العودة الى الصفحة السابقة
يوم الدين وما يأتيك به

يوم الدين وما يأتيك به

ك. هـ. ستيفنسن


List of Tables

1.

Bibliography

يوم الدين وما يأتيك به. ك. هـ. ستيفنسن. Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. طبعة ثانية منقحة. . SPB 4850 ARA. English title: The Day of Judgment. German title: Der Tag des Gerichts (Jaum al-Din). Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

هذا الكتاب

بيان صريح عمّا تعلنه كلمة الوحي عن يوم الدين الرهيب.

سرد للحوادث المفزعة التي سترافق ذلك اليوم.

شرح للنبوّات التي تعلن أن ذلك اليوم وانقضاء الدهر، أضحيا على الأبواب.

نقدمه بملء المحبة والإخلاص لقرائنا الأعزاء، ونسأله، جل جلاله، أن يجعله هدى لسبيلهم وخلاصاً لنفوسهم.

الفصل الأول ... بين الأمم

(أ) مكان الأمم والشعوب في ترتيب اللّه

كون الإنسان مخلوقاً أدبياً يجعله مسؤولاً شخصياً أمام اللّه. ومعنى ذلك أن اللّه يتعامل مع الإنسان كفرد قائم بذاته. وهذا ما يصرح به الوحي الإلهي.

- كلمة الوحي -

«... ٱللّٰهَ لاَ يَقْبَلُ ٱلْوُجُوهَ. بَلْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ ٱلَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ ٱلْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ» (سفر أعمال الرسل 10: 34-35) «فَإِذاً كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا سَيُعْطِي عَنْ نَفْسِهِ حِسَاباً لِلّٰهِ» (رسالة رومية 14: 12).

بيد أنه يتضح أيضاً في كلمة اللّه أن هناك مكاناً في الترتيب الإلهي لأمم وشعوب يتعامل اللّه معهم داخل حدود مساكنهم في أوقات معينة حتمها هو لغايات معلومة عنده.

- كلمة الوحي -

«لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِين ٱلْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ ٱللّٰهِ، وَٱلسَّلاَطِينُ ٱلْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ ٱللّٰهِ» (رسالة رومية 13: 1). «وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ ٱلنَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ ٱلأَرْضِ، وَحَتَمَ بِٱلأَوْقَاتِ ٱلْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ، 27 لِكَيْ يَطْلُبُوا ٱللّٰهَ...» (سفر أعمال الرسل 17: 26-27).

(ب) بدء حكم الأمم على الأرض لأول مرة بنشاط قايين

غير أن حكم الأمم قد بدأ على الأرض لأول مرة بنشاط قايين، الذي كان من الشرير.

- كلمة الوحي -

«... . وَكَانَ (أي قايين) يَبْنِي مَدِينَةً، فَدَعَا ٱسْمَ ٱلْمَدِينَةِ كَٱسْمِ ٱبْنِهِ حَنُوكَ» (سفر التكوين 4: 17).

«وَكُوشُ وَلَدَ نِمْرُودَ ٱلَّذِي ٱبْتَدَأَ يَكُونُ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ، ٱلَّذِي كَانَ جَبَّارَ صَيْدٍ أَمَامَ ٱلرَّبِّ (أي كان جبار صيد ممالك وإمبراطوريات)... لِذٰلِكَ يُقَالُ: «كَنِمْرُودَ جَبَّارُ صَيْدٍ أَمَامَ ٱلرَّبِّ». وَكَانَ ٱبْتِدَاءُ مَمْلَكَتِهِ بَابِلَ وَأَرَكَ وَأَكَّدَ وَكَلْنَةَ، فِي أَرْضِ شِنْعَارَ» (سفر التكوين 10: 8-10).

«وَقَالُوا: «هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجاً رَأْسُهُ بِٱلسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا ٱسْماً لِئَلاَّ نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ... فَبَدَّدَهُمُ ٱلرَّبُّ مِنْ هُنَاكَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ ٱلأَرْضِ، فَكَفُّوا عَنْ بُنْيَانِ ٱلْمَدِينَةِ» (سفر التكوين 11: 4 و8).

لقد وضع الرب الإله آدم في جنة عظيمة وقلّده سيادتها المباشرة. ولكن آدم عصى أمر الرب الإله. وأراد قايين إبنه أن يختبئ بعد أن قتل هابيل أخاه، فلجأ إلى بناء أول مدينة. ولقد أسس أبناؤه بسرعة حضارة فاسدة حتى أن اللّه رأى من اللازم أن يمحوها بالطوفان (سفر التكوين 6: 5-8). ولما رفضوا أن ينتشروا بعد ذلك على وجه الأرض كما أمرهم اللّه من قبل (سفر التكوين 10: 32)، راحوا يبنون مدينة وبرجاً أيضاً يقصدون به تثبيت مركزهم بالإستقلال عن اللّه. ولذلك أبطل الرب الإله وحدتهم الظاهرية، إذ شتت شملهم بتغيير لسان كل منهم عن الآخر.

غير أن استرجاع هذه الوحدة كان ولا يزال حلم جميع الإمبراطوريات والسلاطين البشرية. ولهذه الغاية بسط الغزاة سلطانهم، وأسس السياسيون المعادون للحرب عصبة الأمم، وابتدع العلماء الأسبرانتو (أي لغة موحدة)، وحاولت الأديان إخماد صوت «الهراطقة» بقوة السيف والنار ولكن دون جدوى، إذ أنه لا يوجد إلا طريقان فقط تتحقق بهما الوحدة.

الطريق الأول هو الذي يؤدي إلى الوحدة الحقة، وهو طريق وحدانية الإيمان - الإيمان الذي يقوم على التجاوب مع العمل الفدائي العظيم الذي تممه الرب يسوع المسيح بدمه الكريم المسفوك على خشبة الصليب، والخضوع التام لسيادته، لأن كل من لديهم هذا الإيمان يصبحون بمثابة أعضاء جسد واحد رأسه المسيح (رسالة أفسس 2: 13-18 ، 4: 3-6).

أما الطريق الثاني فهو طريق الوحدة المزيفة، أو بالحري، الوحدة الظاهرية التي تقوم على القوة البشرية والإكراه، فسوف تتحقق مرة واحدة في التاريخ فقط، وذلك في آخر الأيام أثناء الضيقة العظيمة بواسطة «ضد المسيح» و «النبي الكذاب» اللذين سنتحدث عنهما، إن شاء اللّه، في الفصل الثاني. وسوف تفرض هذه الوحدة على كل الخارجين عن المسيح، في المجال السياسي كما في المجال الديني أيضاً (راجع سفر الرؤيا 13: 7 و8).

«وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ ٱلرَّبَّ يُطَالِبُ جُنْدَ ٱلْعَلاَءِ فِي ٱلْعَلاَءِ، وَمُلُوكَ ٱلأَرْضِ عَلَى ٱلأَرْضِ» (سفر إشعياء 24: 21).

«فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يُعَاقِبُ ٱلرَّبُّ بِسَيْفِهِ ٱلْقَاسِي ٱلْعَظِيمِ ٱلشَّدِيدِ لَوِيَاثَانَ، ٱلْحَيَّةَ ٱلْهَارِبَةَ. لَوِيَاثَانَ ٱلْحَيَّةَ ٱلْمُتَحَّوِيَةَ، وَيَقْتُلُ ٱلتِّنِّينَ ٱلَّذِي فِي ٱلْبَحْرِ» (سفر إشعياء 27: 1).

(ج) الضعف الأساسي الكامن في حكم الأمم

- كلمة الوحي -

«رَأْسُ هَذَا ٱلتِّمْثَالِ مِنْ ذَهَبٍ جَيِّدٍ. صَدْرُهُ وَذِرَاعَاهُ مِنْ فِضَّةٍ. بَطْنُهُ وَفَخْذَاهُ مِنْ نُحَاسٍ. سَاقَاهُ مِنْ حَدِيدٍ. قَدَمَاهُ بَعْضُهُمَا مِنْ حَدِيدٍ وَٱلْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ. كُنْتَ تَنْظُرُ إِلَى أَنْ قُطِعَ حَجَرٌ بِغَيْرِ يَدَيْنِ فَضَرَبَ ٱلتِّمْثَالَ عَلَى قَدَمَيْهِ ٱللَّتَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ وَخَزَفٍ فَسَحَقَهُمَا. فَٱنْسَحَقَ حِينَئِذٍ ٱلْحَدِيدُ وَٱلْخَزَفُ وَٱلنُّحَاسُ وَٱلْفِضَّةُ وَٱلذَّهَبُ مَعاً، وَصَارَتْ كَعُصَافَةِ ٱلْبَيْدَرِ فِي ٱلصَّيْفِ، فَحَمَلَتْهَا ٱلرِّيحُ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا مَكَانٌ. أَمَّا ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي ضَرَبَ ٱلتِّمْثَالَ فَصَارَ جَبَلاً كَبِيراً وَمَلأَ ٱلأَرْضَ كُلَّهَا» (سفر دانيال 2: 32-35).

«وَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ صَلِبَةٌ كَٱلْحَدِيدِ، لأَنَّ ٱلْحَدِيدَ يَدُقُّ وَيَسْحَقُ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَالْحَدِيدِ ٱلَّذِي يُكَسِّرُ تَسْحَقُ وَتُكَسِّرُ كُلَّ هَؤُلاَءِ... وَأَصَابِعُ ٱلْقَدَمَيْنِ بَعْضُهَا مِنْ حَدِيدٍ وَٱلْبَعْضُ مِنْ خَزَفٍ، فَبَعْضُ ٱلْمَمْلَكَةِ يَكُونُ قَوِيّاً وَٱلْبَعْضُ قَصِماً. وَبِمَا رَأَيْتَ ٱلْحَدِيدَ مُخْتَلِطاً بِخَزَفِ ٱلطِّينِ، فَإِنَّهُمْ يَخْتَلِطُونَ بِنَسْلِ ٱلنَّاسِ، وَلَكِنْ لاَ يَتَلاَصَقُ هَذَا بِذَاكَ، كَمَا أَنَّ ٱلْحَدِيدَ لاَ يَخْتَلِطُ بِٱلْخَزَفِ. وَفِي أَيَّامِ هَؤُلاَءِ ٱلْمُلُوكِ يُقِيمُ إِلَهُ ٱلسَّمَاوَاتِ مَمْلَكَةً لَنْ تَنْقَرِضَ أَبَداً، وَمَلِكُهَا لاَ يُتْرَكُ لِشَعْبٍ آخَرَ، وَتَسْحَقُ وَتُفْنِي كُلَّ هَذِهِ ٱلْمَمَالِكِ، وَهِيَ تَثْبُتُ إِلَى ٱلأَبَدِ... اَللّٰهُ ٱلْعَظِيمُ قَدْ عَرَّفَ ٱلْمَلِكَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَ هَذَا...» (سفر دانيال 2: 40 و42-45).

يعطينا الإصحاح الثاني من سفر دانيال تخطيطاً لتاريخ حكم الأمم والإمبراطوريات في العالم في صورة تمثال عظيم، تمثل أقسامه الأشكال المتعددة لأنظمة الحكم العالمي المتعاقبة من أيام نبوخذ نصر وحكمه الذهبي، ذلك الحكم الأوتوقراطي المستبد، إلى أيام النهاية وحكم الإنسان المتسلح بالقوة الحديدية، حكم الإنسان الذي فتت الذرة وأطلق طاقة كفيلة بتدمير المسكونة كلها، نتيجة لعقله الكبير الذي لا تباريه أخلاقه وحكمته، ذلك الحكم الحديدي «الساحق المكسر»... «المختلط مع خزف الطين»، طين الإرادة البشرية الخاضعة لروح «ضد المسيح» والمشبعة بالعداوة لحكم إبن اللّه الأزلي. وكان عنصر الإرادة البشرية موجوداً في حكم الأمم منذ البداية، غير أنه سيظهر في صورة واضحة في الأيام الأخيرة في النظام المشار إليه بالأصابع العشرة لقدمي التمثال في سفر دانيال (2: 32) المدوَّن آنفاً، أي في آخر نظام من أنظمة الحكم العالمي المتعاقبة - أي النظام العشري الذي سيرأسه «ضد المسيح»، والذي سيسحقه الحجر المقطوع بغير يدين، ألا وهو ملكوت اللّه ومسيحه. وعليه سيسقط التمثال كله أمام «ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ» (راجع بشارة لوقا 20: 17-18). وستذريه الريح كعصافة البيدر في الصيف.

(د) إرتباط اللّه في تعامله مع أية أمة، بقصده الأزلي الذي لا يتغير وذلك لتمجيد اسمه العظيم، بالطريقة التي يختارها بإرادته المطلقة، ولإمتداد سلطانه الذي لا حد له في المسيح يسوع ربنا.

- كلمة الوحي -

«وَعِنْدَ ٱنْتِهَاءِ ٱلأَيَّامِ: «أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ رَفَعْتُ عَيْنَيَّ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، فَرَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي، وَبَارَكْتُ ٱلْعَلِيَّ وَسَبَّحْتُ وَحَمَدْتُ ٱلْحَيَّ إِلَى ٱلأَبَدِ، ٱلَّذِي سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ وَمَلَكُوتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. وَحُسِبَتْ جَمِيعُ سُكَّانِ ٱلأَرْضِ كَلاَ شَيْءَ، وَهُوَ يَفْعَلُ كَمَا يَشَاءُ فِي جُنْدِ ٱلسَّمَاءِ وَسُكَّانِ ٱلأَرْضِ، وَلاَ يُوجَدُ مَنْ يَمْنَعُ يَدَهُ أَوْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟» (سفر دانيال 4: 34-35).

«مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، مِنْ أَجْلِ نَفْسِي أَفْعَلُ. لأَنَّهُ كَيْفَ يُدَنَّسُ ٱسْمِي؟ وَكَرَامَتِي لاَ أُعْطِيهَا لآخَرَ» (سفر إشعياء 48: 11).

«فَبَدَّدْتُهُمْ فِي ٱلأُمَمِ فَتَذَرُّوا فِي ٱلأَرَاضِي. كَطَرِيقِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ دِنْتُهُمْ. فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى ٱلأُمَمِ حَيْثُ جَاءُوا نَجَّسُوا ٱسْمِي ٱلْقُدُّوسَ، إِذْ قَالُوا لَهُمْ: هَؤُلاَءِ شَعْبُ ٱلرَّبِّ وَقَدْ خَرَجُوا مِنْ أَرْضِهِ. فَتَحَنَّنْتُ عَلَى ٱسْمِي ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي نَجَّسَهُ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ فِي ٱلأُمَمِ حَيْثُ جَاءُوا»

لِذَلِكَ فَقُلْ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ. هَكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: «لَيْسَ لأَجْلِكُمْ أَنَا صَانِعٌ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ، بَلْ لأَجْلِ ٱسْمِي ٱلْقُدُّوسِ ٱلَّذِي نَجَّسْتُمُوهُ فِي ٱلأُمَمِ حَيْثُ جِئْتُمْ. فَأُقَدِّسُ ٱسْمِي ٱلْعَظِيمَ ٱلْمُنَجَّسَ فِي ٱلأُمَمِ ٱلَّذِي نَجَّسْتُمُوهُ فِي وَسَطِهِمْ، فَتَعْلَمُ ٱلأُمَمُ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ حِينَ أَتَقَدَّسُ فِيكُمْ قُدَّامَ أَعْيُنِهِمْ» (سفر حزقيال 36: 19-24).

«وَيَكُونُ ٱلرَّبُّ مَلِكاً عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ. فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ ٱلرَّبُّ وَحْدَهُ وَٱسْمُهُ وَحْدَهُ» (سفر زكريا 14: 9).

يعلن «الوهيم» (الإله الأزلي، الفائق الوصف القائم بثلاثة أقانيم) مجده، ويمارس سلطانه المطلق بإبنه، يسوع المسيح الكلمة الأزلي. وإن هذا السلطان في المسيح بصفته «الرب الإله» ( «يهوه» اللّه، في العهد القديم من الكتاب المقدس)، هو الذي قاومته الأمة الإسرائيلية والرياسات والسلاطين والقوات على السواء على مدى العصور.

أما النبوّات المقتبسة من سفر حزقيال وزكريا السابق ذكرها، فيتضح للقارئ أنها تتعلق بانتهاء الدهر، ويتوقع إتمامها بصورة كاملة عن قريب.

(هـ) نبوة «السبعين أسبوعاً» التي قضيت على الأمة الإسرائيلية.

- كلمة الوحي -

«فِي ٱلسَّنَةِ ٱلأُولَى لِدَارِيُوسَ بْنِ أَحْشَوِيرُوشَ مِنْ نَسْلِ ٱلْمَادِيِّينَ ٱلَّذِي مُلِّكَ عَلَى مَمْلَكَةِ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ فِي ٱلسَّنَةِ ٱلأُولَى مِنْ مُلْكِهِ، أَنَا دَانِيآلَ فَهِمْتُ مِنَ ٱلْكُتُبِ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَنْهَا كَلِمَةُ ٱلرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا ٱلنَّبِيِّ لِكَمَالَةِ سَبْعِينَ سَنَةً عَلَى خَرَابِ أُورُشَلِيمَ» (سفر دانيال 9: 1-2).

«... فَتَأَمَّلِ ٱلْكَلاَمَ وَٱفْهَمِ ٱلرُّؤْيَا. سَبْعُونَ أُسْبُوعاً قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ ٱلْمُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ ٱلْمَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ ٱلْخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ ٱلإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِٱلْبِرِّ ٱلأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ ٱلرُّؤْيَا وَٱلنُّبُوَّةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ ٱلْقُدُّوسِينَ» (سفر دانيال 9: 23-24).

ظهر اليهود ونشأوا كأمة على أساس عبادة اللّه وخدمته. غير أنّهم عصوا سيادة الرب الإله الذي كان يسير في وسطهم في البرية. ثم تمادوا في عصيانهم عليه في حكم ملوكهم حتى خراب أورشليم وسبيهم إلى بابل نحو سنة 600 ق. م.

وكانت قد تمت السبعون سنة لسبي اليهود إلى بابل وخراب أورشليم التي كانت عنها كلمة الرب إلى أرميا النبي، القائلة: «إِنِّي عِنْدَ تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً لِبَابِلَ أَتَعَهَّدُكُمْ وَأُقِيمُ لَكُمْ كَلاَمِي ٱلصَّالِحَ بِرَدِّكُمْ إِلَى هٰذَا ٱلْمَوْضِعِ» (سفر إرميا 29: 10). فأتت نبوة «السبعين أسبوعاً» إلى دانيال. وكأني بجبرائيل رئيس ملائكة اللّه، وهو يقول لدانيال: لقد تمت السبعون سنة على شعبك وعلى خراب أورشليم، ولكن هناك سبعين أسبوعاً، أو بالحري سبعين مجموعة سباعية من السنين «قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين».

(و) القسم الذي أصبح الآن في حكم التاريخ من نبوة «السبعين أسبوعاً».

- كلمة الوحي -

«فَٱعْلَمْ وَٱفْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ ٱلأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا إِلَى ٱلْمَسِيحِ ٱلرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَٱثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعاً، يَعُودُ وَيُبْنَى سُوقٌ وَخَلِيجٌ فِي ضِيقِ ٱلأَزْمِنَةِ. وَبَعْدَ ٱثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْطَعُ ٱلْمَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ، وَشَعْبُ رَئِيسٍ آتٍ يُخْرِبُ ٱلْمَدِينَةَ وَٱلْقُدْسَ، وَٱنْتِهَاؤُهُ بِغَمَارَةٍ، وَإِلَى ٱلنِّهَايَةِ حَرْبٌ وَخِرَبٌ قُضِيَ بِهَا» (سفر دانيال 9: 25 26).

«فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا تَنْظُرُونَ جَمِيعَ هٰذِهِ؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لاَ يُتْرَكُ هٰهُنَا حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ!» (بشارة متى 24: 2).

«وَمَتَى رَأَيْتُمْ أُورُشَلِيمَ مُحَاطَةً بِجُيُوشٍ، فَحِينَئِذٍ ٱعْلَمُوا أَنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ خَرَابُهَا... لأَنَّ هٰذِهِ أَيَّامُ ٱنْتِقَامٍ، لِيَتِمَّ كُلُّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ. وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَٱلْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ، لأَنَّهُ يَكُونُ ضِيقٌ عَظِيمٌ عَلَى ٱلأَرْضِ وَسُخْطٌ عَلَى هٰذَا ٱلشَّعْبِ. وَيَقَعُونَ بِٱلسَّيْفِ، وَيُسْبَوْنَ إِلَى جَمِيعِ ٱلأُمَمِ، وَتَكُونُ أُورُشَلِيمُ مَدُوسَةً مِنَ ٱلأُمَمِ، حَتَّى تُكَمَّلَ أَزْمِنَةُ ٱلأُمَمِ» (بشارة لوقا 21: 20-24).

«هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَاباً! لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَنِي مِنَ ٱلآنَ حَتَّى تَقُولُوا: مُبَارَكٌ ٱلآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ!» (بشارة متى 23: 38 و39).

تأتي بنا نبوة العدد 26 من الأصحاح التاسع من سفر دانيال إلى «قطع»، أي صلب «المسيح الرئيس» ونهاية «الأسبوع» التاسع والستين، أو بالحري إلى نهاية المدة المؤلفة من تسع وستين مجموعة سباعية من السنين (أي 483 سنة قمرية) محسوبة من يوم خروج أمر كورش ملك فارس «لتجديد أورشليم وبنائها» (راجع سفر عزرا 1: 1). ويعطينا هذا العدد 26 من الإصحاح التاسع من سفر دانيال أيضاً نبوة التخريب الذي حصل لأورشليم والقدس بعد صلب المسيح بنحو 35 سنة على يد الجيش الروماني في سنة 70 ميلادية، وبذلك أصبحت في حكم التاريخ أيضاً. كما أن الرب يسوع نفسه تنبأ عن هذا الحادث التاريخي وما عقبه من حوادث مروّعة وتشتت اليهود «إلى جميع الأمم» للمرة الثانية (راجع بشارة لوقا 21: 21-24)، مفسراً إياها «بأيام انتقام ليتم كل ما هو مكتوب».

أما الحوادث المروّعة التي ستحدث في اليهودية خلال سبع سنوات الأسبوع السبعين، وهو الأخير المتبقي لتتميم الأسابيع السبعين المقضي بها، فنجد تفاصيلها، والنبوة عن التشتت الذي سينجم عنها، في بشارة متى (24: 15-30) وسفر زكريا. ولقد توسط بين هذا الأسبوع السبعين الذي به يأتي «المنتهى» وظهور المسيح للمرة الثانية وبين نهاية الأسبوع التاسع والستين التي عندها صلب المسيح، فترة من الزمن استغرقت لغاية الآن أكثر من 1935 سنة (1) (بالنسبة لتاريخ تأليف وإصدار الكتاب وهو 1969).

(ز) القسم الذي يتعلق بحوادث أيام المنتهى السائرة في طريقها إلى التتميم من نبوة «السبعين أسبوعاً».

- كلمة الوحي -

«فَقَالَ لِي: «ٱفْهَمْ يَا ٱبْنَ آدَمَ. إِنَّ ٱلرُّؤْيَا لِوَقْتِ ٱلْمُنْتَهَى»... وَقَالَ: «هَئَنَذَا أُعَرِّفُكَ مَا يَكُونُ فِي آخِرِ ٱلسَّخَطِ. لأَنَّ لِمِيعَادِ ٱلٱِنْتِهَاءَ... وَفِي آخِرِ مَمْلَكَتِهِمْ (أي، في آخر نظام الحكم العالمي) عِنْدَ تَمَامِ ٱلْمَعَاصِي يَقُومُ مَلِكٌ جَافِي ٱلْوَجْهِ... وَيُهْلِكُ عَجَباً وَيَنْجَحُ وَيَفْعَلُ وَيُبِيدُ ٱلْعُظَمَاءَ وَشَعْبَ ٱلْقِدِّيسِينَ» (مقتطفات من سفر دانيال 8: 17-24).

«وَحَتَّى إِلَى رَئِيسِ ٱلْجُنْدِ تَعَظَّمَ، وَبِهِ أُبْطِلَتِ ٱلْمُحْرَقَةُ ٱلدَّائِمَةُ، وَهُدِمَ مَسْكَنُ مَقْدِسِهِ» (سفر دانيال 8: 11).

«وَيُثَبِّتُ عَهْداً مَعَ كَثِيرِينَ فِي أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ، وَفِي وَسَطِ ٱلأُسْبُوعِ يُبَطِّلُ ٱلذَّبِيحَةَ وَٱلتَّقْدِمَةَ، وَعَلَى جَنَاحِ ٱلأَرْجَاسِ مُخَرَّبٌ حَتَّى يَتِمَّ وَيُصَبَّ ٱلْمَقْضِيُّ عَلَى ٱلْمُخَرَِّبِ» (سفر دانيال 9: 27).

قال المسيح: «فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ ٱلْخَرَابِ» ٱلَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ ٱلنَّبِيُّ قَائِمَةً فِي ٱلْمَكَانِ ٱلْمُقَدَّسِ - لِيَفْهَمِ ٱلْقَارِئُ - فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ إِلَى ٱلْجِبَالِ، وَٱلَّذِي عَلَى ٱلسَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئاً، وَٱلَّذِي فِي ٱلْحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى وَرَائِهِ لِيَأْخُذَ ثِيَابَهُ. وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَٱلْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ! لأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ ضِيقٌ عَظِيمٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ٱبْتِدَاءِ ٱلْعَالَمِ إِلَى ٱلآنَ وَلَنْ يَكُونَ. وَلَوْ لَمْ تُقَصَّرْ تِلْكَ ٱلأَيَّامُ لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلٰكِنْ لأَجْلِ ٱلْمُخْتَارِينَ تُقَصَّرُ تِلْكَ ٱلأَيَّامُ» (بشارة متى 24: 15-19 و21 و22).

«وَأَجْمَعُ كُلَّ ٱلأُمَمِ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِلْمُحَارَبَةِ، فَتُؤْخَذُ ٱلْمَدِينَةُ وَتُنْهَبُ ٱلْبُيُوتُ وَتُفْضَحُ ٱلنِّسَاءُ، وَيَخْرُجُ نِصْفُ ٱلْمَدِينَةِ إِلَى ٱلسَّبْيِ وَبَقِيَّةُ ٱلشَّعْبِ لاَ تُقْطَعُ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ. فَيَخْرُجُ ٱلرَّبُّ وَيُحَارِبُ تِلْكَ ٱلأُمَمَ كَمَا فِي يَوْمِ حَرْبِهِ يَوْمَ ٱلْقِتَالِ» (سفر زكريا 14: 2-3).

«هَئَنَذَا أَجْعَلُ أُورُشَلِيمَ كَأْسَ تَرَنُّحٍ لِجَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ حَوْلَهَا، وَأَيْضاً عَلَى يَهُوذَا تَكُونُ فِي حِصَارِ أُورُشَلِيمَ. وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنِّي أَجْعَلُ أُورُشَلِيمَ حَجَراً مِشْوَالاً لِجَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ، وَكُلُّ ٱلَّذِينَ يَشِيلُونَهُ يَنْشَقُّونَ شَقّاً. وَيَجْتَمِعُ عَلَيْهَا كُلُّ أُمَمِ ٱلأَرْضِ... وَيَكُونُ فِي كُلِّ ٱلأَرْضِ يَقُولُ ٱلرَّبُّ أَنَّ ثُلْثَيْنِ مِنْهَا يُقْطَعَانِ وَيَمُوتَانِ، وَٱلثُّلْثَ يَبْقَى فِيهَا. وَأُدْخِلُ ٱلثُّلْثَ فِي ٱلنَّارِ، وَأَمْحَصُهُمْ كَمَحْصِ ٱلْفِضَّةِ، وَأَمْتَحِنُهُمُ ٱمْتِحَانَ ٱلذَّهَبِ. هُوَ يَدْعُو بِٱسْمِي وَأَنَا أُجِيبُهُ. أَقُولُ: هُوَ شَعْبِي وَهُوَ يَقُولُ: ٱلرَّبُّ إِلٰهِي» (سفر زكريا 12: 2-3 و13: 8-9).

«وَفِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ يَقُومُ مِيخَائِيلُ ٱلرَّئِيسُ ٱلْعَظِيمُ ٱلْقَائِمُ لِبَنِي شَعْبِكَ، وَيَكُونُ زَمَانُ ضِيقٍ لَمْ يَكُنْ مُنْذُ كَانَتْ أُمَّةٌ إِلَى ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ. وَفِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ يُنَجَّى شَعْبُكَ، كُلُّ مَنْ يُوجَدُ مَكْتُوباً فِي ٱلسِّفْرِ... فَسَمِعْتُ ٱلرَّجُلَ ٱللاَّبِسَ ٱلْكَتَّانِ ٱلَّذِي مِنْ فَوْقِ مِيَاهِ ٱلنَّهْرِ، إِذْ رَفَعَ يُمْنَاهُ وَيُسْرَاهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَحَلَفَ بِٱلْحَيِّ إِلَى ٱلأَبَدِ: « إِنَّهُ إِلَى زَمَانٍ وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفٍ. فَإِذَا تَمَّ تَفْرِيقُ أَيْدِي ٱلشَّعْبِ ٱلْمُقَدَّسِ تَتِمُّ كُلُّ هَذِهِ... كَثِيرُونَ يَتَطَهَّرُونَ وَيُبَيَّضُونَ وَيُمَحَّصُونَ، أَمَّا ٱلأَشْرَارُ فَيَفْعَلُونَ شَرّاً. وَلاَ يَفْهَمُ أَحَدُ ٱلأَشْرَارِ، لَكِنِ ٱلْفَاهِمُونَ يَفْهَمُونَ» (سفر دانيال 12: 1 و7 و10).

«وَآخُذُكُمْ مِنْ بَيْنِ ٱلأُمَمِ وَأَجْمَعُكُمْ مِنْ جَمِيعِ ٱلأَرَاضِي وَآتِي بِكُمْ إِلَى أَرْضِكُمْ. وَأَرُشُّ عَلَيْكُمْ مَاءً طَاهِراً فَتُطَهَّرُونَ. مِنْ كُلِّ نَجَاسَتِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَصْنَامِكُمْ أُطَهِّرُكُمْ. وَأُعْطِيكُمْ قَلْباً جَدِيداً، وَأَجْعَلُ رُوحاً جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَنْزِعُ قَلْبَ ٱلْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ، وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا. وَتَسْكُنُونَ ٱلأَرْضَ ٱلَّتِي أَعْطَيْتُ آبَاءَكُمْ إِيَّاهَا، وَتَكُونُونَ لِي شَعْباً وَأَنَا أَكُونُ لَكُمْ إِلَهاً» (سفر حزقيال 36: 24-28).

«... لأَنْ لَيْسَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ هُمْ إِسْرَائِيلِيُّونَ، وَلاَ لأَنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ هُمْ جَمِيعاً أَوْلاَدٌ. بَلْ «بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ». أَيْ لَيْسَ أَوْلاَدُ ٱلْجَسَدِ هُمْ أَوْلاَدَ ٱللّٰهِ، بَلْ أَوْلاَدُ ٱلْمَوْعِدِ يُحْسَبُونَ نَسْلاً... وَإِشَعْيَاءُ يَصْرُخُ مِنْ جِهَةِ إِسْرَائِيلَ: «وَإِنْ كَانَ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَرَمْلِ ٱلْبَحْرِ، فَٱلْبَقِيَّةُ سَتَخْلُصُ» (رسالة رومية 9: 6-8 و 27).

«وَأُفِيضُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ رُوحَ ٱلنِّعْمَةِ وَٱلتَّضَرُّعَاتِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، ٱلَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ... فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ يَكُونُ يَنْبُوعٌ مَفْتُوحاً لِبَيْتِ دَاوُدَ وَلِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ لِلْخَطِيَّةِ وَلِلْنَجَاسَةِ» (سفر زكريا 12: 10 و13: 1).

«وَيَكُونُ ٱلرَّبُّ مَلِكاً عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ... فَيَسْكُنُونَ فِيهَا وَلاَ يَكُونُ بَعْدُ لَعْنٌ. فَتُعْمَرُ أُورُشَلِيمُ بِٱلأَمْنِ» (مقتطفات من سفر زكريا 14: 9-11).

ويتضح لنا بكل جلاء مما نقرأه عن «الذبيحة والتقدمة» في نبوّة دانيال (9: 24-27) و «المحرقة الدائمة» في نبوّة دانيال (8: 10-12)، «والهيكل» الوارد ذكره في كل من رسالة تسالونيكي الثانية (2: 4) وسفر الرؤيا (11: 1-2)، إن خدمة دينية ستقام في هيكل مبني في أورشليم في الأيام الأخيرة، وذلك بعهد سيثبته «الرئيس الآتي» الذي هو ضد المسيح «مع كثيرين» «في أسبوع واحد» (راجع نبوّة دانيال 9: 27 المدوّن آنفاً). ولكن «في وسط الأسبوع» (أي في وسط السبع السنوات المتبقية لتتميم المجموعات السباعية السبعين من السنين المذكورة في الفقرتين السابقتين)، بعد أن «يبطل الذبيحة»، سيجلس ضد المسيح «الوحش نفسه» في «المكان المقدس»، ويقوم بالأعمال التجديفية المذكورة في نبوة دانيال ورسالة تسالونيكي الثانية والتي سنأتي إلى ذكرها في الفصل الثاني من هذا الكتاب، إن شاء اللّه (1) (ولا يصعب علينا في هذه الأيام، أيام النشاط السياسي المتزايد، أيام المحالفات الدولية الغريبة، أن نتصور قيام حكومة في إسرائيل تعقد محالفة مع قوة، أو شخصية دولية تمهد السبيل لظهور «ضد المسيح»، وما يسفر عن ذلك من نتائج مخيفة).

فلمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، بعد فسخه عهده في وسط «الأسبوع السبعين» سيصيب «ضد المسيح» الأرض المقدسة بكل نوع من الرجاسات، حتى تتم كل المعاصي (سفر دانيال 8: 13) أو بالحري حتى يكمل الغضب (سفر دانيال 11: 36). وفي هذا الوقت يكون قد تم «تَفْرِيقُ أَيْدِي ٱلشَّعْبِ ٱلْمُقَدَّسِ» (سفر دانيال 12: 7)، أي يكون قد أبطل كل اعتمادهم على قوتهم الذاتية. وتعتمد البقية المصفاة بالنار اعتماداً تاماً على «ٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي يُؤْتَى بِهَا (إليهم) عِنْدَ ٱسْتِعْلاَنِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (رسالة بطرس الأولى 1: 13).

«... فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، ٱلَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ» (سفر زكريا 12: 10). وسينضمون إلى ذلك الجمع الكثير الذي لا يستطيع أحد أن يعده من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة، ممن «غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ» (راجع سفر الرؤيا 7: 1-14).

(ح) نشاط الرياسات والسلاطين والقوات الأرضية في «أزمنة الأمم».

- كلمة الوحي -

«... وَصَعِدَ مِنَ ٱلْبَحْرِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ عَظِيمَةٍ، هَذَا مُخَالِفٌ ذَاكَ. ٱلأَّوَلُ كَٱلأَسَدِ وَلَهُ جَنَاحَا نَسْرٍ. وَكُنْتُ أَنْظُرُ حَتَّى ٱنْتَتَفَ جَنَاحَاهُ وَٱنْتَصَبَ عَنِ ٱلأَرْضِ وَأُوقِفَ عَلَى رِجْلَيْنِ كَإِنْسَانٍ وَأُعْطِيَ قَلْبَ إِنْسَانٍ. وَإِذَا بِحَيَوَانٍ آخَرَ ثَانٍ شَبِيهٍ بِٱلدُّبِّ، فَٱرْتَفَعَ عَلَى جَنْبٍ وَاحِدٍ وَفِي فَمِهِ ثَلاَثُ أَضْلُعٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ، فَقَالُوا لَهُ: «قُمْ كُلْ لَحْماً كَثِيراً. وَبَعْدَ هَذَا كُنْتُ أَرَى وَإِذَا بِآخَرَ مِثْلِ ٱلنَّمِرِ وَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةِ طَائِرٍ. وَكَانَ لِلْحَيَوَانِ أَرْبَعَةُ رُؤُوسٍ، وَأُعْطِيَ سُلْطَاناً. بَعْدَ هَذَا كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى ٱللَّيْلِ وَإِذَا بِحَيَوَانٍ رَابِعٍ هَائِلٍ وَقَوِيٍّ وَشَدِيدٍ جِدّاً، وَلَهُ أَسْنَانٌ مِنْ حَدِيدٍ كَبِيرَةٌ. أَكَلَ وَسَحَقَ وَدَاسَ ٱلْبَاقِيَ بِرِجْلَيْهِ. وَكَانَ مُخَالِفاً لِكُلِّ ٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلَّذِينَ قَبْلَهُ. وَلَهُ عَشَرَةُ قُرُونٍ. كُنْتُ مُتَأَمِّلاً بِٱلْقُرُونِ وَإِذَا بِقَرْنٍ آخَرَ صَغِيرٍ طَلَعَ بَيْنَهَا، وَقُلِعَتْ ثَلاَثَةٌ مِنَ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَى مِنْ قُدَّامِهِ، وَإِذَا بِعُيُونٍ كَعُيُونِ ٱلإِنْسَانِ فِي هَذَا ٱلْقَرْنِ، وَفَمٍ مُتَكَلِّمٍ بِعَظَائِمَ» (سفر دانيال 7: 3-8).

«هَؤُلاَءِ ٱلْحَيَوَانَاتُ ٱلْعَظِيمَةُ ٱلَّتِي هِيَ أَرْبَعَةٌ هِيَ أَرْبَعَةُ مُلُوكٍ يَقُومُونَ عَلَى ٱلأَرْضِ. أَمَّا قِدِّيسُو ٱلْعَلِيِّ فَيَأْخُذُونَ ٱلْمَمْلَكَةَ وَيَمْتَلِكُونَ ٱلْمَمْلَكَةَ إِلَى ٱلأَبَدِ وَإِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (سفر دانيال 7: 17-18).

«فَقَالَ: «أَمَّا ٱلْحَيَوَانُ ٱلرَّابِعُ فَتَكُونُ مَمْلَكَةٌ رَابِعَةٌ عَلَى ٱلأَرْضِ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ ٱلْمَمَالِكِ، فَتَأْكُلُ ٱلأَرْضَ كُلَّهَا وَتَدُوسُهَا وَتَسْحَقُهَا. وَٱلْقُرُونُ ٱلْعَشَرَةُ مِنْ هَذِهِ ٱلْمَمْلَكَةِ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ يَقُومُونَ، وَيَقُومُ بَعْدَهُمْ آخَرُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ ٱلأَّوَلِينَ، وَيُذِلُّ ثَلاَثَةَ مُلُوكٍ» (سفر دانيال 7: 23-24) (1) (ويجب أن يقرأ القارئ أيضاً الأصحاحات 8 و9 و11 من سفر دانيال بكاملها).

«وَبَعْدَ ذٰلِكَ ٱلنِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ ٱلْمُلْكَ لِلّٰهِ ٱلآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُّوَةٍ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ ٱلأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ» (رسالة كورنثوس الأولى 15: 24).

يعطينا سفر دانيال عن طريق سلسلة من الرؤى صورة مدهشة للأمبراطوريات العظيمة المتعاقبة على مسرح التاريخ، عبر «أزمنة الأمم» كلها، من زمن خراب أورشليم على يد نبوخذ نصر وضياع استقلال اليهود نحو سنة 600 ق. م. إلى أيام النهاية.

والإمبراطوريات الأربع التي ترمز إليها الحيوانات الأربعة المذكورة في الإصحاح السابع من هذا السفر العجيب هي ذات ما يرمز إليه تمثال الإصحاح الثاني منه (المذكور في الفقرة «ج» من هذا الفصل).

أما «الحيوان الرابع» ذو القرون العشرة، فمع أنه رمز للإمبراطورية الرومانية، وهي الشكل الرابع من أشكال الإمبراطوريات التاريخية المتعاقبة، إلا أنه يشار إليه أيضاً في عدد 24 من هذا الأصحاح السابع، بأنه يرمز بصفة خاصة إلى المملكة الأخيرة، أي نظام الحكم العالمي الأخير الذي سيرأسه «الوحش» عند ظهوره.

أما «تيس المعز» المذكور أيضاً في هذا السفر (8: 5-18)، فيرمز إلى قيام الإمبراطورية اليونانية وانقسامها بعد ذلك إلى أربع مناطق. وهذا يؤيده التاريخ في حكم الإسكندر نحو سنة 300 ق. م.

ونستطيع أن نميز شخصيات التاريخ العظيمة من خلال الأعمال المنسوبة إليهم. فإذ نتأمل الأعمال المنسوبة إلى الشخص «المحتقر» المذكور في الإصحاح الحادي عشر (21-31) وأعماله الوحشية والرجاسات التي ارتكبها، يسهل علينا أن نعرف أن المقصود منه هو أنتيخوس أبيفانوس الذي ظهر بعد كتابة سفر دانيال بحوالي 400 سنة، أي في سنة 175-164 ق. م. إلا أن القارئ غير المنتبه قد يظن أن «الملك» المذكور في عدد 36 من هذا الإصحاح هو ذات الشخص «المحتقر» لكن الحقيقة إن نشاط هذا «المحتقر» (أنتيخوس أبيفانوس) قد انتهى أمام جهاد المكابيين المذكور في الشطر الثاني من عدد 32 إلى 35 ، وأن «الملك» المذكور في عدد 36 هو الذي سيظهر في آخر الأيام في الضيقة العظيمة بتعظمه «على كل إله» وتكلمه «بأمور عجيبة على إله الآلهة».

وهكذا فأحياناً تتخلل هذا الموكب التاريخي فترات تعد بالقرون، دون أن نشعر بأن شخصاً جديداً قد ظهر على المسرح. ومثالاً آخر لذلك، الفترة الطويلة التي تفصل بين «شعب رئيس آتٍ» والأعمال المنسوبة له في العدد 26 من الاصحاح التاسع، وبين الرئيس نفسه والاعمال المنسوبة له في عدد 27. فالشعب المذكور هنا هو الرومان الذين خربوا أورشليم بالفعل، بعد كتابة سفر دانيال بأكثر من 500 سنة، بينما المقصود من الرئيس نفسه هو ذات الملك المذكور آنفاً الذي هو ضد المسيح أو الوحش الآتي، الذي سيظهر في الضيقة العظيمة في آخر الأيام. وما يسترعي انتباهنا هنا هو علاقة الشعب الروماني القديم مع هذا الرئيس الآتي. والمقصود من ذلك هو أن الرئيس الآتي، «الوحش» سيكون عند ظهوره حاكماً على الرقعة التي احتلتها الإمبراطورية الرومانية القديمة.

(و) مصير الأمم التي لا تخضع لسيادة الرب الإله، أو بالحري لا تنسجم مع ملكوت اللّه ومسيحه، ومستقبل «شعوب المخلّصين».

- كلمة الوحي -

«وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ هٰذِهِ فِي كُلِّ ٱلْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ» (بشارة متى 24: 14).

«... بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ تُفْتَقَدُ. فِي ٱلسِّنِينَ ٱلأَخِيرَةِ تَأْتِي إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْمُسْتَرَدَّةِ مِنَ ٱلسَّيْفِ ٱلْمَجْمُوعَةِ مِنْ شُعُوبٍ كَثِيرَةٍ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ ٱلَّتِي كَانَتْ دَائِمَةً خَرِبَةً، لِلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنَ ٱلشُّعُوبِ وَسَكَنُوا آمِنِينَ كُلُّهُمْ. وَتَصْعَدُ وَتَأْتِي كَزَوْبَعَةٍ، وَتَكُونُ كَسَحَابَةٍ تُغَشِّي ٱلأَرْضَ أَنْتَ وَكُلُّ جُيُوشِكَ وَشُعُوبٌ كَثِيرُونَ مَعَكَ» (سفر حزقيال 38: 8-9).

«نَادُوا بِهَذَا بَيْنَ ٱلأُمَمِ. قَدِّسُوا حَرْباً. أَنْهِضُوا ٱلأَبْطَالَ. لِيَتَقَدَّمْ وَيَصْعَدْ كُلُّ رِجَالِ ٱلْحَرْبِ. اِطْبَعُوا سِكَّاتِكُمْ سُيُوفاً وَمَنَاجِلَكُمْ رِمَاحاً. لِيَقُلِ ٱلضَّعِيفُ: بَطَلٌ أَنَا! 11 أَسْرِعُوا وَهَلُمُّوا يَا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَٱجْتَمِعُوا. إِلَى هُنَاكَ أَنْزِلْ يَا رَبُّ أَبْطَالَكَ. تَنْهَضُ وَتَصْعَدُ ٱلأُمَمُ إِلَى وَادِي يَهُوشَافَاطَ، لأَنِّي هُنَاكَ أَجْلِسُ لِأُحَاكِمَ جَمِيعَ ٱلأُمَمِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ. أَرْسِلُوا ٱلْمِنْجَلَ لأَنَّ ٱلْحَصِيدَ قَدْ نَضَجَ. هَلُمُّوا دُوسُوا لأَنَّهُ قَدِ ٱمْتَلأَتِ ٱلْمِعْصَرَةُ. فَاضَتِ ٱلْحِيَاضُ لأَنَّ شَرَّهُمْ كَثِيرٌ». جَمَاهِيرُ جَمَاهِيرُ فِي وَادِي ٱلْقَضَاءِ، لأَنَّ يَوْمَ ٱلرَّبِّ قَرِيبٌ فِي وَادِي ٱلْقَضَاءِ» (سفر يوئيل 3: 9-14).

«ثُمَّ خَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاءِ، مَعَهُ أَيْضاً مِنْجَلٌ حَادٌّ. وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ ٱلْمَذْبَحِ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى ٱلنَّارِ، وَصَرَخَ صُرَاخاً عَظِيماً إِلَى ٱلَّذِي مَعَهُ ٱلْمِنْجَلُ ٱلْحَادُّ، قَائِلاً: «أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ ٱلْحَادَّ وَٱقْطِفْ عَنَاقِيدَ كَرْمِ ٱلأَرْضِ، لأَنَّ عِنَبَهَا قَدْ نَضَجَ». فَأَلْقَى ٱلْمَلاَكُ مِنْجَلَهُ إِلَى ٱلأَرْضِ وَقَطَفَ كَرْمَ ٱلأَرْضِ، فَأَلْقَاهُ إِلَى مَعْصَرَةِ غَضَبِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمَةِ. وَدِيسَتِ ٱلْمَعْصَرَةُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ دَمٌ مِنَ ٱلْمَعْصَرَةِ حَتَّى إِلَى لُجُمِ ٱلْخَيْلِ، مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ» (سفر الرؤيا 14: 17-20).

«... وَأَجْمَعُ كُلَّ ٱلأُمَمِ عَلَى أُورُشَلِيمَ لِلْمُحَارَبَةِ، فَتُؤْخَذُ ٱلْمَدِينَةُ وَتُنْهَبُ ٱلْبُيُوتُ وَتُفْضَحُ ٱلنِّسَاءُ، وَيَخْرُجُ نِصْفُ ٱلْمَدِينَةِ إِلَى ٱلسَّبْيِ وَبَقِيَّةُ ٱلشَّعْبِ لاَ تُقْطَعُ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ. فَيَخْرُجُ ٱلرَّبُّ وَيُحَارِبُ تِلْكَ ٱلأُمَمَ كَمَا فِي يَوْمِ حَرْبِهِ يَوْمَ ٱلْقِتَالِ» (سفر زكريا 14: 2-3).

«وَأَسْتَدْعِي ٱلسَّيْفَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ جِبَالِي يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ. فَيَكُونُ سَيْفُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى أَخِيهِ. وَأُعَاقِبُهُ بِٱلْوَبَإِ وَبِالدَّمِ، وَأُمْطِرُ عَلَيْهِ وَعَلَى جَيْشِهِ وَعَلَى ٱلشُّعُوبِ ٱلْكَثِيرَةِ ٱلَّذِينَ مَعَهُ مَطَراً جَارِفاً وَحِجَارَةَ بَرَدٍ عَظِيمَةً وَنَاراً وَكِبْرِيتاً. فَأَتَعَظَّمُ وَأَتَقَدَّسُ وَأُعْرَفُ فِي عُيُونِ أُمَمٍ كَثِيرَةٍ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ... وَأُرْسِلُ نَاراً عَلَى مَاجُوجَ وَعَلَى ٱلسَّاكِنِينَ فِي ٱلْجَزَائِرِ آمِنِينَ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ» (سفر حزقيال 38: 21-23 و39: 6).

«وَهَذِهِ تَكُونُ ٱلضَّرْبَةُ ٱلَّتِي يَضْرِبُ بِهَا ٱلرَّبُّ كُلَّ ٱلشُّعُوبِ ٱلَّذِينَ تَجَنَّدُوا عَلَى أُورُشَلِيمَ. لَحْمُهُمْ يَذُوبُ وَهُمْ وَاقِفُونَ عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَعُيُونُهُمْ تَذُوبُ فِي أَوْقَابِهَا، وَلِسَانُهُمْ يَذُوبُ فِي فَمِهِمْ. وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ أَنَّ ٱضْطِرَاباً عَظِيماً مِنَ ٱلرَّبِّ يَحْدُثُ فِيهِمْ، فَيُمْسِكُ ٱلرَّجُلُ بِيَدِ قَرِيبِهِ وَتَعْلُو يَدُهُ عَلَى يَدِ قَرِيبِهِ» (سفر زكريا 14: 12-13).

«وَيَكُونُ فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ ٱلرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتاً فِي رَأْسِ ٱلْجِبَالِ وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ ٱلتِّلاَلِ وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ ٱلأُمَمِ... فَيَقْضِي بَيْنَ ٱلأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكاً وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفاً وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ ٱلْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ» (سفر إشعياء 2: 2 و4).

«... لأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ ٱلصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ ٱلشُّعُوبِ...» (نبوة إشعياء 56: 7).

«وَمَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ ٱلشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ ٱلرَّاعِي ٱلْخِرَافَ مِنَ ٱلْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ ٱلْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَٱلْجِدَاءَ عَنِ ٱلْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ ٱلْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ. لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيباً فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَاناً فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضاً فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوساً فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. فَيُجِيبُهُ ٱلأَبْرَارُ حِينَئِذٍ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعاً فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَاناً فَسَقَيْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيباً فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَاناً فَكَسَوْنَاكَ؟ وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضاً أَوْ مَحْبُوساً فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ فَيُجِيبُ ٱلْمَلِكُ: ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هٰؤُلاَءِ ٱلأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ» (بشارة متى 25: 31-40).

«مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ ٱسْمَكَ، لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ ٱلأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ» (سفر الرؤيا 15: 4).

«ثُمَّ مَتَى تَمَّتِ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ يُحَلُّ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ، وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ ٱلأُمَمَ ٱلَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا ٱلأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، ٱلَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ ٱلْبَحْرِ. فَصَعِدُوا عَلَى عَرْضِ ٱلأَرْضِ، وَأَحَاطُوا بِمُعَسْكَرِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَبِٱلْمَدِينَةِ ٱلْمَحْبُوبَةِ، فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ» (سفر الرؤيا 20: 7-9).

«وَذَهَبَ بِي بِٱلرُّوحِ إِلَى جَبَلٍ عَظِيمٍ عَالٍ، وَأَرَانِي ٱلْمَدِينَةَ ٱلْعَظِيمَةَ أُورُشَلِيمَ ٱلْمُقَدَّسَةَ نَازِلَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ... وَتَمْشِي شُعُوبُ ٱلْمُخَلَّصِينَ بِنُورِهَا، وَمُلُوكُ ٱلأَرْضِ يَجِيئُونَ بِمَجْدِهِمْ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا. وَيَجِيئُونَ بِمَجْدِ ٱلأُمَمِ وَكَرَامَتِهِمْ إِلَيْهَا» (سفر الرؤيا 21: 10 و24 و26).

صرح الرب يسوع المسيح في أيام تجسده ببيان عن تلك السلسلة من الحوادث التي ستنتهي بظهوره المجيد وانتهاء الدهر وخلال هذا البيان، قال إنه «وَيُكْرَزُ بِبِشَارَةِ ٱلْمَلَكُوتِ هٰذِهِ فِي كُلِّ ٱلْمَسْكُونَةِ شَهَادَةً لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ» (راجع بشارة متى 24: 14). ولكن يجب ألا نظن أن هذا القول يقترن بالعبارة التي تليه مباشرة، وهي: «ثم يأتي المنتهى»، كأن مجيء المنتهى مشروط بالكرازة ببشارة الملكوت، أو بالحري الكرازة بالإنجيل فيما يختص بموقف المسيح تجاه الأمم من ملكه وجبروته. فليس ذلك المعنى المقصود بالقول المذكور. إن المعنى المقصود ينحصر في إنذار الأمم، لئلا ينحازوا إلى الطرف المعادي للمسيح في المعركة النهائية العتيدة، فيعرضون أنفسهم للمجزرة المخيفة التي ستحدث في الثلاث السنوات والنصف الأخيرة من السبع السنوات التي بها ينتهي هذا الدهر.

وشرح الأمور المختصة بالسبع السنوات وارد في الإصحاحات من الرابع إلى التاسع عشر من سفر الرؤيا. واحتلال القوى الدولية العسكرية الذي ستترتب عليه المجزرة المذكورة، هو وارد في إصحاحات نبوة حزقيال (38-39) وإصحاحات نبوة زكريا (12-14).

وسيكتسح السواد الأعظم من هذه القوى تحت تأثير النكبات والضربات التي ستتهاطل عليها وعلى البلاد التي أتت منها، كما يتضح من سفر الرؤيا (16: 18 ، 19) ونبوة حزقيال (39: 6).

وكما سنرى في سفر الرؤيا (16: 13-16) في الفصل التالي، إن القوى المذكورة ستحتشد تحت قيادة «ضد المسيح» في معسكره الرئيسي في هر مجدون، وهو تل في فلسطين يشرف على وادي يزرعيل المشهور في التاريخ بموقعه الإستراتيجي الحربي.

ومع أن القوى العسكرية ستزحف على أرض فلسطين كلها، لكن «حرب يوم الرب العظيم» سوف لا تنشب في وادي يزرعيل بل في وادي يهوشفاط الموجود تحت أسوار أورشليم، كما يتضح من النبوات السابق ذكرها. ويتضح أيضاً من النبوات المذكورة آنفاً أن بعض الأمم ستركز هجومها على أورشليم، وسيترتب على ذلك تعرضها للنتائج المخيفة الواردة في نبوة زكريا (14: 12-13).

بيد أنه يظهر من قول المسيح المدوَّن في بشارة متى (25: 31-46) وأيضاً من قراءة سفر الرؤيا (21: 24) إن هناك مكافآت لبعض شعوب الأرض كأمم عند مجيء المسيح إبن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه. فيجلس على كرسي مجده ويميز شعب عن شعب بحسب ما كانت عليه معاملاتهم مع إخوته. وإخوته هم الذين «يصنعون مشيئة (اللّه) الذي في السموات» (بشارة متى 12: 48-50). فالأمة التي تكرم المسيح في إخوته، أولاد ملكوته، تكرم هي أيضاً من قبله عند حكمه الأرضي.

غير أن لدينونة الأمم تتمة بعد أن ينتهي حكم المسيح الألفي على الأرض، الذي سيختتم بضربة واحدة قاضية على آخر نقطة تمرد شيطاني متبقية في قلوب الأمم التي في أربع زوايا الأرض. وهذا التمرد لم يكن ليظهر أثناء حكم المسيح الألفي، أما الآن فسيستخدم اللّه الشيطان ليشهره.

لكن الناجين من تلك المحنة الأخيرة سيحتفظون بنظامهم الدولي كأمم. ولذلك يقول الوحي: «وتمشي شعوب المخلّصين (أي، المخلصين من تلك المحنة الرهيبة) بنورها (أي بنور أورشليم السماوية) وملوك الأرض يجيئون بمجدهم وكرامتهم إليها...» (راجع سفر الرؤيا 21: 10 و24 و26).

الفصل الثاني ... بين القوات والسلاطين والرياسات في السماويات

كان إجراء العدل الإلهي المقابل للثورة، التي قادها الشيطان في التأريخ الكوني السحيق، إجراء فورياً. وهكذا فمنذ الوهلة الأولى لبوادر ثورة الشيطان، تعرضت مملكته للدمار والهلاك. وبدأت تنسكب سلسلة من النكبات المخربة، الواحدة تلو الأخرى، على ذلك الجزء من الكون الذي كان قد أنيط به الشيطان بأمر اللّه من قبل، هزَّته في الصميم، في الأزمنة التاريخية وما قبلها (1) (راجع الملحق في آخر هذا الفصل عن النكبات الكونية بالنسبة للدينونة الإلهية).

بيد أن هلاك الشيطان نفسه لم يكن فورياً، بل سمح اللّه له أن يبقي دائرته العالمية (أي الأرض وأجواءها) مركزاً له بصفته «رئيس سلطان الهواء». لأن هناك في خليقة اللّه، ملائكة ورؤساء ملائكة تقع بعض المناطق في الكون تحت سلطانهم، في أي وقت يريده اللّه. ومن واجباتهم أن يتسلطوا باسم اللّه في هذه المناطق. وبناء على حكمهم تتحطم ممالك وإمبراطوريات أو تثبت. ولذلك قيل لنبوخذ نصر «... مَمْلَكَتَكَ تَثْبُتُ لَكَ عِنْدَمَا تَعْلَمُ أَنَّ ٱلسَّمَاءَ سُلْطَانٌ» (نبوة دانيال 4: 26).

غير أنه منذ التصدع الحاصل في الخليقة الملائكية نتيجة لثورة الشيطان، نشأت مملكة منظمة للشر مقاومة لملكوت اللّه، انضم إليها بعض رؤساء ملائكة، يتسلطون تحت أمرة الشيطان ويسمّون بأسماء المناطق الخاصة بهم. ولنا في نبوة دانيال (10: 13 و20) ذكر لإثنين من هؤلاء الرؤساء بإسميهما: «رئيس مملكة فارس» و «رئيس اليونان». وبين هؤلاء وبين رؤساء ملائكة اللّه الجبابرة تقع مصادمات عنيفة كما يتضح من قراءة الإصحاح المشار إليه. وسيبقى الوضع على هذا الحال إلى أن يتم المقضي به.

(أ) مسرة اللّه باستخدام إنسان لإظهار هزيمة الشيطان، وإقامة ملكوته المجيد وسيادته المباشرة على العالم.

- كلمة الوحي -

«... وَعَلَى شِبْهِ ٱلْعَرْشِ شِبْهٌ كَمَنْظَرِ إِنْسَانٍ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقُ» (نبوة حزقيال 1: 26).

«... ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي هُوَ فِي ٱلسَّمَاءِ» (بشارة يوحنا 3: 13).

ولذلك انتقل الميدان في البدء إلى تلك الجنة شرقي عدن (راجع سفر التكوين 2: 8)، حيث وضع الرب الإله «الإنسان الأول»، آدم، الذي من جهة شخصيته الباطنية خلق من العدم كاملاً «على صورة اللّه»، أو بالحري في إبنه الأزلي، الرب يسوع المسيح، الكلمة الخالق الذي هو «صورة اللّه غير المنظور» (راجع رسالة كولوسي 1: 15)، وهو «الرب الإله» المذكور في العهد القديم من سفر التكوين 2: 4 فصاعداً، وهو الذي «جَبَلَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ آدَمَ تُرَاباً مِنَ ٱلأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْساً حَيَّةً» (راجع سفر التكوين 2: 7). وهناك في جنة عدن، بدأت المنازلة الأخيرة في «معركة الدهور».

أما الشيطان، فقام بمناورة إستراتيجية، فدنا من الإنسان على الجانب الأنثوي من طبيعته، متسلحاً بمكره الخبيث ومكائده الدسيسة. وببالغ الأسف وعميق الأسى، رأينا سقوط ذاك «الإنسان الأول» أمام سطوة العدو، وتردي ذريته في هوَّة البوار السحيقة. وكأن الشيطان قد ربح المعركة. لكن لم تكن هذه الحادثة سوى المصادمة الأولى في المنازلة التي تستمر حتى هذا اليوم. فهناك «الإنسان الثاني» العظيم «الثاني» من جهة وقت ظهوره في الجسد - راجع رسالة كورنثوس الأولى (15: 47)، الذي هو الأول في كل شيء، لأنه قبل كل شيء، إبن اللّه الأزلي، الكلمة الخالق، الذي لم يخلق «الإنسان الأول» به فحسب، بل وكان بنفسه في جنة عدن قبل ظهور «الإنسان الأول»، ليس لأخذ التدابير بعد سقوط آدم، فحسب، بل لتدارك الوضع قبل سقوط آدم في الخطية فعلاً، وذلك بحسب القصد الذي قصده اللّه في نفسه، قبل الأزمنة الأزلية ليصالح به كل شيء لنفسه، سواء أكان ما على الأرض أم ما في السموات، وليعمل فيه الفداء الأبدي الذي تممه أخيراً بدم صليبه منذ نحو ألفي عام (راجع رسالة كولوسي 1: 20-22).

ولم يقف الشيطان بعد وجهاً لوجه مع هذا «الإنسان الثاني» العظيم. وسوف لا يقف أيضاً معه، إذ أنه لا يستطيع وفي كل مرة فيها يقترب الشيطان من الرب يسوع المسيح، إنما يقترب منه من ورائه. ويتضح ذلك من نص القضاء الذي نطق اللّه به على «الحية» في سفر التكوين (3: 15)، حيث تبدو الحية مقتربة من عقب «نسل المرأة» العظيم، ويقوم هو بسحق رأسها. وكأن الشيطان بواسطة تدخله الأعمى في شؤون الإنسان، أضاف يقيناً لاستحقاقه للهلاك الأبدي. وإن قصته من جنة عدن فصاعداً، إن هي إلا قصة حصره وتضييق الخناق عليه.

(ب) التغيير الدراماتيكي الذي سيحدث في السيادة على الأرض وسمائها.

- كلمة الوحي -

«وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ: ٱمْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِٱلشَّمْسِ، وَٱلْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَباً، وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ. وَظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ: هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ. وَذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلْثَ نُجُومِ ٱلسَّمَاءِ فَطَرَحَهَا إِلَى ٱلأَرْضِ. وَٱلتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلْعَتِيدَةِ أَنْ تَلِدَ حَتَّى يَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ. فَوَلَدَتِ ٱبْناً ذَكَراً عَتِيداً أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ ٱلأُمَمِ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ. وَٱخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى ٱللّٰهِ وَإِلَى عَرْشِهِ، وَٱلْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ ٱللّٰهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفاً وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْماً. وَحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي ٱلسَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا ٱلتِّنِّينَ. وَحَارَبَ ٱلتِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ وَلَمْ يَقْوُوا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلسَّمَاءِ» (سفر الرؤيا 12: 1-8).

«بَعْدَ هٰذَا نَظَرْتُ وَإِذَا بَابٌ مَفْتُوحٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَٱلصَّوْتُ ٱلأَّوَلُ ٱلَّذِي سَمِعْتُهُ كَبُوقٍ يَتَكَلَّمُ مَعِي قَائِلاً: «ٱصْعَدْ إِلَى هُنَا فَأُرِيَكَ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَصِيرَ بَعْدَ هٰذَا». وَلِلْوَقْتِ صِرْتُ فِي ٱلرُّوحِ، وَإِذَا عَرْشٌ مَوْضُوعٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَعَلَى ٱلْعَرْشِ جَالِسٌ. وَكَانَ ٱلْجَالِسُ فِي ٱلْمَنْظَرِ شِبْهَ حَجَرِ ٱلْيَشْبِ وَٱلْعَقِيقِ، وَقَوْسُ قُزَحَ حَوْلَ ٱلْعَرْشِ فِي ٱلْمَنْظَرِ شِبْهُ ٱلّزُمُرُّدِ... وَمِنَ ٱلْعَرْشِ يَخْرُجُ بُرُوقٌ وَرُعُودٌ وَأَصْوَاتٌ. وَأَمَامَ ٱلْعَرْشِ سَبْعَةُ مَصَابِيحِ نَارٍ مُتَّقِدَةٌ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللّٰهِ. وَقُدَّامَ ٱلْعَرْشِ بَحْرُ زُجَاجٍ شِبْهُ ٱلْبَلُّورِ» (سفر الرؤيا 4: 1-3 و5-6).

«وَرَأَيْتُ فَإِذَا فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ ٱلأَرْبَعَةِ وَفِي وَسَطِ ٱلشُّيُوخِ حَمَلٌ قَائِمٌ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ، لَهُ سَبْعَةُ قُرُونٍ وَسَبْعُ أَعْيُنٍ، هِيَ سَبْعَةُ أَرْوَاحِ ٱللّٰهِ ٱلْمُرْسَلَةُ إِلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ... وَلَمَّا أَخَذَ ٱلسِّفْرَ خَرَّتِ ٱلأَرْبَعَةُ ٱلْحَيَوَانَاتُ وَٱلأَرْبَعَةُ وَٱلْعِشْرُونَ شَيْخاً أَمَامَ ٱلْحَمَلِ، وَلَهُمْ كُلِّ وَاحِدٍ قِيثَارَاتٌ وَجَامَاتٌ مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُّوَةٌ بَخُوراً هِيَ صَلَوَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ. وَهُمْ يَتَرَنَّمُونَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً قَائِلِينَ: «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ ٱلسِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَٱشْتَرَيْتَنَا لِلّٰهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلٰهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى ٱلأَرْضِ» .

وَنَظَرْتُ وَسَمِعْتُ صَوْتَ مَلاَئِكَةٍ كَثِيرِينَ حَوْلَ ٱلْعَرْشِ وَٱلْحَيَوَانَاتِ وَٱلشُّيُوخِ، وَكَانَ عَدَدُهُمْ رَبَوَاتِ رَبَوَاتٍ وَأُلُوفَ أُلُوفٍ، قَائِلِينَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مُسْتَحِقٌّ هُوَ ٱلْحَمَلُ ٱلْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ ٱلْقُدْرَةَ وَٱلْغِنَى وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلْقُّوَةَ وَٱلْكَرَامَةَ وَٱلْمَجْدَ وَٱلْبَرَكَةَ». وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ وَتَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَمَا عَلَى ٱلْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: «لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (سفر الرؤيا 5: 6 و8-13).

لقد صور لنا الإصحاح الثاني عشر من سفر الرؤيا الحادث الرائع الذي به سيرتفع الستار عن السبع سنوات الأخيرة لنهاية هذا الدهر، ففي «طرفة عين عند البوق الأخير» (راجع رسالة كورنثوس الأولى 15: 52)، سيخطف الإبن الذكر المشار إليه في سفر الرؤيا (12: 5) إلى اللّه وعرشه، أو بالحري أن الجمع العظيم من المؤمنين الأحياء عندئذ على الأرض سيتغيرون إلى أجسادهم الممجدة ويخطفون «في السحب لملاقاة الرب في الهواء» حيث يجتمعون مع ربوات الربوات من الأموات في المسيح الآتين من كل الأجيال السابقة مقامين آنذاك بعدم فساد (راجع رسالة تسالونيكي الأولى 4: 15-17).

وإننا لنسمع ترتيلهم والترنيمة الملائكية الممتزجة مع هتاف الحمد والشكر الصاعد من الخلائق المحررة من عبودية الفساد التي كانت قد حلت بها بسبب سقوط الإنسان. وموضوع ترتيلتهم هو الحمد للجالس على العرش و «للأسد - الحمل» القائم «في وسط العرش» ولقوة دمه الثمين المسفوك لأجلهم. فيقولون:

«.. مستحق أنت... لأنك ذبحت واشتريتنا للّه بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة فسنملك على الأرض...».

أما الشيطان، فنتيجة للإستعلامات الخاصة به، يكون قد تنبه إلى الإختطاف العتيد «للإبن الذكر». وكما نراه في سفر الرؤيا (12: 3-4) يوزع كل قواه الملائكية ليحبط، أن أمكنه، تلك المهمة، بأيّة وسيلة من الوسائل - وقد يكون «ثلث نجوم السماء» إشارة إلى مدى هذه القوى - ولكن ساعة الصفر تكون قد دقت! وتكون قوى ميخائيل، رئيس ملائكة اللّه قد تأهبت للقتال، فتندفع بأسرع من البرق وتكتسح الميدان وتتطهر السموات إلى الأبد من الشيطان وأعوانه الشريرة. ولذلك سيخطف «الإبن الذكر» سالماً «إلى اللّه وإلى عرشه».

ولقد أشار المسيح نفسه في أيام تجسده بروح النبوة إلى هزيمة الشيطان هذه، فقال: «... رَأَيْتُ ٱلشَّيْطَانَ سَاقِطاً مِثْلَ ٱلْبَرْقِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (بشارة لوقا 10: 18).

(ج) سيرغم الشيطان على تأسيس آخر إمبراطورية يشهدها هذا العالم، وذلك عندما يكون محاصراً في الأرض بعيداً عن دائرته الأصلية، (حيث يحكم حتى الآن كرئيس سلطان الهواء) وستصبح حكومته أعجوبة سياسية، لأنها ستكون مقامة داخل الحدود التي كانت تشغلها الأمبراطورية الرومانية القديمة. إلا أنه سوف يرغم أيضاً على ألا يحكم بنفسه، بل بواسطة «نائب» عنه يجمع في يده السلطة العالمية كلها باستعمال القوة المسلحة.

- كلمة الوحي -

«وَظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ: هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ... فَطُرِحَ ٱلتِّنِّينُ ٱلْعَظِيمُ، ٱلْحَيَّةُ ٱلْقَدِيمَةُ ٱلْمَدْعُّوُ إِبْلِيسَ وَٱلشَّيْطَانَ، ٱلَّذِي يُضِلُّ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ - طُرِحَ إِلَى ٱلأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ... مِنْ أَجْلِ هٰذَا ٱفْرَحِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلسَّاكِنُونَ فِيهَا. وَيْلٌ لِسَاكِنِي ٱلأَرْضِ وَٱلْبَحْرِ، لأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ إِلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ، عَالِماً أَنَّ لَهُ زَمَاناً قَلِيلاً» (سفر الرؤيا 12: 3 ، 9 و12).

«ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى رَمْلِ ٱلْبَحْرِ، فَرَأَيْتُ وَحْشاً طَالِعاً مِنَ ٱلْبَحْرِ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى قُرُونِهِ عَشَرَةُ تِيجَانٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ ٱسْمُ تَجْدِيفٍ... وَأَعْطَاهُ ٱلتِّنِّينُ قُدْرَتَهُ وَعَرْشَهُ وَسُلْطَاناً عَظِيماً. وَرَأَيْتُ وَاحِداً مِنْ رُؤُوسِهِ كَأَنَّهُ مَذْبُوحٌ لِلْمَوْتِ، وَجُرْحُهُ ٱلْمُمِيتُ قَدْ شُفِيَ. وَتَعَجَّبَتْ كُلُّ ٱلأَرْضِ وَرَاءَ ٱلْوَحْشِ، 4وَسَجَدُوا لِلتِّنِّينِ ٱلَّذِي أَعْطَى ٱلسُّلْطَانَ لِلْوَحْشِ، وَسَجَدُوا لِلْوَحْشِ قَائِلِينَ: «مَنْ هُوَ مِثْلُ ٱلْوَحْشِ؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَارِبَهُ... وَأُعْطِيَ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَأُمَّةٍ» (سفر الرؤيا 13: 1-7).

«ثُمَّ رَأَيْتُ وَحْشاً آخَرَ طَالِعاً مِنَ ٱلأَرْضِ، وَكَانَ لَهُ قَرْنَانِ شِبْهُ خَرُوفٍ، وَكَانَ يَتَكَلَّمُ كَتِنِّينٍ، وَيَعْمَلُ بِكُلِّ سُلْطَانِ ٱلْوَحْشِ ٱلأَّوَلِ أَمَامَهُ، وَيَجْعَلُ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّاكِنِينَ فِيهَا يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ ٱلأَّوَلِ ٱلَّذِي شُفِيَ جُرْحُهُ ٱلْمُمِيتُ» (سفر الرؤيا 13: 11-12).

«هُنَا ٱلذِّهْنُ ٱلَّذِي لَهُ حِكْمَةٌ! اَلسَّبْعَةُ ٱلرُّؤُوسُ هِيَ سَبْعَةُ جِبَالٍ عَلَيْهَا ٱلْمَرْأَةُ جَالِسَةً. وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ: خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَٱلآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلاً. وَٱلْوَحْشُ ٱلَّذِي كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ فَهُوَ ثَامِنٌ، وَهُوَ مِنَ ٱلسَّبْعَةِ، وَيَمْضِي إِلَى ٱلْهَلاَكِ. وَٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكاً بَعْدُ، لٰكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ ٱلْوَحْشِ» (سفر الرؤيا 17: 9-12).

«... يُهْلِكُ عَجَباً وَيَنْجَحُ وَيَفْعَلُ...» (نبوة دانيال 8: 24).

لقد أشرنا في الفصل الأول إلى نبوة دانيال الواردة في الإصحاح السابع، عن الأربع الحيوانات (1) (ويجب ألا نخلط بين هذه الحيوانات، «والوحش» ضد المسيح، الوارد ذكره في سفر الرؤيا) التي تمثل الإمبراطوريات العالمية المتعاقبة التي تنتهي بالأمبراطورية الرومانية. ولاحظنا كيف أن الرابع من هذه الحيوانات كانت له عشرة قرون تمثل إتحاد القوى العشر، التي سيرأسها «الوحش»، ضد المسيح، خلال الضيقة العظيمة في نهاية هذا الدهر، لكون ضد المسيح نفسه قرناً طالعاً بين القرون. وهكذا فهناك علاقة بين الإمبراطورية الرومانية وحكم ضد المسيح، أو بالحري إن لضد المسيح علاقة مع الإمبراطورية الرومانية كالروح المحرك لها.

ومع ذلك، ففي سفر الرؤيا يظهر ضد المسيح كحيوان تماماً، أو بالحري كوحش ذي سبعة رؤوس لحمل العشرة القرون الخاصة به. ونرى في الإصحاح السابع عشر (9: 13) أن هذه الرؤوس تشير إلى سبع إمبراطوريات تاريخية. وعرفنا أن خمساً من هذه السبع قد سقطت (عدد 10) وواحدة (وهي السادسة) موجودة، أعني كانت موجودة ساعة كتابة سفر الرؤيا (حوالي 96 م). وبذلك يتضح أن هذه السادسة هي الإمبراطورية الرومانية. وبحصر الإمبراطوريات السابقة لها، من الخامسة إلى الأولى، نرى أنها هي إمبراطورية اليونان، مادي وفارس، بابل الأخيرة، أشور وبابل الأولى، على التوالي.

أما الإمبراطورية السابعة، أو بالحري ملكها، فلم يكن قد أتى بعد، ساعة كتابة سفر الرؤيا. «وَمَتَى أَتَى يَنْبَغِي أَنْ يَبْقَى قَلِيلاً» (سفر الرؤيا 17: 10). وهذا يشير إلى ما نراه على مدى الأجيال من تاريخ كتابة سفر الرؤيا إلى يومنا هذا من محاولات فاشلة لإنعاش الإمبراطورية الرومانية، وقصر فترات ازدهارها، وآخر فترة هي التي كانت تحت حكم الدكتاتور موسوليني في العقد الثالث من القرن الحالي. وهكذا نرى، مع أن «الوحش»، ضد المسيح الذي سيظهر أخيراً ليحكم ضمن الإمبراطورية الرومانية القديمة، هو «الثامن» من جهة القرون، إلا أنه «من السبعة»، لأنه هو الوحش الذي «كَانَ وَلَيْسَ ٱلآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ وَيَمْضِيَ إِلَى ٱلْهَلاَكِ» (سفر الرؤيا 17: 8). وهو الوحش ذو الرأس المذبوح للموت «وَجُرْحُهُ ٱلْمُمِيتُ قَدْ شُفِيَ» (سفر الرؤيا 13: 3).

ولكن ما تجدر بنا ملاحظته بصفة خاصة في سفر الرؤيا إن كلاً من «التنين الأحمر» المذكور في الإصحاح الثاني عشر و «الوحش» الوارد في الإصحاح الثالث عشر، له سبعة رؤوس تحمل قرونه العشرة. ولكن بينما التيجان التي يتتوجان بها موضوعة على الرؤوس في التنين الأحمر، نراها منقولة إلى القرون في الوحش. وهذا إشارة إلى أن الشيطان، أو بالحري التنين الأحمر، سيعطي «قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً» للوحش، نائبه، لمدة حكم قرونه العشرة التي تمثل الحكم العشري (سفر الرؤيا 17: 12)، الذي سيكون تحت سيطرة «الوحش» في إمبراطوريته، في الشطر الثاني من الضيقة العظيمة.

وعلمنا من سفر الرؤيا (13: 5) أن الوحش سيظهر «ليفعل» إثنين وأربعين شهراً، أو بالحري سيستمر في نشاطه. فيكون قد مضت عليه مدة إثنين وأربعين شهراً، أو مدة ألف ومائتين وستين يوماً يكون فيها قد عمل مجاهداً ضد شهادة الشاهدين العظيمين المذكورين في الأصحاح الحادي عشر من سفر الرؤيا، اللذين سنتطرق إلى ذكر شهادتهما فيما بعد إن شاء اللّه. وهكذا «يستمرّ» الوحش في نشاطه. وعندئذ يتنازل له الشيطان عن «قدرته وعرشه»، لأن هذا هو عين ما ورد في سفر الرؤيا (13: 2).

لقد كان أساس ثورة الشيطان تمرّده على حكم الإله الأزلي وسيادته في إبنه، الرب يسوع المسيح، نائبه الوحيد في كل شيء. والآن في حكمة اللّه التي لا تستقصى، قد أرغم الشيطان على أن يقيم لنفسه نائباً يفوضه حكمه وسيادته. وهذا النائب هو «إنسان الخطية، إبن الهلاك» الذي هو «ضد المسيح»، «الوحش». وقد اعتاد هذا النائب المشؤوم بدوره أن يثور هو ضد حكم اللّه المنتشر في الروح القدس، وكيل المسيح العظيم، ويجدف عليه. ومن ثم سيرغم «الوحش» على تعيين وكيل له أيضاً في شخص «الوحش الآخر» الذي هو «النبي الكذاب» (سفر الرؤيا 19: 20) لنشر أكاذيبه الجهنمية (راجع سفر الرؤيا 13: 11-15).

وهكذا سيكشف الستار عن شر الشيطان في مظاهره الثلاثة، ويفتضح أمره الدال على استحقاقه لدينونة لا هوادة فيها.

(د) قيام «الوحش»، ضد المسيح من مكان ما حول شواطئ البحر، ربما هو «البحر الكبير». أو بالحري البحر المتوسط، كما في نبوة دانيال (7: 2)، حائزاً على قوة خارقة للطبيعة ومؤيداً بحكمة إدارية مدهشة، ومعضداً بقوة شعبية عامة (لا يقاومه إلا فئة القديسين في الضيقة العظيمة)، ليفرض على البشرية جمعاء نظاماً اجتماعياً مشؤوماً يقوم على تجنيد الجميع جسداً ونفساً وروحاً.

- كلمة الوحي -

«وَفِي آخِرِ مَمْلَكَتِهِمْ عِنْدَ تَمَامِ ٱلْمَعَاصِي يَقُومُ مَلِكٌ جَافِي ٱلْوَجْهِ وَفَاهِمُ ٱلْحِيَلِ. وَتَعْظُمُ قُّوَتُهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ بِقُّوَتِهِ... وَبِحَذَاقَتِهِ يَنْجَحُ أَيْضاً ٱلْمَكْرُ فِي يَدِهِ، وَيَتَعَظَّمُ بِقَلْبِهِ. وَفِي ٱلٱِطْمِئْنَانِ يُهْلِكُ كَثِيرِينَ، وَيَقُومُ عَلَى رَئِيسِ ٱلرُّؤَسَاءِ، وَبِلاَ يَدٍ يَنْكَسِرُ» (نبوة دانيال 8: 23-25). / «... وَيَظُنُّ أَنَّهُ يُغَيِّرُ ٱلأَوْقَاتَ وَٱلسُّنَّةَ» (نبوة دانيال 7: 25).

«وَيَمُدُّ يَدَهُ عَلَى ٱلأَرَاضِي، وَأَرْضُ مِصْرَ لاَ تَنْجُو. وَيَتَسَلَّطُ عَلَى كُنُوزِ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَعَلَى كُلِّ نَفَائِسِ مِصْرَ...» (نبوة دانيال 11: 42-43).

«ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى رَمْلِ ٱلْبَحْرِ، فَرَأَيْتُ وَحْشاً طَالِعاً مِنَ ٱلْبَحْرِ... وَيَجْعَلَ ٱلْجَمِيعَ: ٱلصِّغَارَ وَٱلْكِبَارَ، وَٱلأَغْنِيَاءَ وَٱلْفُقَرَاءَ، وَٱلأَحْرَارَ وَٱلْعَبِيدَ، تُصْنَعُ لَهُمْ سِمَةٌ عَلَى يَدِهِمِ ٱلْيُمْنَى أَوْ عَلَى جِبْهَتِهِمْ، وَأَنْ لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَبِيعَ إِلاَّ مَنْ لَهُ ٱلسِّمَةُ أَوِ ٱسْمُ ٱلْوَحْشِ أَوْ عَدَدُ ٱسْمِهِ» (سفر الرؤيا 13: 1-2 و16-17).

ومن وصف ضد المسيح الوارد في نبوة دانيال (7: 25 و8: 23-25 و11: 38 و42-43) وسفر الرؤيا (13: 1-2 و16-17) يتضح لنا أن الشخص المذكور آنفاً سيكون عند ظهوره خبيراً في الأمور الإدارية واقتصادياً مرموقاً في عصر أشرف فيه العالم على أزمة تليها أخرى. وكما يبدو، فإنه يستطيع أن يضع أيضاً قانوناً علمياً لكل شيء في عالم حيّره العلم، مع أنه يعبد العلم بشكل أو آخر. فيغير الأسس المرعية ولا يكترث بالإلتزامات الأدبية، بل «يظن أنه يغير الأوقات والسنة». و «بحذاقته ينجح أيضاً المكر في يده». غير أنه «بلا يد ينكسر»، إذ أنه ليس إلا «إناء غضب مهيَّأ للهلاك»، يحتمله اللّه لأنه يريد أن يظهر فيه غضبه ويبين قوته» (راجع رسالة رومية 9: 22-23).

ومما لا شك فيه أن المسرح سيكون معداً أعداداً كاملاً من الناحيتين السياسية والإقتصادية لظهور ضد المسيح، إذ أن كل الأمم ستكون منهوكة القوى نتيجة لحالة الحرب المستمرة، باردة كانت أو ساخنة. وهذا ما يدل عليه الفارس الجالس على الفرس الأبيض الوارد في سفر الرؤيا (6: 2). وانحلال المحالفات الدولية وعدم ثبات قراراتها سيفتح المجال للحروب الأهلية والفوضى وما يعقبها من مجازر، كما بدا في بعض الأماكن في الوقت الحاضر. وهذا ما يدل عليه الفارس الجالس على الفرس الأحمر في سفر الرؤيا (6: 4). وفي حالة مثل هذه سترحب الدول بظهور أي شخصية ينتظر منها أن تحل المشاكل الإقتصادية وتخلص البشر من الموت جوعاً، المشار إليه بالفارس الجالس على الفرس الأسود في سفر الرؤيا (6: 5).

أما الجماهير التابعة لضد المسيح، الذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر حياة الحمل الذي ذبح (راجع سفر الرؤيا 13: 8)، أو بالحري الذين ليسوا «في المسيح»، فهؤلاء سيبايعون بجملتهم القائد الدولي العظيم الذي سيفرض حكماً آلياً إلكترونياً على مجتمع لا شخصية له. ولا يعسر علينا أن نتصور حالة كهذه، في أواخر الشطر الثاني من القرن العشرين، حين تتحكم في العالم إرادة جماعية يسوقها الجنون كما برهنت الثلاثون سنة الماضية في أماكن متباينة على استعداد الجماهير الهائجة لتأليه قوادها والتجند تحت لوائهم، جسداً، نفساً وروحاً.

ولذلك لا مفر من مواجهة الحقيقة أن أنظمة العالم السياسية والوطنية عاجزة عن تحمل الضغط الآتي عليها من جراء الفوضى الإجتماعية الظاهرة في كل مكان. ولا يرجع السبب لهذا العجز إلا لعدم وجود ألياف أدبية في نسيج تلك الأنظمة.

(هـ) إنشغال «الوحش»، ضد المسيح ونائب الشيطان، في الثلاث سنوات والنصف الأولى من سبع سنوات الضيقة العظيمة، بأورشليم التي ستكون قبلة اهتمام الدول جميعاً، سياسياً ودينياً.

- كلمة الوحي -

«ثُمَّ أُعْطِيتُ قَصَبَةً شِبْهَ عَصاً، وَوَقَفَ ٱلْمَلاَكُ قَائِلاً لِي: «قُمْ وَقِسْ هَيْكَلَ ٱللّٰهِ وَٱلْمَذْبَحَ وَٱلسَّاجِدِينَ فِيهِ. وَأَمَّا ٱلدَّارُ ٱلَّتِي هِيَ خَارِجَ ٱلْهَيْكَلِ فَٱطْرَحْهَا خَارِجاً وَلاَ تَقِسْهَا، لأَنَّهَا قَدْ أُعْطِيَتْ لِلأُمَمِ، وَسَيَدُوسُونَ ٱلْمَدِينَةَ ٱلْمُقَدَّسَةَ ٱثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْراً. وَسَأُعْطِي لِشَاهِدَيَّ فَيَتَنَبَّآنِ أَلْفاً وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْماً، لاَبِسَيْنِ مُسُوحاً». هٰذَانِ هُمَا ٱلّزَيْتُونَتَانِ وَٱلْمَنَارَتَانِ ٱلْقَائِمَتَانِ أَمَامِ رَبِّ ٱلأَرْضِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا، تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ فَمِهِمَا وَتَأْكُلُ أَعْدَاءَهُمَا. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَهُمَا فَهٰكَذَا لاَ بُدَّ أَنَّهُ يُقْتَلُ. هٰذَانِ لَهُمَا ٱلسُّلْطَانُ أَنْ يُغْلِقَا ٱلسَّمَاءَ حَتَّى لاَ تُمْطِرَ مَطَراً فِي أَيَّامِ نُبُّوَتِهِمَا، وَلَهُمَا سُلْطَانٌ عَلَى ٱلْمِيَاهِ أَنْ يُحَّوِلاَهَا إِلَى دَمٍ، وَأَنْ يَضْرِبَا ٱلأَرْضَ بِكُلِّ ضَرْبَةٍ كُلَّمَا أَرَادَا. وَمَتَى تَمَّمَا شَهَادَتَهُمَا فَٱلْوَحْشُ ٱلصَّاعِدُ مِنَ ٱلْهَاوِيَةِ سَيَصْنَعُ مَعَهُمَا حَرْباً وَيَغْلِبُهُمَا وَيَقْتُلُهُمَا. وَتَكُونُ جُثَّتَاهُمَا عَلَى شَارِعِ ٱلْمَدِينَةِ ٱلْعَظِيمَةِ ٱلَّتِي تُدْعَى رُوحِيّاً سَدُومَ وَمِصْرَ، حَيْثُ صُلِبَ رَبُّنَا أَيْضاً. وَيَنْظُرُ أُنَاسٌ مِنَ ٱلشُّعُوبِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلأَلْسِنَةِ وَٱلأُمَمِ جُثَّتَيْهِمَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفاً، وَلاَ يَدَعُونَ جُثَّتَيْهِمَا تُوضَعَانِ فِي قُبُورٍ. وَيَشْمَتُ بِهِمَا ٱلسَّاكِنُونَ عَلَى ٱلأَرْضِ وَيَتَهَلَّلُونَ، وَيُرْسِلُونَ هَدَايَا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لأَنَّ هٰذَيْنِ ٱلنَّبِيَّيْنِ كَانَا قَدْ عَذَّبَا ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ. ثُمَّ بَعْدَ ٱلثَّلاَثَةِ ٱلأَيَّامِ وَٱلنِّصْفِ دَخَلَ فِيهِمَا رُوحُ حَيَاةٍ مِنَ ٱللّٰهِ، فَوَقَفَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا. وَوَقَعَ خَوْفٌ عَظِيمٌ عَلَى ٱلَّذِينَ كَانُوا يَنْظُرُونَهُمَا. وَسَمِعُوا صَوْتاً عَظِيماً مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً لَهُمَا: «ٱصْعَدَا إِلَى هٰهُنَا». فَصَعِدَا إِلَى ٱلسَّمَاءِ فِي ٱلسَّحَابَةِ، وَنَظَرَهُمَا أَعْدَاؤُهُمَا. وَفِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ حَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ، فَسَقَطَ عُشْرُ ٱلْمَدِينَةِ، وَقُتِلَ بِٱلّزَلْزَلَةِ أَسْمَاءٌ مِنَ ٱلنَّاسِ: سَبْعَةُ آلاَفٍ. وَصَارَ ٱلْبَاقُونَ فِي رُعْبَةٍ، وَأَعْطُوا مَجْداً لإِلٰهِ ٱلسَّمَاءِ» (سفر الرؤيا 11: 1-13).

لقد أشرنا فيما سلف من هذا الفصل وسابقه إلى أن السبع سنوات التي بها سينتهي هذا الدهر سوف تنقسم إلى شطرين كل منهما ثلاث سنوات ونصف. ويقدم سفر الرؤيا (11: 1-13) صورة لأورشليم في الثلاث سنوات والنصف الأولى. ومنها يتضح لنا أن هذه المدينة ستكون عاصمة سياسية ومركزاً لنشاط ديني دولي. كما أنها ستكون مجالاً لإظهار عمل الروح القدس المبارك وقوته بهيئة جلية في خدمة الشاهدين العجيبين السابق الإشارة إليهما. وقد سبق أن رأينا في الفقرة (ز) من الفصل الأول، كيف سيعقد الوحش، ضد المسيح، ميثاقاً في أورشليم مع ممثلي الشعب اليهودي في افتتاح السبع سنوات. وهذا الميثاق (الذي سيفسخ في وسط السبع سنوات) خاص بخدمة الهيكل، الموضع الذي تقدس مرة بحضور الرب الإله وبالذبائح التي كانت تشير إلى دم عهد الدهور (راجع رسالة العبرانيين 13: 20).

ونرى في الأصحاح الحادي عشر من سفر الرؤيا، نتيجة هذا الميثاق «الوحشي»، فبمقتضاه سوف يداس الهيكل، ليس بأقدام العباد الخاشعين بل بأقدام جماهير صاخبة، وافدة من الإصقاع المختلفة لأغراض سياسية أو إقتصادية أو ترفيهية (راجع سفر الرؤيا 11: 9-11). وهناك يقف الشاهدان العجيبان اللذان يغلب على ظن البعض أنهما موسى وإيليا (1) (وبهذه المناسبة نذكر أ ن موسى وإيليا هما اللذان ظهرا مع المسيح في المجد على الجبل أثناء تجسده، وتكلما معه عن خروجه الذي كان عتيداً أن يتممه في أورشليم. كما ان هناك تشابهاً بين القوات التي عملها كل من موسى وإيليا في جيلهما وبين القوات التي يعملها هذان الشاهدان في مواجهة الجماهير المضادة لهما) قد عادا إلى الأرض، وهما لابسان مسوحاً، حزناً على المشهد المخزي وعلى ما لحق المكان المقدس من إهانة واحتقار. وعندما ينددان بالشر ويتوعدان بالدينونة الرهيبة، يصبحان مدعاة للخوف والكراهية عند اليهود وغير اليهود على حد سواء، إلى أن.. إلى أن ينتهي عملهما، فيقتلهما الوحش «الصاعد من الهاوية» (راجع سفر الرؤيا 11: 7).

وتكون هذه الهزيمة الظاهرية الوقت المناسب لظهور قوة اللّه الفائقة، إذ أنه بعد مدة ثلاثة أيام ونصف، التي ستقع فيها جثتاهما (2) (فتلاحظ أن جثتيهما ستكونان في شوارع المدينة باعتبار يوم لكل سنة من خدمتهما) ممزقتين في شوارع مدينة أورشليم وسط إزدراء الجماهير المتهللة على آخرتهما الشنيعة، يدخل «فيهما روح حياة من اللّه» ويقفان على أرجلهما ثم يصعدان في جسديهما الممجدين للإجتماع بذلك الحشد المجيد حول عرش السيادة الإلهية المنصوب في سماء أرضنا. ويلحق هذا الحادث زلزال عظيم به ستفتتح الثلاث سنوات والنصف الأخيرة، وسيكتسح عشر المدينة. وبخلاف الضربات التي ستلي الزلزال، فإن هذه الضربة تولّد في الناجين منها خوفاً حسب مشيئة اللّه - فقد وصفهم الوحي وقال إنهم «في رعبة وأعطوا مجداً لإله السماء».

(و) بلوغ ثورة الشيطان وذروتها ووصول تجديف الوحش، ضد المسيح، غايته القصوى «لتكميل المعصية» (راجع نبوة دانيال 9: 24)، خلال الشطر الثاني من السبع سنوات الأخيرة من هذا الدهر، وانجراف هذه الثورة إلى الأبد أمام نيران غضب اللّه الآكلة وانتقامه المتأجج للغاية.

- كلمة الوحي -

«وَأُعْطِيَ (الوحش) فَماً يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ وَتَجَادِيفَ، وَأُعْطِيَ سُلْطَاناً أَنْ يَفْعَلَ ٱثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ شَهْراً. فَفَتَحَ فَمَهُ بِٱلتَّجْدِيفِ عَلَى ٱللّٰهِ، لِيُجَدِّفَ عَلَى ٱسْمِهِ وَعَلَى مَسْكَنِهِ وَعَلَى ٱلسَّاكِنِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَأُعْطِيَ أَنْ يَصْنَعَ حَرْباً مَعَ ٱلْقِدِّيسِينَ وَيَغْلِبَهُمْ، وَأُعْطِيَ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَأُمَّةٍ. فَسَيَسْجُدُ لَهُ جَمِيعُ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ، ٱلَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً مُنْذُ تَأْسِيسِ ٱلْعَالَمِ فِي سِفْرِ حَيَاةِ ٱلْحَمَلِ ٱلَّذِي ذُبِحَ... هُنَا ٱلْحِكْمَةُ! مَنْ لَهُ فَهْمٌ فَلْيَحْسِبْ عَدَدَ ٱلْوَحْشِ فَإِنَّهُ عَدَدُ إِنْسَانٍ، وَعَدَدُهُ: سِتُّ مِئَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ» (سفر الرؤيا 13: 5-8 و18).

«ثُمَّ تَبِعَهُمَا مَلاَكٌ ثَالِثٌ قَائِلاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْجُدُ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ، وَيَقْبَلُ سِمَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ أَوْ عَلَى يَدِهِ، فَهُوَ أَيْضاً سَيَشْرَبُ مِنْ خَمْرِ غَضَبِ ٱللّٰهِ ٱلْمَصْبُوبِ صِرْفاً فِي كَأْسِ غَضَبِهِ، وَيُعَذَّبُ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ أَمَامَ ٱلْمَلاَئِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَأَمَامَ ٱلْحَمَلِ. وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ. وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَاراً وَلَيْلاً لِلَّذِينَ يَسْجُدُونَ لِلْوَحْشِ وَلِصُورَتِهِ وَلِكُلِّ مَنْ يَقْبَلُ سِمَةَ ٱسْمِهِ». هُنَا صَبْرُ ٱلْقِدِّيسِينَ. هُنَا ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا ٱللّٰهِ وَإِيمَانَ يَسُوعَ» (سفر الرؤيا 14: 9-12).

«ثُمَّ رَأَيْتُ آيَةً أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ عَظِيمَةً وَعَجِيبَةً: سَبْعَةَ مَلاَئِكَةٍ مَعَهُمُ ٱلسَّبْعُ ٱلضَّرَبَاتُ ٱلأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ ٱللّٰهِ» (سفر الرؤيا 15: 1).

«وَسَمِعْتُ مَلاَكَ ٱلْمِيَاهِ يَقُولُ: «عَادِلٌ أَنْتَ أَيُّهَا ٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي كَانَ وَٱلَّذِي يَكُونُ، لأَنَّكَ حَكَمْتَ هٰكَذَا. لأَنَّهُمْ سَفَكُوا دَمَ قِدِّيسِينَ وَأَنْبِيَاءَ، فَأَعْطَيْتَهُمْ دَماً لِيَشْرَبُوا. لأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّونَ!» وَسَمِعْتُ آخَرَ مِنَ ٱلْمَذْبَحِ قَائِلاً: «نَعَمْ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ! حَقٌّ وَعَادِلَةٌ هِيَ أَحْكَامُكَ» (سفر الرؤيا 16: 5-7).

«ثُمَّ خَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاءِ، مَعَهُ أَيْضاً مِنْجَلٌ حَادٌّ. وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ ٱلْمَذْبَحِ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى ٱلنَّارِ، وَصَرَخَ صُرَاخاً عَظِيماً إِلَى ٱلَّذِي مَعَهُ ٱلْمِنْجَلُ ٱلْحَادُّ، قَائِلاً: «أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ ٱلْحَادَّ وَٱقْطِفْ عَنَاقِيدَ كَرْمِ ٱلأَرْضِ، لأَنَّ عِنَبَهَا قَدْ نَضَجَ». فَأَلْقَى ٱلْمَلاَكُ مِنْجَلَهُ إِلَى ٱلأَرْضِ وَقَطَفَ كَرْمَ ٱلأَرْضِ، فَأَلْقَاهُ إِلَى مَعْصَرَةِ غَضَبِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمَةِ. وَدِيسَتِ ٱلْمَعْصَرَةُ خَارِجَ ٱلْمَدِينَةِ، فَخَرَجَ دَمٌ مِنَ ٱلْمَعْصَرَةِ حَتَّى إِلَى لُجُمِ ٱلْخَيْلِ، مَسَافَةَ أَلْفٍ وَسِتِّمِئَةِ غَلْوَةٍ» (سفر الرؤيا 14: 17-20).

«وَرَأَيْتُ مِنْ فَمِ ٱلتِّنِّينِ، وَمِنْ فَمِ ٱلْوَحْشِ، وَمِنْ فَمِ ٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ، ثَلاَثَةَ أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ شِبْهَ ضَفَادِعَ، فَإِنَّهُمْ أَرْوَاحُ شَيَاطِينَ صَانِعَةٌ آيَاتٍ، تَخْرُجُ عَلَى مُلُوكِ ٱلْعَالَمِ وَكُلِّ ٱلْمَسْكُونَةِ لِتَجْمَعَهُمْ لِقِتَالِ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ، يَوْمِ ٱللّٰهِ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. «هَا أَنَا آتِي كَلِصٍّ. طُوبَى لِمَنْ يَسْهَرُ وَيَحْفَظُ ثِيَابَهُ لِئَلاَّ يَمْشِيَ عُرْيَاناً فَيَرَوْا عُرْيَتَهُ». فَجَمَعَهُمْ إِلَى ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي يُدْعَى بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ «هَرْمَجَدُّونَ» .

ثُمَّ سَكَبَ ٱلْمَلاَكُ ٱلسَّابِعُ جَامَهُ عَلَى ٱلْهَوَاءِ، فَخَرَجَ صَوْتٌ عَظِيمٌ مِنْ هَيْكَلِ ٱلسَّمَاءِ مِنَ ٱلْعَرْشِ قَائِلاً: «قَدْ تَمَّ!» فَحَدَثَتْ أَصْوَاتٌ وَرُعُودٌ وَبُرُوقٌ. وَحَدَثَتْ زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ يَحْدُثْ مِثْلُهَا مُنْذُ صَارَ ٱلنَّاسُ عَلَى ٱلأَرْضِ، زَلْزَلَةٌ بِمِقْدَارِهَا عَظِيمَةٌ هٰكَذَا. وَصَارَتِ ٱلْمَدِينَةُ ٱلْعَظِيمَةُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ، وَمُدُنُ ٱلأُمَمِ سَقَطَتْ، وَبَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ ذُكِرَتْ أَمَامَ ٱللّٰهِ لِيُعْطِيَهَا كَأْسَ خَمْرِ سَخَطِ غَضَبِهِ. وَكُلُّ جَزِيرَةٍ هَرَبَتْ وَجِبَالٌ لَمْ تُوجَدْ. وَبَرَدٌ عَظِيمٌ، نَحْوُ ثِقَلِ وَزْنَةٍ، نَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى ٱلنَّاسِ. فَجَدَّفَ ٱلنَّاسُ عَلَى ٱللّٰهِ مِنْ ضَرْبَةِ ٱلْبَرَدِ، لأَنَّ ضَرْبَتَهُ عَظِيمَةٌ جِدّاً» (سفر الرؤيا 16: 13-21).

«وَٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ هِيَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكاً بَعْدُ، لٰكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ ٱلْوَحْشِ. هٰؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْيٌ وَاحِدٌ، وَيُعْطُونَ ٱلْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ. هٰؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ ٱلْحَمَلَ، وَٱلْحَمَلُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ ٱلأَرْبَابِ وَمَلِكُ ٱلْمُلُوكِ، وَٱلَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُّوُونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ» (سفر الرؤيا 17: 12-14).

«ثُمَّ رَأَيْتُ ٱلسَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ وَٱلْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِيناً وَصَادِقاً، وَبِٱلْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِلاَّ هُوَ. وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ «كَلِمَةَ ٱللّٰهِ». وَٱلأَجْنَادُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْلٍ بِيضٍ، لاَبِسِينَ بَّزاً أَبْيَضَ وَنَقِيّاً. وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ لِكَيْ يَضْرِبَ بِهِ ٱلأُمَمَ. وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ، وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ ٱللّٰهِ ٱلْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ ٱلْمُلُوكِ وَرَبُّ ٱلأَرْبَابِ». وَرَأَيْتُ مَلاَكاً وَاحِداً وَاقِفاً فِي ٱلشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً لِجَمِيعِ ٱلطُّيُورِ ٱلطَّائِرَةِ فِي وَسَطِ ٱلسَّمَاءِ: «هَلُمَّ ٱجْتَمِعِي إِلَى عَشَاءِ ٱلإِلٰهِ ٱلْعَظِيمِ، لِكَيْ تَأْكُلِي لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُّوَادٍ، وَلُحُومَ أَقْوِيَاءَ، وَلُحُومَ خَيْلٍ وَٱلْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ ٱلْكُلِّ حُرّاً وَعَبْداً صَغِيراً وَكَبِيراً» .

و َرَأَيْتُ ٱلْوَحْشَ وَمُلُوكَ ٱلأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ لِيَصْنَعُوا حَرْباً مَعَ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ. فَقُبِضَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَٱلنَّبِيِّ ٱلْكَذَّابِ مَعَهُ، ٱلصَّانِعُ قُدَّامَهُ ٱلآيَاتِ ٱلَّتِي بِهَا أَضَلَّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ ٱلْوَحْشِ وَٱلَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ ٱلٱثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ ٱلْمُتَّقِدَةِ بِٱلْكِبْرِيتِ. وَٱلْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْفَرَسِ ٱلْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ ٱلطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ» (سفر الرؤيا 19: 11-21).

«وَرَأَيْتُ مَلاَكاً نَازِلاً مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ ٱلْهَاوِيَةِ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ. فَقَبَضَ عَلَى ٱلتِّنِّينِ، ٱلْحَيَّةِ ٱلْقَدِيمَةِ، ٱلَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَٱلشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ، وَطَرَحَهُ فِي ٱلْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ لِكَيْ لاَ يُضِلَّ ٱلأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ حَتَّى تَتِمَّ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ. وَبَعْدَ ذٰلِكَ لاَ بُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَاناً يَسِيراً... ثُمَّ مَتَى تَمَّتِ ٱلأَلْفُ ٱلسَّنَةِ يُحَلُّ ٱلشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ، وَيَخْرُجُ لِيُضِلَّ ٱلأُمَمَ ٱلَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا ٱلأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيَجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، ٱلَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ ٱلْبَحْرِ. فَصَعِدُوا عَلَى عَرْضِ ٱلأَرْضِ، وَأَحَاطُوا بِمُعَسْكَرِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَبِٱلْمَدِينَةِ ٱلْمَحْبُوبَةِ، فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ مِنَ ٱلسَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ. وَإِبْلِيسُ ٱلَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ وَٱلْكِبْرِيتِ، حَيْثُ ٱلْوَحْشُ وَٱلنَّبِيُّ ٱلْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَاراً وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (سفر الرؤيا 20: 1-3 و7-10).

أشرنا فيما سلف من الفصل الأول (فقرة ط) إلى القوى الدولية التي ستتجمع في فلسطين في الثلاث سنوات والنصف الثانية من السبع سنوات الأخيرة من هذا الدهر. وبهذا الصدد يخبرنا سفر الرؤيا (16: 13-16) أن أرواح الشياطين المنبعثة من أفواه «التنين» و «الوحش» و «النبي الكذاب»، هي التي تجمع «ملوك العالم وكل المسكونة... لقتال ذلك اليوم العظيم، يوم اللّه القادر على كل شيء». والحال أن اللّه هو الذي يجمعهم... ويجمعهم إلى «معصرة غضب اللّه العظيمة» (راجع نبوة حزقيال 39: 2-4 ونبوة إشعياء 63: 1-6 وسفر الرؤيا 14: 19). لأن هذه السنوات الثلاث والنصف هي الحقبة المعروفة في الكتاب المقدس «بيوم الرب العظيم المخوف» (نبوة يوئيل 2: 31)، و «يوم انتقام إلهنا» (نبوة إشعياء 59: 17 ، 19 و61: 2 ، وراجع أيضاً رسالة تسالونيكي الثانية 1: 8)، ويوم «غضبه» و «سخطه» و «خوفه» (سفر الرؤيا 15: 1 و6: 16 ونبوة حبقوق 3: 8-13 ونبوة إشعياء 66: 15 و26: 20 و2: 10)، «اليوم المتقد كالتنور» (نبوة ملاخي 4: 1) - «اليوم العظيم، يوم اللّه القادر على كل شيء» (سفر الرؤيا 16: 14).

تحت تأثير الضربات الساحقة التي لا هوادة فيها من سلسلة النقمات الإلهية المروعة التي تجري في هذه الحقبة، ستتهشم آخر محاولة غاشمة من المقاومات الشيطانية ضد اللّه القادر على كل شيء، ويتلاشى إلى الأبد كل تحدٍ وتجديف يقوم بهما الوحش، ضد المسيح. فسترتجف الكرة الأرضية تحت تأثير هزات لم يسبق لها مثيل وستمطر السماء ناراً ودماراً، وتختفي مساحات واسعة عن وجه الأرض. وسيسقط إلى الأبد ذلك البناء القديم، بناء الإعتداد بالذات، الذي شيَّده الإنسان بكبريائه واكتفائه بنفسه.

وستجري الدماء كنهر طوله كافٍ للجريان من شمال فلسطين إلى جنوبها تقريباً (راجع سفر الرؤيا 14: 20). وليس دائس «المعصرة» الوارد ذكره إلا المسيح! فهو الذي «يدوس معصرة خمر سخط وغضب اللّه القادر على كل شيء» (راجع سفر الرؤيا 19: 15 ونبوة إشعياء 63: 1-6).

وتؤكد لنا كلمة الوحي بكل يقين أن الرب الإله (يهوه اللّه، الرب يسوع المسيح) قادر أن يهلك الناس، وسوف يقوم بذلك بطريقة تقشعرّ بها الأبدان، لا تترك وراءها أصلاً ولا فرعاً، إذا ما حان الوقت لذلك. ويقدم لنا سفر الرؤيا الرب يسوع المسيح (19: 11-21)، وهو جالس على فرس أبيض، مخترقاً العالم الأثيري، قادماً نحو الأرض «بالعدل»، ليحكم وليحارب.

«إن حكمة اللّه وأمانته، وغنى لطفه وإمهاله نحو الإنسان عبر الألوف من السنين التي خلت لم ينشئ في الإنسان سوى روح الثورة والإنزعاج، والإستياء لتداخل اللّه في أموره. وليس من واجب اللّه أن يتمهل أكثر، إذ لا يكون ذلك من خير البشرية، كما أنه لا يكون متوافقاً مع سلطانه الإلهي وقداسته».

ولذلك، فلا بد من يوم يعلن فيه غضبه (راجع سفر الرؤيا 6: 17). ولكن حتى في هذا اليوم، يقدم إنذاراً، وإنذاراً مضاعفاً.

فالأول: البشارة الأبدية، أو بالحري بشارة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، الأزلي الأبدي، الذي بواسطته صنعت «ٱلسَّمَاءِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْبَحْرِ وَيَنَابِيعِ ٱلْمِيَاهِ» (راجع سفر الرؤيا 14: 6-7). وسينادي بهذه البشارة من السماء، ولا يكون المبشر بها سوى ملاك. وليست هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها عن التبشير بواسطة ملاك. فقد بشر الرعاة ملاك من السماء (راجع بشارة لوقا 2: 8-14)، وقال بولس الرسول بإمكانية التبشير بواسطة ملاك أيضاً (راجع رسالة غلاطية 1: 8).

الثاني: تهديد خاص مذاع بصوت عظيم في جميع أنحاء العالم، مدركاً بحاسة السمع في الإنسان، ينذر بالنتائج المروعة التي تنتظر الذين لهم أية علاقة بالوحش في الأمور التي يتطلبها، مثل عبادته، وعبادة تمثاله، وقبول سمته على جباههم أو أيديهم. لأن علاقة كهذه نتيجتها، (1) هلاك مباغت تحت غضب اللّه. (2) الحكم أمام عرشه العظيم الأبيض بعذاب أبدي بنار وكبريت (راجع سفر الرؤيا 14: 9-10).

ولكن من طبيعة «ضد المسيح» أن يتحدى اللّه ومسيحه. فسيشير بازدراء لاذع إلى «علامة إبن الإنسان» في سماء أجوائنا (راجع بشارة متى 24: 30)، وهي العلامة التي ستظهر خلال السبع السنوات التابعة للتغيير الدراماتيكي الذي سيحدث في سيادة سموات أرضنا، كما أشرنا في الفقرة (ب) من هذا الفصل. ولا بد أن هذه العلامة ستبقى حتى تطأ قدما الرب يسوع المسيح جبل الزيتون في مجيئه الثاني (راجع نبوة زكريا 14: 4).

ويقول «ضد المسيح»، الوحش: أنا هو القيامة من الأموات، كما إني واقف على الأرض أمامكم، وليس في السماء بعيداً عنكم. أما هذه العلامة التي ترونها حائمة في الجو، فليست إلا مظهراً من مظاهر الطبيعة.

وفضلاً عن ذلك، فإن الكل سيشهد أن الوحش قد صعد حقاً من الهاوية (راجع سفر الرؤيا 11: 7).

وقد سبق ورأينا في الفقرة (ج) من هذا الفصل أن مجيء «الوحش» هو «بعمل الشيطان» (رسالة تسالونيكي الثانية 2: 9)، وإلا فكيف يتمكن الوحش بواسطة وكيله «الوحش الآخر» أن يعمل القوات والآيات والمعجزات الكاذبة التي بها يباري تلك التي عملها الشاهدان السابق ذكرهما؟

وسيكون مجيء «الوحش» تكميلاً للمعصية (راجع نبوة دانيال 9: 24)، وتتميماً لثورة الشيطان على مرّ الدهور ضد حكم اللّه، الإله الأزلي الفائق الوصف، وسيادته في إبنه الرب يسوع المسيح، الرب الإله. كما أن مجيء «ضد المسيح» سيكون في الوقت المناسب لتقديم الفرصة الأخيرة للعالم لاختيار من يعبده. إلا أن العالم قد قرر منذ القديم ماذا يكون موقفه تجاه إبن اللّه. فقد قال: «لا نريد أن هذا يملك علينا» (بشارة لوقا 19: 14) - وهكذا، فإن العالم يختار «السوبرمان»، الشخص العامل المعجزات ورئيسه، «التنين». ويقولون: / «مَنْ هُوَ مِثْلُ ٱلْوَحْشِ؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحَارِبَهُ؟» (سفر الرؤيا 13: 4)، وهم لا يقصدون بذلك: من يستطيع بقوته الذاتية الإعتماد على المسيح، إبن اللّه؟. وبذلك تحقق قول الوحي: «لأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا مَحَبَّةَ ٱلْحَقِّ حَتَّى يَخْلُصُوا. سَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ ٱللّٰهُ عَمَلَ ٱلضَّلاَلِ، حَتَّى يُصَدِّقُوا ٱلْكَذِبَ، لِكَيْ يُدَانَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ لَمْ يُصَدِّقُوا ٱلْحَقَّ، بَلْ سُرُّوا بِٱلإِثْمِ» (رسالة تسالونيكي الثانية 2: 10-12).

وما يلاحظ هنا بصفة خاصة هو أن «الوحش»، مع أنه ينكر على الإنسان الوجدان بوجود اللّه، إلا أنه يحوّل العبادة للّه إلى عبادة لنفسه هو. فبينما نقرأ في نبوة دانيال (11: 37) أنه «لا يبالي بآلهة آبائه»، أو بالحري، لا يبالي بالوجدان بوجود معبود الذي توارثه عن أسلافه لمجرد كونه إنساناً، إلا أننا نقرأ في رسالة تسالونيكي الثانية (2: 4) أنه «يجلس في هيكل اللّه (أي الهيكل الأرضي) كإله، مظهراً نفسه أنه إله». ونقرأ في سفر الرؤيا (13: 8) أنه «سيسجد له جميع الساكنين على الأرض الذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم في سفر حياة الحمل الذي ذبح».

ولكن «الوحش» سيكون مزوداً بقدرة شيطانية لا مثيل لها لكي يجدف على اللّه نفسه تجديفاً لا يتصوره العقل. فنقرأ في رسالة تسالونيكي الثانية (2: 4) أنه «المقاوم والمرتفع على كل ما يدعى إلهاً أو معبوداً». ونقرأ في نبوة دانيال (11: 36) أنه «يرتفع ويتعظم على كل إله ويتكلم بأمور عجيبة على إله الآلهة». بينما نقرأ في سفر الرؤيا (13: 6) أنه يفتح فمه «بالتجاديف على اسمه (أي، إسم اللّه) وعلى مسكنه وعلى الساكنين في السماء».

ومما تقدم يتضح لنا أنه مهما تحاشت ديانات الإنسان وحشية العبادة للأوثان وظلمة الإتصال الملعون بالأرواح الشريرة، ومهما ارتقت أفكار الإنسان من جهة وحدانية اللّه، سواء أكان هذا الإنسان من أهل الشريعة أم الزهد أم الصوفية، فإنه ما لم يسكن في حضرة القدوس، وما لم يحصل من قبل على علاقة حية مع اللّه على أساس الإيمان بإبنه، الرب يسوع المسيح، معتمداً كل الإعتماد على فاعلية العمل الفدائي العظيم الذي عمله بالدم الذي سفكه على الصليب لأجله، أو بالحري ما لم يكن مكتوباً «منذ تأسيس العالم في سفر الحمل الذي ذبح»، فإن ديانته في ذلك اليوم ستلحق بسواها من الديانات الطبيعية وستتحد معها في عبادة «الوحش». وسيقبل «سمته» على يده اليمنى أو على جبهته وبئس المصير!

كما أن التحزب الديني الوحيد في ذلك اليوم سيكون موجهاً ضد قديسي اللّه المذكورين في سفر الرؤيا (13: 7-8). ولكن وسط محنتهم المرة وتحت تجربتهم المحرقة سيعرف قديسي ذلك الوقت أن «الوحش» ليس إلا مخلوقاً محدوداً بالزمان والمكان. وأنه مهما تمادى شرّه وازدهر شأنه، فلا يزال عدد إسمه «عدد إنسان» (أي 6) الذي لا يمكنه أن يصل إلى عدد 7 ، أو بالحري عدد الكمال. وتكرار هذا العدد في ثالوث الشر الذي يمثله (أي 666)، لا تكون نتيجته إلا زيادة الفارق بين المحدود وغير المحدود، والزائل وغير الزائل، والمخلوق والخالق.

وليس «يوم الرب» إلا «المفصلة» التي عليها يدور باب اللّه العظيم، فيغلق إلى الأبد على الدهر الحاضر الشرير وينفتح على مصراعيه الدهر المجيد الآتي - دهر حكم المسيح الألفي وكل ما ورائه من مجد أبدي!

مُلحق: النكبات الكونية بالنسبة للدينونة الإلهية

مع أن العدد الثاني من الإصحاح الأول من سفر التكوين الذي نصه: «وكانت الأرض خربة وخالية»، قد يشير إلى مرحلة رتيبة من تطور الأرض، وإن العبارة «خربة وخالية» قد تشير إلى المادة الأصلية الغازية التي لا شكل لها والتي تكونت الأرض منها، إلا أن الأرجح أن هذه العبارة تشير إلى حال من الفوضى تسببت عن نكبة مخربة صاحبت عمل العدل الإلهي المقابل لثورة الشيطان الكونية، لأن النكبات احتلت مكاناً بارزاً في تاريخ الأرض. وهذه الحقيقة تفرض نفسها اليوم على العلماء الذين يقولون بالنشوء والإرتقاء، ويحاولون أن يتغاضوا عن موضوع «النكبات» برمته. لأن نظرية النكبات تهدم نظرياتهم التي تقول بتطور الأرض وما عليها تطوراً جيولوجياً وبيولوجياً رتيباً بطيئاً، عبر ملايين الملايين من السنين. إلا أن البينات على حدوث نكبات أرضية مسطرة بأحرف بارزة على طبقات الأرض الجيولوجية التي تحمل إمارات الفوضى وعدم الترتيب. كما أن الحفريات من بقايا متحجرة لعصر الزحافات الذي سبق عصر الإنسان على الأرض، إن هي إلا مقبرة ضخمة لوحوش هائلة هلكت فجأة، الأمر الذي يدل بوضوح على أن نكبة حلت بالأرض وقتئذٍ.

وبالإضافة إلى الأدلة الجيولوجية وما يتعلق بالبقايا المتحجرة، فهناك أدلة كونية عديدة تدعم فكرة حدوث إنقلابات فضائية في مجموعتنا الشمسية، منها التقارب الذي حدث بين الأرض وبين الأجرام السماوية الأخرى والذي أثر تأثيراً عظيماً في تاريخ الأرض وفي نمو الحياة عليها. ويقول مؤيدو نظرية النكبات أن تقارباً كهذا بين الأرض وبين الأجرام السماوية الأخرى يسبب تفاعلات مغناطيسية تلقي، بدورها، فوضى في دوران الأرض الرتيب، ويترتب على ذلك أن يضطرب باطن الأرض (الذي يشبه عجينة منصهرة تدور دوراناً مركزيا طارداً). وكان من البديهي أن يسفر ذلك عن التواءات عظيمة في القشرة الأرضية وبروز سلاسل جبال ضخمة عليها وجذب مياه المحيط كموج عظيم بحجم القارات على سطحها. ويقولون أن هذا هو ما حدث أيضاً عندما أغرقت الأرض في أيام نوح الشريرة. فقد سجل الوحي أنه في يوم الطوفان «انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم»، كما سجل أن «ٱنْفَتَحَتْ طَاقَاتُ ٱلسَّمَاءِ» (سفر التكوين 7: 11)، فانسكبت المياه الهائلة التي كانت موجودة وقتئذٍ في الجو في هيئة أبخرة.

ومنذ ست سنوات (1) (سنة 1963) عادت سفينة الفضاء الأمريكية «مارينى الثانية» من رحلتها الإستطلاعية بمعلومات مثيرة للذين ينادون بنظرية التطور الرتيب. فقد أنبأتنا أن كوكب الزهرة تبلغ حرارته 800 درجة بمقياس فهرنهيت!! وهذا ما قاله العلامة عمانوئيل فيلكوفسكي منذ أربعة عشر عاماً في كتابه «عوالم تتصادم»..! وقد قال هذا العلامة أيضاً أنه في عصور حديثة نسبياً انفصل كوكب الزهرة عن كوكب المشتري، وقبل أن يستقر في مداره الحالي اقترب مرتين من الأرض جاراً وراءه أذناباً من الغازات والشرار الملتهب، وكان الإقتراب الأخير منها حوالي سنة 1000 ق. م. - فهل يا ترى، استخدم اللّه القدير جزءاً من تلك الأذناب النارية المنبعثة من كوكب الزهرة في أحد تقاربه من الأرض، لتحرق مدينتي سدوم وعمورة عندما هبط عليهما الكبريت والنار، بسبب شرهما، كما نقرأ في سفر التكوين (19: 24-25)؟ وهل كان تفاعلاً مغناطيسياً نتج عن اقتراب آخر كالذي ذكرناه آنفاً، هو الذي استخدمه اللّه بعد ذلك لإيقاف دوران الأرض عندما «دامت الشمس» أكثر من الوقت المحدد لها في أيام يشوع إبن نون (سفر يشوع 10: 10-14)؟

ربما كان ذلك هو ما حدث، وربما لم يكن، بحسب ما شاء اللّه أن يكون، فهو في أمر الدينونة، كما في كل أمر آخر، «يَعْمَلُ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ» (أفسس 1: 11)، فهو في لحظة واحدة قد يخرب الكون الذي خلقه، وفي أقل من ذلك قد يعيده إلى الوجود ثانية - أما ما نعرفه بكل يقين هو أن هناك نكبات مخربة عتيدة أن تحل بالكون عند إنزال دينونة اللّه في يوم الدين الآتي عن قريب.

-كلمة الوحي -

«وَأَمَّا فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ بَعْدَ ذٰلِكَ ٱلضِّيقِ، فَٱلشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَٱلْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَنُجُومُ ٱلسَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ، وَٱلْقُّوَاتُ ٱلَّتِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُّوَةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ، فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاءِ» (بشارة مرقس 13: 24-27).

«وَلٰكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي ٱللَّيْلِ، يَوْمُ ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي فِيهِ تَزُولُ ٱلسَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ ٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ ٱلأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا. فَبِمَا أَنَّ هٰذِهِ كُلَّهَا تَنْحَلُّ، أَيَّ أُنَاسٍ يَجِبُ أَنْ تَكُونُوا أَنْتُمْ فِي سِيرَةٍ مُقَدَّسَةٍ وَتَقْوَى؟ مُنْتَظِرِينَ وَطَالِبِينَ سُرْعَةَ مَجِيءِ يَوْمِ ٱلرَّبِّ، ٱلَّذِي بِهِ تَنْحَلُّ ٱلسَّمَاوَاتُ مُلْتَهِبَةً، وَٱلْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً تَذُوبُ» (رسالة بطرس الثانية 3: 10-12).

الفصل الثالث ... في عالم الإنسان

رأينا في الفصل الأول، بدء حكم الأمم بنشاط الإنسان الثائر ضد سيادة الرب الإله (الرب يسوع المسيح، الكلمة الأزلي). ولقد تبلور عن هذا الحكم نظام «علم الإنسان» المتعشش فيه كل نوع من حركات سرية خبيثة، منها حركات مصبوغة بصبغة دينية.

(أ) الكشف عن الحركة الدينية - العالمية التي عملت منذ البداية في عالم الإنسان.

- كلمة الوحي -

«فَمَضَى بِي بِٱلرُّوحِ إِلَى بَرِّيَّةٍ، فَرَأَيْتُ ٱمْرَأَةً جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ قِرْمِزِيٍّ مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْدِيفٍ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ. وَٱلْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ، وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِهَا مَمْلُّوَةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَاتِ زِنَاهَا، وَعَلَى جِبْهَتِهَا ٱسْمٌ مَكْتُوبٌ: «سِرٌّ. بَابِلُ ٱلْعَظِيمَةُ أُمُّ ٱلّزَوَانِي وَرَجَاسَاتِ ٱلأَرْضِ». وَرَأَيْتُ ٱلْمَرْأَةَ سَكْرَى مِنْ دَمِ ٱلْقِدِّيسِينَ وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا تَعَجُّباً عَظِيماً» (سفر الرؤيا 17: 3-6).

تشير «بابل العظيمة» إلى تلك الحركة الدينية - العالمية الخبيثة التي تعششت في النظام العالمي منذ البداية. وهي الحركة الملحوظة في نظام مملكة نمرود، مؤسس بابل بعد وفاة نوح، حتى أصبحت مدينته عنوناً للحركة الدينية - العالمية المشار إليها. كما أنه نشأت في حضن هذه الحركة الخبيثة عبادة الأبالسة والأوثان، وكل نوع من تعاليم الشياطين والرجاسات والنجاسات، وهي دائبة على صرف العباد عن الإتكال الحبي على اللّه في الإيمان الطاهر بإبنه، الرب يسوع المسيح، وعلى سفك دماء الذين يعتمدون كل الإعتماد عليه وعلى دم العهد الأبدي، أو بالحري دم عهد الدهور الذي سفكه المسيح قبل ألفي عام تقريباً على صليب الجلجثة لأجلهم.

(ب) تجريد تلك الحركة الدينية - العالمية من صورتها التقوية تحت حكم «الوحش» الآتي، وأبادتها من الوجود.

- كلمة الوحي -

«ثُمَّ قَالَ لِيَ: «ٱلْمِيَاهُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ حَيْثُ ٱلّزَانِيَةُ جَالِسَةٌ هِيَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ. وَأَمَّا ٱلْعَشَرَةُ ٱلْقُرُونُ ٱلَّتِي رَأَيْتَ عَلَى ٱلْوَحْشِ فَهٰؤُلاَءِ سَيُبْغِضُونَ ٱلّزَانِيَةَ، وَسَيَجْعَلُونَهَا خَرِبَةً وَعُرْيَانَةً، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُحْرِقُونَهَا بِٱلنَّارِ. لأَنَّ ٱللّٰهَ وَضَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ، وَأَنْ يَصْنَعُوا رَأْياً وَاحِداً، وَيُعْطُوا ٱلْوَحْشَ مُلْكَهُمْ حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ ٱللّٰهِ» (سفر الرؤيا 17: 15-17).

«ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتاً آخَرَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ قَائِلاً: «ٱخْرُجُوا مِنْهَا يَا شَعْبِي لِئَلاَّ تَشْتَرِكُوا فِي خَطَايَاهَا، وَلِئَلاَّ تَأْخُذُوا مِنْ ضَرَبَاتِهَا. لأَنَّ خَطَايَاهَا لَحِقَتِ ٱلسَّمَاءَ، وَتَذَكَّرَ ٱللّٰهُ آثَامَهَا» (سفر الرؤيا 18: 4-5).

(ويجدر بالقارئ أيضاً مراجعة سفر الرؤيا من 16: 17 إلى 19: 7).

لقد لعبت هذه الحركة البابلية السرية دوراً خطيراً في تاريخ أمم العالم منذ البداية. فعملت «بابل العظيمة» في أماكن متباينة وأوقات مختلفة، تارة مستترة، وأخرى ظاهرة في تأثيرها على حكام عظام وملوك جبابرة. ومع أنها تظهر في أزياء دينية، إلا أنها دائماً تعتزّ بقوة جسدية عالمية، كما تعتزّ زانية مستهترة بقوة محبيها.

وستظهر حركة «بابل العظيمة» بطريقة خاصة في الأيام الأخيرة عند المنتهى. فستعزّز «الزانية» مركزها في أول الضيقة العظيمة بواسطة أضافة سيطرتها «الدينية» إلى سيطرة «الوحش» السياسية العالمية العاملة على توحيد العالم وتجنيد النفوس التي فيه. غير أن هذه المناورة ستكون آخر مغامرات هذه الزانية. لأن اللّه سيضع في قلوب «الوحش» و «قرونه» أو بالحري وملوكه «أن يصنعوا رأيه وأن يصنعوا رأياً واحداً». وعليه، «يحرقونها بالنار» (راجع سفر الرؤيا 17: 15-17).

وبهذه المناسبة، لا بد من الإشارة إلى وجود بوادر حركة مضادة لكافة الحركات الدينية، أخذت تظهر في عالم اليوم. بيد أن الإيمان الشخصي بالإله الحي سيبقى إلى الأبد محفوظاً من شر أية حركة مضادة له، كما أنه محفوظ أيضاً من شر «بابل العظيمة» التس سينتقم اللّه لدم عبيده من يدها.

ولذلك، فالإنذار الخطير المقدّم في سفر الرؤيا (18: 4-5) لشعب اللّه في محله تماماً: «... أخرجوا منها، يا شعبي، لئلا تشتركوا في خطاياها ولئلا تأخذوا من ضرباتها».

إن أولاد اللّه الحقيقيين يتجنبون أية شركة مع أية حركة تعتمد أي اعتماد على نظام هذا العالم وحكمته الملعونة التي لا تتفق مع حكمة اللّه التي «في سرّ» (راجع رسالة كورنثوس الأولى 2: 6-8) (1) (للوقوف على المقصود من كلمة «سر» راجع الفصل التالي فقرة (أ))، سر الإيمان، إيمان إبن اللّه، ولا تتماشى مع «الفكر الذي في المسيح يسوع...» (راجع رسالة فيلبي 2: 5-11). إن شركة أولاد اللّه هي في الروح القدس «مع الآب ومع إبنه يسوع المسيح» (راجع رسالة يوحنا الأولى 1: 3) مع كل من يخضع خضوعاً تاماً لإيمان إبن اللّه، ودون أن يؤخذوا بأية حركة دينية مهما ظهرت تلك الحركة بأي مظهر عظيم.

(ج) الكنيسة هي الحركة الدينية الوحيدة التي يعترف بها اللّه، وهي قائمة على شركة في الروح القدس بين أبناء اللّه بالإيمان بالمسيح يسوع في كل العصور.

- كلمة الوحي -

«قَدْ أَتَيْتُمْ... إِلَى مَدِينَةِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ: أُورُشَلِيمَ ٱلسَّمَاوِيَّةِ، وَإِلَى رَبَوَاتٍ هُمْ مَحْفِلُ مَلاَئِكَةٍ، وَكَنِيسَةِ أَبْكَارٍ مَكْتُوبِينَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، وَإِلَى ٱللّٰهِ دَيَّانِ ٱلْجَمِيعِ، وَإِلَى أَرْوَاحِ أَبْرَارٍ مُكَمَّلِينَ، وَإِلَى وَسِيطِ ٱلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ: يَسُوعَ، وَإِلَى دَمِ رَشٍّ يَتَكَلَّمُ أَفْضَلَ مِنْ هَابِيلَ» (رسالة العبرانيين 12: 22-24).

«وَلِشِيثَ أَيْضاً وُلِدَ ٱبْنٌ فَدَعَا ٱسْمَهُ أَنُوشَ. حِينَئِذٍ ٱبْتُدِئَ أَنْ يُدْعَى بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ» (سفر التكوين 4: 26).

«... لكَيْ تَعْلَمَ كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي بَيْتِ ٱللّٰهِ، ٱلَّذِي هُوَ كَنِيسَةُ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ، عَمُودُ ٱلْحَقِّ وَقَاعِدَتُهُ» (رسالة تيموثاوس الأولى 3: 15).

«وَظَهَرَتْ آيَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ٱلسَّمَاءِ: ٱمْرَأَةٌ مُتَسَرْبِلَةٌ بِٱلشَّمْسِ، وَٱلْقَمَرُ تَحْتَ رِجْلَيْهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا إِكْلِيلٌ مِنِ ٱثْنَيْ عَشَرَ كَوْكَباً، وَهِيَ حُبْلَى تَصْرُخُ مُتَمَخِّضَةً وَمُتَوَجِّعَةً لِتَلِدَ. وَظَهَرَتْ آيَةٌ أُخْرَى فِي ٱلسَّمَاءِ: هُوَذَا تِنِّينٌ عَظِيمٌ أَحْمَرُ لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ، وَعَلَى رُؤُوسِهِ سَبْعَةُ تِيجَانٍ. وَذَنَبُهُ يَجُرُّ ثُلْثَ نُجُومِ ٱلسَّمَاءِ فَطَرَحَهَا إِلَى ٱلأَرْضِ. وَٱلتِّنِّينُ وَقَفَ أَمَامَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلْعَتِيدَةِ أَنْ تَلِدَ حَتَّى يَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ. فَوَلَدَتِ ٱبْناً ذَكَراً عَتِيداً أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ ٱلأُمَمِ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ. وَٱخْتُطِفَ وَلَدُهَا إِلَى ٱللّٰهِ وَإِلَى عَرْشِهِ، وَٱلْمَرْأَةُ هَرَبَتْ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ حَيْثُ لَهَا مَوْضِعٌ مُعَدٌّ مِنَ ٱللّٰهِ لِكَيْ يَعُولُوهَا هُنَاكَ أَلْفاً وَمِئَتَيْنِ وَسِتِّينَ يَوْماً.

و َحَدَثَتْ حَرْبٌ فِي ٱلسَّمَاءِ: مِيخَائِيلُ وَمَلاَئِكَتُهُ حَارَبُوا ٱلتِّنِّينَ. وَحَارَبَ ٱلتِّنِّينُ وَمَلاَئِكَتُهُ وَلَمْ يَقْوُوا، فَلَمْ يُوجَدْ مَكَانُهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلسَّمَاءِ. فَطُرِحَ ٱلتِّنِّينُ ٱلْعَظِيمُ، ٱلْحَيَّةُ ٱلْقَدِيمَةُ ٱلْمَدْعُّوُ إِبْلِيسَ وَٱلشَّيْطَانَ، ٱلَّذِي يُضِلُّ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ - طُرِحَ إِلَى ٱلأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ. وَسَمِعْتُ صَوْتاً عَظِيماً قَائِلاً فِي ٱلسَّمَاءِ: «ٱلآنَ صَارَ خَلاَصُ إِلٰهِنَا وَقُدْرَتُهُ وَمُلْكُهُ وَسُلْطَانُ مَسِيحِهِ، لأَنَّهُ قَدْ طُرِحَ ٱلْمُشْتَكِي عَلَى إِخْوَتِنَا ٱلَّذِي كَانَ يَشْتَكِي عَلَيْهِمْ أَمَامَ إِلٰهِنَا نَهَاراً وَلَيْلاً. وَهُمْ غَلَبُوهُ بِدَمِ ٱلْحَمَلِ وَبِكَلِمَةِ شَهَادَتِهِمْ، وَلَمْ يُحِبُّوا حَيَاتَهُمْ حَتَّى ٱلْمَوْتِ. مِنْ أَجْلِ هٰذَا ٱفْرَحِي أَيَّتُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلسَّاكِنُونَ فِيهَا. وَيْلٌ لِسَاكِنِي ٱلأَرْضِ وَٱلْبَحْرِ، لأَنَّ إِبْلِيسَ نَزَلَ إِلَيْكُمْ وَبِهِ غَضَبٌ عَظِيمٌ، عَالِماً أَنَّ لَهُ زَمَاناً قَلِيلاً» .

وَلَمَّا رَأَى ٱلتِّنِّينُ أَنَّهُ طُرِحَ إِلَى ٱلأَرْضِ، ٱضْطَهَدَ ٱلْمَرْأَةَ ٱلَّتِي وَلَدَتْ ٱلٱبْنَ ٱلذَّكَرَ، فَأُعْطِيَتِ ٱلْمَرْأَةُ جَنَاحَيِ ٱلنَّسْرِ ٱلْعَظِيمِ لِكَيْ تَطِيرَ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، حَيْثُ تُعَالُ زَمَاناً وَزَمَانَيْنِ وَنِصْفَ زَمَانٍ مِنْ وَجْهِ ٱلْحَيَّةِ. فَأَلْقَتِ ٱلْحَيَّةُ مِنْ فَمِهَا وَرَاءَ ٱلْمَرْأَةِ مَاءً كَنَهْرٍ لِتَجْعَلَهَا تُحْمَلُ بِٱلنَّهْرِ. فَأَعَانَتِ ٱلأَرْضُ ٱلْمَرْأَةَ وَفَتَحَتِ ٱلأَرْضُ فَمَهَا وَٱبْتَلَعَتِ ٱلنَّهْرَ ٱلَّذِي أَلْقَاهُ ٱلتِّنِّينُ مِنْ فَمِهِ. فَغَضِبَ ٱلتِّنِّينُ عَلَى ٱلْمَرْأَةِ، وَذَهَبَ لِيَصْنَعَ حَرْباً مَعَ بَاقِي نَسْلِهَا ٱلَّذِينَ يَحْفَظُونَ وَصَايَا ٱللّٰهِ، وَعِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (سفر الرؤيا الإصحاح الثاني عشر بكامله).

«لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ ٱلْمَجْدَ، لأَنَّ عُرْسَ ٱلْحَمَلِ قَدْ جَاءَ، وَٱمْرَأَتُهُ (كنيسته) هَيَّأَتْ نَفْسَهَا. وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَّزاً نَقِيّاً بَهِيّاً، لأَنَّ ٱلْبَّزَ هُوَ تَبَرُّرَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ» (سفر الرؤيا 19: 7-8).

إن الأصحاح الثاني عشر من سفر الرؤيا المدوّن فيما سلف، هو أحد أقسام هذا السفر العجيب التي تقدم لنا صورة العوامل العاملة خلف مجرى الدينونة الأخيرة التي ستنصب على الشيطان وأعوانه. فكأن هذا الإصحاح الثاني عشر هو «على الهامش» بالنسبة لسلسلة الضربات الرتيبة التي تحتوي عليها الإصحاحات من السادس إلى العشرين، وهو يكشف لنا شيئاً عن موقف الشيطان وتصميماته الشريرة التي درسناها في الفصل السابق. وقد دوّنا هذا الإصحاح الثاني عشر بكامله هنا لأن فيه يكمن الكثير من التعليم الخاص بمكانة الكنيسة أثناء الضيقة العظيمة.

فمقابل «بابل العظيمة» المرأة الزانية المستهترة الممقوتة، تقف إمرأة الإصحاح الثاني عشر من سفر الرؤيا التي تقدم لنا صورة إمرأة فاضلة وقور. ومع أن هذه ترى على الأرض - في البرية بالفعل (لاحظ سفر الرؤيا 12: 6) حيث صرفت الكنيسة أجيال غربتها، مضطهدة ومحاطة بالضعف ومنقسمة إلى طوائف متعددة كاد الكثير منها يفقد قوامه الروحي - إلا أن قضيتها في الأساس هي قضية سماوية. وهي توصف في هيئتها المثالية «متسربلة بالشمس»، أو بالحري بالمسيح، «شمس البر» (سفر ملاخي 4: 2). لأنها كناية عن «بيت اللّه» و «أهل الإيمان» في كل العصور. وبعد أن يخطف «ولدها» أو بالحري المؤمنون المولودون بالروح القدس، تعال أو بالحري يعتني بها في البرية ثلاث سنوات ونصف سنة - «زمان وزمانين ونصف زمان»، المدة التي تؤكد لنا صحتها في عد الأيام: ألفاً ومئتين وستين يوماً (راجع سفر الرؤيا 12: 6 و14). لأن هناك في البرية توجد بقية نسلها. ومن البيان الوارد في سفر الرؤيا (12: 17) يتضح أنه يأتي نسل من هذه المرأة، حتى خلال سبع سنوات الضيقة العظيمة، إلى أن تطأ قدما المسيح الأرض في نزوله إليها.

ويكون هذا النسل الباقي مستتراً وبعيداً عن الأنظار، ومتوارياً في المجتمع العالمي خلال الثلاث سنوات والنصف الأولى من الضيقة العظيمة. وهناك ينعكس الوضع الكنسي الحاضر، فلا يكون «زوان بين الحنطة» بل «حنطة بين الزوان» (راجع بشارة متى 13: 24-30). إلا أن الروح القدس وكلمة اللّه العاملين دائماً وأبداً في الإتيان بأبناء إلى المجد سيكونان عاملين فيهم ويعدّانهم لمواجهة «اليوم الشرير» (راجع رسالة أفسس 6: 13)، أو بالحري، سيعدّانهم للثلاث سنوات والنصف الأخيرة. فإن هؤلاء لا بد أن يلقوا أيضاً كل رجائهم على نعمة اللّه العتيدة أن تستعلن عند ظهور ربنا ومخلّصنا يسوع المسيح، «ويكملوا» ويتعرضوا للإستشهاد كذلك. فيأتون من الضيقة العظيمة مغسولة ثيابهم بدم الحمل (راجع سفر الرؤيا 6: 9-11 و7: 14). وينضمون هم أيضاً إلى جماعة «العروس» إمرأة الحمل.

«... لأَنَّ عُرْسَ ٱلْحَمَلِ قَدْ جَاءَ، وَٱمْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا. وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَّزاً نَقِيّاً بَهِيّاً، لأَنَّ ٱلْبَّزَ هُوَ تَبَرُّرَاتُ ٱلْقِدِّيسِينَ» (سفر الرؤيا 19: 7-8).

(د) وقوف المؤمنين أمام كرسي المسيح

- كلمة الوحي -

«لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ ٱلْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِٱلْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّاً» (رسالة كورنثوس الثانية 5: 10).

«فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ سَوْفَ يَأْتِي فِي مَجْدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، وَحِينَئِذٍ يُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَمَلِهِ» (بشارة متى 16: 27).

«فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاساً آخَرَ غَيْرَ ٱلَّذِي وُضِعَ، ٱلَّذِي هُوَ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ. وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدُ يَبْنِي عَلَى هٰذَا ٱلأَسَاسِ ذَهَباً فِضَّةً حِجَارَةً كَرِيمَةً خَشَباً عُشْباً قَشّاً، فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِراً لأَنَّ ٱلْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ، وَسَتَمْتَحِنُ ٱلنَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ. إِنْ بَقِيَ عَمَلُ أَحَدٍ قَدْ بَنَاهُ عَلَيْهِ فَسَيَأْخُذُ أُجْرَةً. إِنِ ٱحْتَرَقَ عَمَلُ أَحَدٍ فَسَيَخْسَرُ، وَأَمَّا هُوَ فَسَيَخْلُصُ، وَلٰكِنْ كَمَا بِنَارٍ» (رسالة كورنثوس الأولى 3: 11-15).

«لاَ تَضِلُّوا! اَللّٰهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ ٱلَّذِي يَزْرَعُهُ ٱلإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضاً. لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ ٱلْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَاداً، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ ٱلرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً. فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ ٱلْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ» (رسالة غلاطية 6: 7-9).

يتجلى بكل وضوح من الآيات المذكورة في هذه الفقرة أن المؤمنين سيجتمعون إلى كرسي المسيح أو بالحري محكمة المسيح (وباليونانية «بيما») الذي سيقام في الهواء في نهاية الضيقة العظيمة لفحص الأعمال التي كانوا يعملونها (1) (ولعل يوم اختطاف المؤمنين الذين سيكونون أحياء على الأرض لملاقاة الرب في الهواء عند مجيئه الثاني في بدء الضيقة العظيمة، هو الفحص الأول لاختبار استحقاقهم للوقوف أمام ابن الإنسان (راجع بشارة لوقا 21: 34-36 ورسالة تسالونيكي الاولى 5: 1-11. لاحظ أيضاً: رسالة تسالونيكي الثانية 1: 5). وكما يتضح من سفر الر ؤيا (15: 2-4، 7: 1-14 و6: 9-11) أن هناك أشخاصاً سيكملون ويخلصون أثناء الضيقة المذكورة وسنأتي على ذكرهم بشيء من التفاصيل في الفصل الأخير). وهناك سيحكم المسيح على أعمال وسلوك كل منهم ويعطيهم المكافأة التي يستحقونها. ولذلك يجب على كل منهم أن يتعظ حقاً بهذه الحقيقة لئلا يكون كالذي يزرع للجسد، لأنه وإن كان سيخلص كما بنار، إلا أن خسارته لا تعوّض.

(هـ) وقوف الأموات أمام العرش العظيم الأبيض.

- كلمة الوحي -

«ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشاً عَظِيماً أَبْيَضَ، وَٱلْجَالِسَ عَلَيْهِ ٱلَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ! وَرَأَيْتُ ٱلأَمْوَاتَ صِغَاراً وَكِبَاراً وَاقِفِينَ أَمَامَ ٱللّٰهِ، وَٱنْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ. وَٱنْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ ٱلْحَيَاةِ، وَدِينَ ٱلأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي ٱلأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ. وَسَلَّمَ ٱلْبَحْرُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. وَطُرِحَ ٱلْمَوْتُ وَٱلْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ. هٰذَا هُوَ ٱلْمَوْتُ ٱلثَّانِي. وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوباً فِي سِفْرِ ٱلْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ ٱلنَّارِ» (سفر الرؤيا 20: 11-15).

نحن الآن أمام مشهد من أخطر المشاهد في تاريخ البشرية جمعاء. وإذ ندنو منه، إنما نفعل ذلك بكل رهبة وخشية لأنه محكمة الدينونة النهائية لكل البشر، وموقف غير التائبين في كل العصور الذين ليست أسماؤهم مكتوبة في «سفر الحياة» (أو بالحري الذين لا علاقة لهم مع المسيح بالإيمان الحقيقي فيه) سيكون أمام ذلك العرش العظيم الأبيض، موقفاً مفزعاً ومخيفاً للغاية.

فسيقف هناك الكبار والصغار والرجال والنساء من كل فئة من الناس الذين رفضوا أن يغتسلوا من خطاياهم بدم إبن اللّه الأزلي، الرب يسوع المسيح، حتى تغفر لهم. وبين هؤلاء وأولئك سنرى أشخاصاً كانوا يدّعون التدين ويعتقدون أن حسناتهم ستمحو سيئاتهم، غير أنهم وجدوا، ولكن يا للأسف بعد فوات الفرصة أن حسناتهم المزعومة كانت مجرد واجبات مطلوب منهم تأديتها، ومن ثم ليس لهم فضل أن عملوها وإنما تسجل في أسفار تلك المحكمة في حال الإهمال في القيام بها وذلك كديون عليهم. كما أن سيئاتهم هي تعديات تعدوا بها على حق اللّه جل جلاله، وحقه لا حد له. ولذلك لا تستطيع حسناتهم، مهما كثرت أن تكفّر عن سيئة واحدة من سيئاتهم.

وثم يجب ألا يغرب عن البال أن اللّه سيدين «سرائر الناس» بيسوع المسيح في يوم الدين (رسالة رومية 2: 16). وسينجلي كل شيء عرياناً ومكشوفاً في ذلك اليوم. وسيظهر كل واحد كما هو، وليس كما يريد أن يعبره الناس، ولا كما يفكر هو بنفسه، في كبريائه.

ولا يفتكرنّ أحد أن منصبه الإجتماعي يحميه. فلا وجيه ولا دنيء في ذلك اليوم، بل مجرد أنفس عريانة. وكل نوع من التعدّي يتعدى به إنسان على حق غيره من النفوس مهما كانت تلك النفوس محتقرة في عيني العاتي المتعدي عليها، سيظهر هناك كما هو بكل شناعة. واللّه وحده هو الذي يقدِّر حقوق كل نفس، لا إنسان.

أما السجلّ الخاص بالتبرير، فهو «سفر الحياة». وهذا السفر مسجل بالدم - دم يسوع المسيح إبن اللّه الذي ينفع ليس لتسجيل أسماء المؤمنين باسمه فحسب، بل ولمحو الخطايا التي كانت عليهم أيضاً.

وأواه من مصير من يقف في ذلك اليوم الرهيب أمام عرش اللّه العظيم الأبيض، معتمداً على أعماله الذاتية لتبرير موقفه. وأنت، أيها القارئ العزيز، إن لم تكن قد حصلت بعد على مغفرة خطاياك، فأسرع الآن إلى عرش نعمة اللّه طالباً غفران خطاياك باسم الرب يسوع المسيح ومحوها بالدم الذي سفكه لأجلك على صليب الجلجثة.

Table 1. 

اطلبوا اللّه في يومفيه أدراك الأمل    
قبلما يأتي بعدلصارم لا يحتمل    
اقصدوه اقصدوهالآن عن يد الحملْ    

الفصل الرابع... الغاية المجيدة للدينونة الإلهية

مقدمة

سوف لا يبلغ مجرى الحوادث نقطته الحاسمة في يوم الدين الآتي، بافتقاد اللّه الأمم بدينونة مفاجئة، ولا بإنزاله ضربة قاضية على الشيطان وأعوانه فحسب، بل بإستعلان إبن الإنسان، الرب يسوع المسيح، إبن اللّه الأزلي، آتياً من السماء مع ملائكة قوته، عند ظهور مجيئه في كامل مجد اللّه أبيه، ليملك على الأرض مع جميع قديسيه الممجّدين. وما يجب ملاحظته عند هذه المرحلة هو أن هناك ثلاث كلمات مهمة في اللغة اليونانية، يستعملها الوحي عند الحديث الخاص بـ - «يوم المسيح» الآتي، هي:

  1. «أبو كالبسيس» ومعناها «كشف الغطاء» أو «رفع الستار»، وتترجم هذه الكلمة ومشتقاتها إلى العربية «باستعلان» أو «إعلان» ومشتقاتهما.

  2. «أبيفانيه» بمعنى «البزوغ الكامل كما لنور سماوي». ولذلك يشير الوحي إلى المسيح بأنه: «كوكب الصبح المنير» (راجع رسالة بطرس الثانية 1: 19 سفر الرؤيا 22: 16)، و «شمس البر» (سفر ملاخي 4: 2) و «المشرق من العلاء» (راجع بشارة لوقا 1: 78). ولذلك قال المسيح أيضاً عن نفسه: «... كَمَا أَنَّ ٱلْبَرْقَ ٱلَّذِي يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، كَذٰلِكَ يَكُونُ أَيْضاً ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ» (بشارة لوقا 17: 24). وتترجم كلمة «إبيفانيه» هذه ومشتقاتها إلى العربية «بظهور» ومشتقاتها.

  3. «باروسيا» ومعناها «الحضور شخصياً»، وتترجم إلى العربية «بمجيء».

الباب الأول - الإستعلان

(أ) إتمام سر اللّه باستعلان الرب يسوع المسيح إبن الإنسان من السماء

- كلمة الوحي -

«... ٱسْتِعْلاَنِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَعَ مَلاَئِكَةِ قُّوَتِهِ، 8 فِي نَارِ لَهِيبٍ، مُعْطِياً نَقْمَةً لِلَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ ٱللّٰهَ وَٱلَّذِينَ لاَ يُطِيعُونَ إِنْجِيلَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (رسالة تسالونيكي الثانية 1: 7-8).

«وَٱلْمَلاَكُ ٱلَّذِي رَأَيْتُهُ وَاقِفاً عَلَى ٱلْبَحْرِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ، رَفَعَ يَدَهُ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، وَأَقْسَمَ بِٱلْحَيِّ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ، ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاءَ وَمَا فِيهَا وَٱلأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَٱلْبَحْرَ وَمَا فِيهِ، أَنْ لاَ يَكُونُ زَمَانٌ بَعْدُ، بَلْ فِي أَيَّامِ صَوْتِ ٱلْمَلاَكِ ٱلسَّابِعِ مَتَى أَزْمَعَ أَنْ يُبَّوِقَ يَتِمُّ أَيْضاً سِرُّ ٱللّٰهِ، كَمَا بَشَّرَ عَبِيدَهُ ٱلأَنْبِيَاءَ» (سفر الرؤيا 10: 5-7).

«... ٱلسِّرِّ ٱلَّذِي كَانَ مَكْتُوماً فِي ٱلأَزْمِنَةِ ٱلأَزَلِيَّةِ، وَلٰكِنْ ظَهَرَ ٱلآنَ، وَأُعْلِمَ بِهِ جَمِيعُ ٱلأُمَمِ بِٱلْكُتُبِ ٱلنَّبَوِيَّةِ حَسَبَ أَمْرِ ٱلإِلٰهِ ٱلأَزَلِيِّ، لإِطَاعَةِ ٱلإِيمَانِ» (رسالة رومية 16: 25-26).

«إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ ٱلَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، لِتَدْبِيرِ مِلْءِ ٱلأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي ٱلْمَسِيحِ، مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى ٱلأَرْضِ...» (رسالة أفسس 1: 9-10).

إن المعنى الأساسي الذي تتضمنه الكلمة اليونانية المترجمة «سر» في العهد الجديد هو قضية معرفتها فقط عن طريق إعلان. ويستعمل الوحي هذه الكلمة في سفر الرؤيا (10: 5-7) ورسالة رومية (16: 25-26) ورسالة أفسس (1: 9-10) للدلالة على ذلك التدبير العظيم الذي عمله اللّه في إبنه الأزلي، الرب يسوع المسيح، ليجمع فيه كل شيء، ما في السموات وما على الأرض، واضعاً الأساس لذلك بالدم الذي أهرقه المسيح على خشبة الصليب منذ نحو ألفي عام، معلناً إياه بعد ذلك في «الكتب النبوية» (أي في الإنجيل في أوسع معناه). ومن ثم كان لدينا «سر الإنجيل» و «سر المسيح» و «سر اللّه» (راجع رسالة أفسس 6: 19 ورسالة كولوسي 2: 2 ورسالة أفسس 3: 4. إقرأ أيضاً رسالة كولوسي 1: 25-27). وسوف يتم السرّ بتحقيق التدبير في يوم الرب الآتي عن قريب عندما يجري آخر إجراء متعلق به، «باستعلان الرب يسوع المسيح من السماء مع ملائكة قوته» في كامل مجد اللّه أبيه.

وانتظاراً لذلك اليوم العظيم، يقدم لنا سفر الرؤيا الإعلان (الأبوكالسيس) الذي أعطاه اللّه ليسوع المسيح «لِيُرِيَ عَبِيدَهُ مَا لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَرِيبٍ» (سفر الرؤيا 1: 1)، أي ما لا بد أن يحدث بسرعة خاطفة، عندما يحين الوقت لحدوثه. ويحتوي قسم الإعلان الذي يبتدئ بالأصحاح الرابع وينتهي بالأصحاح التاسع عشر من هذا السفر العجيب، سلسلة حوادث تلك الحقبة التي سينتهي بها الدهر. وتبدأ السلسلة بتبديل دراماتيكي يحدث في السيادة على الأرض والسماء. فيطرح الشيطان مع ملائكته إلى الأرض (راجع سفر الرؤيا 12: 7-12) وتتطهر الأجواء منه. وهناك في السماء (أي سماء أرضنا) (1) (يصبح سفر الرؤيا رؤيا لنا عندما نفهم أن كلمة «السموات» (أو «السماء») حيثما وردت في سفر الرؤيا من الاصحاح 4 إلى 21، بدون استثناء تقريباً تشير إلى أجزاء أرضنا وليس إلى سماء أخرى غير معروفة لنا، ولا إلى «السماء عينها» حيث مخلصنا الآن مع الآب (رسالة العبرانيين 9: 24) ينصب عرش، هو مركز السيادة العملية المباشرة للجلالة الإلهية - فمنصة القضاء لحكم الإله السرمدي الفائق الوصف ستقام في أجواء أرضنا بالذات حيث سمح للشيطان طويلاً أن يبقيها مركزاً له بصفته رئيس سلطان الهواء - ويا له من مشهد يقبض الأنفاس!!

فهناك في وسط العرش يقوم المسيح، الأسد الخارج من سبط يهوذا، حيث منظر الجلالة الإلهية كمنظر النور اللامع المشع من حجارة كريمة مع بريق الأنوار الخاطف الأنفاس، وصوت الرعود التي يرن صداها في كل الأرجاء - هناك يقوم المسيح، ولكن.. كحمل كأنه مذبوح! - فهو الحمل الأسد. وهو وحده المستحق أن يجري تلك السلسلة من الضربات المرعبة التي بها يختم التاريخ المحزن لعالم صمم على ثورته ضد سيادة اللّه المباشرة في إبنه الأزلي - هذا العالم الشرير الذي لا يعرف معنى للقيم الروحية أو الإلتزامات الأدبية - هذا العالم الخاطئ الأثيم الذي مظلمات أرضه امتلأت من مساكن الظلم والإغتصاب (مزمور 74: 20).

(ب) إستعلان إبن الهلاك، الأثيم، عند إستعلان الرب يسوع المسيح. وإتمام سر الإثم عند إتمام سر اللّه.

-كلمة الوحي -

«... سِرَّ ٱلإِثْمِ ٱلآنَ يَعْمَلُ فَقَطْ، إِلَى أَنْ يُرْفَعَ مِنَ ٱلْوَسَطِ ٱلَّذِي يَحْجِزُ ٱلآنَ، وَحِينَئِذٍ سَيُسْتَعْلَنُ ٱلأَثِيمُ، ٱلَّذِي ٱلرَّبُّ يُبِيدُهُ بِنَفْخَةِ فَمِهِ، وَيُبْطِلُهُ بِظُهُورِ مَجِيئِهِ» (رسالة تسالونيكي الثانية 2: 7-8).

«... لأَنَّهُ لاَ يَأْتِي (يوم المسيح)إِنْ لَمْ يَأْتِ ٱلٱرْتِدَادُ أَّوَلاً، وَيُسْتَعْلَنَ (أبو كالبسسثي) إِنْسَانُ ٱلْخَطِيَّةِ، ٱبْنُ ٱلْهَلاَكِ، ٱلْمُقَاوِمُ وَٱلْمُرْتَفِعُ عَلَى كُلِّ مَا يُدْعَى إِلٰهاً أَوْ مَعْبُوداً، حَتَّى إِنَّهُ يَجْلِسُ فِي هَيْكَلِ ٱللّٰهِ كَإِلٰهٍ مُظْهِراً نَفْسَهُ أَنَّهُ إِلٰهٌ» (رسالة تسالونيكي الثانية 2: 3 و4).

ما أن يحدث التبديل الدراماتيكي (الذي ذكرناه في الفقرة السابقة) في السيادة على الأرض وسمائها، عند استعلان الرب يسوع المسيح، ويرفع «الذي يحجز الآن» (أو بالحري تختطف جماعة المؤمنين المجاهدين بالروح والمنتظرين مجيء ربهم، المكنى عنهم «بالولد الذكر» في سفر الرؤيا 12)، حتى يستعلن الإثم، ليس في مظاهره المتنوعة فحسب، بل سيستعلن في ذاته، بكل تمرّده الشنيع على اللّه ومسيحه، متجسماً في رجل الشيطان المسمى «الأثيم» و «إبن الهلاك» و «إنسان الخطية» الذي هو «الوحش» الذي تناولنا سيرته بالتفصيل في الفصل الثاني. وكما رأينا، إن استعلان «الأثيم» ليس إلا إستعلان الشيطان بذاته، واستعلان الشيطان ليس هو إلا افتضاح أمره، للقضاء عليه تحت تلك السلسلة من الضربات التي ستؤدي به إلى بحيرة النار. وبهذا سيتم سر الإثم.

(ج) إستعلان أبناء اللّه على حقيقتهم بواسطة إستعلان الرب يسوع المسيح من السماء

- كلمة الوحي -

«فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلاَمَ ٱلّزَمَانِ ٱلْحَاضِرِ لاَ تُقَاسُ بِٱلْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا. لأَنَّ ٱنْتِظَارَ ٱلْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ ٱسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ ٱللّٰهِ» (رسالة رومية 8: 18-19).

«وَيَكُونُونَ لِي قَالَ رَبُّ ٱلْجُنُودِ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي أَنَا صَانِعٌ خَاصَّةً، وَأُشْفِقُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُشْفِقُ ٱلإِنْسَانُ عَلَى ٱبْنِهِ ٱلَّذِي يَخْدِمُهُ. فَتَعُودُونَ وَتُمَيِّزُونَ بَيْنَ ٱلصِّدِّيقِ وَٱلشِّرِّيرِ، بَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ ٱللّٰهَ وَمَنْ لاَ يَعْبُدُهُ» (سفر ملاخي 3: 17-18).

«وَغَضِبَتِ ٱلأُمَمُ فَأَتَى غَضَبُكَ وَزَمَانُ ٱلأَمْوَاتِ لِيُدَانُوا، وَلِتُعْطَى ٱلأُجْرَةُ لِعَبِيدِكَ ٱلأَنْبِيَاءِ وَٱلْقِدِّيسِينَ وَٱلْخَائِفِينَ ٱسْمَكَ، ٱلصِّغَارِ وَٱلْكِبَارِ، وَلِيُهْلَكَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُهْلِكُونَ ٱلأَرْضَ» (سفر الرؤيا 11: 18).

«وَلَمَّا فَتَحَ ٱلْخَتْمَ ٱلْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ ٱلْمَذْبَحِ نُفُوسَ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ وَمِنْ أَجْلِ ٱلشَّهَادَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ، وَصَرَخُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «حَتَّى مَتَى أَيُّهَا ٱلسَّيِّدُ ٱلْقُدُّوسُ وَٱلْحَقُّ، لاَ تَقْضِي وَتَنْتَقِمُ لِدِمَائِنَا مِنَ ٱلسَّاكِنِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ؟» فَأُعْطُوا كُلُّ وَاحِدٍ ثِيَاباً بِيضاً، وَقِيلَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَرِيحُوا زَمَاناً يَسِيراً أَيْضاً حَتَّى يَكْمَلَ ٱلْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُمْ، وَإِخْوَتُهُمْ أَيْضاً، ٱلْعَتِيدُونَ أَنْ يُقْتَلُوا مِثْلَهُمْ» (سفر الرؤيا 6: 9-11).

«بَعْدَ هٰذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ ٱلأُمَمِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلشُّعُوبِ وَٱلأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ وَأَمَامَ ٱلْحَمَلِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ ٱلنَّخْلِ وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: «ٱلْخَلاَصُ لإِلٰهِنَا ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ...

«... وَسَأَلَنِي وَاحِدٌ مِنَ ٱلشُّيُوخِ: «هٰؤُلاَءِ ٱلْمُتَسَرْبِلُونَ بِٱلثِّيَابِ ٱلْبِيضِ، مَنْ هُمْ وَمِنْ أَيْنَ أَتُوا؟» فَقُلْتُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ أَنْتَ تَعْلَمُ». فَقَالَ لِي: «هٰؤُلاَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ أَتُوا مِنَ ٱلضِّيقَةِ ٱلْعَظِيمَةِ، وَقَدْ غَسَّلُوا ثِيَابَهُمْ وَبَيَّضُوهَا فِي دَمِ ٱلْحَمَلِ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ هُمْ أَمَامَ عَرْشِ ٱللّٰهِ وَيَخْدِمُونَهُ نَهَاراً وَلَيْلاً فِي هَيْكَلِهِ، وَٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَحِلُّ فَوْقَهُمْ. لَنْ يَجُوعُوا بَعْدُ وَلَنْ يَعْطَشُوا بَعْدُ وَلاَ تَقَعُ عَلَيْهِمِ ٱلشَّمْسُ وَلاَ شَيْءٌ مِنَ ٱلْحَرِّ، لأَنَّ ٱلْحَمَلَ ٱلَّذِي فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ يَرْعَاهُمْ، وَيَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ، وَيَمْسَحُ ٱللّٰهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ» (سفر الرؤيا 7: 9-11 ، 13-17).

«وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَٱلْغَالِبِينَ عَلَى ٱلْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِهِ وَعَدَدِ ٱسْمِهِ وَاقِفِينَ عَلَى ٱلْبَحْرِ ٱلّزُجَاجِيِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ ٱللّٰهِ، وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ ٱللّٰهِ وَتَرْنِيمَةَ ٱلْحَمَلِ قَائِلِينَ: «عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِيَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ ٱلْقِدِّيسِينَ (أو بالحري: يا ملك الدهور، أو يا ملك الأمم» (سفر الرؤيا 15: 2-3).

إن اللّه وهو «آت بأبناء كثيرين إلى المجد (راجع رسالة العبرانيين 2: 10 و14 و16)، لم يعمل ضمن إطار الحياة الملائكية، بل ضمن إطار الحياة البشرية. وجعله هؤلاء الأبناء قديسين هو شغله الشاغل في هذا العالم. ومن ثم فاستعلان الرب يسوع المسيح لا يسبب لهم رعباً، لأنه يوم تأييد وتعضيد لهم. فقد احتملوا عذاباً مريراً ردحاً طويلاً من الزمن، واضطهاداً قاسياً من عالم يسوده ضد المسيح، كثيراً ما أدى بهم إلى الموت، ولا تهمة لهم سوى أنهم خاصة يسوع، مسيح اللّه. والآن، فاليوم الآتي هو يوم الإنتقام، يوم انتقام إلهنا، إذ أن العصر الذي يدعى «عصر الكنيسة المجاهدة المضطهدة» سينتهي بالعصر الذي يدعى «عصر الكنيسة المنتصرة المنتقم لها» (راجع بشارة لوقا 18: 1-8 ، سفر الرؤيا 6: 9-11 و16: 4-7).

وتقدم لنا المقتطفات من سفر الرؤيا المدونة آنفاً سلسلة من مشاهد أثيرية رائعة لجماهير متعاقبة من المفديين الذين يأتون إلى المجد باستشهادهم في الضيقة العظيمة. ولعل أروع هذه المشاهد هو المذكور في الأصحاح السابع (9-10 و13-17).

أما في الإصحاح السادس (9-11)، فلدينا مشهد لجماعة من جماعات شهداء الضيقة العظيمة، وهم لم يظهروا بعد بأجسادهم الممجدة المعبر عنها «بالثياب البيض». إلا أنهم ينصرفون إلى طلبات للإنصاف والنقمة، إذ يظهر أن هناك مناسبات في ترتيب اللّه لصلوات كهذه. فقد قال الرب يسوع المسيح نفسه: «أَفَلاَ يُنْصِفُ ٱللّٰهُ مُخْتَارِيهِ، ٱلصَّارِخِينَ إِلَيْهِ نَهَاراً وَلَيْلاً، وَهُوَ مُتَمَهِّلٌ عَلَيْهِمْ؟ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ يُنْصِفُهُمْ سَرِيعاً! وَلٰكِنْ مَتَى جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ، أَلَعَلَّهُ يَجِدُ ٱلإِيمَانَ عَلَى ٱلأَرْضِ» (بشارة لوقا 18: 7-8).

وهكذا نرى نفوس هؤلاء المستشهدين تحت المذبح، «مذبح الذهب الذي أمام العرش» (سفر الرؤيا 8: 3)، أو بالحري مذبح «الأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان» (راجع رسالة العبرانيين 8: 2)، الذي لم يكن المذبح الذهبي في خيمة الإجتماع الأرضية إلا رمزاً له.

أما آخر جماعة من الجماعات الآتية من الضيقة العظيمة، فلنا مشهدها في سفر الرؤيا (15: 2-4)، وواضح أنها تأتي من الإثنين والأربعين شهراً الأخيرة من الضيقة العظيمة، التي فيها يسود طغيان «الوحش» في كل عنفوانه.

ويتضح مما ورد في سفر الرؤيا (11: 18) أن أبناء اللّه المؤمنين بالرب يسوع المسيح في كل العصور، من أيام آدم فصاعداً (عبيد الرب الإله - «الأنبياء والقديسين والخائفين إسمه، الصغار والكبار»)، سينتظرون إلى أن يقام كرسي المسيح ( «البيما» المذكور في الفصل السابق) في نهاية الضيقة العظيمة، لأخذ مكافأتهم. «فَهٰؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَهُمْ بِٱلإِيمَانِ، لَمْ يَنَالُوا ٱلْمَوْعِدَ، إِذْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَنَظَرَ لَنَا شَيْئاً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا» (رسالة العبرانيين 11: 39-40).

الباب الثاني - الظهور

(د) إنتشار مجد المسيح الإلهي وقوته الأبدية - إنتشار بريق النور عند ظهوره.

- كلمة الوحي -

«مُنْتَظِرِينَ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمُبَارَكَ وَظُهُورَ مَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلْعَظِيمِ وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (رسالة تيطس 2: 13).

«وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ ٱلأَيَّامِ تُظْلِمُ ٱلشَّمْسُ، وَٱلْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَٱلنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ، وَقُّوَاتُ ٱلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ فِي ٱلسَّمَاءِ. وَحِينَئِذٍ تَنُوحُ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ بِقُّوَةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ» (بشارة متى 24: 29-30).

«لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلْبَرْقَ ٱلَّذِي يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، كَذٰلِكَ يَكُونُ أَيْضاً ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ» (بشارة لوقا 17: 24).

«هُوَذَا يَأْتِي مَعَ ٱلسَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ، وَٱلَّذِينَ طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُ عَلَيْهِ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ» (سفر الرؤيا 1: 7).

لا نعرف كثيراً عن «علامة إبن الإنسان» هذه المذكورة في بشارة متى (24: 30) المدونة آنفاً. إلا أنه يظهر أن العبارة الواردة في بشارة لوقا (21: 25) تشمل نفس المظهر. ولا شك في أن هذه العلامة ( «سيميون» في اليونانية الدالة عما يتميز عن طريقه شيء عن غيره) ستشغل أجواءنا من لحظة اختطاف المؤمنين في أول الضيقة العظيمة وستبقى معلقة في الجو طيلة مدة الضيقة العظيمة إلى تلك اللحظة التي فيها تقف قدما المسيح على الأرض أخيراً، وهو آتٍ على سحاب السماء بقوة ومجد كثير (راجع نبوة زكريا 14: 4 وسفر الرؤيا 19: 11-16).

وبهذه المناسبة، يمكننا القول بأن نظام العالم الطبيعي المحيط بنا بما فيه من مظاهر الضوء واللون والحرارة والرائحة والصوت والضغط والصلابة ألخ...، تعتمد على الحركة، حركة الذبذبات والموجات والتيارات الكهربائية والأشعة - العاملة في جزئيات الطاقة داخل الذرة وخارجها، بسرعة لا يمكن للعقل تصورها. ولكن هذه الحركة الهائلة ليست شيئاً مذكوراً بجانب السرعة التي بها تعمل قوة اللّه الخالقة، أو بالحري الكلمة الأزلي الذي يحمل كل حركة تعتمد عليها مظاهر الحياة مهما كانت سرعتها (راجع رسالة كولوسي 1: 17 ورسالة العبرانيين 1: 3). فعند ظهوره المجيد في يوم الرب المخوف العظيم الآتي عن قريب، فإنه سيوجه موجات الطاقة هذه لتكييف المظاهر التي يريدها هو.

ظل المسيح، الكلمة الأزلي، طوال الأجيال التي سبقت ظهوره على الأرض محتجباً عن نظر الناس بسبب اعتمادهم على إدراكهم الجسدي الذي يحول دون رؤيتهم الحقائق الروحية الأبدية. وحتى في أيام وجوده في جسم بشريته على الأرض لم يعرفوه مع أن مجده وقوته الأزليين كانا مراراً عديدة يخترقان الحدود التي وضعها لنفسه، فغيّر المشهد تغييراً جذرياً. ولقد حدث ذلك عندما سار على مياه البحر وبين أنياب العواصف الصاخبة، جاعلاً الماء كما لو كان أرضاً صلبة تحت قدميه (بشارة يوحنا 6: 18-21)، والعواصف كأنها نسيم عليل حوله. كما أنه حدث في الأيام التي تلت قيامته من بين الأموات، إذ ظهر واختفى بمحض إرادته، واختراق الأبواب المغلقة كأنها في حالة غازية (بشارة يوحنا 20: 19 و26).

(هـ) ظهور القديسين مع المسيح عند ظهوره

-كلمة الوحي -

«حِينَئِذٍ يُضِيءُ ٱلأَبْرَارُ كَٱلشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ» (بشارة متى 13: 43).

«مَتَى أُظْهِرَ ٱلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي ٱلْمَجْدِ» (رسالة كولوسي 3: 4).

«... ثُمَّ لاَ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ٱلرَّاقِدِينَ، لِكَيْ لاَ تَحْزَنُوا كَٱلْبَاقِينَ ٱلَّذِينَ لاَ رَجَاءَ لَهُمْ. لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا نُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ مَاتَ وَقَامَ، فَكَذٰلِكَ ٱلرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ سَيُحْضِرُهُمُ ٱللّٰهُ أَيْضاً مَعَهُ. فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هٰذَا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ ٱلرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ ٱلرَّاقِدِينَ. لأَنَّ ٱلرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ ٱللّٰهِ، وَٱلأَمْوَاتُ فِي ٱلْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَّوَلاً. ثُمَّ نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي ٱلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْهَوَاءِ، وَهٰكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ ٱلرَّبِّ» (رسالة تسالونيكي الأولى 4: 13-17).

«وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ ٱلتُّرَابِيِّ سَنَلْبَسُ أَيْضاً صُورَةَ ٱلسَّمَاوِيِّ. فَأَقُولُ هٰذَا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ: إِنَّ لَحْماً وَدَماً لاَ يَقْدِرَانِ أَنْ يَرِثَا مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ، وَلاَ يَرِثُ ٱلْفَسَادُ عَدَمَ ٱلْفَسَادِ. هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا، وَلٰكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّرُ» (رسالة كورنثوس الأولى 15: 49-51).

«أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، ٱلآنَ نَحْنُ أَوْلاَدُ ٱللّٰهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلٰكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ» (رسالة يوحنا الأولى 3: 2).

«وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إِلَى ٱلنِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأُمَمِ، فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ، كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ...» (سفر الرؤيا 2: 26-27).

«فَوَلَدَتِ ٱبْناً ذَكَراً عَتِيداً أَنْ يَرْعَى جَمِيعَ ٱلأُمَمِ بِعَصاً مِنْ حَدِيدٍ...» (سفر الرؤيا 12: 5).

«وَرَأَيْتُ عُرُوشاً فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْماً. وَرَأَيْتُ نُفُوسَ ٱلَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ ٱللّٰهِ. وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا ٱلسِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ ٱلْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ... هٰؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ ٱلثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلّٰهِ وَٱلْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ» (مقتطفات من سفر الرؤيا 20: 1-7).

من الجائز ألا تكون هناك عبارة في الكتاب المقدس أوضح من تلك الواردة في سفر الرؤيا (20: 1-7)، وهذه العبارة تعلن بكل وضوح ظهور القديسين الممجّدين في زمان ومكان محدودين مع المسيح في أجسادهم الممجّدة. فليس هناك أقل من ست مرات في هذه السبع الآيات نجد مدة الألف سنة مذكورة كوقت معين، في أثنائه يشتركون مع المسيح في حكم معين على الأرض. ففي أجسادهم الممجدة يملكون مع المسيح في حكمه الذي، وإن كان يدار من عرش السيادة العظمى في السماء، إلا أنه يطبق على الأرض.

فمن الآية السابعة من الإصحاح التاسع عشر من سفر الرؤيا، ندخل العصر الذي يدعى «عصر الكنيسة المالكة»، ساعة يتحقق لها الوعد المعطى لها في سفر الرؤيا (2: 26-27 و3: 21)، ونرى «إبنها الذكر» (راجع سفر الرؤيا 12: 5) يرعى جميع الأمم بعصا من حديد. كما أن المنظر المقدم لنا في الأصحاح العشرين من الآية الرابعة إلى السادسة خاص بهذه الكنيسة حال كونها جماعة المؤمنين الحقيقيين الآتين من كل العصور وهم ممجّدون في أجسادهم. فالكلمات «جلسوا» و «أعطوا حكماً» في الشطر الأول من الآية الرابعة هي إشارة إلى تلك الجماعة العظيمة من القديسين. أما الذين «قتلوا من أجل شهادة يسوع المسيح ومن أجل كلمة اللّه والذين لم يسجدوا للوحش ولا لصورته ولم يقبلوا السمة على جباههم وعلى أيديهم»، فمذكورون بصفة خاصة في الآية التي نحن بصددها، ولا يعني أن تلك الجماعة المشار إليها تتكون منهم دون غيرهم.

الباب الثالث - مجيء الرب يسوع المسيح

(و) مجيء المسيح حضور شخصي

- كلمة الوحي -

«إِنَّ يَسُوعَ هٰذَا ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ سَيَأْتِي هٰكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إِلَى ٱلسَّمَاءِ» (سفر أعمال الرسل 1: 11).

«فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هٰذَا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ (باروسيا) ٱلرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ ٱلرَّاقِدِينَ. لأَنَّ ٱلرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ» (رسالة تسالونيكي الأولى 4: 15-16).

«ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ مَجِيءِ (باروسيا) رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَٱجْتِمَاعِنَا إِلَيْهِ، أَنْ لاَ تَتَزَعْزَعُوا سَرِيعاً عَنْ ذِهْنِكُمْ، وَلاَ تَرْتَاعُوا، لاَ بِرُوحٍ وَلاَ بِكَلِمَةٍ وَلاَ بِرِسَالَةٍ كَأَنَّهَا مِنَّا: أَيْ أَنَّ يَوْمَ ٱلْمَسِيحِ قَدْ حَضَرَ» (رسالة تسالونيكي الثانية 3: 1-2).

«كَذٰلِكَ يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ (باروسيا) ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ. حِينَئِذٍ يَكُونُ ٱثْنَانِ فِي ٱلْحَقْلِ، يُؤْخَذُ ٱلْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ ٱلآخَرُ. اِثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ عَلَى ٱلرَّحَى، تُؤْخَذُ ٱلْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ ٱلأُخْرَى» (بشارة متى 24: 39-41)

«هُوَذَا يَأْتِي مَعَ ٱلسَّحَابِ، وَسَتَنْظُرُهُ كُلُّ عَيْنٍ» (سفر الرؤيا 1: 7).

«لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلْبَرْقَ يَخْرُجُ مِنَ ٱلْمَشَارِقِ وَيَظْهَرُ إِلَى ٱلْمَغَارِبِ، هٰكَذَا يَكُونُ أَيْضاً مَجِيءُ (باروسيا) ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ» (بشارة متى 24: 27).

يتجلى بكل وضوح من الآيات المدونة آنفاً أن المقصود من المجيء الثاني لربنا يسوع المسيح ليس أمراً معنوياً يتم تدريجياً بانتصار الحق على الباطل والخير على الشر، كما يدعي البعض، الذين يتحاشون حقيقة سيطرة المسيح الشخصية على الأرض، التي يستلزمها موضوع حضوره الشخصي. بل أن مجيء المسيح في المرة الثانية هو حضور شخصي، بالفعل والواقع، مدركاً بالحاسة البشرية، كوميض البرق الذي يظهر في كل النواحي في آن واحد، وذلك فجأة بالنسبة لأهل العالم، كما يتضح من بشارة متى 24: 40-41). وأن الكلمة اليونانية (باروسيا) المترجمة «مجيء» في الآيات المدونة آنفاً، إنما تستعمل للدلالة على حضور شخصي، كما سبقنا وبينّا في أول هذا الفصل.

(ز) مجيء (باروسيا) المسيح ويقينية تمجيد المؤمنين به واجتماعهم إليه

- كلمة الوحي -

«... فَإِنَّنَا نَقُولُ لَكُمْ هٰذَا بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ: إِنَّنَا نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ إِلَى مَجِيءِ (باروسيا) ٱلرَّبِّ لاَ نَسْبِقُ ٱلرَّاقِدِينَ. لأَنَّ ٱلرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلاَئِكَةٍ وَبُوقِ ٱللّٰهِ، وَٱلأَمْوَاتُ فِي ٱلْمَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَّوَلاً. ثُمَّ نَحْنُ ٱلأَحْيَاءَ ٱلْبَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي ٱلسُّحُبِ لِمُلاَقَاةِ ٱلرَّبِّ فِي ٱلْهَوَاءِ، وَهٰكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ ٱلرَّبِّ. لِذٰلِكَ عَّزُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِهٰذَا ٱلْكَلاَمِ» (رسالة تسالونيكي الأولى 4: 15-18).

«فَتَأَنَّوْا أَيُّهَا ٱلإِخْوَةُ إِلَى مَجِيءِ (باروسيا) ٱلرَّبِّ. هُوَذَا ٱلْفَلاَّحُ يَنْتَظِرُ ثَمَرَ ٱلأَرْضِ ٱلثَّمِينَ مُتَأَنِّياً عَلَيْهِ حَتَّى يَنَالَ ٱلْمَطَرَ ٱلْمُبَكِّرَ وَٱلْمُتَأَخِّرَ. فَتَأَنَّوْا أَنْتُمْ وَثَبِّتُوا قُلُوبَكُمْ، لأَنَّ مَجِيءَ (باروسيا) ٱلرَّبِّ قَدِ ٱقْتَرَبَ» (رسالة يعقوب 5: 7-8).

«ثُمَّ نَظَرْتُ وَإِذَا سَحَابَةٌ بَيْضَاءُ، وَعَلَى ٱلسَّحَابَةِ جَالِسٌ شِبْهُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ، لَهُ عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَفِي يَدِهِ مِنْجَلٌ حَادٌّ. وَخَرَجَ مَلاَكٌ آخَرُ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ، يَصْرُخُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ إِلَى ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلسَّحَابَةِ: «أَرْسِلْ مِنْجَلَكَ وَٱحْصُدْ، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتِ ٱلسَّاعَةُ لِلْحَصَادِ، إِذْ قَدْ يَبِسَ حَصِيدُ ٱلأَرْضِ». فَأَلْقَى ٱلْجَالِسُ عَلَى ٱلسَّحَابَةِ مِنْجَلَهُ عَلَى ٱلأَرْضِ، فَحُصِدَتِ ٱلأَرْضُ» (سفر الرؤيا 14: 14-16).

في الآيات المدونة آنفاً نرى في روح النبوة العلاقة القائمة بين «الفلاح» المذكور في رسالة يعقوب (5: 7) وبين الحاصد الجالس على السحابة في سفر الرؤيا (14: 14). فالفلاح الذي ينتظر ثمر الأرض الثمين، أن هو إلا ابن الإنسان، الرب يسوع المسيح نفسه. ونراه في سفر الرؤيا (14: 14-16) يسوع الممجد، «الحاصد الإلهي» الجالس على السحابة وإكليل النصر من ذهب على رأسه وهو حاضر ليحصد الحصيد المؤخر، أي ليجمع آخر جماعة من جماعات المؤمنين المتبقية في أطراف الأرض الأربعة، في أواخر الضيقة العظيمة. ومع الجماعات الأخرى المختلفة التي اختطفت خلال حكم الوحش المروع، ستنضم هذه الجماعة أيضاً إلى جماعة «الإبن الذكر» أو بالحري إلى الجمع العظيم من الذين اختطفوا قبل الضيقة العظيمة.

وسيجتمعون جميعاً إلى ربهم في الهواء، وأساس اجتماعهم حضوره الشخصي - باروسيا. «وَٱلآنَ أَيُّهَا ٱلأَوْلاَدُ، ٱثْبُتُوا فِيهِ، حَتَّى إِذَا أُظْهِرَ يَكُونُ لَنَا ثِقَةٌ، وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ (باروسيا)» (رسالة يوحنا الأولى 2: 28).«وَإِلٰهُ ٱلسَّلاَمِ نَفْسُهُ يُقَدِّسُكُمْ بِٱلتَّمَامِ. وَلْتُحْفَظْ رُوحُكُمْ وَنَفْسُكُمْ وَجَسَدُكُمْ كَامِلَةً بِلاَ لَوْمٍ عِنْدَ مَجِيءِ (باروسيا) رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (رسالة تسالونيكي الأولى 5: 23).

مسابقة الكتاب

عزيزي القارئ، فيما نضع هذه المسابقة بين يديك، نتوقع إجابتك على عشرين سؤالاً منها، ثم إرسالها إلينا، لنرسل لك إحدى جوائزنا المفيدة.

  1. لماذا يعتبر الإنسان مسؤولاً أمام الله؟

  2. متى بدأ حكم الأمم على الأرض لأول مرة؟

  3. لخص ما جاء في نبوة دانيال 2: 32-35 فيما يتعلق بحكم الأمم.

  4. لماذا يرتبط الله بقصده الأزلي في تعامله مع أية أمة؟

  5. من تنبأ نبوة السبعين أسبوعاً؟ وما هو مدلولها؟

  6. ما هو المقصود عددياً بالسبعين أسبوعاً؟ استشهد الكتاب المقدس.

  7. إلام ترمز الحيوانات الأربعة المذكورة في الأصحاح السابع من سفر دانيال؟

  8. ما هو مصير الأمم والشعوب التي لا تخضع لسيادة الله؟

  9. لماذا لم يسمح الله بهلاك الشيطان فوراً؟

  10. لماذا سميّ الشيطان برئيس سلطان الهواء؟

  11. ما هو أساس ثورة الشيطان؟

  12. ما الذي يدل عليه الفارس الجالس على الفرس الأبيض كما في رؤيا 6: 2؟

  13. ما الذي اتبعه البشر في إمهال الله لهم عبر ألوف السنين؟

  14. هل من واجب الله إمهالهم أكثر من ذلك؟ وماذا يتوقع أن يفعل الله إزاء ذلك؟

  15. هل سينذر الله العالم يوم يعلن غضبه؟ كم انذاراً؟ وما فحوى إنذاراته تعالى؟

  16. هل من بينات علمية تؤيد نظرية الكتاب المقدس في حدوث نكبات أرضية في بدء الخليقة؟

  17. أين نجد هذه البينات مسطرة؟ وهل من أدلة كونية أخرى؟ ما هي؟

  18. كيف تفسر إحراق الله مدينتي سدوم وعمورة؟

  19. إلام تشير «بابل العظيمة» كما في رؤيا 17: 3-6.

  20. اذكر الانذار الإلهي الخطير المقدم في رؤيا 18: 4 و5؟

  21. ما هي الحركة الدينية الوحيدة التي «يعترف» بها الله دون سواها؟ ولماذا؟

  22. ما الغرض من وقوف الجميع أمام كرسي المسيح الديان؟

  23. ما هو السجل الوحيد الخاص بالتبرير؟

  24. عدّد أهداف الغاية المجيدة للدينونة الأخيرة؟

  25. هل تعتقد أن ظهور المسيح العتيد معنوياً أم حقيقياً شخصياً؟ وما هو مفهومك لهذا الموضوع؟

لا تنس أن تكتب اسمك وعنوانك الكاملين على أوراق المسابقة. وارسلها إلى:


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany