كُلُّ ٱلْكِتَابِ هُوَ مُوحىً بِهِ مِنَ ٱللّٰهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَٱلتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَٱلتَّأْدِيبِ ٱلَّذِي فِي ٱلْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ ٱللّٰهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّباً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ» (2تيموثاوس 3: 15-17). فالكتاب المقدس كافٍ لكل مطاليب الإنسان الدينية في كل زمان ومكان. فكما أن قدرته الإلهية قد وهبت كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الله، هكذا كتابه أعلن لنا كل ما يلزم لإرشادنا، ولقد أعطانا الروح القدس لينير أذهاننا حتى نفهم المكتوب فيه ونسلك بحسبه، ولم تَبْقَ لنا بعد حاجة إلى مزيد حتى يَظهر سيدنا يسوع المسيح على سحاب السماء ويأخذ اليه كل شعبه المحبوب حسب وعده الصريح (1تسالونيكي 4: 16، 17) لذلك يقول بولس: «وَلٰكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاكٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ «أَنَاثِيمَا» أي هالكاً (غلاطية 1: 8).

وبالرغم من أن في الكتاب المقدس أسراراً كثيرة غامضة، لكن الأمور الضرورية للخلاص واضحة كل الوضوح.

ونؤمن أنه ينبغي للمؤمنين أن يقرأوه ويدرسوه درساً دقيقاً. وليس درسه واجباً فقط على القسوس ورجال الدين بل على الجميع بحسب مقدرتهم وعلى قدر ما تسمح لهم أوقاتهم، ثم يمتحنون بموجبه كل ما يسمعونه في الكنيسة. وعلاوةً على ذلك فعلى كل مسيحي أن يطالع فصلاً من الكتاب على انفراد يومياً، فقد أمر المسيح اليهود أن يفتشوا الكتب لأنها تشهد له (يوحنا 5: 39) وقيل عن أهل بيرية إنهم أشرف من أهل تسالونيكي لأنهم كانوا يفحصون الكتب كل يوم، حتى يروا هل تعليم الرسل بحسبها أم لا (أعمال 17: 11).

1- وحدانية الله وصفاته

منذ خلق الله الإنسان على صورته كشَبَهه (تكوين 1: 26، 27) في الصفات الأدبية، لم يُعدم الإنسان هذه الآداب بالكلية حتى بعد السقوط، فإنك ترى بين الناس بعض الأحيان أخلاقاً حسنة كالمحبة والرحمة والعدل والحق وأمثالها، التي تُنسَب إلى الله، وإنما على مقدارٍ محدود، ومع ذلك لا يقدر الإنسان أن يعرف الله معرفة تامة ويدرك طريق الخلاص إلا بواسطة إعلانٍ منه عن نفسه «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يوحنا 1: 18) لأنه بهاء مجده ورسم جوهره (عبرانيين 1: 3). والإعلان المذكور موجود في الكتاب المقدس.

نؤمن بإلهٍ واحدٍ حقّ كما جاء في الوصية الأولى حيث يقول: «لا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي» (خروج 20: 3) وقيل بصريح العبارة في الشريعة الإلهية إن الله واحد، وعلى ذلك قوله: «إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ» (تثنية 6: 4) لهذا نؤمن بوحدانية الله.

س: هل يوجد دليل خارجي على وحدانية الله؟

ج: هناك دليل عقلي وهو: أن للمصنوع صانعاً لا صانعان، وللمخلوق خالقاً لا خالقان. فالصانع الخالق واحد وهو الله.

ثم نقرأ في الكتاب المقدس أن الله محبة، وأنه روح، ونور، غير محدود أزلي غير متغيّر، لا تدرك العقول جودته ولا تحيط بكمالاته. حكيم عليم قدوس بار محب منعم طويل الأناة، عادل حقّ كثير الجود والإحسان، لا نهاية لكماله، لا يدركه تغيير ولا فناء.

ومن بين هذه الصفات اثنتان أو ثلاث خُصَّت بالذكر، إحداها صفة القداسة أي طهارة صفاته الأدبية كما قيل: «لَيْسَ قُدُّوسٌ مِثْلَ ٱلرَّبِّ» (1صموئيل 2: 2) فإنه منزَّه تماماً عن كل عيب ودنس، بار في كل طرقه، مستقيم في كل أعماله. والقداسة هي أول ما أعلنه الله لعبده موسى حينما دعاه إلى الرسالة حيث يقول: «لا تَقْتَرِبْ إِلَى هٰهُنَا ٱخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ ٱلْمَوْضِعَ ٱلَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ» (خروج 3: 5). ومن أشهر مقاصد الشريعة الموسوية أن يتعلم بنو إسرائيل قداسة الله، وذلك بأن جعل فارقاً بين الطاهر والنجس من الحيوانات والطيور والملابس والمسكن والناس. ومن طهارة الأشياء المنظورة يرتقون إلى معرفة طهارة الأخلاق ويكونون أمة مقدسة (لاويين 20: 25، 26). وبما أن الله قدوس فلا يمكن لأحدٍ أن يقترب إليه ما لم يتبرر ويتقدس من خطاياه بحسب الطريقة التي رسمها لهذا الغرض.

ومن تعليم الأنبياء بقداسة الله ما كتبه إشعياء النبي عن رؤياه العجيبة حيث يقول: «رأيت السيد جالساً على كرسيٍّ عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل، والسرافيم واقفون فوقه، لكل واحد ستة أجنحة، باثنين يغطي وجهه، وباثنين يغطي رجليه، وباثنين يطير. وهذا نادى ذاك وقال: قدوس قدوس قدوس رب الجنود، مجده ملء كل الأرض. فاهتزَّت أساسات العَتَب من صوت الصارخ، وامتلأ البيت دخاناً». وعندما رأى إشعياء ذلك أقرَّ معترفاً بعدم أهليته لأن يدنو إلى الله، فقال: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ ٱلشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ ٱلشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا ٱلْمَلِكَ رَبَّ ٱلْجُنُودِ» (إشعياء 6: 5). إن آلهة قدماء اليونان والرومان وكذا الوثنيين في زماننا غير طاهرة، وأما إلهنا فقدوس «وعيناه أَطْهَرُ مِنْ أَنْ تَنْظُرَا ٱلشَّرَّ» (حبقوق 1: 13).

والصفة الثانية العدالة فالله قدوس في صفاته عادل في جميع معاملاته للخلائق، يقضي بينهم بالعدل والإنصاف، ويجازي كل إنسان بحسب أعماله (رومية 2: 6) بار في كل طرقه ورحيم في كل أعماله (مزمور 145: 17). العدل والحق قاعدة كرسيّه (مزمور 97: 2) «وَقَالَ لِلْقُضَاةِ: «ٱنْظُرُوا مَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ... وَٱلآنَ لِتَكُنْ هَيْبَةُ ٱلرَّبِّ عَلَيْكُمُ. ٱحْذَرُوا وَٱفْعَلُوا. لأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ ٱلرَّبِّ إِلٰهِنَا ظُلْمٌ وَلا مُحَابَاةٌ وَلا ٱرْتِشَاءٌ» (2أخبار 19: 6 و7).

والصفة الثالثة المحبة. قيل في الكتاب المقدس «اَللّٰهُ مَحَبَّةٌ» (1يوحنا 4: 16) وقد ظهرت محبة الله في طريق الخلاص للعالم، لأن الإنسان من عهد السقوط ابتعد عن الله بخطيته (تكوين3: 15-24) ولكن الله من فرط محبته وكثرة نعمته أراد أن يقرِبّه إليه، فأرسل لهذه الغاية ابنه الوحيد إلى العالم «لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ»(لوقا 19: 10). فبحسب قداسة طبيعته لا بد له أن يعاقب عن الخطية، وبحسب محبته ورحمته صنع طريقاً للخلاص.

ملاحظة: لا لزوم لأن نفخِّم بعض صفات اللاهوت حتى يقضي الحال بتضحية البعض الآخر كما فعل بعضهم، فإنهم فخَّموا رحمته تعالى حتى نسوا عدله وقداسته، ولذلك فإن الكفارة التي قدمها المسيح عن خطايا العالم (كما يعلّمنا الإنجيل) هي الواسطة الوحيدة للتوفيق بين محبة الله للناس وقداسته، وعدله ورحمته، حتى لقد صار ممكناً خلاص الخطاة إظهاراً لرحمته، مع استيفاء حقوق عدله. فبصليب المسيح يُقال إن «ٱلرَّحْمَةُ وَٱلْحَقُّ ٱلْتَقَيَا. ٱلْبِرُّ (العدل) وَٱلسَّلامُ تَلاثَمَا» (مزمور 85: 10). ودبَّر الله هذه الكفارة حتى إذا غفر لأحدٍ ذنبه يكون باراً، وعلى ذلك قوله: «ليكون باراً ويبرّر مَن هو مِن الإيمان بيسوع». فالله هو الخالق لسائر الكائنات والحافظ لها الوجود بعنايته وينبوع الجود والإحسان والنور والعرفان. هذا هو معبودنا الأوحد. لا إله إلا هو، له الحكم ومنه الفداء، وإليه المرجع والمآب.

2- الثالوث الأقدس

س: قلتم إن الله هو المعبود الأوحد، ولكنكم تقولون «بالثالوث الأقدس» فهل هذه العبارة، أو هذه القولة، تدل على وجود ثلاثة آلهة؟

ج: حاشا أن يُقال ذلك! لسنا من المشركين بالله! أما اعتقادنا فهو أن الله بعدما خلق العالم وتوَّج خليقته بالإنسان لبث حيناً من الدهر لا يعلن للجمهور سوى ما يختص بوحدانيته، كما يتبيَّن ذلك من التوراة. على أن المدقق يرى بين سطورها إشارات وراء الوحدانية، لأنك إذا قرأت فيها بإمعان تجد هذه العبارات: «كلمة الله» و «حكمة الله» أو «روح الله». ولم يكن يعلم أهل التوراة المعنى السري لهذه الكلمات، لأنه لم يكن قد أتى الوقت المعيَّن الذي قصد الله فيه إيضاحها على وجه الكمال والتفصيل. ومع ذلك فمن يقرأ التوراة في ضوء الإنجيل الشريف يقف على المعنى السري المراد، إذ يجدها تشير إلى الأقانيم الثلاثة الكائنة في اللاهوت.

س: ما معنى كلمة أقنوم؟

ج: «أقنوم» كلمة سريانية استُعيرت إلى العربية للدلالة على المعنى الأصلي بالضبط. وهو يدل على كائن يقول عن نفسه «أنا». فعلى ذلك نجد أن التوراة تذكر «كلمة الله» بأنه كائن يقول عن نفسه «أنا» وكذلك بأن روح الله أيضاً يقول عن نفسه «أنا». أو بعبارة اصطلاحية تُنسَب إلى كلٍ من «الكلمة» و «الروح» الأقنومية. ثم لما جاء المسيح إلى العالم أرانا بواسطة تعاليمه وأعماله المسطورة في الإنجيل أن له نسبةً سرية أزلية إلى الله تفوق الإدراك. ونراه مسمَّى في أسفار العهد الجديد «كلمة الله» وهي ذات العبارة المذكورة في التوراة. ثم لما صعد إلى السماء أرسل روحه ليسكن بين المؤمنين. وقد تبيَّن أن لهذا الروح أيضاً نسبة إلى الله أزلية فائقة كما للابن، ويسمى روح الله أو الروح القدس، وهذه التسمية هي ذات العبارة المعلنة في التوراة كما ذكرنا.

س: قلتم إن الله أعلن مبدأ الثالوث (أو التثليث) بالتدريج، فهل لكم أن تعطونا مثالاً طبيعياً لشرح معناكم؟

ج: نستطيع أن نشبِّه نمو التعليم عن الثالوث الأقدس بشجرة وُضعت بذورها في رواية خلق العالم (في أول سفر التكوين)، وظهرت أعشابها بعد نباتها عندما كثر الناس على الأرض، واشتدَّ ساقها باختيار الله لإبراهيم وبنيه المؤمنين، ونمت أغصانها بظهور الشريعة والأنبياء، ونضجت ثمارها بتجسُّد المسيح وتعاليمه لتلاميذه وبإتمامه عمل الفداء. وأدرك المسيحيون حلاوة هذه الأثمار الناضجة بواسطة تعليم الروح القدس الذي حلَّ عليهم بعد صعود المسيح إلى السماء. وإلى يومنا الحاضر لا يزالون يذوقون تلك الأثمار كلما يشتركون في جسد الرب ودمه (بتناولهم العشاء الرباني) وكلما يفعلون ذلك يدركون سر الثالوث الأقدس أكثر فأكثر.

س: إذاً الشيء الذي كان غامضاً في العهد القديم صار جلياً في العهد الجديد. أليس كذلك؟

ج: نعم هو كذلك. فمما تقدم نعلم أن المسمَّى «كلمة الله» والمسمَّى «روح الله» في نصوص التوراة هما المسيح والروح القدس المذكوران في الإنجيل، فما لمَّح إليه كتابُ التوراة صرَّح به كتاب الإنجيل كل التصريح، من أن كلمة الله وروحه هما أقنومان يصلح لكلٍ منهما ضمير «أنا».

س: لكن ألا يوجد تناقض بين الوحدة والتعدد؟

ج: يوجد تناقض بين انتساب الوحدة المجردة (إلى شخص أو إلى أمر) وبين انتساب التعدد المجرد إلى نفس الشخص في نفس الوقت ومن نفس الوجهة. لكن مبدأنا أنه لا يوجد أدنى تناقض بين وحدة الجوهر وتعدد الأقانيم. وبناءً على ذلك نقول إن الآب والابن والروح القدس واحد في الجوهر مع أن الثلاثة متميزون في الأقانيم، أي ممتازون في عمل كل واحدٍ، ومظهر كل واحدٍ، واسم كل واحد.

س: كيف يُعقل أن يكون الآبُ والابنُ والروحُ القدس إلهاً واحداً؟ فهل تجزَّأ الواحد إلى ثلاثة، أم امتزج الثلاثة واحداً؟

ج: هناك ما يختص بالمادة التي تكوَّنت منها عناصر الطبيعة، وما يختص بالروح أي بما وراء الطبيعة. وهذا السؤال خاص بالمادة مرتبط بها وحدها، والجواب عليه هو:

لا توجد مناسبة ما بين المادة والروح. ولماذا ؟ لأن «اَللّٰهُ رُوحٌ. وَٱلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَٱلْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا» (يوحنا 4: 24) فالشيء الذي يجوز تركيبه أو تجزئته إنما هو مادة فقط، والمادة كما تعلمون حادثة لا قديمة، وهي التي يجوز عليها من التركيب والتجزئة ما لا يجوز على الله الذي لا يُرى، وذلك لأن الروح - أي الله - لا يمكن أن يتركب أو يتجزأ، ولا يتجمع ولا يتفرَّق، ولأنه سبحانه أرقى من المادة، بل هو خالقها فهو غير محدود أو محصور، وغير معدود أو منظور. وأما أسماء الأقانيم التي هي: الآب والابن والروح القدس - فليست للتركيب ولا للتجزئة، ولا للامتزاج ولا للانحلال، بل هي موضوعة للدلالة على مظاهر الأقانيم اللاهوتية وصفاتهم المتميِّزة وأعمالهم التي عُملت لخير البشر كافة. وهذه التسمية نطق بها سيدنا المسيح للدلالة على أن الاسم مفرد، وأن الأقانيم ثلاثة، فقال تبارك اسمه: «فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ (ولم يقل: بأسماء) ٱلآبِ وَٱلابْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (متى 28: 19) وعلى هذا فالله جل شأنه بريء من كل تركيب أو امتزاج أو تجزئة أو تجمع أو تفرُّق، لأن الله الآب والابن والروح القدس إله واحد لا شريك له.

س: هل يوجد في الكتاب المقدس من الآيات ما يدل على ذكر جمع في ذات وحدة الله؟

ج: نعم توجد آيات كثيرة جداً، منها:

  1. اسم الجلالة في التوراة (بالعبرانية) ورد دائماً بصيغة الجمع فالكلمة المترجمة «الله» هي «إلوهيم» جمع مذكر سالم للمفرد.

  2. «وَقَالَ ٱللّٰهُ: «نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تكوين 1: 26).

  3. «وَقَالَ ٱلرَّبُّ: «هُوَذَا شَعْبٌ وَاحِدٌ وَلِسَانٌ وَاحِدٌ لِجَمِيعِهِمْ، وَهٰذَا ٱبْتِدَاؤُهُمْ بِٱلْعَمَلِ... هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ حَتَّى لا يَسْمَعَ بَعْضُهُمْ لِسَانَ بَعْضٍ» (تكوين 11: 6، 7).

  4. «رَأَيْتُ ٱلسَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ ٱلْهَيْكَلَ. ٱلسَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ... وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: «قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ ٱلْجُنُودِ... ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ ٱلسَّيِّدِ: «مَنْ أُرْسِلُ، وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟» (إشعياء 6: 1-8).

س: هل تذكر بعض الآيات التي فيها أسماء الأقانيم؟

ج: نعم منها:

  1. «فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللّٰهُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ. وَكَانَتِ ٱلأَرْضُ خَرِبَةً... وَرُوحُ ٱللّٰهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ» (تكوين 1: 1 ،2).

  2. «إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ ٱلرَّبِّ. قَالَ لِي: «أَنْتَ ٱبْنِي. أَنَا ٱلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. اِسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ ٱلأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ وَأَقَاصِيَ ٱلأَرْضِ مُلْكاً لَكَ» (مزمور 2: 7-8).

  3. «بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ صُنِعَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَبِنَسَمَةِ فَمِهِ كُلُّ جُنُودِهَا» (مزمور 33: 6).

  4. «اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ ٱلْقِدَمِ. مُنْذُ ٱلأَزَلِ مُسِحْتُ، مُنْذُ ٱلْبَدْءِ، مُنْذُ أَوَائِلِ ٱلأَرْضِ. إِذْ لَمْ يَكُنْ غَمْرٌ أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ تَكُنْ يَنَابِيعُ كَثِيرَةُ ٱلْمِيَاهِ. مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ ٱلْجِبَالُ، قَبْلَ ٱلتِّلالِ أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَنَعَ ٱلأَرْضَ بَعْدُ وَلا ٱلْبَرَارِيَّ وَلا أَوَّلَ أَعْفَارِ ٱلْمَسْكُونَةِ. لَمَّا ثَبَّتَ ٱلسَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا. لَمَّا رَسَمَ دَائِرَةً عَلَى وَجْهِ ٱلْغَمْرِ. لَمَّا أَثْبَتَ ٱلسُّحُبَ مِنْ فَوْقُ. لَمَّا تَشَدَّدَتْ يَنَابِيعُ ٱلْغَمْرِ. لَمَّا وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلا تَتَعَدَّى ٱلْمِيَاهُ تُخْمَهُ، لَمَّا رَسَمَ أُسُسَ ٱلأَرْضِ، كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعاً، وَكُنْتُ كُلَّ يَوْمٍ لَذَّتَهُ، فَرِحَةً دَائِماً قُدَّامَهُ. فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ، وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ» (أمثال 8: 22-31).

  5. «مُنْذُ وُجُودِهِ أَنَا هُنَاكَ، وَٱلآنَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ أَرْسَلَنِي وَرُوحُهُ» (إشعياء 48: 16). المتكلم هو الكلمة، المسيح. اللذان أرسلاه هما السيد (الرب) وروحه.

  6. «فَلَمَّا ٱعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ ٱلْمَاءِ، وَإِذَا ٱلسَّمَاوَاتُ قَدِ ٱنْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ ٱللّٰهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِياً عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ قَائِلاً: « هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متى 3: 16، 17).

  7. «فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلآبِ وَٱلابْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (متى 28: 19).

  8. «اَللّٰهُ رُوحٌ... لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلآبَ يُقِيمُ ٱلأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذٰلِكَ ٱلابْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ» (يوحنا 4: 24، 5: 21).

  9. «وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ ٱلآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَّزِياً آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى ٱلأَبَدِ، رُوحُ ٱلْحَقِّ» (يوحنا 14: 16، 17).

  10. «بِهٰذَا كَلَّمْتُكُمْ وَأَنَا عِنْدَكُمْ. وَأَمَّا ٱلْمُعَّزِي، ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ، ٱلَّذِي سَيُرْسِلُهُ ٱلآبُ بِٱسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ» (يوحنا 14: 25، 26).

  11. «وَمَتَى جَاءَ ٱلْمُعَّزِي ٱلَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ ٱلآبِ، رُوحُ ٱلْحَقِّ، ٱلَّذِي مِنْ عِنْدِ ٱلآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ ٱلابْتِدَاءِ» (يوحنا 15: 26، 27).

  12. «نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللّٰهِ، وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ» (2كورنثوس 13: 14).

الله ليس كمثله شيء، لكن من باب التوضيح انظر الجدول الذي يشرح قولنا بعدم وجود أدنى تناقض بين جمع الأقانيم ووحدة الجوهر. فالمثلَّث المرسوم كله شكل هندسي واحد لكن فيه ثلاث زوايا جوهرية، ولا مثلث بدونها كلها. ومنه يظهر أن الخلق بعناية الله، والفداء بكلمة الله، والتقديس بروح الله، والكل من الله وبالله وفي الله.

Table 1. مظاهر الأقانيم والعمل المختص بكل أقنوم

اسم كل أقنوم الآبالابنالروح القدس
مظهر كل أقنوم عناية الله كلمة اللهروح الله
عمل كل أقنوم خَلَق العالمفَدَى العالمقَدَّس المؤمنين

هذا الجدول يشرح مظاهر الأقانيم ومساواتهم وأعمالهم في فداء الإنسان.

إن أقانيم الثالوث الأقدس متساوون في الذات وفي الصفات وفي الأزلية وفي الأبدية وفي السرمدية وفي الجلال والمجد معاً. فلا تقديم لأقنوم على آخر، ولا تأخير لأقنوم عن آخر، لأن المساواة تامة كاملة من كل وجه، فلا تفصيل في الجوهر، ولا تخليط في الأقانيم، ولا تعدد في وحدتهم الجوهرية كما يأتي:

«الآب» هو الأقنوم الأول، ومعنى اسمه يدل على أن المسمَّى به كائن أزلي بلا بداية، أبدي بلا نهاية، وعلى أنه الخالق الذي هو مصدر كل شيء في الوجود، وعلى أنه ذو نسبة سرية كائنة بينه وبين ابنه بروحه القدوس، وعلى أن عمله منذ الأزل كان الخلق (إشعياء 64: 8) وعلى أن المرجع إليه في كل الأمور (تكوين 22: 8 و24: 7) وعلى أنه محبٌ لخَلْقه حباً كاملاً (يوحنا 3: 16 ورومية 8: 32، 39).

«الابن» هو الأقنوم الثاني، ومعنى اسمه يدل على أن مسمَّاه كائن أزلي دائم الوجود، لا بداءة لبنوَّته ولا نهاية لها. ويدل على أنه ذو نسبة سرية أزلية كائنة بينه وبين الآب الأزلي بالروح القدس (أمثال 8: 22-31 ويوحنا 1: 1-4 و5: 19-23) ويدل أيضاً هذا الاسم المجيد على أن مسمَّاه مصدر الفداء على الأرض، والشفاعة في السماء، وعلى أن هذين الأمرين هما غايته من التجسد (يوحنا 1: 14 و16 و18 و1 يوحنا 3: 1، 2).

«الروح القدس» هو الأقنوم الثالث، ومعنى اسمه يدل على أن مسمَّاه كائن أزلي ذو نسبة سرية أزلية كائنة على الدوام بينه وبين الآب والابن معاً. أما نسبته إلى الآب فمذكورة في متى 10: 20 مع تكوين 1: 2 . وأما نسبته إلى الابن فمذكورة في غلاطية 4: 6 . ويدل معنى اسمه أيضاً على أن عمله الولادة الثانية والتقديس والتجديد والإرشاد إلى طريق الفادي المجيد.

وخلاصة الموضوع: أن عمل الآب هو الخلق، ووظيفته إعلان الشريعة. وأن عمل الابن هو الفداء، ووظيفته إعلان الرحمة والمحبة. وأن عمل الروح القدس هو التقديس، ووظيفته إعلان البرارة وإظهار الفضائل المسيحية الحقة في حياة المؤمنين. فأعمال الأقانيم الثلاثة حسب مظاهرهم كلها لخير الإنسان ومساعدته.

3- لاهوت المسيح

س: كيف تثبت لاهوت المسيح من الكتاب المقدس؟

ج: الأدلة على لاهوت المسيح متنوعة - منها:

(1) مطالب المسيح لنفسه (2) آيات إيجابية من نصوص الكتاب المقدس (3) نبوّات عجيبة ينبغي أن يكون إتمامها في مَنْ هو مزدَوج الطبيعة (4) قبول المسيح لشهادة الآخرين للاهوته وامتداحه لمقدميها (5) تبادل الاشتراك التام في الصفات الإلهية الكاملة. وهاك تفصيلها بالترتيب:

  1. مطالب المسيح لنفسه:

    قال بعضهم: «نحن لا نطلب للكتاب المقدس أكثر مما يطلب الكتاب لنفسه». على هذا القياس لا ننسب إلى المسيح أكثر مما نسب المسيح إلى نفسه. فما هي مطالبه؟

    1. قال المسيح عن نفسه إن له السلطان الكامل على مغفرة الخطايا (مرقس 2: 10 ولوقا 7: 48) وفوق هذا قال أيضاً إن له السلطان في إعطاء امتياز إعلان مغفرة الخطايا إلى أتباعه (لدرجة محدودة) (متى 16: 19 ويوحنا 20: 23)

    2. قال المسيح إنه القيامة والحياة (يوحنا 11: 25). وقوله هذا من باب المجاز المرسَل، أي من باب ذكر حقيقة الشيء في إحدى معلَّقاته. ومعنى القول هنا أن المسيح هو أصل القيامة، فكأنه قال: «أنا هو الذي أقيم وأنا هو الذي أُحيي». وهل يقول هذا إلا الله القادر على الإحياء والإماتة؟

    3. قال المسيح إن له السلطان المطلق على إقامة الأموات (يوحنا 5: 25). فقال عن نفسه بصفته ابن الله «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ ٱلآنَ، حِينَ يَسْمَعُ ٱلأَمْوَاتُ صَوْتَ ٱبْنِ ٱللّٰهِ، وَٱلسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» (انظر أيضاً يوحنا 5: 28، 29).

    4. قال المسيح ما معناه إنه هو الشارح الرسمي لناموس موسى، فأثبت هذه الحقيقة لليهود قائلاً: «قيل للقدماء... وأما أنا فأقول لكم» ومعناه أني أنا لا أنسخ ما قاله موسى، ولكنني شارحٌ رسميٌّ لِما قاله موسى. ولكن من أين جاء ناموس موسى؟ أليس هو ناموس الله؟ ومن الشارح الرسمي لناموس الله؟ أليس هو الله؟

    5. «قَالَ يَسُوعُ: «أَعْمَالاً كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي... أَجَابَهُ ٱلْيَهُودُ... وَأَنْتَ إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلٰهاً» (يوحنا 10: 32-38) «فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ». فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا كَانَ ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ ٱلسَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ ٱللّٰهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِٱللّٰهِ» (يوحنا 5: 17، 18). ومن كلام المسيح هذا نرى أن الأشرار قاوموه لأنه جعل نفسه إلهاً، معادلاً نفسه بالله. وهذا يؤكد أن المسيح صرح بأنه إله، ولولا هذا التصريح ما قاوموه. ويؤكد أيضاً أنهم فهموا قصده حق الفهم.

    6. راجعوا ما قاله يوحنا 17 وعلى الأخص آية 5: «وَٱلآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ ٱلْعَالَمِ». ومن المهم أن نتذكر دائماً أن المرء يصدق في أقواله عند حلول الأجل. وها هو المسيح قد قال لنا في خطابه الوداعيّ إنه كان مع الآب قبل كون العالم. مصرحاً بأزليته.

  2. آيات إيجابية من نصوص الكتاب المقدس:

    شهادة بولس الرسول: «وَتَعَيَّنَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ بِقُّوَةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ، بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ: يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ رَبِّنَا» (رومية 1: 4، 9: 5) «ٱلْمَسِيحُ ... ٱلْكَائِنُ عَلَى ٱلْكُلِّ إِلٰهاً مُبَارَكاً إِلَى ٱلأَبَدِ».

    شهادة لوقا البشير: «وَحِينَ قَالَ هٰذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ»(لوقا 24: 40) ليصدّقوا أنه قام من الأموات بقدرة نفسه.

    شهادة مرقس البشير: «أَخِيراً ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ، وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا ٱلَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ» (مرقس 16: 14).

    شهادة متى في إنجيله عن حوادث القيامة (متى 28: 1-10).

    شهادة يوحنا في إنجيله أن توما اعترف بعد الاقتناع أن المسيح ربه وإلهه (يوحنا 20: 19-29).

  3. النبوات العجيبة - ومنها:

    (ميخا 5: 2) «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ ٱلأَزَلِ». فهو يقول إن المولود سيُولد في بيت لحم، ولكنه في الوقت نفسه يقول إن مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل. فطبيعة المولود مزدوجة، لأنه بينما هو مولود في بيت لحم نرى في نفس الوقت أنه أزلي بلا بداية.

    (إشعياء 9: 6) «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلامِ». فبينما هو ولد ومولود وابن، نرى في ذات الوقت أنه إله قدير وأب أبدي. فمن هو مزدوَج الطبيعة إلى هذه الدرجة البديعة، إلا المسيح ربّ النعمة والشريعة؟

    (مزمور 72: 5) «يَخْشُونَكَ مَا دَامَتِ ٱلشَّمْسُ وَقُدَّامَ ٱلْقَمَرِ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ». فمن هو الملك المذكور في العدد الأول؟ ومن أعطي سلطاناً أن يُهاب ما دامت الشمس، إلا المسيح؟

  4. قبول المسيح شهادة الآخرين وامتداحه لمقدِّميها ومنها:

    (يوحنا 16: 30) «اَلآنَ نَعْلَمُ أَنَّكَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَكَ أَحَدٌ. لِهٰذَا نُؤْمِنُ أَنَّكَ مِنَ ٱللّٰهِ خَرَجْتَ». فهذه هي شهادة التلاميذ أن المسيح عالم بكل شيء حتى خفايا القلوب، وأنه من الله خرج. وهذه الصفات لا تُطلق إلا على الله الحكيم العليم.

    (يوحنا 20: 28) «أَجَابَ تُومَا: رَبِّي وَإِلٰهِي». هل المسيح انتهر توما أو وبَّخه حينما قال له: أنت ربي وإلهي؟ حاشا! بل أقرَّه على هذا الاعتراف بقوله: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ». لاحظوا أيضاً ما قاله الملاك الذي انتهر يوحنا ومنعه من السجود له (رؤيا 22: 9). فالملائكة لم يمكنهم أن يقبلوا السجود لأنفسهم، وكذلك بطرس الرسول لم يقبل سجود كرنيليوس (أعمال 10: 25، 26). ولكن المسيح قَبِل سجود الأعمى الذي شُفي كما هو مذكور في (يوحنا 9: 38). كما قَبِل نسبة الألوهية والربوبية إلى نفسه هنا، لأنه هو الذي أكّد القول «للرب إلهك تسجد».

    (متى 16: 16) «فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: أَنْتَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ ٱلْحَي». وهذا هو جواب بطرس على سؤال المسيح.

  5. تبادل الاشتراك في الصفات الإلهية:

    نُسبت الصفات الإلهية تارة إلى الآب وطوراً إلى الابن، فلا مناص من النتيجة القاطعة أن يسوع هو الله، وهذا يظهر واضحاً من مراجعة إشعياء 6: 5، 9، 10 بالمقابلة مع يوحنا 12: 41 .

    (رؤيا 22: 3، 4) «وَعَرْشُ ٱللّٰهِ وَٱلْحَمَلِ يَكُونُ فِيهَا، وَعَبِيدُهُ يَخْدِمُونَهُ. وَهُمْ سَيَنْظُرُونَ وَجْهَهُ، وَٱسْمُهُ عَلَى جِبَاهِهِمْ». وجه من هذا؟ وجه الله . ولكن انظر الشهادة الآتية:

    (2كورنثوس 3: 18 مع 4: 6) «وَنَحْنُ جَمِيعاً نَاظِرِينَ مَجْدَ ٱلرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ - هُوَ ٱلَّذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ ٱللّٰهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» فاذاً وجه الله هو وجه يسوع المسيح، وعلى هذا فيسوع المسيح هو الله.

    (رؤيا 1: 8) «أَنَا هُوَ ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، يَقُولُ ٱلرَّبُّ ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَأْتِي، ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ».

    (رؤيا 22: 13، 16) «أَنَا ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، ٱلأَّوَلُ وَٱلآخِرُ... أَنَا يَسُوعُ، أَرْسَلْتُ مَلاكِي لأَشْهَدَ لَكُمْ بِهٰذِهِ ٱلأُمُورِ عَنِ ٱلْكَنَائِسِ». فيسوع هو الألف والياء. ويسوع هو البداية والنهاية. ويسوع هو الأول والآخِر، وهو يهوه إله إسرائيل كما هو مذكور في إشعياء 44: 6 . فاذا قابلتم إشعياء 43: 25 مع متى 9: 2 يتأكد لديكم أن يسوع المسيح هو يهوه القائل: «أَنَا أَنَا هُوَ ٱلْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لا أَذْكُرُهَا». وأنه هو ذات يسوع المسيح الذي قال للمفلوج في كفرناحوم: «ثِقْ يَا بُنَيَّ. مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». فهو يسوع المسيح، وهو يهوه، وهو الله.

    (إشعياء 62: 5 مع مرقس 2: 18، 19) «لأَنَّهُ كَمَا يَتَزَّوَجُ ٱلشَّابُّ عَذْرَاءَ يَتَزَّوَجُكِ بَنُوكِ. وَكَفَرَحِ ٱلْعَرِيسِ بِٱلْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلَهُكِ - فَجَاءُوا وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا يَصُومُ تَلامِيذُ يُوحَنَّا وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ، وَأَمَّا تَلامِيذُكَ فَلا يَصُومُونَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو ٱلْعُرْسِ أَنْ يَصُومُوا وَٱلْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ مَا دَامَ ٱلْعَرِيسُ مَعَهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا». فمن هو العريس إذاً؟ أليس هو يسوع المسيح دون سواه؟ (انظر يوحنا 3: 29)

    خلاصة ما تقدم - إنه لا يوجد حلٌ للغز شخصية المسيح المزدوجة إلا الحل المعلَن المقبول في جميع الكنائس في كل العالم، وهو أن المسيح إنسان تام وإله تام في آنٍ واحد. وتوجد أدلة غير التي ذكرناها هنا، منها:

    حينما ركب المسيح السفينة على بحر الجليل مع تلاميذه أظهر طبيعتيه الكاملتين (أي ناسوته ولاهوته) وذلك أنه بينما كان نائماً في السفينة هاجت الرياح واضطربت الأمواج، فقام من النوم وأمرها بالسكوت، فسكتت فصار هدوء عظيم (متى 8: 24-27). فهو بنومه أعلن ناسوته، وبتسكينه الأمواج والرياح بأمره أظهر لاهوته.

    Table 2. مظاهر الأقانيم والعمل المختص بكل أقنوم

    ناسوته لاهوته  
    تعب ونام...وبَّخ الرياح فأطاعته 
    جاع...عمل معجزة الأرغفة (لغيره) 
    قتلوه...قام من القبر 
    وأقواله أيضاً  
    «ابن الإنسان...عن يمين الله» 
    «ينتظرون ابن الإنسان...آتياً في سحب السماء» 
    «إن لابن الإنسان...سلطاناً على غفران الخطايا» 

4 - قصد الله من الخليقة والعناية والفداء

غاية الله من كل أعماله هي مجد ذاته، بأن يُظهِر كمالاته الإلهية للكائنات العاقلة. لذلك خلق الناس وحفظهم بعنايته وافتداهم بموت ابنه، وصنع لهم الخير والإحسان، وأنعم عليهم ببركات لا تُحصى. وهو يعمل لأجل هذه الغاية بحكمة فائقة وأناة ومحبة وقدرة غير محدودة في السماء وعلى الأرض في عناصر الطبيعة وسياسة الخَلْق. قال داود النبي: «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ ٱللّٰهِ، وَٱلْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ» (مزمور 19: 1). وكل ما يجري في الكون يمجد الله، حتى أن مرض لعازر الذي أحبه يسوع مجَّد الله (يوحنا 11: 4)، وعمى الرجل الذي قيل عنه إنه وُلد أعمى كان ليُظهر عمل الله فيه (يوحنا 9: 3). وقيل إن الميراث الذي يناله المسيحيون هو «لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ ٱلَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي ٱلْمَحْبُوبِ» (أفسس 1: 6، 12).

وكما أن مجد الله هو غايته كذلك يجب علينا أن نجعله غايتنا نحن أيضاً «فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئاً، فَٱفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ ٱللّٰهِ» (1كورنثوس 10: 31).

واقتضت مسرة الله لإظهار مجد قدرته وحكمته وجودته أن يخلق السماء والأرض وسائر الأشياء. وحينما خلقها لم تكن على هذه الحالة السيئة التي صارت إليها في ما بعد، بل كانت حسنة، وكان الإنسان صالحاً «بِٱلإِيمَانِ نَفْهَمُ أَنَّ ٱلْعَالَمِينَ أُتْقِنَتْ بِكَلِمَةِ ٱللّٰهِ، حَتَّى لَمْ يَتَكَّوَنْ مَا يُرَى مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ»(عبرانيين 11: 3). ومعنى ذلك أنها خُلِقت من العدم «أُمُورُهُ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةُ وَلاهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِٱلْمَصْنُوعَاتِ» (رومية 1: 20).

وعدا عن ذلك يحفظ الله خلائقه ويدير حركات أعمالهم جميعاً من الكبير إلى الصغير والعظيم إلى الحقير، حتى أن عصفوراً واحداً لا يسقط إلى الأرض إلا بإذنه، وإن عنايته الإلهية تحوّل كل الأشياء إلى خير شعبه كما قيل: «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللّٰهَ، ٱلَّذِينَ هُمْ مَدْعُّوُونَ حَسَبَ قَصْدِهِ» (رومية 8: 28). ومع أن الله يدير حركات الأعمال جميعاً، يجب الاحتراس من أن ننسب إليه الشرور الواقعة في العالم، لأنه مكتوب: «لا يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ ٱللّٰهِ، لأَنَّ ٱللّٰهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِٱلشُّرُورِ وَهُوَ لا يُجَرِّبُ أَحَداً (بالشرور)» (يعقوب 1: 13). حتى أن صَلْب المسيح الذي قيل عنه إنه حصل بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق، لم يكن إلا بواسطة تلك الأيدي الأثيمة (أعمال 2: 23، 4: 27، 28). وقضت مسرَّة الله لإظهار غنى رحمته أن يصنع بواسطة المسيح خلاصاً لبني البشر ويخلِّص الذين اختارهم من قبل تأسيس العالم. وعلى ذلك قوله: «لِكَيْ يُعَرَّفَ ٱلآنَ عِنْدَ ٱلرُّؤَسَاءِ وَٱلسَّلاطِينِ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ بِوَاسِطَةِ ٱلْكَنِيسَةِ بِحِكْمَةِ ٱللّٰهِ ٱلْمُتَنَّوِعَةِ، حَسَبَ قَصْدِ ٱلدُّهُورِ ٱلَّذِي صَنَعَهُ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا» (أفسس 3: 10، 11).

وعلى هذا فالشرور الواقعة على الناس أصلها من الناس، وإن كان وقوع كل شيء في العالم بسماح من الله لتأخذ العدالة الإلهية مجراها المرسوم، كما هو ظاهر من قول الروح القدس بفم بولس الرسول: «لأَنَّ غَضَبَ ٱللّٰهِ مُعْلَنٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ ٱلنَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، ٱلَّذِينَ يَحْجِزُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلإِثْمِ. إِذْ مَعْرِفَةُ ٱللّٰهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ ٱللّٰهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، لأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ ٱلْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةُ وَلاهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِٱلْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلا عُذْرٍ. لأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا ٱللّٰهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلٰهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ ٱلْغَبِيُّ. وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلاءَ، وَأَبْدَلُوا مَجْدَ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي لا يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَفْنَى، وَٱلطُّيُورِ، وَٱلدَّوَابِّ، وَٱلّزَحَّافَاتِ. لِذٰلِكَ أَسْلَمَهُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى ٱلنَّجَاسَةِ، لإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ. ٱلَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ ٱللّٰهِ أَنَّ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هٰذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ ٱلْمَوْتَ، لا يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً يُسَرُّونَ بِٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ»(رومية 1: 18-24 و32).

5 - تجسُّد المسيح وإتمام الفداء

شرحنا في كلامنا عن الثالوث الأقدس ما المقصود بلفظ ابن الله، أو الابن، الذي تجسَّد في الزمن المحدّد كما يقول الإنجيل: «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً» (يوحنا 1: 14).

س: هل تعرفون آية تثبت أن الله تجسد؟

ج: نعم: «وَبِٱلإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي ٱلرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلائِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ ٱلأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي ٱلْعَالَمِ، رُفِعَ فِي ٱلْمَجْدِ» (1تيموثاوس 3: 16). والاسم البشري الذي سُمي به «الكلمة» بعد التجسد هو «يسوع» ولقبه «المسيح». ولهذا نؤمن أن الإنسان المولود في ملء الزمان المدعو يسوع المسيح هو الله الأزلي، وقد صار إنساناً باتخاذه لنفسه جسداً ذا نفس ناطقة، إذ حُبل به بقوة الروح القدس في مريم العذراء ووُلد منها بدون خطية. وعلى هذه الكيفية صار إنساناً وإلهاً بطبيعتين ممتازتين، ولكنه شخص واحد. ويبقى هكذا إلى الأبد. وهو إله لأنه الكلمة الأزلي، أو الأقنوم الثاني من اللاهوت. وهو أيضاً إنسان لأنه اتخذ لنفسه جسداً كأجسادنا في كل الخواص ما عدا الخطية، وعلى هذا يكون المسيح الإنسان الوحيد الذي عاش في العالم بدون خطية.

«والكلمة صار جسداً» ليس باستحالة الأقنوم الإلهي إلى جسد، بل باتخاذه لنفسه ناسوتاً كاملاً واتحاده به. وإذا سُئلنا لزيادة الإيضاح: ما العلاقة بين الإنسان يسوع المسيح وبين الله؟ نجيب: إن الضمير «أنا» ليسوع المسيح والضمير «أنا» لأقنوم الكلمة هما واحد، والضمير «أنا» حينما يُسنده يسوعُ إلى نفسه هو عين الضمير «أنا» الذي يسنده إلى نفسه أقنوم الكلمة. وهذا ما قصده الكتاب حينما قال: «الكلمة صار جسداً» أي صار الإنسان يسوع المسيح.

س: ماذا كانت غاية الله في إجراء هذا السر الفائق وتنازله التنازل العجيب؟

ج:

  1. ليعلن لنا صفاته وطبيعته إعلاناً إيجابياً كلياً ونهائياً. «الله لم يره أحد قط» ولكن ذلك الابن الوحيد الذي في حضن الآب منذ الأزل، وعرف كل صفاته واختبر طبيعته، أعلن الله لنا لأنه الكلمة. ولما تجسَّد وعاش بين الناس عيشةً كليّة الصلاح حملهم أن يفهموا بطريقة حسِّية صلاح الله وكماله، وكيف يكون الإنسان صالحاً كالله. لهذا نرى مجد الله الحقيقي في وجه يسوع، أي في صفاته وحياته اليومية فإنه «بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ» (عبرانيين 1: 3).

    فالمسيح إذاً هو الإعلان النهائي المعطَى من الله لتعليم البشر عن صفات الله، الذي لا يقدر أحد أن يزيد عليه إلا وينقصه، ولا يصلحه إلا ويتلفه. ذلك لأن «يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ» (عبرانيين 13: 8).

  2. لإظهار محبة الله الفائقة للجنس البشري، لأنه بواسطة تجسّده قدّمه الله ذبيحةً كافية للتكفير عن خطاياهم، لأن يسوع إذ كان كلي القداسة وإلهاً، كما هو إنسان، أصبحت ذبيحته عظيمة القيمة بحيث تكفر عن خطايا الجميع. وهاك بعض الشهادات الكتابية:

    «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا»(إشعياء 53: 5).

    وشهد يوحنا المعمدان: «هُوَذَا حَمَلُ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 1: 29).

    وقال بولس: «فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلأَّوَلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ ٱلْكُتُبِ» (1كورنثوس 15: 3).

    وقال يوحنا الرسول: «وَهُوَ (يسوع) كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ ٱلْعَالَمِ أَيْضاً» (1يوحنا 2: 2).

    وقال يسوع نفسه: «وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى ٱلْحَيَّةَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ»(يوحنا 3: 14، 15).

    وعليه تكون ذبيحة المسيح أعظم مظهر لمحبة الله، وعلى ذلك قوله: «هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» وقوله «وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لأَجْلِنَا». ولا ننسى أن الله هو الذي أجرى في المسيح عمل الفداء «ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (يوحنا 3: 16 ورومية 5: 8 و2كورنثوس 5: 19).

    الله في ملء ثالوثه أبرز للعالم سرَّ محبته الفائقة فدبَّر طريق الخلاص بصفته أقنوم الآب، وأنجزه في الوقت المعين بصفته أقنوم الكلمة، وخصصه لقلوب البشر بصفته أقنوم الروح، كما يدل ذلك قوله عن المؤمنين: «ٱلْمُخْتَارِينَ بِمُقْتَضَى عِلْمِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ ٱلسَّابِقِ، فِي تَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ لِلطَّاعَةِ، وَرَشِّ دَمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (1بطرس 1: 2).

    بذبيحة المسيح وضحت قدرة الله على تبرير الأثيم ورَفْع الخطايا عنه، فإنه قد أعدَّ وسيطاً لبَذْل نفسه بسَفْك دمه لأجل التكفير عن خطايانا، لأنه «بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ»(عبرانيين 9: 22). لقد أحبَّنا الله محبة عظيمة ونحن بَعْد خطاة. أحبَّنا فاحتمل الأحزان الناتجة عن خطايا الخاطىء، فأصبحت المصالحة بين الله وبين الناس ممكنة، وأمكن حصولنا على غفران كامل. فيسوع بموته أظهر قداسته (عدله) ووفاها حقها على التمام، كما أنه أظهر محبته (رحمته) وأنفذ مفعولها. فبواسطته اتَّفقت القداسة مع الرحمة وزالت من بينهما أسباب الخلاف، لأنه الله محب لكونه قدوساً، كما أنه قدوسٌ لكونه محباً. فمن المستحيل أن يُظهر إحدى الصفتين بدون أن يُظهر الأخرى أيضاً في آنٍ واحد. اذاً نرى كما قال الكتاب: «وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ (أي المسيح) ٱلْخَلاصُ. لأَنْ لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال 4: 12).

6 - الروح القدس وعمله

س: هل يوجد دليل على الأقنوم الثالث؟

ج: أقنومية الروح القدس ظاهرة من كلمة الله:

  1. «وَلَكِنَّهُمْ تَمَرَّدُوا وَأَحْزَنُوا رُوحَ قُدْسِهِ، فَتَحَّوَلَ لَهُمْ عَدُّواً، وَهُوَ حَارَبَهُمْ» (إشعياء 63: 10). ويقول الرسول بولس: «وَلا تُحْزِنُوا رُوحَ ٱللّٰهِ ٱلْقُدُّوسَ»(أفسس 4: 30). ومن المعلوم أنه إذا كان روح الله قوة أو صفة أو شيئاً من الأشياء غير العاقلة، لا يمكن أن يحزن أو يفرح. فلا بد إذاً أن يكون أقنوماً. (شخصاً وليس قوة أو تأثيراً).

  2. قال الروح القدس للرسل: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ ٱلَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ» (أعمال 13: 2). والقول والعمل لا يُعزَيان إلى قوة أو تأثير.

س: ما هو الدليل على لاهوت الروح القدس؟

ج: هذا الدليل ظاهر من كلمة الله، فكل ما قيل في العهد القديم عن الله قيل عن روحه، فتارة يُقال فعل الله كذا وتارة يُقال فعله روحه. كما ينوب أحدهما عن الآخر في الكلام. فالذي قاله الله في العهد القديم يُنسب في العهد الجديد للروح القدس. كما ورد فيه أن المؤمنين هياكل الله لأن روح الله ساكن فيهم، وقيل: «أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ ٱللّٰهِ، وَرُوحُ ٱللّٰهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟» «ٱلَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضاً مَبْنِيُّونَ مَعاً، مَسْكَناً لِلّٰهِ فِي ٱلرُّوحِ» (1كورنثوس 3: 16 وأفسس 2: 22). وقيل عن حنانيا إنه كذب على الله لأنه كذب على الروح القدس (أعمال 5: 3، 4). وقال المسيح: «كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ، وَأَمَّا ٱلتَّجْدِيفُ عَلَى ٱلرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ» (متى 12: 31). فالخطية الوحيدة التي لا يمكن غفرانها هي التي تُرتكب ضد الروح. فلا يصح هذا لو لم يكن الروح هو الله، فحضور روح الله وحضور الله سيان. وقال داود النبي: «أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ، وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟» (مزمور 139: 7). فالروح إذاً حاضر في كل مكان، فهو الله. وورد أنه يعلم كل شيء حتى سرائر الله الخفية (1كورنثوس 2: 10، 11) فيكون علمه علم الله. وقيل عن أعمال الله إنها أعمال الروح، فالروح هو الذي خلق العالم، وهو الذي يجدد النفوس، والمولود منه مولود من الله، ويحيي أجسادنا المائتة (رومية 8: 11) وهو على كل شيء قدير.

س: ما هو عمل الروح القدس في الفداء؟

ج: الروح هو العامل في تجديد النفوس المختارة وتوبتها كما نرى في قوله: «وَلٰكِنْ حِينَ ظَهَرَ لُطْفُ مُخَلِّصِنَا ٱللّٰهِ وَإِحْسَانُهُ - لا بِأَعْمَالٍ فِي بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ - خَلَّصَنَا بِغَسْلِ ٱلْمِيلادِ ٱلثَّانِي وَتَجْدِيدِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (تيطس 3: 4، 5) ثم إن نعمة الإيمان التي يُنعم بها الله على المختارين لأجل الخلاص هي من عمل الروح الذي يعمله داخل قلوبهم، وهو الذي يقدس حياتهم حتى يموتوا بالتدريج عن الخطية ويحيوا للبر، وعلى ذلك قوله: «أَنَّ ٱللّٰهَ ٱخْتَارَكُمْ مِنَ ٱلْبَدْءِ لِلْخَلاصِ، بِتَقْدِيسِ ٱلرُّوحِ وَتَصْدِيقِ ٱلْحَقِّ» (2تسالونيكي 2: 13).

والروح هو العامل في تبليغ الحق إلى القلوب وتبكيت العالم على الخطية (يوحنا 16: 8، 9). ويعلن له المسيح (كولوسي 2: 2). ويمدّ المؤمنين بالقوة (أفسس 3: 16). ويشهد لهم بأنهم أولاد الله (رومية 8: 16). ويرشدهم ويقودهم في العمل (رومية 8: 14). وينشىء فيهم الصفات الصالحة كالمحبة والفرح والسلام التي تُدعى ثمر الروح (غلاطية 5: 22). كما لا يمكن أن نفهم كلمة الله فهماً صحيحاً إلا بإرشاد الروح (1كورنثوس 2: 12، 14). وهو يعلمنا كيف نصلي كما ينبغي، ويشجّعنا على الشهادة للمسيح ويجعل لشهادتنا نفوذاً وقوة. والآلة التي يعمل بواسطتها الروح هي كلمة الله.

ودُعي «الروح القدس» لأن القداسة طبيعته، وينشئها في المؤمنين. ولكثرة أنواع أعماله الصالحة التي يُجريها في المؤمنين يجدر بهم أن يتوكلوا عليه في تحصيل الحياة الروحية والاحتفاظ بها بعد نوالها. فمبارك الله الذي أكد لنا أنه مستعد أن يمنحنا الروح القدس حينما نطلبه بالصلاة، كما يدل على ذلك قوله: «فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلادَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً، فَكَمْ بِٱلْحَرِيِّ ٱلآبُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ، يُعْطِي ٱلرُّوحَ ٱلْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ» (لوقا 11: 13).

7 - حالتا الإنسان الأصلية والساقطة

«وَجَبَلَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ آدَمَ تُرَاباً مِنَ ٱلأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً» (تكوين 2: 7)، وخلقه على صورته كشَبَهه في السلطان والمعرفة والبر والقداسة (تكوين 1: 26، 27)، وأنعم عليه بحرية العمل، وسلَّطه على سائر المخلوقات. ولما خرج حديثاً من بين يدي خالقه كان صالحاً ومنزَّهاً عن كل شائبة. ولكن يا للأسف! لم يثبت على صلاحه، فإنه لما تُرك لحرية إرادته عصى أمر ربه بغواية إبليس وسقط من طبيعة الصلاح التي خُلق عليها، وأصبح ذا طبيعة أثيمة ورثتها عنه ذريته بالتناسل، ولم يبق أحد من بني آدم طاهراً من الخطية إلا المسيح الذي لم يتناسل منه تناسلاً طبيعياً.

وليست الخطية بالأمر الهيّن، لأنها تعدٍّ على شريعة الله، وفسادٌ في الأخلاق والآداب، سواء كان في القلب أو في السلوك، الأمر الذي يوقع التباين العظيم بين صفات الله وصفات الإنسان الذي خُلق على صورته. والخطية هي أن يعطي الإنسانُ لنفسه المقامَ الذي كان ينبغي أن يُعطى لله، فيكرم المخلوق أكثر من الخالق (رومية 1: 25). الخطية هي تفضيل محبة الذات فوق محبة الله، وتضحية كل الواجبات من أجلها، وهي مقاومة أوامر الله ونواهيه.

ينبغي أن نطيع الله لأن أوامره مقدسة على وفق طبيعته «إِذاً ٱلنَّامُوسُ مُقَدَّسٌ، وَٱلْوَصِيَّةُ مُقَدَّسَةٌ وَعَادِلَةٌ وَصَالِحَةٌ» (رومية 7: 12). وعدا ذلك فإن كل وصاياه موضوعة لخير خلائقه وصالحهم الدنيوي والأخروي، حباً وتحنُّناً عليهم. وعلى ذلك قوله: «يَا لَيْتَ قَلْبَهُمْ كَانَ هٰكَذَا فِيهِمْ حَتَّى يَتَّقُونِي وَيَحْفَظُوا جَمِيعَ وَصَايَايَ كُلَّ ٱلأَيَّامِ، لِيَكُونَ لَهُمْ وَلأَوْلادِهِمْ خَيْرٌ إِلَى ٱلأَبَدِ» (تثنية 5: 29). وبالنظر إلى ذلك تكون الخطية تمرّداً من الناس على أعمال الحب والشفقة الإلهية وجحوداً لنعمته، كما أنها تباين عظيم بين طبيعة الإنسان وطبيعة الله المقدسة، فهي لذلك تفرّق بين الإنسان وخالقه وتبعده عن رضاه، وتُوقِعه تحت غضبه المخيف، كما رأينا من نتائج الخطية الأولى حينما اجتهد آدم وحواء أن يتواريا تحت الأشجار عن عين الله الذي لا يزال يدعوهم بمحبته ورحمته.

الخطية هي عصيانٌ على الله غير المحدود في برّه ومحبته، وحيث أن الله قدوس وقادر على كل شيء، فلا بد أن يعاقب عليها عقاباً صارماً، لأنه لا يجوز أن تقع في دائرة سلطانه. لقد صدق الكتاب حيث يقول: «أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ» (رومية 6: 23). موت جسدي وروحي، وهي تشتمل على الجرم والنجاسة معاً. أما الجرم فبالنظر إلى علاقة الخطية بعدالة الله، وأما النجاسة فبالنظر إلى علاقتها بقداسته. فكل من يرتكبها يكون مجرماً ونجساً، ويقع تحت غضب الله لأنه يكره الشر ويمقته.

وفوق ذلك توقع الخطية فاعلها تحت نير عبوديتها كما هو مكتوب: «لأِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ٱلْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ لِلْخَطِيَّةِ» وتوقعه تحت نير الشيطان (يوحنا 8: 34). وكل الناس خطاة بالقول والفعل (رومية 3: 10، 23)، وسائرون في طريق الهلاك ما لم يقبلوا الخلاص المقدَّم لهم من رحمة الله، مِنَّةً عليهم ورأفةً بحالهم بواسطة يسوع المسيح.

فهل شعرت أيها القارىء بثقل الخطية على ضميرك ووجدانك؟ هل اشتقت إلى الخلاص من جُرمها ونجاستها؟ أمَا تأوَّهت من ثقل نيرها وشدة بأسها؟ فشكراً لله لأنه يوجد طريق للخلاص، من سار فيه يخلص ولو كان أشقى الناس حالاً.

لما قال المسيح لتلاميذه إنهم يعلمون الطريق إلى نعمة الخلاص، سأله توما: «يَا سَيِّدُ، لَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ تَذْهَبُ، فَكَيْفَ نَقْدِرُ أَنْ نَعْرِفَ ٱلطَّرِيقَ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ ٱلطَّرِيقُ وَٱلْحَقُّ وَٱلْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى ٱلآبِ إِلَّا بِي. لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً. وَمِنَ ٱلآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ» (يوحنا 14: 4-7). وها الطريق أمامك، والمسيح الذي هو الطريق يدعوك بقلب مشتاق، فَلَبِّ دعوته لتفوز برضاه.

حالات الإنسان الثلاث

Table 3. 

1 - قبل السقوط: براءة لا عقوبة حياة
2 - بعد السقوط: خطية عقوبة موت
3 - امتياز الخلاص: فداء خلاص حياة

8 - طريق الخلاص

الخلاص في أوله هو منْحُ حياةٍ جديدة للأموات بالذنوب والخطايا (أفسس 2: 1، 5). وضرورة الحصول على هذه الحياة واضحة في ما قاله لنيقوديموس: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لا يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ... إِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يُولَدُ مِنَ ٱلْمَاءِ وَٱلرُّوحِ لا يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ» (يوحنا 3: 3، 5). وكما أن الميت لا يقدر أن يهب الحياة لنفسه، هكذا لا يمكن للناس أن ينالوا الخلاص بأعمالهم ولكنه يُمنَح لهم بنعمة الله وقدرته الفائقة. فالإنسان ميت في ذنوبه وخطاياه. والميت لا يشعر. وهكذا الخاطىء لا يشعر بحاجته للغفران. لا بد أن الله في محبته ونعمته يبكّت الخاطىء على خطيته، ويقيمه من موتها إلى حياة جديدة. وما أجمل القول: «لأَنَّ أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ ٱللّٰهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا»(رومية 6: 23).

9 - سر المعمودية والعشاء الرباني

المراد بالأسرار فرائض مقدسة وضعها المسيح يُشار فيها بالأشياء المنظورة إلى بركات روحية. مقدَّمة للمؤمنين الذين يستعملون هذه الفرائض باستحقاق. وقد فرضهما المسيح في محبته لنا، وأمر الكنيسة بممارستهما، هما المعمودية والعشاء الرباني (متى 28: 19 ولوقا 22: 19 و1كورنثوس 11: 24).

  1. المعمودية: وهي فريضة مقدسة يُشار فيها بالغسل بالماء باسم الآب والابن والروح القدس إلى تطهير النفس من أدران الخطية بدم يسوع المسيح، وإلى موت المؤمن مع المسيح، إذ يُدفن معه في المعمودية للموت. وهي ختم عهد النعمة كما كان الختان في الشريعة الموسوية.

    والمعمودية تدل على اعتراف الذي يقبلها علناً بإيمانه وطاعته للآب والابن والروح القدس كإلهه ومعبوده الوحيد. وينالها من اعترف بإيمانه جهاراً أمام الله وكنيسته.

  2. العشاء الرباني: وهو فريضة رسمها المسيح في الليلة التي أُسلم فيها، ويُستعمل في هذه الفريضة قليلٌ من الخبز والخمر، فيأخذ كلّ مؤمنٍ لقمةً من الخبز وقليلاً من الخمر على المثال الذي رسمه المسيح تذكاراً لموته. وقال المسيح عن الخبز «هذا هو جسدي» وقال عن الكأس «هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا». فالمؤمنون الذين يشتركون في هذا العشاء يقبلون المسيح بالإيمان كالخبز الذي نزل من السماء، والذي جاء عنه أن كل من يأكل منه لا يجوع. ولكنهم لا يقبلونه طعاماً جسدياً، بل طعاماً روحياً لحياة روحية، لأجل النمو في النعمة والإيمان. وإن كان المشْتَرِك في العشاء الرباني غير حاصل على الحياة الروحية فلا يفيده الاشتراك أقل فائدة، بل يضره ضرراً بليغاً (1كورنثوس 10: 16، 17).

    وجاء في الكتاب المقدس أنه لا يجوز لأحد أن يشترك في عشاء الرب ما لم يمتحن نفسه ويميّز جسد الرب ودمه المسفوك لأجل خطاياه، ويعلم الغرض الذي يشترك لأجله، والفوائد التي تعود إليه من ذلك. وإلا فلا يجوز. وإن اشترك بدون استحقاق يأكل دينونة لنفسه ويكون مجرماً في جسد الرب ودمه (1كورنثوس 11: 27 و29). ويشير العشاء الرباني أيضاً إلى مجيء المسيح ثانية، كما يشير إلى موته، فيكون تذكاراً للماضي وعربوناً للمستقبل (1كورنثوس 11: 26).

10 - خلود النفس وقيامة الجسد

نعتقد أن النفس خالدة، وأن الموت ليس نهاية الإنسان، وإنما يرجع الجسد إلى التراب الذي جُبل منه، وترجع الروح إلى الله الذي منحها (جامعة 12: 7). ويعلّمنا المسيح أن للأشرار والأبرار عقاباً وثواباً أبديين، وذلك يدل على وجود أبدية لا نهاية لها.

ثم نعتقد أن الأموات سيقومون. وأثبت المسيح قيامة الأموات بقيامته هو من الموت في اليوم الثالث، إتماماً لنبوّته عن نفسه. وأُعلنت القيامة لأهل العهد القديم، وعلى ذلك قوله: «وَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ ٱلأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هَؤُلاءِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ وَهَؤُلاءِ إِلَى ٱلْعَارِ لِلازْدِرَاءِ ٱلأَبَدِيِّ» (دانيال 12: 2). وقال المسيح: «فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين فعلوا السيئات إلى قيامة الدينونة» (يوحنا 5: 28، 29). ولو أن الأجساد تُدفن، ولكنها تقوم على شكل جديد، كما أن النبت ينبت على شكل جديد مختلف عن بذره (1كورنثوس 15: 42-44). ومتى قامت الأموات «لا يُزَّوِجُونَ وَلا يَتَزَّوَجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلائِكَةِ ٱللّٰهِ فِي ٱلسَّمَاءِ» (متى 22: 30). ويقول الرسول عن قيامة الجسد: «يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضُعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُّوَةٍ. يُزْرَعُ جِسْماً حَيَوَانِيّاً وَيُقَامُ جِسْماً رُوحَانِيّاً»(1كورنثوس 15: 42-44)، ونعلم أن المسيح متى جاء سيغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة مجده (فيلبي 3: 21).

11 - الدينونة والحكم النهائي

قد «أَقَامَ (الله) يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْعَدْلِ»بيسوع المسيح «لأَنَّ ٱلآبَ لا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ٱلدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ»، «وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً، لأَنَّهُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ»، «لأَنَّهُ لا بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِٱلْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّاً» (أعمال 17: 31 ويوحنا 5: 22، 27 و2كورنثوس 5: 10). وهذه الدينونة تكون على الأعمال كما هي على الأقوال، لأنه قيل: «مِنْ فَضْلَةِ ٱلْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ ٱلْفَمُ»، «وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا ٱلنَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَاباً يَوْمَ ٱلدِّينِ. لأَنَّكَ بِكَلامِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلامِكَ تُدَانُ» (متى 12: 34 و36، 37). وقيل: «لأَنَّ ٱللّٰهَ يُحْضِرُ كُلَّ عَمَلٍ إِلَى ٱلدَّيْنُونَةِ، عَلَى كُلِّ خَفِيٍّ، إِنْ كَانَ خَيْراً أَوْ شَرّاً» (جامعة 12: 14).

فالذين تبعوا سيدهم وخدموه بأمانة يُجْزَون جزاءً حسناً ويمضون إلى حياة أبدية بفرح وسرور مستديم، والذين لم يعرفوا الله ولا أطاعوا إنجيل ابنه يسوع المسيح يُعاقَبون بهلاك أبدي من وجه الرب ومن مجد قوته (2تسالونيكي 1: 8، 9). فذِكْر هذه الدينونة الرهيبة والتحقُّق من صحتها يحذّران الخطاة من الخطية، ويعزّيان الأبرار في كل ضيقاتهم واضطهاداتهم.

أما يوم الدينونة فغير معلوم لأحد. فلنحذر من الإهمال وعدم الاكتراث، ولنكن دائماً على أهبة الاستعداد لملاقاة ربنا وديّاننا في أي وقت يدعونا فيه.

فإذا علمت ذلك فاعلم أن سعادتنا في الدار الأخرى متوقّفة على كيفية تصرّفنا في الحياة الحاضرة. فلنقدِّر الحياة الحاضرة حقَّ قدرها، ولنصرفها في جليل الأعمال والخِدم، راسخين بالإيمان بالمسيح. ولننتظر بغير خوف ولا ارتياب اليوم الذي فيه نظهر أمام كرسي المسيح.

12 - الكنيسة المسيحية والخدام

  1. الكنيسة كنيستان: منظورة، وغير منظورة.

    أما المنظورة فهي جماعة المسيحيين في هذا العالم بأنظمتهم وطوائفهم، الذين يعترفون بالمسيح. منهم المؤمنون الحقيقيون والمؤمنون بالاسم. الكنيسة المنظورة تشبه شبكة تجمع الجيد والرديء، وتشبه حقلاً به الحنطة والزوان (متى 13: 24-30، 47، 48).

    أما غير المنظورة فهي الأتقياء والأنقياء القلب الموجودون داخل كل طائفة مسيحية ومذهب. هم الذين كرسوا أنفسهم لفاديهم ومخلِّصهم، فيصنعون براً وخيراً لغيرهم (أعمال 10: 35)، فصاروا رعية المسيح الخاصة (يوحنا 10: 3). وتضمُّ الكنيسة غير المنظورة أيضاً المؤمنين الذين انتقلوا من هذا العالم الفاني إلى العالم الباقي.

  2. الخدام: نعتقد أن الله عيَّن لجماعة المؤمنين مُرشدين يُدعَون في كلمة الله «شيوخاً» أو «أساقفة» أو «قسوساً» (تيطس 1: 5 وأعمال 20: 17 ، 28). وهم رعاة روحيون يُطعمون قطيع المسيح ويسهرون عليه، كما قال بولس في وصيته لكنيسة أفسس: «إحترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه» (أعمال 20: 28). وهؤلاء المرشدون الروحيون لا يسودون على إيمان الكنيسة بل يؤازرونها لأجل فرحها وسرورها، ويخدمونها لأجل اسم المسيح (2كورنثوس 1: 24 و4: 5).

    وكما أن في الكنيسة خداماً للكلمة، كذا فيها خدام للقيام بحاجة الفقراء، كما نرى في سفر الأعمال في شأن الشمامسة (أصحاح 6). وذُكر الشمامسة مع الأساقفة في رسالة بولس إلى أهل فيلبي (أصحاح 1: 1)، ويجب أن يكونوا مستقيمين ومخلصين وبلا لوم (1تيموثاوس 3: 8-13).

المسابقة الأولى

إن تعمقت في هذا الكتاب تستطيع الاجابة على الأسئلة بسهولة. ونحن مستعدون أن نرسل لك أحد كتبنا الروحية جائزة على اجتهادك. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملاً عند إرسال إجابتك إلينا.

  1. لماذا لا نقدر أن نعتمد على العقل وحده في معرفتنا لله؟

  2. اذكر دليلين من داخل الكتاب المقدس يشهدان لصحَّته.

  3. اذكر دليلين من خارج الكتاب المقدس يشهدان لصحَّته.

  4. ما هو معنى الوحي في المسيحية؟ برهن قولك بآية من الإنجيل.

  5. ما هو هدف الكتاب المقدس كما تجده في 2تيموثاوس 3: 15-17؟

  6. كيف نعرف الله وندرك طريق الخلاص الذي هيّأه لنا؟

  7. اذكر دليلاً عقلياً على وحدانية الله.

  8. اذكر آية كتابية توضح

    1. قداسة الله

    2. عدالة الله

    3. محبة الله

  9. كيف تلتقي الرحمة والحق، ويتلاثم البر والسلام، كما في مزمور 85: 10؟

  10. ما معنى كلمة «أقنوم»؟

  11. كيف صارت عقيدة التثليث الغامضة في العهد القديم واضحة في العهد الجديد؟

  12. هل يوجد تناقض بين الوحدة والتعدّد؟

  13. كيف تجاوب من يسألك عن عقيدة وحدانية الثالوث: «هل تجزّأ الواحد ثلاثة، أم امتزج الثلاثة واحداً»؟

  14. هات آية كتابية ترى فيها الثالوث الأقدس.

  15. ما هو الذي طلبه المسيح لنفسه، ولا يمكن أن يطلبه إلا الله؟

  16. ما هي بعض صفات المسيح التي هي صفات الله؟

  17. كيف ترى لاهوت المسيح وناسوته معاً في معجزة إسكات العاصفة؟

  18. اذكر أربعة أشياء أوردها المؤلف تمجّد الله.

  19. اذكر آية تبرهن أن الله قد تجسَّد. اكتب شاهدها.

  20. اذكر سببين لتجسُّد المسيح.

  21. كيف تبرهن أن الروح القدس شخص، وليس قوة ولا تأثيراً؟

  22. اكتب آيتين تبرهنان أن الروح القدس هو الله.

  23. ما هو عمل الروح القدس في الفداء؟

  24. لماذا نقول إن الخطية ليست بالأمر الهيّن؟

  25. لماذا يجب أن نطيع الله؟

  26. هناك ثلاث حالات للإنسان - كيف تصل إلى الحالة الثالثة؟

  27. لماذا يجب أن يكون الخلاص منحةً من عند الله للإنسان؟

  28. لماذا نسمّي المعمودية والعشاء الرباني «فريضتين»؟ ولماذا نسمّيهما «سرَّين»؟

  29. إلى ماذا يشير الغسل بالماء في المعمودية؟

  30. لماذا يجب أن نتناول من العشاء الرباني؟

  31. اذكر آية تبرهن قيامة المسيح.

  32. لماذا يعزّي ذكر الدينونة الإنسان البار؟

  33. من هم أعضاء الكنيسة غير المنظورة؟

  34. لماذا لا يجب أن نتعجب عندما نرى في الكنيسة المنظورة أعضاء أردياء؟

  35. ماذا يفعل خدَّام الكنيسة لها؟

القسم الثاني: واجبات المسيحي

مقدمة: الحياة الخاضعة لله برهان الإيمان

الواجب الذي يطلبه الله من الإنسان هو طاعته بحسب إرادته المعلَنة في كتابه المقدس، وهي دائماً على حسب طبيعته القدوسة وكمالاته الإلهية ومحبته لخير خلائقه. قد أعلن الله إرادته لأهل العهد القديم ملخَّصة في الوصايا العشر:

2«أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ ٱلَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ ٱلْعُبُودِيَّةِ. 3 لا يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي. 4 لا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلا صُورَةً مَا مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي ٱلْمَاءِ مِنْ تَحْتِ ٱلأَرْضِ. 5 لا تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلا تَعْبُدْهُنَّ، لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ إِلٰهٌ غَيُورٌ، أَفْتَقِدُ ذُنُوبَ ٱلآبَاءِ فِي ٱلأَبْنَاءِ فِي ٱلْجِيلِ ٱلثَّالِثِ وَٱلرَّابِعِ مِنْ مُبْغِضِيَّ 6 وَأَصْنَعُ إِحْسَاناً إِلَى أُلُوفٍ مِنْ مُحِبِّيَّ وَحَافِظِي وَصَايَايَ. 7 لا تَنْطِقْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ بَاطِلاً، لأَنَّ ٱلرَّبَّ لا يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِٱسْمِهِ بَاطِلاً. 8 اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. 9 سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، 10 وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. لا تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَٱبْنُكَ وَٱبْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ ٱلَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ - 11 لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ. لِذٰلِكَ بَارَكَ ٱلرَّبُّ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَدَّسَهُ. 12 أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي يُعْطِيكَ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ. 13 لا تَقْتُلْ. 14 لا تَزْنِ. 15 لا تَسْرِقْ. 16 لا تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ. 17 لا تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لا تَشْتَهِ ٱمْرَأَةَ قَرِيبِكَ وَلا عَبْدَهُ وَلا أَمَتَهُ وَلا ثَوْرَهُ وَلا حِمَارَهُ وَلا شَيْئاً مِمَّا لِقَرِيبِكَ» (خروج 20: 2-17).

فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: 37«تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. 38 هٰذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلأُولَى وَٱلْعُظْمَى. 39 وَٱلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. 40 بِهَاتَيْنِ ٱلْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ ٱلنَّامُوسُ كُلُّهُ وَٱلأَنْبِيَاءُ» (متى 22: 37-40).

ويجب أن نعلم جميعنا أن الناموس لا يبرر أحداً بسبب ضعف الطبيعة البشرية وفسادها، من اليوم الذي سقط فيه أبوانا الأولان. وأن نعلم أن البر الذي من الإيمان بالمسيح المخلِّص هو الذي ينقذنا لا سواه، «لأَنَّ جَمِيعَ ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لا يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ ٱلنَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ». وَلٰكِنْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَتَبَرَّرُ بِٱلنَّامُوسِ عِنْدَ ٱللّٰهِ فَظَاهِرٌ، لأَنَّ «ٱلْبَارَّ بِٱلإِيمَانِ يَحْيَا». وَلٰكِنَّ ٱلنَّامُوسَ لَيْسَ مِنَ ٱلإِيمَانِ، بَلِ «ٱلإِنْسَانُ ٱلَّذِي يَفْعَلُهَا سَيَحْيَا بِهَا». اَلْمَسِيحُ ٱفْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ فَلِمَاذَا ٱلنَّامُوسُ؟ قَدْ زِيدَ بِسَبَبِ ٱلتَّعَدِّيَاتِ، إِلَى أَنْ يَأْتِيَ ٱلنَّسْلُ ٱلَّذِي قَدْ وُعِدَ لَهُ، مُرَتَّباً بِمَلائِكَةٍ فِي يَدِ وَسِيطٍ. وَأَمَّا ٱلْوَسِيطُ فَلا يَكُونُ لِوَاحِدٍ. وَلٰكِنَّ ٱللّٰهَ وَاحِدٌ. فَهَلِ ٱلنَّامُوسُ ضِدَّ مَوَاعِيدِ ٱللّٰهِ؟ حَاشَا! لأَنَّهُ لَوْ أُعْطِيَ نَامُوسٌ قَادِرٌ أَنْ يُحْيِيَ، لَكَانَ بِٱلْحَقِيقَةِ ٱلْبِرُّ بِٱلنَّامُوسِ. لٰكِنَّ ٱلْكِتَابَ أَغْلَقَ عَلَى ٱلْكُلِّ تَحْتَ ٱلْخَطِيَّةِ، لِيُعْطَى ٱلْمَوْعِدُ مِنْ إِيمَانِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. وَلٰكِنْ قَبْلَمَا جَاءَ ٱلإِيمَانُ كُنَّا مَحْرُوسِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، مُغْلَقاً عَلَيْنَا إِلَى ٱلإِيمَانِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ. إِذاً قَدْ كَانَ ٱلنَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى ٱلْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِٱلإِيمَانِ» (غلاطية 3: 10-13 و19-24).

على أن كل من يؤمن إيماناً صحيحاً يجب أن يُظهر إيمانه بأعماله، فالأعمال الصالحة هي برهان الإيمان الصادق، فإن «ٱلإِيمَانُ أَيْضاً، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ... أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي... بِٱلأَعْمَالِ يَتَبَرَّرُ ٱلإِنْسَانُ، لا بِٱلإِيمَانِ وَحْدَهُ... كَمَا أَنَّ ٱلْجَسَدَ بِدُونَ رُوحٍ مَيِّتٌ، هٰكَذَا ٱلإِيمَانُ أَيْضاً بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ» (رسالة يعقوب 2: 17، 18، 24، 26).

13 - التوبة

كرز يوحنا المعمدان في برية اليهودية قائلاً: «تُوبُوا، لأَنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّماوَاتِ» (متى 3: 2). ولما أُلقي يوحنا في السجن «جَاءَ يَسُوعُ إِلَى ٱلْجَلِيلِ يَكْرِزُ بِبِشَارَةِ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ وَيَقُولُ: «قَدْ كَمَلَ ٱلّزَمَانُ وَٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِٱلإِنْجِيلِ» (مرقس 1: 14 و15). وألقى بطرس الرسول أولى مواعظه بشدة وشجاعة أمام جماهير اليهود يوم الخمسين «فَلَمَّا سَمِعُوا نُخِسُوا فِي قُلُوبِهِمْ، وَسَأَلُوا بُطْرُسَ وَسَائِرَ ٱلرُّسُلِ:«مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلإِخْوَةُ؟» فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى ٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ ٱلْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (أعمال 2: 37، 38). وأعلن بولس في عظته الوداعية أنه قضى كل أيام خدمته شاهداً لليهود واليونان بالتوبة إلى الله، والإيمان الذي بربنا يسوع المسيح (أعمال 20: 21).

وليست التوبة مجرد الحزن على الخطية خوفاً من القضاء، أو خوفاً من نتائجها المضرَّة، بل هي الحزن على الخطية نفسها بسبب فظاعتها، فلا ينبغي أن يكون لها أثر في حياتنا، لأنها رذيلة وخبيثة جداً، فهي تَعَدٍّ على شريعة الله المقدسة العادلة، ومضادَّة في القلب والسيرة لصفات الله الكاملة وإرادته الصالحة، كما أنها عصيان وتمرد على القدير. فالتوبة إذاً هي الرجوع عن الخطية إلى الله بعزمٍ ثابت، ومهما يكن من أمر التوبة فهي لا تكفي وحدها لنوال المغفرة، فكان الخطاة في العهد القديم ينالون غفران خطاياهم بتقديم الذبائح والقرابين (لاويين 6: 6). وأما في العهد الجديد فينالونها بالتوبة وذبيحة المسيح الكاملة التي قُدِّمت لله كفارةً عن خطايا العالم (يوحنا 1: 29 و1بطرس 1: 19)، ولهذا كرز المسيح قائلاً: «توبوا وآمنوا بالإنجيل». فالتوبة الحقيقية تتضمن:

  1. الحزن على الخطية.

  2. الرجوع عنها.

  3. الاتكال على كفّارة المسيح لأجل نوال الغفران والتطهير.

  4. العزم الثابت على الطاعة لله وخدمة المسيح.

فمن تاب توبةً كهذه لا شك أن الله يقبله، لأنه مكتوب: «لا يَشَاءُ (الله) أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ» (2بطرس 3: 9).

14 - الإيمان بالمسيح

الإيمان ثقةٌ شديدة وإيقانٌ واتكالٌ على من يستحق ذلك. والإيمان المسيحي شرط جوهري لنوال التبرير، ومع ذلك فالإيمان ليس علّة التبرير وسببه، فسبب تبريرنا هو كفارة المسيح، لكن الإيمان هو فقط واسطة حصولنا على التبرير. التبرير هبةٌ مجانية. والإيمان هو اليد التي نتسلَّم بها هذه الهبة، والعين التي نراها بها. ولهذا يقول الكتاب: «لأَنَّكُمْ بِٱلنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِٱلإِيمَانِ، وَذٰلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ ٱللّٰهِ»، «إِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِٱلإِيمَانِ لَنَا سَلامٌ مَعَ ٱللّٰهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (أفسس 2: 8 ورومية 5: 1). ففي الدين المسيحي لا غِنى عن الإيمان لأنه مكتوب: «بِدُونِ إِيمَانٍ لا يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ» (عبرانيين 11: 6).

ثم إن الإيمان الخلاصي يُراد به أكثر من مجرَّد التسليم بالحق. نعم إن المؤمن هو من يسلِّم بالحق كما يجده في شهادة الله عن ابنه يسوع المسيح وأعماله، لكن ينبغي أن يعمل أكثر من التسليم البسيط. يجب عليه أن يتكل على المسيح، ويلقي رجاءه على كلمته، ويتخذ لنفسه نصيباً من كفارته لأجل تبريره أمام العدل الإلهي، لأن الإيمان الشخصي بفداء المسيح شرط ضروري للخلاص لا يمكن الاستغناء عنه، لأنه بمثابة القناة التي توصل الرجاء والسلام والفرح والقوة عن شخص المسيح إلى قلب المؤمن. وعلى قدر ثقتنا بالمسيح تزداد فينا نعمه الروحية، كما قال هو مراراً: «بحسب إيمانك ليكن لك».

والإيمان الخلاصي يظهر في الثمر الروحي والعمل الصالح. فإنه «مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ» (متى 7: 20). وهو الإيمان العامل بالمحبة (غلاطية 5: 6). والإيمان يشبه الروح، والعمل يشبه الجسد. فالجسد بدون روح ميت، والعمل بدون إيمان ميت. ولا يقدر أحد أن يرى الروح إن لم يكن لها جسد. وكذلك لا يرى أحد الإيمان إن لم يظهر في العمل الصالح الذي يمجد الله (يعقوب 2: 20-26).

الإيمان الخلاصي يظهر للناس أعمالاً وثماراً صالحة يراها الناس (متى 5: 16).

15 - الاعتراف بالمسيح

هذا واجب مهم وضروري جداً كما قال بولس: «لأَنَّ ٱلْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَٱلْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاصِ» (رومية 10: 10). وقال المسيح: «فَكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضاً بِهِ قُدَّامَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ»(متى 10: 32، 33). وعليه فلا يجوز مطلقاً إنكار المسيح ولو بالفم، ولا كتمان الشهادة لأجله.

حينما ينال المؤمنون المعمودية ويتناولون من عشاء الرب طاعةً لأمر المسيح، يكون ذلك منهم اعترافاً علنياً بالمسيح. لهذا ينبغي على كل مؤمن أن يطلب الانضمام إلى كنيسة المسيح، وبانضمامه إليها يعترف بالمسيح أمام الناس، ويعاهدهم على خدمة الرب معهم. وهو يبرهن هذا بأن ينال المعمودية، ويتناول من العشاء الرباني.

ويصحب الاعتراف بالمسيح بالفم إعترافٌ به بحُسن السلوك واستقامة السيرة، وإلا فلا قيمة للاعتراف اللساني، إذ بحُسن السيرة تعظُم قيمته ويقْوَى نفوذه، لأنه يكون من الباطل إذا دعوت المسيح رباً لك ولم تفعل إرادته (لوقا 6: 46). قال المسيح: «وَلا يُوقِدُونَ سِرَاجاً وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ ٱلْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى ٱلْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متى 5: 15، 16).

16 - الحياة والسيرة المسيحية

الديانة المسيحية ليست فقط أن نعتقد ببعض العقائد فكرياً، أو نحافظ على رسوم العبادة الظاهرية، بل هي حياة مستمدَّة من المسيح نفسه. فالمسيحي الحقيقي حصل على حياة جديدة روحية قد نالها من العلاء، ولا يمكن للعقائد والرسوم الكنسية مهما عظم قدرها أن تصيِّر صاحبها مسيحياً حقيقياً، بل لا بد من الحصول على هذه الحياة الجديدة التي تظهر من السيرة والسلوك اليومي في المحبة والحق والبر والقداسة التي بدونها تصبح كل عناية بالدين باطلة. قال الرسول: «هٰكَذَا ٱلإِيمَانُ أَيْضاً، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ» (يعقوب 2: 17) وقال ميخا النبي «قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا ٱلإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ ٱلرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ ٱلْحَقَّ وَتُحِبَّ ٱلرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعاً مَعَ إِلَهِكَ» (ميخا 6: 8).

وقد رأيت أن الله أمر شعبه في العهد القديم بحفظ الوصايا العشر (تثنية 4: 13) دستوراً لحياتهم، فالقسم الأول منها يعدِّد واجبات الإنسان من نحو الله، والقسم الثاني يعدِّد واجباته من نحو بني جنسه، وقد جمعها المسيح في وصيتين: (1) محبة الله، وهي الوصية الأولى والعظمى و(2) محبة القريب مثلها. فالمحبة هي الشريعة الخصوصية للديانة المسيحية لأنها «تكميل الناموس» (رومية 13: 10)، كما أن التواضع والوداعة هما صفتان خاصتان بتلاميذ المسيح الذي قال: «تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ» (متى 11: 29 وأفسس 4: 2).

وهكذا يجب علينا أن نقتدي بالمسيح، لأنه هو قدوتنا الصالحة ومثالنا الكامل، كما أن كلمة الله دليل حياتنا الروحية. فعندما نقرأ في الكتاب أو نتأمل في أخلاق المسيح، علينا أن نبذل جهدنا بمساعدة الروح القدس في التمثُّل به في سلوكنا اليومي، ونفعل ما كان يفعله هو لو كان مكاننا. المسيح هو إله الحق، فعلينا باتِّباع الحق في كل أعمالنا وأقوالنا. وهو إله العدل، فلنجعل العدل شعارنا في إحساساتنا وسائر أعمالنا. وهو إله الرحمة والمحبة والقداسة وكل صفة صالحة، فلنسلك بموجب هذه الصفات نحن أيضاً، متمثِّلين به في كل شيء، حتى نكون صورة المسيح ورائحته الزكية في حالة قلوبنا الداخلية وفي سلوكنا اليومي.

وكل من وُلد من الله ونال الحياة الجديدة يجتذبه الله إلى التحلِّي بهذه الأخلاق الصالحة التي ترضيه، وهي أعظم دليل لا يُدحَض على صحة الدين المسيحي، كما وأنه أعظم الأمور تمجيداً لله (يوحنا 15: 8).

17 - خدمتنا للّه

بسلوكنا المستقيم وثباتنا نكون رسائل المسيح الحية (2كورنثوس 3: 2، 3) التي تشهد له. ولكن فوق ذلك ينبغي على كلٍ منا أن يعمل عملاً ما لخدمة المسيح، ويحسب خدمته امتيازاً كريماً حصل عليه.

وفي بدء الديانة المسيحية كان المؤمنون يسارعون في خدمة المسيح، كلٌ منهم على قدر طاقته، لأننا نرى أحد التلاميذ المدعوّ أندراوس لما وجد المسيح، دعا إليه أخاه سمعان بطرس، وأخبره عنه أخباراً حسنة. وكذلك فعل فيلبس، فإنه حالما تبع المسيح دعا إليه نثنائيل وقال له: «وَجَدْنَا ٱلَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي ٱلنَّامُوسِ وَٱلأَنْبِيَاءُ» (يوحنا 1: 40-45). والمرأة السامرية قدَّمت خدمةً للمسيح، لما أخبرت عنه أهل بلدها، فخرجوا إليه كلهم، وآمن به كثيرون منهم (يوحنا 4: 28).

من هنا نرى أنه من واجبات كل مؤمن أن يقدم خدمة للمسيح. ومن الخطأ أن نظن أن خدمة المسيح خاصة فقط بالقسوس والمبشرين، لأنه حينما وُجد هذا الظن انحطّت الكنيسة وفترت غيرتها. والصواب أن خدمة المسيح واجبة على كل فرد. وتوجد أنواع خِدَم كثيرة لا يُحرم الإنسان من القدرة على بعضها، فأولئك الذين يتعبون في تلك الخِدَم المباركة يجزل لهم خير الجزاء، لأنه قيل «مَنْ رَدَّ خَاطِئاً عَنْ ضَلالِ طَرِيقِهِ يُخَلِّصُ نَفْساً مِنَ ٱلْمَوْتِ، وَيَسْتُرُ كَثْرَةً مِنَ ٱلْخَطَايَا» (يعقوب 5: 20)، وقيل «وَٱلْفَاهِمُونَ يَضِيئُونَ كَضِيَاءِ ٱلْجَلَدِ، وَٱلَّذِينَ رَدُّوا كَثِيرِينَ إِلَى ٱلْبِرِّ كَٱلْكَوَاكِبِ إِلَى أَبَدِ ٱلدُّهُورِ» (دانيال 12: 3).

وهناك خدمة الفقراء والمرضى، وزيارة الذين هم في وحدة.

وهناك الكلمة الحلوة التي تشجّع الخائر، وتلهم المتعَب.

وحيثما تلفَّتَّ حولك وجدت الحاجة في كل مكان لتكون رسول المسيح حيث أنت.

18 - عطايانا لله

فرض الله على بني إسرائيل في العهد القديم إعطاء العشور (لاويين 27: 30-33) لإنفاقها على إخوتهم اللاويين الذين كانوا متفرِّغين لخدمة الهيكل، وفرض عليهم في كل سنة من ثلاث سنين أن يأتوا بعشور مدخولاتهم تلك السنة وينفقون منها على الغريب واليتيم والأرملة، فيبارك لهم الله في كل أعمال أيديهم (تثنية 24: 19).

وليس المسيحيون تحت شريعة العهد القديم، لأنهم صاروا في درجة أفضل من بني إسرائيل، فلا يكون من اللائق أن يقدِّموا أقل من العشور.

وإن أردت أن تعلم مقدار العطاء المفروض على المسيحيين فهو كما قال المسيح: «مَجَّاناً أَخَذْتُمْ مَجَّاناً أَعْطُوا» (متى 10: 8). وقال الرسول بولس في هذا الشأن: «فِي كُلِّ أَّوَلِ أُسْبُوعٍ لِيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ، خَازِناً مَا تَيَسَّرَ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ لا يَكُونُ جَمْعٌ حِينَئِذٍ» (1كورنثوس 16: 2). فالعطاء مفروض على كل واحد بدليل قوله: «ليضع كل واحد منكم» ويلزم الاستمرار عليه بدليل قوله: «في كل أول اسبوع». وهذه الدراهم تُنفق على خدام الإنجيل (1كورنثوس 9: 13)، ومصاريف اجتماعات العبادة، ونشر الديانة المسيحية في العالم، وإعالة الفقراء والمحتاجين - فقد قال المسيح «مَغْبُوطٌ هُوَ ٱلْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ ٱلأَخْذِ»(أعمال 20: 35) لأن «ٱلْمُعْطِيَ ٱلْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ ٱللّٰهُ»(2كورنثوس 9: 7).

19 - كلمة الله

يجب على المؤمنين أن يقرأوا الكتاب المقدس، وأن يدرسوه لأجل فائدة أنفسهم، لأنه كما يحتاج الإنسان إلى طعام مناسب لتغذية جسده، كذا تحتاج نفسه إلى طعام روحي لتنمو به وتَقْوَى. ونجد في شريعة موسى وأقوال المسيح ما يؤكد هذه الحقيقة، لأنه «لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱللّٰهِ» (تثنية 8: 3 ومتى 4: 4). وقال بطرس: «ٱشْتَهُوا ٱللَّبَنَ ٱلْعَقْلِيَّ ٱلْعَدِيمَ ٱلْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ» (1بطرس 2: 2).

بواسطة التأمل في كلمة الله والصلاة إليه، ندخل إلى هيكل قدسه، ونتحدث بسرائر قلوبنا الخفيَّة، فيجيبنا عليها بمواعيده المطمئنة وتعاليمه الصالحة. ومن ليس له ميل لدرس الكتاب والصلاة فلنحكم أن به مرضاً روحياً شوَّش قلبه وأرْبَك أفكاره وحوَّلها عن صورتها الأصلية، كما تكون الحال مع الذين يفقدون شهية الطعام الجسدي. وقد طوَّب النبي من يدرس كلمة الله فقال: «طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ ٱلأَشْرَارِ... لٰكِنْ فِي نَامُوسِ ٱلرَّبِّ مَسَرَّتُهُ، وَفِي نَامُوسِهِ يَلْهَجُ نَهَاراً وَلَيْلاً» (مزمور 1: 1، 2)، وقال: «كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ! ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ هِيَ لَهَجِي» (مزمور 119: 97).

وحتى يمكننا أن نستفيد من مطالعة كلمة الله علينا أن نثابر باجتهاد واستعداد، ونستعين بالصلاة على فهم ما كان غامضاً منها، ونقبلها بإيمان وفرح ونعمل بها في سلوكنا اليومي، وعند ذلك ينير الروح القدس أذهاننا فنعلم أسرار الملكوت وأفكار الله. قال المسيح: «إِنْ شَاءَ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ مَشِيئَتَهُ (أي مشيئة الله) يَعْرِفُ ٱلتَّعْلِيمَ، هَلْ هُوَ مِنَ ٱللّٰهِ، أَمْ أَتَكَلَّمُ أَنَا مِنْ نَفْسِي» (يوحنا 7: 17). فلنحرص كلما قرأنا كلمة الله على العمل بها والتعزِّي بمواعيدها.

20 - الصلاة والصوم

الصلاة ركن من أركان الدين العظمى، فهي أسمى امتيازات المؤمن، لأن بواسطتها يقترب من الله في المسيح، ويسكب أمامه سؤل قلبه، كطفل يلتمس من أبيه حاجته.

قيل إن الدين هو قلب مقتنع بوجود الله كالخالق والحافظ والفادي، فتكون الصلاة ترجمان ذلك القلب، يعبّر بها عمّا يخالجه من الأشواق والعواطف. فبالنظر لاقتناعه بقداسته، تكون الصلاة كلمات التعظيم والتسبيح له. وبالنسبة لاقتناعه بجوده وإحسانه، تكون الصلاة عبارات الشكر والحمد. وبالنظر لوقوعنا في الخطية، تكون الصلاة كلمات التذلل والتواضع والاستغفار. وبالنسبة للاحتياج إليه، تكون الصلاة طلبات ودعاء. وقِسْ على ذلك. فهذه هي الصلاة.

وللصلاة شرطان أوليان، بدونهما لا تُقبل عند الله:

  1. أن تُقدَّم باسم المسيح (يوحنا 16: 23 و24) لأن الإنسان بسبب خطاياه أُبعد عن رضا الله، ولكن بدم المسيح زال هذا البُعد وأصبح قريباً إليه. وعلى ذلك قوله: «وَلٰكِنِ ٱلآنَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ قَبْلاً بَعِيدِينَ صِرْتُمْ قَرِيبِينَ بِدَمِ ٱلْمَسِيحِ» (أفسس 2: 13) فالصلاة باسم المسيح هي الصلاة التي بحسب الأصول والاستحقاق. ولكن ليس استحقاقنا نحن بل استحقاق يسوع. فلننكر الاستحقاق الذاتي ونقترب إلى الله ببر يسوع.

    ولما كان الاسم يمثّل دائماً المسمَّى، فتكون صلاتنا باسم المسيح تمثّل وحدته معنا، بحيث تكون طلباتنا طلباته، وصالحنا صالحه، وحياتنا حياته. وبالجملة كأنه فينا ولأجلنا.

  2. أن تُقدَّم بالإيمان. قال المسيح لتلاميذه: «كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ» (مرقس 11: 24). وقال الرسول يعقوب محرِّضاً المصلّي على الإيمان: «وَلٰكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ ٱلْبَتَّةَ، لأَنَّ ٱلْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجاً مِنَ ٱلْبَحْرِ تَخْبِطُهُ ٱلرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ. فَلا يَظُنَّ ذٰلِكَ ٱلإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئاً مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ» (يعقوب 1: 6، 7). ولكن قبلما نؤمن بإجابة طلباتنا يلزمنا أن نعرف إرادة الله وما يوافقه من الطلبات وما لا يوافقه، فيكون الإيمان إذ ذاك تدريباً للنفس على الاستسلام لحكم إرادة الله، كما يعلنها لنا الكتاب والروح القدس.

وتوجد شروط ثانوية لا يجوز إهمالها:

  1. يجب على المصلي لكي يسمع الله صلاته أن يسمع هو كلام الله ويعمل به. قال سليمان الحكيم: «مَنْ يُحَّوِلُ أُذْنَهُ عَنْ سَمَاعِ ٱلشَّرِيعَةِ فَصَلاتُهُ أَيْضاً مَكْرَهَةٌ» (أمثال 28: 9). وقال المرنم «إِنْ رَاعَيْتُ إِثْماً فِي قَلْبِي لا يَسْتَمِعُ لِيَ ٱلرَّبُّ» (مزمور 66: 18).

  2. ويجب عليه أن يكون صفوحاً عن زلات الغير، كما قال المسيح: «وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ فَٱغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ زَلاَّتِكُمْ» (مرقس 11: 25).

  3. ويجب أن تكون صلاته متضمِّنة تفويض طلباته إلى إرادة الله، وهذا منطقي، لأنه ربما نطلب في صلاتنا طلبة لا يكون فيها خير لنا بل شر، فتفويضنا إلى الله العليم بكل شيء يكون خيراً لنا وأفضل. وقد قدَّم المسيح لنا في صلاته مثالاً حسناً في التسليم لإرادة الله. قيل عنه إنه لما صلى في بستان جثسيماني ختم صلاته بالتسليم الكلي لإرادة أبيه، حيث قال: «يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هٰذِهِ ٱلْكَأْسَ. وَلٰكِنْ لِتَكُنْ لا إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ»(لوقا 22: 42).

  4. وعلى المصلي أن يتواضع في صلاته ويحطّ نفسه إلى تراب الأرض، كما هو في الحقيقة في جانب الذي يخاطبه، لأنه قيل «يُقَاوِمُ ٱللّٰهُ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا ٱلْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً» (يعقوب 4: 6).

ولسنا مكلَّفين في صلواتنا أن نتلو عبارات معلومة نصلي بها جميعنا في كل زمان ومكان، بل مفوَّض لنا أن نصلي كما تُلقِّننا قلوبنا وظروف أحوالنا، مع عدم الخروج عن قاعدة الصلاة التي علمنا إياها المسيح في الإنجيل لكي نصلي على منوالها، وهي المسمَّاة بالصلاة الربانية ونقول:

9 «أَبَانَا ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ ٱسْمُكَ. 10 لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي ٱلسَّمَاءِ كَذٰلِكَ عَلَى ٱلأَرْضِ. 11 خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا ٱلْيَوْمَ. 12 وَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. 13 وَلا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لٰكِنْ نَجِّنَا مِنَ ٱلشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ ٱلْمُلْكَ، وَٱلْقُوَّةَ، وَٱلْمَجْدَ، إِلَى ٱلأَبَدِ. آمِينَ» (متى 6: 9-13).

بمقتضى هذه القاعدة نقدم تقديس الله وامتداد ملكوته وإنفاذ مشيئته على طلباتنا، ونتحقق أن الله هو أبونا السماوي الذي يمنحنا سؤل قلوبنا على الوجه الذي يكون أكثر فائدة لنا.

وفي الكتاب المقدس أمثلة للصلاة كثيرة ومتنوّعة، وفيه إرشادات وإيضاحات كافية من هذا القبيل. عدا ذلك فالروح القدس يرشدنا أيضاً حتى تكون صلواتنا وفق المطلوب.

وأشهر أسفار الكتاب لتدريب النفس على الصلاة هو سفر المزامير، لأنه خزانة ذهبية لصلوات داود النبي وغيره من الأنبياء، صلّوا بها عن أحوالهم الخاصة مسوقين من الروح القدس. وحيث أنه كثيراً ما تمرُّ علينا ذات أحوالهم، فيناسب أن نقتبس من أقوالهم ما يطابق حالتنا واحتياجنا، للاستعانة به للتعبير عما بأنفسنا. مثلاً إذا كنا في حالة الحزن والأسى على خطايانا فنقتبس في صلاتنا مزمور51، لأنه يشتمل على أشد العبارات تأثيراً بقصد التوبة والاعتراف والاستغفار من الله. وإذا كنا في حالة الشكر لرحمة الله علينا ونعمته فنقتبس مزمور 103، للتعبير عن تشكرات قلوبنا.

وأما الصلوات اليومية المكتوبة فلا موجب لتكرارها. ولكن إذا استحسن أحدٌ شيئاً منها ووجدها طبق حاله واختباره، فلا بأس من اقتباسها حسب مقتضيات الأحوال. وخلاصة القول إن الصلاة ليست تلاوةً بل خطاب من الإنسان إلى الله، كما يملي عليه ضميره وفؤاده.

وأما عدد الصلوات التي ينبغي للإنسان أن يقيمها في اليوم الواحد فغير معيَّن، وليس لها مواعيد محدّدة. بل كل ذلك متروك لغيرة ونشاط المصلّين. إلا أن اليهود في العهد القديم كانوا يعبدون الله في الهيكل صباحاً ومساء، ويقدّمون الذبائح التي أمر بها الرب. ولهذا يلزمنا أن نصلي على الأقل مرتين في تلك المواعيد، ففي الصباح نطلب بركة الرب علينا وعلى الآخرين خلال اليوم، ليهدينا إلى عمل مرضاته، ويحفظنا من كل السوء. وفي المساء نشكره على إحسانه علينا. كما نعترف بما فرط منا في اليوم من الزلات، ونطلب منه المغفرة، ودوام نعمته علينا. وفوق ذلك نذكر فضله ونشعر بجميله دائماً أبداً. وإن كنا لم نؤمر بإقامة الصلاة مرات محددة في اليوم، غير أننا أُمرنا أن نصلي كل حين بلا انقطاع (لوقا 18: 1 و1تسالونيكي 5: 17). ومعنى هذا أن نستحضر في أذهاننا روح الصلاة على الدوام، وكلما خطر على البال ذكر الله ومحبته نرفع قلوبنا إليه، سواء كان بالقول أو بالتوجيهات القلبية بدون كلام، والله يعلم ما في القلوب.

وأما الصوم فقد أمر الله اليهود أن يصوموا يوماً واحداً في السنة، وهو يوم الكفارة العظيم (لاويين 16: 29). وأما في العهد الجديد فلا يوجد أمرٌ بالصيام. ولما اعترض بعضهم على المسيح لعدم صيام تلاميذه، أجاب بأن الصيام لا يناسب أحوالهم الحاضرة. ولكن ستأتي أيام حين يُرفع هو من بينهم وحينئذٍ يصومون (مرقس 2: 20). ومع ذلك فقد نبَّه على تلاميذه أن لا يصوموا على طريقة الفريسيين لأجل نَيْل المديح من الناس، بل يصومون في الخفاء لوجه الله (متى 6: 16، 18).

إننا لسنا ملزمين بالصيام، بل مخيَّرين. ولكن الصوم مناسب في أوقات الشدة والحزن، وعلى الخصوص في أوقات الحزن على خطايانا أو على فتورنا في الدين (دانيال 9: 3).

والصيام يقهر الجسد ويبيِّن أفضلية الروح عليه. ومن مزاياه أيضاً أنه يجعل الإنسان متواضعاً ويستميله إلى الصلاة والرياضة الروحية.

ونرى في العهد الجديد أن المسيحيين صاموا، وصام بولس الرسول عن نفسه (أعمال 13: 2، 3 و2كورنثوس 11: 27). وبعد عهد الرسل لم ينقطع الصيام من بين المسيحيين الأتقياء، لأجل تقوية الخدمة المسيحية، وكانوا يقرنون صيامهم بالصلوات. فالصيام الذي يكون خالصاً لوجه الله لا لمديح الناس، ولا لطلب الثواب، يكون صياماً مقبولاً عظيم الفائدة.

إن الجسد عبد للروح، فينبغي للمسيحيين أن يُخضعوا أجسادهم لسلطان أرواحهم، بحياة النقاوة والطهارة. والصيام يعينهم على ذلك. قال بولس الرسول: «وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبِطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ... بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لا أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضاً» (1كورنثوس 9: 25 ، 27).

21 - العبادة الانفرادية والمنزلية والجمهورية

العبادة الواجبة علينا لله كخالقنا وحافظنا وفادينا تنقسم بحسب أصول الديانة المسيحية إلى عبادة انفرادية، ومنزلية، وجمهورية.

  1. العبادة الانفرادية، وتُدعى السرّية أيضاً، فهي أن يكرّس كل فردٍ وقتاً لعبادة الله على خلوة من الآخرين حتى أهل بيته، ولا يدع عيناً تراه إلا عين الله. وأشار المسيح إلى هذه العبادة بقوله: «وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَٱدْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ ٱلَّذِي فِي ٱلْخَفَاءِ» (متى 6: 6). وفي هذه الخلوة يقدر أن يناجي أباه السماوي ويصرف وقتاً في مجلسه السعيد. والصلاة السرية والتأمل الدقيق في كلمة الله هي أعظم الوسائط التي ننمو بها في النعمة والحياة الروحية. ومن يهمل هذا الواجب لا يمكن أن يكون مسيحياً حقيقياً.

  2. العبادة المنزلية، أن يدعو ربُّ المنزل أهل منزله ويعظهم ويصلي معهم. قال يشوع بن نون: «أَمَّا أَنَا وَبَيْتِي فَنَعْبُدُ ٱلرَّبَّ»(يشوع 24: 15). وقال الله عن إبراهيم: «لأَنِّي عَرَفْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ بَنِيهِ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ، لِيَعْمَلُوا بِرّاً وَعَدْلاً، لِكَيْ يَأْتِيَ ٱلرَّبُّ لإِبْرَاهِيمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ» (تكوين 18: 19). ويكون ذلك صباحاً ومساء حيث يقرأ ربُّ البيت فصلاً من كلمة الله، ويختم بالصلاة. في الصباح يشكر الله لأجل حفظه إياه وأهل بيته مدة الليل آمنين، ويلتمس منه البركة والإرشاد مدة النهار حتى يقضي يومه مع أهل بيته في عيشةٍ راضية تمجِّد اسم الله. وكما يطلب لنفسه يطلب للآخرين، ويصلي من أجل الذين لم يؤمنوا بالمسيح إلى الآن. وعند المساء يشكر الله على ما أنعم به عليه في النهار. وإذا كان قد فرطت منه زلّة يعترف بها لله ويطلب منه المغفرة، ويستودع في الختام نفسه وأهل بيته إلى عناية الله الذي لا يغفل ولا ينام.

    ولا بد هنا من التنبيه إلى الصلاة على الطعام. يجب على المؤمنين كلما جلسوا للطعام أن يطلبوا بركة الرب عليه ويشكروه، عملاً بمثال المسيح الذي كان دائماً يصلي على الطعام «ثُمَّ أَخَذَ ٱلأَرْغِفَةَ ٱلْخَمْسَةَ وَٱلسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ وَبَارَكَ وَكَسَّرَ» (متى 14: 19) «وَأَخَذَ ٱلسَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَشَكَرَ وَكَسَرَ وَأَعْطَى تَلامِيذَهُ» (مرقس 8: 6). والحذر كل الحذر من إهمال هذا الواجب المقدس.

  3. الصلاة الجمهورية، تجتمع جماعة من المؤمنين في مكان واحد، ويقرأ عليهم خادم الكلمة فصلاً من كلمة الله (لوقا 4: 17) ويشرحه على ما يناسب حالة الشعب وسيرتهم. ثم يصلّون ويسبّحون الله ببعض التسابيح الروحية. ومن المناسب في العبادة الجمهورية أن تُؤدَّى خدمة العطاء للرب، فيقدِّم كل عابد بعض الدراهم على قدر ما تجود به نفسه لخدمة الرب.

    وكانت الآلات الموسيقية تُستعمل في العبادة في العهد القديم في الهيكل (مزمور 150: 3-5)، كما تُستعمل الآن لمساعدة المرتِّلين على تسبيح الله.

    ويكون مفيداً للمؤمنين جداً إذا كانوا يجتمعون في الليالي وتُطلَق لهم حرية العبادة، فيصلّي من يصلي، ويسبّح من يسبح، ويتكلّم من يتكلم حسبما يقودهم الروح القدس (1كورنثوس 15: 14-16 وكولوسي 3: 16)، لأن اجتماعات كهذه لها أهمية عظيمة في بناء المؤمنين وتعزيتهم ونموّهم في الحياة الروحية. والرسول يحرّضنا على المداومة عليها حيث يقول: «غَيْرَ تَارِكِينَ ٱجْتِمَاعَنَا... بَلْ وَاعِظِينَ بَعْضُنَا بَعْضاً» (عبرانيين 10: 25).

22 - يوم الراحة المسيحي

سُرَّ اللهُ أن يعيّن وقتاً منتظماً يستريح فيه الجنس البشري من عناء الأشغال ويعبدون فيه، ففرز لهم يوماً من كل أسبوع، وكان ذلك من بدء الخليقة. جاء في سفر التكوين أن الله خلق العالم في ستة أيام لذلك قيل: «فَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ ٱلَّذِي عَمِلَ. وَبَارَكَ ٱللّٰهُ ٱلْيَوْمَ ٱلسَّابِعَ وَقَدَّسَهُ» (تكوين 2: 2، 3). وهو اليوم الذي عيَّنه لراحة الناس، ووردت وصية خاصة في شأن حفظ هذا اليوم من ضمن الوصايا العشر التي كتبها الله بإصبعه على لوحي العهد (خروج 20: 8-11) وهي الوصية الرابعة، وأمر فيها أن نحفظ ذلك اليوم تذكاراً لفروغ الله من عمل الخليقة، حتى لا ننسى نسبته إلينا كالخالق، وأننا لم نخلق أنفسنا، ولا خلقَتْنا الطبيعة بل خلقنا الله. وهذا هو الأساس الأعظم للدين.

وعلى هذا يلزمنا أن نكرِّس لله سُبْع أوقاتنا، أي يوماً واحداً من كل أسبوع، كما نكرِّس عُشْر أموالنا.

وحدث في عصر الرسل أن اليوم السابع أُبدل باليوم الأول بمناسبة قيام المسيح فيه من الأموات وتتميم عمل الفداء الذي عليه رجاؤنا. وصادق الرسل على هذا التبديل وحفظوا اليوم الأول عوضاً عن السابع. فبقيامة المسيح من الموت تأيَّدت رسالته ووضع لنا أساساً متيناً نبني عليه ثقتنا ورجاءنا، وتأكدنا من قبول كفارته لدى الله. فمن أجل ذلك يجب أن نحفظ اليوم الأول بدل السابع. وقد مهَّد المسيح السبيل لهذا التبديل بظهوراته فيه بعد قيامته (يوحنا 20: 19، 21)، وكذلك عيَّنه الرسل (أعمال 20: 7 و1كورنثوس 16: 2)، وسارت عليه الكنيسة منذ العصر الرسولي لغاية يومنا الحاضر، أى مدة عشرين قرناً.

وكلمة «سبت» دخيلة في اللغة العربية، وهي في الأصل كلمة «شبت» العبرانية ومعناها «راحة». فعلى ذلك تُقرأ الوصية الرابعة هكذا: «اذكر يوم السبت (أو يوم الراحة) لتقدسه».

ولنا هنا كلمتان تعلماننا كيف نحفظ ذلك اليوم بطريقة تُرضي الله، وهما «راحة» و «تقديس». فمن الكلمة الأولى نتعلم أننا لا نعمل فيه عملاً ما من أعمالنا الاعتيادية التي نعملها في الأيام الستة، لأنه يوم الراحة الذي ينبغي لنا أن نستريح فيه من عناء الحياة. ومن الكلمة الثانية «تقديس» نتعلم أننا لا نستريح فيه بأن نقضيه في الملاهي والمسرات العالمية، كما يفعل كثيرون، بل نقدسه لله، أي نكرّسه لعبادته وخدماته المقدسة، فهو يوم الراحة المقدس، وفيه نستريح من شقاء الدنيا، ونروّض أنفسنا بالتفكير في الله والسماء والحياة الأبدية والواجبات المسيحية.

وفي العهد القديم كان يوم السبت العلامة المميّزة بين شعب الله والشعوب الأخرى، وهكذا يجب أن يكون السبت المسيحي، شعار شعب الله في العهد الجديد الذي به يتذكرون قيامة المسيح من القبر ونصرته على الموت. وقد وعد ببركات كثيرة لمن يحفظون ذلك اليوم ويقدّسونه (إشعياء 58: 13، 14).

23 - الزواج والطلاق

سنَّ الله شريعة الزواج للإنسان وهو بعد في حالة الطهارة، قبل أن يبارح جنة عدن. وقال الله: «لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ» (تكوين 2: 18)، لهذا أوقع الله سباتاً على آدم فنام، وأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً، وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأةً وأحضرها إلى آدم. فالزواج وُضع لأجل معاشرة الرجل للمرأة، ليتعاونا على ضروريات الحياة، ولأجل بقاء النوع الإنساني، ولأجل صيانتهما في العفة والنزاهة. فالزواج شريف في كل شؤونه، والمضجع غير نجس (عبرانيين 13: 4).

على أن المسيح ذكر أحوالاً تجوز فيها العزوبية (متى 19: 10-12) وعلّمنا الرسول بولس أنه حينما نكون واقعين في شدة أو اضطهاد يكون من الموافق عدم الزواج (1كورنثوس 7: 26).

ولا تحلل شريعة الزواج أن نتزوج بأكثر من زوجة واحدة، ولا للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل واحد. ولا يفترق الزوجان كل حياتهما، ولا تُحل عقدة الزواج إلا بموت أحدهما، فيُباح حينئذ للحي أن يتزوج (رومية 7: 3).

وقدّس الله هذه الشريعة من بدء الخليقة، لم يعطِ لآدم سوى زوجة واحدة لتكون أماً لكل الجنس البشري. ولفت المسيح نظرنا إلى هذه الحقيقة قائلاً: «مِنْ أَجْلِ هٰذَا يَتْرُكُ ٱلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِٱمْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ ٱلاثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إِذاً لَيْسَا بَعْدُ ٱثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَٱلَّذِي جَمَعَهُ ٱللّٰهُ لا يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ» (متى 19: 5، 6).

ولا يجوز الطلاق إلا في حالة الخيانة - إذا زنى أحد الزوجين فللبريء الحق في الطلاق. وإذا هجر أحدهما الآخر أو اضطهده بسبب الخروج عن الدين المسيحي أو الدخول فيه، فللمسيحي من الزوجين الحق في الطلاق، كما يعلمنا الرسول قائلاً: «وَلٰكِنْ إِنْ فَارَقَ غَيْرُ ٱلْمُؤْمِنِ فَلْيُفَارِقْ. لَيْسَ ٱلأَخُ أَوِ ٱلأُخْتُ مُسْتَعْبَداً فِي مِثْلِ هٰذِهِ ٱلأَحْوَالِ» (1كورنثوس 7: 15 ومتى 5: 32).

ونسبة الزوجين إلى بعضهما أعظم محبة ووداد، وأقدس حب عُرف عند البشر. لهذا يجب أن يكون عقد الزواج ليس بالطيش والخلاعة وعدم الاكتراث، بل بالاحترام والفطنة والرزانة والورع في مخافة الله. ويجب أن يكون زواج المؤمنين بالمؤمنات اللاتي هنَّ في الرب لا بغيرهنَّ. وقد اعتبر الكتاب الزواج رمزاً إلى اتحاد المسيح بكنيسته. وعلى هذا يأمرنا أن نحب زوجاتنا قائلاً: «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ ٱلْمَسِيحُ أَيْضاً ٱلْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا. كَذٰلِكَ يَجِبُ عَلَى ٱلرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ» (أفسس 5: 25، 28). وكما أُمر الرجال بمحبة نسائهم، أُمرت النساء بطاعة رجالهن، وعلى ذلك قوله: «أَيُّهَا ٱلنِّسَاءُ ٱخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ. وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا» (أفسس 5: 22، 33) دعوةً لها إلى احترامه والخضوع له.

فاذا أحب الزوج زوجته وخضعت الزوجة لزوجها، وتُبُودِلَ بينهما الحب والوفاق، واتحدا على خدمة المسيح وإكرامه، صارت حياتهما جنةً على الأرض.

24 - الاستعداد لمجيء المسيح ثانية

يقول الكتاب المقدس إن المسيح سيأتي ثانية على سحاب السماء ليأخذ شعبه إليه (متى 24: 32، 33 و1تسالونيكي 4: 14-17) وعند مجيئه يُنفَخ في البوق فيقوم الأموات في المسيح، ويتغيَّر الأحياء المؤمنون في لحظة من الزمان، ويُخطَفون جميعاً إلى السُّحب لملاقاته، ويمكثون معه كل حين (1كورنثوس 15: 51، 52). وبعد مجيئه واختطاف المؤمنين إليه يظهر علانية في السماء وتنظره كل عين، ويشير إلى ذلك بقوله: «عِنْدَ ٱسْتِعْلانِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلائِكَةِ قُّوَتِهِ، فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لا يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ وَٱلَّذِينَ لا يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (2تسالونيكي 1: 7، 8)، «وَيَكُونُ ٱلرَّبُّ مَلِكاً عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ. فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ ٱلرَّبُّ وَحْدَهُ وَٱسْمُهُ وَحْدَهُ»(زكريا 14: 9).

ونعلم من كلمة الله أن موعد يوم مجيئه مجهول لا يعرفه أحد، لأنه يأتي على حين غفلة. ولكنه متى جاء يظهر للناس كما يظهر البرق في السماء، فيجد الأشرار وغير المؤمنين منهمكين في أشغالهم الدنيوية ولذاتهم الجسدية، كما كانوا في أيام نوح حينما جاء الطوفان وأهلكهم. وعلى ذلك قوله: «سَيَأْتِي فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَنْفُسِهِمْ، وَقَائِلِينَ: «أَيْنَ هُوَ مَوْعِدُ مَجِيئِهِ؟» (2بطرس 3: 3، 4). وأما المؤمنون فيكونون مستعدين وساهرين لاستقباله «فَإِنَّ سِيرَتَنَا نَحْنُ هِيَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، ٱلَّتِي مِنْهَا أَيْضاً نَنْتَظِرُ مُخَلِّصاً هُوَ ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ، ٱلَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ ٱسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ» (فيلبي 3: 20، 21).

فمن أراد الاستعداد لظهور المسيح يجب عليه أن ينضم إلى جماعة المؤمنين ويعيش بالبر والتقوى ويحفظ نفسه بلا دنس من العالم، ويقوم بواجب الخدمة التي فرضها عليه الرب. قيل في مثل الأَمْنَاء إن الرب أمر عبيده الذين أعطاهم الأَمْنَاء قائلاً: «تَاجِرُوا حَتَّى آتِيَ» (لوقا 19: 13). ومعنى ذلك أنه يجب علينا أن نستعمل مواهبنا في خدمته، ونجتنب كل سيرة وعمل يخجلاننا عند مجيئه «لأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَتْ نِعْمَةُ ٱللّٰهِ ٱلْمُخَلِّصَةُ لِجَمِيعِ ٱلنَّاسِ، مُعَلِّمَةً إِيَّانَا أَنْ نُنْكِرَ ٱلْفُجُورَ وَٱلشَّهَوَاتِ ٱلْعَالَمِيَّةَ، وَنَعِيشَ بِٱلتَّعَقُّلِ وَٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَى فِي ٱلْعَالَمِ ٱلْحَاضِرِ، مُنْتَظِرِينَ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْباً خَاصّاً غَيُوراً فِي أَعْمَالٍ حَسَنَةٍ» (تيطس 2: 11-14).

المسابقة الثانية

إن تعمقت في هذا الكتاب تستطيع الاجابة على الأسئلة بسهولة. ونحن مستعدون أن نرسل لك أحد كتبنا الروحية جائزة على اجتهادك. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملاً عند إرسال إجابتك إلينا.

  1. جمع المسيح الوصايا العشر في وصيتين اكتبهما، مع الشاهد.

  2. ماذا تتضمَّنه التوبة الحقيقية؟

  3. كيف يظهر الإيمان الخلاصي فيراه الآخرون؟

  4. لماذا يجب أن نعترف بالمسيح أمام الناس؟

  5. ماذا يجب أن يصاحب الاعتراف بالمسيح باللسان؟

  6. لماذا يجب أن نحيا حسب مثال المسيح؟

  7. اذكر خدمةً قدَّمْتَها للمسيح.

  8. هل تقدم عشورك للرب؟ ولماذا؟

  9. لماذا يسمّي الرسول بطرس كلمة الله بأنها «اللبن العقلي»؟

  10. اذكر أربعة شروط للصلاة المستجابة.

  11. اذكر بعض مزايا الصوم.

  12. اذكر أنواع العبادة الثلاث، ولماذا يجب أن نصلي قبل أن نأكل؟

  13. لماذا تغيَّر يوم العبادة من يوم السبت إلى يوم الأحد؟

  14. كيف تصير حياة الزوجين جنةً على الأرض؟

  15. ماذا سيحدث عندما يُنفخ في البوق عند مجيء المسيح ثانية؟


Call of Hope  P.O. Box 100827
D-70007
Stuttgart
Germany