العودة الى الصفحة السابقة
المخدّرات سموم وهموم

المخدّرات سموم وهموم

السوسي أحمد


Bibliography

المخدّرات سموم وهموم. السوسي أحمد. Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . . SPB 4757 ARA. English title: Drugs Poison And Worry. German title: Drogen Sind Gleich Gift Und Sorgen. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

المقدمة

القارئ العزيز، في هذا الكتاب الذي بين يديك أوردت ما عرفته عن المخدّرات من معلومات متواضعة. راغباً في مشاركة الذين سبقوني وكتبوا في هذا الموضوع للتوعية بأضرار المخدّرات، وكذلك المشاركة في مكافحتها نظراً لما تشكله هذه الآفة من خطر كبير على سائر أفراد المجتمع. ولما يسببه انتشارها من تدمير للقيم والأخلاق الفاضلة، ولقناعتي بأن مكافحة المخدّرات ليست مسؤولية الشرطة وحدها. بل هي مسؤولية جميع أفراد المجتمع بجميع شرائحه. مسؤولية كل مواطن حريص على سلامة وطنه ومجتمعه من الانحراف.

وقد وجدت نفسي قبل البدء في كتابة هذا الموضوع مضطراً إلى دراسة بعض المراجع الأساسية التي تناول فيها الأطباء والباحثون مشكلة المخدّرات من كل جوانبها، وأخذت أراجعها مرجعاً بعد مرجع. وعمدت إلى فحص كل ما يقع بين يديّ حول الإدمان على المخدّرات. من كتب ومقالات في الجرائد والمجلات العربية. وذلك منذ سنة 1984 إلى حدود السنة (سنة 2002).

وهذا الكتاب أوردته بياناً لعلّه ينبّه من لم يتنبه، ويوقظ من هو في سبات عميق. كما أنه يلقي بعض الضوء أمام من لا يزالون يتخبّطون في الظلام.

هذا المؤلف أوردته كذلك بياناً لأولئك الذين يرون في المسيحية ديانة اللامبالاة، وديانة إنعزالية لا تهتم بمشاكل الإنسان.

ومن الوفاء والاعتراف بالجميل أن أشكر أصحاب الكتب والمقالات التي اعتمدت عليها كمراجع أساسية لإعداد مادة هذا الكتاب.

تنبيه

عندما نقدّم معلومات ما حول المخدّرات لا نقصد بها الإثارة، أو تقديم معلومات عن كيفية الإستعمال أو الدعاية لها. إنها فقط لكشف الوجه الحقيقي البشع للمخدّرات بجميع أصنافها، وأشكالها وألوانها، لكي يعرفها الجميع ويتجنّبها. لأنّ معرفة حقيقة الأشياء يجنّبنا الضرر والهلاك كما جاء في قول هوشع النبي «قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ ٱلْمَعْرِفَةِ» (هوشع 4: 6). وأقول لك أيّها القارئ العزيز ما قاله سليمان في سفر الأمثال 3: 7 و8 «ٱتَّقِ ٱلرَّبَّ وَٱبْعُدْ عَنِ ٱلشَّرِّ، فَيَكُونَ شِفَاءً لِسُرَّتِكَ، وَسَقَاءً لِعِظَامِكَ».

القس السوسي أ

الفصل الأول: ما هو موقف المسيحيّة من المخدّرات؟

لم تكن المخدّرات في زمن السيد المسيح معروفة بالشكل والأسماء والأنواع التي توجد عليها اليوم. وهذا لا يعني أنّه ما دام الإنجيل لم يذكر المخدّرات بأسمائها، فإنّ استعمالها مباح، كلا. فالإنجيل المقدس يقول: «ٱهْتِمَامَ ٱلْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلٰكِنَّ ٱهْتِمَامَ ٱلرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ» (رومية 8: 6). وكذلك قوله «ٱمْتَنِعُوا عَنْ كُلِّ شِبْهِ شَرٍّ» (تسالونيكي الأولى 5: 22).

فالإنجيل يحرّم كل ما يستعبد الإنسان ويدمّره، ويبعده عن الله. إذن فالمسيحية تعطي أهمية خاصة للجسد وفي ذلك يقول بولس الرسول إنّ على الإنسان أن يقوت جسده ويربيه «فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ» (أفسس 5: 29).

إنّ المخدّرات في رأي المسيحية اعتداء على النفس البشرية، إذ تقدم المخدّرات على تعطيل قوّة أودعها الله في الإنسان ألا وهي العقل. والاعتداء على عضو ما في الجسد هو في نفس الوقت اعتداء على بقية أعضاء الجسم، وبعضها يظهر عليها هذا الاعتداء في الحال والبعض الآخر مع مرور الزمن. فالمخدّرات هي اعتداء على الجسد الذي خلقه الله على أحسن صورة. كما جاء في سفر التكوين 1: 31 «وَرَأَى ٱللّٰهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً». ولأجل هذا فالجسد بالنسبة للمؤمن المسيحي هو أمانة إلهية لا يجوز له أن يدنسه أو يدمره. بل عليه أن يسلك بالروح ولا يكمل شهوة الجسد (غلاطية 5: 16).

توجد في الأديان الأخرى أوامر ونواهٍ، حلال وحرام، وتعاليم عن الخطأ والصواب. لكنّها مع كل ذلك فشلت في إصلاح الإنسان، وجعله يبتعد عن الخطأ ويفعل الصواب، يمتنع عن الحرام ويأكل الحلال. أمّا الإنجيل المقدّس فوصاياه لا تعدنا فقط بمعرفة الحقّ والصواب، بل تعدنا أيضاً بالقوّة التي تساعدنا وتساندنا لكي نقدر على فعل الحق والصواب، هذه القوّة هي قوّة الروح القدس. فالامتلاء بالروح القدس هو وحده الذي يُدخل الفرح والسلام والسعادة إلى قلب الإنسان. ويحميه من الوقوع في شِباك إبليس وحبائله، ويرشده ليميّز بين الخطأ والصواب وبين الحق والباطل، ويصبح ذلك الإنسان الذي قال عنه الكتاب المقدّس «اَلْحَكِيمُ يَخْشَى وَيَحِيدُ عَنِ ٱلشَّرِّ، وَٱلْجَاهِلُ يَتَصَلَّفُ وَيَثِقُ» (أمثال 14: 16). ويتجنّب هذه الآفة لأنها تتلف صحة الإنسان وتبذّر المال وتؤذي كل من هو حولنا.

المخدّرات عبر التاريخ

منذ زمان بعيد عرف الإنسان النباتات المختلفة من خلال تعرّفه على بيئته ومحيطه الذي يعيش فيه، ومن ثمّ أخذ يجرّب ما يقع تحت يديه منها ويستعملها حيناً في طعامه وأحياناً في شرابه. وهكذا عرف الإنسان المخدّرات بشكل تدريجيّ عن طريق التجربة أو بالصدفة، ثم ابتدأ الإنسان مع مرور الوقت يزرعها ويصنّعها كما هو الحال في أيامنا هذه حيث وصلت صناعة المخدّرات أوجها.

فنبات القنب مثلاً عُرف منذ فجر التاريخ. عرفه المصريون والصينيون واليونانيون. ففي بداية الأمر ظهر في أواسط آسيا، ثم أخذ ينتشر في كثير من بقاع العالم.

وقد جاء ذكر الأفيون في لوحة سومرية يرجع تاريخها إلى 4000 سنة قبل الميلاد، وكانوا يسمّونه نبات السعادة. ثم جاء وصف حصاد الأفيون في لوحة أخرى ترجع إلى سنة 3300 قبل الميلاد.

عند الرومان

كان تمثال الإله «سومنس» يُزّين بثمار الخشخاش الذي يُستخرج منه الأفيون، ويذكر المؤرخون أن الإمبراطور الروماني ماركوس أورليانوس كان مدمناً على الأفيون.

عند الآشوريين

في القرن الثامن قبل الميلاد عرف الآشوريون الحشيش وعرفوا أنّه يؤدّي إلى نوعٍ من التخدير.

عند الهنود

في الهند جاء ذكره في كتاب «سوسروت» وبدأ الهنود يستعملونه كمكيّفٍ ومخدّرٍ. وتقول مصادر تاريخية ترجع إلى ثلاثة آلاف سنة إنّ «الباهانك»، أي الحشيش، له فوائد طبيّة إشارة إلى خاصيّته المخدرّة، كما استُخدم في الطقوس الدينية في معابد الكهنة لطرد الأرواح الشريرة.

عند أهل الصين

فكتُب التاريخ تذكر أنّ الحشيش كان معروفاً في عهد الأمبراطور الصيني «سنج» في القرن الثامن والعشرين قبل الميلاد، وكان يُستعمل في العمليّات الجراحية، ومن أليافه كانوا يصنعون الأقمشة.

أمّا الأفيون فقد عرفوه في سنة 1000 ميلادية، ويُقال إنّ العرب هم الذين أدخلوه إلى الصين للاستعمال في العمليّات الجراحية كمسكّن.

عند العرب

أمّا عند العرب فقد ذكر الطبيب العربي ابن البيطار في القرن الثالث عشر الميلادي أنّ نبات القنّب الهندي - الحشيش - كان يُزرع في بساتين، ويُعرف فيها باسم الحشيش، وأنّ الفقراء بصفة خاصة يتعاطون هذا العقار.

كما وصفه البيروني قبل ذلك في كتابه سنة 1000 ميلادية مبيّناً أعراض الإدمان عليه. وفي شمال العراق كان الحشيش معروفاً لدى عامة الناس حيث أسس زعيم الطائفة الإسماعيلية حسن الصباح دولة الحشاشين.

حرب الأفيون

إنّها قصة حقيقية وواقعية من التاريخ الحديث، توضح الاستغلال البشع لسلاح مخدّر الأفيون في غزو بلاد الصين.

فقد حصلت شركة الهند الشرقية - شركة بريطانية - على حقّ احتكار وإنتاج الأفيون في الهند، واتفقت مع شركات أخرى على شراء الأفيون وتصديره إلى الصين. وهكذا بدأت أول عملية تصدير الأفيون من الهند إلى الصين، وذلك بنسبة 200 صندوق من الأفيون في عام 1729. وفي سنة 1832 ارتفع هذا الرقم إلى 25000 صندوق. ولمّا تفاقم الأمر كتب نائب الأمبراطور «لين تسي هو» إلى الملكة فكتوريا طالباً منها التدخّل لوقف هذا الطاعون.

وقد ردّت شركة الهند الشرقية قائلة: «إذا كانت حكومة الصين لا تستطيع منع موظفيها من أخذ الرشوة، ولا تستطيع منع شعبها من تدخين الأفيون، فلماذا نوقف نحن التجار البيع ما دامت هذه تجارة؟».

وفي سنة 1838 واجه الأمبراطور الصيني الموقف بحزم وأرسل جيشه إلى مقاطعة «كانتون» لمنع دخول الأفيون لبلاده. ولم يطالب فقط بجمع الأفيون الموجود من عند التجار وإحراقه، بل سجن أولئك التجار وذلك عقاباً لهم على تدمير كيان الأمة الصينية.

لكنّ هذا التصرّف لم يعجب الحاكم البريطاني وأُعلنت أول حرب من أجل الأفيون. وبعد عدة اصطدامات وقّع القائد الصيني معاهدة «تشيني» التي نصّت على تسليم جزيرة هونغ كونغ إلى بريطانيا (أُعيدت مؤخراً إلى الصين).

بدأت أصوات بعض الشخصيات البريطانية ذات الضمير الحي ترتفع في البرلمان البريطاني، معارضة حرب الأفيون القذرة لأنّ المعركة غير شريفة. وتزايد الضغط على الحكومة البريطانية إلى أن توقفت تجارة الأفيون سنة 1913.

أنواع المخدّرات

الكوكايين

إذا كان يعرف بأنّ الأفيون هو مسبّب الحرب التي دُعيت باسمه بين الصين وبريطانيا، فهناك حرب تُدعى حرب الكوكايين، تجري رحاها اليوم بين أمريكا وتجار الكوكايين من أمريكا اللاتينية.

ما هو الكوكايين؟

الكوكايين هو مخدّر يُستخرج من أوراق نبات الكوكا على شكل مسحوق أبيض ناعم الملمس. ويوجد نبات الكوكا في أمريكا اللاتينية، وقد عرفه هنود الأنكا منذ 500 سنة قبل الميلاد ولا يزال يُستعمل حتى الآن.

وتُعدّ دولة البيرو من أكبر الدول المنتجة لأوراق الكوكا، حيث تصل المساحة المزروعة فيها إلى 100 ألف هكتار، وهذا يعادل ثلث المساحة العالمية المزروعة بالكوكا، وقد زادت المساحة في سنة 1989 ب 30٪ حيث تم اقتلاع الأشجار واستصلاح الأراضي لزراعة الكوكا.

وتأتي بوليفيا في المرتبة الثانية بعد البيرو من حيث زراعة الكوكا. وأغلب إنتاجها موّجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية. فقد أنتجت سنة 1985 أكثر من 220000 - مائتين وعشرين ألف طنّ - استخدم منها 160 ألف طن في صناعة الكوكايين التي تقدّر قيمتها بأربعة مليارات من الدولارات. وفي سنة 1987 تضاعفت قيمة هذه الصناعة لتصل إلى ثمانية مليارات من الدولارات.

ومن هنا ندرك سبب (طلب الولايات المتحدة الأمريكية في حملتها ضد المخدّرات حكومة بوليفيا تخفيض إنتاج نبات الكوكا. غير أنّ لجنة شؤون الاتجار بالمخدّرات التابعة لمجلس الشيوخ في بوليفيا أعلنت في تقرير لها أنّ الاستجابة لطلب الولايات المتحدة الأمريكية هو بمثابة انتحار للبلاد لأنّه سيحرم بوليفيا من مصدر مهم من مصادر العملات الصعبة) عن مجلة الشاهد ص 100 عدد 17 شتنبر 1986.

تعاطي الكوكايين: يتم تعاطي الكوكايين عن طريق الاستنشاق أو عن طريق الحقن في الوريد وذلك بعد إذابته في الماء، وهذه الطريقة شديدة الخطورة.

الاستعمال الطبي للكوكايين: لقد اكتشف عدد من الباحثين الميّزات التخديرية الموضعية، التي يمتاز بها الكوكايين منذ أن تمكّن الكيميائي ألفريد نيمان من عزل مادة الكوكايين من أوراق الكوكا. وذلك سنة 1837 وهكذا حاول الأطباء الاستفادة من قوّتها التخديرية. فقد كان الاختصاصيون في الطب وجراحة العيون يستعملونها للتخدير أثناء جراحتهم للعين. كما كان يستعملها الاختصاصيون في جراحة الأنف في التخدير الموضعي، لكن سرعان ما ثبت لهم خطر استعمالها لذلك صنعوا أدوية أخرى لا تتسبب في الإدمان بدلاً منها.

مدمن الكوكايين: مدمن الكوكايين هو غالباً خامل المظهر متراخٍ في مِشيته، بليد الحركة، كلامه غير موزون وحديثه غير مترابط.

الأفيون، الآفة والنعمة في آن واحد

يُستخرج الأفيون من نبات طبيعي «الخشخاش». وهذا النبات ذو شكل وزهور جميلة، ولون زهوره يختلف باختلاف المناطق والبلدان التي يُرزع فيها. ضمنه الأبيض والأرجوانيّ.

كل نبتة تحمل ما بين 5 إلى 8 زهرات، وفي أسفل كل زهرة نجد ما يُسمّى بالثمرة أو الكبسولة . فعندما يبلغ طول الثمرة حوالي أربع سنتمترات تُجرح في الماء جُرحاً دائرياً خفيفاً فتسيل منه عصارة بيضاء سريعة التخثر، وفي الصباح تُجمع هذه العصارة التي تحوّل لونها إلى لون بني، ثمّ تُجفف وتوضع في أكياس أو قوالب بلاستيكية. ولكل بلد طريقته وأسلوبه في التخزين والتحضير.

الاستعمالات المتنوعة للأفيون:

وجد الكيميائيون في الأفيون 25 نوعاً من «القلوبدات» واستعملوا أغلبها في الطب والصيدلة، فأفادت الإنسانية إفادة جمّة. وأصبحت من الأدوية التي لا غنى عنها في أيّ مستشفى، أو مركز طبيّ.

في الماضي كانت مادة الأفيون تُباع في الصيدليات بدون وصفة طبية. ثم صدر في سنة 1914 القانون المعروف بقانون «هاريسون» الذي حرّم بيع الأفيون خارج الصيدليات أو بدون وصفات طبية.

بعد هذا تتابعت القوانين المحلية والدولية التي اكتملت بإصدار القانون الدولي للحدّ من سوء استعمال الأدوية سنة 1973. وسبب هذا المنع هو الاستعمال السيّئ للأفيون الذي أصبح لا يُستعمل في الطب فقط، إنّما للإدمان أيضاً بسبب الأشرار.

وهكذا ظهر الكثير من العصابات المحليّة والدولية التي تهتم بزراعة الأفيون، وصناعته، وتهريبه، ولا همّ لهذه العصابات الشريرة سوى ربح الأموال فقط دون الاهتمام بما قد يسببه انتشار مخدر الأفيون بين الناس من مصائب ودمار على الإنسانية.

مشتقّات الأفيون:

يُستخرج من الأفيون الطبيعي ثلاثة مشتقات وهي:

المورفين morphens

وهو اسم مشتق من الكلمة اليونانية «مورفيس» أي إله النوم، وقد اكتشفه الصيدلي الألماني «فريدريك سرتنر» Serurtner وذلك سنة 1806.

ولم ينتشر الإدمان عليه إلاّ في الربع الأخير من القرن التاسع عشر من خلال استعماله في المستشفيات للتغلب على الألم وفي العمليات الجراحية، حيث استعمل بشكل مبالغ فيه، لاعتقاد الأطباء أنّه دواء سحريّ، كلما زدت الجرعة المستعملة كلما كان مفعولها أكبر وأفيد. لكنّ ذلك دفع المرضى إلى الإدمان عليه، وهذا ما دفع أمريكا سنة 1910 إلى توجيه اتهام للأطباء بأنّهم تسبّبوا بالإدمان عند المرضى.

يُعدّ المورفين من أقوى الأدوية في إزالة الأوجاع، وهو من أقوى الأدوية المسكنة للأوجاع في العالم. «يُستعمل بكثرة في الأمراض السرطانية في المرحلة النهائية، وهو ذو مفعول قويّ في معالجة الذبحة القلبية الحادة والاحتقان الرئوي الحاد، كما يوصف لمقاومة الأوجاع التي ترافق نوبات الحصي في الكلية وفي المرارة، والكسور العظمية وآلام الحروق» (المخدّرات إعرف عنها وتجنبها - ص 19).

الهروين

في سنة 1874 تمّ صنع الهروين من «ثاني أسيل المورفين» لأول مرة في مستشفى القديسة فارني في لندن، وفي سنة 1898 أنزلته شركة «باير» الألمانية إلى الأسواق.

وقد استُعملت مادة الهروين في علاج السعال، إلاّ أنّ المرضى زاد طلبهم على هذه المادة لتسكين السعال باستمرار ووقعوا في شباك الإدمان.

وعندما تأكد الأطباء من قدرة الهروين في إحداث الإدمان توقفوا عن استعماله. وعُقدت اتفاقية دولية تحظر صنعه واستعماله إلاّ لأغراض محدودة جداً كالأمراض الميئوس من شفائها.

الكودايين

ثم عزل مادة الكودايين من الأفيون سنة 1822 وهو دواء يُستعمل في تسكين السعال.

الحشيش

أصبحت كلمة حشيش معروفة دولياً خصوصاً عند المدمنين عليها وعند الجهات المختصة في محاربة المخدّرات، إن لم نقل عند كل الناس.

ويقال إنّ كلمة «حشيش»مشتقة من الكلمة العبرية «شيش» التي تعني الفرح. كما يدعى كذلك بالقنب الهندي، وقد دُعي بهذا الاسم نسبة إلى موطنه الأصلي، وهو المنطقة التي تقطع جبال الهمالايا بالهند، ومن هناك انتقل إلى مختلف المناطق الأسيوية، ومن ثم إلى باقي دول العالم.

يُزرع نبات الحشيش أو القنّب الهندي في العديد من الدول بشكل سرّي أو علنيّ أحياناً، فرغم أن جميع دول العالم وقعّت في جنيف معاهدة منع زراعة الحشيش وتعاطيه، فلا زالت زراعته مزدهرة. وتزداد انتشاراً في بلدان عديدة، ويتغير اسم الحشيش من بلد لآخر.

ففي المغرب يُسمى «الكيف» وفي أمريكا اللاتينية «المارخوانا». وفي السودان «البانغو» وفي الهند «شراس»، وفي باقي دول الشرق الأوسط والعالم يُعرف بالحشيش.

القات

القات شجيرة تنمو في الجزيرة العربية خصوصاً في اليمن، تنبت كذلك في إفريقيا الشرقية ولا سيما في أثيوبيا وكينيا، وتشبه كثيراً شجيرة الشاي، أوراقها صغيرة وذات طعم مرّ. وشجيرة القات تنمو في مناخ ملائم لزراعة البن «شجيرة القهوة» وتعطي ثمارها بعد ثلاث سنوات من غرسها، ثم تستمر طوال السنة في الإثمار بخلاف شجيرة البنّ «القهوة» التي لا تعطي ثمارها إلاّ بعد ستّ سنوات من زراعتها.

(أمّا في اليمن فهي تُمضغ وتُستحلب وقد تُعطّر بالنعناع، وبين وقت وآخر تُبلل بماء بارد به رائحة القرفة أو القرنفل أو بقهوة محلاة بالسكر) (العربي ص 118 عدد 205 ديسمبر كانون الأول 1975).

تنتشر عادة تعاطي القات وزراعته في اليمن أكثر من أي دولة أخرى. وشجيرة القات تكتسح غيرها من المزروعات لتصبح هي السائدة في جميع أنحاء البلاد، فمع الصباح عندما ينحدر الناس إلى الأسواق بحثاً عن الرزق، ينحدر اليمنيون وبكل أسفٍ لشراء أوراق شجيرة القات.

كما أنّ عادة تعاطي القات أو - المولع - كما يُسمى في اليمن، منتشرة بين الناس كباراً وصغاراً، ذكوراً وإناثاً. يقول الدكتور علي البار في هذا الصدد: «المرأة هناك - أي في اليمن - تشارك الرجل في تدخين النرجيلة. كما تشاركه أيضاً في مضغ القات» ( «التدخين وأثره على الصحة» للدكتور علي البار).

المخدّرات الجديدة

إضافة إلى المخدّرات التقليدية كالأفيون والكوكايين، والهروين والحشيش، فهناك المخدّرات الجديدة أو ما يُعرف بالمخدّرات المصنعّة. وبما أن الحصول على الأفيون وغيره من المخدّرات الطبيعية صعب للغاية لأنها غالية الثمن، ولا يتيسر الحصول عليها إلاّ للأغنياء، وبسبب أن المخدّرات عرفت ازدهاراً كسلعة يتزايد الطلب عليها يوماً بعد يوم، لذلك تمّ التفكير في توسيع دائرتها وتنويع أشكالها وألوانها وأنواعها ما بين طبيعية وكيماوية في شكل عقاقير صناعية بفضل تقدّم علم الصيدلة.

وهكذا رأى التجار أنّه لا بدّ من إيجاد مخدر بديل رخيص يكون في متناول الجميع، وفي نفس الوقت يحقق أرباحاً هائلةً، بحيث أن تاجر المخدّرات المصنّعة لا يستثمر سوى بضعة آلاف من الدولارات لإنتاج ملايين الجرعات الثمينة التي تعود عليه بعشرات الملايين من الدولارات. وعرف تجّار السوء كيف يسخّرون العلم ورجاله لصنع مادة رخيصة الثمن تشبه المخدّرات الطبيعية، ولا يحتاجون لصناعتها إلاّ لمكان صغير حيث لا يلفت انتباه مصالح محاربة المخدّرات. وهكذا اخترعوا العشرات بل المئات من الأنواع من المخدّرات المصنّعة التي تمّ تحضيرها في مختبرات صغيرة في أسفل المنازل (أو المرائب) أو في حجرات صغيرة فوق السطوح. هذا ما ورد في المقالة المعنونة ب (القانون الأمريكي يحظر تصنيع الهروين ويسمح بما هو أخطر جريدة الرأي العام الكويتية ص 13 /6/2/1987).

يقول «مانفريد كاليشكة» رئيس شرطة مكافحة المخدّرات في دوزبورع في ألمانيا: «إنّ الحبوب والبودرة والمساحيق والكبسولات التي تظهر أكثر فأكثر من وراء الكواليس هي المخدّرات المركّبة صناعياً والتي تغرق المتعاطين بها في العالم الذي يمكن أن ندعوه بعالم السعادة الكيماوية» وفي ألمانيا وحدها اكتُشف سنة 1986 أكثر من 41 مختبراً سريّاً لصنع المخدّرات (مجلة بلسم ع 147 الصفحة 51 لسنة 1987)

ومن أشهر هذه المخدّرات الصناعية أو المصنّعة مخدّر «الكراك» الذي صنع في أمريكا ومنها انتشر في كل بقاع العالم. وهذا المخدّر بدأ يأخذ مكان المخدّر المصنّع قديماً L.S.D والمعروف بعقار الهلوسة ومخدّر اسمه «الأيس» و «أكستاسي».

إنّ قائمة المخدّرات المصنّعة لا يمكن إغلاقها ما دامت الصناعة الكيماوية والدوائية تطرح لنا كل يوم عشرات المركّبات التي قد يستعمل الأشرار بعضاً منها في استعباد وتدمير الناس.

مخدّرات الفقراء

هناك أنواع أخرى من المخدّرات لا يمكن تصنيفها لأنّها من اختراع الشباب الفقير، الذي لا يجد المال اللازم لشراء المخدّرات الموجودة في السوق، لأنها غالية الثمن وفوق طاقته. ولأن الحاجة أمّ الاختراع (كما يُقال) فقد لجأوا إلى اختراع أنواع أخرى. ومن هذا المنطلق أصبحنا نشاهد في العديد من البلدان أنواعاً جديدة من المخدّرات الرخيصة.

وهذه الموجة الجديدة من المخدّرات التي يمكن أن نطلق عليها اسم مخدّرات الفقراء، تكمن خطورتها في وفرتها ورخص ثمنها، ومن أشهر هذه المواد:

مديبات الأصباغ: مثلا المديبات المستعملة في إزالة صباغة أو طلاء الأظافر، وغازات الولاعات، والغراء، وبعض أنواع اللصاق «السيليسيون»، مادة تلميع الأحذية «السراج»، ومشتقات البنزين، وبعض مواد التنظيف، ومبيدات الحشرات، بعض مواد التجميل. بالإضافة إلى استنشاق غاز أول أكسيد الكربون المنبعث من أنبوب عادم السيارات «شاكمان»وبعض المركّبات المستعملة في تنظيف الأفران. وغالباً ما يتم تعاطي هذه المواد عن طريق الاستنشاق.

وكم من مرّة شاهدت في عدة مدن مغربية بعض الأطفال المشردين أو بعض ماسحي الأحذية يقومون باستنشاق بعض هذه المواد. إذ يضعونها في قطعة قماش ثم يستنشقونها كما يستنشق المسكّن.

وهذا الداء لا تعاني منه الدول النامية أو الدول الفقيرة فقط بل هناك آلاف الأطفال في الدول المتقدمة الذين يلجأون إلى بعض الطرق التي ذكرناها لكي يتخدّروا.

ففي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية عندما لوحظ إقبال بعض المراهقين على استعمال بعض المواد بغاية التخدير قاموا بتغيير رائحة بعض المنتوجات لتنخفض بذلك الرغبة في استعمالها.

وفي السعودية صرّح العميد إبراهيم الميمان لجريدة عكاظ السعودية العدد 7837 لشهر دجنبر (كانون الأول) 1987 أنه تنتشر بين بعض فئات المراهقين عادة سيّئة يُطلق عليها في السعودية «التشفيط» أو إدخال عناصر إضافية على بعض الأدوية أو المشروبات الغازية التي تسبّب الإدمان.

الاستعمال السيء للأدوية

لقد قامت المختبرات العلمية الطبيعية باختراع أدوية متنوعة قصد التخفيف من آلام الإنسان وعلاج أمراضه. وهكذا طُرحت في السوق الملايين من الحبوب والمساحيق والكبسولات بهدف أن تكون دواءً طبياً، ولكنها وبكل أسف بدأت منذ مدة طويلة تتحول عن الهدف النبيل الذي وُجدت من أجله إلى طرق خبيثة، أي إلى مخدّرات ضارة في مختلف بلدان العالم.

فالدواء هو مركّب طبيعي أو صناعي يُؤخذ بمقادير معيّنة لأجل العلاج وشفاء مرض معيّن. لكن البعض أساء استعمال الأدوية، فاستعملها بشكل خاطئ وفي غير الأغراض العلاجية التي صُنعت من أجلها ودون الالتزام بالقدر الذي يحدّده الطبيب المعالج. وهناك من يستعملها بدون استشارة الطبيب. ونتج عن ذلك أضرار جسيمة ومشاكل صحيّة خطيرة، ليس فقط على المدمن عليها بل تعدته إلى أسرته ومجتمعه.

هناك فرق كبير بين تناول الدواء بقصد العلاج والشفاء، وبين تناوله بحثاً عن الهدوء والسكينة واللذة. ففي الحالة الأولى يُؤخذ الدواء بمقادير محدّدة وفي أوقات معيّنة، أمّا في الحالة الثانية فليس للمقدار الذي يؤخذ من الدواء من حدود، لهذا يزداد الطلب يوماً عن يوم على العقاقير دون أن يكون في حاجة للدواء.

ومن الشعوب المشهورة باستهلاك العقاقير الطبية خصوصاً المنشّطات والمهدّئات هم الفرنسيون. ففي سنة 1986 استهلك الفرنسيون 165 مليون علبة من المهدئات والمنومات. وفي سنة 1978 سُجّلت في فرنسا 1042 عملية سطو على صيدليات للحصول على عقاقير تحتوي على المخدّر.

وفي سويسرا دلّت الإحصائيات على أنّ الصيدليات باعت في عام 1985 أكثر من 300 مليون حبة من المهدئات.

وفي ستوكهولم عاصمة السويد، وصل عدد المدمنين على المنشطات فيها ما يزيد على 25000 مدمن.

أضرار المخدّرات

قديماً كتب أحد الحكماء العرب يصف أضرار المخدّرات قائلاً: «تورث اختلال العقل وفساد الفكر ونسيان الذِكر وإفشاء السر، وذهاب الحياء وكثرة المراء، وعدم المروءة ونقص المودّة، وكشف العورة وعدم الغيرة، وإتلاف الكيس ومجالس إبليس، والوقوع في المحرّمات، ونتن الفم وسقوط الأجفان والأسنان، وكثرة النوم والكسل، وتجعل الأسد كالعجل وتعيد العزيز ذليلاً، والصحيح عليلاً، والشجاع جباناً والكريم مهاناً، تجعل الفصيح أبكم والذكي أبله وتذهب بالفطنة».

هذا ما قاله الحكيم في الماضي عن أضرار المخدّرات، واليوم لا ينكر أحد أضرارها، حتى الذين يتعاطونها أو يروّجونها يعرفون أنّهم يحملون أرواحهم على أكفّهم في سبيل نشوة عابرة ومغامرة خطيرة.

وفيما يلي نقدّم للقارئ الكريم ما ذكره أهل العلم والمعرفة عن أضرار المخدّرات.

الأضرار الصحيّة

من الثابت علمياً أن المخدّرات تضرّ بجسم المتعاطي وعقله، إذ تسبّب في ارتفاع ضعط الدم، وانفجار الشرايين، واضطرابات قلبية، والتهابات المعدة والكبد والبنكرياس. كما تؤثر على الدماغ والأعصاب، وتسبب كذلك في نحافة الجسم وشعور بالتعب والكسل.

كذلك نجد أنّ الأمراض النفسية شديدة الانتشار بين الذين يتعاطون المخدّرات. فتسبب لهم الانهيار العصبي والنفسي، والجنون، وتذهب بعقل الإنسان الذي هو جوهرة ثمينة، والتي على قدر بقاء هذه الجوهرة صافية سليمة تكون سعادة الإنسان. فليس هناك ما هو أغلى من العقل بعد الحياة، العقل الذي به فضّل الله الإنسان به على بقيّة خلقه.

الإيدز: كما أنّ تعاطي المخدّرات، خصوصاً بالحقن، يكون سبباً في مرض الإيدز «السيدا» هذا المرض الذي أصبح يحصد أغلب ضحاياه من بين متعاطي المخدّرات والشذوذ الجنسي.

أضرار الحشيش: يقول الأطباء: «إنّ الحشيش أو الكيف يضعف المناعة ضد الأمراض وذلك بتخريبه المستمر لكريات الدم البيضاء. كما أنّه يحدث الإنيميا الحادة، ويضعف الهرمونات الذكرية ممّا يسبّب العقم لكثير من الرجال، هذا مع فتكه وتخريبه للرئة وإحداث خلايا سرطانية فيها».

كما أنّ من يتعاطى الحشيش يتصف بالبلادة، الكسل، قلة الانتاج، فقدان الطموح، الانفعال، وسوء الحكم والتمييز بين الاشياء. والحشاش يظل يهيم في تصورات وأحلام وأوهام كلهّا سراب وخداع، وهذا كله طبعاً نتيجة لتأثير مادة الحشيش على عقله وبدنه وحواسه.

أضرار القات: لقد اكتُشف أنّ القات يحتوي على مواد قلوية ومنبّهات للجهاز العصبيّ. وقد توصّل مختبر قسم المخدّرات في الأمم المتحدة في جنيف إلى اكتشاف سبعٍ وعشرين (27) مادة قلوية في القات حتى الآن. وتعاطي القات يسبب سوء الهضم مع فقدان الشهية. ويساهم في تحطيم الأضراس. وأبناء صاحب القات غالباً ما يكونون ضعاف البنية، صغار الجسم قصار القامة، ومنهم من يُصاب بأمراض خبيثة.

أضرار الكوكايين: إن الخطر الأكبر في التعاطي للكوكايين يتمثل في الاضطرار لزيادة الكمية وتتابع الجرعات، حيث يصبح المتعاطي عبداً ذليلاً للمادة. فإن طالت مدة الإدمان وزادت الكمية المستعملة فخطورة الإصابة بالجنون وبالاضطرابات العقلية المتنوعة أمر وارد.

ويقول الدكتور لطف الله البستاني «إنّ مفعول الكوكايين يمتد متنقلاً من المراكز العليا في الجهاز العصبي إلى النخاع الشوكي، فيسبب أحياناً اضطرابات قلبية وتنفسيّة مع موت مفاجئ بشلل عضلات القلب».

الأضرار الاجتماعية

الأخلاق: إنّ المخدّرات تؤدّي إلى فساد الأخلاق وإثبات الأفعال القبيحة. فكثير من حوادث الفساد من زنا وخيانة زوجية تقع عندما يكون الإنسان تحت سيطرة هذه المخدّرات مما يؤدّي إلى تفكك الأسرة وارتكاب الجرائم. وكم من جريمة ارتكبها أصحابها وهم تحت تأثير المخدّرات.

الأمن: إنّ تأثير المخدّرات على متعاطيها هو تأثير خطير يسيطر على العقل والجوارح ويجعلها مشلولة تماماً. فإذا كان الحارس أو العامل الواقف أمام الآلة، أو الممرّض الذي يُشرف على المرضى، أو سائق السيارة يتعاطى المخدّرات فتصوروا ماذا سيحدث؟ إنّها كوارث، بل مصائب جمّة. كما تساعد المخدّرات على ارتكاب جرائم السرقة والقتل والرشوة، و التعدي على الناس العاديين، بل حتى على رجال الشرطة وحماة الأمن.

تصوّر معي أيّها القارئ العزيز، إنساناً وقع تحت سيطرة المخدّرات، لا يدري أمسه من يومه ولا يعرف يمينه من شماله، وفقد السيطرة على عقله وجسمه، فما الفائدة التي تُرتجى من مثل هذا الإنسان؟ إنّه طبعاً سوف لن يفيد نفسه ولا غيره، سوف تنقطع به السبل، ويفشل في تحقيق مبتغاه من الحياة وما ينتظره منه وطنه بعدما فقد علاقته بالله.

المال: إنّ مال كل فردٍ منّا هو مال الله. أعطاه للإنسان وديعة لينفقه على نفسه وعائلته ومجتمعه وذلك في سبيل الخير، فتبديد المال وصرفه بالطرق غير الشرعية هو اعتداء على الأمانة. المدمن يشتري بالمال الذي يقتات منه هو وأولاده المخدّر تاركاً أسرته تحت وطأة الجوع والحرمان، فالذي يبذّر ماله في شراء المخدّرات سوف يصل لا محالة إلى الإفلاس التام.

الأضرار الاقتصادية

الإنتاج: إنّ رغبة الإنسان العاقل هي أن يكون فرداً عاملاً صالحاً ليحقق بذلك مصلحة خاصة لنفسه كفرد من أفراد المجتمع، ويكون منتجاً إيجابياً في كل مجالات الحياة.

يقول الدكتور لطف الله البستاني: «لا شك أنّ القات مشكلة اقتصادية وإنسانية ضخمة، خصوصاً عندما تأخذ حجماً وطنياً كما هو الحال في اليمن، فتعيق عملية النمو والتطور في مجالات عديدة. خصوصاً أنّ جلسات تعاطي القات تُعقد في أوقات معيّنة أثناء النهار، تصرف متعاطيه عن العمل والإنتاج، ولهذا أصدرت الحكومة اليمنية الديموقراطية الشعبية (آنذاك) عام 1973 قانوناً بمنع التوسع في زراعة القات، ثم أتبعته بقانون رقم 38 الصادر سنة 1977 (يمنع تعاطي وحيازة وبيع وشراء القات خلال أيام الأسبوع باستثناء يومي الخميس والجمعة والعطلات الرسمية). ثمّ بعد ذلك تمّت محاولات عديدة لمكافحة هذه العادة الاجتماعية السيّئة، ولكنّها جميعاً باءت بالفشل. فلم تنفع قرارات المنع ولا الضرائب المرتفعة، بل إنّ المدمن يُفضّل أن يحرم نفسه من الغذاء من أجل أن يوفّر المال ليشتري به الداء العضال» (المخدّرات من القلق إلى الاستعباد ص 84).

يقول علي هاشم عقيل: «هناك سلبيات لا حصر لها ثبت انتشارها لدى مستعملي القات، منها إهمالهم لأعمالهم. فقد أٰحصيت الساعات التي يعمل فيها ماضغو القات في المتوسط فوجدت أنّها لا تتعدّى ثلاث ساعات يومياً» (مجلة الأمن والحياة، عدد 63 أكتوبر تشرين الأول 86).

أمّا المكتب العربي لشؤون المخدّرات فيقول في تقريره: «الجمهورية العربية اليمنية تخسر سنوياً ما يزيد على ثلاثة آلاف وخمسمائة مليون ساعة عمل، وهو الذي يضيع على أبناء اليمن بسبب مضغ أوراق القات وتخزينه. فضلاً عن ألف مليون ريال ثمناً للقات الذي يستهلكه المواطن» (المخدّرات من القلق إلى الاستعباد ص 84).

أمّا منظمة الصحة العالمية فقد أصدرت تقريراً جاء فيه: «إنّ اللجنة أدركت أن التعوّد على مضغ القات أدّى في بعض المناطق إلى ظواهر اجتماعية واقتصادية معوّقة للفرد والمجتمع لفقدان ساعات العمل وضياع المدخول، وسوء التغذية وانتشار الأمراض».

وهكذا نرى أنّ لا أحد يستطيع أن يخلّص اليمن من هذه المصيبة إلا الله وحده إن هم أدركوا الحقيقة «غَيْرُ ٱلْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ ٱلنَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ» (لوقا 18: 27).

الفصل الثاني: السينما والمخدّرات

السينما والمخدّرات

كثيرة هي الأفلام الغربية والعربية التي تناولت مشكلة المخدّرات. وكل ما تقدمه تلك الأفلام هو الصراعات التي تنشأ بين تجار المخدّرات وعصابات المافيا والشرطة أو بين أفراد العصابة الواحدة.

والسينما المصرية التي هي سينما عربية وجزء لا يتجزأ من السينما العالمية، انساقت في السنوات الأخيرة وراء موجة أفلام المخدّرات. التي نذكر منها: «الباطنية»، «المدمن»، «الكيف»، «العار»، «شبكة الموت»، «أشياء ضد القانون»، «مراهقون ومراهقات»، و «رجل لهذا الزمن». وقد أصبحت المخدّرات ضرورية في كل فيلم من أجل نجاحه، ففيلم «العار» من الأفلام التي تطرقت بكل وضوح إلى مشكلة المخدّرات.

والمسرح بدوره تناول مشكل المخدّرات، نذكر منها على سبيل المثال مسرحية «فارس وبني خيبان».

لكن ماذا كانت النتيجة بعد كل هذه الأفلام والمسرحيّات؟

فالمثير في الأمر هو أنّ المخدّرات انتشرت انتشاراً كبيراً في الشارع المصري بعد سلسلة من هذه الأفلام، لدرجة أن الحكومة المصرية أعلنت الحرب علانيةً ورسمياً على المخدّرات.

والمشكلة الكبرى أو المصيبة العظمى هي انتشار المخدّرات بين المراهقين والمراهقات، الذين يشكلون الأغلبية العظمى من الجمهور الذي يتردد على قاعات السينما. والخطير في الأمر أنّ تعاطي المخدّرات انتشر بشكل واسع بين الممثلين أنفسهم. الذين هم القدوة بالنسبة لهذا الجمهور. ولعلك ترى معي أنّ الفنان القدوة في الفيلم أصبح قدوة سيئة في الواقع.

من التمثيل إلى الواقع: إنّ قضية انتشار المخدّرات بين أهل الفن في مصر وفي غيرها من البلدان هي قضية معروفة لا جدال فيها. فتعاطي المخدّرات كان منتشراً بين بعض الفنانين، ونشير إلى أن الصحف المصرية والعربية تنشر من حين لآخر أخبار أهل الفن وقد أُلقي عليهم القبض بتهمة تعاطي المخدّرات والترويج لها. وحرصاً منّا على احترام سمعة أولئك الفنانين وعدم التشهير بهم في هذا الكتاب حباً منّا لهم وتمشياً مع تعليم الكتاب المقدس «اَلْمَحَبَّةُ لاَ تُقَبِّحُ وَلاَ تَظُنُّ ٱلسُّوءَ» (1كورنثوس 13: 5) أدرجنا تقارير الصحف دون ذكر الأسماء آملين أن يعود أولئك إلى ضميرهم ورشدهم طالبين معونة الله لأنه يرغب لا بل يريد مساعدتهم وهو الوحيد القادر على ذلك.

في يوم 5 أبريل نيسان 1989 نشرت جريدة الأخبار المصرية خبراً يقول فيه: «تم ضبط المطرب ... والفنان...، والممثلة ...، وهم يتعاطون المخدّرات داخل الشقة التي يملكها ... وضبطت المباحث أدوات تعاطي المخدّرات ومبالغ مالية بحوزة المتهمين. و10 غرامات من الحشيش والكوكايين. واعترف المتهمون في محضر الشرطة بحيازتهم للمخدرات قصد التعاطي».

وفي 20 أبريل نيسان 1989 كتب محمود السعدني في جريدة السياسية الكويتية، ص 3 يقول: «القبض على ... ومن معه هو العمل الذي ينبغي أن تهتم به الشرطة، إذا أرادت أن تحارب آفة الشم التي انتشرت هذه الأيام في أوساط المصريين. فلا يكفي أن نتعقّب بعض طلبة المدارس أو بعض الصيّاع، ولكن الواجب يقتضي تعقب هذه النماذج التي من المفروض أن تكون القدوة».

وأضاف الأستاذ السعدني متسائلاً: «ولا أدري لماذا يلجأ فنان ناجح مثل ... إلى المخدّرات، وهو الذي ارتفع من القاع إلى القمة في سنوات معدودة. ويأتي في المرتبة الثانية من الشهرة بعد عادل إمام. أفهم أن يلجأ إلى المخدّرات الفنان الفاشل في تحقيق ذاته، لكن ... - الحمد لله - مشهور ومزدهر مادياً، جيوبه تنتفخ بكل أنواع الجنيهات والريالات والدولارات!». وختم مقاله بقوله: «على العموم لا بد من ضرب الشمامين والحشاشين في الوسط الفني».

أمّا جريدة الرأي العام الكويتية في الملحق الخاص العدد 9194 الصادر يوم 16 يوليو تموز 1989 فتقول: «صُدمت الأوساط الشعبية والعربية المختلفة في كافة العواصم العربية مؤخراً بالأخبار المتلاحقة لتساقط أهل الفن ونجوم السينما العربية في مستنقع الهروين وأنواع المخدّرات المختلفة، وتورطهم في قضايا الاتّجار والتعاطي لهذه السموم القاتلة، لقد كان الهدف الأساسي من إنشاء وتأسيس السينما والمسرح لتكن ركناً أساسياً من أركان نشر الثقافة والتأكيد على القيم والأخلاق الأصيلة للمجتمع».

أمّا جريدة الأخبار المصرية فقد نشرت في ص 3 ما كتبه محمود عبد المنعم مراد في عددها الصادر يوم 12 أبريل نيسان 1989 يقول: «شيء مؤسف حقاً أن نرى صور الطائفة التي تحوز أكبر قدر من حب الناس واهتمامهم، موزعة بين إعلانات السينما والمسرح ومسلسلات التلفزيون. وفي نفس الوقت نرى صورهم في أخبار الصحف الخاصة بالجرائم وأقصد طبعاً جرائم المخدرات بما فيها التعاطي والاتّجار وتهيئة الأماكن الخاصة لتعاطيها. وما عرفناه كثير وما خفي أعظم».

إنّ أفلام المخدّرات لا تقدّم الحل والعلاج لمشكلة المخدّرات بقدر ما تقدم الدعاية لبعض أنواع المخدّرات. إنّها تدفع المتفرج والمشاهد إلى أن يجرّب التعاطي بها لأنها تقدّم لنا الممثل وهو «يدخّن الحشيش» أو يشم الهروين، أو يحقن نفسه بحقنة مخدر وهو في حالة لا توصف من النشوة والسعادة. وكما قال أحدهم: «وكأن هذه الأفلام صارت إعلاناً مجانياً لحساب مافيا المخدّرات التي تعمل تحت الأرض في الشارع الفنيّ».

وهكذا بعد ما ثبت أنّ العديد من الممثلين يتعاطون المخدّرات، اتّهم الناس الفن والفنانين بأنّهم السبب وراء انتشار المخدّرات سواء من خلال الأفلام أو من خلال التعاطي والإدمان، وهكذا أصبحوا قدوة سيئة.

يقول البعض إنّ وسائل الإعلام أحياناً ومن خلال ما تعرضه من أفلام ومسلسلات تلفزيونية تقدّم المروجين على أنّهم أبطال. وتوهم بأن تهريب المخدّرات وسيلة سهلة وناجحة للإثراء السريع. ويجب أن نلاحظ أنّ المراهق دائماً يبحث عن قدوة يحتدي بها بين نجوم السينما، ربما جذبته هذه النماذج ليقع فريسة سهلة في مصيدة المخدّرات.

ويقول المؤلف محمود أبو زيد الذي قام بتأليف فيلميْ «العار» و «الكيف» اللذين يُعتبران من أبرز الأفلام حول المخدّرات: «إن هناك بالفعل أفلاماً ساعدت على انتشار المخدّرات، لأنها كانت أفلاماً غير مدروسة علمياً وعرضت الظاهرة فقط من خلال إظهار جلسات المخدّرات بكل تفاصيلها. وهذا ليس دوماً السينما التي تقاوم. وهي بهذا مع الظاهرة وليست ضدها» (انظر مجلة الفنون، العدد 47 ص 13 سبتمبر أيلول 1992).

«فَإِنَّ ٱلَّذِي يَزْرَعُهُ ٱلإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضاً» (غلاطية 6: 7).

المخدّرات والأدباء المبدعون

إنّها بمثابة عاصفة مدمرة أو سموم، بل هي كطاعون ينتشر بين كل الناس بجميع طبقاتهم (أبطال الرياضة، نجوم السينما والغناء، وكتّاب مبدعون). المخدّرات إذن تغزو كل الأوساط ولا تعرف لها كبيراً أو صغيراً، إنّها أخطبوط يمد رجله نحو كل الناس وعلى كل المستويات.

إذا كنّا قد أسلفنا الذكر حول علاقة أهل الفن بالمخدّرات، وذكرنا أنّ هؤلاء هم بمثابة قدوة سيئة، فالأمر أفظع متى عرفنا أنّ العديد من الكتّاب والأدباء المبدعون مدمنون على المخدّرات.

فالكثير من الشعراء العرب عُرفوا بإدمانهم على المخدّرات ولا حاجة لذكر الأسماء. وهذه «فرنسوا ساغان» الكاتبة الفرنسية التي لم تعد تكتفي بأن تكون مدمنة على المخدّرات، بل انتقلت إلى مرحلة توزيع المخدّرات والترويج لما تسمّيه فلسفة المخدّرات «تصرح لمكازين (مجلة) ليترير» الأديبة الفرنسية في شتاء سنة 1969 قائلة: «الأفيون هو الطريق الأفضل والأجمل للخروج من مأساوية هذه الحياة التي نعيشها رغماً عنّا» (جريدة العلم 12 /8/1990).

وهكذا في صيف 1986 اعتقلت فرنسوا ساغان وقُدّمت إلى محكمة ليون العليا، ليس بتهمة تعاطي المخدّرات فقط، بل بتهمة الاشتراك في شبكة دولية ضخمة لتجارة وترويج المخدّرات من هروين وكوكايين.

وقامت ساغان بشنّ حملة إعلامية واسعة قالت فيها على أنّ هناك شخصيات فرنسية رفيعة المستوى كانت ضمن لائحة شركائها، قالت: «إذا كان لا بد من إسقاط رأسي في هذه القضية فلا بدّ من سقوط رؤوس كبيرة معي».

وبالفعل تم إطلاق سراحها وأخلي سبيلها وأُغلقت القضية، وعند خروجها من السجن قالت: «أنا لا أخفي أننّي أتعاطى قليلاً من الكوكايين من وقت لآخر. وهذا حاجة ضرورية لي بالنسبة إلى مهنتي ككاتبة. ومن السخف اقتياد المبدعين إلى السجن بتهمة ممارسة الإبداع» (العلم - ص 12 يوم 12 مارس آذار 1990).

فلو تتبعنا أخبار بعض الكتّاب وغيرهم من الأدباء والشعراء الذين تعاطوا المخدّرات، ستطول بنا القائمة. لهذا سأكتفي بذكر البيان الذي أصدره وبكل أسف كبار أدباء وأديبات فرنسا تشجيعاً لتعاطي المخدّرات.

بيان أل 32: أصدر إثنان وثلاثون من كبار أدباء وأديبات فرنسا بياناً تضامنوا فيه مع فرنسوا ساغان، بل أكثر من هذا دافعوا عن الأدباء والمفكرين في تعاطي المخدّرات ومما جاء في ذلك البيان قولهم: «نحن الموقعين أدناه نعتبر أنفسنا أعمدة الهيكل الثقافي الفرنسي، أو أعمدة السياسة فيه على الأقل. ونحن نرى أن تعاطي المخدّرات هو حاجة أساسية للعمل الثقافي والإبداعي ونطالب بعدم اعتبار تعاطي المثقفين للمخدّرات انحرافاً أخلاقياً أو مخالفة قانونية» (نفس المصدر).

غير أنّ بعض الأدباء الفرنسيين أدركوا خطورة هذا الإدمان وأقروا بسوء عاقبته كما سنرى:

الأديب سولرز: قال: «أنا شخصياً أتعاطى المخدّرات من وقت لآخر، لكنني أنظر إلى الأمر كنوع من المرض، ولست فخوراً بهذا المرض أبداً، ولست على الأخص مستعداً للمطالبة بتعميم هذا المرض على الآخرين».

الشاعر لوسين بودارد: هذا الشاعر والروائي المعروف هو بدوره اعترف بأنه يتعاطى المخدّرات ويعتبرها وباءً، ولعل لديه ذكريات مريرة مع مخدر «الأفيون» ويعتبر لوسين بودارد الإبداع الذي يأتي نتيجة للتخدير أدباً منحرفاً ومشوّهاً، ويقول مبيناً ذلك: «لقد أمضيت فترة شبابي في الصين وعندي ذكريات مريرة مع الأفيون. المخدّرات تفتح مزاريب الإبداع فعلاً، لكن بئس إبداع وبئس ثقافة خارجة من بؤر التلوّث والقذارة. إنّ أديباً مدمناً لا يستطيع أن ينتج سوى أدباً منحرفاً ومشوهاً» (جريدة العلم ص 12- 2/8 / 1992).

الشباب والمخدّرات

لماذا يتهافت كثيرون من الشباب على المخدّرات؟

تساور شباب اليوم مشاكل تقضّ مصاجعهم، من بطالة وكآبة وقلق بشأن المستقبل، والكثير منهم يشكو ماديّة المجتمع، وعدم اعتباره للإنسان، وكثرة المظالم الاجتماعية. وهكذا يشعر الشاب بأنّه غريب في عالمه وتثور في داخله نزعة الرفض والتمرّد، ولو عن حسن النية، كما يحصل في الغالب. ويلوح له المخدّر كباب للهروب ينشله وقتياً من أزمات الحياة ومشاكلها العصيبة، وكأنّه ثمة بلسماً يشفي الرأس من الصداع، والقلب من رعب الحرب النووية.

ليس من ينكر أنّ العصر الذي نعيش فيه حافل بأنواع شتّى من الضغوط، تجعل البالغين والأحداث تساورهم الشكوك والقلاقل من جهة المستقبل. أضف إلى ذلك مشاكل الفساد داخل المدن، وتلوث الهواء والماء والتربة. ولكنّ إدمان المخدّرات ليس هو الحل، وإن كان يوفر نوعاً من الهروب الآني في بادئ الأمر، فلا يلبث أن يصير هو المشكلة بعينها.

ويتذرّع الكثير من الشباب بأنّهم جربوا المخدّر مجاراة للعصر أو استجابة لضغط الأكثرية من الناس، أو للحصول على «اختبار روحي» أعمق. (ليس بنادر أن يدّعي أحدهم أنه تعاطى المخدّر بحثاً عن التقرب إلى الله أو فهمه فهماً أفضل).

تأثير الأصدقاء

للصداقة تأثير مهمّ في حياة الفرد، إذ لا يمكن للفرد أن ينعزل عن الناس. فمن خلال وجوده بين الآخرين وتعامله معهم يؤثّر في الآخرين أو يتأثر بهم، ولهذا فإنّه يقع تحت تأثير الآخرين بحسب ما لهم من قوّة التأثير سواء كانوا صالحين أو أشراراً. فالأصدقاء الأشرار قد يزيّنون لغيرهم بأنّ تعاطي المخدّرات هو الحل للخلاص من المشاكل أو الحصول على سعادة وهمية. وفي هذا المقام يقول الإنجيل المقدّس «إِنَّ ٱلْمُعَاشَرَاتِ ٱلرَّدِيَّةَ تُفْسِدُ ٱلأَخْلاَقَ ٱلْجَيِّدَةَ» (كورنثوس الأولى 15: 33) وجاء في المزمور 1: 1 «طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ ٱلأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ ٱلْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ».

الأندية: لقد كانت الأندية في الماضي مكاناً للترفيه والتسلية البريئة، لكن اليوم مع الأسف الشديد أصبحت بعض الأندية أماكن مشبوهة، وبعضها تحوّل إلى أوكار لتعاطي المخدّرات.

فعلى الآباء والأمهات أن ينتبهوا إلى الأندية ومراكز الشباب، حتى لا يقع أولادهم في حبال تجّار المخدّرات عديمي الضمير الذين يسخّرون كل شيء لأجل الربح الحرام.

عندما ألقت الشرطة المصرية في القاهرة القبض على طالبة مع ثلاثة من أصدقائها بتهمة تعاطي المخدّرات، صرّحت للشرطة بأن بعض الأندية تحوّلت على أيدي روادها من الشباب إلى أوكار لتعاطي المخدّرات بكل أشكالها. وهذه الطالبة لا يتجاوز عمرها 15 سنة، ووالدتها ممثلة سينمائية (الشرق الأوسط - مارس آذار 1989).

وبعد هذا الحادث كتب الصحافي الكاتب المصري المعروف، مصطفى أمين، عن مشكلة انتشار المخدّرات في بعض الأندية، يقول: «أدهش عندما أسمع أنّ المخدّرات منتشرة في بعض الأندية! إنّ الآباء والأمهات يظنون عندما يسمحون لأولادهم وبناتهم بالذهاب إلى الأندية أنّهم سيكونون في حماية المسؤولين عن الأندية الرياضية وغيرها. ولكن ما نسمع عنه في بعض الأندية يجعلنا نتصور أنّ هؤلاء المسوؤلين إمّا أنّهم لا يرون ما يحدث تحت أنوفهم أو أنّهم شُغلوا بحكاية الانتخابات ونسوا في ضوضائها تسرّب المخدّرات إلى نواديهم» (الشرق الأوسط 24/23/1989).

والكثيرون يعرفون قصة تاجر المخدّرات الذي ألقي عليه القبض أمام نادي الشمس بمصر الجديدة. وأصدرت عليه محكمة جنايات القاهرة حكمها بالإعدام شنقاً وعلانية أمام نادي الشمس أي في مكان وقوع الجريمة (الأخبار المصرية دجنبر 1991).

وفي المغرب أعلنت وزارة الصحة في تقرير لها حول «سياسة المغرب تجاه مكافحة ترويج واستعمال المخدّرات» أن 27 و26٪ من روّاد دور ومراكز الشباب يتعاطون المخدّرات.

في مدينة شفشاون في شمال المغرب وصلت فيها النسبة إلى 80٪ (الاتحاد الإشتراكي 19/9/1992).

كيف نعرف أنّ أبناءنا يتعاطون المخدّرات؟

كثيرون من الآباء والأمهات يسألون هذا السؤال المهم، وللإجابة عليه أدرج هنا أهم النصائح التي يوصي بها الأطباء والإرشادات التي يقدّمها المختصون في شؤون مكافحة المخدّرات. خصوصاً مشكلة الإدمان. يقولون بأنّك إذا كنت تود معرفة ما إذا كان الشخص المراهق يتعاطى المخدّرات أم لا فلاخظ ما يلي:

  • ٭ حساسية فوق العادة وعصبية غير مألوفة وغضب بدون سبب.

  • ٭ تغيّرات مفاجئة في أوضاع المراهق تجاه مدرسته وأصدقائه ونشاطاته.

  • ٭ التغيّب عن المدرسة والتخلّي عن أنشطته المنظمة التي كان يحرص عليها من قبل.

  • ٭ اللامبالاة وإهمال المظهر الخارجي، وعدم الاهتمام بالهندام، وقلة النظافة.

  • ٭ وجود ملاعق مفحمة «محروقة»، محقنة، عداد النقط «التقطيرة»، وأعواد الثقاب المحترقة بالكامل وملقاة هنا وهناك، خصوصاً بالمرحاض.

  • ٭ آثار جراح في الأوردة وخاصة على مستوى السواعد، والأذرع والأفخاذ.

  • ٭ زيادة أو قلة الشهية حسب نوع المخدّر.

  • ٭ تقدير سيء للأشياء وللمسافات وللسرعة.

  • ٭ حاجة دائمة للمال، سرقة ومنازعات.

  • ٭ نسيان المواعيد وسرعة الإثارة.

  • ٭ بقع الدم على الملابس.

  • ٭ أحلام وكوابيس مزعجة.

  • ٭ احمرار في العيون أو الأنف.

تنبيه هام: يجب الانتباه إلى أنّه قد لا يكون الشاب المراهق الذي تبدو عليه إحدى العلامات المذكورة قد ابتدأ بتعاطي المخدّرات. وقد تكون بعض هذه الأعراض مظهراً من مظاهر أزمة المراهقة، لكن تجب المراقبة واليقظة والتأكد من كل شيء.

عند ظهور بعض العلامات التي ذكرناها، وللتأكد من الأمر أكثر لأجل الاطمئنان، يجب الالتجاء إلى الطبيب المختص لإجراء تحليل للدم والبول والبصاق.

تجارة السوء

إنّ المخدّرات هي زراعة، وصناعة وتجارة. وقد عرف تجار المخدّرات من أين تُؤكل الكتف، وتوسعوا في تجارتهم في كل الاتجاهات وسلكوا كل السبل مستغلين كل ما يقع بين أيديهم، ابتداءً من الإنسان إلى الحيوان والآلة في سبيل ترويج بضاعتهم. وهكذا ازدهرت تجارة المخدّرات، وأصبحت أموال هذه التجارة تتضاعف، كما بدأ نفوذهم يقوى يوماً عن يوم. بل انتقلوا إلى مرحلة حمل السلاح لمواجهة الدولة، وهي من أخطر المراحل. كما حدث في البيرو وكولومبيا، إذ بعدما يسيطر التجّار على الحيّ فالمدينة ثم الدولة، يصبحون حكام البلاد الحقيقيين.

ويقول ميلز الكاتب والصحافي الأمريكي صاحب كتاب الأمبراطورية السرية لتجارة المخدّرات: «إنّ صناعة المخدّرات الدولية، ليست في الواقع صناعة على الإطلاق ولكنّها إمبراطورية عدوانية وعنيفة بطبيعتها. وتحتفظ هذه الإمبراطورية السرّية بجيوشها ودبلوماسييها، وشبكات مخابراتها وبنوكها، وأساطيلها التجارية، وخطوطها الجوية. وتسعى لتوسيع سيطرتها بأيّة وسيلة من التخريب السرّي إلى الحرب الصريحة».

هذا فعلاً صحيح، فتجار المخدّرات يستغلّون لنشر بضاعتهم حارس الحدود الفاسد الأخلاق الذي يسهّل عملية التهريب، أو مسؤول الأمن عديم المسؤولية الذي يكون على علم بتوزيع المخدّرات في دائرته ولا يحرّك ساكناً، إمّا خوفاً من بطش مافيا تجار المخدّرات أو لأنه مرتش، أو قاض لا يقيم للعدالة وزناً يسمح بالإفراج عن هؤلاء الذين يبيعون السموم للناس بدعوى عدم كفاية الأدلة لإدانتهم.

الجدير بالذكر أنّ العائد المادي كأرباح صافية سنوية من تجارة المخدّرات يصل إلى 30 مليار دولار! فتجار كولومبيا وحدهم يبيعون ما يقرب من 4 آلاف طن أفيون. و213 ألف طن من أوراق الكوكا التي تتحول بعد تصنيعها إلى 417 طن مسحوق الكوكايين، كما يستهلك العالم 38 ألف طن من المارخوانا، و1900 طن من الحشيش سنوياً.

في دراسة حول تجارة المخدّرات «الاقتصاد السري» في مصر الذي ينظم النشاطات الاقتصادية غير المشروعة، (يقدر الخبراء حجم تجارة المخدّرات بحوالي مليار جنيه مصري وهو رقم يعادل ضعف دخل قناة السويس وكل دخل النفط المصري (مجلة التضامن العدد 222 يوليو تموز 1987).

التهريب

لقد أصبحت المخدّرات بكل أنواعها وأشكالها مشكلة حقيقية في كل مجتمع. ولا تكاد الأخبار اليومية تخلو من أنباء عن المخدّرات سواء عن نتائجها السيئة على الإنسان أو عن عمليات التهريب للمخدّرات بمختلف الطرق والأساليب.

في نهاية القرن التاسع وبداية القرن العشرين ازداد اهتمام المهربين بالمخدّرات، ولم يتركوا طريقة واحدة للتهريب دون أن يستخدموها لتهريب بضاعتهم السامة.

لقد أصبح عالمنا صغيراً جداً. بفضل التكنولوجيا التي اختصرت المسافات، وبسبب هذا التطوّر التكنولوجي فإنّ المخدّرات في سرعة انتشارها تفوقت على كل السلع والبضائع، وأصبحت تجارة عالمية يشرف على ترويجها عصابات محكمة التنظيم، بحيث تغيّرت صورة المهرب. إذ لم يعد المهرب ذلك الشخص الخائف الذي يخفي في جنبات معطفه أو حذائه غرامات معدودات من المخدّرات، بل أصبح اليوم رجلاً يمتلك سيارة وله سلطة ورئيس عصابات يحارب رجال الأمن. وينتمي لمؤسسات ومنظمات كبرى وقوية يمتلك أفرادها الطائرات واليخوت والسفن الخاصة.

إنّ مهربي المخدّرات والمتاجرين بها لا يؤمنون بأيّ دين ولا ينتمون لأيّ وطن ما، هم يؤمنون فقط بشيء واحد ألا وهو المال. هو معبودهم وهم على أتم الاستعداد لتقديم أرواحهم في سبيل الحصول عليه.

(تمكن رجال مكافحة المخدّرات بمنطقة تبوك أول أمس من إلقاء القبض على أفراد عصابة مكوّنة من 9 أشخاص سعوديين يمارسون بيع وترويج المخدّرات. وأشار المصدر إلى أنّ المواجهة أسفرت عن مقتل ضابط شرطة وهو النقيب عبد الرحمان بن محمد النقيدان وإصابة ثلاثة من ضباط الصف أدخلوا على إثرها إلى المستشفى) (الشرق الأوسط، عدد 7321 بتاريخ 14/12/1998).

أعلن السيد محمد فالح سكرتير المكتب الحكومي لمكافحة المخدّرات في إيران عن اعتقال 250 ألف إيراني خلال عام واحد في قضايا تعاطي المخدّرات والكحول (الشرق الأوسط 7729 بتاريح 26 يناير كانون الثاني 2000).

دعت صحيفة «إيران نيوز» (السلطات الإيرانية إلى توزيع حقن مجانية على مدمني المخدّرات لوقف انتشار مرض الإيدز في البلاد. وقالت الصحيفة إنّ 300 الف يتعاطون المخدّرات عبر الحقن في العروق من أصل 5 و2 (مليونين ونصف مدمن). وهناك 70٪ من حالات الإيدز التي أحصيت رسمياً في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ناجمة عن استخدام حقن ملوثة) عن (جريدة العلم، العدد 18558، الصادر يوم 29 يونيو حزيران 2001).

(قالت وحدة مكافحة المخدّرات الباكستانية أمس أنها اعتقلت شخصين وصادرت 500 كيلوغراماً من الهروين في مدينة كراتشي. وأضاف مسؤول الوحدة قوله «إنّ الهروين صودر خلال مداهمة منطقة كلينتون الغنية في كراتشي في وقت متأخر من الليل الماضي... في باكستان 7،3 مليون مدمن ولا خوف من نفاد الهروين فأفغانستان قريبة والمافيا الباكستانية نافذة وبدولار واحد للغرام يذهب عقلك») (صحيفة العرب العالمية، عدد 5134 بتاريخ 27/6/1997).

في ربورتاج (تقرير) قصير أعدّه مسعود بن ربيع مراسل قناة أبو ظبي في نشرة أخبار 45،8 حسب توقيت غرينتش ليلة 12 نوفمبر تشرين الثاني 2001 ذكر عن حالة المدمنين على المخدّرات في مدينة كويتا الباكستانية المتاخمة لحدودها مع أفغانستان خصوصاً الحي المعروف بحي حبيب الله حيث قدّم صوراً عن أناس مدمنين مُلقوْنَ في الشوارع. وقال المراسل: إنّهم هنا يحلّقون في عالم الأوهام، فالمهربون وتجار المخدّرات القادمة من أفغانستان يؤمنون حياتهم بالمخدّرات ليقتلوا بها حياة الآخرين. إنّها المخدّرات التي لا تعرف لا الحدود ولا الأجناس أو الأديان.

طرق التهريب غرائب وعجائب

لقد تطورت طرق وأساليب التهريب مع تطور الحضارة، فلم يعد ملفتاً للانتباه أن تهرّب غرامات قليلة في كعب حذاء أو طرف الحقيبة، بل تُستخدم حالياً الطائرات والسفن وغيرها من وسائل النقل. فكلما تطورت التكنولوجيا إلاّ وتطوّرت معها أساليب التهريب، وبذلك تتعقد قضية مكافحة التهريب أكثر فأكثر.

إنّ عملية التهريب لا تأتي بشكل عفوي وغير منظم كما كان الامر في الماضي، بل أصبح يُخطط لها مُسبقاً، فيحاول المهرّب أن يسلك طرقاً لم تُسلك بعد، ولم تكن معروفة عند الجمارك والشرطة، بحيث يستعمل في تهريب المخدّرات وسائل لا تخطر على بال أيّ إنسان. فقد أبدع خيال المهربين في استعمال أساليب تدعو للذهول، وتضع سلطات مكافحة المخدّرات أمام تحد وحيرة كبيرين في أغلب دول العالم.

ولا بأس أن نطلع القارئ العزيز على بعض هذه الأساليب:

حقائب دبلوماسية: ذكرت جريدة العلم المغربية ، ص 1 ليوم 18/6/1989، نقلاً عن صحيفة لابريس التونسية أنّ السلطات التونسية اعتقلت دبلوماسياً من بوركينافاسو يعمل في ليبيا، عند اكتشاف أكثر من 65 كلغ من الحشيش في حقائبه، جلبها من المغرب وكان يعتزم تسويقها وبيعها في ليبيا. وتُقدّر قيمة مخدّر الشيرا الذي ضُبط معه بـ 4 ملايين فرنك فرنسي.

الخراف: عُلم من مصدر رسميّ أنّ فرقة مكافحة المخدّرات في سوريا اعتقلت خمسة مهربين حاولوا استخدام قطيع من الغنم في تهريب 1527 كيساً من المخدّرات تقدر قيمتها الإجمالية بـ 325 ألف دولار. وأوضح المصدر أنّ المهربين كانوا يعتزمون إدخال المخدّرات المعبأة داخل أكياس من البلاستيك الخاص إلى جوف 175 رأس غنم من المقرر تصديرها إلى بلد مجاور لسوريا من دون أن يحدد اسم هذا البلد.

جثة طفل: لكن أبشع وسيلة لتهريب المخدّرات داخل سوريا هو ما جاء في جريدة الشرق الأوسط العدد 5273 الصادر في 6 أيار 1993 «في أول حادثة من نوعها لتهريب المخدّرات كُشفت أخيراً في سوريا، أنّ امرأة كانت تحتضن طفلاً في إحدى سيارات النقل العام وفي رحلة تجاوزت 150 كلم، دون أن يتحرّك الطفل أو يبكي أو حتى يُقدّم له الحليب أو الطعام. وكان الركاب قد لاحظوا أنّه حين كانت السيارة تهتز كان الطفل يندفع في أحضان المرأة ككتلة خشبية، وهذا ما لفت الأنظار إليها، ولدى الكشف على غطاء الطفل تبيّن أنّه ميّت منذ أيام. ولدى الكشف التشريحي ظهر أنّ الطفل مجوّف، ومحشوّ بالمخدّرات، ولكنّ المرأة ليست سوى مهرّبة مخدّرات قامت هذه المرة بابتكار وسيلة تهريب مرعبة تقشعر لها الأبدان».

كعب الحذاء: أصدرت محكمة الجنايات بالكويت حكماً يقضي بحبس سيدة لمدة خمس سنوات نافذة مع الأشغال الشاقة وذلك بتهمة جلب كمية من المخدّرات مخبأة داخل كعب حذائها، كما حكمت نفس المحكمة على شريكها الذي يقوم بترويج المخدّرات بثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة (الشرق الأوسط، ص 16، 14/6/1998).

المصاحف: جاء في مجلة الأمن والحياة السعودية، ص 32 أكتوبر تشرين الأول 1993 أنّ تهريب المخدّرات يتمّ عن طريق القرآن، حيث يتم حفر المصحف وتوضع المخدّرات بداخله وبعد ذلك يتم تغليفه كأنه في علبة، ويتم كذلك تهريب المخدّرات باستعمال ملابس الإحرام في الحج.

الكرنب (الملفوف) بالمخدّرات: عثرت سيدة بريطانية كانت تقوم بنزهة مع كلبها في شاطئ نورفورك في شرق إنجلترا على كمية كبيرة من عبوات الكرنب الألماني لفظتها الأمواج على الساحل. وكانت المفاجأة في انتظار السلطات التي أبلغت بالواقعة عندما تبيّن أنّ العبوات تحتوي على كميات كبيرة من الحشيش قيمتها 750 ألف جنيه إسترليني أي ما يعادل 2،1 مليون دولار (الشرق الأوسط ص 20، 17/1/1992).

رجل اصطناعية: انتزع كلب الشرطة التابع لجمارك مرسيليا يوم الأثنين الماضي رجلاً اصطناعية لشخص برجل واحدة، فتبين أنها مملوءة بحشيش ملفوف في 6 قطع يبلع وزنها 6،1 كيلو غراماً. وكان هذا المهرّب قادماً من الجزائر على متن الباخرة الجزائرية «زرالدة» (الإتحاد الإشتراكي 9 مايو أيار 1992).

ملابس مبللة: ألقت شركة الأمن الإسبانية في مطار مدريد الدولي القبض على المضيفة الكولومبية إسبيراندو، 25 عاماً، وهي تحمل في حقيبة ملابسها 15 كيلو غراماً من الكوكايين.

وذكرت صحيفة إلباس الإسبانية أنّ سلطة الجمارك لاحظت أنّ الملابس الموجودة داخل حقيبة المضيفة كانت مبللة ورطبة، الأمر الذي أثار الشكوك حولها.

وبعد تجفيف الملابس اكتشف أنّها كانت مشبعة بحوالي عشرة كيلوغرامات من الكوكايين المذابة في الماء، وقد تمّ استعمال الملابس لامتصاص المحلول المذكور (الشرق الأوسط ص 12، 18/3/ 1988. عكاض 18/2/1988).

مخدّرات في البطون: يُطلق على هذا النوع من المهربين الذين يستعملون معدتهم وأحشائهم في تهريب المخدّرات الغالية الثمن، اسم «البغال».

وهذه الطريقة أصبحت من الطرق المشهورة في تهريب المخدّرات، وأغلب مصالح الجمارك والشرطة في المطارات والموانئ الدولية اكتشفت مثل هؤلاء «البغال» البشرية.

صرّحت الجمارك البريطانية أنّ عدد المهربين الذين يخاطرون بحياتهم بابتلاع أكياس المخدّرات قد تصاعد بشكل كبير خلال عام 1986 فقد زادت نسبة من ضُبطوا وهم يحاولون تهريب الهروين في بطونهم بنحو 150 بالمائة. والسبب في هذه الزيادة حسب الجهات المسؤولة هو كون الأرباح التي تُجنى من التهريب في بريطانيا طائلة، مما يدفع المهربين إلى المخاطرة بحياتهم (الشرق الأوسط 12/10/1987).

ويطول بنا المجال لو أردنا ذكر حوادث التهريب وجهود شرطة مكافحة المخدّرات وبشكل مفصّل سواء في البلاد العربية أو في البلاد الغربية.

وخلاصة القول إنّ المهرب الذي قلبه ملآن بالطمع وضميره ميت، لا يقف في طريقه شيء ولا تعوزه وسيلة لتحقيق أهدافه الخبيثة وهؤلاء صدق فيهم قول الكتاب المقدس «إِنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ ٱلشُّرُورِ» (تيموثاوس ا لأولى 6: 10).

وخلاصة القول إنّ المهرب الذي قلبه ملآن بالطمع وضميره ميت، لا يقف في طريقه شيء ولا تعوزه وسيلة لتحقيق أهدافه الخبيثة وهؤلاء صدق فيهم قول الكتاب المقدس «إِنَّ مَحَبَّةَ ٱلْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ ٱلشُّرُورِ» (تيموثاوس ا لأولى 6: 10).

إحصائيات وأرقام

إنّ التقارير التي وضعتها المؤسسات الدولية المهتمة بكارثة المخدّرات، لا تُعدّ ولا تُحصى. فكلها تشير إلى تطور مشكلة المخدّرات بشكل مخيف، وبنسبة تصاعدية كبيرة، لا سبيل لذكرها كلها. وسأورد بعضاً منها فقط على سبيل الذكر لا الحصر:

تقرير أوسيد: لقد أكدّ تقرير حديث صدر في باريس عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «أوسيد» التي تضم أربعاً وعشرين دولة صناعية متقدّمة أنّ أقطار ما يُدعى بالعالم الثالث، ومعظم دول العالم الإسلامي الواقعة في نطاق استهلاك المخدّرات بلغت فيها المخدّرات حدّ الوباء الواسع الانتشار، وإنّ بعض هذه الأقطار صار لديها معدلات للمدمنين بالقياس لعدد سكانها يفوق المعدل في الولايات المتحدة الأمريكية.

ففي ماليزيا وهي بلد إسلامي يُقدّر عدد المدمنين فيها على المخدّرات واحداً من كل 170 شخصاً، في حين يبلغ المعدّل في الولايات المتحدة الأمريكية، واحداً من كل 460 شخصاً (المخدّرات من القلق إلى الاستعباد ص 9).

وجاء في المجلة السعودية (الأمن والحياة ص 8 عدد يناير - فبراير كانون الثاني وشباط 1988) أنّ عدد مدمني الهروين الوارد في إحصائيات أجراها مجلس مكافحة المخدّرات الباكستاني قد ارتفع بصورة وبائية واحتل المرتبة الأولى عام 1986 بعدما كان يحتل المرتبة السابعة سنة 1983، وقالت الأنباء إنّ تلك الإحصائيات قد أشارت إلى أنّ أكثر من 6840 مليون روبية تُنفق على تعاطي المخدّرات المتفشّي بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و30 عاماً، وقد افتُتحت عدة مراكز لمعالجة الإدمان، رُصد لها ميزانية تقدر ب 7،2 مليون روبية. كما تقوم الحكومة الباكستانية بجهود مكثّفة للقضاء على إنتاج الأفيون بحلول عام 1995.

أدلى الدكتور أكرم نشأة إبراهيم الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب لجريدة الشرق الأوسط بحديث نشرته في عددها 4892 الصادر يوم 20 /4/1992 قال فيه: تشير التقارير والإحصائيات السنوية لقضايا المخدّرات في الدول العربية التي يصدرها الكتاب المخصص في شؤون المخدّرات، إلى أنّ الكميّات المضبوطة من المخدّرات خلال المدة ابتداءً من أوائل عام 1980 إلى نهاية 1990 بلغت 104798 كيلو غرام حشيش و668 كيلوغرام زيت حشيش و1361 كيلوغرام أفيون و1465 كيلوغرام هروين و121 كيلوغرام كوكايين و72145301 حبوباً مخدّرة.

وهذه الكميّات تمثل ما تمّ ضبطه في 15 دولة عربية خلال الأعوام 1980 و1981 و1982 و1983، وفي 12 دولة خلال عام 1984، وفي 13 دولة خلال 1985 وحتى 1989.

كما بلغ مجموع القضايا المضبوطة خلال المدة المذكورة 114266 قضيّة. وعدد المتهمين فيها 188245. علماً بأن هذه الإحصائيات لم تشمل مصر التي هي أكثر سكاناً بين الدول العربية وأكثرها تأثراً بمشكلة المخدّرات سوى سنة 1989 و1990. ففي سنة 1997 بلغ عدد قضايا المخدّرات التي تم ضبطها حتى نهاية سنة 1997 نحو 62 ألفاً و878، وعدد المتّهمين نحو 69 ألفاً و53 متهماً. عن جريدة أخبار الحوادث. 1 يناير كانون الثاني 1998.

وإذا وضعنا في الاعتبار متوسط المعيار الذي استقر عليه الخبراء المتخصصون في مكافحة المخدّرات، وما استقر عليه رأي المنظمة الدولية «إنتربول» الذي يشير إلى أنّ نسبة ما يُضبط من المخدّرات التي تدخل سوق الاتّجار لا يتعدى 15 و20٪، ندرك خطورة مدى اتساع حجم وأبعاد المخدّرات في العالم العربي.

الإرهاب والمخدّرات

دعا رؤساء أجهزة مكافحة المخدّرات في الدول العربية الأجهزة الأمنية المختلفة والإعلامية وغيرها إلى العمل على كشف العلاقة القائمة بين تجارة المخدّرات والتنظيمات الإرهابية.

ويتفق رؤساء أجهزة مكافحة المخدّرات ومكافحة الإرهاب في الدول العربية على أنّ هناك ارتباطات كبيرة بين عصابات المخدّرات والتظيمات الإرهابية. وذلك من خلال ضبط كميّات كبيرة من المخدّرات لدى بعض العناصر المسلّحة المتطرفة، بالإضافة إلى اعتراف بعض المجرمين الذين ينتمون إلى عصابات تجار المخدّرات بأنهم كانوا يدفعون أموالاً للتنظيمات الإرهابية من أجل شراء الأسلحة والمتفجرات (الشرق الأوسط 3 غشت آب 2001). وفي المؤتمر العربي الثالث لأجهزة مكافحة المخدّرات والذي عُقد في تونس في شهر يوليو تموز 1999 ناقش المسؤولون سُبل مكافحة المخدّرات وأيضاً مواجهة الظواهر الإجرامية المستحدثة التي تشكل تهديداً للمجتمع العربي مثل جرائم الكومبيوتر والإنترنت والمتاجرة بالأطفال والنساء والإرهاب (الشرق الأوسط عدد 7520، 1 يوليو تموز 1999).

فلا شك أنّ هناك علاقة تبادل المصالح والمنافع بين تجّار المخدّرات والتنظيمات الإرهابية. فقد لا يجمعهم مبدأ أو هدف لكن المصالح المتبادلة تجمعهم خصوصاً أنّ الحركات الإرهابية تعمل بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

الفصل الثالث: محاربة المخدّرات

إلى حدود نهاية القرن التاسع عشر ظل تعاطي المخدّرات محصوراً في حدود مقبولة في أغلب المناطق الجغرافية والأوساط الاجتماعية في العالم.

لكن مع بداية القرن العشرين وما رافقه من تقدم هائل في ميدان تكنولوجيا المواد الكيماوية، توسعت دائرة استنباط أصناف وأنواع جديدة من المخدّرات.

كما أنّ الحياة المعاصرة بمشاكلها وضغوطها خلقت أجواءً ملائمة لانغماس الشباب في المخدّرات سواء في الدول المتقدمة أو الدول النامية. وجاء أيضاً دور التطور المذهل في وسائل الإعلام والتبادل التجاري بين الدول ليساهم في انتشار المخدّرات بكل أنواعها وأشكالها.

وهكذا أدرك المجتمع الدولي خطورة المخدّرات على سلامة الفرد والمجتمع فسعى إلى محاربتها بكل الوسائل.

تتخذ مكافحة المخدّرات أشكالاً وطرقاً عدة، منها: اليوم العالمي لمكافحة المخدّرات، وضع ملصقات في الشوارع والأماكن العامة، مقالات وتحقيقات في الجرائد والمجلات، إعداد وتقديم برامج إذاعية وتلفزية، عقد ندوات وحلقات علمية لشرح أخطار المخدّرات، المواعظ الدينية، وصلات إشهارية بتعاون مع مشاهير الرياضة أو التمثيل للتحذير من المخدّرات.

فعندما لاحظت الأمم المتحدة أنّ مشكلة المخدّرات قد تعاظمت.أنشأت هيئات وأقساماً خاصة لمحاربة وبأ المخدّرات. وتعقد ندوات واجتماعات ومؤتمرات دولية، لتبادل المعلومات العلمية ووضع سياسة موحدة أو متقاربة بين دول العالم لمحاربة المخدّرات.

فهناك من يعتمد على دور الشرطة، والجمارك، والسجون، ومصادرة أموال وأملاك المهربين. أو إنشاء عيادات طبية خاصة لعلاج المدمنين على المخدّرات، كما فعلت المملكة السعودية عندما لاحظت انتشار المخدّرات وتكاثر المدمنين عليها. أنشأت مستشفيات خاصة أطلق عليها اسم - الأمل - عيادة لعلاج المدمنين. كذلك فعلت ماليزيا وباكستان ومصر وغير هذه الدول من بلدان العالم.

كما نجد أنّ جميع الأمم وبلدان العالم قد وضعت قوانين خاصة من أجل محاربة زراعة المخدّرات، وتصنيعها والاتّجار غير المشروع بها، وذلك لحماية مواطنيها من خطر المخدّرات.

كما تنتشر في بلدان عديدة جمعيات غير حكومية لمحاربة المخدّرات أشهرها «الصليب الأزرق» لمكافحة الإدمان على المخدّرات والكحول.

أمريكا تعلن الحرب: أعلن الرئيس ريغن في خطاب له في 15/9/1986 أنّ الولايات المتحدة الأمريكية خصصت ثلاث ملايين دولاراً للحرب التي أعلنتها على المخدّرات.

وهكذا أرسلت طائرات عسكرية تحمل جنوداً مسلحين إلى بوليفيا لمساعدة سلطات الأمن هناك باعتبارها أكبر مناطق تمركز معامل صنع الكوكايين في العالم. حيث تحتكر كل من بوليفيا وجارتها البيرو معظم إنتاج محصول الكوكا الذي تشتريه مصانع المخدّرات لتستخرج منه بلورات الكوكايين.

كما قدّمت 20 مليون دولاراً للمساعدة في محاربة المخدّرات إلى كل من تركيا، باكستان، والبيرو. (العلم 14 مارس 1986). وقبل ذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعمليات مماثلة في جزر البهاما وكولومبيا. وكان آخر تلك الضربات العسكرية الأمريكية ضد المخدّرات في المكسيك.

وفي سنة 1986 طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من الحكومة المصرية أن تتعاون معها في مشروع عسكري، هدفه إنشاء قوات عسكرية أمريكية مصرية متخصصة في مكافحة صناعة وزراعة وترويج المخدّرات في أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.

وفي سنة 1989 وبمشاركة القوات الأمريكية تمكنت السلطات الكولومبية في خلال ثلاثة أسابيع من اعتقال 11000 شخص ومصادرة 346 طائرة و464 مزرعة (الاتحاد الاشتراكي 9/9/1989).

نادي مكافحة المخدّرات: أطلق اسم «نادي مكافحة المخدّرات» على المؤتمر الدولي الذي عُقد في مدينة قرطاج في شهر فبراير (شباط) 1990 في كولومبيا. وهو مؤتمر لمكافحة المخدّرات. حضره الرئيس الأمريكي جورج بوش (الأب) بجانب رؤساء دول البيرو، وبوليفيا، وكولومبيا. وبعد عامين من هذا المؤتمر اجتمع الرئيس بوش مرة أخرى في شهر فبراير 1992 مع ستة من قادة أمريكا اللاتينية في مدينة - سان أنطونيو -، وهذه الدول هي: البيرو، الإكوادور، كولومبيا، بوليفيا، المكسيك، فنزويلا وأصدر هؤلاء الإعلان المعروف بإعلان سان أنطونيو.

في إطار محاربة المخدّرات وفي مقدّمتها الحشيش. أعلن وزير الداخلية المغربي آنذاك السيد إدريس البصري: «إننا عاقدون العزم على محاربة الجراد، المخدّرات والإرهاب».

وسائل المكافحة

كل هذه الجهود محدودة ومطلوبة لكنها ليست كافية لأنها غير مرتكزة على الرب الذي هو محور الحياة وصانع المعجزات «إِنْ لَمْ يَبْنِ ٱلرَّبُّ ٱلْبَيْتَ فَبَاطِلاً يَتْعَبُ ٱلْبَنَّاؤُونَ» (مزمور 127: 1).

ومع كل أساليب المحاربة هذه التي تتبعها جميع دول العال بما فيها الدول الكبرى والمتقدمة لأجل القضاء على هذه الآفة. إلا أنها قد وقفت عاجزة حائرة أمام مشكلة المخدّرات.

فالمشكلة أولاً وأخيراً تتعلق بالإنسان نفسه أي أنّ الإنسان هو المشكلة بذاته. فما دام الإنسان بعيداً عن الله، لم يتجدد ولم يتغيّر، فسيبقى هو هو. وسيمارس حماقته وجنونه على هذه الأرض، وسيدمّر نفسه ومن معه.

إنّ الإنسان المؤمن الذي اختبر قوة الله في حياته، والمتحرر من سيطرة الغرائز، هو وحده الذي سيكون الوسيلة الفعالة لحماية نفسه ووطنه من كارثة المخدّرات.

هل ينفع العقاب؟

رغم وجود القوانين والتشريعات التي تسنّها الدول لمنع انتشار المخدّرات. إلاّ أنّ هذه الأخيرة في ازدياد رغم تشديد العقوبات على مروجيها والمتعاطين والمتاجرين بها.

قد تنفع العقوبات إلى حد ما. لكن ليست هي الحل النهائي لمشكلة المخدّرات، ولعل الواقع خير شاهد على ما نقول.

وأطلعك أيها القارئ العزيز على شهادات وحقائق ملموسة تؤكد أنّ القانون وحده لا يكفي لحل مشكل المخدّرات.

يقول الدكتور أحمد عكاشة: «المعروف حسب التجارب والأبحاث والاستطلاعات، أنّه عند ظهور قانون العقوبات تنخفض نسبة الجريمة، لفترة محدودة ثم تبدأ في الصعود من جديد».

وجاء في مجلة أكتوبر المصرية العدد 592 فبراير شباط 1988: «إنّ أخطر قضايا المخدّرات التي تعرّض لها الإعلام وهي قضية الباكستاني المدعو «نيازي». ولكن هل كان هذا الحكم رادعاً لمهربي المخدّرات لكي يتوقفوا عن إدخال المخدّرات إلى مصر؟

فالغريب في الأمر أنّه بعد أسبوع من إصدار حكم الإعدام على الباكستاني نيازي، وصل يوم 12 يوليو تموز 1989 إلى مطار القاهرة مهرب باكستاني آخر يدعى ثناء الله عمران خان حاملاً معه 5،3 كيلو غرامات هروين (الأهرام 13/7/1989).

كما حُكم بالإعدام على باكستاني آخر يُدعى أنور حسين كاسر. وكان قد أُلقي عليه القبض في 16 مارس آذار 1987 بمطار القاهرة أثناء محاولته دخول البلاد ومعه كمية كيلو غرامين و230 غراماً من مادة الهروين. انظر الاتحاد الاشتراكي 7 يوليو تموز 1989.

هل ينفع السجن؟: إنّ السجن وحده وبشهادة الاختصاصيين في شؤون المخدّرات لا يكفي ولا ينفع سواء مع المدمنين على المخدّرات أو مع التجار والمروجين لها. فما من سجين سُجن بتهمة المخدّرات إلاّ وتعرّف على الكثيرين من المروّجين للمخدّرات داخل وخارج السجن. ونظراً للفراغ القاتل داخل السجن، لا يجد السجين ما يتكلم به مع رفاقه في الزنزانة أو العنبر إلاّ التحدُّث معهم في العديد من الأمور، خصوصاً تجارب الذين سبقوه في تجارة أو تعاطي المخدّرات. وهنا تزداد معرفته بالأنواع الجديدة للمخدّرات والطرق المتنوّعة المستعملة إذا كان مدمناً عليها وطرق تهريبها إذا كان تاجراً لها.

أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمها بالإعدام على المتّهم المدعو ... وهو من كبار تجار المخدّرات بالباطنية، وسبق وحكم عليه في 14 قضية مخدرات، من بينها حكمان بالأشغال الشاقة المؤبدة، وهرب من العديد من الأحكام. (أنظر الأخبار المصرية ديسمبر 1991). فلا السجن نفع ولا العقوبات فالعادة تمكنت من صاحبها.

يدير تجارته من داخل السجن: ذكر مسؤولون أمريكيون ومكسيكيون لصحيفة «لوس أنجليس تايمز» أنّهم يعتقدون أن قطب تجارة المخدّرات المكسيكي «ميجل أنجيل فيليكس جالاردو «يدير إمبراطورية لتجارة المخدّرات من داخل سجن مكسيكو سيتي، منذ أن تمّ اعتقاله منذ عامين».

وأضاف هؤلاء: «إنّ مكافحة عمليات تجارة المخدّرات التي تُدار من داخل السجون صعبة للغاية». (أنظر الشرق الأوسط 29 أبريل نيسان 1991).

وصرّح السيد ألان لابروس الخبير في مكافحة المخدّرات لصحيفة الإكسبريس عدد 2122 أنّ بابلو أسكوبار إمبراطور المخدّرات في كولومبيا الذي سلّم نفسه للسلطات وأودعته السجن، كان قبل هروبه من السجن يدير أعماله من داخل السجن.

سجين فوق العادة: نذكر أيضاً المهرّب المكسيكي المشهور «رفائل كارو كونتيرو» فهذا السجين المسكين كان يسكن في شقة تطل على خليج المكسيك مكوّنة من أربع غرف نوم ومطبخ عصري وصالون واسع مفروش بالسجاجيد الفاخرة ومجهّزٍ بجهاز التلفاز والفيديو وخط الهاتف، ومكتب وبار مع مكيّف الهواء، وأحواض أسماك الزينة وحراسة خاصة. وكان يُسمح لهذا السجين المسكين بإدارة أعماله من داخل شقته هذه التي كان مكانها سجن المدينة، ويستقبل أصدقاءه وتزوره زوجته وأولاده فقط.

توزيع الحنان في السجن: قام تاجر المخدّرات المسجون على ذمة أربع قضايا اتجار في المخدّرات وصلت عقوبتها إلى 17 سنة سجناً، بإدخال كمية من الحشيش المعروف باسم «الحنان» لتوزيعها على المسجونين في سجن أبو زعبل. وعندما ضبطه ضابط السجن وهو يبيع المخدّرات للمساجين اعترف وقال: «إِنّه اتفق مع زوجته عل تهريب كمية من الحشيش إلى داخل السجن، بحيث يروجها ليغطي بها تكاليف إقامته الطويلة». وأمام النيابة قال الضابط المناوب: «إنّ هذا السجين يعيش داخل السجن في ترف وبذخ كاملين». (انظر مجلة الوطن العربي العدد 242 نوفمبر تشرين الثاني 1991).

في 8 مايو آيار 1992 نشرت بعض الصحف المغربية قصة الشرطي... وشقيقه المعتقل في السجن الفلاحي بالجديدة، حيث قام الشرطي بإمداد أخيه بالمخدّرات لترويجها داخل السجن. وبعدما أُلقي القبض على الشرطي قُدّم هو وشقيقه المسجون إلى المحكمة الابتدائية بالجديدة التي أدانت الأخوين معاً بسنة سجن نافذة مع غرامة مالية قدرها خمسة آلاف درهم لكل واحد منهما. وقاما باستئناف الحكم، وعندما أُدرج الملف أمام محكمة الاستئناف حكمت المحكمة برفع العقوبة من سنة إلى سنتين لكل من الشرطي وأخيه.

نشرت الشرق الأوسط في عددها 6086 الصادر في 31/12/1996 خبراً جاء فيه أنّ مصادر إعلامية ذكرت أنّ حرّاس المجمّع السجني عكاشة بالدار البيضاء أفشلوا أخيراً ثلاث محاولات لإدخال المخدّرات إلى هذا السجن، وتمّ اعتقال أربعة اشخاص جاءوا لزيارة سجناء وبحوزتهم مخدّرات من حشيش وأقراص مخدّرات.

وحسب المصادر ذاتها فإن امراة تُدعى (فاء فاء) وقد سبق لها أن قضت عقوبة بالسجن مدتها ثمانية أشهر لارتكابها نفس الجريمة، حاولت إدخال سبعمائة غرام من الحشيش كانت مخبأة في سلة أعدّتها لهذا الغرض وكانت هذه السلة موجهة إلى ولدها المسجون في ذات السجن مجمّع عكاشة.

وفي العدد 378 لجريدة الميعاد الساسي الصادر يوم 23 يناير كانون الثاني 2002 نشرت خبر اعتقال سيّدة كانت تحاول إدخال المخدّرات لأحد أقربائها بالسجن المحلي بمدينة سوق أربعاء المغرب ليبيعها داخل السجن. وتضيف الجريدة قائلة: «ليست هذه هي المرّة الأولى التي يشهد فيها السجن المحلي لسوق أربعاء المغرب مثل هذه الحالة أي حالة الكشف وضبط كميات من المخدّرات لا ينتهي، إذ كل يوم أو أسبوع يتم الكشف فيه عن عملية أو عمليات من خلال مجهودات الحراس والمشرف على إجراء التفتيش.

إنّ ما أدرجته في هذا الباب من وقائع والتي هي من صلب الواقع المعاش في بلدان متعددة لخير دليل على أنّ العقوبات وحدها لا تكفي مهما بلغت قساوتها (سجن، تعذيب وإعدام) للقضاء على زراعة أو تجارة أو تعاطي المخدّرات.

ولا أحد ينكر فائدة القانون ولا فائدة كل الوسائل الناجعة الأخرى على كل المستويات في محاربة المخدّرات، ولا ننكر أيضاً بهذا الصدد دور الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، والمؤسسات الصحيّة والاجتماعية ومراكز رعاية الشباب، بل وحتى السجون. لكن مع ذلك تبقى ناقصة إذا لم تكن مقترنة بالإيمان بقوة الله التي تعضد الإنسان. فالقانون صالح لكنه إصلاح جزئي ووقائي.

أبطال حطمتهم المخدّرات

من أشهر الرياضيين الذين أتت عليهم المخدّرات. نذكر النجم العالمي في لعبة كرة القدم ديجو مارادونا، الذي كانت تهتز جنبات الملاعب بصيحات التشجيع والإعجاب به. فهو اللاعب المشهور الذي فقد احترام الجمهور واللاعبين، وأصبح بطل الفضائح بدلاً من بطل ملاعب كرة القدم.

فهذا البطل الذي شارك من قبل في حملة خاصة بمكافحة المخدّرات، والتي أُقيمت بمناسبة اعتزال بلاتيني، كان قميصه يحمل عبارة «Non Drugs» «لا للمخدّرات».

هذا الرياضي النجم الذي هوى من سمائه ووقع في مستنقع المخدّرات، لم يكتف بالاستعمال الشخصي للمخدّرات، فقد ضبطته سلطة بلاد الأرجنتين وهو يوزع المخدّرات مجاناً على الأهل والأصدقاء. فعندما عاد مارادونا إلى الأرجنتين محطماً بعدما فقد سمعته وحرفته، استقبله الأهل والأصدقاء ومشجعوه القدامى من «نادي بوكاجونيور» للمواساة والترفيه عنه. فكان رد الجميل من مارادونا أن وزّع عليهم المخدّرات كهدية منه، وكان هذا الفعل منتهى الاستهتار والنذالة لأنه أراد أن يحطم أقرب الناس إليه بنفس السلاح الذي حطمه، لأن عقله المريض أوهمه أنّه يمنحهم بعضاً من السعادة الوهمية. (مجلة الشرق الأوسط العدد 259 يونيو حزيران 1991).

قال عنه الرئيس الأرجنتيني «إنّه طفل مريض» وقال عنه أحد الأطباء النفسانيين الذين نظموا مائدة مستديرة ناقشوا فيها الموضوع من كل جوانبه: «إنّ مارادونا يُعتبر حالياً نجماً رجلاه من طين، رغم أنّ رجله اليسرى أعطته كل شيء، المجد والمال والسلطة والشهرة. إنّ ظاهرة مارادونا تعبّر عن ظاهرة فريدة، إذ أنه رغم المال ورغم الإمكانيات الضخمة التي يتوفر عليها، لم يستعملها في تثقيف ذاته وتكوينها تكويناً يمكنّه من تطوير قدراته الفكرية». (جريدة الإتحاد الإشتراكي 30 أبريل نيسان 1991).

وقالت عنه صحيفة الحياة: «مارادونا رفعته كرة القدم وأسقطته المخدّرات» (الحياة 5/9/1997). «مارادونا خسر مباراته ضد المخدّرات» (الإتحاد الإشتراكي 5/9/1997). «مارادونا أو الغرور القاتل» (جريدة المستقلة 30/9/1997) «مارادونا يخضع لعلاج الإقلاع عن المخدّرات، وطبيبه يحذّره من الموت المفاجئ» (الشرق الأوسط 7719، 16/1/2000).

«يُقال إنّه أقلع عن الإدمان بعد خضوعه للعلاج لفترة طويلة نسبياً».

نذكر كذلك نجم حلبات المصارعة «هو جان» الذي له الملايين من المعجبين بين الأطفال، فقد اعتزل المصارعة بعدما ثبت في حقه أنه يتعاطى المخدّرات. وقد اعترف هو نفسه في برنامج تلفزيوني بأنه مدمن يتعاطى الكوكايين والحشيش فضلاً عن إدمانه على عقار «السترويد» لبناء العضلات. وصرّح مدير أعماله فينس ماكماهون «إن هو جان قد تشوهت سمعته وانفضح أمره كمدمن على المخدّرات مما لا يليق بشعبيته بين معجبيه من الأطفال...» (الشرق الأوسط العدد 4855-14 مارس آذار 1992).

بهذا يصبح مارادونا وأمثاله من الذين سقطوا في شراك المخدّرات أمثلة حيّة للتحذير من عواقب المخدّرات.

من بطل إلى حارس ليلي: هارتون نثائل وينغو، ووينغو هذا الذي يبلع طوله مترين، وهو بطل كرة السلة الذي كان يلعب مع نادي «نيكس»، وكان بطلاً شعبياً في مدينة نيويروك.

كان المتفرجون من أبناء المدينة يعشقون كل دقيقة يلعبها، ويعبّرون عن ذلك بصيحات مدوية تهتز لها جنبات الملعب: «وينغو، وينغو...» كلما نزل إلى الملعب. إلاّ أنّ هذه الحال لم تدم طويلاً، إذ منذ سنة 1982 ابتدأ وينغو يبذّر أمواله بتعاطي المخدّرات وشرب الكحول. وتوقف عن اللعب، وخسر مكانته في النادي وانهزم. وهو يعترف لكل من يعرفه بقوله: «إنّ الأمور تسير من سيّئ إلى أسوء». وفعلاً هذا ما حدث. ففي صيف سنة 1990 نُقل إلى مستشفى خاص بالأمراض النفسية حيت عولج من إدمان المخدّرات، ويعمل حالياً حارساً أثناء الليل لإحدى المؤسسات.

انتحار بطل: «انتحر... بطل النادي الأهلي والفريق القومي المصري في كرة اليد بأن شنق نفسه داخل غرفته. وكشفت تحريات المباحث أنّ اللاعب المنتحر كان يُعالج منذ عدة شهور في مستشفى من إدمان الهروين الذي تعوّد عليه عن طريق أصدقاء السوء، وباء العلاج بالفشل وأدّى ذلك إلى إصابته بحالة اكتئاب مما دفعه إلى الانتحار» (الشرق الأوسط 230 مارس آذار 1989).

هكذا ترى أيها القارئ العزيز أنّ آفة المخدّرات قد تصيب أي شخص، حتى ولو كان بطلاً صاحب شهرة ومال. وأنت ترى معي أيضاً أنّ الرياضة والانتصارات لا تتماشيان جنباً إلى جنب مع المخدّرات.

وإن أردنا أن نذكر أسماء بقية أبطال الرياضة الذين وقعوا فريسة للمخدّرات فإن مجال هذا الكتاب لا يتسع لسردها.

وهناك أبطال آخرون من رياضات مختلفة حققوا انتصارات عديدة على منافسيهم لكنهم خسروا أمام المخدّرات. وهذا ما يحذّر منه الإنجيل المقدس في قوله: «مَاذَا يَنْتَفِعُ ٱلإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟» (متّى 16: 26).

اقتراحات وحلول

في سبيل محاربة المخدّرات والقضاء على الإدمان علينا أن نقسم الأطباء والعلماء الذين يهتمون بظاهرة المخدّرات إلى أربع فرق أو مدارس وهي كالتالي:

  • المدرسة الأولى تنظر إلى مشكلة المخدّرات من الناحية الأخلاقية والقانونية.

  • المدرسة الثانية تتعامل مع مشكلة المخدّرات على أنّها وباء يستهدف الصحة العامة.

  • المدرسة الثالثة تركز على الجوانب المتعلقة فقط بالأمراض والعقد النفسية.

  • المدرسة الرابعة تهتم بالآثار الاجتماعية والثقافية التي تسبّبها المخدّرات.

إضافة إلى هذه المدارس هناك من ينادي بأفكار وحلول لمشلكة المخدّرات، ونذكر منها الأفكار والاقتراحات التالية:

  • ٭ إجراء دراسات علمية تتناول مشكلة المخدّرات من الناحية الاجتماعية، النفسية والطبية للوصول إلى معرفة العوامل المؤدّية لتعاطي المخدّرات.

  • ٭ تربية النشئ تربية دينية وسليمة، بمعنى أنّه لو ارتكزنا على الدين أكثر في التربية فسنقضي حتماً على المخدّرات.

  • ٭ استغلال وسائل الإعلام في توعية الجماهير بأضرار المخدّرات.

  • ٭ العلاج المكثّف في العيادات النفسية المزوّدة بالاختصاصيين في علم النفس والاجتماع، وعلاج المصاب بعيداً عن أيّ مراقبة أمنية حتى يتسنّى له الشفاء التام.

  • ٭ تخصيص مدينة أو مدن معزولة تماماً عن المجتمع، في قلب الصحراء، حيث تتوفر فيها كل مقوّمات المدينة أو القرية النموذجية، وتكون فيها المدارس والمستشفيات المتخصصة. ويُختار لإدارتها العلماء والمدرسون الأكفاء، والأطباء المختصون في علم النفس والاجتماع والأمراض العقلية والنفسية، والوعاظ الواعون.

  • ٭ مساعدات مالية: هناك من يقترح تقديم مساعدات مالية للدول الفقيرة التي تزرع نبات المخدّرات وذلك لإنعاش اقتصادها وتحسين مستوى معيشة مواطنيها كي تمتنع عن هذه الزراعة.

  • ٭ الإغراق: هناك من يقول بمحاربة المخدّرات بسلاح إباحتها وخفض أسعارها لأنّ إباحة المخدّرات يفقدها سحرها وخفض أسعارها سيقضي على شبكات المافيا. صاحب هذه النظرية هو الكاتب الفرنسي «في سورمان». ومعارضة لهذه النظرية هناك نظرية التشدّد والمنع، ومن أبرز متزعّميها وزيرة الصحة الفرنسية السابقة التي تقول «إنّ الإباحة ونظرية الإغراق تعني قفزة في الفراغ، هذه فكرة مجنونة ومؤذية، وأشبه ما تكون بالقفز في الفراغ من علو شاهق».

  • ٭ الحب: هناك من يدعو إلى المحاربة بطريقة «الحب» التي تحمل شعار «دعوة للقضاء على الإدمان بالحب بدلاً من البطش والإرهاب». وتدعو هذه النظرية معاملة المدمن بالمحبة لأنّ المدمن عندما نصرخ في وجهه ونطالب بمعاقبته نكون قد قضينا على بقية الإنسان الذي فيه، ونكون قد سلّمناه إلى جلاديه.

  • ٭ زراعة بديلة: إلغاء زراعة القنب الهندي «الكيف» والقات والخشخاش في العالم العربي إلغاءً تاماً، واستبدالها بزراعات بديلة لها ضمن خطة تنمية شاملة.

  • ٭ الحد من الطلب: تقول هذه النظرية إنّه لو تمّ التمكّن من الحد من الطلب على المخدّرات فلن تكون هناك مشكلة. أمّا إذا استمر الطلب على المخدّرات فإنّه لا بد للتجّار والمزارعين أن يؤثروا على السوق. وأن يتزايد عدد المدمنين لأنّ تجارة المخدّرات كأي تجارة أخرى، توجد ما دام هناك الطلب عليها.

  • ٭ رفع المستوى المعيشي: هذا الرأي يقول إنّ المخدّرات تنتشر في الأوساط الفقيرة ولذا لا بدّ من رفع المستوى المعيشي. وتوفير الحياة الكريمة، المستقرة والآمنة لهؤلاء تفادياً للوقوع في فخ المخدّرات.

  • ٭ التدريس: هناك من يقول إنّه لو يتم تدريس مادة مكافحة المخدّرات في المدارس في المراحل المبكّرة. وذلك لإعطاء فكرة جيدة وسليمة للتلاميذ عن المخدّرات قبل أن يتعاطوها ويسقطوا في الإدمان عليها.

  • ٭ الأسرة: الأسرة مسؤولة في المقام الأول على رعاية أبنائها. فالرعاية الأسرية نوع من الوقاية والحماية ليس فقط من المخدّرات لكن من انحرافات كثيرة ومتنوعة. فالمنزل يجب أن يكون نظيفاً وسليماً من آفة المخدّرات، كما يجب أن يحرص الآباء على مراقبة تصرفات الأبناء في المنزل، والشارع والمدرسة، ومحاسبتهم في مصروفهم اليومي والتأكد منه حتى لا يكون سبباً في انحرافهم.

لقد اطلعتك أيها القارئ، على أهم الآراء والاقتراحات التي طرحها ذوو الاختصاص والاهتمام بمشكلة المخدّرات. حتى تكون على بيّنة من كل الاقتراحات والحلول التي تُقدّم لحل هذه المشكلة.

مسؤولية المسيحي

ما هو الموقف الذي يجب أن يتّخذه المسيحي من مشكلة المخدّرات؟

  • ٭ يجب أن يؤثّر المسيحي تأثير في الوسط لا أن ينقاد إلى الوسيط، بل أن يكون هو صاحب التأثير والفكر الإيجابي. بحيث أنّ صداقتك كمسيحي مؤمنّ، لغيرك تقوده للرب.

  • ٭ يجب على المؤمن المسيحي أن تكون عنده معرفة لا بأس بها حول المخدّرات وأضرارها المختلفة والإدمان عليها.

  • ٭ على المسيحي أن يعرف أنّ الإدمان على المخدّرات يدلّ على وجود مشكلة أعمق في شخصية المدمن.

  • ٭ يجب على المؤمن المسيحي إذا كان في مركز المسؤولية وفي أية وظيفة أو مهمة كانت أن يقوم بواجبه في العلاج والمحاربة والتوعية.

  • ٭ أن لا يفقد المؤمن المسيحي إيمانه في قدرة الله فإنّ قوة الله، وقدرته أقوى من مشكلة المخدّرات.

  • ٭ ينبغي على المسيحي أن ينضم وينخرط في المنظمات الإنسانية والاجتماعية الخاصة بمحاربة المخدّرات، ومساعدة أولئك الذين وقعوا في مصيدة الإدمان بالعلاج والتأهيل.

  • ٭ ينبغي أن يقدّم المؤمن المسيحي بديلاً عن المخدّرات، باعتباره البديل الأفضل والأسلم الذي يُدخل إلى النفس الفرح والبهجة والأمل، في عالم مضطرب مليء باليأس والشر والشقاء.

«فَمَنْ يَعْرِفُ أَنْ يَعْمَلَ حَسَناً وَلاَ يَعْمَلُ، فَذٰلِكَ خَطِيَّةٌ لَهُ» (يعقوب 4: 17).

الحل الإلهي الذي لا بدّ منه

رأينا فيما سبق أراءً وحلولاً. هذه الحلول بشرية تتأرجح بين حلول مادية وتربوية لمشكلة المخدّرات.

فالأطباء يقولون إنّها مرض، أمّا علماء التربية والاجتماع فيقولون إنّ المخدّرات مشكلة ناتجة عن مشكل التربية. وكم نحن نحتاج إلى حل للمشكلة وعلاج للمرض.

وهناك من يقول كما ذكرنا سابقاً إنّ البطالة والفراغ، والجهل، والفقر، والظلم الاجتماعي هي أساس وأسباب انتشار المخدّرات. وهناك من ينادي بإعدام بائع ومتعاطي المخدّرات، حتى نتخلّص من المنتج والمستهلك. وآخر يقول معترضاً: ولماذا لا نحل هذه المشاكل بالفن بوسائل الإعلام؟

ونحن نجيب أنّ الحل المادي وحده لا يكفي. فلا التربية ولا الطب ولا الثقافة استطاعت يوماً أن تخلّص الإنسان من مصيبة المخدّرات. والمسيحية لا تقلّل من أهمية المشاكل المذكورة، بل تعترف وتقر بأنّها فعلاً أمور خطيرة تؤثر على سلوك الفرد، ليس فيما يخص مشكلة المخدّرات وحدها. بل تتعداها إلى نواحٍ أخرى.

انظر عالم الأغنياء تجد أنّ التخدير منتشر بين الكثيرين منهم كما هو الحال عند الفقراء، أنظر إلى عالم الفن والضحك والتسلية، فمعظمه إن لم يكن كله تخدير ومشاكل وفساد. انظر إلى عالم المثقفين والكتّاب، تجد بينهم من يتعاطى المخدّرات بكل أنواعها، كما اعترف بعضهم بذلك.

مرة أخرى نؤكد أنّ المسيحية لا تقلل من أهمية العلم والتربية والثقافة، والعدالة الاجتماعية والقضاء على الجهل والبطالة،، وأهمية وسائل الإعلام في نشر الوعي والفضيلة إذا كانت مبنية على تعاليم المسيح. أمّا إذا كانت مجرد نصائح وأخلاقيات وشعارات جوفاء من وحي الفكر البشري فلن تفيد كثيراً.

يقول الدكتور ويليم كينستون وهو عالم نفس من جامعة يال: «لا بدّ للمعنيين منّا بسوء استعمال الشبيبة للعقاقير ومشكلة المخدّرات من أن يوضحوا لهم أن هناك طرائق لاختبار ما تتسم به الحياة من ملءٍ وعمقٍ وغنى أفضل وأبقى من تعاطي العقاقير الكيماوية ذات التأثيرات النفسية». ويعقّب الدكتور دونالد لوريا المقيم في مدينة نيويورك قائلاً: «بيت القصيد في معالجة مشكلة المخدّرات أنّ اسم اللعبة هو (التعلق بشيء آخر).

إنّه (وكما ذكرت سابقاً) ما دام عندنا الإنسان المضطرب القلق، والشقي الذي يعاني من عقد ومشاكل عديدة، والمستعد لتناول أيّ شيء في سبيل الحصول على سعادة زائفة مهما كان ثمنها، ولو كان ذلك على حساب ماله وصحته، بل وحتى حياته، وما دام عندنا الإنسان عديم الضمير، المستعد أن يفعل أيّ شيء مقابل الحصول على المال، فلن تنفع معه لا المواعظ ولا العقاب. هذا لا يعني أنّنا نقول بترك المدمنين وشأنهم مع إعطاء الحرية لزارعي وتجار المخدّرات يعيشون في الأرض وهم يعيثون فساداً وينشرون سمومهم بين الناس بلا رقيب ولا حسيب بل العكس.

إنّ الذي يريد أن يفعل الشر سوف يجد ألف وسيلة ووسيلة لفعله، ومهما كانت القوانين شديدة والعقوبات قاسية، والعادات والتقاليد محافظة، والرقابة قوية، سيتحداها كلها بشكل وبآخر، علانية أو خفية.

لن ينقذ البشرية من المصائب التي وقعت فيها إلا قبول دعوة المسيح، فهو الدواء لكل داء، وفيه علاج لمتعاطي المخدّرات وغيرها من الأمور التي تستعبد الإنسان. ففي المسيح وحده سيجد الإنسان معنىً جديداً للحياة. عندما يؤمن إنسان ما بالمسيح سوف تتغير حياته وأفكاره، وسوف يكتسب طبيعة جديدة «إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (كورنثوس الثانية 5: 17).

الإنسان المسيحي الصالح المؤمن المتجدد لا يرغب في فعل الشر، لأنه مقتنع في قرارة نفسه أنّه شر، فلن يرتكبه مهما كانت الظروف، حتى لو وُجد في بيئة منحلة منحطة لا تقيم أي وزن للأخلاق أو للفضيلة، فإنه سيهرب من فعل الشر، لأنه يعرف نتائج الشر، وسيكون شعاره قول يوسف الصديق: «فَكَيْفَ أَصْنَعُ هٰذَا ٱلشَّرَّ ٱلْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى ٱللّٰهِ» (تكوين 39: 9). ومطبقاً قول الإنجيل المقدس: «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ ٱللّٰهِ فَٱهْرُبْ مِنْ هٰذَا، وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ وَٱلتَّقْوَى وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ وَٱلصَّبْرَ وَٱلْوَدَاعَةَ» (تيموثاوس الأولى 6: 11).

قال الدكتور بورتر Dr. Garry Porter : «إنّ مدمني المخدّرات أشخاص عندهم ثغرة في شخصياتهم ينبغي سدها بشيء من خارج أنفسهم». وهذه الثغرة الموجودة في شخصيات الصغار والكبار لا يسدها إلا الله. فالمخدّرات عاجزة عن تحقيق السعادة الدائمة للإنسان، بل تزيد من تعقيد الأمور وتؤدي إلى الهلاك بدلاً من السعادة والراحة. فالذي تعجز عنه المخدّرات يوفره لنا الله خالقنا العارف بكل مخاوفنا ومشاكلنا، وعُقدنا وفشلنا، وذلك من خلال علاقة شخصية به.

فالله أرسل يسوع المسيح ليعيننا على الاهتداء إلى حلول حقيقية لمشاكلنا، بدلاً من الهروب منها والوقوع فيما هو أخطر. حين يدخل المسيح حياتنا، يكون عندنا من نتوجه إليه ونتكل عليه، كما يعلّمنا الإنجيل المقدس: «مُلْقِينَ كُلَّ هَمِّكُمْ عَلَيْهِ لأَنَّهُ هُوَ يَعْتَنِي بِكُمْ» (1بطرس 5: 7).

إن المهمة التي جاء المسيح من أجلها هي سد الثغرات العديدة الموجودة في شخصياتنا، ليصنع منا أشخاصاً أصحاء. يصبح للحياة معنى إذا تعلقنا بما هو أعظم من أنفسنا. فمن الفوضى والخراب والداء يخلق الله أشياء لها معنى وقصد كقول المسيح: «لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى ٱلتَّوْبَةِ» (متّى 9: 13).

لقد وجد آلاف من الناس الحل الأفضل والبديل الأمثل في شخص يسوع المسيح له المجد وليس في المخدّرات الطبيعية أو البديل الكيماوي.

فالحل الإلهي هو الحل الذي يجب أن يعمل به الإنسان رغم أهمية الحلول الأخرى وهذا الحل الإلهي هو الإيمان بالمسيح المنقذ من كل الخطايا والمعاصي. وإلا فمهما اجتهد الإنسان في إيجاد الحلول المؤقتة بعيداً عن الإيمان بالله، سيبقى تائهاً وضائعاً، لأنه ما دام الشر يملأ قلبه وعقله فلن تنفع في إصلاحه الحلول البشرية. لأنك أنت تبني والشر يهدم، أو كما قال أحد الشعراء:

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت أنت تبنيه وغيرك يهدم

الحل المسيحي الذي هو الحل الإلهي لا يعالج الأمور علاجاً سطحياً، بل يعالج جذورها الغائرة في ميول الإنسان وغرائزه ودوافعه، لأنّ كل جهد وكل حل لا يأخذ بهذا المبدأ هو حتماً جهد ضائع.

المسيح عندما يعالج أمراً ما إنّما يبتدئ من عقدة النفس البشرية الأولى أي عقدة الخطية التي هي عقدة العجز.

حين يتحرّر الإنسان من عبودية الخطيئة ومن سيطرة الذات والأنا البشرية، ويختبر عمل النعمة في حياته، تبدأ نفسه تسمع إلى ما يحبه الله، والابتعاد عما يكرهه تعالى.

ودون التجديد وقبول الحل الإلهي لا يمكن للإنسان أن يسمع أو أن يطيع أمراً ولا نهياً، ولا أن يتوّقف عن عاداته السيئة مهما نهيناه وقدّمنا له النصيحة والإرشاد. وما لم تحل عقدة الخطيئة الأولى ويصلح الإنسان علاقته بخالقه، فلن يثبت الإنسان على أي خلق أو تهذيب أو إصلاح.

أرسل الله يسوع المسيح ليعيننا على الاهتداء إلى حلول حقيقية لمشاكلنا. بدل الهروب منها والوقوع في ما هو أخطر. وإذ يدخل المسيح حياتنا يصبح عندنا من نتوجه إليه ونتكل عليه «عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي» (مزمور 94: 19).

لقد جاء يسوع المسيح لكي يسد الثغرات العديدة في شخصياتنا، جاعلاً إيانا أشخاصاً أصحاء، فالكتاب المقدس يقول: «فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللَّاهُوتِ جَسَدِيّاً. وَأَنْتُمْ مَمْلُوؤُونَ فِيهِ...» (كولوسي 2: 9 و10).

إنّ المسيح يقدم لنا كل ما في حياتنا من علاقات. ولسنا بحاجة إلى بدائل كيماوية لموجهة الحياة «لأَنَّ ٱللّٰهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ ٱلْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ ٱلْقُوَّةِ وَٱلْمَحَبَّةِ وَٱلنُّصْحِ» (2تيموثاوس 1: 7). لذلك وجد آلاف الشباب البديل الأفضل، وإن شئت قل الحل الأفضل، وذلك في شخص الرب يسوع المسيح، لا في مهرب كيماوي، ولا في مخدرات تحطم العقل والجسم معاً.

كلمة ختامية

بهذا أكون قد وصلت إلى خاتمة موضوعي هذا. وأنا أعلم أنّ كثيراً من نقاطه الهامة لم تأخذ حقها من الشرح والتمحيص، وعذري في ذلك أنّ أمراً كهذا يحتاج إلى مجلدات.

وأرجو أن أكون فيما قدمته قد لفتت الانتباه إلى خطر المخدّرات بكل أنواعها، سواء كانت طبيعية أو مصنعة، وأن أكون قد زودت القارئ الكريم بمعلومات وحقائق متعلقة بالمخدّرات لم تكن معروفة لديه من قبل. كما قدمت الحل الإلهي الذي هو الحل الأساسي لكل الحلول.

فالإيمان بالمسيح هو الحصن الحصين من آفة المخدّرات، فالإنسان الذي تستعبده المخدّرات أو أيّ عادة سيئة يحتاج إلى من يحرّره وينقذه. الإنسان المريض لا يقدر أن يشفي نفسه، والمسجون في سجن الذنوب والمعاصي لا يقدر أن ينقذ نفسه.

الإنسان الذي يقع تحت سيطرة المخدّرات وما شابهها، لن يتحرر التحرر الكامل، إلاّ إذا تاب توبة صادقة وصمّم على الرجوع إلى الله، وآمن بالمسيح المحرر والمنقذ الإلهي الذي قال: «إِنْ حَرَّرَكُمْ ٱلٱبْنُ فَبِٱلْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً» (يوحنا 8: 36).

فالإنسان إذا استعبده الشيطان وكبّله بحبال «المخدّرات» خسر علاقته بالله، وخسر معها عقله وصحته، وأصبح تحت رحمة النفس الأمّارة بالسوء. والإنجيل المقدس يربط بين صحة النفس وصحة الجسد. يقول الرسول بولس لتلميذه غايس: «أَيُّهَا ٱلْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحاً وَصَحِيحاً، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ» (3يوحنا 2).

لهذا وجب علينا الإيمان بالمسيح له المجد، لكي نتحرر من المخدّرات، لكي تكون أمورنا ناجحة. ولكي تكون صحتنا الجسدية جيدة، وتكون نفسنا مطمئنة وسليمة من أي تشويش. وليعلم الجميع أنّ المخدّرات خطيرة جداً، لأنها تفتح باب روح ونفس الإنسان أمام القوى الشيطانية، وهي سلاح يستخدمه الشيطان لتضليل الإنسان لأخذه بعيداً عن الله.

المسيح له المجد هو مصباح الهداية وسفينة النجاة


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany