العودة الى الصفحة السابقة
معجزات المسيح

معجزات المسيح

الدكتور القس. منيس عبد النور


Table of Contents

Bibliography
هذا الكتاب...
المعجزة الأولى: تحويل الماء إلى خمر
المعجزة الثانية: شفاء ابن رجل البلاط الملكي
المعجزة الثالثة صيد السمك الكثير
المعجزة الرابعة شفاء حماة بطرس
المعجزة الخامسة شفاء الأبرص
المعجزة السادسة شفاء المفلوج
المعجزة السابعة شفاء مريض بركة بيت حِسْدا
المعجزة الثامنة شفاء ذي اليد اليابسة
المعجزة التاسعة شفاء عبد قائد المئة
المعجزة العاشرة إقامة ابن أرملة نايين
المعجزة الحادية عشرة تهدئة العاصفة
المعجزة الثانية عشرة شفاء اللجئون
المعجزة الثالثة عشرة إقامة ابنة يايرس
المعجزة الرابعة عشرة شفاء نازفة الدم
المعجزة الخامسة عشرة شفاء أعميين
المعجزة السادسة عشرة إشباع خمسة آلاف
المعجزة السابعة عشرة المشي على الماء
المعجزة الثامنة عشرة شفاء ابنة الفينيقية
المعجزة التاسعة عشرة شفاء أعمى تدريجياً
المعجزة العشرون عُملة من فم سمكة
المعجزة الحادية والعشرون الواحد الذي شكر
المعجزة الثانية والعشرون شفاء المولود أعمى
المعجزة الثالثة والعشرون إقامة لعازر
المعجزة الرابعة والعشرون شفاء المنحنية
المعجزة الخامسة والعشرون شفاء بارتيماوس الأعمى
المعجزة السادسة والعشرون لَعْن شجرة التين
المعجزة السابعة والعشرون شفاء أذن ملخس
المعجزة الثامنة والعشرون صيد 153 سمكة
قائمة المسابقات لكتاب معجزات المسيح

Bibliography

تأملات في معجزات المسيح. الدكتور القس. منيس عبد النور. الطبعة الأولى. 1992. Order Number SPB4320ARA . German title: Die Wunder Jesu. English title: The Miracles of Jesus . Copyright © 1992 All Rights Reserved Call of Hope. P.O. Box 100827 D-70007 Stuttgart Germany Internet: http: //www.call-of-hope.com - .

هذا الكتاب...

المسيح صانع معجزات، صنع، ولا يزال يصنع. لقد أجرى المعجزات، وهو لا يزال اليوم بيننا، حيٌّ وسطنا، يُجري معجزاته معنا كل يوم، لأن محبته لا تتغيّر، وأعوازنا لم تَنْتَهِ. صحيح أن المسيح ليس موجوداً معنا بالجسد اليوم، لكنه موجود بروحه، في كنيسته، وفي قلوب المؤمنين به، وفي العالم كله، فقوله حقٌّ: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ... وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متى 28: 18 ، 20). والمسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد (عبرانيين 13: 8).

ومعجزات المسيح تُظهر قوته، كما تُظهر محبته. والناس ينبهرون بالقوة أول الأمر. لكن معجزات المسيح تجعلنا منبهرين دوماً لأن قوة المسيح تعمل في خدمة محبته، فيظل انبهارنا بالمسيح مستمراً يتعمَّق كل يوم أكثر من اليوم الذي سبقه، فنهتف: «حبّي لفاديَّ المجيد، يوماً فيوماً سيزيد. عمر جديد، يوم سعيد، يوم اختصاصي بالوحيد».

لقد قرأت معجزات المسيح مراراً، وتأملتها دوماً كتاريخٍ صحيح، ورأيتها كواقعٍ مُعاش، تتكرر في حياتي وحياة من عرفتهم وخدمتهم.. وها أنا أشارك القارئ الكريم في مشارق الأرض ومغاربها في روعة المسيح الحي المحب.

وفي هذه التأملات في معجزات المسيح سنركز على:

  1. المحتاج للمعجزة، لأنه يمثِّلنا في احتياجنا للرب. والمعجزة هي ما لا نستطيعه نحن، فيجريه الرب معنا.

  2. الذين شاهدوا المعجزة، من مؤمنين وغير مؤمنين، سعداء بالمعجزة أو معارضين لها. فنرى قوة الله تمتدّ إلى إخواننا وقت عَوَزهم، فيُجري الرب المعجزة معهم: تُفَرِّح منتظري الرب، ولكنها كالنور الذي يضايق العين المريضة، تُثير غضب غير المؤمنين.

  3. ثم نتأمل السيد المسيح الذي لولاه ما جرت معجزة. وكثيراً ما نتصرف تصرُّف الطفولة، نأخذ العطية ونجري ناسين المُعطي. وهنا نتأمل المسيح لنشكره ونلتصق به أكثر، ونتبعه في حبّ.

وهذه أمنية وصلاة قلب الكاتب، لنفسه، وللقارئ أيضاً.

د. القس منيس عبد النور

ملاحظة: أيها القارئ العزيز، تجد في هذا الكتاب أسئلة متعددة بعد شرح كل معجزة تعمِّقك في فهم معاني آيات المسيح وقدرته السرمدية. نشجعك أن تجيب على هذه الأسئلة فتنل «شهادة معرفة معجزات المسيح» إن جاوبت على 80٪ من الأسئلة بالصواب. اجمع كل أجوبتك وارسلها معاً إلى عنواننا

المعجزة الأولى: تحويل الماء إلى خمر

1 وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا ٱلْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. 2 وَدُعِيَ أَيْضاً يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى ٱلْعُرْسِ. 3 وَلَمَّا فَرَغَتِ ٱلْخَمْرُ قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». 4 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «مَا لِي وَلَكِ يَا ٱمْرَأَةُ! لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». 5 قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَٱفْعَلُوهُ». 6 وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ ٱلْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. 7 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ٱمْلأُوا ٱلأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ. 8 ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «ٱسْتَقُوا ٱلآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ ٱلْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. 9 فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ ٱلْمُتَّكَإِ ٱلْمَاءَ ٱلْمُتَحَّوِلَ خَمْراً، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ - لٰكِنَّ ٱلْخُدَّامَ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَدِ ٱسْتَقَوُا ٱلْمَاءَ عَلِمُوا - دَعَا رَئِيسُ ٱلْمُتَّكَإِ ٱلْعَرِيسَ 10 وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ ٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ ٱلدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ ٱلْخَمْرَ ٱلْجَيِّدَةَ إِلَى ٱلآنَ». 11 هٰذِهِ بِدَايَةُ ٱلآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا ٱلْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ (يوحنا 2: 1-11).

جرت هذه المعجزة في حفل عُرس، في قرية قانا التي تبعُد نحو عشرة كيلو مترات عن الناصرة. ودُعي المسيح وتلاميذه للعرس. أغلب الظن أن أصحاب العرس أقرباء المسيح حسب الجسد. وانتهت الخمر التي تُقدم للمدعوين، وواجه أصحاب الفرح أزمة. لو لم يقدموا للضيوف الذين دعوهم لحدثت فضيحة. وجاءت مريم أم يسوع إليه تقول: «ليس لهم خمر». فطلب من الخدام أن يملأوا أجران الماء، وحوَّل الماء الذي فيها إلى خمر، وسدّد الأعواز. وهذا شأنه دائماً.

المعجزة الأولى التي أجراها المسيح كانت في حفل بسيط لقومٍ فقراء. تبدأ القصة بالقول: «وفي اليوم الثالث كان عُرسٌ في قانا الجليل». هذا يعني أن يومين مُهمّين سبقا هذا اليوم الثالث. أولهما ورد ذكره في يوحنا 1: 35 عندما وجد يوحنا وأندراوس يسوع وتبعاه بناءً على شهادة المعمدان له، ثم جاء أندراوس ببطرس أخيه للمسيح. أما اليوم الثاني فورد ذكره في يوحنا 1: 43 عندما وجد المسيح فيلبس، ووجد فيلبس نثنائيل. وفي اليوم الثالث دُعي يسوع وتلاميذه إلى عرس قانا الجليل، ولا بد أن هؤلاء الخمسة صاحبوا المسيح إلى وليمة العُرس، وفي قلوبهم ابتهاج الخلاص. والمسيح يشاركنا أفراحنا، ولا يفصل بين أفراح الروح بقبوله مخلصاً، وبين أفراح الزفاف إذ يشارك العائلات أفراحها.

وفرغَت الخمر. قال بعض المفسرين إن ذهاب المسيح وتلاميذه الخمسة زاد عدد الضيوف، ففرغت الخمر، ولذلك لجأوا اليه! ولكني لا أتفق مع هذا التفسير ،فقد دُعي المسيح وتلاميذه للعرس. أغلب الظن أن أصحاب الفرح كانوا فقراء، وفكروا بالتمنّي أن ما عندهم من خمر يكفي القادمين، ولكن المدعوّين استهلكوا أكثر مما قدَّر أصحاب العرس!

أولاً - المحتاجون للمعجزة

(أ) العروسان

حفل الزفاف أسعد أيام العروسين. كان اليهود يُطلقون على العريس «الملك» وعلى العروس «الملكة». وأية طلبة للعروسين تُجاب فوراً. أغلب الظن أن أحداً لم يُخبر العريس بأن الخمر قد انتهت لأنهم لم يريدوا أن يُفسدوا عليه سعادة الزفاف. كان محتاجاً ولا يعلم. ما أكثر المرات التي نكون فيها محتاجين ولا نُحس أننا محتاجون! لكن يجب أن نشعر بالعطش قبل أن نطلب ماء الحياة وبالجوع قبل أن نطلب الخبز الحيّ. يجب أن نشعر بخطيتنا قبل أن نلجأ لطلب الغفران والخلاص. ما أخطر موقف المحتاج الذي لا يُدرك أنه محتاج! في بعض الأحيان يمنع عنا أقرب الناس إلينا أخبار احتياجنا لأنهم يحبوننا. ولو أنهم يحبوننا فعلاً محبة عاقلة لأبلغونا فوراً بما نحتاجه لنطلبه من الرب.

(ب) أهل العروسين

أحسُّوا بالحاجة فلجأوا إلى العذراء القديسة مريم. فقالت مريم أم يسوع له: «ليس لهم خمر». قدمت الطلب في صورة خبر، وليس في صورة أمر. هذا ما فعلته بعد ذلك أختان محبوبتان للمسيح، مريم ومرثا، عندما كان أخوهما لعازر مريضاً. أرسلتا إليه خبراً (يوحنا 11: 3). ما أجمل أن ندرك أن المسيح يعرف ما نحتاج اليه قبل أن نسأله، ويمكن أن نقدم له احتياجنا في صورة خبر: «ليس لنا خلاص. ليس عندنا مال. أبناؤنا يمتحنون. ابني مريض. قريبي في مأزق». كان أهل العريس يدركون واجب الضيافة. لا بد من الخمر! وكان الربيون يقولون: «السُّكر بالخمر فضيحة. لكن لا فرح بدون شرب خمر. نشرب بدون أن نسكر».

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

(أ) العذراء مريم

عندما وجدت أن الأمور تسير خطأً التجأت اليه. انها تعلّمنا أن نلجأ إلى المسيح لأنه ملجأنا الحقيقي وعوننا الأول. قبل أن نلجأ الى طبيب لنلجأ له. قبل أن نلجأ إلى محامٍ لنلجأ له. قبل أن نطلب استشارة الناس دعونا نطلب المُشير العظيم، «يُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً مُشيراً» (إشعياء 9: 6) لأنه الإله القدير. هو رئيس السلام يعطي الاطمئنان لقلوبنا، ثم نلجأ إلى البشر الذين نطلب مساعدتهم، والذين يكلّفهم هو ويساعدهم ليساعدونا.

كانت العذراء تعرف من هو يسوع، وكانت تتعجب مما قيل فيه، وتحفظ جميع أموره متفكِّرة بها في قلبها (لوقا 2: 33 ، 51). وعندما عرضت عليه طلبة أصحاب العرس أجابها: «ما لي ولكِ يا امرأة؟ لم تأتِ ساعتي بعد». يبدو لنا أنها لم تأخذ منه إجابةً مباشرة. ولكنها فهمت قصده، وبإيمان كامل قالت للخدام: «مهما قال لكم فافعلوه».

ما معنى قول المسيح لأمه: «ما لي ولكِ يا امرأة»؟ هذا تعبير عبريّ يتوقف معناه على نبرة صوت قائله. إذا قال القائل هذه العبارة في حِدَّة فهو يُوبِّخ الذي يكلمه. أما إن قالها في رقّة، فهو يريد أن يقول: «لا تقلقي. أنتِ لا تعرفين ما سأفعله، لكن اتركي الأمر لي وسأعالجه بطريقتي. أنا سأتصرّف». ولا يمكن أن يكون المسيح له المجد قد أجاب أمه العذراء القديسة مريم في حدة، بل بكل محبة ورقة، وكأنه يقول لها: «يا أمي، لا داعي للقلق من هذا الموضوع. سلّميه لي. اعتمدي عليَّ. إن عندي طريقتي لإنهاء المشكلة. لا تفكري في الموضوع مرة أخرى».

أما قوله لها: «يا امرأة» فقد يبدو لنا قول عدم توقير. لكن الحقيقة غير ذلك، فهذه هي كلمة التقدير والاحترام. لقد ناداها من على الصليب: «يا امرأة» (يوحنا 19: 26) وهو يسلّمها للتلميذ الحبيب يوحنا. فتلك كلمة توقير.

ثم قال لها: «لم تأتِ ساعتي بعد». وساعته هي إظهار مجده، الذي سيؤدي في النهاية إلى صَلبه. وكأنه يقول لها: «لم تحِنْ ساعة إعلان ذاتي للناس، الإعلان الذي سيؤدي بي إلى الصليب». فتمجيد ابن الإنسان هو صَلْبه، وما سبقه من معجزات وتعاليم أغاظت شيوخ اليهود فقرروا أن يصلبوه (يوحنا 12: 23 ، 24).

لم تعرف العذراء كيف سيكون حل المشكلة، إلا أنها أمرت الخدام أن «مهما قال لكم فافعلوه». وهذا إيمان فيه درسٌ عظيم لنا، فما يقوله المسيح لك من أوامر وتعاليم هو أفضل شيء، حتى إن كنت لا ترى منطقيته.

(ب) التلاميذ

«أظهر مجده فآمن به تلاميذه» (آية 11). كان التلاميذ الخمسة قد آمنوا به في اليومين السابقين. فلماذا يقول إنه أظهر مجده فآمن به تلاميذه؟ الإجابة: إن الإيمان لا يتوقف عند درجة معينة، بل يزيد ويتقوى ويتعمق. هؤلاء الخمسة آمنوا به فتبعوه، وتركوا كل شيء ليسيروا وراءه، لكنهم كانوا محتاجين إلى تقوية إيمانهم. «أُومِنُ يَا سَيِّدُ، فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي» (مرقس 9: 24). قال أحد الأتقياء: «يشبه المؤمن شخصاً يركب دراجة. الدراجة لا تقف ولا تسير إلى الخلف، بل يجب أن تسير الى الأمام باستمرار. والمؤمنون يجب أن يكونوا مثل راكب دراجة، يتّجهون دائماً إلى الأمام. وِجهتهم نحو المسيح».

(ج) الخدم

«كانت ستّة أجران من حجارة موضوعة حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة» هي ستة أوانٍ من الأحجار كانوا يضعون فيها الماء ليغتسلوا عند دخولهم من الخارج. وكان هناك نوعان من الاغتسال: غسل الأرجل عندما يدخلون وقد تغطّت أرجلهم بغبار الطريق. ثم الأيدي ليتطهّروا طقسياً. وبدون تطهير طقسي لم يكونوا يقدرون أن يأكلوا أو أن يصلّوا. وبسبب كثرة عدد الضيوف استُهلك الماء كله. كان كل إناء حجري يسع من أربع إلى ست صفائح من الماء. (المطر صفيحتا ماء).

أمر المسيح الخدام أن يملأوا الأجران الحجرية إلى فوق. ونلاحظ أن الأجران أجران ماء وليست للخمر، فلا يقول أحد إنه كان هناك خمرٌ متبقٍّ من قبل. ولم تكن بها حتى رائحة خمر. طلب منهم أن يملأوها إلى فوق حتى لا يقول أحد إنه أكملها بالخمر. كانت كبيرة بحيث لم يكن ممكناً أن يُدخلوا الخمر إليها خلسة. الدليل واضح للغاية أمام الجميع أن هناك معجزة جرت. أجرانٌ فارغة ملأها الخدم وليس التلاميذ.

كان الخدام أول من أطاع أمر العذراء القديسة مريم، وأول من رأى المعجزة تتحقق.

(د) المتّكئون

أمر المسيح الخدم أن يقدّموا الخمر للمدعوّين. فذاق رئيس المتكأ (ضيف الشرف) الخمر أولاً، وأبدى إعجابه به.

اليوم نرفض الخمر لأننا نخشى على شاربها أنه لا يستطيع أن يُسيطر عليها فتسيطر هي عليه، كما يقول مثل ياباني: «يشرب الناس الكأس، فتشرب الكأس الكأس، فتشرب الكأس الناس!». تبدأ الخمر مُستعبَدة لك، وتنتهي مُستعبِدة لك. ونخشى من شرب الخمر على أولادنا الصغار إن رأونا نشرب، فيشربون بغير أن يتحكموا في أنفسهم. ونخشى من شرب الخمر لئلا نُعثر المحيطين بنا.

(هـ) رئيس المتكأ

عندما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحّوِل خمراً، قال: «كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولاً، ومتى سكروا فحينئذ الدون، وأما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن». تلك عبارة عظيمة قالها رئيس المتكأ، ولكنه لم يُدرك عُمق معناها بالنسبة لما يفعله المسيح في حياة الناس. مع المسيح يجيء الأفضل دائماً أخيراً. في دراستك لكلمة الله تبدأ الدراسة، وكلما تعمّقت فيها وجدت عمقاً أكبر. تبدأ بأن تأكل الكلمة فتجدها «أَحْلَى مِنَ ٱلْعَسَلِ وَقَطْرِ ٱلشِّهَادِ. وُجِدَ كَلامُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلامُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي» (مزمور 19: 10 وإرميا 15: 16).

وهذا يحدث في طاعتك له، فكلما تطيعه تكتشف البركة. قد تكون طاعته أولاً صعبة، ولكن بركات الطاعة تريك أن الأفضل جاء أخيراً.

وفي تأديبه لك لا تراه للفرح بل للحزن، لكنه يعطي الذين يتدربون به ثمر برٍّ للسلام (عبرانيين 12: 11). فخاتمة التأديب دوماً أفضل. الآخِر مع المسيح دوماً أفضل - «أفضل من أمسٍ كل صباح لي جديد».

ثالثاً - المسيح والمعجزة

1 - اشترك المسيح في حفل زفاف أجرى فيه معجزته الأولى، ليقول لنا:

«لِيَكُنِ ٱلّزِوَاجُ مُكَرَّماً عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ»(عبرانيين 13: 4). بعض الناس ينشرون البؤس من حولهم، ويقدمون رسالة المسيح باعتبار أنها فقط رسالة حزن على الخطية. لكن المسيح يقدم لنا إنجيل الملكوت المُفرح. عندما وُلد أعلن الملاك: «أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ» (لوقا 2: 10). وإنجيل المسيح معناه الخبر المُفرح، فحياتنا الإيمانية حياة فرح. عندما يرى أحدٌ الابتهاج في وجوهنا يريد أن يشاركنا ابتهاجنا.

في أحد مؤتمرات الكنيسة في «بيت السلام» بالعجمي بالاسكندرية بمصر، قالت خبيرةٌ في علم النفس تعمل في مصحّة عقلية: «لو أننا جئنا بمرضانا إلى بيت السلام بالعجمي، أؤكد أنهم سينالون شفاءهم، لأنهم سيرون سعادتكم وأنتم تتناولون الطعام بابتهاجٍ وبساطة قلب، وتلعبون وتصلّون معاً بفرح، وتستمعون لكلمة الرب بفرح».

قدَّس المسيح أفراح الحياة بوجوده وسطها، وأعاد الفرح الذي ضيَّعته ظروف الحياة القاسية. وبارك المسيح حياة كل يوم، فإذا بالواجبات اليومية مقدسة مفرحة. أليس هو الذي حوَّل الناموس إلى عهد النعمة. «لأَنَّ ٱلنَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا ٱلنِّعْمَةُ وَٱلْحَقُّ فَبِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ صَارَا» (يوحنا 1: 17). حوَّل الحسن (الناموس) إلى الأحسن (النعمة).

هذا هو المسيح العظيم الذي بدأ معجزاته في حفل عرس، فبارك، وستر، وسدَّد الأعواز.

2 - وأجرى المسيح المعجزة في بيت فقير في قانا.

اشترك المسيح مع الناس العاديين، الخطاة. واستخدم أشياء عادية، من أجران حجرية، وماء.

وطلب تعاون الخدم معه، ليملأوا الأجران وليسقوا المتكئين.

هذا هو يسوع الذي جاءنا مولوداً في مذود، فنجد كلنا الطريق إليه: أغنياء وفقراء، خطاة وأتقياء. عنده للكل كل ما يحتاجون اليه.

ولكن العادي في يد المسيح يصبح معجزياً! إنْ سلّمته نفسك يُجري معجزةً في حياتك وبحياتك. جرِّب أن تسلّمه نفسك بالكامل، لترى المعجزات تتوالى عليك كل يوم!

3 - المسيح الذي يغيِّر الحسن إلى الأحسن.

شهد رئيس المتكأ أن الأخير صار أفضل. وهذا ما يفعله المسيح معك إن سلَّمته حياتك. ستكون آخِرتك معه أفضل من أُولاك.

حوَّل رموز العهد القديم إلى حقائق العهد الجديد: حوّل ذبائح العهد القديم، عندما جاءنا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم، إلى ذبيحةٍ واحدة، هي ذبيحة نفسه، فوجد لنا فداءً أبدياً.

حّوَل معمودية الماء التي عمّد بها يوحنا إلى معمودية الروح القدس. معمودية يوحنا للتوبة. والتوبة جميلة، حوَّلها المسيح إلى معمودية الروح القدس ليُسيطر على حياة المؤمنين.

وأرجو أن يحوِّل كلمته دائماً التي نسمعها باستمرار إلى ما هو أحسن، أي كأس الخلاص، فنتناول منه كأس الخلاص وباسم الرب ندعو (مزمور 116: 13).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأن المسيح يشاركنا أفراحنا، كما يحِسّ بأعوازنا، ويقف إلى جوارنا في كل ظروف حياتنا بغير استثناء، يستجيب صلاتنا، ويسندنا في وقت احتياجنا.

علّمنا أن نلجأ إليه بغير تردد، وبكل ثقة نسلّمه نفوسنا، محقّقين الوصيّة الحلوة: «مهما قال لكم فافعلوه». باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. ماذا جرى في اليوم المهم الأول الذي سبق هذه المعجزة؟

  2. ماذا حدث في اليوم المهم الثاني الذي سبق تحويل الماء خمراً؟

  3. ما معنى قول يسوع لأمه: «ما لي ولكِ يا امرأة»؟

  4. ماذا تتعلم من قول العذراء: «مهما قال لكم فافعلوه»؟

  5. لماذا اشترك المسيح في حفل الزفاف؟

  6. كيف يكون الآخِر مع المسيح دوماً أفضل من الأول؟

  7. اذكر شيئين حوَّلهما المسيح إلى أفضل.

المعجزة الثانية: شفاء ابن رجل البلاط الملكي

46 فَجَاءَ يَسُوعُ أَيْضاً إِلَى قَانَا ٱلْجَلِيلِ، حَيْثُ صَنَعَ ٱلْمَاءَ خَمْراً. وَكَانَ خَادِمٌ لِلْمَلِكِ ٱبْنُهُ مَرِيضٌ فِي كَفْرِنَاحُومَ. 47 هٰذَا إِذْ سَمِعَ أَنَّ يَسُوعَ قَدْ جَاءَ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ إِلَى ٱلْجَلِيلِ، ٱنْطَلَقَ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ وَيَشْفِيَ ٱبْنَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفاً عَلَى ٱلْمَوْتِ. 48 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ!» 49 قَالَ لَهُ خَادِمُ ٱلْمَلِكِ: «يَا سَيِّدُ، ٱنْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ٱبْنِي». 50 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ٱذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ». فَآمَنَ ٱلرَّجُلُ بِٱلْكَلِمَةِ ٱلَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ، وَذَهَبَ. 51 وَفِيمَا هُوَ نَازِلٌ ٱسْتَقْبَلَهُ عَبِيدُهُ وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: «إِنَّ ٱبْنَكَ حَيٌّ». 52 فَٱسْتَخْبَرَهُمْ عَنِ ٱلسَّاعَةِ ٱلَّتِي فِيهَا أَخَذَ يَتَعَافَى، فَقَالُوا لَهُ: «أَمْسٍ فِي ٱلسَّاعَةِ ٱلسَّابِعَةِ تَرَكَتْهُ ٱلْحُمَّى». 53 فَفَهِمَ ٱلأَبُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ ٱلَّتِي قَالَ لَهُ فِيهَا يَسُوعُ إِنَّ ٱبْنَكَ حَيٌّ. فَآمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ. 54 هٰذِهِ أَيْضاً آيَةٌ ثَانِيَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ لَمَّا جَاءَ مِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ إِلَى ٱلْجَلِيلِ (يوحنا 4: 46-54).

هذه هي المعجزة الثانية التي أجراها المسيح. جرت المعجزة الأولى (تحويل الماء الى خمر) في حفل زفاف، والثانية في ظل جنازة وموت. جرت الأولى مع جماعة من الفقراء المغمورين، والثانية مع سيّدٍ في قومه.

للفقير مشاكله، وللغني أيضاً مشاكله. وكلما زاد ارتفاع الشجرة إلى أعلى شعرَتْ بعنف الزوابع. هناك الوبأ الذي يسلك في الدُّجى والهلاك الذي يفسد في الظهيرة! (مزمور 91: 6).

هذه معجزة شفاء ابنٍ مريض، سافر أبوه من كفرناحوم إلى قانا، وهي مسافة نحو ثلاثين كيلومتراً، كان يستغرق قطعها في ذلك الزمن سفر يوم كامل. فسافر الوالد يوماً كاملاً ليلتقي بصانع المعجزة...

ولا نعلم من هو خادم الملك (رجل البلاط الملكي) هذا. لعله خوزي وكيل هيرودس (لوقا 8: 3) أو لعله مناين رئيس الرُّبع الذي تربى مع هيرودس (أعمال 13: 1). ولكنه قبل كل شيء أب يحب ابنه، ويكاد يُفجع فيه!

أولاً - المحتاج والمعجزة

1 - المحتاج الحقيقي هو الابن المريض.

  1. مريض مشرف على الموت، عاجز عن الحركة. كل أمره في يدي أبيه. ومع أنه لا يدري ما يجري من حوله، إلا أن أباه قام بالواجب. هل أنت ابن تلقي نفسك على أبيك السماوي باطمئنان، عالماً أنه وليُّ أمرك وصاحب السلطان في حياتك؟ هل تعلم أن أباك محبة كاملة؟ هل تعلم أن محبته وسلطانه وكل ما عنده في خدمتك؟

    كثيراً ما يصدمنا الله صدمة تشلّنا وتُعجزنا عن الحركة لنسلِّم أمرنا له. مرات كثيرة نظن أننا قادرون، وأننا مستقلّون عنه، ونستطيع أن نفعل الكثير دون أن نلجأ إليه، فيصدمنا لأنه يحبنا، بهدف أن نلوذ به ونحتمي بحماه.

  2. على أن الابن المريض يعلّمنا درساً ثانياً، هو أننا في أحيان كثيرة لا نحسّ باحتياجنا بسبب شدة مرضنا. كان الابن مريضاً، ومن شدة المرض لم يُحسّ أنه محتاج لطبيب. وإلهنا الصالح ينبّهنا إلى مرضنا الروحي وضعفنا واحتياجنا للمخلّص، لنصرخ مع العشار قائلين: «ٱللّٰهُمَّ ٱرْحَمْنِي أَنَا ٱلْخَاطِئَ» (لوقا 18: 13).

2 - المحتاج الثاني للمعجزة كان رجل البلاط الملَكي

لا يذكر الإنجيل الأم. ولكنها أيضاً كانت محتاجة إلى المسيح ليشفي ابنها، تماماً مثل الأب. بقيت الأم بجوار سرير المريض، بينما ذهب الأب يطلب معونة المسيح. الرجل وزوجته واحد (متى 19: 5). ولما كانا واحداً اكتفى الإنجيل بالحديث عن الأب الذي ذهب ليبسط طلبته أمام المسيح.

لقد واجه الأب والأم ضيقة. لو لم تجىء تلك الضيقة ما فكرا أن يذهبا إلى المسيح. فأدخلهما الله في مأزق ليفكرا في اللجوء إلى النجار الناصري الذي يُقال عنه إنه يُجري معجزات. «خَيْرٌ لِي أَنِّي تَذَلَّلْتُ لِكَيْ أَتَعَلَّمَ فَرَائِضَكَ» (مز 119: 71). والله أب محب كريم لا يذلّلنا ليذلنا، لكن ليعلّمنا ويقرّبنا إليه.

  1. ابتلع رجل البلاط الملكي كبرياءه وسافر من كفرناحوم العاصمة إلى القرية الصغيرة ليقابل المسيح ويسأل منه شفاءً لابنه. لم يهتم بكلام الناس، لأن ضيقة نفسه جعلته يتذلل أمام المسيح.

  2. وقَبِلَ توبيخ المسيح له بتواضع، فنجح في اختبار الإيمان. قال للمسيح: أرجوك أن تنزل وتشفي ابني لأنه مشرف على الموت. فأجابه المسيح إجابة تبدو خشنة: «لا تؤمنون إن لم تروا آيات وعجائب!». وبَّخ المسيح الرجل، وفي تواضع قبِل الرجل التوبيخ. كان المسيح يدرك إيمان الرجل، فقدم الامتحان الذي يقدر إيمان الرجل أن ينجح فيه! «ٱللّٰهَ أَمِينٌ، ٱلَّذِي لا يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ (تُمتحنون وتُختبرون) فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ، بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ ٱلتَّجْرِبَةِ أَيْضاً ٱلْمَنْفَذَ، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا» (1 كورنثوس 10: 13).

  3. جاء الأب الى المسيح من أجل ابنه، وسأل شفاءً له. وما أكثر ما يفعل الآباء لأولادهم! وهناك أيضاً أبناء يفعلون الخير لآبائهم. هناك ابن يقود أباه للمسيح. هل نهتم بأفراد عائلاتنا روحياً؟ هل نفكر في الكبار من عائلتنا، فنصلي من أجلهم ونكلم المسيح بشأنهم، كما كلم الآب المسيح بخصوص ابنه؟

    في عائلاتنا آباء كبار السن. ليتنا ننشغل بهم، كما انشغل آباؤنا وصلّوا من أجلنا حتى عرفنا المسيح المخلّص. دعونا نفكر في أعمامنا وأخوالنا والكبار في عائلاتنا لنقدّمهم إلى المسيح.

  4. ووضع رجل البلاط الملكي ثقته كاملة في المسيح بالرغم من ضيق الوقت «أرجوك أن تنزل معي قبل أن يموت ابني». وعندما قال له المسيح: «ابنك حيّ». آمن بالكلمة وعاد الى البيت دون أن يرى شيئاً. وضع ثقته في كلمةٍ قيلت، وأدرك أن ابنه قد نال الشفاء. رجع إلى بيته دون أن يرى ما يُطمْئِن قلبه. لكن أليس هذا هو الإيمان؟ إنه الثقة بأمورٍ لا نراها (عبرانيين11: 1) كما قيل في إبراهيم: «عَلَى خِلافِ ٱلرَّجَاءِ آمَنَ عَلَى ٱلرَّجَاءِ» (رومية 4: 18) فنال ما ترجَّاه. لم يقل خادم الملك: «ربما صَدَق المسيح فيما قال». بل قال: «بالتأكيد حقق المسيح وعده ونفذ كلمته». نحتاج إلى هذا الإيمان الذي يجعلنا نضع ثقتنا في المسيح كخطاةٍ نحتاج إلى غفرانه، وندرك أن كفارة صليبه كافية لتطهيرنا.

لكل إيمان بدء، ولكل إيمان نموّ وزيادة، ولكل إيمان كمال. البدء يبدأ بالسمع، فيجعلنا نطلب. ابتدأ الإيمان في قلب رجل البلاط عندما قيل له: إن المسيح يستطيع أن يشفي ابنك، فقد أجرى معجزة في قانا، حَوَّل فيها الماء الى خمر. المسيا جاء.

وهنا زاد إيمانه، فذهب إلى المسيح مسافة ثلاثين كيلومتراً استغرق قطعها نحو يوم، ليطلب شفاءً لابنه. وظهرت زيادة الإيمان في قلبه عندما صَدَّق قول المسيح: «إن ابنك حي» وتصرَّف بناءً على هذه الكلمة.

واكتمل إيمانه عملاً واختباراً عندما نال ما أعطاه المسيح له. وفهم أنه في الساعة التي قال فيها يسوع: «ابنك حي» شُفي ولده. واكتمل إيمانه لما آمن هو وبيته كله. كمال الإيمان أن الإنسان يفتح قلبه للمسيح ليُغيِّر المسيح حياته، فيقود غيره للمسيح المخلّص.كثيرون منا يتمتعون بعناية الله ويعرفون الله المعتني ويحبونه، وهذه معاملة شحاذٍ مع مُحسِن. لكننا نريد أن نتمتع بمعاملة الابن مع أبيه. «وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلادَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (يوحنا 1: 12). فننتقل من عبودية عبدٍ يشحذ من محسِن، إلى امتياز ابنٍ يطلب من أبيه.

ويجب أن يتغذى إيماننا على مواعيد الله فنتمسك بها، وبهذا ينمو الإيمان ويزيد، لأنه لا تسقط كلمة من كل الكلام الصالح الذي يقوله لنا (يشوع 21: 45).

ويجب أن يتصرف الإيمان دوماً في غيبة المشاعر. لم تكن مشاعر الأب هي التي جعلته يعود إلى كفرناحوم، لكن كان هناك إيمان بحقيقة أن كلمة المسيح لا بد أن تصدُق، وأن وعده لا بد أن يتحقق، وأن أمره لا بد أن ينفذ، فقد قال له: «ابنك حي».

هل يشجعك إيمانك بالمسيح لتكلمه كما كلّمه رجل البلاط الملكي بشأن ابنه؟ هل يجعلك مطمئناً؟ فعندما يقول لك: «ابنك حي» تؤمن بالكلمة التي قالها وتتصرف طبقاً لها؟ إيمانك بالمسيح يعطيك أنت وأسرتك البركة، لأن الإيمان الحقيقي يبارك المؤمن، وعائلته.

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

1 - الذين سمعوا طلبة رجل البلاط الملكي

لما طلب خادم الملك من المسيح أن يشفي ابنه، سمعوا الطلبة. وقال المسيح لهم: «لا تؤمنون إن لم تروا آيات وعجائب!». لعل المسيح وجّه هذه الكلمة للواقفين حوله لأنهم كانوا يريدون أن يروا المعجزة التي سيجريها المسيح. كانوا يطلبون أن يروا بعيونهم قبل أن يؤمنوا، والمسيح يريد الإيمان القوي الذي يصدِّق حتى بدون أن يرى، كما قال لتوما: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا» (يوحنا 20: 29).

وجّه المسيح كلماته ليعالج حالة موجودة في قانا الجليل، لأنه لا كرامة لنبي في وطنه، وكان يريدهم أن يؤمنوا به لا على أنه ابن النجار، أو على أن إخوته جميعاً عندهم، لكن لأنه هو الذي أتى من السماء. هذا كان إيمان اللص التائب الذي قال: «ٱذْكُرْنِي يَا رَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ» (لوقا 23: 42). فقد رأى المصلوب رباً صاحب ملكوت، مع أن العين البشرية لا ترى فيه إلا زميلاً معلَّقاً على صليب! رأى اللص التائب ما لا يُرى! وكافأه المسيح مكافأة الإيمان الذي يهب الحياة الأبدية.

2 - رجال خادم الملك

استقبلوا الأب العائد بالخبر المُفرح الذي عرفوا ساعته وظروفه، ورأوه ونقلوه إليه. لم ينشئوا هم الخبر المُفرح، لكنهم فقط نقلوه. «أمس في الساعة السابعة تركته الحمى». الساعة السابعة أي الواحدة بعد الظهر، بعد شروق الشمس بسبع ساعات حسب التوقيت اليهودي. ففهم الأب أنه في تلك الساعة التي قال له فيها يسوع: «إن ابنك حيّ».

نحن المؤمنين نراقب كثيراً عمل الله بيننا، فنرى معجزات التغيير في حياة الناس، ونرى معجزات شفاءٍ يجريها الرب على خلاف ما يتوقع البشر، ونرى عناية إلهية عظيمة تعمل أعمالاً رائعة فوق الخيال يجريها «وَٱلْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَكْثَرَ جِدّاً مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ ٱلْقُّوَةِ ٱلَّتِي تَعْمَلُ فِينَا» (أفسس 3: 20).

نحن لم ننشىء المعجزة لكننا رأيناها. فلنذهب نخبر كم صنع الرب بنا ورحمنا!

ثالثاً - المسيح والمعجزة

  1. نرى حنان المسيح الكامل على الأب الذي يقدم الطلب، وعلى الابن المريض الموجود بعيداً في كفرناحوم. كان إيمان الأب ضعيفاً. ونحن لا نلومه، فلو كنا مكانه لربما قلنا ما هو أسوأ من ذلك! قال: «يا سيد انزل قبل أن يموت ابني». هذا إيمان بسيط ضعيف. كأنه يقول له: «لو تأخرت، لا فائدة». هذا إيمان محدود، ومع ذلك لم يطفئه المسيح، الذي لا يطفئ فتيلة مدخنة ولا يقصف قصبة مرضوضة (إشعياء 42: 3 ومتى12: 20).

    قال القديس يوحنا فم الذهب في إحدى عظاته: «لماذا ذهب المسيح إلى بيت قائد المئة ولم يذهب إلى بيت ابن خادم الملك؟» ثم أجاب على السؤال بقوله: «كان قائد المئة صاحب إيمان عظيم، أما خادم الملك فقد كان ضعيف الإيمان. وأراد المسيح أن يقوي إيمان الرجل فشفى ابنه من على بُعد، ليؤكد له أنه صاحب السلطان القادر على كل شيء».

    يتعامل المسيح معنا بطرق مختلفة تتوقف على حالتنا وظروفنا ومقدار إيماننا. ولا نستطيع أن نقول له: لماذا فعلت هذا مع شخص ما ولم تفعله معي بذات الطريقة؟ لأن للرب طرقاً كثيرة يتعامل بها مع كل واحد منا حسب ظروفه وأحواله. بل إنه يتعامل معك أنت بأنواع وطرقٍ مختلفة.

  2. ثم نرى قوة المسيح: قال الأب: «ابني مشرفٌ على الموت. انزل قبل أن يموت ابني». وقال المسيح: «ابنك حي» فكانت كلمة المسيح مختلفة تماماً عن الواقع المنظور! لكن كلمته تحمل سلطانه، وهذا هو معنى لقب المسيح «الكلمة» لأنه يحمل كل سلطان الرب. ولذلك قال المسيح: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يوحنا 14: 9).

    «اَللّٰهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ ٱلْوَحِيدُ ٱلَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ ٱلآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يوحنا 1: 18). عندنا الكلمة المكتوبة في الإنجيل المقدس، وفيها سلطان الله في تخليص النفوس بعمل الروح القدس. وعندنا الكلمة الحي، الرب يسوع المسيح المخلِّص الحي. والمخلِّص وكلمته يعملان وسطنا.

    وفعلت كلمة المسيح: «ابنك حي» معجزتين على الأقل: المعجزة الأولى أنها شفت ضعف إيمان رجل البلاط الملكي، والثانية أنها شفت ضعف جسد الابن المريض على فراشه! فكلمة المسيح لا تنشئ معجزة واحدة لكنها تنشئ معجزات. وكل معجزة نراها هي في واقع الأمر مجموعة معجزات. وكلما تأملناها أكثر وأكثر وجدناها تتفاعل مع قلوبنا لتقوّي إيماننا وتزيده، وتشفي مرضنا وتزيله.

    المسيح صاحب السلطان بالرغم من بُعد المسافة. على بُعد ثلاثين كيلومتراً، وفي نفس اللحظة، في الساعة الواحدة بعد الظهر، نال الابن المريض شفاءه.

  3. وأخيراً نرى حكمة المسيح: طلب الأب من المسيح شفاء ابنه بطريقة محدَّدة، فشفاه المسيح بطريقة تختلف. كانت الطلبة: «انزِلْ قبل أن يموت ابني». ولم ينزل المسيح إلى كفرناحوم، ولكن من قانا شفى الابن، ليعلمنا درساً عظيماً، لنخضع لحكمته، ونقول له: «لتكن لا إرادتي بل إرادتك، لأن إرادتك هي الصالحة المرْضيّة الكاملة. ولو أعطيتني طلبي كما أطلبه، أكون أنا الخاسر. ولكن لو أعطيتني طلبي كما تريد أنت، سيكون المكسب كله لي أنا!».

دعونا نتعلم كيف نضع ثقتنا في حنان المسيح وفي قوته وفي حكمته.

صلاة

أبانا السماوي، أَجْر في حياتنا معجزة تشفينا من كل مرض: من مرض الخطية بالغفران، ومن مرض القلق بالاطمئنان، ومن مرض التسرُّع بانتظار الرب.

أعطنا صحة روحية، وليكن جسدنا هيكلاً للروح القدس على الدوام. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. اذكر فرقين بين معجزة تحويل الماء خمراً وهذه المعجزة.

  2. لماذا لم يذكر الإنجيل الأم في قصة شفاء الابن المريض؟

  3. ما هي مسئوليتنا نحو كبار العمر في عائلتنا؟

  4. كيف بدأ إيمان رجل البلاط الملكي، وكيف زاد، وكيف كمل؟

  5. لم يطفئ المسيح إيمان رجل البلاط بل نوَّره - كيف؟

  6. لماذا ذهب المسيح لبيت قائد المئة ولم يذهب لبيت رجل البلاط؟

  7. شفى المسيح الابن المريض بطريقة تختلف عن الطريقة التي طلبها أبوه - ماذا تتعلم من ذلك؟

المعجزة الثالثة صيد السمك الكثير

1 وَإِذْ كَانَ ٱلْجَمْعُ يَزْدَحِمُ عَلَيْهِ لِيَسْمَعَ كَلِمَةَ ٱللّٰهِ، كَانَ وَاقِفاً عِنْدَ بُحَيْرَةِ جَنِّيسَارَتَ. 2 فَرَأَى سَفِينَتَيْنِ وَاقِفَتَيْنِ عِنْدَ ٱلْبُحَيْرَةِ، وَٱلصَّيَّادُونَ قَدْ خَرَجُوا مِنْهُمَا وَغَسَلُوا ٱلشِّبَاكَ. 3 فَدَخَلَ إِحْدَى ٱلسَّفِينَتَيْنِ ٱلَّتِي كَانَتْ لِسِمْعَانَ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُبْعِدَ قَلِيلاً عَنِ ٱلْبَرِّ. ثُمَّ جَلَسَ وَصَارَ يُعَلِّمُ ٱلْجُمُوعَ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ. 4 وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ ٱلْكَلاَمِ قَالَ لِسِمْعَانَ: «ٱبْعُدْ إِلَى ٱلْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ». 5 فَأَجَابَ سِمْعَانُ: «يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا ٱللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً. وَلٰكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي ٱلشَّبَكَةَ». 6 وَلَمَّا فَعَلُوا ذٰلِكَ أَمْسَكُوا سَمَكاً كَثِيراً جِدّاً، فَصَارَتْ شَبَكَتُهُمْ تَتَخَرَّقُ. 7 فَأَشَارُوا إِلَى شُرَكَائِهِمُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّفِينَةِ ٱلأُخْرَى أَنْ يَأْتُوا وَيُسَاعِدُوهُمْ. فَأَتَوْا وَمَلأُوا ٱلسَّفِينَتَيْنِ حَتَّى أَخَذَتَا فِي ٱلْغَرَقِ. 8 فَلَمَّا رَأَى سِمْعَانُ بُطْرُسُ ذٰلِكَ خَرَّ عِنْدَ رُكْبَتَيْ يَسُوعَ قَائِلاً: «ٱخْرُجْ مِنْ سَفِينَتِي يَارَبُّ، لأَنِّي رَجُلٌ خَاطِئٌ». 9 إِذِ ٱعْتَرَتْهُ وَجمِيعَ ٱلَّذِينَ مَعَهُ دَهْشَةٌ عَلَى صَيْدِ ٱلسَّمَكِ ٱلَّذِي أَخَذُوهُ. 10 وَكَذٰلِكَ أَيْضاً يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ٱبْنَا زَبْدِي ٱللَّذَانِ كَانَا شَرِيكَيْ سِمْعَانَ. فَقَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ: «لاَ تَخَفْ! مِنَ ٱلآنَ تَكُونُ تَصْطَادُ ٱلنَّاسَ!» 11 وَلَمَّا جَاءُوا بِٱلسَّفِينَتَيْنِ إِلَى ٱلْبَرِّ تَرَكُوا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعُوهُ (لوقا 5: 1-11).

(وردت هذه المعجزة أيضاً في متى 4: 18-22 ومرقس 1: 16-20).

أجرى المسيح معجزته الأولى في حفل عرس، وأجرى الثانية بالقرب من ظل الموت، وأجرى الثالثة على شاطىء بحيرة جنيسارت، ومعنى اسمها قيثارة أو أميرة الحدائق، لأن شكلها كالقيثارة، ولأن حولها تسع مدن عامرة ذات حدائق مثمرة، فهي مكان ابتهاج وفرح.

وقد أُطلق أيضاً على هذه البحيرة اسم «بحر الجليل» أو «بحيرة طبرية». ويبلغ طولها عشرون كيلومتراً وعرضها ثلاثة عشر كيلومتراً، وعمقها 230 متراً تحت سطح البحر. ولذلك فهي استوائية المناخ، يتقلب الجو العاصف عليها بكثرة وبدون سابق انذار.

أجرى المسيح كثيراً من معجزاته حول هذه البحيرة، وهو ينتقل من شاطئ الى آخر. أسكن رياحها، وأعطى تلاميذه منها صيداً وفيراً. من على تلك البحيرة وقف في سفينة صغيرة يعظ الجمهور الذي تجمّع على شاطئها، فكافأ بطرسَ صاحبَ السفينة بأن أعطاه سمكاً كثيراً. لقد بدأت تعاملات المسيح مع بطرس بمعجزة صيد السمك الكثير هنا، وانتهت تعاملاته معه أثناء وجوده على الأرض بمعجزة صيد سمك (يوحنا 21) عندما كلَّفه أن يرعى غنمه. نركز في هذه المعجزة على شخصين: بطرس المحتاج للمعجزة، والمسيح الذي أجرى المعجزة.

أولاً - المحتاج والمعجزة

1 - المحتاج وممتلكاته:

كان بطرس يملك سفينة واقفة على الشاطئ، وقد خرج الصيادون منها يغسلون شباكهم، بعد أن صرفوا الليل كله ولم يأخذوا شيئاً. هذا حال اليأس والتعب.

وأُعطيت السفينة للمسيح ليجعل منها منبراً وعظ الجمهور منه. قال أحد المفسرين: «كان صياد النفوس على البحر في السفينة، وكانت النفوس التي يصيدها واقفة على الأرض، على شاطىء البحيرة. والواعظ السماوي يلقي شبكة الإنجيل ليجمع بها النفوس إلى ملكوته من الموت إلى الحياة». ويمكن أن نرى لسان الحال في كلمات بطرس عن السفينة المقدَّمة للمسيح: «كلمتك التي تلقيها من السفينة ومن خارج السفينة تهب الحياة الأبدية».

سفينة خالية أُعطيت للمسيح فإذا بها عامرة بالسمك، حتى أن الشِّباك صارت تتخرّق، فطلب الصيادون من سفينة أخرى أن تقترب منهم لمساعدتهم، فأتوا وملأوا السفينتين حتى أخذتا في الغرق! سفينة خالية تُعطى للمسيح تصبح ممتلئة بأكثر مما توقع بطرس. أليست هذه حالتنا كلنا؟ عندما تخلو أيدينا، نفتحها للمسيح فتمتلئ. ليتنا نقدم ما عندنا له، لا لأنه يحتاج إليه، لكن ليباركه. عندما نفشل في شيء نسلمه للرب. عندما تفشل الصحة، سلِّم الجسد للرب ليكون هيكلاً للروح القدس. عندما يفشل العمل سلمه للرب ليباركه لأنه يصبح عمله. كانت نسبة الأسهم في سفينة بطرس مئة بالمئة لبطرس. ولما سلّمها للمسيح، وأصبحت الأسهم كلها للمسيح، أصبح بطرس شريكاً ناجحاً للمسيح. إن كانت الأسهم كلها لنا فلن نُوفَّق. فإن أعطيناها كلها للمسيح سيباركنا ونصبح شركاءه في نجاحه. فلنقدم أجسادنا له ذبيحة حية مقدسة مرضية، لتصبح صحيحة مباركة عامرة بملء الروح القدس (رومية 12: 1).

2 - المحتاج وإيمانه

  1. بدأ بطرس حياته مع المسيح بأن صار تابعاً له، عندما قال له أخوه أندراوس: «قد وجدنا مسيّا» فانضمّ بطرس إلى جماعة المسيح. لكنه استمر يقيم في بيته ويزاول مهنة صيد السمك.

    وحدث معه اختبار جديد جعل منه تلميذاً للمسيح، يوم قال له: «ابعُد قليلاً عن البَرّ». وجلس يسوع في سفينة بطرس يعلّم الجموع من السفينة. ثم قال له: «لا تخف! من الآن تكون تصطاد الناس». فترك كل شيء وتبعه. كان تابعاً ثم صار تلميذاً للمسيح كل الوقت، وترك كل شيء ليتبعه. ثم تقدَّم بطرس في الإيمان أكثر، فأصبح رسولاً للمسيح.

  2. بدأ بطرس مسيرته الإيمانية في ذهول ودهشة من هذه المعجزة، حتى قال: «اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ». ولكنه تقدم في الإيمان بعد ذلك، فقال: «يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلامُ ٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ» (يوحنا 6: 68). بدأ خائفاً من المسيح وقداسته، فقال المسيح له: «لا تخف مني ومن قداستي. سأغسلك وأنقّي قلبك». فتعلَّم الدرس وقال: «لا تخرج من سفينتي. ابْقَ معي». لقد حدث تطوّر ونموّ في حياة بطرس الروحية، فقال: «أريد أن أكون أنا وسفينتي في خدمتك. ابْقَ في سفينتي لأني محتاج الى تقديسك اليومي وإنعاشك الروحي». لقد حدث تقدم عظيم في السفينة وصاحب السفينة، لأن السفينة وصاحبها صارا مُلكاً للمسيح.

  3. اندهش بطرس اندهاشاً كبيراً من صيد السمك، واعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه. ونحن نحتاج إلى الانبهار والتعجّب من المسيح، فنكون دائماً منبهرين من تعاملاته معنا، ونقف دوماً على أطراف أقدامنا لنشكر في كل حين على كل شيء. دعونا نتعلم من بطرس أن ننبهر أمام الله دائماً، وأن تجيئنا كل عطية منه باندهاش جديد، فتكون حياتنا مع الله دائماً لامعة، براقة، متألّقة، تنفتح عيوننا بالدهشة لأن إلهنا يمدّ يده إلينا بالبركة «وَيُتَعَجَّبَ مِنْهُ فِي جَمِيعِ ٱلْمُؤْمِنِينَ» (2تسالونيكي 1: 10).

  4. ثم بعد هذه الدهشة يجيء التكليف الإلهي: «لا تخف! من الآن تكون صياد الناس». فكل من يتعرَّف على المسيح تعرُّفاً عميقاً يحصل على ترقية: من صياد سمك إلى صياد ناس. هناك ترقية للنباتات. عندما يأكل الحيوان نباتاً يرتقي النبات إلى المملكة الحيوانية. وعندما يأكل الإنسان حيواناً يرتقي الحيوان إلى المملكة الإنسانية، لأنه يصبح خلايا جسد إنسان. وعندما نسلّم نفوسنا لله ونعطي إلهنا حق امتلاكنا نقول: «فَأَحْيَا لا أَنَا بَلِ ٱلْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غلاطية 2: 20) ونصير شركاء الطبيعة الإلهية (2بطرس 1: 4). دعونا نعطي نفوسنا بالكامل لله، ونسلّم كل ما عندنا له ليكون سلطانه كاملاً علينا لننتقل من المملكة الإنسانية إلى المملكة الإلهية التي يريد المسيح أن يُدخلنا إليها.

    ومن الترقيات التي يريد المسيح أن يرفعنا إليها الترقية من مجرد «كاسب رزق» إلى «محقِّقٍ لمشيئة الله». هناك أبناء يشتكون لأن آباءهم مشغولون عنهم بتحصيل المال للإنفاق عليهم! وهناك زوجات يشتكين من أزواجهن لأنهم يتركون البيت في الصباح الباكر ولا يعودون إلا في المساء المتأخر، آكلين خبز الأتعاب (مزمور 127: 3). ويريد الله أن يجعل منهم أناس الله القديسين، إذ يختارون النصيب الصالح الذي لا يُنزع منهم (لوقا 10: 42). وهذا النصيب الصالح لا يعزلهم عن العالم، ولا يفشلهم، بل يجعل كل شيء يُزاد لهم (متى 6: 33).

  5. ثم تمَّ تكريس بطرس لما ترك كل شيء وتبع المسيح. ربما يطالبك الله بقضاء وقت أكثر في التعبّد، أو لتفكر أكثر و أعمق في إنسانٍ يحتاج إلى الخلاص لتكلّمه، وأنت مشغول هنا وهناك. إن أردت أن تُشبع حياتك كن تابعاً أميناً للمسيح.

ثانياً - المسيح والمعجزة

1 - أول ما نرى المسيح في معجزة صيد السمك هذه نراه الجذاب:

كان الجمع يزدحم عليه يسمع منه كلمة الله. هناك جاذبية خاصة في المسيح. من أمتع سنوات حياتي تلك التي صرفتها أجهّز «سيرة المسيح» للإذاعة. كانت الصُّحبة بالغة الرَّوعة، لا زالت تطبع آثارها على قلبي. عندما يجذبك المسيح تتأمل فيه «وتزدحم حوله». هذه جاذبية المسيح التي لا تتوقف أبداً فقد قال: «وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ عَنِ ٱلأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ ٱلْجَمِيعَ» (يوحنا 12: 32). على أن المغناطيس الذي يجذب المعدن لا يجذب الحجر، فاطلب من الله أن يُجري تغييراً داخلك، يزيل منك ما يعطل انجذابك إليه، حتى «تزدحم حوله».

2 - ونرى في هذه المعجزة المسيح المحتاج:

احتاج إلى سفينة بطرس، وجلس فيها يعلم الناس. واحتاج لخبرة صيّاد يُبعد السفينة إلى داخل البحيرة. لقد كان قادراً أن يخلق سفينة، وأن يأمر موجة تُبعدها عن البر، ولكنه أراد أن يكرم بطرس ويباركه. عندما يطلب الرب منا شيئاً لا يطلبه لأنه عاجز عن صنعه، ولكن لأنه يريد أن يُشركنا في خدمته. فلنكن أذكياء بالدرجة التي تجعلنا نقول: «سأعطي للرب سفينة حياتي، ولو كانت فارغة، ليُعيدها إليَّ ممتلئة، فتستريح النفس المتعَبة، ويرتوي القلب الظامئ».

3 - المسيح صاحب السلطان

  1. صاحب السلطان على بطرس، يقول له: «أبعد السفينة عن الشاطئ. اُبعُد إلى العمق». ثم يقول له: «ألق الشباك». فأطاع. في المسيح قوة وجاذبية. لو سمعت صوته ستجد أنك تريد أن تطيعه، ليس فقط لأن ذلك في صالحك، وإنما لأن هناك سلطاناً في كلمة المسيح، فكلمة الله حيّة وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين (عبرانيين 4: 13). دعونا نقرأ الكلمة، وسنرى سلطانها على حياتنا.

  2. سلطان المسيح على السمك: لم يكن هناك سمك في المكان الذي كانوا يصيدون فيه. ثم أن الصيد يتمّ بالليل. لكن على أمر المسيح تجمَّع السمك.

لم يكن نجاح بطرس في الصيد بسبب الظروف المواتية، لكن بسبب طاعته لكلمة المسيح صاحب السلطان. وأنت تنجح لا بسبب الظروف مهما كانت مواتية، لكن بسبب البركة التي يعطيها لك. أرجوك أن تتجاوب مع ما يقوله المسيح لك، فالبركة دوماً على رأس المطيع. أمر الله إيليا أن يذهب عند نهر كريت، وقال: «أَمَرْتُ ٱلْغِرْبَانَ أَنْ تَعُولَكَ هُنَاكَ» (1ملوك 17: 4). كلمة «هناك» هي المفتاح. لا حيث تريد أنت، لكن حيث يريد هو.

4 - نرى في المعجزة محبة المسيح:

  1. شجع المسيح بطرس بقوله: «لا تخف. من الآن تكون تصطاد الناس». كان بطرس مندهشاً من صيد السمك، خائفاً من خطيته. وتجيئه كلمة المحبة المُشجّعة: «لا تخف. سأنقّي قلبك، سأُرقِّي مكانتك». تجيئنا هذه الكلمة باستمرار ونحن نواجه امتحاناً، أو مقابلةً لوظيفة، أو قبل إجراء عملية جراحية، أو ونحن سنصبح أبوين لأول مرة، أو ونحن نُدخِل أولادنا المدرسة لأول مرة، أو ونحن نصحبهم ليتزوجوا ويهجروا عُش بيتنا، أو ونحن نوشك على التقاعد وترك الوظيفة. كم نحتاج إلى هذه الكلمة! في كل اختبار لم يسبق أن دخلناه من قبل، نسمع صوت الحب يهمس في آذاننا: «لا تخف.. من الآن».

  2. و «من الآن» تقدم برهاناً آخر على محبة المسيح. هناك توقيت إلهي. فلماذا لم يقل المسيح لبطرس عندما كلَّمه اندراوس: «من الآن تكون تصطاد الناس»؟ الجواب: لأنه كان يجهز بطرس للَّحظة المناسبة.

  3. وبيَّن المسيح محبته لبطرس عندما دعاه لخدمة محددة، هي صيد الناس، فارتفعت قيمته في نظر نفسه، وفي نظر المجتمع والأسرة، وفي ملكوت السماوات.

  4. ثم بيَّن المسيح محبته لبطرس بإعطائه السمك الكثير:

    هل استئجار سفينة لساعات قليلة يستحق المكافأة المادية الضخمة التي نالها بطرس؟ لو استأجر المسيح السفينة التي وعظ منها لَدَفَع في المقابل ديناراً واحداً، لكنه ملأ سفينة بطرس بالسمك، وحفظ الشباك من التخرُّق. وحفظ السفينتين من الغرق. يا للمكافأة! إن كأس ماء بارد باسمه لا يمكن أن يضيع أجره (متى 10: 42). هل أحسست بالندم على خيرٍ فعلته فلم تجد جزاءً ولا شكوراً؟ لا تندم، لأنك من الرب تنال الجزاء، فالمسيح هو الذي يكافىء.

  5. ثم نتأمل المسيح الذي يرى المستقبل:

    قال المسيح: «يشبه ملكوت السموات شبكة مطروحة في البحر وجامعة من كل نوع. فلما امتلأت أصعدوها على الشاطئ، وجلسوا وجمعوا الجياد إلى أوعية. وأما الأردياء فطرحوها خارجاً. هكذا يكون في انقضاء العالم» (متى 13: 47-49). نرى في هذه المعجزة مثلاً ونبوَّة: الصيادون هم الرسل حاملو كلمة الله في كل عصر. السفينة هي الكنيسة، والشبكة هي الإنجيل، والبحر هو العالم، والشاطىء هو الأبدية. الفرق الوحيد أن الصيادين يصيدون السمك ليموت، وخدام المسيح يصيدون الناس ليعيشوا. وذات يومٍ تُسحَب الشبكة وفيها الجيد والرديء، فليست الكنيسة متحفاً للقديسين، لكنها مستشفى للخطاة. ويُعزل الأردياء، وتؤخذ الجياد للملكوت.

فإلى أي فريق تنتمي؟ هل قدمت نفسك وسفينتك وعائلتك للمسيح؟

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من كل قلوبنا لأنك تحبّنا وتفكر في احتياجنا حتى من قبل أن نعرفه! وتمنحه لنا حتى من قبل أن نطلبه! وعندما تعطي تهب بسخاء ولا تعيّر.

أعطنا دائماً أن نجد الطريق الصحيح إليك، فنسلّم نفوسنا لك، ونُخضِع إرادتنا لمشيئتك، فنشبع بالبركة، ونمتلئ بالنعمة، وننال من لدنك نعمةً فوق نعمة. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. اكتب وصفاً لبحيرة جنيسارت.

  2. ماذا يحدث عندما نسلّم نفوسنا للمسيح؟

  3. ماذا يحدث عندما نسلّم ما عندنا للمسيح؟

  4. اذكر تطوُّراً حدث في إيمان بطرس.

  5. ماذا كان تكليف المسيح لبطرس؟ وما هو تكليفه لك أنت؟

  6. لماذ استعار المسيح سفينة بطرس، ولم يخلق سفينة؟

  7. ماذا كانت مكافأة المسيح لبطرس؟

المعجزة الرابعة شفاء حماة بطرس

14 وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ بُطْرُسَ، رَأَى حَمَاتَهُ مَطْرُوحَةً وَمَحْمُومَةً، 15 فَلَمَسَ يَدَهَا فَتَرَكَتْهَا ٱلْحُمَّى، فَقَامَتْ وَخَدَمَتْهُمْ (متى 8: 14 و15).

(وردت هذه المعجزة أيضاً في مرقس 1: 29 ولوقا 4: 38).

أجرى المسيح معجزته الأولى أمام عدد كبير من الناس، في بيت مزدحم بالضيوف، أثناء حفل عرس.

وأجرى معجزته الثانية لشفاء ابن رجل البلاط الملكي من بعيد، فقد كان في قانا بينما كان المريض في كفر ناحوم.

أما هذه المعجزة وهي شفاء حماة بطرس فقد أجراها المسيح وهو واقف إلى جوار فراشها، في بيتٍ في كفرناحوم، أمام عدد قليل من الأهل والأصدقاء.

في يوم سبت في مدينة كفرناحوم على شاطئ بحيرة جنيسارت، بعد الخدمة الدينية في المجمع، وبعد انتهاء المسيح من إلقاء عظته، عاد إلى بيت بطرس حيث كان يُقيم. كان التلميذ يملك بيتاً، ولم يكن للمعلم أين يُسند رأسه، لكنه صاحب السلطان في السماء وعلى الأرض! وعندما قدم بطرس لمعلمه البيت ليقيم فيه أكرمه المسيح بإجراء معجزة الشفاء في بيته. أعطى بطرس سفينته للمسيح ليعظ منها، فملأ السفينة بالسمك. ولما أعطاه بيته محلَّ ضيافةٍ، أكرمه بأن أبهج بيته بمعجزة الشفاء. كانت حماة بطرس مريضة بحمى شديدة، فأمسك المسيح بيدها وأقامها فنالت الشفاء في الحال، وقامت لتخدم أهل البيت. ويقول البشير متى: «لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي: هو أخذ أتعابنا وحمل أمراضنا» (إشعياء 53: 4). وهي نبوّة جاءت قبل ميلاد المسيح بأكثر من سبعمائة سنة وتحقّقت في بيت بطرس، كما يمكن أن تتحقق في بيت كل واحد منا.

أولاً - المحتاجة والمعجزة

  1. كانت حماة بطرس طريحة الفراش عاجزة عن أن تشكو للمسيح. كان بدنها مصاباً بحمى يصفها الطبيب لوقا بأنها «حمى شديدة». لا بد أن بدنها الهزيل كان يرتعش، وربما ظنت أنها ليست بالأهمية التي تجعلها تطلب منه أن يشفيها. وكثيرون من المسنّين يحسبون أنفسهم غير مهمين، لكن ليس هناك شخص غير مهم في نظر الرب. الطفل الصغير مهم حتى لو طرد تلاميذ المسيح أبويه وهما يحملانه إلى المسيح، فيقول المسيح لتلاميذه: «دَعُوا ٱلأَوْلادَ يَأْتُونَ إِلَيَّ»(متى 19: 14). ولا يجب أن أيّ كبيرٍ في العمر يظن أنه ليس مهماً، لأن المسيح يمدّه بالبركة والنعمة، فهو إلى الشَّيبة يحمل (إشعياء 46: 4).

    كانت هناك ثلاثة أنواع معروفة من الحمى، أولها ما كانوا يسمّونه «الحمى المالطية». وهي تصيب بالضعف والأنيميا التي تستمر شهوراً، تنتهي بالموت. وهناك ما يشبه حمى التيفود كما نعرفها اليوم، وهناك حمى الملاريا التي ينقلها البعوض الذي يتوالد في المنطقة التي يلتقي فيها الأردن ببحر الجليل... كانت الحمى بأنواعها متفشية في كفرناحوم وطبرية.

  2. هذه الحمى الشديدة جعلت السيدة عاجزة عن أن تتكلم، فتكلموا بدلاً عنها. هناك من يحتاجون إلى المسيح دون أن يدركوا هذا الاحتياج. وطلبهم متوافر عند المسيح، لكن أحداً لم يدلّهم عليه. وهذه مسئولية المسيحيين. ولعلنا غير حسّاسين لاحتياجات مجتمعنا، فما أكثر الذين يسألوننا عن إيماننا ونحن نتهرّب من الإجابة، إما لأننا لم نتعوّد أن نجاوب، أو لأننا لا نعرف كيف نجاوب. لكن أولاً وأخيراً يجب أن تكون بداخلنا الحساسية للمجتمع المحيط بنا، لنكون مستعدين لنجاوب الذي يسألنا عن سبب الرجاء الذي فينا (1بطرس 3: 15). لا أظن موظفاً مسيحياً يعمل في مكتبه لم يسأله جاره: «لماذا تصرَّفت هذا التصرُّف الصالح رغم سوء المعاملة؟». وأغلب الظن أن السائل لا يسمع إجابة شافية من المسيحي. وإن سمع، فربما سمع إجابةً سطحية لا تروي الغليل!

  3. لمس المسيح يد هذه السيدة فقامت وخدمت. فما هي يا ترى تلك الخدمة التي قدمتها حماة بطرس؟ لم تكن خدمة عظيمة مشهورة كخدمة مريم أخت هارون التي كانت قائدة ترنيم (خروج 15: 20). ولم تخدم خدمة كدبورة قاضية إسرائيل، فهي لم تتلقَّ تدريباً ولا دعوة إلهية لتكون قاضية لشعبها (قضاة 4: 4). ولست أظن أنها قدمت خدمةً كخدمة راعوث، ولا حنة أم صموئيل، ولا أستير الملكة. وعدد المشاهير قليل. لكن هناك عدداً كبيراً من المؤمنين العاديين الذين يقدمون خدمات عادية، هامة ولازمة، ولو أنها غير مشهورة. إن الرب يسجل في الإنجيل خدمة حماة بطرس التي ساعدت في المطبخ أو في تنظيف البيت، أو غسل أطباق الطعام بعد أن أكل الضيوف. هذا شيء بسيط يكرمه الإنجيل لأن عملنا اليومي مقدس. السيدة التي تجهز طعاماً لأهل بيتها، أو تغيِّر ملابس طفلها وتقدم له المحبة المسيحية، تقدم خدمة مقدسة كخدمة قسيس الكنيسة وهو يعظ، أو وهو يقدم للشعب العشاء الرباني. فكل هذه الأعمال هامٌّ ولازم، لأنه يعلن للعالم محبة الله التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطَى لنا (رومية 5: 5). يذكر سفر الأعمال غزالة التي كانت تصنع أقمصة للفقراء (أعمال 9: 36-42) كما يذكر مريم أم يوحنا مرقس التي قدمت بيتها ليكون كنيسة (أعمال 12: 12). ويذكر الرسول يوحنا في رسالته الثانية «كيرية» المختارة التي كانت خدمتها أنها ربَّت أولادها. هناك خدمات كثيرة بسيطة قد لا يقدّرها الناس، وقد ينظر إليها أصحابها على أنها أبسط من أن تُذكر، لكن النعمة الإلهية تذكرها لأنها تريدنا أن نقدِّر أنفسنا، وأن نقدّر غيرنا من المؤمنين. وفوق الكل ندرك أن السماء تقدّر الخدمة التي نقوم بها، مهما كانت بسيطة ما دام الدافع عليها هو المحبة للمسيح والإخلاص له.

وهناك خدمات كثيرة يمكن أن نقوم بها، كخدمة البيت، وتربية الأولاد، وخدمة المرضى والعجائز والذين في وحدة. قُلْ كلمة تشجيع نيابةً عن المسيح. وجّه ابتسامةً باسم المسيح.

(اقرأ متى 25: 34-40)

كانت حماة بطرس عظيمة في أنها استخدمت صحتها المُستردَّة لخدمة المسيح.

كتب الشاعر الأيرلندي «اوسكار وايلد» (مات سنة 1900) قصة قصيرة وصفها هو بأنها أجمل قصة قصيرة في العالم. قال فيها: «ذهب المسيح من الوادي الأبيض إلى المدينة الرمادية اللون، ورأى سكيراً مضطجعاً في أول شارع. سأله: لماذا تُهلك حياتك في السُّكر؟» فأجابه: «كنتُ أبرص فشفيتَني، ولما أرجعتَ إليَّ الصحة لم أجد ما أفعله!» ثم قال «أوسكار وايلد»: «إن المسيح ذهب إلى شارع آخر في ذات المدينة، ورأى شاباً يسير وراء زانية، فسأله: «لماذا تُهلك حياتك في الدَّنس؟» أجابه: «كنت أعمى ففتحت عينيَّ، فماذا عساي أن أستعمل عينيَّ في غير ما أفعله الآن؟». ثم رأى المسيح رجلاً عجوزاً جالساً على الأرض يبكي، فسأله: «ماذا تفعل ولماذا تبكي؟» أجابه: «لقد أقمتني من الموت، فماذا عساي أفعل غير البكاء؟».

أعتقد أن هذه القصة المؤلمة تذكِّرنا بكثيرين ممن يأخذون بركات الله ويسيئون استخدامها. وكم نشكر الله لأن حماة بطرس لم تكن من هؤلاء!

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

1 - بطرس

كان بطرس قد صار تلميذاً للمسيح، وكان يملك بيتاً. قدَّم أولاً نفسه للمسيح، ثم قدَّم سفينته، ثم قدم بيته له. وما أسعد الإنسان الذي تصبح حياته كلها ملكاً للمسيح، لأن المسيح عندها يجعلها حياةً أفضل، ويضمنها، ويصبح هو غاية تلك الحياة. سعيدٌ هو الإنسان الذي يسلّم نفسه للرب تسليماً كاملاً بغير قيد ولا شرط، لأن الرب وقتها يصبح مسئولاً عن حياة الإنسان كلها، فيتحمل عنّا مسئولية نعجز نحن عن حملها، ويتولى زمام الأمور، حاملاً همومنا، غافراً خطايانا، منعماً علينا بالحياة الأبدية.

على أن الرب سمح للمرض أن يدخل بيت بطرس. ولحكمةٍ عنده يسمح بمرض أجسادنا، أو بتعب نفوسنا. في حكمته الإلهية يسمح بأشياء مؤلمة، لأنه يريد أن يصوغ حياتنا بطريقة معيّنة لا بد أن يكون الألم جزءاً من صياغتها! هذا أكبر مما نستطيع أن ندركه أو نفسّره، لكن بعد أن تمرّ الأزمة نكتشف أنها كانت أهم ما شكّل حياتنا لتكون حسب المشيئة الإلهية. ومع أن المرض غير مرغوب فيه، إلا أنه عندما يدخل البيت يُنتج تعاطفاً بين أفراده. ربما نسي أبٌ أن يُصلّي في زحمة عمله، لكن ابنه المريض يجعله ينحني رغم زحمة الحياة مصلياً. الأب الذي يصرف كل وقته لكسب المال، عندما يمرض ولده يصرف كل المال الذي كسبه ليستعيد ابنه الصحة. ويوقظ المرض الإنسان ليُدرك أنه ليس بالخبز وبالمال وحدهما يحيا الإنسان، لكن بكلمة الرب.

ويُخرج المرض الصفات الصالحة الكامنة فينا، فكثيراً ما تكون بداخلنا صفات طيبة، لكن القلق والانشغال والسعي وراء الرزق والاهتمام بالمشاكل اليومية يُلقي الغبار عليها. ويجيء المرض ليزيح هذا الغبار، فيُخرج الطيّب الكامن فينا، وعندها ندرك أن الله هو الذي أودع فينا هذا الصالح، الذي يجب أن ينمِّيه هو بعمل الروح القدس، لما نسمح نحن له أن يفعل ذلك فينا.

ترابطت عائلة بطرس معاً واتّحدت في مواجهة المرض، لأن حماة بطرس المريضة كانت محتاجة لعناية. ليس المرض شراً كله. إنه ليس صالحاً، لكنه يُنتج خيراً كثيراً. ولو أننا أدركنا أن كل ما نمرُّ به هو بترتيب سماوي، لاستطعنا أن نقول: «قُولُوا لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ» (إشعياء 3: 10). «كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللّٰهَ» (رومية 8: 28). هذا هو بطرس تلميذ المسيح الذي قدم نفسه وسفينته وبيته للرب، ولكن الرب سمح للمرض أن يدخل إلى بيته، ليُبارك نفس بطرس أكثر، وليباركنا نحن أيضاً ونحن نتأمل ما جرى مع بطرس.

2 - المؤمنون أصدقاء بطرس

تقول القصة كما رواها مرقس: «وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ مُضْطَجِعَةً مَحْمُومَةً، فَلِلْوَقْتِ أَخْبَرُوهُ عَنْهَا»(مرقس 1: 30) لأنهم أدركوا محبته وقوته. لو كان مُحباً بغير قدرة لما استطاع أن يشفي. ولو كان قادراً بغير محبة، لما اهتم بأن يشفي. لكن لأنه قادر ومحب، كانت قدرته دوماً في خدمة محبته. ولذلك ذهبوا إليه و «أخبروه عنها».

الألم والمرض يجعلاننا نخبر المسيح عن حالتنا. أحياناً نعزو نجاحنا إلى أنفسنا. لكن إلى من نذهب بتعبنا؟ قد نفتخر عندما نظن أن شمسنا نحن قد أشرقت، ونعزو نجاحنا لأنفسنا. لكن عندما نفشل ونتعب نسمع القول الكريم: «وَٱدْعُنِي فِي يَوْمِ ٱلضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي» (مزمور 50: 15).

ثالثاً - المسيح والمعجزة

1 - تواضع المسيح:

في بيت الصياد الفقير حيث تفيح رائحة السمك، وحيث لا مشاهدون، وأمام جسد مريضة يرتعش بالحمى، أجرى المعجزة. عادةً نحب أن يرانا الناس ونحن نعمل عملاً عظيماً، ولكن المسيح يضع كل اهتمامه في المحتاج، لأنه لم يأت ليُخدَم، بل ليخدِم وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين (مرقس 10: 45).

وقد كلّفه إجراء المعجزة مجهوداً. كانت قوة تخرج منه لتشفي. وكان مستعداً أن يمنح بركات القوة لحماة بطرس، فليس هناك شخص يسمّيه المسيح بسيطاً أو صغيراً فلا يهتم به.

2 - ثم نرى قدرة المسيح

إنه المتخصص في كل شيء. «قَدَّمُوا إِلَيْهِ مَجَانِينَ كَثِيرِينَ، فَأَخْرَجَ ٱلأَرْوَاحَ بِكَلِمَةٍ، وَجَمِيعَ ٱلْمَرْضَى شَفَاهُمْ» (متى 8: 16).

يُجري المعجزة أمام جمْعٍ قليل في بيت، أو يجري معجزات لكثيرين في الشارع أو الخلاء. لا فرق عنده، فهو الذي يدعو جميع المتعَبين والثقيلي الأحمال إليه ليريحهم (متى 11: 28). أينما كنت، وكيفما كانت حالتك، هو قادر أن يساعدك.

3 - ثم نرى أسرة المسيح:

سأل المسيح مرة: «مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتِي؟» ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ نَحْوَ تَلامِيذِهِ وَقَالَ: «هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي. لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي» (متى 12: 48-50).

لقد دعا المسيح بطرس ليتبعه، ثم ليجعل منه رسولاً له. ولم يطلب من بطرس أن يترك زوجته، فكانت تسافر مع بطرس في خدمته (1كورنثوس 9: 5).

قال القديس أكليمندس الإسكندري (150-220 م) مؤسس كلية لاهوت الإسكندرية، إن بطرس وزوجته استُشهدا معاً، وقتلوها قبله. وناداها بطرس باسمها وقال لها: «اذكري الرب».

لقد قدَّس المسيح العائلة والزواج والبيت، وجعل المؤمنين عائلته من لحمه ومن عظامه (أفسس 5: 30).

4 - ثم نرى حنان المسيح:

لما سمع طلبة أهل المريضة، يقول مرقس إنه: «فَتَقَدَّمَ وَأَقَامَهَا مَاسِكاً بِيَدِهَا، فَتَرَكَتْهَا ٱلْحُمَّى حَالاً وَصَارَتْ تَخْدِمُهُمْ» (مرقس 1: 31). أمسك بيدها ليُظهر حنانه، وقوته، وليقوي إيمانها، ويؤكد لها أنه هو مصدر شفائها. في مرات كثيرة بعد أن ننال البركة من الله نظن أننا نلناها من طريق آخر، فيؤكد لنا أنه هو الذي يهتم بنا، ويتحنن علينا، حتى إذا احتجنا إليه بعد ذلك يمكن أن نرجع إليه، ومن يُقبل إليه لا يُخرجه خارجاً (يوحنا 6: 37).

5 - ثم نرى إعلان المسيح:

وجود المسيح يشعرنا بحاجتنا. لو لم يكن المسيح موجوداً لما فكروا في طلب شفائها. المرض يصيبنا بالاكتئاب، لكن وجود المسيح يجعلنا نفكر إيجابياً، فيكشف جبلاً كامناً في أعماقنا، لم نكن نرى منه إلا الجزء البارز: جبل من مشاكل، وجبل من محبته لنا ومحبتنا له، فنلجأ إليه هروباً من متاعبنا، وهروباً إلى محبته.

كشف وجود المسيح في سفينة بطرس لبطرس خطيته، فطلب من المسيح أن يخرج من سفينته. وكشف وجود المسيح في بيت بطرس لبطرس وجود القوة الشافية، فطلبوا منه أن يشفيها.

دعا المسيح رجلاً متزوجاً، فرداً هو بطرس، فبارك بيته كله، وشفى حماته. ثم بارك المدينة كلها بوجوده في بيتٍ منها (مرقس 1: 33). برَّر بطرس، وبالبار الواحد بارك كل المحيطين به. شكراً لإعلان المسيح.

والآن، ما معنى كل هذه التعاليم لك أنت شخصياً؟

صلاة

أبانا السماوي، أنت تريد أن تجعلني بركة، فأَفِضْ عليَّ من نعمتك. اجعلني تلميذاً لك، وبارك بيتي بواسطتي، وبارك بلدي بواسطة بيتي. امنحني حساسية روحية تجعلني أدرك احتياج مجتمعي، فأشارك الجميع الأخبار المفرحة، فيرتفع على كل الأرض مجدك. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. أين أجرى المسيح هذه المعجزة؟ وماذا نتعلم من ذلك؟

  2. اكتب آية كتابية مع شاهدها الكتابي تبرهن أن الله يهتم بكبار العمر.

  3. ماذا كانت الخدمة التي قدمتها حماة بطرس بعد شفائها؟

  4. ما هي حكمة الله من المرض؟

  5. ماذا نتعلم من أصدقاء بطرس؟

  6. من هم أسرة يسوع الروحيون؟

  7. كيف امتدَّت بركة يسوع من بطرس إلى مدينة بطرس كلها؟

المعجزة الخامسة شفاء الأبرص

40 فَأَتَى إِلَيْهِ أَبْرَصُ يَطْلُبُ إِلَيْهِ جَاثِياً وَقَائِلاً لَهُ: «إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي!» 41 فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ: «أُرِيدُ، فَٱطْهُرْ». 42 فَلِلْوَقْتِ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ ذَهَبَ عَنْهُ ٱلْبَرَصُ وَطَهَرَ. 43 فَٱنْتَهَرَهُ وَأَرْسَلَهُ لِلْوَقْتِ، 44 وَقَالَ لَهُ: «ٱنْظُرْ، لاَ تَقُلْ لأَحَدٍ شَيْئاً، بَلِ ٱذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُمْ». 45 وَأَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وَٱبْتَدَأَ يُنَادِي كَثِيراً وَيُذِيعُ ٱلْخَبَرَ، حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَدِينَةً ظَاهِراً، بَلْ كَانَ خَارِجاً فِي مَوَاضِعَ خَالِيَةٍ، وَكَانُوا يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ (مرقس 1: 40-45).

(وردت هذه المعجزة أيضاً في متى 8: 2-4 ولوقا 5: 12-16).

في هذه المعجزة يشفي المسيح مريضاً بالبرص يصفه البشير الطبيب لوقا أنه كان «مملوءاً برصاً» في مرحلة متأخرة، وقد ملأ البرص كل جسده. ومرض البرص مرض جلدي يؤثر في الأعضاء التي يصيبها، فتتساقط أطراف المريض، عُقد أصابعه وأنفه وسقف حلقه. ويظهر البرص أولاً كورمٍ أو بياضٍ تتآكل حوافيه فيصير أعمق من الجلد، ويبيضّ الشعر النابت فيه (اللاويين 13).

وكان مرض البرص لعنة، يعتبره اليهود قصاصاً من الله كما حدث مع مريم أخت هارون (العدد 12) ومع جيحزي خادم النبي أليشع (2ملوك 5). وكان لا بد للأبرص الذي يظن أنه شُفي أن يحصل على شهادة شفاء من الكاهن. وكان الأبرص منبوذاً من المجتمع، يجب أن يخرج من البلد ليقيم وحده أو مع مجموعة من المرضى المصابين بنفس المرض. وعندما يقترب إليهم شخص من الأصحّاء، كان على الأبرص أن يصرخ: «أبرص! أبرص!» ليَبْعُد السليمُ عنه. ولذلك كان اليهود يربطون دوماً بين الخطية والبرص، فالبرص نجاسة تُبعد الإنسان عن المجتمع وعن بيت الله. ولم يكن هناك علاج معروف للبرص، ولذلك كان الأبرص يقضي وقته بلا أمل خارج المجتمعات السكانية، منتظراً تساقط أعضائه وموته. هذا هو الشخص الذي لا يجب أن يُلمس أبداً.

جاء هذا المملوء بالبرص وسجد أمام المسيح وقال: «إن أردتَ تقدر أن تطهرني». لم يكن عنده شك في قدرة المسيح، لكن كان شكه في محبة المسيح، فهو يعلم أن المسيح لو أراد لاستطاع أن يطهره. وتحنَّن المسيح عليه ومدَّ يده ولمسه. وهذا ممنوع حسب الشريعة الموسوية، ولكن رب الشريعة، الذي هو رب السبت أيضاً، مدَّ يده ولمسه بمحبة وقال له: «أريد فاطهر» فللوقت والمسيح يتكلم ذهب البرص عنه وطهر. ونبَّهه المسيح أن لا يحكي لأحدٍ خبر هذه المعجزة، ولكن الرجل لم يطع، بل مضى ينادي في كل مكان بما فعله المسيح معه. ولم يكن له حقٌّ أبداً ان يكسر وصية الطبيب الذي شفاه، لكن مشاعره امتلكته تماماً فلم يُطع الأمر الموجَّه اليه. ونتيجة لذلك اجتمع كثيرون حول المسيح، فاضطر أن يخرج خارج مدينة كفرناحوم، لأن الناس ضغطوا عليه بازدحام أكثر من اللازم. وطلب المسيح من الأبرص الذي شُفي أن يذهب للكاهن، الذي كان يقوم بالعمل الذي يقوم به اليوم طبيب الصحة، ليعطيه شهادة شفاءٍ ليستطيع أن يرجع الى المجتمع الذي نبذه. وفي الوقت نفسه يقدم مع الكاهن ذبيحة تطهير من مرضه شكراً على شفائه. وذهب المريض إلى الكاهن وأخذ شهادة الشفاء.

أولاً - المحتاج والمعجزة

1 - إحساسه بالاحتياج

دفعه إلى المسيح إحساسه بالاحتياج، فهو يعلم أن الطب لا يستطيع أن يشفيه، فأمثاله لا دواء لهم. وبسبب البرص كان الرجل عاجزاً عن العمل، كما لم يكن المجتمع يقبل أن يدخل الأبرص ليعمل وسطه. مسكين! فَقَدَ صحته، وفقد مورد رزقه أيضاً. ثم إن المجتمع يلفظه، فهو مرفوض من الجميع. وعندما يقف إنسان مثل هذا الموقف تضيع قيمته أمام نفسه ويحتقر ذاته.

الإحساس بالاحتياج هو الذي يُلجئنا إلى المسيح، لأنه لا يحتاج الأصحّاء، أو من يظنون أنهم أصحّاء، إلى طبيب، بل المرضى. ولذلك جاء المسيح لا ليدعو من يظنون أنفسهم أبراراً، بل الذين يكتشفون أنهم خطاة، إلى التوبة (مرقس 2: 17).

هذا الأبرص يقدم لنا صورة واضحة للخاطىء البعيد عن الرب، الذي لا يحترم نفسه، ولا يجد علاجاً حوله، فيلجأ إلى الطبيب الواحد الوحيد الذي يقدر أن يعالجه، الذي هو المسيح. الخطية عار كما أن البرص عار. الخطية خطر على صاحبها كما أن البرص كذلك. ونتيجة الخطية موت كما أن نتيجة البرص موت بلا أمل.

2 - تقديره السليم للطبيب

على أن خوف الرجل من رفض طلبه لم يمنعه من أن يذهب بطلبه إلى المسيح، فكثيرون يعتبرون أنفسهم أشراراً أكثر من اللازم، ويمنعهم هذا من الالتجاء إلى المخلّص. لكن لا يجب أن يمنعنا عن اللجوء إلى المسيح شيء، مهما كان الموقف، حتى إن كنا نظن أنه يرفضنا.

ونرى تقدير الأبرص للطبيب. لقد سمع عن إله الحب والشفقة، (هذه المعجزة في الترتيب التاريخي للحدوث هي المعجزة الخامسة التي أجراها المسيح). لابد أنه سمع عن أربع معجزات أجراها المسيح، فأدرك أنه أمام إله الحب والشفقة، ممثل السماء الذي يفعل ما لا يستطيع غيره أن يفعله.

ثم أنه انجذب الى المسيح، ففي تواضعٍ جثا وسجد أمامه، بالرغم من أن السجود يسبّب له الكثير من الألم في عضلاته المريضة شبه العاجزة.

وعبَّر عن إيمانه بقدرة المسيح، فقدّم طلباً محدداً: «أنا لا أقدر أن أشفي نفسي، وغيري لا يقدر أن يشفيني. لكن أنت إن أردت تقدر أن تطهّرني». لقد أخذ قراراً بأن يجيء إلى المسيح، فنال قبولاً وتمتع بالشفاء.

عبَّر هذا الرجل للمسيح عن حالته تعبيراً صادقاً وهو يقول: «إن أردت تقدر أن تطهرني». إنه يدرك نجاسة حالته فيطلب الطهارة. وعبَّر عن ثقته «تقدر». واعترف بالصعوبة التي في طريقه هو إلى المسيح «إن أردت». كان صادقاً مع نفسه فاعترف بنجاسته، وكان صادقاً مع المسيح فعبَّر عن ثقته في قدرة المسيح، وشكه في محبة المسيح له!

وكان تعبير الرجل عن واقعه عملياً. نرى البؤس في محضر الرحمة، والعجز يسجد للنعمة، والمرض يسجد للطبيب، والإيمان ينادي المحبة.

3 - ونال الأبرص ما طلب

تحنَّن المسيح على الأبرص ومدَّ يده ولمسه وقال: «أريد فاطهر»، فللوقت وهو يتكلم ذهب عنه البرص. المسيح صاحب السلطان على المرض، والطبيعة، والموت، والأبالسة. وقد بيَّن المسيح هنا سلطانه الكامل. لكن ما يُفرح قلوبنا أن الأبرص كان قد سلَّم زمام الموقف للمسيح، لأنه سجد أمامه وطلب منه.

4 - على أن الأبرص لم يطع تعليمات المسيح

فعل الأبرص ما لم يجب أن يفعله. طلب منه المسيح أن لا يقول لأحدٍ شيئاً عن معجزة شفائه، لكنه مضى يعلن ما فعله المسيح معه. وتسبَّب عصيانه في أن المسيح ترك كفرناحوم وخرج إلى البرية. كنا نودّ لو بقي المسيح في كفرناحوم ليجد مكاناً أكثر راحة لجسده. لكن إعلان الأبرص المستمر عن عمل المسيح جعل الجموع تزدحم حول المسيح فخرج بعيداً. هناك حكمة في طلب المسيح من هذا الأبرص أن يمتنع عن الحديث، ولكن الأبرص لم يَرَ تلك الحكمة، ففعل ما ظن أنه صواب. كان يمكن أن يعطي غيره فرصة ليشهد عما جرى له، لكنه أراد أن يفعل ذلك بنفسه.

ثانياً - المسيح والمعجزة

1 - حنان المسيح الفوري التلقائي الذي لا يتأخر أبداً عن طالب معونة.

لم يحدث أن جاءه شخص ومضى من عنده فارغاً،فهو القائل: «مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لا أُخْرِجْهُ خَارِجاً»(يوحنا 6: 37). كان الأبرص يتساءل عن إرادة المسيح، فجاوبه المسيح بمحبة: «أريد فاطهر». أنت تسأل، والمسيح يجاوب محطماً العقبات التي بينك وبينه، لأنه لا توجد عقبات بين المسيح والخاطئ. إن العقبة تقف دائماً بين الخاطئ والمسيح. لكن الله يطلب مصالحتنا لنفسه، حتى لو لم نذهب لنطلب الصلح. هو لم يتخاصم معنا، ولم يكرهنا أبداً، ولم يتأخر علينا مهما كانت خطايانا، ولكن نحن الذين نتأخر بخطايانا عنه.

2 - لمسة المسيح:

  1. لمسه لمسة القوة الإلهية. في قصيدة إنجليزية عنوانها «لمسة يد الخبير» حكاية عن كمانٍ قديم معروضٍ للبيع، ولم يكن الناس مستعدين أن يدفعوا فيه كثيراً لأنه قديم. وفجأة جاء موسيقار وتفرّس في الكمان وعرف أنه كمان أستاذه. فتناوله وجعل يعزف عزفاً رائعاً، فارتفع الثمن فوراً، وأقبل كثيرون لشراء الكمان القديم. أما سبب الفرق بين الثمن القليل والثمن الكثير فهو «لمسة يد الخبير». والمسيح الذي لمس هو صاحب اليد الخبيرة التي رفعت قيمة الأبرص المنبوذ وجعلت منه إنساناً جديداً صحيح الجسد.

  2. ولمسة المسيح للمريض علامة ظاهرة تؤكد للمريض محبة المسيح. منذ أصابه المرض لم يلمسه أحد من الأصحاء أبداً. أما المسيح فأكَّد له: «الناس هجروك وأنا أحبك. لا أحد يريد أن يلمسك، وأنا ألمسك لأباركك». في كل مرة نرى شخصاً يعتمد باسم الآب والابن والروح القدس، وفي كل مرة نجلس حول مائدة العشاء الرباني نرى ونأخذ شيئاً ملموساً يعلن لنا محبة الله. والمسيح دوماً يلمس عقولنا وقلوبنا ليؤكد لنا محبته. تلك لمسة بركة حقيقية، لأن قوة المسيح الكامنة وراءها تهبنا البركة والنعمة.

  3. ولمسة المسيح تطهر الفاسد: لمس المسيح الأبرص دون أن يتنجس، كما لمس الميت دون أن تَسْرِي برودة الموت إلى يده الدافئة العامرة بالمحبة. كان المسيح كشعاع نورٍ يمضي وسط بيئة ملوثة، وهو في كامل نقائه!

يقولون إن راهبةً في دير إيطالي حلمت أن ملاكاً جاءها وفتح عينيها لترى الناس على حقيقتهم، قالت: «ليت الملاك ما فعل، لأني رأيت ما كرهت!». ولكن فجأة جاء المسيح بجراحاته، وكل من لمس المسيح طهر، فقالت: «الآن فهمت ما رأيت!». منظر سيء لخطية الناس، ولكن ما أجمل نعمة المسيح التي تعيد الصحة للمريض! ولا زال المسيح إلى يومنا يلمس أيدي الناس لتفعل خيراً، وشفاههم لتتكلم حسناً، وعيونهم لترى احتياجات الآخرين، وآذانهم ليسمعوا صوته الذي يشجعهم، وأرجلهم لتذهب إلى الأماكن المحتاجة للخدمة. ولا زالت لمسته عامرةً بالخبرة والقوة والمحبة، لأنه يلمس الذين ضيَّعتهم الخطية فيردَّهم لملكوت محبته.

قال أحد القديسين: «مدَّ الله يده ولمس الطبيعة الإنسانية بتجسُّده. فقد جاء إنساناً بيننا». ويقول الرسول بولس: «إِذْ قَدْ تَشَارَكَ ٱلأَوْلادُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذٰلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِٱلْمَوْتِ ذَاكَ ٱلَّذِي لَهُ سُلْطَانُ ٱلْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ، وَيُعْتِقَ أُولٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَوْفاً مِنَ ٱلْمَوْتِ كَانُوا جَمِيعاً كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ ٱلْعُبُودِيَّةِ» (عبرانيين 2: 14 و15).

3 - قوة المسيح:

المسيح هو كلمة الله، والكلمة دوماً تحمل سلطان قائلها: «أريد، فاطهر». فللوقت وهو يتكلم ذهب البرص وطهر المريض. رأينا في شفاء ابن رجل البلاط الملكي (يوحنا 4) المسيح يشفي بكلمة من بعيد، ويشفي حماة بطرس وهو قريب منها. والمسيح دوماً صاحب السلطان الذي يستخدم طرقاً مختلفة. وهنا تحنَّن ومدَّ يده ولمسه، وباللمسة والكلمة نال الأبرص الشفاء.

كل مريض شفاه المسيح يعلن احتجاج المسيح على المرض وعلى الخطية وعلى الموت. لقد خلقنا الله لنحيا حياته، ودخلت الخطية إلى العالم فأفسدت ما دبَّره الله. ويجيء المسيح ليعيد الشيء إلى أصله، فقد جاء لتكون لنا حياة وليكون لنا الأفضل. فإن كنا قد ضيَّعنا الهدف الذي من أجله أوجَدَنا الله، وإن كنا قد خيَّبنا أمل السماء فينا، فإن المسيح يجيئنا ليعطينا فرصة جديدة للصحة والتقدم لعمل المشيئة الإلهية.

4 - طلب المسيح

ونتأمل في طلب المسيح من الأبرص الذي نال الشفاء ألاّ يخبر أحداً عن شفائه. بينما نقرأ في مرقس 5: 19 أَمْر المسيح للرجل الذي أبرأه من الشياطين: «ٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ ٱلرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ». فلماذا أمر الأبرص الذي شفاه ألاّ يتكلم، بينما أمر الرجل الذي شُفي من الأبالسة أن يتكلم؟ إن المسيح يكلّف كل واحد بما يجب عليه، وبما يقدر أن يقوم به. إننا لا نعرف لماذا، لكننا ندرك أن لأعضاء جسد المسيح وظائف متنوعة بحسب المواهب المختلفة المعطاة منه لها. قد يطلب منك أن تفعل شيئاً، ويطلب من جارك أن لا يفعله، أو العكس. إنما المطلوب منا أن نكون منفتحين لأوامر الروح القدس لنرى ما يكلّفنا الله بعمله. قال القديس يوحنا فم الذهب: «ربما لم يرد المسيح أن يذيع الأبرص خبر شفائه ليمنعه من الافتخار بفضائله وليخفيها. وربما لم يرد في ذلك الوقت أن تجري الجماعات كلها إليه فتعطل تعليمه». كل واجبنا أنه عندما يطلب منا شيئاً ننفذه كما هو. «مهما قال لكم فافعلوه».

5 - ونرى المسيح يكمل الناموس

المسيح فوق الناموس، وقد لمس الأبرص دون أن يتنجَّس طقسياً. غير أن المسيح خضع للناموس، لأنه لم يأت لينقض الناموس بل ليُكمله. فطلب من الأبرص أن يذهب إلى الكاهن ويقدم عن تطهيره ما أمر به موسى شهادةً لهم (لاويين 14: 9 و10 و21-23). إنه يريد للرجل أن ينال شهادة الشفاء أمام المجتمع.

نختم تأملنا في هذه المعجزة بأن هناك تشابهاً كبيراً بين البرص والخطية. البرص داء بلا شفاء والخطية لا يستطيع الناس أن يجدوا لها شفاءً. والبرص يعزل الإنسان عن المجتمع، والخاطىء جزيرة منفصلة عمَّن حوله. عندما رأى أبونا الأول آدم زوجته حواء كتب فيها شعراً، لكن عندما دخلت الخطية إلى قلبه نسي الشعر الذي نظمه وقال لله: «المرأة التي أعطيتني!» وألقى اللوم كله عليها! تجعل الخطية تركيز الإنسان على نفسه، وتجعله قليل الاهتمام بغيره. والرب هو القادر أن يشفينا ويعيدنا مرة أخرى إلى مجتمعنا، صالحين نافعين للحياة كنور للعالم وملح للأرض.

فهل ترى خطيتك؟ وهل ترى محبة إلهك؟ وهل تسرع إليه ليغفر لك؟

صلاة

أبانا السماوي، المحب العظيم الصالح القدوس. تفتح يدك فنشبع خيراً. أعطِ راحةً لقلوبنا ونحن نتعامل معك، وامنح سلامةً لأجسادنا ونحن نتلامس مع محبتك، فتُشفى أمراضنا، وتتقوّى ضعفاتنا، ونُلهَم إلهاماً سماوياً. باسم المسيح.آمين.

أسئلة

  1. اكتب وصفاً لمرض البرص.

  2. «كان الأبرص يثق في... المسيح، ولكنه كان يشكّ في... المسيح» - أكمل هذه الجملة.

  3. اكتب ثلاثة أوجه شبه بين مرض البَرَص والخطية.

  4. عبَّر الأبرص عن مشاعره نحو المسيح - اكتب ثلاث جُمل تصف هذا التعبير.

  5. لماذا طلب المسيح من الأبرص عدم إخبار أحد بقصة شفائه؟

  6. اذكر ثلاثة أوصاف للمسة المسيح للأبرص الذي نال الشفاء.

  7. اشرح كيف ظهرت قوة المسيح في هذه المعجزة.

المعجزة السادسة شفاء المفلوج

1 ثُمَّ دَخَلَ كَفْرَنَاحُومَ أَيْضاً بَعْدَ أَيَّامٍ، فَسُمِعَ أَنَّهُ فِي بَيْتٍ. 2 وَلِلْوَقْتِ ٱجْتَمَعَ كَثِيرُونَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَسَعُ وَلاَ مَا حَوْلَ ٱلْبَابِ. فَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِٱلْكَلِمَةِ. 3 وَجَاءُوا إِلَيْهِ مُقَدِّمِينَ مَفْلُوجاً يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ. 4 وَإِذْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ ٱلْجَمْعِ، كَشَفُوا ٱلسَّقْفَ حَيْثُ كَانَ. وَبَعْدَ مَا نَقَبُوهُ دَلَّوُا ٱلسَّرِيرَ ٱلَّذِي كَانَ ٱلْمَفْلُوجُ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ. 5 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». 6 وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: 7 «لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هٰذَا هٰكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاَّ ٱللّٰهُ وَحْدَهُ؟» 8 فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هٰكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهٰذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ 9 أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱمْشِ؟ 10 وَلٰكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لٱِبْنِ ٱلإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ ٱلْخَطَايَا». قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: 11 «لَكَ أَقُولُ قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ». 12 فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ ٱلسَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ ٱلْكُلِّ، حَتَّى بُهِتَ ٱلْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا ٱللّٰهَ قَائِلِينَ: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هٰذَا قَطُّ!» (مرقس 2: 1-12).

(وردت هذه المعجزة أيضاً في متى 9: 1-8 ولوقا 5: 17-26).

هذه هي المعجزة السادسة التي أجراها السيد المسيح بحسب الترتيب التاريخي الذي يعتقده معظم المفسرين، وهي معجزة شفاء المشلول الذي أنزلوه من السقف إلى حيث كان المسيح يجلس. جرت هذه المعجزة في كفر ناحوم، وغالباً في بيت بطرس. لقد وُلد المسيح في بيت لحم، وتربى في الناصرة، لكنها رفضته، فانتقل ليسكن في بيت تلميذه بطرس. وما أعظم البركات التي نالها ذلك البيت الذي استضاف المسيح، ولكن في الوقت نفسه ما أكبر الثمن الذي دفعه بطرس وأسرته لما فتح بيته للمسيح! لقد صار البيت محل خدمة عامة: صار مدرسة، ومستشفى، وكنيسة...

عندما شفى المسيح الأبرص، أمره ألاَّ يخبر أحداً. ولم يستجب الأبرص المشفيّ لأمر المسيح، بل خرج يُعلن في كل مكان أن المسيح شفاه. وكانت نتيجة هذا الإعلان الذي نبع من امتنان الأبرص لطبيبه أن الناس جاءوا إلى حيث يقيم المسيح. وبلغت أخبار تعاليم المسيح ومعجزاته أسماع شيوخ اليهود في أورشليم، فأرسلوا مجموعة من الكتبة ليراقبوا المسيح ويكتبوا تقريراً عنه: من هو؟ هل هو ساحر؟ هل بقوة الشيطان يخرج الشياطين؟.. من يكون؟ وامتلأ بيت بطرس بالكتبة والأصدقاء والمحتاجين، والتلاميذ. كان هناك مؤيّدون للمسيح، كما كان هناك معارضون له. ولذلك فإن معجزة شفاء المشلول تُرينا مجموعة كبيرة من الشخصيات التي نتأملها، سواء كانوا من مُحبّي الاستطلاع، أو من المقاومين، ثم نتأمل المحتاج والمعجزة، ونختم بالتأمل في المسيح والمعجزة.

أولاً - المؤمنون والمعجزة

1 - سمعان بطرس، صاحب البيت:

أعطى بيته للرب، فباركه الرب وشفى حماته. لكن قليلاً ما نجلس لنفكر في البيت الذي ينفتح لخدمة المسيح. كان البيت مليئاً بالضيوف، حتى لم يجد بطرس فرصة الانفراد بأسرته. ويوم شفاء المشلول جاءت جماعة تحمل المريض ونقبت السقف. ولا بد أن بطرس وأفراد أسرته كانوا في تركيز وانتباه لتعليم المسيح، ولكنهم اضطروا أن يرفعوا رؤوسهم إلى سقف بيتهم الذي يُنقَب! وها هو فراشٌ به رجلٌ ينزل!

هناك دوماً تكلفة لاتِّباع المسيح. صحيح أن اتّباعه بهجة وفرح، ولكن له ثمناً يكون أحياناً كبيراً! نظر بطرس إلى السقف المنقوب، والتراب المتساقط منه. وها هو مشلول لا يعرفه يصبح ضيفاً عليه، ولو أنه دخل من السقف لأنه لم يقدر أن يدخل البيت من بابه! ولا بد أن بطرس كان سعيداً بالرغم من هذا كله. يقول النبي إشعياء: «عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاساً لا يَسْكُتُونَ كُلَّ ٱلنَّهَارِ وَكُلَّ ٱللَّيْلِ عَلَى ٱلدَّوَامِ» (إشعياء 62: 2). هل فكرنا في هؤلاء الحرَّاس؟ إنهم دوماً يخدمون الذين على الهامش. والحرَّاس لا يستطيعون الدخول إلى عمق المدينة كبل يبقون عند الأسوار وعند الباب ليجتذبوا البعيدين الذي يريدون أن يقتربوا، وليحافظوا على الهامشيين الذين يريدون أن يخرجوا. إن هؤلاء لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام. هذا كان بيت بطرس المفتوح للمسيح على الدوام نهاراً وليلاً.

هل لو كلّفنا المسيح أن نفتح بيتنا له، نفعل ما فعله بطرس؟

وما أعظم فرحة بطرس لما خرج الضيف المشلول من بيته صحيحاً يحمل سريره! لقد نجح مستشفى بطرس الذي يديره الطبيب يسوع!

2 - الحاملون الأربعة، أصدقاء المفلوج:

  1. قرر الأربعة أن يحملوا مريضهم وحبيبهم إلى حيث يلتقي بالطبيب الشافي، فحملوا المفلوج. هؤلاء رجال محبُّون، يضحُّون من أجل محبتهم، ولا يكتفون بالتمنيات الحسنة. كما أنهم مؤمنون بقوة المسيح القادر على الشفاء. ثم أنهم مُصِرُّون على ما يفعلون لشدة اقتناعهم به. لما لم يقدروا أن يصلوا بالمريض إلى المسيح بسبب الزحام، كان يمكن أن يعتذروا للمريض بقولهم: «حملناك إلى هنا، وتستطيع أن ترى بعينيك أننا فعلنا كل ما استطعنا، بلا فائدة!». لكنهم كانوا مصرّين أن يوصِّلوا المريض للمسيح.

  2. ثم أنهم كانوا خلاَّقين، فالصعوبة تجعل الشخص خلاقاً. بسبب إصرارهم على توصيل الرجل للمسيح، فكروا في طريقة جريئة غريبة توصّلهم للمسيح، وقرروا أن يصعدوا السلالم الخارجية إلى سطح البيت. وكانت البيوت في فلسطين في أغلب الأحيان عبارة عن بهو كبير حوله غرف، وهناك سلم خارجي يوصّل إلى العلية التي هي غرفة الضيوف على السطح. حمل الرجال الأربعة المفلوج على السلالم الخارجية إلى السطح، وعندما نظروا إلى البهو لم يكن المسيح جالساً فيه، فقد جلس تحت مكان مسقوف، فقرروا أن ينقبوا السقف ليُنزلوا المشلول أمام المسيح مباشرة. كانت بعض الأسقف من الطوب المعشَّق الذي يمكن أن يُرفع ثم يُعاد إلى مكانه، وبدأ الحاملون الأربعة ينزعون من الطوب المعشَّق مساحة تكفي لنزول سرير الرجل المريض.

    نحن مدينون لهؤلاء الحاملين الأربعة لأنهم يعلِّموننا درساً عظيماً، وهو أن الذين يجيئون بالناس إلى المسيح المخلّص يجب أن يكونوا محبّين، فاعلين لا يكتفون بمحبة الكلام، خلاَّقين، مصرّين، مضحّين.

  3. ولكن هناك صفة أخرى كانت لازمة للحاملين الأربعة. كان لا بد أن يكونوا متعاونين لينزل سرير المفلوج باتِّزان دون أن يقع المشلول منه. لو استعجل أحدهم ولم تتوافق سرعة إنزاله للسرير مع سرعة الثلاثة الآخرين، لوقع المفلوج وتكسَّرت عظامه، ولأصبح على المسيح أن يُجري معجزتين للرجل الواحد: شفاء الشلل، وشفاء الكسور. هؤلاء الأربعة يعلّموننا كيف يجب أن نتعاون كأعضاء كنيسة، وكمجموعة كنائس. هناك حلم في قلب كل الذين يحبون المسيح، وهو تعاون الطوائف المسيحية لخدمة عالمنا ولخدمة النفوس. ولما كان هذا الحلم أكبر جداً من أن نتصور تحقيقه، نقول إن كنائس الطائفة الواحدة تتعاون معاً. ولكن يبدو أن هذا أيضاً حلم صعب التحقيق، فنرجو أن الكنيسة المحلية باجتماعاتها المختلفة تتعاون معاً. وأحياناً لا يتحقق هذا الحلم أيضاً، فنكتفي بأن نطلب من الله أن يجعل الاجتماع الواحد متعاوناً في محبة. وربما كان الاجتماع الواحد في الكنيسة الواحدة يحتاج إلى محبة! إذاً لنبدأ من البدء، ولنطلب سلام الله في داخلنا فلا تكون هناك حرب أهلية بين الإنسان وبين نفسه. وعندما يجد الإنسان سلامه الداخلي مع نفسه يجد سلامه مع العائلة، ثم مع الاجتماع الذي ينتمي إليه، ثم مع الكنيسة كلها التي يصلي فيها، ثم مع الطائفة التي تنتمي إليها هذه الكنيسة، ثم إلى مجموعة الطوائف المسيحية في العالم كله.

  4. كان الحاملون الأربعة متعاونين للغاية، فقاموا بوظيفتهم التي انتهت بالنهاية السعيدة: أن المسيح شفى المفلوج. حملوا المفلوج بحب، وتسلقوا به إلى السطح بإيمان، ونقبوا السقف بجسارة، وأنزلوا المفلوج واثقين في محبة المسيح. وهنا انتهى دورهم فصمتوا أمام المسيح انتظاراً. كانت طلبتهم من المسيح طلبة عملية ملموسة. لم تكن مكتوبة بحبرٍ على ورق، لكنها كانت إنساناً حياً يحمله سرير مربوط من أطرافه الأربعة بأربعة حبال، يقول للمسيح: «ارحمني اللهمَّ».

  5. وأعتقد أن هناك شيئاً قام به الحاملون الأربعة غير مذكور في القصة: هو أنهم غالباً أعادوا سقف بيت بطرس إلى ما كان عليه قبل نقبه، لأنهم كانوا يملكون من المحبة ما جعلهم ينقبون السقف، وأعتقد أن لديهم من الأمانة ما جعلهم يُرجعون السقف المنقوب إلى حالته الأولى.

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

1 - الكتبة

جاءوا من أورشليم ليستطلعوا من هو المسيح. هل هو المخلِّص الآتي، أم هل هو ساحر كذاب؟ وعندما رأى المسيح المفلوج، ورأى إيمان الرجال الأربعة، بدأ بأن قال: «يا بُنيَّ. مغفورة لك خطاياك». وكان هناك قوم من الكتبة يفكرون في قلوبهم: «لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده؟» كان الكتبة يمتلكون المعرفة، حتى أنهم كانوا يعرفون عدد حروف «الألف» مثلاً في التوراة العبرية. كانوا يعرفون كتابهم معرفة كاملة، ولكن قلوبهم كانت خالية من النعمة! اتَّهموا المسيح أنه مجدِّف. وكلمة «مجدِّف» معناها الافتراء على الناس (1كورنثوس 4: 13). لكنها في النصوص الكتابية تُطلق على الشخص الذي يأخذ المجد الذي يحقُّ للرب وحده. فالمجد في مغفرة الخطية يحقّ لله وحده، وها هو المسيح يقول: «مغفورة لك خطاياك». إذاً أخذ المسيح مجداً هو مجد الرب، فقالوا إنه يتكلم بتجاديف! ونحن نعلم أن المسيح عندما ساوى نفسه بالله لم يفعل ذلك اختلاساً (فيلبي 2: 6).

2 - ضيوف بيت بطرس

بُهتوا ومجدوا الله قائلين: «ما رأينا مثل هذا قط!». بُهتوا وانذهلوا كأطفال. نحتاج إن نرجع إلى روح الطفل ونحن نتعامل مع المسيح، فننبهر من عمل النعمة. تعوَّدنا أن نتلو الصلاة الربانية بدون تفكير في معانيها. وتعوَّدنا أن نتناول من مائدة العشاء الرباني كعادة روتينية. ليعطنا الرب الانبهار، فلا نتناول بطريقة روتينية، ولا نصلي كلمات تعوّدناها فلم تعُد تحرّك قلوبنا!

وفي انبهارهم مجدوا الله وشكروه، فقد جازوا اختباراً روحياً خاصاً ملأهم بمشاعر التوقير للمسيح. ونحن عندما نجوز في اختبار كهذا نرتل التراتيل القديمة المعروفة بروح جديدة، وننفعل مع المعلومات القديمة بطريقة جديدة. الكلمات هي نفسها، لكن المرنم ليس هو نفس المرنم، فقد تغيَّر وصار إنساناً جديداً. سمعوا المسيح يقول: «لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا» فعرفوا فيه آدم الثاني. آدم الأول ضيَّعنا، وآدم الثاني يردّنا إلى نفوسنا، ويردّ نفوسنا إلينا، لأنه يعيد لنا العلاقة السليمة مع الله التي حطمتها الخطية. آدم الثاني هو ابن الإنسان الذي أعاد إلينا مجدنا الأول! «يا بنيَّ مغفورة كل خطاياك» بكفارة الصليب. ما فقدناه في ممثلنا الأول عاد إلينا في ممثلنا الثاني: السيد المسيح.

ثالثاً - المحتاج والمعجزة

  1. كان المفلوج مشلولاً. عنده حياة ولا يحيا، تدخل أنفاسه إلى صدره ولا تبعث فيه القدرة على القيام ليؤدي عملاً يومياً. يأكل ويشرب ولا ينتج. ليس عنده أمل في الشفاء. أليس هذا ما تفعله الخطية؟ ننال بركات الرب، ولكننا لا نخدمه. تدخل أنفاسنا إلى صدورنا، وهي من عند الرب، ولكنها لا تبعث فينا قوة ولا طاقة لنؤدي شيئاً لخدمته. كثيرون شلَّهم الماضي بعُقده ومُركّبات نقصه ومخاوفه وقلقه ونقص أمنه، فيقعدون مشلولين، مع أن المسيح يريد أن يطلقهم أحراراً من عبودية الماضي ليعيشوا مستقبلاً جديداً بغير خوف ولا مرض!

  2. كان مرض المشلول واضحاً للجميع، كما يقول الرسول: «خَطَايَا بَعْضِ ٱلنَّاسِ وَاضِحَةٌ تَتَقَدَّمُ إِلَى ٱلْقَضَاءِ، وَأَمَّا ٱلْبَعْضُ فَتَتْبَعُهُمْ» (1تيموثاوس 5: 24). أي أن بعض الناس خطاياهم واضحة، وخطايا بعضهم مختفية، لكنهم جميعاً خطاة محتاجون لنعمة الله. وكانت خطية هذا الرجل المشلول ومرضه واضحين.

  3. ثم أن هذا المشلول خاطئ يحسّ بخطيته ويعرف أنه أخطأ. وشخَّص طبيب الأجساد والأرواح ما هو أعمق من مرض الجسد في ذلك المشلول، فلما رأى إيمان الحاملين الأربعة، قال للمفلوج: «يا بنيَّ مغفورة لك خطاياك». في هذه الحالة كانت الخطية سبب الشلل. ولو أنه في حالات أخرى لم يكن المرض نتيجة الخطية، كما قال المسيح عن المولود أعمى: «لا هٰذَا أَخْطَأَ وَلا أَبَوَاهُ، لٰكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ ٱللّٰهِ فِيهِ» (يوحنا 9: 3). هنا كانت خطية المشلول هي سبب مرضه، وكان المريض يعلم ذلك. والمسيح لا يعالج الظواهر فقط بل يعالج الأساس أولاً.

  4. ونال المشلول الغفران أولاً، ثم نال شفاء الجسد: «أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ ٱلْكَنِيسَةِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ، وَصَلاةُ ٱلإِيمَانِ تَشْفِي ٱلْمَرِيضَ وَٱلرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ» (يعقوب 5: 14 و15). هاتان الآيتان تصفان ما جرى للمشلول الذي شُفي: نال الغفران أولاً، ونال الشفاء ثانياً. كثيرون نعموا بشفاء الجسد من المسيح، لكنهم لم ينالوا غفران الخطية. وبعض الناس اليوم ينالون غفران الخطية ولكنهم يظلون مرضى. والرب، لحكمةٍ عنده، يفعل معنا إرادته الصالحة.

جاء التبرير للمفلوج من كلمة قيلت له، صارت فيه، لأنه آمن بصاحب الكلمة، فنال الشفاء فوراً. كان السرير يحمله فحمل هو سريره، وصارت علامة مرضه برهان صحته وسلامته. والذي رفضوا أن يفسحوا له الطريق إلى المسيح وهو يحاول الوصول إليه، أفسحوا له طريق الخروج بعد شفائه ليمشي ويعلن: «لقد شفاني». دخل محمولاً وخرج يحمل آثار نعمة الله وبرهان قوته.

رابعاً - المسيح والمعجزة

  1. المسيح العارف: رأى إيمان الحاملين الأربعة، ورأى خطية المفلوج، فقال: «يا بنيَّ مغفورة لك خطاياك». كانت طلبتهم شفاء الجسد. ولكن الرب رأى أولويةً قبل ذلك، هي غفران الخطية، فغفرها.

    وفكر الحاضرون من الكتبة في قلوبهم: «لماذا يتكلّم هذا هكذا بتجاديف؟» فشعر المسيح بروحه أنهم يفكرون هكذا. عرف سريرة قلوبهم وما اختبأ بداخلهم. فهو يعرف أسرارنا وما بنا. إن كنت خائفاً هو يعرف ويريد أن يعطيك الاطمئنان. إن كنت قلقاً يريد أن يمنحك السلام. إن كنت غير واثق في محبته فهو يؤكد لك محبته. إن كنت خاطئاً يكشف خطيتك ليشفيها تماماً كما يفتح الجرَّاح مكان فسادٍ ليستأصله ليردّ الصحة. إنه يعرف ويكشف، لأنه يريد أن يداوي ويعالج.

  2. المسيح المعلّم: عرف فكر الكتبة. كانوا يعرفون حرف الشريعة دون أن يفهموا روحها فلم يطبقوها. وفي موقف شفاء المفلوج كان يمكن أن يكتفي بإسكات تساؤلاتهم الداخلية بإجراء المعجزة. لكنه كمعلّم عظيم أراد أن يشرح لهم روح الشريعة. لم يُجر المسيح معجزة للدفاع عن نفسه، ولا لإسكات خصومه، لكن لأنه يحب البشر. سألهم: «أيُّما أيسر غفران الخطية أو شفاء الشلل؟» الاثنان مهمان، ولو أن الحديث أمام الناس عن غفران الخطية سهل، لأن أحداً لا يرى إن كانت الخطية مُحيت من سجلات السماء أو لا زالت باقية. أما شفاء المرض فصَعْب أمام الناس لأنه يتطلّب برهاناً منظوراً فورياً. ثم علَّمهم المسيح أنه يملك الأمرين، فشفى المفلوج وغفر خطاياه.

  3. المسيح المحّب: رأى في قلوب الكتبة انتقاداً له، ففسّر لهم الصعب، ولم يدع انتقادهم له يعطل محبته التي توضح الحق وتشرح الصعب. جلس في بيت بطرس وسمح للجمهور أن يحيط به كل الوقت، حتى لم يتوفر لديه وقت للأكل والراحة. ولما سقط غبار السقف عليه عندما رفعه الحاملون تقبَّل الأمر بمحبة وعطف، واستجاب طلبة الرجال الأربعة الذين حملوا المفلوج إليه. كان عطاء المسيح بغير حدود، للروح وللجسد. كان هذا يكلّفه قوةً تخرج منه لتشفي، وعمل فداءٍ يكفِّر خطايا الخطاة.

  4. المسيح صاحب السلطان: قال المسيح: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (متى 28: 18). وهذه المعجزة ترينا سلطانه على المرض وعلى الخطية.

قال الرسول بولس إن المسيح لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله (فيلبي 2: 8)، بمعنى أنه لما عادل المسيح نفسه بالله لم يكن مختلساً لما ليس من حقه، فقد كان هذا حقه الطبيعي، هو صاحب السلطان على سِفر الحياة ليَكتب اسم المشلول المشفيّ فيه. وهو صاحب السلطان على الجسد الإنساني ليُعيد للمشلول صحته الكاملة. ظنوه يجدف لكنه كان يمارس حقه الطبيعي.

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأننا نجد في المسيح خلاصنا الكامل، شفاءً لأمراضنا وغفراناً لخطايانا. نطلب من محبتك أن تكون لنا بركات النعمة الغنية، فنقدِّم - بفضل عطاياك - من علامة مرضنا برهان شفائنا، ومن مظاهر قلقنا دليل سلامنا، لأنك لمست حياتنا. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. كيف صار بيت بطرس محل خدمة عامة للبلد كلها؟

  2. ما هو الثمن الذي تكلَّفه بطرس من اتِّباع المسيح؟

  3. ما هو الجزاء الذي ناله بطرس لما أعطى بيته للمسيح؟

  4. اكتب أربع صفات في الرجال الأربعة الذين حملوا المفلوج؟

  5. اشرح تعاون الرجال الأربعة، وما هو الدرس الذي نتعلمه منهم.

  6. ماذا كان موقف المسيح من الكتبة الذين انتقدوه؟

  7. ظهر سلطان المسيح في هذه المعجزة في دوائر مختلفة - ما هي؟

المعجزة السابعة شفاء مريض بركة بيت حِسْدا

1 وَبَعْدَ هٰذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 2 وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ ٱلضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِٱلْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. 3 فِي هٰذِهِ كَانَ مُضْطَجِعاً جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ ٱلْمَاءِ. 4 لأَنَّ مَلاكاً كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَاناً فِي ٱلْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ ٱلْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلاً بَعْدَ تَحْرِيكِ ٱلْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ ٱعْتَرَاهُ. 5 وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. 6 هٰذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعاً، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَاناً كَثِيراً، فَقَالَ لَهُ: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» 7 أَجَابَهُ ٱلْمَرِيضُ: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي ٱلْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ ٱلْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». 8 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قُمِ. ٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱمْشِ». 9 فَحَالاً بَرِئَ ٱلإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ سَبْتٌ.

10 فَقَالَ ٱلْيَهُودُ لِلَّذِي شُفِيَ: «إِنَّهُ سَبْتٌ! لا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَحْمِلَ سَرِيرَكَ». 11 أَجَابَهُمْ: «إِنَّ ٱلَّذِي أَبْرَأَنِي هُوَ قَالَ لِي ٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱمْشِ». 12 فَسَأَلُوهُ: «مَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ ٱلَّذِي قَالَ لَكَ ٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱمْشِ». 13 أَمَّا ٱلَّذِي شُفِيَ فَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَنْ هُوَ، لأَنَّ يَسُوعَ ٱعْتَزَلَ، إِذْ كَانَ فِي ٱلْمَوْضِعِ جَمْعٌ. 14 بَعْدَ ذٰلِكَ وَجَدَهُ يَسُوعُ فِي ٱلْهَيْكَلِ وَقَالَ لَهُ: «هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلا تُخْطِئْ أَيْضاً، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ». 15 فَمَضَى ٱلإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ ٱلْيَهُودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ٱلَّذِي أَبْرَأَهُ. 16 وَلِهٰذَا كَانَ ٱلْيَهُودُ يَطْرُدُونَ يَسُوعَ، وَيَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ لأَنَّهُ عَمِلَ هٰذَا فِي سَبْتٍ.

17 فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ». 18 فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا كَانَ ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ ٱلسَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ ٱللّٰهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِٱللّٰهِ(يوحنا 5: 1-18).

هذه معجزة شفاء مريض منذ ثمانٍ وثلاثين سنة، شفاه المسيح عند بركة بيت حِسْدا في يوم عيد. ولكن هذا الرجل لم يكن يترقَّب عيداً. ثمانٍ وثلاثون سنة بأعيادها المختلفة مضت عليه دون أن يفرح بعيد. كان دائم الاكتئاب! لكن ذلك العيد الذي التقى فيه المسيح به صار له «العيد». ربما مررنا بأعياد كثيرة لم تكن أعياداً لنا لأن المسيح لم يكن قد امتلك حياتنا تماماً، لكن لو أننا اليوم سلَّمناه حياتنا تسليماً كاملاً فأعطيناه القلب والفكر والجسد، سيكون كل يوم لنا عيداً حقيقياً.

كان ذلك اليوم عيداً لليهود، فصعد المسيح إلى أورشليم ودخلها من «باب الضأن» الذي كانوا يُدخِلون منه الحملان للذبيحة في الهيكل، ثم اتَّجه إلى بركة بيت حِسْدا، ومعناها «بيت الرحمة» حيث قدَّم الرحمة للمريض البائس.

والمسيح هو فصحنا الذي ذُبح لأجلنا، دخل من «باب الضأن» ذاهباً إلى «بيت الرحمة». أليست هذه هي الرحمة الإلهية: إن مخلّصنا جاءنا مولوداً في مذود، ينتظره صليب، تتبعه القيامة، ليهبنا رحمته الغافرة المخلِّصة؟

يشرح لنا البشير يوحنا أحوال البِرْكة: كان بها ماء، ربما كان معدنياً، يحدث به فوران. وكان اليهود يقولون إن ملاكاً يجيء ليحرّك الماء. لا يقولون إنهم رأوا الملاك لكنهم يذكرون ما كانوا يعتقدونه. والمريض الذي كان يرمي نفسه أولاً في البركة كان ينال الشفاء.

وكانت هذه المعجزة تتكرر لتبرهن أمرين: أن الله يحب شعبه، وأنه لا زال يُجري المعجزات.

اجتمع عدد كبير من المرضى: عمي وعرج وعُسم (والعُسم هم الذين أصابهم تيبُّس مفاصل اليدين والقدمين). ليقيموا في خمسة أروقة، مفتوحة على البركة، يحتمون فيها من المطر والشمس والرياح، وقد تثبَّتت عيونهم على الماء عندما يتحرك.

في ذلك المكان المسمَّى بيت الرحمة، كان هناك نقص في الرحمة! فما أن يتحرك الماء حتى يلقي كل إنسان نفسه أولاً، أو يلقي به أهله أولاً. لم يكن أحد يفكر في الآخر، لأنه يظن لو أنه فعل ذلك لضاعت الفرصة عليه!

ولذلك بقي هذا المريض في هذا المكان مدة ثمانٍ وثلاثين سنة ولم يبرأ. ولكن جاء العيد عندما جاء المسيح وقال له: «أتريد أن تبرأ؟» وكان ردُّه: «ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء» فقال له: «قم احمل سريرك وامشِ». وفي الحال قام وحمل سريره وطوى فراشه على كتفه وسار.

كان ذلك اليوم سبتاً، وكان رجال الدين اليهود متمسّكين غاية التمسك بمطالب الشريعة، ومنها ألا يحمل أحدٌ شيئاً يوم السبت، لذلك لاموا المريض الذي شُفي، وانتقدوا المسيح وأرادوا أن يقتلوه لأنه كسر السبت. وكان حوارٌ وكانت بَرَكةٌ عند البِرْكة.

أولاً - المحتاج والمعجزة

بقى هذا المريض مدة ثمانٍ وثلاثين سنة يزحف نحو البركة كلما تحرك الماء بأسرع ما يستطيع، ولكنه كان يصل دائماً متأخراً. تواردت مئات الناس إلى البركة، إما نزلوا فيها وخرجوا أصحّاء وعادوا إلى بيوتهم، أو لم يستطيعوا النزول فماتوا ودفنوهم. أما هو فبقي بين الموت والحياة. إنه ميت حي. لا هو استراح مع الذين ماتوا، ولا هو فرح مع الذين شُفوا. لقد رأى أنانية البشر. غالباً دفعه كثيرون عشرات المرات ليأخذوا مكانه لينزلوا قبله إلى البركة. الأصحاء لم يرحموه والمرضى أيضاً.

لا شفاء!

لا صديق!

وفوق الكل لا أمل، مع أن الشفاء بالقرب منه!

في مرات كثيرة نمرُّ بظروف مشابهة. غيرنا يستفيد ونحن لا نستفيد. غيرنا ينتهز الفرصة ونحن لا نمتلكها. غيرنا يجد من يدفعه وأما نحن فلا نجد من يدفعنا إلى الأمام. «بينما أنا آتٍ ينزل قدامي آخر».

ولكن تبدل الموقف تماماً عندما تم اللقاء مع المسيح، وسأل: «أتريد أن تبرأ؟»

ينتقد البعض سؤال المسيح ويسألون: «فلماذا إذاً يتواجد الرجل عند بركة بيت حِسْدا إذا كان لا يريد أن يبرأ؟». لكن الحقيقة هي أن كثيرين يعتادون المرض وعناية الآخرين بهم، ويستمتعون بأن يكونوا مركز الاهتمام. صحيح أن المرض كارثة ولكنه يخلق استكانةً وتواكلاً، لأن الأهل يعتنون دائماً بالمريض. وهذا الرجل الذي تركه أهله لابد وجد العناية من أهل المرضى، أو المرضى الأفضل صحةً منه، يشفقون عليه ويطعمونه، لأنهم يعلمون أن لا أحد يسأل عليه. فلو أنه شُفي سيبدأ يتحمل مسئولية نفسه من جديد. فهل هو مستعد لذلك؟ فسأله الرب: «أتريد أن تبرأ؟» ليعرف إن كان مستعداً، ويريد أن يغيّر حاله ويعتمد على نفسه.

الله لا يعطينا بركة إلا إذا جُعْنا إليها، كما قال المسيح: «طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَٱلْعِطَاشِ إِلَى ٱلْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (متى 5: 6) فالرب يشبعنا عندما نكون جائعين ونحسّ بذلك فنطلب. الذي ينال بركة لم يطلبها لا يستمتع بها، لكن البركة التي نأخذها بعد أن نكون قد تشوَّقنا إليها، وطلبناها بلجاجة، تكون ذات قيمة أكبر بالنسبة لنا.

وكانت إجابة المريض: «ليس لي إنسان». سنوات المرض جعلته لا يفكر إلا في البشر. لم يذكر الرب وذكر الناس. لم يذكر إمكانية حدوث معجزة، لكنه ذكر خيبة أمل تكررت باستمرار! لم يعد يرى المحبة الإلهية، فهو يذكر فقط أن لا إنسان له يعينه ليلقيه في البركة متى تحرك الماء. ورفع المسيح عيني المريض من البشر إلى الله لعله يقول مع جدّه داود: «اِنْتِظَاراً ٱنْتَظَرْتُ ٱلرَّبَّ فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي» (مزمور 40: 1).

1 - أمرٌ بالقيام:

تلقَّى هذا المريض أوامر غريبة للغاية: «قم..إحمل..إمشِ». فكيف يحمل ويمشي وهو أصلاً لا يستطيع القيام، لأنه لو أمكنه لكان قام من زمن بعيد!

لقد كان الأمر يتطلب شيئين من المريض: إيماناً وطاعة. فالإيمان هو الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى (عبرانيين 11: 1). وآمن المريض وهو لا يرى شفاءً ولا تغييراً في عضلات جسمه، ولم يطرأ أي جديد على حالته الصحية، لكنه رأى ما سيجيء! وهذا هو الإيمان والثقة في الكلمة. من أعطى هذا الرجل هذه الثقة؟ لقد فتح الروح القدس عينيه. وهذا يفسر عدم استجابة كثيرين لكلمة الرب، لأن الكلمة لم تمتزج بالإيمان في أنفسهم.

هل تذكر اللص الذي تاب، لأنه رأى ما لم يستطع المحيطون به رؤيته؟ لقد رأى رباً وملكوتاً (لوقا 23: 42) بينما الدلائل كلها تقول إن المسيح عبدٌ مصلوب. ولكن عين الإيمان رأت رباً صاحب ملكوت. فليعطنا الله عيون الإيمان لنرى المسيح الرب صاحب السلطان في السماء وعلى الأرض، ولنرى أن الذين معنا أكثر من الذين علينا، ونرى العناية الإلهية التي تقف إلى جوارنا باستمرار حتى لو كانت كل الظروف تُظهر عكس ذلك.

والإيمان الحقيقي دائماً ينشىء طاعة، ويجعل الإنسان يتبع الرب أينما يمضي، لأن كل الثقة وُضعت في الرب. وعندما تجاوب إيمان المريض مع الطاعة، تجاوب جسده مع أمر المسيح، فشُفي وحمل سريره ومشى.

2 - أمر بحمل السرير والمشي

وكان ذلك برهاناً يراه كل المحيطين به على أنه فعلاً نال الشفاء. ما أكثر عدد الذين يشكّون حتى بعد أن يروا! والمسيح يريد أن تنفتح عيون العميان الروحيين ليروا أن «سَنَة الرب المقبولة» قد أتت (لوقا 4: 19) وهي السنة التي يتحرر فيها المأسورون.

3 - وبعد شفاء المريض ذهب إلى الهيكل.

لا بد أنه أراد أن يشكر الله. هو لا يعرف من الذي شفاه، لأن المسيح اختفى في وسط الجموع، وغالباً كان المسيح وحده وليس معه أحد من تلاميذه، وإلا لكان المريض عرفه! وفي الهيكل التقى به المسيح مرة أخرى.

«فَرِحْتُ بِٱلْقَائِلِينَ لِي: إِلَى بَيْتِ ٱلرَّبِّ نَذْهَبُ» (مزمور 122: 1). لذلك نجيء إلى بيت الرب باستمرار لنشكر، فنلتقي مرة أخرى بالمخلّص ليبارك حياتنا بركة أعمق. فلنرجع مرة أخرى قائلين: «حَلَلْتَ قُيُودِي. فَلَكَ أَذْبَحُ ذَبِيحَةَ حَمْدٍ، وَبِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أَدْعُو... فِي دِيَارِ بَيْتِ ٱلرَّبِّ» (مزمور 116: 16-19).

ثانياً - اليهود والمعجزة

1 - الحرف قبل الروح

كان اليوم سبتاً، والوصية تقول: «اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ. سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ وَتَصْنَعُ جَمِيعَ عَمَلِكَ، وَأَمَّا ٱلْيَوْمُ ٱلسَّابِعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلٰهِكَ. لا تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَٱبْنُكَ وَٱبْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ ٱلَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ - لأَنْ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ صَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلسَّمَاءَ وَٱلأَرْضَ وَٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، وَٱسْتَرَاحَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلسَّابِعِ. لِذٰلِكَ بَارَكَ ٱلرَّبُّ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ وَقَدَّسَهُ» (خروج 20: 8-11). وانتقد شيوخ اليهود الرجل الذي شُفي لأنه كسر الوصية وحمل فراشه يوم السبت. وكان ردُّ الرجل: «الذي أبرأني قال لي احمل سريرك وامشِ». وعندما سألوه عن الذي أبرأه لم يعرف!

كان شيوخ اليهود يهتمّون بالشريعة والذبيحة والقربان والطقس. لم يدركوا روح الشريعة، بل اهتموا بحرفها فقط، فجعلوا لها أهمية وأولوية أكبر من الرحمة ! لم يهمهم أن المريض شُفي. كان يجب أن يهنّئوه أولاً ببركة الصحة التي أهدتها له السماء في العيد، لكنهم انتقدوه، ونسوا الآية التي تقول: «لا تَنْظُرْ حِمَارَ أَخِيكَ أَوْ ثَوْرَهُ وَاقِعاً فِي ٱلطَّرِيقِ وَتَتَغَافَلُ عَنْهُ بَلْ تُقِيمُهُ مَعَهُ لا مَحَالَةَ» (تثنية 22: 4). لابد أن يجتمع الأصدقاء ليساعدوا صاحب الحمار ويمدّوا له يد العون، لأنه وحده لا يستطيع أن يخرجه. ولكن شيوخ اليهود تمسّكوا بجزءٍ من الشريعة وتركوا الجزء الآخر، بينما الرب يريد أن ندرس الكلمة ككل، فإنه «سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلامُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي» (مزمور 119: 105).

2 - الله دوماً يعمل

وبعد أن عنَّفوا الرجل أرادوا أن يقتلوا المسيح لأنه كسر وصية السبت (آيتا 15 و16) فقال المسيح لهم: «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل» (آية 17). ولقد أثارتهم هذه الكلمة للمرة الثانية، لأنهم لم يدركوا أن الله الذي انتهى من الخلق في اليوم السادس، لا زال يقوم بأعمال العناية لخير البشر. لقد خلق الأفلاك وحفظها في مكانها: «كُلَّ ٱلأَشْيَاءِ، وَهِيَ بِإِرَادَتِكَ كَائِنَةٌ وَخُلِقَتْ» (رؤيا 4: 11). فلم يكن يوم السبت نهاية عمل الله، لأنه ما زال يحفظ الأفلاك والكواكب في مداراتها! ولا زال المسيح يرمّم أجساد الناس ويشفيها. صحيح أن السبت كان نهاية عمل الخلق، لكنه لم يكن نهاية عمل العناية.

وهذه الآية تملأ قلبنا بالفرح لأن إلهنا يعمل باستمرار معنا «هَا إِنَّ يَدَ ٱلرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ» (إشعياء 59: 1) «لا يَنْعَسُ حَافِظُكَ» (مزمور 121: 3) فهو يعطي ويبارك ويغمرنا دائماً بمحبة أبوية لا تنتهي.

3 - أرادوا أن يقتلوا المسيح

غضب شيوخ اليهود لأنهم فهموا معنى كلمة «أبي» (آية 17). لقد ساوى المسيح نفسه بالله، لذلك يقول: «من أجل هذا كان اليهود يطلبون اكثر أن يقتلوه لأنه قال إن الله أبوه، معادلاً نفسه بالله» (آية 18). لقد قال: «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30) وقال لفيلبس: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ»(يوحنا 14: 9) ويقول الرسول بولس إن المسيح عندما عادل نفسه بالله لم يختلس حقاً ليس له، ولكنه كان يعلن حقيقة هي مِلْكه فعلاً (فيلبي 2: 6). فلماذا يكره الناس الحق؟

ثالثاً - المسيح والمعجزة

«هذا رآه يسوع مضطجعاً، وعلم أن له زماناً كثيراً فسأله: أتريد أن تبرأ؟» (آية 6). نلاحظ أفعال المسيح: رأى، وعَلِم، وسأل، وأعلن حبه، وأمر، وتّوب.

  1. رأى المسيح المريض الذي لا صديق له. رأى الذي يعتبره الناس «حالة» يائسة لا رجاء فيها. رآه بعكس المنطق البشري. فعادةً يعتني الطبيب بالشخص الذي تكون حالته أفضل أولاً، لأن قدرة الطبيب محدودة. أما المسيح فكل شيء مستطاع عنده، وهو متخصّص في المستحيلات.

  2. عَلِم، فالرب يعرف كل شيء عنا. يعرف ضعفنا واحتياجنا الحقيقي، ثم يعطي ما نحتاجه بسخاء ولا يعيّر.

  3. سأل: «أتريد أن تبرأ؟» هذه هي عناية المسيح، فهو دائماً يسأل عنا وعن احتياجنا. وحصولنا على نعمة المسيح يتوقف علينا. هل نريد؟

  4. وفي هذا أعلن المسيح محبته للرجل الذي يئس من كل شيء ومن كل شخص! «يُسَرُّ بِٱلرَّأْفَةِ. يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا» (ميخا 7: 18-20).

  5. أمره المسيح: «قم احمل سريرك وامشِ». وهذا الأمر ينافي العُرف والانتظار والتوقُّع، وينافي صحة جسد ذلك الإنسان، لأنه يحتاج لشفاءٍ وفترة نقاهة، لكن الرب تخطَّى هذا كله.

    في بعض الأحيان نريد أن نصلح من أنفسنا روحياً معتمدين على ذواتنا، ولكن الرب يعطي ميلاداً جديداً: «إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة» (2كورنثوس 5: 17). هذا تغيير كامل تماماً، فما لا يصدقه العقل الإنساني ينفّذه الحب الإلهي القادر، والذي يُجري المعجزات.

  6. توَّب: «ها أنت قد برئْتَ، فلا تخطىء أيضاً لئلا يكون لك أشرّ» (آية 14). يبدو أن مرض هذا الرجل كان نتيجةً لخطية، ولو أن كل مرض ليس نتيجة خطية. فتوبة المريض هنا شرط لاستمرار الصحة. والرجوع إليها أشرّ، لأنه يحرمه من الحياة ويميته (1كورنثوس 11: 30).

    ومن أمر المسيح للمريض المشفيّ نتعلم ثلاث حقائق:

    1. قد يجيء المرض نتيجة للخطية.

    2. التوبة شرط لاستمرار الصحة.

    3. الرجوع للخطية يُنتج نتائج أشرّ.

  7. إعلان ألوهية المسيح: قال المسيح إن الله أبوه (آية 17) فساوى نفسه بالله (آية 18). ونجد هنا المسيح يعلن ألوهيته سبع مرات:

  1. المسيح يعمل نفس عمل الآب: «مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهٰذَا يَعْمَلُهُ ٱلاِبْنُ كَذٰلِكَ» (آية 19).

  2. المسيح يعرف فكر الآب: «لأَنَّ ٱلآبَ يُحِبُّ ٱلاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ» (آية 20).

  3. المسيح يُحيي الموتى: «كَمَا أَنَّ ٱلآبَ يُقِيمُ ٱلأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذٰلِكَ ٱلاِبْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ» (آية 21 و24-26).

  4. المسيح يدين العالم: «لأَنَّ ٱلآبَ لا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ٱلدَّيْنُونَةِ لِلاِبْنِ» (آية 22)

  5. المسيح ينال الكرامة: «لِكَيْ يُكْرِمَ ٱلْجَمِيعُ ٱلاِبْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ ٱلآبَ. مَنْ لا يُكْرِمُ ٱلاِبْنَ لا يُكْرِمُ ٱلآبَ أيضاً» (آية 23)

  6. لقد شهد الآب له: «إِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي لَيْسَتْ حَقّاً. ٱلَّذِي يَشْهَدُ لِي هُوَ آخَرُ، وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ ٱلَّتِي يَشْهَدُهَا لِي هِيَ حَقٌّ» (آيتا 31 و32).

    * شهد له يوحنا المعمدان: «أَنْتُمْ أَرْسَلْتُمْ إِلَى يُوحَنَّا فَشَهِدَ لِلْحَقِّ» (آية 33)

    * شهدت له أعماله: «لِي شَهَادَةٌ أَعْظَمُ مِنْ يُوحَنَّا، لأَنَّ ٱلأَعْمَالَ ٱلَّتِي أَعْطَانِي ٱلآبُ لأُكَمِّلَهَا، هٰذِهِ ٱلأَعْمَالُ بِعَيْنِهَا ٱلَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا هِيَ تَشْهَدُ لِي أَنَّ ٱلآبَ قَدْ أَرْسَلَنِي» (آية 36).

    * شهد الآب له: «وَٱلآبُ نَفْسُهُ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي» (آية 37)

    * شهدت له الكتب المقدسة: «فَتِّشُوا ٱلْكُتُبَ... وَهِيَ ٱلَّتِي تَشْهَدُ لِي» (آية 39)

هذا هو إلهنا القادر على كل شيء، المخلّص العظيم، الذي ينقذنا من ضعفاتنا ويتحنّن ويتراءف علينا. فدعونا ننحني دائماً أمامه لنطلب منه بركة مضاعفة لحياتنا.

صلاة

يا صاحب السلطان، يا من تقول فيكون وتأمر فيصير، لك الشكر والتسبيح والهتاف. لك الخضوع والتسليم والطاعة. عليك الاعتماد ومنك العون.

هَبْنا أن نسند رؤوسنا المتعَبة على صدر محبتك، لننال منك ما نحتاجه اليوم وغداً، إلى أن ننتقل إلى محضرك، حيث لا مرض ولا عوز ولا أنين. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. متى يكون احتفالنا بالعيد حقيقياً؟

  2. ما هي المعاني الرمزية في دخول المسيح من «باب الضأن» وذهابه إلى بِرْكة بيت حسدا؟

  3. لماذا لام شيوخ اليهود المريض لأنه حمل سريره؟

  4. ما هي مشكلة المريض منذ 38 سنة، وكيف حلَّها المسيح؟

  5. أمر المسيح المريض أن يقوم ويحمل فراشه ويمشي. وتطلَّب هذا من المريض أمرين - ما هما؟

  6. لماذا ذهب المريض للهيكل بعد شفائه؟

  7. أعلن المسيح ألوهيته سبع مرات - اذكرها.

المعجزة الثامنة شفاء ذي اليد اليابسة

1 ثُمَّ دَخَلَ أَيْضاً إِلَى ٱلْمَجْمَعِ، وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ. 2 فَصَارُوا يُرَاقِبُونَهُ: هَلْ يَشْفِيهِ فِي ٱلسَّبْتِ؟ لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ. 3 فَقَالَ لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي لَهُ ٱلْيَدُ ٱلْيَابِسَةُ: «قُمْ فِي ٱلْوَسَطِ!» 4 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ يَحِلُّ فِي ٱلسَّبْتِ فِعْلُ ٱلْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ ٱلشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟». فَسَكَتُوا. 5 فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ، حَزِيناً عَلَى غِلاظَةِ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَمَدَّهَا، فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَٱلأُخْرَى (مرقس 3: 1-5).

(وردت المعجزة أيضاً في متى 12: 9-14 ولوقا 6: 6-11).

اختلف مفسّرو الإنجيل حول التتابع التاريخي للمعجزات، لأن كُتَّاب الأناجيل لم يسجلوا معجزات المسيح حسب تاريخ حدوثها، بل كانوا يأخذون منها أمثلةً فقط، بسبب كثرة عددها. وبالطبع اجتهد المفسّرون في تحديد موعد حدوث المعجزات، ولذلك قد لا تكون هذه المعجزة هي الثامنة في سلسلة معجزات المسيح.

يقول البشير لوقا إن يد الرجل اليمنى هي التي كانت يابسة. ويتفق البشيرون أن المعجزة جرت في الهيكل، في يوم سبت، بعد مناقشة بين المسيح وشيوخ اليهود لأن التلاميذ قطفوا سنابل يوم سبت، فانتقدهم شيوخ اليهود، لا لأنهم قطفوا سنابل، فقد كان مباحاً لأي مسافر أن يلتقط من الحقول أو الحدائق ما يأكله، بشرط أن لا يأخذ منه معه (تثنية 23: 25). لكن لأن السنابل قُطفت يوم سبت، فيكون الإنسان الذي قطف السنبلة (في نظرهم) قد قام بعملية حصاد، ودراس، وتذرية، ثم طحن، ثم أكل!

هكذا فسَّر شيوخ اليهود موقف التلاميذ، وقالوا له: «هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبت!». وقدّم المسيح لهم أربع إجابات، سنتأملها ونحن نناقش موقف شيوخ اليهود من المعجزة.

دخل المسيح الهيكل بعد هذه التعليقات الأربعة، حيث رأى ذا اليد اليمنى اليابسة. فسأله شيوخ اليهود: «هل يحلّ الإبراء في السبوت؟» يريدون بذلك أن يزيدوا على خطأ التلاميذ في قطف السنابل خطأً من المسيح نفسه، فتصبح الشكوى ضد المسيح نفسه. ويقول البشير متى: «لكي يشتكوا عليه». وشرح المسيح لهم روح الشريعة، ثم قال للرجل: «مُدّ يدك» فمدَّها، فعادت صحيحة كالأخرى.

أولاً - المحتاج والمعجزة

كانت يد المريض اليمنى هي اليابسة، وهي اليد التي تعمل، وتمتدّ للسلام، وتعطي، وتتلقَّى.

  1. يعلّمنا شفاء هذه اليد اليابسة أن الرب يريد أن يشفينا من العجز عن عمل الخير، فيردّ لنا القدرة على العمل الصالح. فالإنسان البعيد عن الرب عاجز عن أن يعمل خيراً، والرب يريد أن يدفعنا للخير.

    نقرأ في متى 21 عن الأب الذي كان له ابنان، فقال للأول: «يا ابني، اذهب اليوم اعمل في كرمي» فأجابه: «ما أريد» ولكنه ذهب. وقال للثاني: «يا ابني، اذهب اليوم اعمل في كرمي» فأطاع بالكلام ولكنه لم ينفِّذ بالعمل. والأمر نفسه موجَّه لنا كلنا. والرب يريد أن نقوم بعملٍ في كرمه لأننا أولاده، فتوقُّعه الطبيعي منا أن نعمل في كرمه. لكن صاحب اليد اليمنى اليابسة عاجز عن العمل، ولذلك قال له المسيح: «مُدّ يدك... هيا اعمل معي».

  2. وصاحب اليد اليابسة عاجز أن يسلِّم على الناس، فيده لا تتحرك. وعالمنا مليء بأصحاب اليد اليمنى اليابسة أخلاقياً وروحياً ومعنوياً. فهم لا يمدّون أيديهم بالمحبة لأنهم يحتاجون إلى المحبة. لم يختبروها فلا يستطيعون أن يعطوها. ونحن نحتاج أن نتعلم أن الله يحبنا، وأنه الراعي الصالح الذي يمدّ يده دوماً بالحب الذي يصل إلينا حيث نحن. ويد الله تمتدّ دائماً بالمصالحة. فهو بمحبته يمدّ يده إلينا ليصالحنا مع الله، ويريدنا بعد ذلك أن نكون رُسل مصالحة، نصالح الناس مع الله، ويقول: أيها المؤمن، مدّ يدك لتصالح الناس مع الله (2كورنثوس 5: 18-20).

  3. واليد اليابسة لا تستطيع أن تعطي، فنحن أنانيون بطبيعتنا. لكن يجب أن نتأمل إلهنا المحب الذي يشرق شمسه على الجميع، ويمطر على الكل من أبرار وأشرار (متى 5: 45) فنسلك في مثاله. ربما لم نتعود ذلك، أو ربما عملنا خيراً مرة فكان جزاؤنا شراً، فأصبحنا نخاف أن نعمل الخير، لأننا أسرى الماضي وعبيد الاختبار السيء. ويجب أن ننتقل من الماضي إلى حاضر أفضل وإلى مستقبل لا بد أن يكون أفضل مع المسيح.

    ويتحدث بولس الرسول عن الحياة الجديدة والتغيير الذي يجريه الرب في النفس قائلاً: «لا يَسْرِقِ ٱلسَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً ٱلصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ ٱحْتِيَاجٌ» (أفسس 4: 28).

    ويقول الرب: «سلبتموني» فيسألونه: «بِمَ سلبناك؟» فيجاوب: «فِي ٱلْعُشُورِ وَٱلتَّقْدِمَةِ» (ملاخي 3: 8) لأنكم لم تقدموا العشور لي. فنحن نحتاج إلى شفاء اليد اليمنى اليابسة التي لا تعطي، لنتعلم كيف نقدم احتياجات الآخرين.

  4. اليد اليابسة لا تستطيع أن تمتد لتأخذ. يسمع الناس عن خلاص الرب ولكنهم يرفضونه بسبب إحساسهم بأنهم أفضل من غيرهم، أو لأنهم لا يرون حاجتهم له، أو لشدة يأسهم من شرورهم فيظنون أن الله لن يقبلهم ولن يعطيهم خلاصاً. ومهما كانت الأسباب، فإن النفس الخاطئة البعيدة عن الرب لا تستطيع أن تمدّ يد الإيمان لتأخذ البركة. ونحن نحتاج لمعجزة شفاء أيدينا اليابسة لتمتد في ثقة وإيمان لتأخذ.

  5. عيب خَلْقي، أو عيب كسل: يبست اليد لأن الحياة لا تسري إليها ربما لعيب خَلْقي بالميلاد، أو لأنها توقفت عن العمل. وهذان السببان موجودان فينا بمعنى روحي. فعيب الميلاد: «بِٱلإِثْمِ صُّوِرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور 51: 5) «بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ» (رومية 5: 12). نحن خطاة بالطبيعة، وخطاة بالفعل. والمسيح هو الشافي من الحالتين.

  6. وتطلَّب الأمر من المريض:

    أ - الإيمان:

    قال المسيح لهذا المريض: «مدّ يدك» فمدَّها، وهو يعلم أنها يابسة لا تتحرك. كان يمكن أن يقول: «لا أستطيع. إني عاجز». لكن لأنه آمن بالكلمة، مدّ يده رغم أنها لا تزال يابسة، ثقة في أمر الرب.

    ب - الطاعة:

    عندما يتواجد الإيمان القلبي تتواجد الطاعة. أما الإيمان الذي لا يطيع فهو إيمان العقل الذي لم يغيّر الحياة. إنه مثل إيمان الشياطين (يعقوب 2: 19). لكن الإيمان الحقيقي يمتزج بالطاعة.

    ج - الشجاعة:

    كان كثيرون من شيوخ اليهود واقفين يراقبون المسيح، وسألوه: «هل يحل الإبراء في السبوت؟» ليشتكوا عليه. كان من الممكن أن يفضّل المريض يَبَس يده عن أن يدخل في مشاكل مع قادة الدين والسياسة! ولكنه كان بجانب إيمانه وطاعته شجاعاً شجاعةً جعلته يتبع المسيح وينفّذ أوامره.

ليعطنا الله الإيمان القوي، والطاعة، ليكون إيماننا فعالاً وعاملاً ومثمراً. وليعطنا الشجاعة لنطيع المسيح وننفذ أوامره، لأنها أفضل شيء لحياتنا.

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

هناك أشخاص، مثل شيوخ اليهود يهتمون بحرف الشريعة وليس بروحها. وهؤلاء عبيد وليسوا سادة، فالشريعة تخلق عبيداً، لكن النعمة هي التي تخلق السادة. في الشريعة يخاف الإنسان، لكنه في النعمة يطمئن، لأن الرب أعطى الحرية والراحة والمحبة، فيكون اتِّباع الإنسان للمسيح اتِّباع من يحب بكل القلب والفكر، فيتمتع بنعمة عتق المسيح. «ٱلنَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا ٱلنِّعْمَةُ وَٱلْحَقُّ فَبِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ صَارَا» (يوحنا 1: 17).

وكان ردّ المسيح عليهم عندما سألوه: «هل يحل الإبراء في السبوت؟» رداً رباعياً:

  1. قال إن الضرورة أباحت لداود أن يفعل شيئاً غير مُباح: «أَمَا قَرَأْتُمْ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ جَاعَ هُوَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ، كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ ٱللّٰهِ وَأَكَلَ خُبْزَ ٱلتَّقْدِمَةِ ٱلَّذِي لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لَهُ وَلا لِلَّذِينَ مَعَهُ، بَلْ لِلْكَهَنَةِ فَقط؟» (متى 12: 3 و4) ويشير بذلك إلى قصة داود في 1صموئيل 21: 3-6. ونص شريعة موسى موجود في لاويين 24: 5-9. ونرى من هنا أن الكاهن أعطى داود الخبز، بخلاف أمر الشريعة، لأن الضرورة أباحت غير المباح.

  2. ثم قال المسيح إن حرف الشريعة ليس هو المقصود، بل روحها، وقال: «ٱلْكَهَنَةَ... يُدَنِّسُونَ ٱلسَّبْتَ وَهُمْ أَبْرِيَاءُ» (متى 12: 5) فالكهنة يكسرون الشريعة يوم السبت، إذ يقدم الكاهن كل يوم سبت «خروفين حوليين صحيحين، وعُشْرين من دقيق ملتوت بزيت تقدمةً مع سكيبهم، محرقةُ كل سبت» فضلاً عن المحرقة الدائمة وسكيبها (عدد 28: 9 و10).

  3. ثم قال المسيح إن حضوره مع تلاميذه، وفي تلاميذه، هو أعظم من الهيكل. قال: «أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هٰهُنَا أَعْظَمَ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ!» (متى 12: 6) يتكلم عن نفسه أنه هو الهيكل، لأنه الممتلئ بالروح القدس، المُنقاد به ليعلِّم تعاليمه: «رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي» (لوقا 4: 18).

  4. ثم قال المسيح إنه صاحب السلطان على الشريعة «فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ ٱلسَّبْتِ أَيْضاً» (متى 12: 8). فالمسيح جاء مشرّعاً: «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ.. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ» (متى 5: 21 و27 و33). نلاحظ عظمة المسيح وسلطانه. لقد تلقَّى موسى الشريعة من الله، لكن المسيح يقول: «الحق الحق أقول لكم» فالمسيح هو الرسالة والرسول، وهو الكلمة والمتكلم، وهو المتفرّد عن كل مَنْ سبقه، ولا يمكن أن يلحقه شخص يشبهه، لأنه بالإجماع «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (1تيموثاوس 3: 16).

ثم سأل المسيح شيوخ اليهود: «أَيُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ خَرُوفٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ سَقَطَ هٰذَا فِي ٱلسَّبْتِ فِي حُفْرَةٍ، أَفَمَا يُمْسِكُهُ وَيُقِيمُهُ؟ فَٱلإِنْسَانُ كَمْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ ٱلْخَرُوفِ! إِذاً يَحِلُّ فِعْلُ ٱلْخَيْرِ فِي ٱلسُّبُوتِ» (متى 12: 11 و12). ومن هذا التفسير نرى المسيح صاحب الشريعة الجديدة التي أكملت الشريعة القديمة.

كان شيوخ اليهود غير سعداء لأنهم تحت عبودية الحرف. لكن الشعب كان في غاية السعادة لأن المسيح كرز لهم بالحرية «فَإِنْ حَرَّرَكُمْ ٱلاِبْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَاراً» (يوحنا 8: 36). فالشعب يريد روح الشريعة، والسبت جُعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت. فلم يعطنا الرب الشرائع ليستعبدنا بها ولكن ليخدمنا.

ثالثاً - المسيح والمعجزة

  1. المسيح يهتم بالجوهر، فهو يريدنا أن نهتم بروح الشريعة. إنه ينظر إلى القلب لا إلى المظهر، ويتحقق فيه القول: «ٱلإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى ٱلْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا ٱلرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى ٱلْقَلْبِ» (1صموئيل 16: 7) إن روعة حياتنا كمؤمنين بالمسيح هي أننا نهتم بروح الشريعة. «إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لا ذَبِيحَةً، وَمَعْرِفَةَ ٱللّٰهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ» (هوشع 6: 6).

    ونرى الاهتمام بالجوهر في أن المسيح هو المحبة المتجسدة، وشريعته هي شريعة الحب: «إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ ٱلنَّاسِ وَٱلْمَلائِكَةِ وَلٰكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ» (1كورنثوس 13: 1). فبلاغتي مهما كانت عظيمة وكلماتي مهما كانت ساحرة، بدون محبة، هي مجرد أصوات فارغة بلا قيمة!

  2. ثم نرى المسيح الذي يعمل الخير: لم يتردد أبداً في ذلك، سواء كان هناك مقاومون أو محبّون. إن استعداده لعمل الخير نابع من أنه هو المحبة. فالرب يعمل عمل المحبة دائماً. ولا نمرّ أبداً بظروف قاسية أو حلوة إلا واختبرنا فيها الله الحنَّان، وشعرنا بالمحبة الكاملة العميقة لنا.

  3. ثم نرى هنا المسيح الإنسان: عندما سُئل: «هل يحل في السبت فعل الخير أو الشر؟ تخليص نفس أو قتل؟» سكتوا «فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ، حَزِيناً عَلَى غِلاظَةِ قُلُوبِهِمْ» (مرقس 3: 5) فالمسيح في إنسانيته الكاملة يعبّر عن مشاعره، وتظهر تلك المشاعر بوضوح على وجهه.

    وعندما أُحضر إليه مصابٌ بالصمم والخَرَس «َرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ وَأَنَّ وَقَالَ لَهُ: «إِفَّثَا». أَيِ ٱنْفَتِحْ» (مرقس 7: 34). لقد أنَّ المسيح على آلام البشر. ونقرأ عن الشاب الغني الذي سأل المسيح عن الحياة الأبدية، فنظر المسيح إليه وأحبه وقال له: «يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ ٱلْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي حَامِلاً ٱلصَّلِيبَ» (مرقس 10: 21). وهنا نرى مشاعر المسيح حزناً على غلاظة القلوب ومحبة للمحتاج.

  4. ثم نرى المسيح القادر على المستحيل: عندما يبدو لنا أن المشكلة مستحيلة الحل، ولا يمكن الخروج من مأزقها، نجد المسيح المتخصص في المستحيلات. كانت اليد اليابسة مشكلة مستحيلة الحل، فحلَّها حلاَّل المشاكل القدير! إنه يقول لك دائماً: مُدّ يد الإيمان وخذ بركة أكبر. «إِلَى ٱلآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِٱسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (يوحنا 16: 24).

صلاة

يا أبانا السماوي، نشكرك لأن المسيح أكمل الشريعة ووضّح لنا روحها، وأعلن لنا المحبة التي تشفق على الخاطئ بالغفران، وعلى المريض بالصحة. لقد أعطى بغير حسابٍ، أكثر جداً من كل طلب وتوقّع.

ساعدني لأرى المسيح يتعامل معي اليوم كما تعامل مع صاحب اليد اليابسة، فلا زال هو على أرضنا بروحه القدوس، يفعل فوق ما أطلب أو أفتكر. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. لماذا لام شيوخ اليهود تلاميذ المسيح؟

  2. اشرح المعاني الروحية لأن: اليد اليابسة لا تعمل، ولا تمتد للسلام، ولا تعطي ولا تتلقى.

  3. ما معنى قول الله: «سلبتموني» (ملاخي 3: 8)؟

  4. أمر المسيح المريض: «مُدّ يدك». وتطلَّب هذا شجاعة من المريض. كيف؟

  5. برهن أن المسيح جاء مشرِّعاً.

  6. اهتم المسيح دوماً بالجوهر. كيف ترى من هذه المعجزة اهتمامه بالجوهر؟

  7. في هذه المعجزة ترى المسيح الإنسان. اشرح.

المعجزة التاسعة شفاء عبد قائد المئة

1 وَلَمَّا أَكْمَلَ أَقْوَالَهُ كُلَّهَا فِي مَسَامِعِ ٱلشَّعْبِ دَخَلَ كَفْرَنَاحُومَ. 2 وَكَانَ عَبْدٌ لِقَائِدِ مِئَةٍ، مَرِيضاً مُشْرِفاً عَلَى ٱلْمَوْتِ، وَكَانَ عَزِيزاً عِنْدَهُ. 3 فَلَمَّا سَمِعَ عَنْ يَسُوعَ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ شُيُوخَ ٱلْيَهُودِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَشْفِيَ عَبْدَهُ. 4 فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى يَسُوعَ طَلَبُوا إِلَيْهِ بِٱجْتِهَادٍ قَائِلِينَ: «إِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يُفْعَلَ لَهُ هٰذَا، 5 لأَنَّهُ يُحِبُّ أُمَّتَنَا، وَهُوَ بَنَى لَنَا ٱلْمَجْمَعَ». 6 فَذَهَبَ يَسُوعُ مَعَهُمْ. وَإِذْ كَانَ غَيْرَ بَعِيدٍ عَنِ ٱلْبَيْتِ، أَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِدُ ٱلْمِئَةِ أَصْدِقَاءَ يَقُولُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، لا تَتْعَبْ. لأَنِّي لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي. 7 لِذٰلِكَ لَمْ أَحْسِبْ نَفْسِي أَهْلاً أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ. لٰكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَيَبْرَأَ غُلامِي. 8 لأَنِّي أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ مُرَتَّبٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ، لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. وَأَقُولُ لِهٰذَا: ٱذْهَبْ فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ: ٱئْتِ فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِي: ٱفْعَلْ هٰذَا فَيَفْعَلُ». 9 وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ هٰذَا تَعَجَّبَ مِنْهُ، وَٱلْتَفَتَ إِلَى ٱلْجَمْعِ ٱلَّذِي يَتْبَعُهُ وَقَالَ: «أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلا فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَاناً بِمِقْدَارِ هٰذَا». 10 وَرَجَعَ ٱلْمُرْسَلُونَ إِلَى ٱلْبَيْتِ، فَوَجَدُوا ٱلْعَبْدَ ٱلْمَرِيضَ قَدْ صَحَّ (لوقا 7: 1-10).

(وردت المعجزة أيضاًفي متى 8: 5-13).

قال متى إن القائد ذهب إلى المسيح يطلب شفاء عبده، وقال لوقا إن القائد أرسل شيوخ اليهود إلى المسيح يطلبون منه ذلك. وليس بين روايتي متى ولوقا تناقض، لأن القائد جاء إلى المسيح بواسطة شيوخ اليهود. وقال الشيوخ للمسيح عن قائد المئة: «إنه يحب أمَّتنا وقد بنى لنا المجمع» وواضح أن قائد المئة لم يبن المجمع بيديه، لكنه بناه بواسطة البنائين والنجارين، فهو بنى «بغير يديه»! وهكذا جاء قائد المئة إلى المسيح بغير جسده، لكن بواسطة شيوخ اليهود!

وقدم البشير متى وصفاً وافياً لحالة العبد المريض إذ قال: «إنه مطروح في البيت، مفلوج، معذب» وقال لوقا: «وكان عبدٌ لقائد مئة مريضاً، مشرفاً على الموت، وكان عزيزاً عنده».

وتشدُّنا في هذا الأصحاح شخصية المسيح بطريقة خاصة، فهو المخلّص الحي الذي أجرى المعجزة قديماً، والذي لا يزال يجري معجزاتٍ اليوم، فهو هو أمساً واليوم وإلى الأبد (عبرانيين 13: 8). ويشدّ انتباهنا في هذه المعجزة قائد المئة، بأخلاقياته، وتواضعه وإيمانه. ونصلي أن يجعل الله القارئ مُحباً، متواضعاً، مؤمناً مثل قائد المئة، لننال من الرب بركة لنا ولبيوتنا وللذين نتعامل معهم.

يذكّرنا قائد المئة هذا بقائد مئة فاضل آخر، هو كرنيليوس (أعمال الرسل 10). كان وثنياً بحسب ديانته التي وُلد فيها، ولكنه لم يجد فيها شبعه، فجاء يفتش عن الحق، تماماً كما فعل وزير مالية الحبشة (أعمال 8) وكما فعلت ليديا بائعة الأرجوان من ثياتيرا المتعبدة لله، وهي تريد أن تتقرب إلى الرب أكثر، فتوصَّلت إلى معرفة المسيح المخلّص (أعمال 16).

قال البشير يوحنا إن المسيح جاء ليجمع أبناء الله المتفرِّقين إلى واحد (يوحنا 11: 52). جاء ليجتذب قائد المئة الروماني الذي جاء من إيطاليا ويُدخله إلى الحظيرة. ولا ندري ما هي جنسية ذلك العبد المريض الذي كان مشرفاً على الموت فشفاه المسيح. لا نعرف من أين خُطف أو أُسر ليُباع لقائد المئة في كفر ناحوم. لكن المسيح جاء لينقض حائط السياج المتوسط (أي العداوة) بين البشر، ليجمع أبناء الله من جنسياتهم المختلفة إلى واحد (أفسس 2: 14). وما أجمل قوله: «وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هٰذِهِ ٱلْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 16). ونشكر الله من أجل الذين يجيئون إلى المسيح من كل حظيرة أو خلفيَّة ليكتشفوه ويعرفوه المخلّص الحي المبارك.

أولاً - المحتاج والمعجزة

1 - العبد المريض:

هو المحتاج الفعلي لهذه المعجزة، ولكنه كان عاجزاً عن أن يجيء إلى المسيح، ولم تكن حالته تسمح بحَمْله إليه. كان في وضع مؤلم للغاية، معذّب. ولكن قائد المئة تبنَّى مشكلته، فذهب يتحدث بدلاً منه (بواسطة شيوخ اليهود) للمسيح. ونرى هنا عاجزاً يعجز عن مساعدة نفسه، يخدمه عاجز آخر هو قائد المئة، يطلب من عاجزين آخرين أن يوصّلوه إلى القادر على كل شيء!

نجد كثيرين في مجتمعنا يشبهون هذا العاجز. يحتاجون إلى المسيح، لكنهم لا يرون هذا الاحتياج لأنهم مشلولون بسبب الخطيّة، وهؤلاء يحتاجون إلى من يتكلم إلى الرب بدلاً منهم. فليعطنا الرب نعمة لنتبنَّى قضايا كثيرين بعيدين عن الرب... نحبّهم ونصلي من أجلهم، ونرجو أن الله يتعامل مع نفوسهم ليشفيهم من مرض خطيتهم.

2 - قائد المئة:

  1. هو الرجل المحبّ: كان العبد «عزيزاً عنده» (آية 2). كان العبد يُشترى بالمال. كان شيئاً وليس شخصاً. وكان موت العبد مجرد خسارة مادية لا أكثر، لكن قائد المئة كان يقيّم عبده تقييماً يختلف عن تقييم أهل عصره. رآه شخصاً وعزيزاً. وكان قائد المئة محباً لكل المواطنين، حتى قال اليهود عنه: «يحب أمتنا» (آية 5). ولم تكن محبته كلاماً ولا تعاطفاً شاعرياً بل كانت عملاً لأنه بنى لهم مجمعاً للعبادة. وقائد المئة بحسب وظيفته متخصّصٌ في القتل والحرب وإراقة الدماء، وكانت الأمة اليهودية كثيرة الثورة والعصيان، فكان جنود الرومان الذين يجيئون إلى فلسطين في غاية الشراسة والعنف ليقمعوا ثوراتهم الكثيرة. ولا بد أن قائد المئة هذا احتلّ مكانته لأنه قوي قادرٌ أن يقمع الثورات. لكن بالرغم من ذلك نرى أنه في موقع الشراسة والعنف كان غايةً في المحبة والرقّة. لم تؤثر طبيعة وظيفته عليه، ولم يصبغه مجتمعه، ولم يؤثر وسطه فيه، لكنه هو الذي صبغ مجتمعه، وأثَّر في وسطه! كان هو الشخصية القوية في وظيفته.

    يعتذر كثيرون عن خطئهم لأن موقعهم يفرض عليهم الخطأ، لكن قائد المئة هذا كان عظيماً في أنه فرض الصلاح والمحبة على موقعه، وهذا يعلمنا شيئاً كثيراً عن قدرتنا على أن نعيش إيماننا ومبادئنا مهما كانت الأجواء المعاكسة المحيطة بنا.

    ولا بد أن عبد قائد المئة كان أميناً مُخْلصاً لسيّده. ولنتذكر أننا عبيد للرب، فنحن خليقته، وقد أسَرَتْنا محبته، ونحن أحباء عنده، فيجب أن نكون أمناء له، لنسمع الكلمة الحلوة: «نِعِمَّا أَيُّهَا ٱلْعَبْدُ ٱلصَّالِحُ ٱلأَمِينُ. كُنْتَ أَمِيناً فِي ٱلْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى ٱلْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (متى 25: 23). ولا يجب أن ننتظر الدخول إلى فرح سيدنا بنهاية حياتنا على الأرض، لكننا ندخل فرح سيدنا الآن هنا، لأننا ندخل إلى محضره، في خدمته، وطاعته ومحبته.

  2. هو الرجل المتواضع: قال شيوخ اليهود: «إنه مستحق أن يُفعل له هكذا» (آية 4)، لكنه قال عن نفسه: «لست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي، لذلك لم أحسب نفسي أهلاً أن آتي إليك» (آيتا 6 ، 7). إنه يرى عدم استحقاقه في بيته وفي شخصه. قال القديس أغسطينوس: «إحساس قائد المئة بعدم استحقاقه لأن يدخل المسيح بيته، جعله مستحقاً أن يدخل المسيح قلبه».

    دخل المسيح بيوت متكبّرين كثيرين، فلم ينالوا البركة لأنه لم يدخل قلوبهم. أما قائد المئة هذا فلم يدخل المسيح بيته، لكنه دخل قلبه وأشبع احتياجه. فالإنسان المتواضع هو الذي يصف نفسه ويقيّمها تقييماً سليماً. قال قائد المئة للمسيح: «لم أحسب نفسي أهلاً أن تدخل بيتي، لكن قل كلمة فيبرأ غلامي، لأني أنا أيضاً إنسان مرتَّب تحت سلطان» (آية 8). «مرتَّب» أي صاحب رتبة، له جند تحت يديه. لكنه في نفس الوقت تحت سلطان. فالمؤمن هو الذي لا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي (رومية 12: 3) فلا يقيّم نفسه أفضل من اللازم، لكنه يقيّم نفسه تقييماً سليماً حسب التعقل، كما قسم الله لكل واحد مقداراً من الإيمان. فالمتواضع يعرف قيمته الحقيقية بما عنده من قوة وضعف، وبما له من إمكانيات وبما هو عاجز عن عمله. وعندما نقيِّم أنفسنا تقييماً سليماً نكون متواضعين.

    ذهب تلميذ في إجازة الصيف من مدينة القاهرة إلى الريف لزيارة جدِّه الذي كان مزارعاً. وسار الولد وسط حقول القمح، وقال: «انظر يا جدي أعواد القمح المرتفعة الرؤوس! ما أقواها! وهذه أعواد منكّسة. لا بد أنها خجلانة!». فقال الجد مصحِّحاً خطأ الحفيد: «عود القمح المنتصب لا يحمل قمحاً، لكن العود المنحني يحمل قمحاً كثيراً، فالفارغة رفعت رأسها وأما الملآنة فانحنت». ليعطنا إلهنا التواضع الذي ينحني أمامه ويجثو أمام السيد يقول له: لم أحسب نفسي أهلاً أن آتي إليك، ولست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي.

  3. هو الرجل المؤمن: قال: «قُلْ كلمة فقط فيبرأ غلامي». كان هذا الرجل العسكري، الذي يصدر أوامره لتُنفَّذ دائماً، يعرف أنه دُفع للمسيح كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فآمن بقوة كلمته. ووضع نفسه موضع الأدنى الذي يخاطب الأعلى، وأخذ «المستحيل إنجازه» إلى القادر على الإنجاز. لقد رأى قائدُ المئة في ابن مريم نجار الناصرة، صانعَ المعجزة وصاحب السلطان، الذي تسافر كلمته فتمتد وتصل إلى حيث يرقد العبد المريض المشرف على الموت.

    ولم يطلب قائد المئة من المسيح علامةً على شفاء عبده، لكنه صدَّق أن كلمة المسيح تعمل المعجزة. وقد كان! فقد أكرم المسيح إيمانه، ومدحه بقوله: «أقول لكم: لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا». الإيمان العظيم موضوعه عظيم، فموضوع إيماننا هو المهم. ربما وضع قائد المئة ثقته في طبيب بشري عجز عن شفاء عبده، وربما أخذه لأحد شيوخ اليهود ليصلي من أجله دون أن يُشفى. لكن عندما وضع إيمانه في من يستحق أن يؤمَنَ به، تحقَّق الشفاء. نقول إن الصلاة تحل المشاكل، ولكنها مجرد وسيلة وأداة توصّلنا لحلاّل المشاكل الذي يستحق أن نضع ثقتنا فيه.

كان نابوليون يستعرض جنوده عندما أفلت منه لجام حصانه فجرى الحصان. وتقدم جنديٌ بشجاعة وأوقف الحصان وأعاد اللجام للإمبراطور. فقال له: «شكراً أيها القائد. أنا مديون لك». وبسرعة قال الجندي: «قائد أية فرقة يا سيدي؟» فأُعجب به نابوليون وقال: «فرقة حرسي الخاص». فألقى الجندي بندقيته وقال: «ليأخذها من يريدها!» ومضى ليقود فرقة الحرس الخاص بنابوليون!

ولقد كان إيمان قائد المئة عظيماً لأنه صدَّق أن شفاء عبده تمَّ فوراً وليس تدريجياً. ونرى عظمة إيمانه بمقارنته بإيمان اليهود، فلم يكن في إسرائيل إيمان بمقدار إيمانه.

ثانياً - شيوخ اليهود والمعجزة

تركَّز كل اهتمام شيوخ اليهود على قائد المئة، ولم يكن العبد المريض ولا المسيح يعنونهما في شيء. قالوا: «إنه مستحق أن يُفعل له هذا لأنه يحب أمتنا وقد بنى لنا المجمع». كثيرون ينظرون إلى السطح ولا يدخلون إلى العمق. فهؤلاء الشيوخ بعد أن قدَّموا طلب القائد انسحبوا من المشهد، لأنهم عملوا واجباً كلَّفهم به قائد المئة، وتصرّفوا مثل زملائهم الذين سألهم هيرودس عن مكان مولد المسيح، فأجابوه: «في بيت لحم اليهودية» (متى 2: 5). لكن لم يتحرك واحد منهم إلى بيت لحم القريبة ليرى ذلك المولود الذي حفظوا كل النبوات عنه. فالفكر السطحي لا ينال بركة. لم ينتقدوا المسيح في هذه المعجزة، لكنهم كانوا مجرد متفرجين ينقلون إليه طلب قائد المئة. وانتهى دورهم بتوصيل العاجز بالقادر. أما هم فلم يستفيدوا لأنفسهم شيئاً. كانوا مجرد «عامل مساعد» في شفاء العبد.

ثالثاً - المسيح والمعجزة

  1. تواضع المسيح: قال المسيح لقائد المئة: «أنا آتي وأشفيه» (متى 8: 7). لقد تلقّى طلب قائد المئة عن طريق شيوخ اليهود بالترحيب والمحبة، وكان مستعداً أن يذهب، وذهب فعلاً: «فذهب يسوع معهم» (لوقا 7: 6). كم لمسْنا مجيئه إلينا.

    هناك مجيئان كبيران للمسيح، الأول عندما جاءنا في مذود، ومجيئه الثاني في نهاية العالم ننتظره كلنا. لكن بين هذين المجيئين العظيمين، يجيء المسيح للمؤمن آلاف المرات: في المكتب ليعاونه في حل مشكلة عمل، أو في الفِراش ليسنده في مواجهة مرض، أو في الوحدة والإحساس بالتوتّر ليمنحه السلام، أو عندما تهيج أمواج الحياة ليُسكتها. وعند الابتسامة يكون قد جاءنا لأنه هو مصدر الابتسامة والفَرْحة. إنه يجيء دائماً ولا يتأخر: يستحيل أن نطلبه ولا نجده، فعندما نطلب نجد، لا الأشياء المادية فقط، لكن ما هو أهم: شخصه الحلو الكريم.

  2. سرعة المسيح: «أنا آتي وأشفيه» إنه لا يتأخر عنا! حتى عندما تأخر عن الأختين مريم ومرثا فوصل بعد موت أخيهما لعازر، كان ذلك ليعطيهما بركة أكبر من مجرد شفاء المرض. لا يتباطأ كما يحسب قوم التباطؤ (2 بطرس 3: 9). لكنه يجيء في الموعد المناسب ليكرم أكثر، ويعطي بركة أعظم. ربما نعاتبه كثيراً، ولكن لا زالت كلماته الحلوة تعزي قلوبنا في مجيئه إلينا سريعاً.

  3. قوة المسيح: لكلمته سلطان «كل شيء به كان» (يوحنا 1: 3). هو صانع كل شيء. هو الذي يمدّ يده إلى موضع الضعف مباشرة ليشفيه ويعالجه ويحل المشكلة المؤرقة. كثيراً ما نشخّص مشاكلنا تشخيصاً خاطئاً، لكنه يشخّص التشخيص السليم، ويقدم بمحبة كاملة وحقيقية العلاج السليم.

    لقد جاء المسيح ليخلّص ما قد هلك. وهو نفسه أمات الموت، والمرض أول أعراضه. جاء المسيح ليشفي أمراضنا ويحمل أحزاننا. وجسدنا مهم عنده لأنه الهيكل الذي يحل فيه الروح القدس، ولأنه سيقيمه في القيامة في اليوم الأخير.

  4. تحذير المسيح: «لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا» (آية 9). هذه كلمات مدح لقائد المئة، وتوبيخ لأُمَّته.

كلما نظرنا إلى شخصٍ جاء إلى المسيح من حظيرة أخرى، يعيش مع الرب ويحبه ويضحّي في سبيله نرفع الشكر من أجله، ونسأل: هل الذين جاءوا للمسيح «من هذه الحظيرة» يحبونه ويخدمونه ويضحّون من أجله، كما يفعل الذين جاءوه من حظيرة أخرى؟ (يوحنا 10: 16).

لنسلّم أنفسنا للمحب المتواضع صاحب السلطان، ليحوّلنا من جماعة آخِذين إلى جماعة خادمين، بقوة إيمانٍ ومحبةٍ وتواضع.

صلاة

أبانا السماوي، أشكرك لأجل قوتك العظيمة ومحبتك غير المحدودة، التي تُنعم عليَّ باحتياجي في حينه. فعندما تصل إمكانياتي إلى نهايتها تتدخّل أنت بنعمتك لتعمل المعجزة التي تَقْصر كلماتي عن وصفها، ويعجز لساني عن أن يوفيك الشكر الواجب عليها. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. كيف تشرح ما يظهر تناقضاً بين رواية متى ولوقا في طلب قائد المئة من المسيح أن يشفي عبده؟

  2. كيف جمع المسيح في هذه المعجزة أبناء الله المتفرّقين إلى واحد؟

  3. كيف تتبنَّى قضية شخص يعجز عن المجيء إلى المسيح؟

  4. كيف ظهر تواضع قائد المئة؟

  5. كيف ظهرت محبة قائد المئة؟

  6. كيف ترى تواضع المسيح في هذه المعجزة؟

  7. قدَّم المسيح لنا في هذه المعجزة تحذيراً - ما هو؟

المعجزة العاشرة إقامة ابن أرملة نايين

11 وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي ذَهَبَ إِلَى مَدِينَةٍ تُدْعَى نَايِينَ، وَذَهَبَ مَعَهُ كَثِيرُونَ مِنْ تَلامِيذِهِ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ. 12 فَلَمَّا ٱقْتَرَبَ إِلَى بَابِ ٱلْمَدِينَةِ، إِذَا مَيْتٌ مَحْمُولٌ ٱبْنٌ وَحِيدٌ لأُمِّهِ، وَهِيَ أَرْمَلَةٌ وَمَعَهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْمَدِينَةِ. 13 فَلَمَّا رَآهَا ٱلرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا: «لا تَبْكِي». 14 ثُمَّ تَقَدَّمَ وَلَمَسَ ٱلنَّعْشَ، فَوَقَفَ ٱلْحَامِلُونَ. فَقَالَ: «أَيُّهَا ٱلشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ قُمْ». 15 فَجَلَسَ ٱلْمَيْتُ وَٱبْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ، فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ. 16 فَأَخَذَ ٱلْجَمِيعَ خَوْفٌ، وَمَجَّدُوا ٱللّٰهَ قَائِلِينَ: «قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ، وَٱفْتَقَدَ ٱللّٰهُ شَعْبَهُ». 17 وَخَرَجَ هٰذَا ٱلْخَبَرُ عَنْهُ فِي كُلِّ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَفِي جَمِيعِ ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ (لوقا 7: 11-17).

ما أعظم المحبة التي تمتدّ لأبأس الناس، في أحقر الأماكن، لتُبدّل الحزن القاتل إلى فرحٍ طاغٍ! جرت هذه المعجزة في قرية نايين الحقيرة القريبة من كفرناحوم، فخلَّدها التاريخ بفضل هذه المعجزة التي جرت فيها، عندما أقام المسيح الشاب الميت، الابن الوحيد لأمه الأرملة.

كانت نايين تقع بالقرب من شونم حيث أقام النبي أليشع بإذن الله وقوته ابن الشونمية من الموت، وذلك قبل تسع مئة سنة من إقامة ابن أرملة نايين (2 ملوك 4). وأقام المسيح بسلطان كلمته ابن الأرملة، عندما قال له: «أيها الشاب، لك أقول: قم!».

دخل المسيح مع مجموعة من أتباعه قرية نايين في الوقت الذي كان يخرج فيه من بابها موكب آخر يحمل ميتاً، وإذا برب الحياة ورئيسها في مواجهةٍ مباشِرةٍ مع الموت، وكأن إبليس يتحدى المسيح ويقول: «لقد أخذتُ هذا الشاب فريسة، فمن ينقذه من يدي؟ يدفع البشر أجرة خطيتهم، وماذا عساك تفعل؟ أنت نفسك ستقع في قبضتي وتموت وتُدفن في قبر!».

وكشفت لنا هذه المواجهة، لا معجزة واحدة من إقامة ابن الأرملة من بين الأموات، ولكن معجزة حياة المسيح كلها. فالمسيح الذي جاءنا إنساناً مولوداً من امرأة تحت الناموس، وعاش بيننا واختبر كل ما اختبرناه (ماعدا الخطية) مات ودُفن. لكنه قام من بين الأموات. وخدمته كلها هي إقامة الموتى الذين قتلتهم الخطية ودمرت حياتهم. وهو يقول: «إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ» (يوحنا 14: 19)، وعندما أقام لعازر قال: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلأَبَدِ» (يوحنا 11: 25 ، 26). قال هذه الكلمات وبرهنها عندما أقام لعازر، وبرهنها أيضاً عندما قام هو من الأموات، ويقولها اليوم لكل واحدٍ منّا، ويبرهنها إذ يقيمنا من موت الخطية، فيتتحقق قوله: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلامِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلا يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ. اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ ٱلآنَ، حِينَ يَسْمَعُ ٱلأَمْوَاتُ صَوْتَ ٱبْنِ ٱللّٰهِ، وَٱلسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذٰلِكَ أَعْطَى ٱلاِبْنَ أَيْضاً أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً، لأَنَّهُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ» (يوحنا 5: 24-27).

هذه هي القيامة الأولى من موت خطيتنا: «تأتي ساعة وهي الآن» حين يسمع أموات الخطية صوت ابن الله، والسامعون الذين يفتحون آذانهم وقلوبهم له يحيون، إذ يُجري الرب معهم المعجزة التي أجراها مع ابن أرملة نايين، لأن للمسيح حياةً في ذاته. وتأتي ساعة أخرى في المستقبل، لأن المسيح هو الديّان. «تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا ٱلصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا ٱلسَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلدَّيْنُونَةِ» (يوحنا 5: 28 ،29).

لم يكن أحدٌ قد قام من الأموات منذ تسعمائة سنة (قارن 2 ملوك 4). فلماذا اختار المسيح هذه الأرملة ليقيم ابنها؟ ألم يمت في فلسطين في ذلك اليوم عشرات الشباب؟

وللإجابة نقول إننا نجهل أسرار النعمة الإلهية، ولكن في كل مرة تختصّنا العناية الإلهية ببركة، ويلمسنا الله بلمسة شخصية تميّزنا عن كثيرين حولنا، نتذكر قوله الكريم: «لَيْسَ أَنْتُمُ ٱخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ» (يوحنا 15: 16). هنا يجب أن نرفع صلاة شكر بكل تواضع، لأن لا حقَّ لنا في شيء، ولكننا نتمتع بنعمة موهبة أعطاها لنا الله من محبته.

أولاً - المحتاج والمعجزة

  1. أرملة مات زوجها، والآن مات ولدها الوحيد، محل محبتها، وعائلها. فهي أرملة لا أمل لها في المستقبل (حسب الجسد). كانت صدمتها الأولى (يوم موت زوجها) قاسية، وها هي الصدمة الثانية القاتلة بموت وحيدها! كانت مجرَّبة وحزينة. والله في محبته يدرك وقع مثل هذه التجربة القاسية على البشر، وقد وصفها بقوله: «أُفِيضُ عَلَى بَيْتِ دَاوُدَ وَعَلَى سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ رُوحَ ٱلنِّعْمَةِ وَٱلتَّضَرُّعَاتِ، فَيَنْظُرُونَ إِلَيَّ، ٱلَّذِي طَعَنُوهُ، وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ» (زكريا 12: 10). ثم يصف الألم الذي يُتعب النفس التي صلبت المسيح بالقول: «وَيَنُوحُونَ عَلَيْهِ كَنَائِحٍ عَلَى وَحِيدٍ لَهُ، وَيَكُونُونَ فِي مَرَارَةٍ عَلَيْهِ كَمَنْ هُوَ فِي مَرَارَةٍ عَلَى بِكْرِهِ» (زكريا 12: 10). هذا وصف كتابي للألم النفسي العاطفي الذي واجهته تلك الأرملة التي فقدت ابنها الوحيد.

  2. مصدومة: هذه السيدة صُدمت الصدمة الأليمة التي هي أقصى نتائج الخطية. «بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ» (رومية 5: 12). لقد كانت تلك جرعة مرارة مركزة قُدِّمت في كأس أرملة نايين، إذ رأت أردأ نتائج الخطية مرتين.

  3. متألّمة: أحياناً يكون صوت آلامنا أعلى من صوت صلواتنا. وقلب الرب يتحرك معنا في حزننا، وهو يرى دموعنا وانكسار نفوسنا والمرارة التي تعتصر قلوبنا. وقد يكون هذا بسماحٍ كريم منه، لا ندري سببه. وقد يكون أجرة ما نفعل، أو نتيجة سوء معاملة الآخرين لنا. وفي كل هذه الظروف يقف معنا لأنه يعرف حجم الألم، كما يعرف محدودية قدرتنا على الاحتمال. وهذا ما شعر به المحيطون بالمعجزة، فوصفوا ما فعله المسيح مع الأرملة الحزينة بقولهم: «ٱفْتَقَدَ ٱللّٰهُ شَعْبَهُ» (لوقا 7: 16). بمعنى أنه جاء يزورنا ويسأل عنا. ونحن دائماً نكتشف أن الله لا يتركنا، بل يفتقدنا ويجيء إلينا ويقف إلى جوارنا يخفِّف ألمنا ويسندنا.

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

1 - لما لمس المسيح النعش وقفوا:

دعونا نتصوَّر الموقف، فنرى أمّاً تبكي خلف جماعة تحمل نعش ابنها متَّجهة إلى المدافن، ثم نرى مجموعة أخرى من الناس تدخل المدينة والمسيح في وسطها. والعادة أن تنضم المجموعتان لتتّجها معاً إلى المدافن للتعبير عن المشاعر نحو الأرملة. لكن المسيح اعترض الموكب! كان من الطبيعي أن تمنعه المجموعة الأولى لتكمل مسيرتها ومهمتها المقدسة وهي دفن الميت. لكن الكتاب يقول لنا: «فوقف الحاملون». لا بد أن جلال وجه المسيح ونبرة صوته بكل ما فيها من محبة وسلطان جعلتهم يقفون.

لقد اختبرنا مرةً ومرات أننا نسير في طريق كنا نظن أننا نؤدي فيه واجباً مهماً، فاعترض المسيح طريقنا بكلمة من الإنجيل، أو بتعامل شخصي، أو بلمسة روحية، فأوقف ما نفعله، وإذا مسار حياتنا قد تغيَّر إلى الأفضل والأحسن. لذا وجب أن تكون لدينا حساسية للمسة يده وتوجيه كلمته، لنغيّر مسارنا حسب توجيهه، انتظاراً لما يقوله لنا.

2 - مجَّد الحاملون الله:

لما قام الميت وتكلم، دفعه المسيح إلى أمه «فأخذ الجميع خوفٌ، ومجّدوا الله قائلين: قد قام فينا نبيٌّ عظيم، وافتقد الله شعبه». لا بد أنهم تذكّروا أليشع لما أقام ابن المرأة الشونمية، وتذكّروا إيليا لما أقام ابن الأرملة من الموت. وقولهم إن المسيح «نبي عظيم» يعني أنهم لم يكتشفوا كل نواحي شخصية المسيح. فهناك بُعد آخر للمسيح. صحيح أنه نبي، ولقَّب نفسه بأنه نبي عندما قال: «ليس كرامةٌ لنبي في وطنه». لكنه أعظم من نبي! إنه موضوع النبوة، فقد تحدثت النبوات عنه وشهدت له، حتى قال هو: «فَتِّشُوا ٱلْكُتُبَ... وَهِيَ ٱلَّتِي تَشْهَدُ لي»(يوحنا 5: 39).

ثم أن المسيح صانع النبوة، فقد تنبأ بالكثير الذي تحقق، والكثير الذي سيتحقق. لقد تنبأ بموته مصلوباً لما قال: «ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلنَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَبَعْدَ أَنْ يُقْتَلَ يَقُومُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ» (مرقس 9: 31). وقد كان. ولا زلنا ننتظر تحقيق نبواته عن مجيئه ثانية إلى أرضنا.

ويعمل المسيح بروحه فينا لنكتشف الجانب الأعمق من شخصيته فندرك أنه بالإجماع «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (1 تيموثاوس 3: 16).

3 - ثم قالوا: «افتقد الله شعبه»

بمعنى أن الله زار شعبه بتدخُّلٍ إلهي، كما تقول التوراة عن نعمي: «فَقَامَتْ هِيَ وَكَنَّتَاهَا وَرَجَعَتْ مِنْ بِلادِ مُوآبَ، لأَنَّهَا سَمِعَتْ فِي بِلادِ مُوآبَ أَنَّ ٱلرَّبَّ قَدِ ٱفْتَقَدَ شَعْبَهُ لِيُعْطِيَهُمْ خُبْزاً» (راعوث 1: 6). وفي نايين افتقد الله شعبه فأعطاهم حياة.

جميل أن يدرك المحيطون بالمسيح أن انتعاشاً روحياً جاء إلى العالم، لأن الله اقترب من البشر، وجاء يزورنا للافتقاد والسؤال عن احتياجنا. وكم من مرات زارنا المسيح ونحن على فراش مرضٍ فشفانا، ونحن في ضيقٍ ففرج كربتنا، ونحن في خوفٍ فأزال خوفنا، فاكتشفنا أننا كنا نخاف من شيء غير موجود، وأن الخوف في داخلنا فقط لكنه ليس من حولنا. يزورنا المسيح في وقت خطرٍ حقيقي وآخر وهمي. إنه يزورنا دائماً وأبداً.

ثالثاً - المسيح والمعجزة

1 - المسيح المُغيِّر:

عندما يلتقي بنا ويواجهنا، يتغيّر حالنا كله. عندما التقى بالأرملة التي تبكي لموت ابنها، تحوَّلت إلى أرملة فرحة لعودة ابنها إليها. «إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2 كورنثوس 5: 17). وكلنا نحتاج إلى مجيئه إلينا «تعال بيننا. أقم عندنا. وخُذْ من قلوبنا لك مسكناً». فنسمع قوله: «عَّزُوا عَّزُوا شَعْبِي يَقُولُ إِلَهُكُمْ. طَيِّبُوا قَلْبَ أُورُشَلِيمَ وَنَادُوهَا بِأَنَّ جِهَادَهَا قَدْ كَمِلَ، أَنَّ إِثْمَهَا قَدْ عُفِيَ عَنْهُ، أَنَّهَا قَدْ قَبِلَتْ مِنْ يَدِ ٱلرَّبِّ ضِعْفَيْنِ عَنْ كُلِّ خَطَايَاهَا» (إشعياء 40: 1 ، 2) ويتم فينا قول الرسول بولس: «مُبَارَكٌ ٱللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَبُو ٱلرَّأْفَةِ وَإِلٰهُ كُلِّ تَعْزِيَةٍ، ٱلَّذِي يُعَّزِينَا فِي كُلِّ ضِيقَتِنَا، حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نُعَّزِيَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي كُلِّ ضِيقَةٍ بِٱلتَّعْزِيَةِ ٱلَّتِي نَتَعَّزَى نَحْنُ بِهَا مِنَ ٱللّٰهِ» (2 كورنثوس 1: 3-5). يعطينا ماءً حياً فيجري من بطننا نهر ماء حي. يعطينا تعزية شخصية، ويعطينا لنعزّي غيرنا.

وهذا سيحدث معنا أيضاً في اليوم الأخير عندما نتواجد في محضره نسمع صوتاً عظيماً من السماء قائلاً: «هُوَذَا مَسْكَنُ ٱللّٰهِ مَعَ ٱلنَّاسِ، وَهُوَ سَيَسْكُنُ مَعَهُمْ، وَهُمْ يَكُونُونَ لَهُ شَعْباً. وَٱللّٰهُ نَفْسُهُ يَكُونُ مَعَهُمْ إِلٰهاً لَهُمْ. وَسَيَمْسَحُ ٱللّٰهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَٱلْمَوْتُ لا يَكُونُ فِي مَا بَعْدُ، وَلا يَكُونُ حُزْنٌ وَلا صُرَاخٌ وَلا وَجَعٌ فِي مَا بَعْدُ، لأَنَّ ٱلأُمُورَ ٱلأُولَى قَدْ مَضَتْ» (رؤيا 21: 3 ، 4). تمضي الأمور الأولى عندما يأتي ليفتقد شعبه.

2 - المسيح الحنون:

يقول العَيَان: «لا تبكي» بعد مرور الأزمة. لكن الإيمان يقولها أثناء الأزمة. والمسيح يريد أن يحيي في دواخلنا الإيمان إذ يأمرنا بعدم البكاء قبل نوال البركة، لأن إنقاذه آتٍ. لم تستطع الأرملة أن تفهم حكمته، ولكنها فهمتها فيما بعد. «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ ٱلآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلٰكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ» (يوحنا 13: 7).

يضع المسيح يده على كتفنا ليشجعنا والظلام محيط. وكلمة تشجيعه قوية مع أن الظروف المحيطة قد تناقضها تماماً. لكننا ندرك معنى كلمته ونثق فيها، وعلى كلمته «نلقي الشبكة» واثقين.

أجرى المسيح معجزاته بناءً على طلب المحتاج نفسه، كما شفى الأبرص (لوقا 5: 12). وأجرى معجزات نتيجة طلب إنسانٍ من أجل آخر، كما حدث في شفاء عبد قائد المئة (لوقا 7: 1)، وأجرى معجزات بناءً على محبته، فالأرملة لم تطلب، ولكنه فعل ذلك بدافع عمق محبته (لوقا 7: 13).

مرات ننجو من ضيق لأننا صلَّينا، ومرات لأن غيرنا صلّى من أجلنا، وفي مرات يسمع أنيننا ويرى ضيقنا فيمدّ لنا يد حنانه، لأن العين السماوية ساهرة ومفتوحة علينا.

3 - المسيح القوي

  1. أمر المسيح بسلطان ذاته: «لك أقول قم» وهو يعلم أن قوة محبته لا تسقط أبداً. «فيه كانت الحياة والحياة كانت نور للناس، والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه» (يوحنا 1: 4 ، 5). فلم تلحقه، ولم تفهمه! هو الذي يحيي الموتى، ويدعو الأشياء غير الموجودة كأنها موجودة (رومية 4: 17). سَرَت الحياة ثانية في جسد هذا الشاب، لأن المسيح أرجعها من حيث ذهبت، إلى الجسد الذي خرجت منه «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (متى 28: 18). في السماء حيث مضت النفس، وفي الأرض حيث كان الجسد في النعش، فأعطت السماءُ النفس، واستقبلتها الأرض، ليرجع الابنُ لأمه.

  2. بذل إيليا وأليشع جهداً في الصلاة ليقيما الموتى بعمل الله، وفشل جيحزي في إقامة ابن الشونمية. أما المسيح رب الحياة فأمر الحياة لتعود لجسد ذلك الشاب بأمره المباشر، فعادت.

  3. أقام رب المجد وصاحب كل سلطان ثلاثة من بين الأموات: ابنة يايرس في المنزل قائلاً: «يا صبية قومي» فقامت. وبعضنا يشبه ابنة يايرس في أن خطاياهم داخلية، غير مرئية. والمسيح مستعد أن يقيمنا من موت خطيتنا حتى إذا كانت مختفية عن عيون الناس.

ثم أقام ابن الأرملة على باب المدينة. وكثيرون منا خطاياهم على الباب تُرى في أيديهم، وتُسمع من ألسنتهم. والمسيح يريد أن يقيمنا حتى لو كانت خطايانا ظاهرة للجميع.

وأقام لعازر بعد أن أنتن في قبره أربعة أيام. وكثيرون بقوا في خطاياهم مدة طويلة حتى أنتنوا، والمسيح مستعد أن يقيمهم من هلاك الموت بقوته ليعطيهم الحياة.

مهما كانت حالة موتنا، فإن المسيح يريد أن يقيمنا معه، ويعطينا الحياة الأبدية. فلنطلب منه لأنه رب الحياة.

وإن كان قد أحيانا، فلنطلب من أجل شخص آخر ميت في خطاياه حتى يحييه الرب. ولنصلِّ لتحيا كنيسته مشرقة بنورٍ يضيء على كل العالم لمجد اسمه، وليأتِ ملكوته.

صلاة

أبانا السماوي، أشكرك لأن رحمة المسيح وصلتني في عمق شقائي، وأدركتني في هوَّة بلائي، فرفعتني وأعادت لي الأمل، ولمستني فبعثت في نفسي الشجاعة. افتَحْ قلبي أكثر ليسع المزيد من سلامك، وتقبَّل مني كل حياتي المعترفة بفضلك. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. قارن بين إقامة أليشع ابن أرملة شونم، وإقامة المسيح ابن أرملة نايين؟

  2. في يوحنا 5: 24-29 تحدث المسيح عن ساعة «وهي الآن» وساعة تأتي مستقبلاً. ماذا سيحدث في الساعتين؟

  3. لماذا اختار المسيح ابن أرملة نايين ليقيمه؟

  4. كانت صدمة الأرملة مزدوجة - كيف؟

  5. لماذا وقف حاملو النعش لما أمرهم المسيح بالوقوف؟

  6. ما معنى «افتقد الله شعبه»؟

  7. اذكر اختباراً من واقع حياتك افتقدك الله به.

المعجزة الحادية عشرة تهدئة العاصفة

35 وَقَالَ لَهُمْ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ لَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ: «لِنَجْتَزْ إِلَى ٱلْعَبْرِ». 36 فَصَرَفُوا ٱلْجَمْعَ وَأَخَذُوهُ كَمَا كَانَ فِي ٱلسَّفِينَةِ. وَكَانَتْ مَعَهُ أَيْضاً سُفُنٌ أُخْرَى صَغِيرَةٌ. 37 فَحَدَثَ نَوْءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ ٱلأَمْوَاجُ تَضْرِبُ إِلَى ٱلسَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ. 38 وَكَانَ هُوَ فِي ٱلْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِماً. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟» 39 فَقَامَ وَٱنْتَهَرَ ٱلرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: «ٱسْكُتْ. اِبْكَمْ». فَسَكَنَتِ ٱلرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. 40 وَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هٰكَذَا؟ كَيْفَ لا إِيمَانَ لَكُمْ؟» 41 فَخَافُوا خَوْفاً عَظِيماً، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ هٰذَا؟ فَإِنَّ ٱلرِّيحَ أَيْضاً وَٱلْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!» (مرقس 4: 35-41).

( وردت المعجزة أيضاً في متى 8: 23-27 و لوقا 8: 22-25).

أسكت المسيح العاصفة التي هاجت على بحيرة طبرية، المعروفة في الكتاب المقدس باسم بحيرة جنيسارت أو بحر الجليل. وهي بحيرة كبيرة طولها نحو عشرين كيلومتراً وعرضها نحو عشرة كيلومترات، بيضاوية الشكل، يصبّ فيها نهر الأردن ويزوّدها بالماء العذب، وتحيط بها جبال عالية بُنّية اللون بارتفاع سبعمئة متر من الشرق، ويقع شمالها جبل حرمون بقممه التي تغطيها الثلوج. وكانت مدينة كفرناحوم تقع غرب هذه البحيرة جهة البحر الأبيض المتوسط، وقد شهدت الكثير من معجزات السيد المسيح.

قضى المسيح يوماً طويلاً يعظ الناس في البر الغربي ناحية كفر ناحوم، وقد أحاطت به الجموع من كل جهة، فعلَّم وشفى كثيرين. وعندما أقبل المساء حلَّ به التعب، فقال لتلاميذه: لنعبر البحيرة إلى الجانب الشرقي منها إلى المنطقة الجبلية لنستريح. فصرف التلاميذ الجمع، وأخذوا المسيح في سفينة، تصاحبها قوارب صغيرة يستقلّها محبُّون للمسيح وأناس ما زالوا في احتياج للتعليم أو الشفاء.

كان كل شيء هادئاً، ولكن بحسب طبيعة بحيرة طبرية هبَّت عليها العواصف فجأة، فهي منخفضة مئتي متراً عن سطح البحر، لذلك كانت شديدة الحرارة، فجائية العواصف. وحدث نوء ريح عظيم، فكانت الأمواج تضرب إلى السفينة حتى كادت تمتلئ.

كان بحارة السفينة متمرِّسين في البحر، وهم من سكان كفر ناحوم الواقعة على شاطئ البحيرة، ولابد أنهم رأوا من قبل ليالي كثيرة صاخبة الأمواج شديدة الرياح، لكن تلك الليلة كانت أقسى الليالي جميعاً. لم يسبق لهم أن رأوا مثل هذا الجو الصعب. وأغلب الظن أن السفن الصغيرة عندما رأت بوادر العاصفة رجعت من حيث أتت، إلى البر الغربي إلى كفر ناحوم. ونام المسيح في السفينة، وتلاميذه ينفذون أمره بعبور البحيرة بالرغم من شدة الرياح، وقد تركوا معلِّمهم المتعَب نائماً ليستريح.

لكن عندما اشتدّت العاصفة وصارت أقوى من قدرتهم على احتمالها أو التعامل معها، تذكروا أن معلِّمهم في السفينة، فأيقظوه وقالوا له بعتاب شديد: «يا معلم، أما يهمك أننا نهلك!». ومن خوفهم تكلموا بصيغة الجمع، فشملوا المسيح معهم في خطر الهلاك. وقام المسيح وانتهر الريح، فصار هدوء عظيم.

تُثير الرياحُ الأمواجَ، وعندما تسكن الرياحُ تهدأ الأمواج. وعندما هدأت الأمواج سنحت الفرصة ليتعلم التلاميذ درساً في الإيمان، فسألهم المسيح: «ما بالكم خائفين هكذا؟». لقد كانت العاصفة بالفعل أقوى وأشد من كل عاصفة سبق للتلاميذ أن مرّوا بها، ولكن كان المسيح في هذه المرة معهم، فالموقف مختلف. ولكنهم في ضعف إيمانهم لم يشعروا بقوة وجوده، فخافوا. لم تكن معرفتهم به قد كملت، وكانوا محتاجين أن يعرفوه أكثر! ولا نلومهم، فهكذا نحن، يمكن أن نعرف المسيح لاهوتياً وعقائدياً، ولكن ليس كربٍّ ومخلّص شخصي.

هذه هي الحياة: عاصفة فالتجاءٌ إلى المسيح، فنجاةٌ وسلام. ثم نتعلم درساً يقوّي إيماننا لنواجه تجارب المستقبل بقوة وإيمان أكبر. نسمعها في سفر المزامير: «اَلنَّازِلُونَ إِلَى ٱلْبَحْرِ فِي ٱلسُّفُنِ، ٱلْعَامِلُونَ عَمَلاً فِي ٱلْمِيَاهِ ٱلْكَثِيرَةِ، هُمْ رَأُوا أَعْمَالَ ٱلرَّبِّ وَعَجَائِبَهُ فِي ٱلْعُمْقِ. أَمَرَ فَأَهَاجَ رِيحاً عَاصِفَةً فَرَفَعَتْ أَمْوَاجَهُ. يَصْعَدُونَ إِلَى ٱلسَّمَاوَاتِ، يَهْبِطُونَ إِلَى ٱلأَعْمَاقِ. ذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِٱلشَّقَاءِ. يَتَمَايَلُونَ وَيَتَرَنَّحُونَ مِثْلَ ٱلسَّكْرَانِ، وَكُلُّ حِكْمَتِهِمِ ٱبْتُلِعَتْ. فَيَصْرُخُونَ إِلَى ٱلرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ، وَمِنْ شَدَائِدِهِمْ يُخَلِّصُهُمْ. يُهَدِّئُ ٱلْعَاصِفَةَ فَتَسْكُنُ، وَتَسْكُتُ أَمْوَاجُهَا. فَيَفْرَحُونَ لأَنَّهُمْ هَدَأُوا، فَيَهْدِيهِمْ إِلَى ٱلْمَرْفَإِ ٱلَّذِي يُرِيدُونَهُ. فَلْيَحْمَدُوا ٱلرَّبَّ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَجَائِبِهِ لِبَنِي آدَمَ. وَلْيَرْفَعُوهُ فِي مَجْمَعِ ٱلشَّعْبِ، وَلْيُسَبِّحُوهُ فِي مَجْلِسِ ٱلْمَشَايِخِ» (مزمور 107: 23-32).

أولاً - المحتاجون والمعجزة

(أ) المحتاجون هم التلاميذ في السفينة الكبيرة المتجهة شرقاً، و (ب) أصحاب القوارب الصغيرة المصاحبة للسفينة الكبيرة الذين لما رأوا بدء العاصفة عادوا غرباً! و (ج) يبدو للناظر أن المسيح نفسه ضمن المحتاجين للمعجزة، فقد كان نائماً في السفينة المعرَّضة للخطر! وما أكثر ما نتصوَّر أن ملكوت الله في خطر! فنصرخ: «إننا نهلك!» وننسى أن «ٱللٰهُ فِي وَسَطِهَا فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ. يُعِينُهَا ٱللّٰهُ عِنْدَ إِقْبَالِ ٱلصُّبْحِ» (مزمور 46: 5).

ونلاحظ أن القوارب الصغيرة قد رجعت، فكثيراً ما يقرر البعض اتِّباع المسيح، ولكنهم يرجعون وقت العاصفة إلى شاطئٍ يظنونه آمناً، ويتركون الشاطئ الذي تتجه إليه سفينة المسيح ظانين أنهم يهلكون، لأنهم يحرصون على سلامتهم أكثر من حرصهم على اتِّباع المسيح.

  1. عاصفة الخوف: كم تهبّ على حياتنا عواصف. تبدو الحياة هادئة، وفجأة تأتي مشكلة تقلب سلامنا وتضيّعه. وعلينا فوراً أن نلجأ إلى المسيح، نعرِّفه باحتياجنا ونجعله يواجه مشكلتنا معنا، ونسلّمه أنفسنا وقضيتنا فنستريح، ونثق ونحن بين يديه أنه المقتدر، المخلّص العظيم والقادر على كل شيء. فَلْنُسلّم له حياتنا ليواجه المشكلة بدلاً منا. لننظر إلى وجه الراعي الصالح الذي ينتشلنا من خوفنا ويحملنا على منكبيه ثم يقيم احتفالاً. وهذا ما جرى مع التلاميذ، فقد واجه المسيح مشكلتهم، واحتفل معهم بنجاتهم!

  2. عاصفة الحزن: قد يموت عزيز علينا، ويبدو أن الغيوم قد أطفأت النجوم! والذين يخافون ويضطربون ويحزنون بلا رجاء، لهم بعض الحق. ولكن لماذا يواجه أصحاب الرجاء مشاكلهم مضطربين؟ كأن مخلّصهم الحي الذي هزم الموت وأنار الخلود غير موجود، مع أنه سيظل معهم ينير حياتهم إلى أن يوصّلهم إلى الخلود، ليتأكدوا صِدْق وعوده.

  3. وتهبّ علينا أحياناً عواصف الغضب، على شخص جرحنا، أو تكلم علينا بالكذب، فنثور في داخلنا. عندها يهدئ المسيح هذه العاصفة، ويقول لنا: «اِغْضَبُوا وَلا تُخْطِئُوا. لا تَغْرُبِ ٱلشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ وَلا تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَاناً» (أفسس 4: 26، 27).

  4. وتهبّ علينا أحياناً عاصفة الشكوك فنسأله: «أما يهمك؟» وهو سؤال شكٍ في محبته، وشكٍ في قيمتنا عنده. إننا لا نتعامل مع خالقٍ فقط، بل نتعامل مع أب. فلنخاطبه ونشكو له، وهذا أجمل ما فعله التلاميذ لأنهم أخذوا شكواهم منه إليه. قصدوه هو لينقذهم من شيء فعله هو! فهو صاحب الرياح التي هبَّت على الأمواج، وهو يجمع رياحه إلى مخازنها، فتهدأ أمواجه، ويطمئن أبناؤه، وتطرح محبتُه الكاملةُ خوفَنا إلى الخارج.

  5. وأحياناً تهب علينا عاصفة الإحساس بالذنب، فيريحنا المسيح بأن يغفر خطايانا ويصالحنا مع الله. فإن كان القلب مُثقلاً بهمّ الخطأ، فاللجوء إليه يغفر الخطية ويصلح العلاقة مع الله.

لم يكن التلاميذ قد عرفوا المسيح بعد. وقد عرَّف المسيح نفسه بأنه ابن الإنسان الذي يُسلَّم إلى أيدي الكهنة ليُصلب ويُقتل، فقال تلاميذه: «حاشا لك يارب». لم يكونوا قد أدركوا رسالته، وكانوا محتاجين إلى مزيد من التعليم، فهم يحتاجون إلى المعرفة الاختبارية «لأَعْرِفَهُ، وَقُّوَةَ قِيَامَتِهِ» (فيلبي 3: 10)، فهذه معرفة الاختبار العميق. «ٱنْمُوا فِي ٱلنِّعْمَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (2 بطرس 3: 18) فنتعلم أن نعرفه وسط مشاكل الحياة وصعوبتها.

ثانياً - المسيح والمعجزة

رأينا المسيح يعلّم ويمشي... يتعب ويستريح... يجوع ويأكل... يفرح ويبكي... يُصلب ويموت ثم يقوم. هنا نراه نائماً على الوسادة في مؤخرة السفينة، فهو الإنسان الكامل. ولكن لو توقفنا عند هذه النقطة نكون قد قلنا نصف الحق. فهذا الإنسان النائم هو أيضاً الإله صاحب السلطان على الطبيعة، استيقظ ليسكّن الرياح ويهدّئ العاصفة. «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (1 تيموثاوس 3: 16) فالمسيح الإنسان الكامل هو إلهٌ كامل، ولو أن جسده حجب ألوهيته، فلم يرها إلا بعض الناس. لكن عمله أظهر قدرته السرمدية ولاهوته لأنه سكَّن الرياح. فلنطبِّق هذه المعلومة الفكرية واقعاً عملياً اختبارياً، ونحن نطمئن إليه، فهو يدبر حاضرنا ومستقبلنا بحسب محبته.

ونرى في هذه المعجزة ثلاث حقائق عن المسيح:

  1. لا ينزعج المسيح من طلباتنا ولكنه ينزعج من نقص إيماننا. وكم هو محب ورقيق، لم يوبخ ضعف الإيمان وسط العاصفة، لكنه هدأ العاصفة ثم وبَّخ. إنه يريد منا أن نطلب. فليكن لنا الإيمان الواثق المطمئن.

  2. ونرى المسيح صاحب السلطان الفوري. استخدم موسى العصا (خروج 14: 15 ، 16 ، 21 ، 26). واستخدم أليشع رداء إيليا (2 ملوك 2: 13 ، 14). أما المسيح كلمة الله فانتهر الريح، وقال للبحر، اسكت! ابكم! فسكنت الريح بأمره، وصار هدوء عظيم.

  3. قد يبدو المسيح لنا نائماً غير مهتم، لكنه مستيقظ لينجي. قد نشكو منه وله، ولكنه لا يفعل شيئاً يمكن أن نشتكي منه على المدى البعيد. إن شكوى اليوم هي موضوع شكر الغد.

فلنكلم الرب ونتَّجه إليه، نلتحم معه ونثبت فيه لنجد البركة عنده.

صلاة

أبانا السماوي، بحر حياتنا هادئ أحياناً، هائج أحياناً أكثر. ولكننا في وسط هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبّنا محبةً كبحرٍ بلا قرار. والفضل كله لك، لأنك أحببتنا أولاً، ففي حبك نطمئن، وعلى رحمتك نستند ونستريح. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. ما هي الأسماء الثلاثة لبحيرة طبرية؟

  2. لماذا طلب المسيح من التلاميذ عبور البحيرة؟

  3. ماذا فعل أصحاب القوارب الصغيرة؟

  4. متى وبَّخ المسيح ضعف إيمان التلاميذ؟

  5. كيف يهدئ المسيح فينا عاصفة الحزن على موت عزيز؟

  6. كيف يهدئ المسيح فينا عاصفة الشكوك؟

  7. كيف يهدئ المسيح فينا عاصفة الإحساس بالذنب؟

المعجزة الثانية عشرة شفاء اللجئون

1 وَجَاءُوا إِلَى عَبْرِ ٱلْبَحْرِ إِلَى كُورَةِ ٱلْجَدَرِيِّينَ. 2 وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ ٱسْتَقْبَلَهُ مِنَ ٱلْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، 3 كَانَ مَسْكَنُهُ فِي ٱلْقُبُورِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلا بِسَلاسِلَ، 4 لأَنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيراً بِقُيُودٍ وَسَلاسِلَ فَقَطَّعَ ٱلسَّلاسِلَ وَكَسَّرَ ٱلْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُذَلِّلَهُ. 5 وَكَانَ دَائِماً لَيْلاً وَنَهَاراً فِي ٱلْجِبَالِ وَفِي ٱلْقُبُورِ، يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِٱلْحِجَارَةِ. 6 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ رَكَضَ وَسَجَدَ لَهُ، 7 وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ ٱلْعَلِيِّ! أَسْتَحْلِفُكَ بِٱللّٰهِ أَنْ لا تُعَذِّبَنِي!» 8 لأَنَّهُ قَالَ لَهُ: «ٱخْرُجْ مِنَ ٱلإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا ٱلرُّوحُ ٱلنَّجِسُ». 9 وَسَأَلَهُ: «مَا ٱسْمُكَ؟» فَأَجَابَ: «ٱسْمِي لَجِئُونُ، لأَنَّنَا كَثِيرُونَ». 10 وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيراً أَنْ لا يُرْسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ ٱلْكُورَةِ. 11 وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ ٱلْجِبَالِ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ ٱلْخَنَازِيرِ يَرْعَى، 12 فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ ٱلشَّيَاطِينِ قَائِلِينَ: «أَرْسِلْنَا إِلَى ٱلْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا». 13 فَأَذِنَ لَهُمْ يَسُوعُ لِلْوَقْتِ. فَخَرَجَتِ ٱلأَرْوَاحُ ٱلنَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي ٱلْخَنَازِيرِ، فَٱنْدَفَعَ ٱلْقَطِيعُ مِنْ عَلَى ٱلْجُرْفِ إِلَى ٱلْبَحْرِ - وَكَانَ نَحْوَ أَلْفَيْنِ، فَٱخْتَنَقَ فِي ٱلْبَحْرِ. 14 وَأَمَّا رُعَاةُ ٱلْخَنَازِيرِ فَهَرَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي ٱلْمَدِينَةِ وَفِي ٱلضِّيَاعِ، فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. 15 وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَنَظَرُوا ٱلْمَجْنُونَ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ ٱللَّجِئُونُ جَالِساً وَلابِساً وَعَاقِلاً، فَخَافُوا. 16 فَحَدَّثَهُمُ ٱلَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ جَرَى لِلْمَجْنُونِ وَعَنِ ٱلْخَنَازِيرِ. 17 فَٱبْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ. 18 وَلَمَّا دَخَلَ ٱلسَّفِينَةَ طَلَبَ إِلَيْهِ ٱلَّذِي كَانَ مَجْنُوناً أَنْ يَكُونَ مَعَهُ، 19 فَلَمْ يَدَعْهُ يَسُوعُ، بَلْ قَالَ لَهُ: «ٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ ٱلرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ». 20 فَمَضَى وَٱبْتَدَأَ يُنَادِي فِي ٱلْعَشْرِ ٱلْمُدُنِ كَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوعُ. فَتَعَجَّبَ ٱلْجَمِيعُ (مرقس 5: 1-20).

(وردت المعجزة أيضاً في متى 8: 28-34 ولوقا 8: 26-39).

شفى المسيح اللّجئون على ما روى القديس متى في كورة الجرجسيين، وعلى ما روى القديسان مرقس ولوقا في كورة الجدريين. وليس في ذلك تناقض، فعلى بُعد عشرة كيلومترات من بحيرة طبرية قامت مدينتان كبيرتان، هما مدينة جَدَرة ومدينة جرجسة، فأطلق البعض على المنطقة اسم مدينة منهما، وأطلق الآخرون اسم المدينة الأخرى. فالكورة إذاً هي كورة الجدريين، أو كورة الجرجسيين!

وقال القديس متى إن المسيح شفى مجنونَيْن، بينما ذكر مرقس ولوقا أنه شفى مجنوناً واحداً. وليس في هذا تناقض. فالحقيقة هي أن المسيح شفى مجنونين، ذكرهما متى، ولكن مرقس ولوقا اكتفيا بذكر الأشهر منهما. ولو أن متى قال إن المسيح شفى مجنونين، وقال مرقس ولوقا إنه لم يشفِ إلا مجنوناً واحداً، لكان هذا تناقضاً.

في هذه المعجزة نجد شفاء مجنون، جعله المسيح عاقلاً. كان مسكوناً بشياطين كثيرة، فسكن المسيح قلبه! وعندما نقرأ المعجزة في الإنجيل نرى عمل الله مكتوباً في التاريخ، وعندما يعمل الروح القدس فينا نرى عمله مكتوباً في قلوبنا! وتقدم لنا الكلمة المقدسة في هذه المعجزة المسيح المخلِّص الذي صالح المجنون مع نفسه ومع مجتمعه. وعندما نواجه المسيح ويواجهنا يغيّر حياتنا إلى الأفضل والأسمى، فيصبح ما جرى تاريخياً، اختبارنا اليومي الواقعي. وما أحوجنا إلى المصالحة به مع نفوسنا، ومع مجتمعنا.

أولاً - المحتاج والمعجزة

1 - مسكون بفرقة أبالسة

أطلق المحتاج للمعجزة على نفسه لقب «لجئون» وهو اسم فرقة أو كتيبة من الجنود الرومان يبلغ عددها ستة آلاف جندي. وقد جاءت نفس الكلمة في رسالة أفسس 6: 12 فتُرجمت «أجناد الشر الروحية». كان هذا الرجل مسكوناً بفرقة كاملة من الأبالسة. ولو كان جنون الرجل جنوناً عادياً لما هلكت الخنازير نتيجة شفائه، ولكن جنونه كان نتيجة وجود الشياطين فيه.

2 - نتيجة هذه السُّكنى:

  1. كانت النتيجة الأولى أنه عذَّب نفسه، لأن سُكنى الأرواح الشريرة فيه جعله يفقد عقله السليم وتفكيره المنطقي، فاغترب عن نفسه وسكن القبور، يعذّب نفسه ويجرحها بالحجارة. لقد أصاب انفصام الشخصية هذا المسكين، فرأينا فيه شخصيتين متناقضتين، إحداهما جعلته يسجد أمام المسيح، والأخرى جعلته يصرخ: «مالي ولك يا يسوع ابن الله العلي، أستحلفك بالله أن لا تعذبني». فالإنسان البعيد عن الرب يجد في داخله خراباً وحرباً أهلية كما نقرأ في رومية 7 وغلاطية 5 عن الطبيعتين الموجودتين فينا. هذا التناقض يكون بين الجسد والروح، فالروح يشتهي ضد الجسد والجسد يشتهي ضد الروح، وهذان يقاوم أحدهما الآخر، حتى يجد الإنسان نفسه يفعل ما لا يريد! (غلاطية 5: 17).

    لقد كان الرجل المسكين مضغوطاً بين أشواقه للشفاء والخلاص، ورغبة ساكنيه من الأبالسة!

  2. وكان هذا الرجل المغترب عن نفسه مغترباً أيضاً عمَّن حوله. لقد هاجم أهل الكورة، فلم يعاملوه كمريض مسكين، بل كحيوانٍ هائج ووحشٍ كاسر، فقيَّدوه بالسلاسل. وعندما تدخل الخطية حياتنا تجعلنا غرباء عن أنفسنا وعن المحيطين بنا. وعندما نريد أن نكون صالحين تجعلنا الخطية نكره أنفسنا والآخرين.

    كتب آدم أول قصيدة شعرية في العالم يتغزّل بها في حواء، فقال: «هٰذِهِ ٱلآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هٰذِهِ تُدْعَى ٱمْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ ٱمْرِءٍ أُخِذَتْ» (تكوين 2: 23) ولكن عندما دخلت الخطية قلبه انقلب هذا الشاعر ضد المرأة التي أحبها، وقال للرب: «المرأة التي أعطيتَني» وألقى عليها اللوم كله، مع أنه مسؤول مثلها تماماً، ثم أنه هو قائد البيت ورب الأسرة. هكذا يدخل الشيطان حياة الإنسان فيملأه بسوء الطبع والكبرياء والخداع والكذب، فتتمزق رُبط الإنسان بالمحيطين به.

  3. وكانت نتيجة سكنى الأبالسة فيه أنه ابتعد عن المسيح، ولما رآه قادماً نحوه حاول أن يؤذيه. لقد ابتعد الرجل عن الصفات التي أرادها المسيح له، كما ابتعد عن فكر المسيح ومعرفته وتأثيره وبركته، فلم يحقق انتظارات المسيح منه. لقد جاء المسيح ليمنحه حياةً فضلى، فإذا به يسكن القبور، يؤذي نفسه وغيره، وينفصل عن الأعمال الصالحة التي سبق الله فأعدَّها له ليسلك فيها.

  4. ولكن الرجل سرعان ما تغيَّر تماماً عندما تعامل المسيح معه، فعمل المسيح به ما عمله بشاول الطرسوسي، الذي كان يقف ذات موقفه ويرفس مناخس، يؤذي نفسه ويؤذي الكنيسة في نفس الوقت، فواجهه المسيح وغيَّره وأعطاه حياةً جديدة. (قصة تغيير شاول موجودة في أعمال 9 و22 و26).

    تُرى هل يختار الإنسان الله، أو هل يختار الله الإنسان؟ نجد الفكرتين في الكتاب المقدس: الله يختار الإنسان لأنه سبحانه يأخذ زمام المبادرة، والإنسان يستجيب لهذا الاختيار الإلهي. الله يأخذ الخطوة الأولى والإنسان يقوم بالخطوة الثانية. ولما كان الإنسان ميتاً بالذنوب والخطايا فإنه يعجز عن أن يأخذ الخطوة الأولى ليتوب، كما أنه لا يُدرك أن الروح القدس هو الذي يحيي الميت. ولكن روح الله يعمل في الميت فيستجيب لعمل الروح، ويتحقق فيه القول الرسولي: «ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (2كورنثوس 5: 19).

    وما أكثر الوسائل التي يستعملها المسيح ليردَّ النفس إلى سُبل البر «مِنْ أَجْلِ ٱسْمِهِ» (مز 23: 3). وما أعظم التغيير الذي جرى للمجنون، فقد أصبح عاقلاً ولابساً وجالساً، يستمع للمسيح الذي شدَّ قلبه لحبّه بقدرته المخلِّصة. وهذا ما يحدث معنا، فيدخل العقلُ رؤوسنا لأننا نفكر بفكر المسيح الذي هو لخيرنا، ونجلس بعد طول جريٍ لأننا مطمئنون وقد طردت محبته الكاملة خوفنا إلى خارج، ونلبس رداء البر وثوب الخلاص.

  5. أما قمة ما حدث مع هذا الرجل فهو أن الرب اختاره رسولاً له، يحمل بشارة الخلاص لأهله. لقد أراد أن يتبع المسيح، ولكنه قال له: «اذهب إلى بيتك وأهلك، وخبِّر كم صنع الرب بك ورحمك». كان أهله يخافونه، فربطوه بالقيود، ولكنه كان يحطمها، ويجري ليفتك بهم. والآن وبعد شفائه، يذهب إليهم، لا ليُخيفهم، بل ليطمئنهم. وهم لا يجرون منه، لكن يَجْرون معه إلى المخلّص الذي عرفه.

لقد كان تكليف المسيح له أن يبشر أهله، وكانت رغبته بخلاف تكليفه. غير أن قمة سعادتنا هي أن تتوافق رغباتنا مع أوامر المسيح بتكليفنا. ما أجمل أن يلمس المسيح حياتنا، ثم يكلّفنا أن نكون رسله، نحكي عنه أعظم رسالة، لأنه يضع في أفواهنا أجمل بشرى «إنجيل المسيح».

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

كنا نظن أن أهل المنطقة يسعدون بشفاء المسكون الذي كان يقطع عليهم الطريق، فقد كانت في شفائه فائدة لهم. وكنا نظن أن شفاءه سيفرحهم لأن بؤس المجنون الذي طالما مزّق نفسه قد انتهى. ولكن المؤسف أنهم لم يفرحوا ولم يسعدوا، لأنهم اتّجهوا بفكرهم إلى ما هو أقل أهمية من ذلك كله: إلى قطيع الخنازير الذي اندفع إلى البحر ومات!

هذه واحدة من معجزتين أجراهما المسيح نتج عنهما ضرر: عندما لعن التينة، وهذه، عندما أهلك الخنازير.

ونحن نتساءل: لماذا أهلك الخنازير؟ أما كان يستطيع أن يحفظ هذه الثروة الحيوانية، بالإضافة إلى معجزة الشفاء؟

نعم كان يستطيع. ولكن هناك قصداً سماوياً:

  1. فإهلاك الخنازير ينبّه الناس أن تربيتها كسرٌ لشريعة موسى (تثنية 14: 8) فيشفيهم من العصيان ومن محبتهم للمال ومن التفكير الجسدي الذي خلا من الرحمة نحو المسكون الذي شُفي، بالإضافة إلى إنقاذ الرجل من مرضه. لقد أحبوا أعمالهم الدنيوية أكثر من محبتهم للبائس المريض، ولا يقدر أحد أن يخدم سيدين. فلم يقدر هؤلاء أن يخدموا الله والمال (متى 6: 24).

  2. بإهلاك الخنازير كشف المسيح لأهل المنطقة قوة الشيطان الرهيبة، كما يظهر ذلك من أثرها في إهلاك الخنازير. وكان المنتظر أن هلاك الخنازير يكشف لأهل المنطقة خطورة العبودية لإبليس، ورعب الهلاك، فيلجأون للمخلّص الوحيد القادر أن ينقذهم من سلطة إبليس المُهلكة.

  3. للمسيح الحق أن يستخدم الوسائل الرمزية لإعلان حقه. لقد لعن شجرة تين فيبست (متى 21: 20) ليدين النفاق. وهنا أدان النجاسة. فقد اعتبر الناس في ذلك العصر الخنازير رمزاً للشهوات والفساد، كما نعتبر الثعلب في زمننا رمزاً للمكر والخداع. وقد نظر اليهود للخنازير نظرة احتقار، بسبب الضرر الصحي لأكل لحومها، والضرر الطقسي حسبما علَّمت شريعة موسى، ثم لشراستها الوحشية، وكانوا يشبّهون السكير بالخنزير المتمرّغ في الوحل القذر.

ولما وجدت الخنازير نفسها تحت سلطة الشياطين اندفعت للهلاك تحت تأثير الفزع والخوف، فأهلكت نفسها. فلا يكون المسيح هو الذي أهلكها. إن ثقل الأبالسة أهلك ألفي خنزير - فكم كانت وطأة نفوذهم على المريض المسكين؟ الخطية خاطئة جداً، وكل قتلاها أقوياء.

ثالثاً - المسيح والمعجزة

  1. المسيح دائماً في حالة عمل: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» (يوحنا 5: 17). عَبَر بحيرة طبرية إلى كورة الجدريين ليلتقي بهذا الرجل المسكين ليشفيه.

    كلما رأينا الشر في العالم يتفشَّى ويسيطر، نظن أن الله لا يعمل في أرضنا. قال بنو إسرائيل في أيام صفنيا: «ٱلرَّبَّ لا يُحْسِنُ وَلا يُسِيءُ» (1: 12) لأنهم وجدوا الأشرار ناجحين والمؤمنين مجرَّبين. ولكن ليكن لنا ملء الثقة في أن الله يحسن، وأن ملكوت الله في حالة تعبئة مستمرة. كما أن الله يسيء بأن يعاقب على الشرور.

    ذهب المسيح إلى حيث كان المريض، كالراعي الصالح الذي يفتش على الواحد الضال إلى أن يجده.

    ثم عمل المسيح في المسكون الذي نال الشفاء، فأرسله ليعمل ويكرز ويعلن الخبر المفرح.

  2. جاء المسيح ليضع كل واحد في حالة حركة. قالت الشياطين له: «ما لنا ولك يا يسوع ابن الله؟ أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذّبنا؟» والمسيح يقول إنه عندما يجيء الأقوى فإنه يقيّد القوي وينهب أمتعته (متى 12: 29). عندما يستولي إبليس «القوي» على حياة إنسان، يجعله «شيئاً» لا قيمة له، ويُضيّع إنسانيته. ولكن المسيح «الأقوى» يقيّد إبليس، وينقذ الفريسة، ويجعل الإنسان الذي نال الشفاء في حالة حركة لمجد الله، مضادة للحالة الأولى التي كان فيها!

    لقد جعل المسيح المشفيّ في حالة حركة. جعله يسجد له، ووهبه الشفاء، ثم أرسله إلى أهله. فعندما يدخل المسيح حياتنا يدفعنا لنخدمه. عندما ننال الخلاص نكون قد بدأنا بداية عظيمة تتطلَّب منا تكريساً مستمراً بعد ذلك، لأننا نضع وقتنا ومالنا وأجسادنا ذبيحة حية مقدسة مرْضيّة على مذبح تكريسه. فنصبح دوماً تحت تصرف المسيح.

  3. وأخيراً نرى المسيح يوافق على طلب الأبالسة وأصحاب الخنازير، بينما يرفض طلب المريض الذي نال الشفاء!

  1. طلب الأبالسة منه ألاّ يصرفهم من الكورة فوافق. ولا ندري الحكمة من طلبهم هذا. ترى هل أرادوا أن يبقوا في تلك المنطقة ليهيّجوا أهلها ضد المسيح؟ نحن نعلم أن للشياطين فرصةً للعمل في الأرض حتى يوم الدينونة (رسالة يهوذا آية 6). ويظهر أن لكل جماعة منها مكاناً للعمل، تعرف عادات أهله وضعفاتهم، وتهاجمهم منها. وقد أذِنَ لهم المسيح بذلك ليوضح أن «غَضَبَ ٱلإِنْسَانِ يَحْمَدُكَ. بَقِيَّةُ ٱلْغَضَبِ تَتَمَنْطَقُ بِهَا» (مز 76: 10). وأذِنَ لهم ليوضح شدَّة ردائتهم، وعظمة إنقاذه للرجل الذي خلَّصه من براثنهم.

    ووافق على طلب أهل الكورة أن يخرج من بلدهم ويذهب عنهم. لعلهم كرهوا أن يبكتهم المسيح على باقي خطاياهم، فطلبوا أن يبتعد عنهم «لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ٱلسَّيِّآتِ يُبْغِضُ ٱلنُّورَ، وَلا يَأْتِي إِلَى ٱلنُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ» (يوحنا 3: 20). فتمَّ ما قاله الله على فم النبي هوشع: «وَيْلٌ لَهُمْ أَيْضاً مَتَى ٱنْصَرَفْتُ عَنْهُمْ» (هوشع 9: 12).

  2. لكن المسيح رفض طلب الرجل الذي شُفي في أن يصاحبه ويكون معه، لأنه أراد له أن يشهد عن نعمة المسيح لأهل بلده الذين رفضوا المسيح!

أليس غريباً أن يقبل المسيح طلب الشياطين وأهل الكورة، ويرفض طلب الشخص الذي نال الشفاء؟

إن الله لا يجبر أحداً على اتِّباعه، فلا إجبار في المحبة، لكن هناك تكليفٌ لأولاد الله. فعندما تتواجد في القلب رغبة تتعارض مع التكليف السماوي يرفضها المسيح، لأنه يريدنا أن نتمم تكليفه لنا ليتقدم الملكوت، فإن الله لن يكلّف الغرباء لخدمة ملكوته، بل يكلف أبناءه.

ليعطنا الله أن نحقق قصده وسط عائلتنا، وفي بيوتنا ومجتمعنا المحتاج إلى بشارة الخلاص.

صلاة

أبانا السماوي، يا من ينشغل قلبك بنا في كل ظروفنا، نشكرك. يا من يتحرك قلبك لمعاناتنا ومآسينا وعبوديتنا، نشكرك. أنت تجيء إلينا عندما يَضِيع منّا التفكير السليم فتُعيد إلينا الصحة التي ضيَّعتها منّا الخطية. فتوِّبنا إليك لنتوب، وأرجِعنا إليك فنرجع. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. ما تفسيرك لقول متى إن المسيح شفى لجئون في كورة الجرجسيين بينما قال مرقس ولوقا إنه شفاه في كورة الجدريين؟

  2. لماذا اطلق المجنون على نفسه اسم «لجئون»؟

  3. كيف اغترب «لجئون» عن نفسه، وكيف اغترب عن مجتمعه؟

  4. ما هي أول قصيدة شعرية في العالم؟ وماذا جعل صاحبها يغيّر رأيه في ما قاله؟

  5. لماذا أهلك المسيح الخنازير؟

  6. ما هي الحركة الجديدة التي خلقها المسيح في اللجئون الذي شُفي؟

  7. ما هو التكليف الذي تعتقد أن الله كلفك به؟

المعجزة الثالثة عشرة إقامة ابنة يايرس

21وَلَمَّا ٱجْتَازَ يَسُوعُ فِي ٱلسَّفِينَةِ أَيْضاً إِلَى ٱلْعَبْرِ ٱجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ. وَكَانَ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ. 22وَإِذَا وَاحِدٌ مِنْ رُؤَسَاءِ ٱلْمَجْمَعِ ٱسْمُهُ يَايِرُسُ جَاءَ. وَلَمَّا رَآهُ خَرَّ عِنْدَ قَدَمَيْهِ. 23وَطَلَبَ إِليهِ كَثِيراً قَائِلاً: «ٱبْنَتِي ٱلصَّغِيرَةُ عَلَى آخِرِ نَسَمَةٍ. لَيْتَكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا لِتُشْفَى فَتَحْيَا». 24فَمَضَى مَعَهُ، وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَكَانُوا يَزْحَمُونَهُ.

35وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ جَاءُوا مِنْ دَارِ رَئِيسِ ٱلْمَجْمَعِ قَائِلِينَ: «ٱبْنَتُكَ مَاتَتْ. لِمَاذَا تُتْعِبُ ٱلْمُعَلِّمَ بَعْدُ؟» 36فَسَمِعَ يَسُوعُ لِوَقْتِهِ ٱلْكَلِمَةَ ٱلَّتِي قِيلَتْ، فَقَالَ لِرَئِيسِ ٱلْمَجْمَعِ: «لاَ تَخَفْ. آمِنْ فَقَطْ». 37وَلَمْ يَدَعْ أَحَداً يَتْبَعُهُ إِلاَّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَا يَعْقُوبَ. 38 فَجَاءَ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ ٱلْمَجْمَعِ وَرَأَى ضَجِيجاً، يَبْكُونَ وَيُوَلْوِلُونَ كَثِيراً. 39فَدَخَلَ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تَضِجُّونَ وَتَبْكُونَ؟ لَمْ تَمُتِ ٱلصَّبِيَّةُ لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ». 40فَضَحِكُوا عَلَيْهِ. أَمَّا هُوَ فَأَخْرَجَ ٱلْجَمِيعَ، وَأَخَذَ أَبَا ٱلصَّبِيَّةِ وَأُمَّهَا وَٱلَّذِينَ مَعَهُ وَدَخَلَ حَيْثُ كَانَتِ ٱلصَّبِيَّةُ مُضْطَجِعَةً، 41وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا وَقَالَ لَهَا: «طَلِيثَا قُومِي!» (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا صَبِيَّةُ، لَكِ أَقُولُ قُومِي). 42وَلِلْوَقْتِ قَامَتِ ٱلصَّبِيَّةُ وَمَشَتْ، لأَنَّهَا كَانَتِ ٱبْنَةَ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. فَبُهِتُوا بَهَتاً عَظِيماً. 43فَأَوْصَاهُمْ كَثِيراً أَنْ لاَ يَعْلَمَ أَحَدٌ بِذَلِكَ. وَقَالَ أَنْ تُعْطَى لِتَأْكُلَ.(مرقس 5: 21-24 و35-43).

( وردت المعجزة أيضاً في متى 9: 18-26 و لوقا 8: 41-56).

شهدت مدينة كفرناحوم كثيراً من معجزات السيد المسيح، وهذه المعجزة (إقامة ابنة يايرس من الموت) حدثت في هذه المدينة.

لقد أقام المسيح ثلاثةً من بين الأموات في أماكن مختلفة وبعد أزمنة مختلفة من موتهم. أقام ابنة يايرس في البيت، وأقام ابن أرملة نايين عند باب المدينة وذلك في ذات يوم الوفاة. وأقام لعازر من بين الأموات، من القبر، بعد أربعة أيام من موته.

وهذه المعجزات الثلاث تُرينا ثلاث حالاتٍ للنفس الخاطئة البعيدة عن المسيح. الأولى نفسٌ خاطئة من الداخل، خطَأها في «البيت» لا يراه الذين هم من خارج، ولكنها ميتة بذنوبها وخطاياها، تحتاج لأمر المسيح «طليثا قومي».

والحالة الثانية نفسٌ خاطئة «في باب المدينة» خطاياها ظاهرة للجميع، مثل خطايا اللسان أو الأذن أو اليد أو العين. وهي نفسٌ تحتاج لأمر المسيح: «أيها الشاب، لك أقول: قُمْ».

وتتطور خطية الإنسان إلى الحالة الثالثة، إذ تصبح منتنة، عفنة، مزمنة، يراها الجميع. وهي مثل حالة لعازر الذي كان له في القبر أربعة أيام. وهي نفسٌ تحتاج لأمر المسيح: «هلم خارجاً».

وفي الحالات كلها نرى المسيح مقيم الموتى وباعث الحياة، لأنه الطريق والحق والقيامة والحياة.

أولاً - المحتاج والمعجزة

1 - المحتاج الأصلي:

هو الابنة التي ماتت. قال إنجيل متى إن يايرس قال للمسيح إنها «ماتت» ولكن إنجيل مرقس يقول إن يايرس قال: «ابنتي الصغيرة على آخر نسمة» ويصف إنجيل لوقا حالتها بأنها «كانت في حال الموت». والحقيقة هي أنه عندما ترك يايرس بيته كانت على وشك الموت، وعندما وصل إلى المكان الذي كان المسيح فيه لم يكن يدري إن كانت ابنته حيةً أو ماتت. فوصفها مرة بأنها ماتت، ومرة أخرى بأنها على وشك الموت، فقال: «ابنتي الصغيرة على آخر نسمة. ليتك تأتي وتضع يدك عليها لتُشفى فتحيا». وكلمة «لتُشفى» لأنها مريضة، وكلمة «لتحيا» لأنها ماتت. فالرجل لم يكن متأكداً من حالة ابنته، فتحدَّث مرة عن خطورة حالتها وطلب شفاءها، ومرة أخرى تحدث عن موتها.

في مرات كثيرة يكون المحتاج للمسيح عاجزاً عن أن ينطق أو يعبّر عن احتياجه، مثل حالة ابنة يايرس، فيسخّر الرب شخصاً آخر ينوب عنه في توضيح حالته. وهناك خاطئ يعلم أنه يحتاج لرحمة المسيح. والخطاة الذين لا يدركون خطيتهم أخطأوا كثيراً فيئسوا من رحمة الرب، أو أن عيونهم عميت عن رؤية خطاياهم، ولذلك يحتاجون إلى شخص يبسط احتياجهم ويعلنه أمام عرش الرب.

فليعطنا الله النعمة لنعبّر عن حاجة الناس إلى المسيح، فنحدّثهم عن الرب، ونحدّث الرب عنهم بأن نصلي لأجلهم.

2 - المحتاج الثاني:

  1. يايرس الكليم: كان يايرس المحتاج الثاني للمعجزة، وهو الذي عبَّر عن حاجة المحتاج الأول. ويايرس هو الاسم اليوناني للاسم العبري «يائير» (كما أن إلياس هو الاسم اليوناني للاسم العبري إيليا، ويونس هو الاسم اليوناني للاسم العبري يونان). ومعنى اسم «يايرس» في العبرية «ينير» وكان اسماً لأحد القضاة المعروف بيائير الجلعادي.

  2. يايرس الذي رأى فآمن: كان يايرس رئيس مجمع اليهود في كفرناحوم، وكان للمجمع أكثر من رئيس. ولعل يايرس كان واحداً من الذين توجّهوا للمسيح، نيابة عن قائد المئة الذي يحب اليهود وقد بنى لهم المجمع، طالبين شفاء عبد قائد المئة (لوقا 7: 3). ورأى يايرس معجزة شفاء المريض، وقد شفاه المسيح من على بُعد، فأدرك قوة سلطان المسيح. وعندما فشلت محاولات الأطباء في مساعدة ابنته المريضة، قرر أن يذهب شخصياً ليخبر المسيح عن ابنته الوحيدة ذات الاثنتي عشرة سنة المشرفة على الموت.

  3. يايرس العاجز الحزين: في مرات كثيرة يحاصرنا الرب بموقفٍ قاسٍ أو مأزق صعب، لا نجد لنا طريقاً للخروج منه إلا باللجوء إلى المسيح. ومن محبة الرب أنه يُدخلنا في ضيق ويُشعرنا بالعجز لنلجأ لمراحمه الإلهية. فالحزن والعجز وسيلتان يستخدمهما الرب لخيرنا دائماً.

  4. يايرس المؤمن المتواضع: تصرَّف يايرس تصرف المتواضع مع المسيح، و «لما رآه خرَّ عند قدميه» في وقتٍ كان رجال الدين اليهود يرون في المسيح مجرد واعظ شعبي لم يتلقَّ التعليم اللاهوتي الذي يسمح له أن يحمل لقب «مُعلم». فكيف يسجد يايرس المثقف المتعلّم عند قدمي واعظٍ شعبي من الناصرة؟ - إنه التواضع.

  5. وتصرف يايرس تصرّف المؤمن بالمسيح فقال له: «ليتك تأتي وتضع يدك عليها لتُشفى فتحيا». لأنه رأى من قبل معجزاتٍ أجراها المسيح في كفرناحوم.

  6. وتصرَّف تصرُّف اللَّجوج «طلب إليه كثيراً». فقد كان حزنه على ابنته ملحّاً، فألحَّ على المسيح في الطلب.

  7. غير أننا نراه يتصرَّف تصرُّف الشجاع، إذ سجد للمسيح وطلب منه أمام الشعب، في وقت كان رؤساء اليهود قد صمّموا على قتل المسيح، لأن محبته لابنته دفعته لذلك.

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

1 - أصدقاء يايرس:

بينما كان يايرس يتكلم جاء أصدقاؤه من داره قائلين: «ٱبْنَتُكَ مَاتَتْ. لِمَاذَا تُتْعِبُ ٱلْمُعَلِّمَ بَعْدُ؟» (مرقس 5: 35). و لم يكن الأصدقاء كاذبين، بل كانوا ينقلون خبراً صحيحاً. لكن الحكم الذي أصدروه كان خاطئاً «لماذا تُتعب المعلم بعد؟» فالمعلم لا يتعب من عمل الخير، وليس الأمر «بعد» بمعنى أنه مضى، فما زال المسيح هو ربّ الماضي والحاضر والمستقبل. وأسرع المسيح يشجع يايرس بكلماته التي بعثت الأمل إلى قلبه بعد أن أضاعه أصدقاؤه، وقال له: «لا تَخَفْ. آمِنْ فَقَطْ» (مرقس 5: 36).

كثيراً ما نسمع من المحيطين بنا كلمات منطقية، لكنها لم تأخذ المسيح في الاعتبار، فتصيبنا أحكامهم باليأس والمرارة. ولكن شكراً لله، لأن المسيح يعيد إلينا الثقة ويبعث في نفوسنا الرجاء.

2 - النائحات المأجورات:

«فَجَاءَ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ ٱلْمَجْمَعِ وَرَأَى ضَجِيجاً. يَبْكُونَ وَيُوَلْوِلُونَ كَثِيراً» (مرقس 5: 38). ويقول متى: «وَلَمَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى بَيْتِ ٱلرَّئِيسِ، وَنَظَرَ ٱلْمُزَمِّرِينَ وَٱلْجَمْعَ يَضِجُّونَ، قَالَ لَهُمْ: تَنَحَّوْا»(متى 9: 23 و24). وكانت العادة استئجار نادبات وموسيقيين للبكاء على الأموات، وكان هناك عدد كبير منهم في بيت يايرس، يعزفون ألحاناً محزنة، ويردّدون أشعار رثاءٍ ونَدْبٍ ليثيروا مشاعر الحزن بتمزيق الثياب واللَّطم. وعندما قال المسيح لهم إن الصبيّة لم تمت لكنها نائمة انتقلوا من الحزن والبكاء إلى الضحك والسخرية من المسيح. فلم يكن حزنهم صادقاً، بل مأجوراً. كانوا معزّين متعبين. ما أقسى المشاعر الجوفاء لبعض المحيطين بصاحب كل موقف صعب.

ولم يعلن المسيح مجده أمام هؤلاء المأجورين بل أخرجهم جميعاً. فما أبعد الساخرين عن التوبة وعن الإيمان!

3 - التلاميذ تحت التدريب:

كان بطرس ويوحنا ويعقوب ضمن مشاهدي هذه المعجزة، وهم نفس الثلاثة الذين اصطحبهم المسيح معه على جبل التجلي (مرقس 9: 2)، وأخذهم معه في بستان جثسيماني (مرقس 14: 33) لأنه كان يدرّبهم تدريباً مكثَّفاً ليدرّبوا بدورهم بقية التلاميذ، وهكذا تنتقل المعرفة عن قوة وسلطان ومحبة المسيح إلى عدد أكبر من الناس. وحتى يومنا هذا نسمع: «وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاساً أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضاً»(2تيموثاوس 2: 2).

ثالثاً - المسيح والمعجزة

1 - المسيح المحب:

قبل إجراء معجزة إقامة ابنة يايرس في كفرناحوم كان المسيح قد شفى رجلاً يابس اليد في مجمع كفرناحوم، وكان اليوم سبتاً لا يعمل اليهود فيه «فَخَرَجَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ لِلْوَقْتِ مَعَ ٱلْهِيرُودُسِيِّينَ وَتَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ» (مرقس 3: 6) لأنه كسر وصية حفظ السبت. ولا بد أن يايرس، رئيس مجمع كفرناحوم، كان ضمن هؤلاء القادة. ولم يضع المسيح في اعتباره تآمر يايرس وزملائه السابق عليه، مع أنه كان يمكن أن يقول له: «لما كانت الأمور تسير سهلةً معك كنت تريد قتلي، والآن وقد ساءت الأمور معك، لماذا تلجأ إليَّ؟». لكن ليس هذا هو المسيح، لأنه المحب، الذي لا نسمع منه رفضاً عندما تسوء حالتنا. فنحن نسرع إليه نشكو حالنا، ولكن عندما تتحسّن الظروف قد نسرع بالابتعاد عنه. غير أنه في الحالتين يقول لنا: «ٱدْعُنِي فِي يَوْمِ ٱلضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي» (مزمور 50: 15)

وفي طريق المسيح إلى بيت يايرس ليقيم ابنته المائتة، اتّجه قلبه المحب إلى محتاجةٍ للشفاء، إلى نازفة دمٍ، دار بينه وبينها حديث ليشجع إيمانها بعد شفائها، وليشجع إيمان يايرس قبل أن يصل إلى بيته ليقيم ابنته. لقد أوقف المسيح موكبه، رغم إلحاح احتياج يايرس، لأن كل أعمال المسيح محبة، فقد جاء ليخدم لا ليُخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين. إن أعمال الرب أعمال محبة مستمرة، وهي سلسلة متَّصلة من لمسات الخير من النبع الذي لا ينضب أبداً.

2 - المسيح المشجِّع:

رأى المسيح شرارة إيمانٍ في قلب يايرس فأضرمها لما قال له: «لا تخف. آمن فقط» يا لروعة المسيح، فهو يزيل آثار كلمات البشر المؤذية للنفس! كما نقرأ في إنجيل متى: «فَلَمَّا خَرَجَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ، فَعَلِمَ يَسُوعُ وَٱنْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعاً. وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لا يُظْهِرُوهُ، لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ ٱلنَّبِيِّ: هُوَذَا فَتَايَ ٱلَّذِي ٱخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي ٱلَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ ٱلأُمَمَ بِٱلْحَقِّ. لا يُخَاصِمُ وَلا يَصِيحُ، وَلا يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي ٱلشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لا يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لا يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ ٱلْحَقَّ إِلَى ٱلنُّصْرَةِ. وَعَلَى ٱسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ ٱلأُمَمِ» (متى 12: 14-21 - مقتبسة من إشعياء 42: 3) فنفخ المسيح في إيمان يايرس الضعيف ليصبح قوياً، بأن شفى نازفة الدم في الطريق، ليشجع ويحيي في يايرس إيماناً كاد أن يموت.

وأطلق الرب على الموت اسم «النوم» وقال: «لَمْ تَمُتْ لٰكِنَّهَا نَائِمَةٌ» (متى 9: 24) وهو نفس وصف الموت في قوله عن لعازر: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لٰكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ» (يوحنا 11: 11).

إن معنى كلمة «مقبرة» في اللغة اليونانية «مكان النوم». فهذا الذي تمنّاه اليونانيون ولم يحقِّقوه، حقّقه المسيح لنا، ليشجعنا لننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي.

3 - المسيح المحيي:

أمسك يد الصبية الميتة، وقال لها: «طليثا قومي» ومعناه «يا صبية لك أقول قومي» وهي الكلمة الرقيقة التي توقظ الأم بها ابنتها من النوم في كل صباح - فيالرقّة المسيح المحيي حتى مع الجثة الميتة!

ويا لرقة المسيح المحيي مع الخاطئ الميت بذنوبه وخطاياه! «تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ ٱلآنَ، حِينَ يَسْمَعُ ٱلأَمْوَاتُ صَوْتَ ٱبْنِ ٱللّٰهِ، وَٱلسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ» (يوحنا 5: 24). فيتحقق معهم قول الرسول بولس: «إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِٱلذُّنُوبِ وَٱلْخَطَايَا... ٱلَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي ٱلرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ ٱلْكَثِيرَةِ ٱلَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، أَحْيَانَا مَعَ ٱلْمَسِيحِ»(أفسس 2: 1-10).

ويا لرقة المسيح المحيي وهو يقيم المؤمن كل يوم من سقطاته وخطاياه حتى «إِذَا سَقَطَ لا يَنْطَرِحُ لأَنَّ ٱلرَّبَّ مُسْنِدٌ يَدَهُ» (مزمور 37: 24). ثم يعطيه ليأكل طعاماً روحياً يسنده ويشبعه، ليسير بقوة تلك الأكلة (1ملوك 19: 8).

ويا لرقّة المسيح المحيي عندما يجيء ثانية «يَسْمَعُ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا ٱلصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا ٱلسَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ ٱلدَّيْنُونَةِ» (يوحنا 5: 28 و29).

فيا أيها القارئ، مُدّ يدك ليد المسيح، ليقيمك من موتك إلى عمل عظيم!

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك من أجل المسيح الذي أقام الموتى، ولا زال يُقيم موتى الخطية بأن يمنحهم الحياة الأبدية بالميلاد الثاني، والذي سيقيم الموتى عند مجيئه ثانيةً ليدين العالم ويجازي كل واحد حسب عمله.

هَبْنا فيه الحياة المتجدّدة، الأبدية. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. من هم الثلاثة الذين أقامهم المسيح من الموت؟

  2. نرى في الثلاثة الذين أقامهم المسيح ثلاث حالات للنفس البعيدة عن المسيح - ما هي؟

  3. كيف تفسّر قول يايرس للمسيح «ابنتي الآن ماتت» بحسب إنجيل متى، و «ابنتي الصغيرة على آخر نسمة» بحسب إنجيل مرقس، و «في حال الموت» بحسب لوقا؟

  4. ما معنى اسم «يايرس»؟

  5. لماذا يسمح الله لنا بمواقف قاسية؟

  6. من هم الذين ضحكوا على المسيح لما قال إن ابنة يايرس «نائمة»؟

  7. اشرح كيف أظهر المسيح محبته ليايرس؟

المعجزة الرابعة عشرة شفاء نازفة الدم

25 وَٱمْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، 26 وَقَدْ تَأَلَّمَتْ كَثِيراً مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ، وَأَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ شَيْئاً، بَلْ صَارَتْ إِلَى حَالٍ أَرْدَأَ - 27 لَمَّا سَمِعَتْ بِيَسُوعَ، جَاءَتْ فِي ٱلْجَمْعِ مِنْ وَرَاءٍ، وَمَسَّتْ ثَوْبَهُ، 28 لأَنَّهَا قَالَتْ: «إِنْ مَسَسْتُ وَلَوْ ثِيَابَهُ شُفِيتُ». 29 فَلِلْوَقْتِ جَفَّ يَنْبُوعُ دَمِهَا، وَعَلِمَتْ فِي جِسْمِهَا أَنَّهَا قَدْ بَرِئَتْ مِنَ ٱلدَّاءِ. 30 فَلِلْوَقْتِ ٱلْتَفَتَ يَسُوعُ بَيْنَ ٱلْجَمْعِ شَاعِراً فِي نَفْسِهِ بِٱلْقُّوَةِ ٱلَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ، وَقَالَ: «مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي؟» 31 فَقَالَ لَهُ تَلامِيذُهُ: «أَنْتَ تَنْظُرُ ٱلْجَمْعَ يَزْحَمُكَ، وَتَقُولُ مَنْ لَمَسَنِي؟» 32 وَكَانَ يَنْظُرُ حَوْلَهُ لِيَرَى ٱلَّتِي فَعَلَتْ هٰذَا. 33 وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ فَجَاءَتْ وَهِيَ خَائِفَةٌ وَمُرْتَعِدَةٌ، عَالِمَةً بِمَا حَصَلَ لَهَا، فَخَرَّتْ وَقَالَتْ لَهُ ٱلْحَقَّ كُلَّهُ. 34 فَقَالَ لَهَا: «يَا ٱبْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ. ٱذْهَبِي بِسَلامٍ وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ» (مرقس 5: 25-34).

(وردت المعجزة أيضاً في متى 9: 20-22 ولوقا 8: 43-48).

اعترضت مريضةٌ بنزف الدم لمدة اثنتي عشرة سنة طريق المسيح وهو متَّجه إلى كفرناحوم، إلى بيت يايرس رئيس المجمع ليقيم ابنته من الموت. وقالت في نفسها: «إن مسَسْت ولو ثيابه شُفيت» وهي تظن أن أحداً لن يشعر بتلك اللمسة. ولكن المسيح شعر بها، وأوقف الموكب سائلاً: «من لمسني؟». استنكر تلاميذه هذا السؤال لأن الجمع يزحم المسيح، وليس فقط يلمسه. لكن المسيح عرف أن قوة شفاءٍ خرجت منه استجابةً لإيمان نازفة الدم. وأدركت المرأة أن أمرها قد انكشف، فأقبلت نحوه وسجدت له وقالت له الحق كله، فأنعم عليها بما هو أكثر من مجرد شفاء جسدها. أنعم عليها بالحياة الأبدية وبسلامٍ داخل قلبها. وطوَّبها لأنها نالت منه بركة شفاءٍ لجسدها ونفسها في آنٍ معاً.

في شفاء نازفة الدم نرى المسيح الذي يعمل دوماً ولا يكل، ففي طريقه لإقامة ابنة يايرس قام بشفاء المرأة. ولقد شهد الرسول بطرس لعمل الرب عندما قال لأهل بيت كرنيليوس: «يَسُوعُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلنَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ ٱللّٰهُ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَٱلْقُّوَةِ، ٱلَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْراً وَيَشْفِي جَمِيعَ ٱلْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ ٱللّٰهَ كَانَ مَعَهُ» (أعمال 10: 38).

كما أن المسيح شهد عن نفسه: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» (يوحنا 5: 17). وقال أيضاً: «يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. مَا دُمْتُ فِي ٱلْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 9: 4 ، 5). ولذلك يقول مزمور المصاعد: «إِنَّهُ لا يَنْعَسُ وَلا يَنَامُ... ٱلرَّبُّ حَافِظُكَ» (مزمور 121: 4 ، 5) فالوقت كله عنده نهار، لأنه نور، فلا توجد لديه ظلمة.

أولاً - المحتاجة والمعجزة

1 - حالة نازفة الدم:

  1. مرض جسدي: كان مرضها الجسدي مزمناً، غير قابل للشفاء مدة اثنتي عشرة سنة، مع أنها كانت ترجو طول سنوات مرضها أن تجد علاجاً وتُشفى، ولكنها لم تجد أي دواء لدائها، بل كانت تصير إلى حال أردأ. ووصف الإنجيل نزيفها بأنه «ينبوع دمها» - فقد كان النزيف شديداً. ولكن شكراً لله، فقد التقت بالطبيب الأعظم الشافي.

  2. مرض نفسي: فقد كانت حزينة «تألمت» ويائسة «صارت إلى حال أردأ» وتستحي من الحديث عن مرضها. ترى ماذا كان موقف زوجها منها؟ هل وجدت فيه المعين وقت الشدَّة؟ أو هل تزوّج بغيرها؟ ولو أن هذا حدث، فكم طُعنت في أنوثتها!

  3. مرض طقسي: فقد كانت شريعة موسى ضدها، تمنعها من أن تلمس شخصاً أو شيئاً لئلا تنجّسه. «كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ كُلَّ أَيَّامِ سَيْلِهَا يَكُونُ لَهَا كَفِرَاشِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ ٱلأَمْتِعَةِ ٱلَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا» (لاويين 15: 26). «إِذَا كَانَتِ ٱمْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ، وَكَانَ سَيْلُهَا دَماً فِي لَحْمِهَا، فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى ٱلْمَسَاءِ» (لاويين 15: 19).

  4. فقر اقتصادي: أنفقت كل ما عندها بدون أي فائدة، حتى انهارت كل اقتصادياتها. غالباً لم يعد أحد يمدّ لها يد العون لنفقات العلاج، لأنهم رأوا عدم جدوى ذلك. ولم تكن صحّتها تسمح لها بالعمل، كما لم يكن أي يهودي مستعداً ليكلّفها بأي عمل، حتى لا يتنجس!

وقد نمرّ بمثل هذا الموقف: تكون لدينا مشكلة مزمنة، فتسوء حالتنا النفسية، وربما لا نجد معونة من أي مصدر ديني أو اجتماعي، وإذا الأبواب مُغلقة جميعاً. ولكن لنا رجاء أن باباً آخر مختلفاً عن جميع الأبواب ينفتح لنا على مصراعيه، هو باب السماء، لأن الله يعطي دائماً وأبداً المنفذ مع التجربة.

2 - إيمان نازفة الدم:

كان إيمان السيدة في قدرة المسيح صادقاً، ففكرت في نفسها: «إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ شُفِيتُ» (متى 9: 21). وقد شهد المسيح لها بذلك. كانت كلها أملاً وتصميماً لتتخطى أيَّ صعوبات تحول بينها وبين لقاء المسيح. ومن هذا نرى أن ألم السيدة كان بركة روحية لها، فهو الذي جعلها تتَّجه إلى المسيح لاحتياجها إليه لينقذها ويخلّصها.

قال رجل أعمال اضطرّ أن يرقد على ظهره مدة 45 يوماً: «منذ أكثر من 45 عاماً نسيت الصلاة. لم أكن أخاطب الرب. كنت مشغولاً بحساباتي وأعمالي، فأرقدني الرب على ظهري ليتَّجه بصري إليه وحده، وشفاني». أمين هو الله الذي لا يدعنا نُجرَّب فوق ما نستطيع، لكنه يجرّبنا ليوجّهنا إليه.

3 - نازفة الدم بعد الشفاء:

وبعد الشفاء جاءته خائفة من انتقاد الكتبة، ومن أن تكون قد نجَّست المسيح طقسيّاً. فطمأنها من بعد خوف، وشجَّعها ووهبها فوق ما طلبت!

وجاءته عابدة «فخرَّت» أمامه.

وجاءته معترفة «قالت له كل شيء» وهو الذي من قبل ذلك يعرف كل شيء. فاعترافنا لا يضيف لمعلوماته، ولكنه يساعدنا لننفتح على قداسته.

ثم ذهبت من عنده مخلَّصة بعد أن قال لها: «اذهبي بسلام وكوني صحيحة من دائك». لقد نالت خلاص نفسها فصحَّت من مرض الجسد والنفس معاً.

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

1 - يايرس المتعجِّل:

كان يايرس يواجه كارثة كبرى، فابنته عندما ترك بيته كانت على وشك أن تموت. ولا شك أنه داخل نفسه كان يرفض أن يتوقف المسيح ليسأل: «من لمسني؟». ولا شك أنه انتقد المسيح في قلبه لهذا التصرف، لأنه رأى مشكلته المشكلة الوحيدة في العالم، فهو صاحب مشكلة كبرى تهون أمامها كل مشكلة أقل!

ولكن رب السماء والأرض مِلْكٌ للبشر جميعاً ويوجد في قلبه مكان وفي وقته نصيب لكل شخص. ونحن عندما نقرّب مشكلة من عيوننا لا نرى سواها، ولكن المسيح يريدنا أن نرى الناس من خلال عينيه، وأن نرى العالم من خلال سلطانه، فتعتدل عندنا الرؤيا وينصلح الموقف الفكري، وتأخذ المشاكل حجمها الطبيعي، فلا نعود نهتم بأنفسنا فقط ولكن بالآخرين أيضاً. فعند المسيح ما يكفي الجميع. ولا داعي لمقارنة معاملة المسيح مع غيرنا بمعاملته معنا، فالحب هو الشيء الوحيد الذي يزيد كلما توزَّع، والمحبة كلما أُعطيت لكثيرين زادت ونمَت.

2 - التلاميذ المتسائلون:

سأل التلاميذ المسيح مستنكرين: «أنت تسأل من لمسني؟!» فقد كان الجمع يزحمه، وكان من الطبيعي في نظرهم أن يحدث هذا. استنكروا قبل أن يعرفوا أن المسيح يعرف أكثر منهم، ثم أنه هو (وليسوا هم) صاحب المشكلة وصاحب السؤال. وما أجمل قوله: «لا تدينوا لكي لا تُدانوا».

نوجّه للمسيح أحياناً أسئلة كأننا نعرف كل شيء، وكأننا ندرك طرق تحقيق أهدافه أكثر مما يدركها هو، ونعرف مصلحة ملكوته أكثر مما يعرف هو!! نلوم على الله كثيراً كأننا نريد أن نصلح فكره. فليسامحنا الله على عدم الخضوع وليعطنا روح النعمة لنصغي لكلمته ونوليها الاهتمام كله، واثقين أن هناك غرضاً لكل كلمة يقولها. فالمسيح عندما سأل عن نازفة الدم كان يريد أن يباركها أكثر، ويساعدها لتنشئ معه علاقة شخصية.

لم يدرك التلاميذ أن هناك فرقاً بين الزحام العشوائي ولمسة الإيمان الهادف. لقد تحدث التلاميذ عن الزحام الذي كان سبب التلامس، وأما المسيح فتحدث عن اللمسة نفسها، لمسة القرب والمحبة والاحتياج التي تشفي وتُشبع. ولعل يوحنا افتكر هذه اللمسة فقال: «ٱلَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ ٱلْحَيَاةِ. فَإِنَّ ٱلْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلَّتِي كَانَتْ عِنْدَ ٱلآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا» (1يوحنا 1: 1 و2).

ولك أن تلمس المسيح بثقة وإيمان، بدون العبادة العشوائية التي تخلو من التركيز والتأمل.

ثالثاً - المسيح والمعجزة

1 - المسيح المشهور:

عندما سمعت المرأة أن المسيح قادم، جاءت ودخلت وسط الجمع من ورائه ومسَّت ثوبه، فإن شهرته كانت قد ملأت الآفاق «وَكَانُوا يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ» (مرقس 1: 45). فهو فريد، لا نظير له. وُلد من عذراء ليتحقق الوعد الأول: «نسل المرأة يسحق رأس الحية» (تكوين 3: 15). عاش بدون خطية. دحرج الحجر وقام لأنه لم يكن ممكناً أن يمسكه الموت. وحده هزم القبر وجلس عن يمين العظمة في الأعالي. وهو الوحيد الذي يستحق أن يشفع فينا لسببين: الأول أنه في غير احتياج لشفيع، فهو الذي لم يخطئ. والثاني أنه الوحيد الذي دفع أجرة الخطية وسدَّد ديننا، فهو يشفع فينا بحق فدائه. وهو الوحيد الذي سيعود مرة أخرى إلى أرضنا ليدين الأحياء والأموات.

ولعظمة شهرته في معجزات الشفاء فكرت نازفة الدم في لمس «هدب ثوبه» (لوقا 8: 44) فقد أمرت شريعة موسى بني إسرائيل بلبس ثيابٍ ذات أهداب، ليذكروا وصايا الرب لهم (العدد 15: 37-41). فحسبت نازفة الدم أن لمس مجرد الهدب كافٍ للشفاء.

2 - المسيح الفعّال:

شعر المسيح بالقوة التي خرجت منه، وبسببها جفّ نزيف الدم المزمن في الحال. «مُبَارَكٌ ٱللّٰهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوِيَّاتِ فِي ٱلْمَسِيحِ» (أفسس 1: 3) «يَا رَبُّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ رَحْمَتُكَ. أَمَانَتُكَ إِلَى ٱلْغَمَامِ. عَدْلُكَ مِثْلُ جِبَالِ ٱللّٰهِ، وَأَحْكَامُكَ لُجَّةٌ عَظِيمَةٌ. ٱلنَّاسَ وَٱلْبَهَائِمَ تُخَلِّصُ يَا رَبُّ». (فالرب من رحمته يهتم بكل مخلوقاته). «مَا أَكْرَمَ رَحْمَتَكَ يَا اَللّٰهُ، فَبَنُو ٱلْبَشَرِ فِي ظِلِّ جَنَاحَيْكَ يَحْتَمُونَ. يَرْوُونَ مِنْ دَسَمِ بَيْتِكَ وَمِنْ نَهْرِ نِعَمِكَ تَسْقِيهِمْ. لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ ٱلْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُوراً. أَدِمْ رَحْمَتَكَ لِلَّذِينَ يَعْرِفُونَكَ وَعَدْلَكَ لِلْمُسْتَقِيمِي ٱلْقَلْبِ» (مزمور 36: 5-10).

3 - المسيح العارف:

عرف بالقوة التي خرجت منه، وبالتي انتفعت بها، فسأل: «من لمسني؟». كثيراً ما يعرف الآب مَن مِن أولاده فعل شيئاً، ولكنه يسأل عمَّن فعله، لا لأنه يجهل، ولكن ليجيء الفاعل إليه معترفاً ليسامحه ويعطيه السلام. هكذا سأل المسيح، لا لأنه يجهل، ولكن لأنه أراد أن تجيء المرأة إليه ليكون هناك اتصال مباشر بينه وبينها. فهو لا يريدها مجرد شحاذةٍ تستجدي منه، بل ابنة للآب السماوي تنال أكثر جداً مما تطلب أو تفتكر. أراد أن يمنحها الجرأة والقدوم إلى عرش النعمة بالعلاقة الشخصية بينها وبينه، لتشبع حياتها من دسم بيته.

هذا المسيح العارف قال لنثنائيل: «قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ ٱلتِّينَةِ، رَأَيْتُكَ» (يوحنا 1: 48) ويقول البشير يوحنا عنه: «لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجاً أَنْ يَشْهَدَ أَحَدٌ عَنِ ٱلإِنْسَانِ، لأَنَّهُ عَلِمَ مَا كَانَ فِي ٱلإِنْسَانِ» (يوحنا 2: 25).

4 - المسيح المخلِّص:

بعد أن سأل المسيح: «من لمسني؟» قال لنازفة الدم: «إيمانك قد شفاك! اذهبي بسلام». لقد سأل الرب آدم: «أين أنت؟» (تكوين 3: 9) لأنه أراد أن يخلّصه ويستره. كما سأل قايين في تكوين 4: 9 «أين أخوك؟» لأنه أراد أن يحرك ضميره ويعطيه فرصة التوبة. وقد سأل أليشع: «من أين يا جيحزي؟» (2ملوك 5: 25) ليوقظ ضميره.

يوجّه الله إلينا أسئلة لنعترف، لأنه يريد أن يعطي ويبارك أكثر. يريد أن نكتشف أنفسنا وعيوبنا بتسليط الضوء عليها، ثم يقدم لنا العلاج والشفاء والغفران.

5 - المسيح المعطي:

أعطى المسيح نازفة الدم بعد شفائها ثلاث عطايا:

  1. أعطى الثقة: «ثقي» ليؤكد لها أن احتياجات المستقبل مضمونة في وعده. يقول المسيح: «إِلَى ٱلآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِٱسْمِي» (يوحنا 16: 24). كثيراً ما نطلب من الله طلبات صغيرة مثل النجاح والشفاء الجسدي. ولكن توجد بركات أعمق هي بركات الروح التي يجب أن نطلبها واثقين.

  2. أعطى التبنِّي: «يا ابنة، إيمانك قد شفاك». «وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلادَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (يوحنا 1: 12).

  3. ثم أعطى السلام: «اذهبي بسلام». أعطى كل هذا بالإضافة إلى الشفاء. «فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِٱلإِيمَانِ لَنَا سَلامٌ مَعَ ٱللّٰهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِهِ أَيْضاً قَدْ صَارَ لَنَا ٱلدُّخُولُ بِٱلإِيمَانِ، إِلَى هٰذِهِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ» (رومية 5: 1 ، 2).

عند المسيح نِعَم كثيرة. لا نريد أن نلمس هدب الثوب فقط، بل نريد أن نحيا في المسيح، فيمتلكنا ونسلّم له الحياة بغير قيدٍ أو شرط، ليكون هو الملك الدائم على حياتنا.

صلاة

أبانا السماوي، مهما كانت مشكلتنا كبيرة فَحَلُُُّها الكامل موجودٌ عندك، ومهما أصابنا اليأس فإنك تجعل من وادي التعكير والكدَر باباً للرجاء. نُحني أمامك الجباه، ونسلّمك زمام الحياة لتجعلها حياةً كريمةً فُضلى. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. اذكر آيتين توضّحان أن المسيح دائم العمل.

  2. لماذا تألمت نازفة الدم نفسياً، ولماذا تألمت طقسياً؟

  3. لماذا سمح الله لرجل الأعمال أن يرقد على ظهره 45 يوماً؟

  4. ما هي بركات تأخُّر المسيح عن الذهاب لبيت يايرس؟

  5. ما هو الفرق بين الزحام العشوائي ولمسة الإيمان الهادف؟

  6. لماذا أراد المسيح أن تجيء نازفة الدم إليه بعد شفاء مرضها الجسدي؟

  7. اذكر البركات الثلاث التي منحها المسيح لنازفة الدم.

المعجزة الخامسة عشرة شفاء أعميين

27 وَفِيمَا يَسُوعُ مُجْتَازٌ مِنْ هُنَاكَ تَبِعَهُ أَعْمَيَانِ يَصْرَخَانِ وَيَقُولانِ: «ٱرْحَمْنَا يَا ٱبْنَ دَاوُدَ». 28 وَلَمَّا جَاءَ إِلَى ٱلْبَيْتِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ ٱلأَعْمَيَانِ، فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «أَتُؤْمِنَانِ أَنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ هٰذَا؟» قَالا لَهُ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ». 29 حِينَئِذٍ لَمَسَ أَعْيُنَهُمَا قَائِلاً: «بِحَسَبِ إِيمَانِكُمَا لِيَكُنْ لَكُمَا». 30 فَٱنْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا. فَٱنْتَهَرَهُمَا يَسُوعُ قَائِلاً: «ٱنْظُرَا، لا يَعْلَمْ أَحَدٌ!» 31 وَلٰكِنَّهُمَا خَرَجَا وَأَشَاعَاهُ فِي تِلْكَ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا (متى 9: 27-31).

فتح المسيح عيون الأعميَيْن في ذات النهار الذي أقام فيه ابنة يايرس وشفى نازفة الدم، فبعد إقامة الابنة الميتة أخذ المسيح طريقه إلى بيت سمعان بطرس. وفي الطريق ناداه أعميان بأعلى صوت: «ارحمنا يا ابن داود». ولا بد أنهما سمعا أخبار معجزاته في تلك المنطقة وعرفا عن مجيئه القريب، وأنه ابن داود أي المخلِّص. وأدركا سلطانه العظيم على المرض والطبيعة وعلى الأبالسة والموت نفسه، فلا يوجد شيء غير خاضع له، وهو الذي قال: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (متى 28: 18). فسلطانه السماوي واضح في مغفرة الخطية، ومنح الحياة الأبدية، واستجابة الصلاة، والشفاعة. وسلطانه على الأرض واضح في الشفاء، والحماية إذ يُرسل ملائكته من السماء ليعتنوا بالمؤمنين فإن «مَلاكُ ٱلرَّبِّ حَالٌّ حَوْلَ خَائِفِيهِ وَيُنَجِّيهِمْ» (مزمور 34: 7).

كان المسيح متجهاً من بيت يايرس إلى بيت بطرس في كفرناحوم عندما تبعه الأعميان إلى أن دخل البيت، فتقدَّما إليه. وسألهما: «أتؤمنان أني أقدر أن أفعل هذا؟» أجابا: «نعم يا سيد». فلمس أعينهما قائلاً: «ليكن لكما حسب إيمانكما». فانفتحت أعينهما. وطلب منهما ألاّ يرْوِيا الخبر لأحدٍ، لكنهما لم يطيعا أمره، وخرجا من البيت يذيعان الخبر للجميع.

أولاً - المحتاجان والمعجزة

1 - أعميان:

يرمز العمى في الكتاب المقدس للخطية التي هي العمى الروحي، لأن الخاطئ لا يرى حالته الشريرة، ولا يرى كفارة المسيح. كما يرمز العمى إلى الجهل، فالجاهل لا يرى الحقائق.

وهذان الأعميان بالجسد يرمزان إلى البشرية كلها التي عميت عيونها عن رؤية محبة الله وعن رؤية خطيّتها، التي يصفها سفر التثنية بالقول: «فَتَتَلَمَّسُ فِي ٱلظُّهْرِ كَمَا يَتَلَمَّسُ ٱلأَعْمَى فِي ٱلظَّلامِ، وَلا تَنْجَحُ فِي طُرُقِكَ بَلْ لا تَكُونُ إِلاَّ مَظْلُوماً مَغْصُوباً كُلَّ ٱلأَيَّامِ وَلَيْسَ مُخَلِّصٌ» (تثنية 28: 29) ويصفها إشعياء بالقول: «آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لا يَسْمَعَ... مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ٱبْتَعَدَ ٱلْحَقُّ عَنَّا وَلَمْ يُدْرِكْنَا ٱلْعَدْلُ. نَنْتَظِرُ نُوراً فَإِذَا ظَلامٌ. ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلامٍ دَامِسٍ. نَتَلَمَّسُ ٱلْحَائِطَ كَعُمْيٍ، وَكَٱلَّذِي بِلا أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ. قَدْ عَثَرْنَا فِي ٱلظُّهْرِ كَمَا فِي ٱلْعَتَمَةِ، فِي ٱلضَّبَابِ كَمَوْتَى» (إشعياء 59: 1-10).

ويصف الكتاب الخلاص من الخطية باعتبار أنه فتحٌ للعيون كقول إشعياء: «وَيَسْمَعُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلصُّمُّ أَقْوَالَ ٱلسِّفْرِ، وَتَنْظُرُ مِنَ ٱلْقَتَامِ وَٱلظُّلْمَةِ عُيُونُ ٱلْعُمْيِ وَيَزْدَادُ ٱلْبَائِسُونَ فَرَحاً بِٱلرَّبِّ، وَيَهْتِفُ مَسَاكِينُ ٱلنَّاسِ بِقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ» (إشعياء 29: 18، 19). وكقول بولس: «لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ قَبْلاً ظُلْمَةً وَأَمَّا ٱلآنَ فَنُورٌ فِي ٱلرَّبِّ. ٱسْلُكُوا كَأَوْلادِ نُورٍ» (أفسس 5: 8). فيوم الخلاص هو يوم فتح الأذنين لتسمعا صوت المسيح، وفتح العينين لتريا نوره وهو يقول: «أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَمْشِي فِي ٱلظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ ٱلْحَيَاةِ» (يوحنا 8: 12).

2 - جمعَتْهما الحاجة:

جمع الحزن المشترك هذين الرجلين. وكثيراً ما يرسل الرب علينا ضيقات يصعب علينا التعامل معها وحدنا، فنجتمع معاً. فجميل أن يكون هناك توافق مع شريكٍ في الصلاة من أجل طلبةٍ واحدة، حسب قول المسيح: «إِنِ ٱتَّفَقَ ٱثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى ٱلأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَات» (متى 18: 19). فيتوحّد القلب في رفع الطلبة إلى الله في تجانس وتفاهم، فيجد استجابةً من السماء.

3 - بصيرتاهما المفتوحة:

كانت عيونهما عمياء، ولكن بصيرتيهما كانتا مفتوحتين! فقد عرفا في المسيح «ابن داود»المخلِّص الآتي.

عندما أجرى المسيح معجزاته قال رجال الدين اليهود عنه إنه برئيس الشياطين يُخرج الشياطين (مرقس 3: 22). ولكن الأعميين ناديا: «ارحمنا يا ابن داود» لأنهما آمنا أنه المُخلِّص المنتظَر غالب الموت. لقد سمعا بمعجزاته، فأدركا أن هذا هو الذي تنبأ عنه إشعياء: «وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ ٱلرَّبِّ، رُوحُ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْفَهْمِ، رُوحُ ٱلْمَشُورَةِ وَٱلْقُّوَةِ، رُوحُ ٱلْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ ٱلرَّبِّ» (إشعياء 11: 1 ، 2) وقول النبي حزقيال: «يَرْعَاهَا عَبْدِي دَاوُدُ... وَأَنَا ٱلرَّبُّ أَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً، وَعَبْدِي دَاوُدُ رَئِيساً فِي وَسَطِهِمْ»(حزقيال 34: 23 ، 24). فكانت لهما البصيرة التي لم تكن لرجال الدين!

4 - إيمانهما الوثيق:

عندما سألهما المسيح: «أتؤمنان أني أقدر أن أفعل هذا؟» كانت إجابتهما: «نعم يا سيد». والإيمان الذي يتوقع القليل ينال القليل، والذي يتوقع الفشل يفشل. وإيمان هذين الأعميين توقَّع البصر، فناله!

الإيمان هو الدلو الذي ندليه في بئر عميقة لنستقي ماء الحياة. وهو الجيب الذي لا يُغْني صاحبه، ولكنه يغتني بالثروة التي تُوضع فيه. فالإيمان مهمٌّ في موضوع ثقته وليس في ذاته، وهو الوسيلة التي نحصل بها على البركة الموهوبة لنا في المسيح. ولكن المسيح هو واهب البركة، وهو مُغني الحياة، وهو مُروي القلب. والإيمان الصحيح يُبنَى على كلمة الله، لا على وعود البشر. وهذا ما فعله الأعميان عندما صدَّقا نبوات العهد القديم عن المسيح، وعرفا أنها تحققت في يسوع الناصري.

وكان إيمانهما عاملاً، فَصَلَّيا: «ارحمنا يا ابن داود». وكان إيماناً مثابراً، فبذلا جهداً لأنهما تبعاه واستمرا يسيران حتى وصلا إلى البيت الذي دخله، وهما لا يريان شيئاً في تلك الشوارع الضيقة وفي وسط الزحام. هذا هو الإيمان الذي لا ييأس بل ينتظر: «اِنْتِظَاراً ٱنْتَظَرْتُ ٱلرَّبَّ فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي» (مزمور 40: 1). وكان إيمانهما متعاوناً، فاهتم كل واحدٍ منهما بالآخر، وظلاَّ معاً يدعوان الرب لنوال الرحمة.

ولقد أكرم المسيح إيمانهما بأن فتح أعينهما على رؤية وجهه المحب، ويا له من وجه مشرقٍ مشعٍّ بالمحبة والخير والنعمة!

5 - عصيانهما المحبّ:

بعد شفاء الأعميين قال المسيح لهما: «أنظرا! لا يعلم أحد». إلا أنهما أشاعا هذا الأمر في المنطقة كلها. وهذا ما نسمّيه بعصيان المحبة، فهما لا يقصدان شراً، ولكن من شدة فرحتهما بالشفاء وحبهما للمسيح لم يستطيعا أن يحتفظا بالسر. ولفرط انبهارهما وانذهالهما مما جرى لهما لم يقدرا أن يسكتا، مع أنهما غالباً كانا يعلمان نصيحة النبي صموئيل: «ٱلٱِسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ ٱلذَّبِيحَةِ وَٱلإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ ٱلْكِبَاشِ» (1صموئيل 15: 22).

قد يُطرح تساؤل: لماذا أصدر المسيح أمراً بالصمت في هذا الموقف، بينما أمر بالإعلان عن المعجزة في مواقف أخرى؟

لقد أمر المسيح تلاميذه بالسكوت عن ذكر موضوع التجلي (متى 17: 9) وأمر الأبرص ألاّ يخبر أحداً بشفائه (مرقس 1: 44) وأمر عائلة يايرس بعدم إذاعة خبر قيامة ابنتهم من الموت (مرقس 5: 19). ولكنه بعكس ذلك أمر اللجئون الذي شُفي أن يعلن خبر شفائه (مرقس 5: 43).

والإجابة على هذا التساؤل هي: هناك حرية في عمل روح الله، فالروح القدس ديناميكي وعامل ومتحرّك. وعلى هذا فنحن لا نصبّ عمل روح الله في قالب جامد، ولا نحدّ عمله، ولا نحجّمه، بل نستجيب ونخضع له. فقد يكون السكوت عن الإعلان طاعة، كما قال المسيح في الموعظة على الجبل: «لا تُعْطُوا ٱلْمُقَدَّسَ لِلْكِلابِ، وَلا تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ ٱلْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَّزِقَكُمْ» (متى 7: 6). وقد يكون السكوت عن الإعلان عصياناً، فقد قال المسيح: «فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِٱسْمِ ٱلآبِ وَٱلاِبْنِ وَٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متى 28: 19 ، 20).

وعلى كل مؤمن أن يكون على اتصالٍ مباشر بالرب ليصغي لتوجيهه خطوة بعد أخرى، كل خطوة حسب ظروفها كما يراها الله نفسه. وهذا الاتصال يجب أن يكون مستمراً لا يتوقف مهما اختلفت المواقف وأبعادها. فكما أن طعام الأمس الجسدي لا يكفي لليوم، هكذا التوجيه الإلهي والإرشاد الروحي بالأمس لا يكفي لليوم. فنحن نحتاج إلى الصلة مع الله في الصلاة وقراءة كلمته وإدراك وجوده الفعلي في حياتنا كل يوم. لقد كان الله يُنزل المن السماوي لبني إسرائيل كل صباح ليأتوا إليه شاكرين كل صباح ليطلبوا عطية محبته. وهذه هي ديناميكية الروح القدس، وطبيعة حركة ملكوت الله الحي الذي يتعامل مع أبناءٍ أحياء.

ثانياً - المسيح والمعجزة

1 - اختار المسيح وقت الشفاء ومكانه:

أراد الأعميان أن يكون الشفاء في الطريق، وأن يتم فوراً، فصرخا في الطريق يطلبان الشفاء. لكن المسيح مضى في سيره إلى أن وصل إلى البيت. ولا شك أن توقيت شفاء الأعميين ومكانه هو لمصلحتهما، لأن المسيح أراد أن ينشئ علاقةً شخصية بينهما وبينه، فتركهما يسيران وراءه إلى أن وجدا نفسيهما معه داخل البيت.

كثيراً ما يبدو أن الله يتأخر في الاستجابة، ولكنه لا يتأخر، بل يُوجِد الظرف المناسب لينشئ لنا معه العلاقة الأعمق والأقوى، ليمتلئ القلب من نعمة المسيح قبل أن يتمتع الجسد بعطاياه. ولقد أجَّل المسيح الشفاء إلى أن يصل للبيت، ليُجري المعجزة في السر، لا في العَلَن. وهذا ما ندركه من طلب المسيح من الأعميين عدم إذاعة خبر شفائهما.

2 - عبَّر المسيح عن حنانه بطريقة تناسب حالتهما:

شفى المسيح كثيرين بكلمة، ولكن مع العميان كان الشفاء بلمسة، لأن الذي لا يرى يشعر باللمسة. هكذا شفى المولود أعمى (يوحنا 9: 6) وهكذا شفى أعمى بيت صيدا (مرقس 8: 23).

والله دائماً يكلّمنا بلغةٍ نفهمها، ويتعامل معنا بطريقة تتناسب مع تفكيرنا ومع احتياجنا الذي يحدّده هو بحكمته، آخذاً في الاعتبار حالتنا وحالة المجتمع الذي نعيش فيه.

أجرى المسيح هذه المعجزات في القديم، ولا يزال مستعداً أن يجريها اليوم، وهو يريد أن يفتح عينيك لترى محبته، وطريقته لغفران خطاياك، لتنال الخلاص والحياة الأبدية.

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك باركت الأعميين وفتحت عيونهما، فكان أول ما رأياه وجه المسيح الجميل.

أشرِقْ علينا بنور وجهك، حتى بنورك نرى نوراً، وافتَحْ عيوننا على المسيح نور العالم. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. ما معنى لقب «ابن داود» الذي نادى به الأعميان المسيح؟

  2. إلى أي شيء يشير العمى في الكتاب المقدس؟

  3. ما الذي جمع الأعميين معاً؟ وماذا يعلّمنا هذا؟

  4. قدِّم تشبيهين يصفان الإيمان ذكرناهما في شرح هذه المعجزة.

  5. اذكر وصفين لإيمان الأعميين.

  6. ما هي أول مكافأة نالها الأعميان؟

  7. لماذا عصى الأعميان أمر المسيح وأذاعا خبر شفائهما؟

المعجزة السادسة عشرة إشباع خمسة آلاف

1 بَعْدَ هٰذَا مَضَى يَسُوعُ إِلَى عَبْرِ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ، وَهُوَ بَحْرُ طَبَرِيَّةَ. 2 وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ لأَنَّهُمْ أَبْصَرُوا آيَاتِهِ ٱلَّتِي كَانَ يَصْنَعُهَا فِي ٱلْمَرْضَى. 3 فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى جَبَلٍ وَجَلَسَ هُنَاكَ مَعَ تَلامِيذِهِ. 4 وَكَانَ ٱلْفِصْحُ عِيدُ ٱلْيَهُودِ قَرِيباً. 5 فَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ أَنَّ جَمْعاً كَثِيراً مُقْبِلٌ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِفِيلُبُّسَ: «مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزاً لِيَأْكُلَ هٰؤُلاءِ؟» 6 وَإِنَّمَا قَالَ هٰذَا لِيَمْتَحِنَهُ، لأَنَّهُ هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ. 7 أَجَابَهُ فِيلُبُّسُ: «لا يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئاً يَسِيراً». 8 قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلامِيذِهِ، وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ: 9 «هُنَا غُلامٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلٰكِنْ مَا هٰذَا لِمِثْلِ هٰؤُلاءِ؟» 10 فَقَالَ يَسُوعُ: «ٱجْعَلُوا ٱلنَّاسَ يَتَّكِئُونَ». وَكَانَ فِي ٱلْمَكَانِ عُشْبٌ كَثِيرٌ، فَٱتَّكَأَ ٱلرِّجَالُ وَعَدَدُهُمْ نَحْوُ خَمْسَةِ آلافٍ. 11 وَأَخَذَ يَسُوعُ ٱلأَرْغِفَةَ وَشَكَرَ، وَوَزَّعَ عَلَى ٱلتَّلامِيذِ، وَٱلتَّلامِيذُ أَعْطَوُا ٱلْمُتَّكِئِينَ. وَكَذٰلِكَ مِنَ ٱلسَّمَكَتَيْنِ بِقَدْرِ مَا شَاءُوا. 12 فَلَمَّا شَبِعُوا، قَالَ لِتَلامِيذِهِ: «ٱجْمَعُوا ٱلْكِسَرَ ٱلْفَاضِلَةَ لِكَيْ لا يَضِيعَ شَيْءٌ». 13 فَجَمَعُوا وَمَلأُوا ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ ٱلْكِسَرِ، مِنْ خَمْسَةِ أَرْغِفَةِ ٱلشَّعِيرِ ٱلَّتِي فَضَلَتْ عَنِ ٱلآكِلِينَ.

14 فَلَمَّا رَأَى ٱلنَّاسُ ٱلآيَةَ ٱلَّتِي صَنَعَهَا يَسُوعُ قَالُوا: «إِنَّ هٰذَا هُوَ بِٱلْحَقِيقَةِ ٱلنَّبِيُّ ٱلآتِي إِلَى ٱلْعَالَمِ!» 15 وَأَمَّا يَسُوعُ فَإِذْ عَلِمَ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَأْتُوا وَيَخْتَطِفُوهُ لِيَجْعَلُوهُ مَلِكاً، ٱنْصَرَفَ أَيْضاً إِلَى ٱلْجَبَلِ وَحْدَهُ (يوحنا 6: 1-15).

(وردت المعجزة أيضاً في متى 14: 13-21 ومرقس 6: 30-44 ولوقا 9: 10-17).

تتميز هذه المعجزة بأنها الوحيدة التي ذكرتها الأناجيل الأربعة بكل تفاصيلها. ومناسبة إجرائها أن المسيح كان قد أرسل تلاميذه للوعظ، فرجعوا إليه يقدّمون تقارير عن خدمتهم، وكيف أن الله باركهم وأن الروح القدس استخدمهم.

وجاء في ذلك الوقت بعض تلاميذ يوحنا المعمدان يحكون للمسيح أن هيرودس قطع رأس معلِّمهم، فرأى المسيح أن يبتعد عن دائرة مملكة هيرودس، كما رأى أن يعطي تلاميذه الراجعين من خدمتهم فرصة راحة. فاقترح على تلاميذه أن يعبروا إلى شرق بحيرة طبرية، إلى بيت صيدا في قارب، ليتيح لهم فرصة الراحة. وكان الزمن وقت الربيع، وعيد الفصح يقترب.

وكانت الجموع تفتش عن المسيح باستمرار لشدة احتياجهم، فبعضهم مريض، والآخر حائر، والآخر متعطش لكلمة حية ولتعليمٍ بسلطانٍ يختلف عن تعليم الكتبة. وهؤلاء جميعاً لما علموا أنه يركب صفحة الماء إلى الجانب الآخر ساروا على اليابسة مشاةً ليلحقوا به.

وعندما رسا القارب، أخذ المسيح تلاميذه وصعد على الجبل، فرأى الجماهير تتجمَّع متَّجهة إليه يحملون مرضاهم ويسرعون بقدر ما يستطيعون، فقضى اليوم يعلّمهم. وفي المساء لم يشأ أن يصرفهم جائعين، فأطعمهم، وهم خمسة آلاف، من خمسة أرغفة وسمكتين!

أولاً - المحتاجون والمعجزة

المحتاجون هم الخمسة آلاف، مع نسائهم وأطفالهم. وهم يحتاجون لتعليمٍ ولرعاية.

  1. يحتاجون للتعليم: جاءوا مشاةً من المدن جائعين إلى الله، يريدون أن يأكلوا الخبز الحي. وكثيراً ما يظن المؤمنون أن الناس لا يهتمّون بالروحيات، ولكن هذا غير صحيح. فحينما يجد الناس طعاماً روحياً تستيقظ شهيتهم ويشعرون بالجوع، وعندما يجدون مؤمناً يسلك سلوكاً يمجّد الرب يسألونه عن سبب الرجاء الذي فيه، وعن سبب السلوك المختلف الذي يحياه. وأصحاب ردود الفعل الحزينة أو اليائسة أو الغاضبة أو المنفلتة لما يرون مؤمناً يتمتع بثمر الروح القدس، الذي هو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف (غلاطية 5: 22 ، 23)، ينذهلون ويطلبون أن يختبروه. وطوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبَعون (متى 5: 6).

  2. يحتاجون للرعاية: فقد رآهم المسيح كغنمٍ لا راعي لها. وهكذا حال الناس اليوم، فهم مثقَّلون بالهموم والحيرة، وهم كثيرون، والرعاة قليلون. وكم نحتاج إلى رعاة يرعون رعيّة الله التي اقتناها المسيح بدمه.

استمع الجمهور لوعظ المسيح، وطال الوقت فجاعوا. وهنا جاء عمل المسيح الراعي الصالح، راعي الخراف العظيم، ليقدم رعايته الكاملة.

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

نتأمل تلاميذ المسيح، وبصفة خاصة فيلبس وأندراوس، ثم الولد صاحب الخمس خبزات والسمكتين:

1 - فيلبس:

وجَّه المسيح سؤالاً لفيلبس لامتحانه: «من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء؟» فأجاب: «لا يَكْفِيهِمْ خُبْزٌ بِمِئَتَيْ دِينَارٍ لِيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئاً يَسِيراً» (يوحنا 6: 7). والدينار أجر عامل في اليوم. ولعل المئتي دينار كانت كل ما تبقَّى من مالٍ في صندوق الجماعة. فكان رَأْي فيلبس أنهم فقراء لا يملكون ما يكفي.

هذا حساب بشري عادي ومنطق حكيم وسليم، هو حساب للنفقة التي تعتمد على نفسها وعلى إمكانياتها بدون أن تُدخِل قوة المسيح في الاعتبار. ولكن المسيح كان يريد أن يُرجع فيلبس إلى إيمانه العميق الأول، يوم التقى به في نواحي الأردن حوالي ديسمبر (ك1) سنة 26م وقال له: «اتبعني» (يوحنا 1: 43-46). فتبع فيلبس المسيح، ثم مضى يدعو نثنائيل ليتبع المسيح أيضاً. أراد المسيح أن يردّ لفيلبس فَرْحة خلاصه الأولى، وقوة تسليمه الأول، فيحصل فيلبس على قوةٍ جديدة لإيمانه.

امتحن المسيح فيلبس ليشجّعه ليرى أن المسيح ليس أقل من موسى وهو يُشبع بني إسرائيل في صحراء سيناء بالمن كل يوم. وليس المسيح أقل من أليشع الذي أطعم مئة رجل بعشرين رغيفاً وقال: «هكذا قال الرب: يأكلون ويفضل عنهم» (2ملوك 4: 43).

يضعف إيماننا في مرات كثيرة ويهتزّ، فنتساءل: من أين؟ ولكن عندما يكلّفنا الرب بشيء، لا يكلّفنا أبداً من عند أنفسنا، لكنه يعطينا ما نعطيه للآخرين، ويباركنا لنباركهم. وعندما نأخذ ونعطي نبارك ونتبارك نحن أيضاً.

2 - أندراوس:

شهرة أندراوس أنه يقدم الناس دائماً للمسيح، فقد عرّف أخاه بطرس بالمسيح (يوحنا 1: 35-42). وعندما جاء اليونانيون يطلبون من فيلبس تدبير لقاءٍ لهم بالمسيح، سلّمهم فيلبس لأندراوس (يوحنا 12: 22). وهكذا تدرَّب أندراوس على أخذ الناس إلى حيث يجدون البركة. ولقد قدم الأسقف د.ت. نايلز (من سيريلانكا) تعريفاً للمبشّر فقال: «هو شحاذٌ يخبر شحاذاً آخر أين يجد الخبز».

ومعنى اسم أندراوس «رجل حقاً». فالرجل الحق هو الذي وجد المسيح، وهو الذي يقود غيره لمعرفة المسيح. استطاع أندراوس أن يجيء بالولد إلى المسيح، ويقنعه أن يقدّم الخمس خبزات والسمكتين. ولا بد أن قلب أندراوس كان عامراً بالمحبة مليئاً بالشفقة، فاطمأن الولد إليه ومشى معه إلى حيث كان المسيح. وعندما أخذ منه خبزاته وسمكتيه قدمها الولد برضا.

جاء أندراوس بالخمسة أرغفة والسمكتين مع تحفُّظ وقال: «وَلٰكِنْ مَا هٰذَا لِمِثْلِ هٰؤُلاءِ؟»(يوحنا 6: 9). وقوله «لكن» يفيد إحساسه أن مشكلته أكبر من ثقته في المسيح، فإيماننا قد يضعُف رغم اختباراته الماضية، فيقول: «ولكن». غير أن المسيح منح الإيمان الضعيف دَفْعة قوة، لما قال: «ٱئْتُونِي بِهَا إِلَى هُنَا»... وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى» (متى 14: 18 ، 19).

3 - الصبي الصغير:

لا بدّ أنه كان مذهولاً يتأمل المعجزات التي تُجرى، ويسمع كلام النعمة من شفتي المسيح، فنسي طعامه ولم يتناوله منذ الصباح. وهكذا نحن عندما نرى يسوع بعين الإيمان يملك قلوبنا ويُنسينا مشاكلنا ومتاعبنا، ولا يعود للجسد سلطانه المدمّر علينا، لأن المسيح يرفعنا إلى أعلى ويجعلنا نفكر على مستوى أكبر.

وعندما التقى الولد بالمسيح عمَّر قلبه بالحب، فشارك المحتاجين من حوله بالقليل الذي معه.

4 - التلاميذ:

أرسل المسيح التلاميذ للكرازة بعد أن أعطاهم قوةً لذلك، ورجعوا إليه ليقدموا تقريرهم قائلين: «حتى الشياطين خضعت لنا باسمك». ولكن لما جاءت الجماهير قالوا له: «إصرف الجمع» (لوقا 9: 12). لقد حصلوا على قوة روحية، لكنهم كانوا لا يزالون محتاجين إلى محبة أكبر ورغبة أقوى في مساعدة الناس.

لقد رأى التلاميذ المسيح المحب والقوي، وعادةً يكون التأثُّر بالقوة أولاً، ثم يأتي التأثُّر بالمحبة. وكان التلاميذ محتاجين أن يتعلّموا المزيد من المحبة وممارستها، فأمرهم المسيح أن يعطوا الجماهير لتأكل، بأن يأخذوا منه ويعطوا مما أخذوه للآخرين. فهم لم يصنعوا الخبز، ولم يُقنِعوا الناس بأخذه، بل أعطوا مما أعطاهم المسيح. ونحن اليوم لا نقدر أن نقنع الناس ليتوبوا، لكننا نقدر أن نطيع المسيح فنقدّم للناس خبز الحياة، وروح الله القدوس هو الذي يقنعهم أن يتناولوه.

ثالثاً - المسيح والمعجزة

1- المسيح المريح:

هو الذي قال: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متى 11: 28). فالمسيح يدرك احتياج أجسادنا للراحة، لأن الجسد هيكل للروح القدس وروح الله يسكن فيه. والروح نشيط أما الجسد فضعيف، ولذلك يفكر المسيح لا في أرواحنا فقط بل في أجسادنا أيضاً، ولهذا قال لتلاميذه: «تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاءٍ وَٱسْتَرِيحُوا قَلِيلاً» (مرقس 6: 31).

2 - المسيح يحسّ بالحاجة:

عندما رفع عينيه ونظر الجمع من حوله سأل فيلبس: «مِنْ أَيْنَ نَبْتَاعُ خُبْزاً لِيَأْكُلَ هٰؤُلاءِ؟» (يوحنا 6: 5). إنه يحس بالحاجة من قبل أن يشعر بها المحتاج، فأبوكم السماوي «يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ» (متى 6: 8).

3 - المسيح يمتحن الإيمان:

ولذلك سأل فيلبس: «من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء؟». «إِنَّمَا قَالَ هٰذَا لِيَمْتَحِنَهُ، لأَنَّهُ هُوَ عَلِمَ مَا هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَفْعَلَ» (يوحنا 6: 6). ويسمح الرب بالامتحان لأولاده ليُنجِحهم. إنه لا يريد أن يوقعهم فريسة اليأس، ولكن ليمنحهم مزيداً من التعلُّم، ليكتشفوا نواحي ضعفهم، فيثقون فيه أكثر.

يمكن أن يكون ردُّ المسيح على فيلبس توبيخاً، لأن فيلبس رأى كثيراً من معجزات المسيح، وكان يجب أن يعرف أن المسيح يقدر أن يشبع الجماهير. ولكن المسيح أوضح له ضعفه واحتياجه الدائم ليتكل عليه أكثر، ففيلبس لا يمكن أن يستقل عن المسيح، وبدونه لا يقدر أن يفعل شيئاً، لكن معه يستطيع كل شيء.

4 - المسيح ينظّم الصفوف:

فقال يسوع: «ٱجْعَلُوا ٱلنَّاسَ يَتَّكِئُونَ... ٱجْمَعُوا ٱلْكِسَرَ» (يوحنا 6: 10 ، 11) فهو يريدنا منظَّمين «وَلْيَكُنْ كُلُّ شَيْءٍ بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ» (1كورنثوس 14: 40).

ثم إنه لا يريدنا أن نفكر في مصلحتنا كأفراد فقط، بل كجماعة أيضاً. ولا يريد أن نُزعج بعضنا بعضاً بنقص نظامنا، حتى لا يأخذ شخصٌ أكثر من احتياجه، بينما لا يجد جاره ما يحتاجه. فمشكلتنا هي في التوزيع لا في الإنتاج. ثم طلب المسيح أن يجمعوا الكِسَر الفاضلة، ليجدوا طعاماً بعد ذلك، وليحافظوا على نظافة العشب الأخضر وسلامة البيئة. وجميل أن نترك مكاننا نظيفاً لمن يجيئون بعدنا، لنجده نحن نظيفاً بعد أن يتركوه لنا.

5 - المسيح يخلق:

«كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ ٱلْحَيَاةُ، وَٱلْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ ٱلنَّاسِ»(يوحنا 1: 3 و4) لقد عمل المسيح في لحظةٍ ما تعمله الطبيعة في عدّة شهور، من زرعٍ ونموّ وحصاد وطَحْن وخبيز. وهو نفس ما فعله في معجزته الأولى عندما حوَّل الماء خمراً (يوحنا 2: 1-11) فقد كثَّف عمل الطبيعة وعطاءها. إنه يأمر فيصير، لأنه رب الطبيعة وصاحب السلطان، والخالق العظيم، والغير محدود بزمن.

6 - المسيح يشبع النفس والقلب:

ظن اليهود أنه المخلص السياسي، فحاولوا أن يملّكوه عليهم ليخلّصهم من نير الرومان ويشبعهم بالخبز. ولم يكن هذا فكر المسيح، فانسحب من بينهم لأنه لا يريد أن يكون ملكاً أرضياً (يوحنا 6: 15). فأصحاب المُلك الأرضي يُسعِدون جماعةً قليلة من الناس، لفترة قصيرة من الزمن. لكن في المملكة الروحية تمتد البركة لتشمل الجميع وتصل إلى ما لا نهاية في الزمن. وعندما ينتهي الدهر الحاضر تكون هناك مملكة الدهر الآتي. لذلك قال المسيح عندما حاول اليهود أن يملّكوه عليهم: «اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. أَنَا هُوَ خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ... إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هٰذَا ٱلْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى ٱلأَبَدِ. وَٱلْخُبْزُ ٱلَّذِي أَنَا أُعْطِي هُوَ جَسَدِي ٱلَّذِي أَبْذِلُهُ مِنْ أَجْلِ حَيَاةِ ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 6: 47-51).

صلاة

أبانا السماوي، يا من تفتكر فينا حتى عندما ننسى أن نفكر في أنفسنا، اخلُق فينا الجوع والعطش إليك، فنجد عندك الخبز الحي الذي يمنحنا الشبع والقوة، فيتحقق لنا قول المسيح: «طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبعون». باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. لماذا طلب المسيح من تلاميذه عبور بحيرة طبرية إلى بيت صيدا؟

  2. «الناس غير جائعين للخبز الحي» - قول صحيح أم خاطئ؟ برهن على صحّة إجابتك.

  3. «من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء؟» - لماذا وجَّه المسيح هذا السؤال لتلميذه فيلبس؟

  4. ما معنى اسم «أندراوس»؟ولماذا كان اسماً على مُسمَّى؟

  5. لماذا نسي الولد أن يأكل خبزاته وسمكتيه منذ الصباح؟

  6. في هذه المعجزة نرى المسيح «الخالق». اشرح كيف؟

  7. لماذا انسحب المسيح بعد إطعام الخمسة آلاف؟

المعجزة السابعة عشرة المشي على الماء

22 وَلِلْوَقْتِ أَلْزَمَ يَسُوعُ تَلامِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا ٱلسَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى ٱلْعَبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ ٱلْجُمُوعَ. 23 وَبَعْدَمَا صَرَفَ ٱلْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى ٱلْجَبَلِ مُنْفَرِداً لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ. 24 وَأَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ ٱلأَمْوَاجِ. لأَنَّ ٱلرِّيحَ كَانَتْ مُضَادَّةً. 25 وَفِي ٱلْهَزِيعِ ٱلرَّابِعِ مِنَ ٱللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ يَسُوعُ مَاشِياً عَلَى ٱلْبَحْرِ. 26 فَلَمَّا أَبْصَرَهُ ٱلتَّلامِيذُ مَاشِياً عَلَى ٱلْبَحْرِ ٱضْطَرَبُوا قَائِلِينَ: «إِنَّهُ خَيَالٌ». وَمِنَ ٱلْخَوْفِ صَرَخُوا! 27 فَلِلْوَقْتِ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لا تَخَافُوا». 28 فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْنِي أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى ٱلْمَاءِ». 29 فَقَالَ: «تَعَالَ». فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى ٱلْمَاءِ لِيَأْتِيَ إِلَى يَسُوعَ. 30 وَلٰكِنْ لَمَّا رَأَى ٱلرِّيحَ شَدِيدَةً خَافَ. وَإِذِ ٱبْتَدَأَ يَغْرَقُ صَرَخَ: «يَا رَبُّ نَجِّنِي». 31 فَفِي ٱلْحَالِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: «يَا قَلِيلَ ٱلإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟» 32 وَلَمَّا دَخَلا ٱلسَّفِينَةَ سَكَنَتِ ٱلرِّيحُ. 33 وَٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّفِينَةِ جَاءُوا وَسَجَدُوا لَهُ قَائِلِينَ: «بِٱلْحَقِيقَةِ أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ!» (متى 14: 22-33).

(وردت المعجزة أيضاً في مرقس 6: 45-51 ويوحنا 6: 15-21).

أشبع المسيح خمسة آلاف بخمسة أرغفة وسمكتين، فأرادوا أن ينصِّبوه ملكاً سياسياً عليهم، فصرف الناس، وطلب من التلاميذ أن يركبوا سفينتهم ويعبروا بحيرة طبرية إلى الجانب الغربي منها لبيت صيدا الجليل، بقرب كفرناحوم. وصعد هو إلى الجبل وحده ليصلي. لم تكن صلاة المسيح صلاة اعتراف، لأنه لم يخطئ. ولم تكن صلاة طلب قوة من الله، لأنه هو صاحب السلطان الذي دُفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض. لكنها كانت شفاعية من أجل التلاميذ ليفهموا معنى رسالته الروحية ومُلكه على القلوب.

كان عرض بحيرة طبرية في تلك المنطقة نحو 45 غلوة (والغلوة ربع كيلومتر). وعندما بلغ التلاميذ الغلوة الخامسة والعشرين تقريباً هبَّت عليهم ريح معاكسة من الغرب. وبحيرة طبرية معروفة بعواصفها العنيفة المفاجئة. وكانت العاصفة أقوى من أن يواجهها التلاميذ وحدهم، رغم تمرُّسهم بالبحيرة.

وفي الهزيع الرابع من الليل جاء المسيح لينقذ تلاميذه. لقد رآهم من بعيد، وعرف احتياجهم فأسرع لنجدتهم. وأليس هذا ما يجري معنا؟ في كل ضيقنا يتضايق، وملاك حضرته يخلّصنا (إشعياء 63: 9).

كان الرومان يقسمون الليل إلى أربعة أقسام: مساءً، ونصف الليل، وصياح الديك، وصباحاً. وكان «صباحاً» قبل الشروق بثلاث ساعات. في ساعات ما قبل الشروق جاء المسيح ماشياً على الماء لينقذ تلاميذه من الغرق، فأشرقت عليهم شمس بِرِّه، بنور خلاصه.

يسمع الله صلاتنا من على بُعد، ويدرك أعوازنا فيتحرك ليساعدنا، فالله فعّال في الزمن والتاريخ، وهو حي في سمائه وعلى أرضنا، يعمل مشيئته في سمائه لأن ملائكته يخدمونه ويسبحونه نهاراً وليلاً، لكل واحد منهم ستة أجنحة ليتّجه إلى حيثما يوجّهه الله (إشعياء 6: 2). والله يجيئنا بنفسه أو بملائكته، أو بواسطة شعبه وخدامه الذين يمدّون لنا يد العون.

ولكن التلاميذ عندما رأوا المسيح قادماً نحوهم ظنوه خيالاً وخافوا أكثر. كانوا خائفين من الأمواج، وممن ظنوه خيالاً، مع أنه جاء ليساعدهم! ولكن المسيح بدَّد الخوفين معاً عندما قال لهم: «تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لا تَخَافُوا»(آية 27) وهنا قال بطرس: «إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْنِي أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى ٱلْمَاءِ»(آية 28) فأمره المسيح بذلك، فنزل من السفينة ومشى على صفحة الماء. ولكن ما أن حوَّل نظره من المسيح إلى الماء الهائج من حوله حتى بدأ يغرق. وفعل بطرس ما يجب أن يفعله كل مؤمن: صرخ «يَا رَبُّ نَجِّنِيي يَا رَبُّ نَجِّنِي» (آية 30) ففي الحال مدَّ يسوع يده وأمسك به وقال له بعد أن نجَّاه: «يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟» ولما دخلا السفينة سكنت الرياح (31 ، 32).

هذه المعجزة مزدوجة: هدأ المسيح البحر للتلاميذ جميعاً، وجعل بطرس يمشي على الماء وأنقذه من الغرق. وهذا ما يحدث معنا، فالمسيح يُجري معنا لا معجزة واحدة بل معجزات، حتى أننا كثيراً ما ننسى المعجزات الصغيرة في انبهارنا بالمعجزة الكبيرة! فَلْنَقُلْ كداود: «بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ، وَلا تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ» (مزمور 103: 2).

أجرى المسيح معجزات على اليابسة، وعلى الماء، فهو رب الأرض والبحر، القادر أن يفعل هنا وهناك، ولا يوجد مكان لا تمتد إليه يد قدرته. لقد أطعم الجائعين، وسكَّن الماء الهائج، فنقول له: «اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلا يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ ٱلرَّاحَةِ يُورِدُنِي» (مزمور 23: 1 ، 2). ففي هاتين المعجزتين نرى كيف أطعمهم، ثم كيف أوردهم إلى مياه الراحة!

أولاً: المحتاجون والمعجزة:

1 - التلاميذ:

  1. جاءت معجزة تهدئة الرياح بعد اختبار روحي عميق، فقد اختبر التلاميذ أن مخلِّصهم قادر أن يطعم خمسة آلاف بخسمة أرغفة وسمكتين. هذه هي المائدة السماوية التي أشبع بها تلاميذه والمحتاجين، وتبقَّت اثنتا عشرة قفة من الكِسَر.

    أحياناً يطمئن الإنسان إلى قدراته الروحية، ويظن بعد اختبارات روحية عظيمة أنه تعلّم الكثير! ولكن أعظم اختباراتنا لا تعني أننا سننجو من متاعب الحياة، فإبليس يهاجمنا أكثر كلما حقَّقنا نمواً وارتفاعاً روحياً، فإذا اختبرنا الكثير فلننظر لئلا نسقط، ولنجعل اعتمادنا عليه مستمراً، فلا توجد بداخلنا قوة تكفي احتياجاتنا، ولكن قوتنا تكون بقدر حصولنا على القوة منه.

  2. عندما بدأ التلاميذ الرحلة كانت الرياح مواتية، والماء هادئاً. وفي منتصف البحيرة أتت الرياح بما لا تشتهي السفن «وَأَمَّا ٱلسَّفِينَةُ فَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ ٱلأَمْوَاجِ. لأَنَّ ٱلرِّيحَ كَانَتْ مُضَادَّةً» (آية 24) عاجزة عن الرجوع من حيث أتت، وعاجزة عن متابعة السفر إلى الميناء المراد الوصول إليه! وهذا يحدث معنا في كل وقت، فالله يسمح لنا بالتجارب ليعرّفنا شخصه، ويعلّمنا الاتكال عليه.

  3. استمر تعب التلاميذ فترة طويلة، إلى الهزيع الرابع من الليل. «وَفِي ٱلْهَزِيعِ ٱلرَّابِعِ مِنَ ٱللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ يَسُوعُ مَاشِياً عَلَى ٱلْبَحْرِ» (آية 25).

    والسؤال: لماذا ترك المسيح التلاميذ على صفحة الماء؟

    نحن لا ندرك الحكمة الإلهية دائماً. وفي مرات كثيرة نسأل الله: لماذا فعلت بنا هكذا؟ لكننا نحتاج دائماً أن نسلّم له، لأننا وإن كنا لا ندرك حكمته، لكننا ندرك أنه يحبنا.

  4. لم يعرف التلاميذ معلّمهم عندما جاءهم وظنوه خيالاً، لأن الخلاص جاءهم من حيث لم يتوقعوا فارتعبوا. «فَلَمَّا أَبْصَرَهُ ٱلتَّلامِيذُ مَاشِياً عَلَى ٱلْبَحْرِ ٱضْطَرَبُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ خَيَالٌ. وَمِنَ ٱلْخَوْفِ صَرَخُوا» (آية 26). يجيئنا الله بالنجاة من أبواب لا نعرفها ولا نتوقعها ولم نسمع عنها، وأحياناً لعظمة الخلاص القادم نظن أنه نوع من الخيال!

    ومع أن المؤمنين يتعلمون طرق الله كلما تقدموا في الإيمان، إلا أن مفاجئات الله المعجزية وتعاليمه الاختبارية جديدة في كل صباح. فليعطنا الله روح التعلُّم والانبهار باستمرار.

  5. صرخ التلاميذ، وجَيِّدٌ أن يصرخ المؤمن ليعلن ضعفه وعجزه ونقص حكمته وعدم قدرته على إنقاذ نفسه. وعندها تجيئه النجاة الإلهية: «تشجعوا. أنا هو. لا تخافوا».

2 - ونرى في هذه المعجزة محتاجاً بصفة أكبر، هو بطرس، ونرى فيه:

  1. الثقة الشديدة «فأجابه بطرس: يا سيد، إن كنت أنت هو، فمُرْني أن آتي إليك على الماء» (آية 28).

    اشترك بطرس مع سائر التلاميذ في الخوف، ولكنه اختبر اختباراً زائداً في ذلك اليوم. كانت عنده الثقة الشديدة، فقال: «إن كنت أنت هو» لا بمعنى الشك بل بمعنى التأكيد، وكأنه يقول: «أنا أعلم أنك هو، فُمرْني أن آتي إليك». وطلب بطرس أن يوجّه المسيح له أمره «فمُرْني» ممّا يدل على أن بطرس رجل الطاعة.

    تميّز بطرس عن سائر التلاميذ بأنه كان أكثرهم سرعة، حتى يسمّونه أحياناً «المندفع». كان سريعاً في معرفة المسيح، وفي إعلانه من هو المسيح. وفي هذا الموقف ألقى نفسه في البحيرة ليصل إلى الشاطئ قبل باقي التلاميذ ليلتقي بالمسيح.

  2. ولكن الثقة الشديدة تحوَّلت إلى ثقة مرتعشة. «نَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى ٱلْمَاءِ لِيَأْتِيَ إِلَى يَسُوعَ. وَلٰكِنْ لَمَّا رَأَى ٱلرِّيحَ شَدِيدَةً خَافَ. وَٱبْتَدَأَ يَغْرَقُ» (29 ، 30أ). كم من مرة جعل الرب لنا «الماء» الذي لا يمشي عليه أحد طريقاً صلباً راسخاً ثابتاً! ولكن بطرس حّوَل نظره من رب الظروف إلى الظروف، ومن القادر على المعونة إلى عجزه، وإلى شدة العقبات التي تعترضه! وعندما نحوِّل نظرنا من حلاَّل المشكلة إلى المشكلة نفسها نغرق، لأن المشكلة أكبر منا، ولا يوجد عندنا ما يعطينا الانتصار عليها.

    عزيزي القارئ، عندما تعترف بخطاياك لله، لا تركز الفكر على خطاياك، بل على غافر الخطية، لأننا كلما لوَّمنا أنفسنا على الخطيّة فكرنا فيها فتصير أفكارنا سلبية، ونفقد الثقة في أنفسنا. لكن عندما نفكر في غافر الخطية، صاحب كفارة الصليب، المحب الذي يقبلنا، نحوِّل نظرنا من المشكلة إلى المخلِّص.

    وبالرغم من أن بطرس كان يُحسن السباحة إلا أنه كاد يغرق. لعل الخوف الذي سيطر عليه شلَّ قواه الطبيعية، والخوف يشل عادةً قُوانا ومواهبنا المعطاة لنا من الله. لكننا نحتاج إلى من هو فوق الطبيعة، لأن قدراتنا الطبيعية عاجزة ومحدودة.

  3. ثقة الطلب المصلّية: «يا رب نجِّني» (آية 30) إنها صلاة قصيرة لكنها عميقة، تعترف بالضعف ولكنها مؤمنة بالمنقذ. فلقد رجعت لبطرس الثقة التي قال بها: «مُرْني أن آتي إليك». تقوَّت الثقة المرتعشة الخائفة وصرخت مرة أخرى لأنها تثق في مستجيب الصلاة. وجاءت الإجابة السريعة، ومدَّ المسيح يده القادرة القوية المخلِّصة وأمسك به.

لنعلم أن طوق النجاة هو الثقة في محبة المسيح مخلِّصنا. لا يقول الإنجيل: «التلميذ الذي كان يحب يسوع» لكن: «التلميذ الذي كان يسوع يحبه» لأن محبتنا له تهتزّ وتضعف، ولا نستطيع أن نعتمد على يدنا المرتعشة التي تمسك به، ولكننا نعتمد على يد المسيح الذي يمسك بيدنا. فهذه هي القوة القادرة، فنقول: «فِي ضِيقِي دَعَوْتُ ٱلرَّبَّ وَإِلَى إِلٰهِي صَرَخْتُ، فَسَمِعَ مِنْ هَيْكَلِهِ صَوْتِي، وَصُرَاخِي قُدَّامَهُ دَخَلَ أُذُنَيْهِ» (مزمور 18: 6).

ثانياً - المسيح والمعجزة

(1) المسيح المصلي:

تبدأ هذه المعجزة بالمسيح على الجبل يصلي، لا طلباً للغفران أو القوة، بل لأنه واحد مع الآب يصلي من أجل التلاميذ، كما قال: «وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هٰؤُلاءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً مِنْ أَجْلِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلامِهِمْ» (يوحنا 17: 20) فالمسيح صلى من أجل الاثني عشر، ومن أجل الذين يؤمنون به بكلامهم، فهو دائماً يرفعنا بشفاعته. ولا توجد شفاعة مقبولة إلا شفاعته وحده، لأن البشر جميعاً خطاؤون، محتاجون إلى شفيع. لكن المسيح هو الكامل الوحيد الفريد. وحده المستحق أن يكون شفيعاً لأنه في غير احتياج لمن يشفع فيه. ثم إنه يستطيع (كما طلب أيوب) أن يضع يده على كلينا، على الله وعلينا (أيوب 9: 33)، فطبيعته الإنسانية كإنسان كامل تجعله يضع يده علينا: «تَشَارَكَ ٱلأَوْلادُ فِي ٱللَّحْمِ وَٱلدَّمِ ٱشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذٰلِكَ فِيهِمَا» (عبرانيين 2: 14). فالمسيح لحمٌ ودمٌ مثلنا تماماً فهو كامل الإنسانية، المولود من العذراء القديسة مريم، والذي مات على الصليب والذي دُفن. ولكنه في الوقت نفسه هو الإله الكامل. جاء أرضنا وهو الموجود من قبل ميلاده، فهو «مولود غير مخلوق». وبعد صلبه ودفنه قام من قبره، لأن القبر لا يُمسك الحياة، وهو رب الحياة، وسيد الحياة. كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان. هذا الإنسان الكامل يضع يده عليَّ. وهذا الإله الكامل يضع يدي في يد الله ليُجري المصالحة، وتتحقق كلمات الإنجيل: «ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ» (2كورنثوس 5: 19).

(2) المسيح الرقيق:

رأى المسيح من على الجبل في ظلمة الليل تلاميذه معذبين على البحيرة (مرقس 6: 48). عينا المحبة اخترقتا أستار الظلام، فهو العارف بالغيب. ولم يستغرق وقتاً لينتقل من على الجبل إلى وسط البحيرة ماشياً على الماء. «إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي ٱلَّذِي فِي مِصْرَ وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ مِنْ أَجْلِ مُسَخِّرِيهِمْ. إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ» (خروج 3: 7 ، 8).

(3) المسيح القادر:

إنه الرب الماشي على البحر «ٱلْبَاسِطُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ وَٱلْمَاشِي عَلَى أَعَالِي ٱلْبَحْرِ» (أيوب 9: 8).

(4) المسيح المُتأنّي:

جاء في الهزيع الرابع من الليل. يتذمر مؤمنون كثيرون على الله لأنهم يعتقدون أنه يتركهم وسط التعب. لكن أناة الله تصوغ حياتهم، وتعلمهم من خلال تجاربهم. فهو لا يأتي في توقيتنا نحن بل في توقيته الحكيم. إنها حكمة المعلم... حكمة الأب. إنه مثل منقذٍ لمن يتعرَّض للغرق، يترك المسكين لثوانٍ محسوبة، إلى أن يصير مستعداً للتسليم، فيحمله لشاطئ النجاة.

مرة أسكت المسيح العاصفة وهو موجود مع التلاميذ في القارب، وفي هذه المرة كان غائباً عنهم. كان يريد أن يعلّمهم أنه حتى وإن كان غائباً عنهم بالجسد لكنه موجود معهم بروحه. في الإنقاذ الأول رأوه بأعينهم يُسكت العاصفة، ولكن في الإنقاذ الثاني رأوه يجيء من بعيد. و «طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا» (يوحنا 20: 29).

عزيزي القارئ، ليس المهم أن تراه، بل أنه هو يراك. ليس المهم أن تمسك به، بل أنه هو يمسك بك. عندئذٍ تراه وتمسك به، وقد امتلأ قلبك بالطمأنينة والفرح.

(5) المسيح الذي ينتظر الدعوة:

حاول المسيح أن يتجاوز القارب «أَتَاهُمْ مَاشِياً عَلَى ٱلْبَحْرِ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمْ» (مرقس 6: 48) لأنه يريد أن يسمع من التلاميذ طلب النجاة. وهكذا فعل مع تلميذي عمواس ليوجِّها الدعوة إليه: «ثُمَّ ٱقْتَرَبُوا إِلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ إِلَيْهَا، وَهُوَ تَظَاهَرَ كَأَنَّهُ مُنْطَلِقٌ إِلَى مَكَانٍ أَبْعَدَ» (لوقا 24: 28). وهنا عظمة خلاص المسيح. هنا نرى المسئولية الإنسانية والعمل الإلهي، فالمسئولية الإنسانية تدعو المسيح لدخول القلب، والمسئولية الإلهية هي دخول القلب «وَاقِفٌ عَلَى ٱلْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا 3: 20).

(6) المسيح المشجِّع:

الرب دائماً يشجّع أبناءه قائلاً: «أَنَا هُوَ. لا تَخَافُوا» (مرقس 6: 50). كما أنه يريدهم أن يكونوا دائماً في سلام: «سَلاماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلامِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي ٱلْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا» (يوحنا 14: 27). لأن عطية العالم محدودة يختلط معها السلام بالقلق، لكن سلام الرب صافٍ وواضح. هو الذي أمسك بيد بطرس: «مَدَّ يسوعُ يده وأمسك به» (آية 31) ولم يوبّخ ضعف إيمان تلميذه إلا بعد أن رفعه فوق البحر الهائج! لم يقل له: لماذا جئت إليَّ؟ فمن حق بطرس أن يجيء للرب. ولكنه قال له: «يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟» (آية 31). فمن حق المؤمن أن يطلب من الله، لكن ليس من حقه أن يشك في محبة الله.

«أؤمن يا سيد، فأعن عدم إيماني!».

صلاة

أبانا السماوي، عندما يضطرب بنا بحر الحياة، وعندما نفقد السيطرة على المصير يجيئنا المسيح، سيد الطبيعة، يمشي على الموج ليهدّئه، فالموج تحت قدميه خاضع. فإليك نلجأ، وعليك نعتمد، لنجد الأمان العميق داخلنا، فلا نعود نضطرب مهما ثار بحر الحياة. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. ماذا كانت صلاة المسيح على الجبل وحده؟

  2. ما معنى «الهزيع الأخير»؟

  3. لماذا ظن التلاميذ أن المسيح الآتي إليهم ماشياً على الماء خيالاً؟

  4. نتعلم من طلب بطرس: «مُرْني أن آتي إليك على الماء» أمرين. اذكرهما.

  5. ماذا نتعلم من مَشْي المسيح على الماء؟

  6. ماذا نتعلم من القول: «أراد أن يتجاوزهم»؟

  7. اذكر اختباراً روحياً جُزْتَ فيه يشبه مشي بطرس على الماء.

المعجزة الثامنة عشرة شفاء ابنة الفينيقية

21 ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَٱنْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22 وَإِذَا ٱمْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ ٱلتُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ: «ٱرْحَمْنِي يَا سَيِّدُ يَا ٱبْنَ دَاوُدَ. اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدّاً». 23 فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلامِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «ٱصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24 فَأَجَابَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَّةِ». 25 فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ أَعِنِّي!» 26 فَأَجَابَ: «لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ ٱلْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلابِ». 27 فَقَالَتْ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. وَٱلْكِلابُ أَيْضاً تَأْكُلُ مِنَ ٱلْفُتَاتِ ٱلَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا». 28 حِينَئِذٍ قَالَ يَسُوعُ لَهَا: «يَا ٱمْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ٱبْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ(متى 15: 21-28).

(وردت المعجزة أيضاً في مرقس 7: 24-30).

رحَّب المسيح بالناس جميعاً، أفراداً وجماعات. مرة التقى في حديث فردي مع رجل دين يهودي، هو نيقوديموس، وكلَّمه عن الولادة الجديدة. ومرة أخرى التقى في حديث فردي مع امرأة سامرية ساقطة، وقدَّم لها الماء الحي (يوحنا 3 ، 4).

وشفى المسيح يهوداً ووثنيين. شفى غلام قائد المئة (متى 8) كما شفى ابن خادم الملك (يوحنا 4).

والمعجزة التي نتأملها الآن هي معجزة شفاء ابنة سيدة أممية وثنية، كانت مريضة مجنونة، تسكنها الأرواح الشريرة، فجاءت أمها إلى المسيح تطلب منه أن يشفيها - فقد كان بؤس الإبنة هو بؤس الأم.

ويصف متى المرأة بأنها «كنعانية» لأنها - وكل سكان فينيقية - من نسل كنعان حفيد نوح. ويصفها مرقس بأنها «أممية» بسبب دينها الوثني، فإنها من غير اليهود، كما يصفها بأنها «فينيقية سورية» لأن الرومان اعتبروا بلدها جزءاً من ولاية سوريا.

كانت المرأة الفينيقية قد سمعت عن المسيح (متى 4: 24) فالرائحة العطرة لا تختفي - فجاءت إليه، ولكن المسيح صدمها. وتثير هذه المعجزة أسئلة كثيرة، لأن الحديث الذي دار بين المسيح وبين هذه الأم يختلف عن الحديث الذي دار بينه وبين غيرها من طالبي الشفاء وسائلي البركة. وسندرك من تأملنا في هذه المعجزة أن قصد المسيح دائماً هو إظهار محبته للبشر في كلامه وعمله، حتى لو ظهر من كلامه أنه لا يحبنا بالقدر الكافي الواضح.

يبدو في هذه المعجزة أن المسيح كان متردداً في شفاء ابنة الكنعانية، لأنه أولاً لم يجاوبها. وعندما قال له تلاميذه: «ٱصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» (آية 23) وهم يقصدون بذلك أن يشفي ابنتها حتى تتركهم، أجاب: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ ٱلضَّالَّة» (آية 24).

وعندما دخل البيت، دخلت المرأة وراءه وسجدت وطلبت أن يشفي ابنتها، فردَّ عليها الردَّ الذي قد يصدمنا، كما لا بد أنه صدمها، إذ قال: «لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ ٱلْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلابِ» (آية 26) فهذا موقف غريب لم نتعوده من المسيح. لقد رأيناه يلتقي من قبل بأناس مختلفين شفاهم، فيتبادر إلى ذهننا سؤال: لماذا جاوب المسيح تلاميذه والفينيقية بهذا الأسلوب؟ لا بد أن هناك سبباً جعله يتصرف هكذا.

لقد سمعت هذه المرأة أن المسيح يشفي كل مرض، فقررت الذهاب إليه لتطلب شفاءً لابنتها. وعندما جاوبها بما لم تتوقعه، ولم يسبق له أن ردَّ به على أحد قبلها، لم تيأس، بل صممت أن لا ترجع إلا بعد أن تنال منه شفاء ابنتها، فدخلت البيت وراءه وسجدت وكررت طلبها، فنالت بسبب لجاجتها سُؤل قلبها، كما نالت مدح المسيح لإيمانها.

أولاً - المحتاجة والمعجزة

1 - الابنة الفينيقة:

هي مجنونة ومسكونة بالروح الشرير (مرقس 7: 25) فالشيطان يضيّع عقل من يسلّم له نفسه. كان هناك تاجران يمتلك كل منهما محلاً خاصاً به، أحدهما ناجح والآخر يعوزه النجاح، فحسد جاره الناجح، وكاد له بأن أرسل من غيّر أسعار البضائع، فوضع سعراً عالياً على البضائع الرخيصة، وسعراً رخيصاً على البضائع الثمينة. وخسر الجار الناجح خسارة كبيرة قبل أن يكتشف المكيدة! وإبليس يفعل نفس الشيء معنا، فهو يضع سعراً كبيراً على شيء تافه، ويضع سعراً تافهاً على شيء ثمين، فنجري وراء البائد وننسى الباقي للحياة الأبدية! منّا من يقيّم نفسه بما عنده من ثروة ستنتهي يوماً، ولكن العاقل يقول: «عُرْيَاناً خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي وَعُرْيَاناً أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ» (أيوب 1: 21). «فُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ» (2كورنثوس 6: 10).

سكن إبليس هذه الفتاة المسكينة فذهب بعقلها. ولا زال إبليس، وسيظل، يضلّل الناس، ويضيّع الفكر السليم والمنطق العاقل ويقلب الأوضاع، فيجعلهم يجرون وراء التافه ويهملون ما هو أهم، مع أن ملكوت السموات يشبه تاجراً يطلب لآلئ حسنة، وعندما وجد اللؤلؤة العظيمة، باع كل ما كان يملك ليشتريها (متى 13: 45 ، 46).

2 - الأم التي طلبت:

  1. الأم التي آمنت إيماناً قوي التصميم (آية 28). لا بد أن الروح القدس تعامل معها حتى أقنع قلبها أن احتياجها موجود كله عند المسيح. كان هذا الإيمان العظيم مصمِّماً على أن يأخذ ولا يرجع فارغاً. علمت أنه غني بالقوة والقدرة والمحبة، وسخي في العطاء والتوزيع. وعندما رأت وجهه أدركت أن كل ما سمعته عنه صحيح، فلا بد أن يعطيها ما احتاجت إليه. ومدح المسيح فيها هذا الإيمان بقوله: «يَا ٱمْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ» (متى 15: 28). ولم يسبق للمسيح أن مدح إيماناً إلا إيمان الفينيقية وإيمان قائد المئة (متى 8: 10) ولا تذكر لنا الأناجيل أنه مدح إيماناً غير إيمان هذين، وكلاهما من الأمم.

    كان إيمانها بالرغم من الخلفية الوثنية التي جاءت منها، فعائلتها كانت تعبد الأصنام، وأما هي فكانت تنتظر المخلّص الآتي، فنادته: «ارحمني يا سيد يا ابن دواد» لأنها أدركت أن الخلاص به وفيه، وأنه المسيا المنتظر.

    آمنت بالرغم من الموقف الصعب الذي وضعها المسيح فيه. فعندما نادته لم يجاوبها، وعندما تدخَّل التلاميذ ليعطيها طلبها رفض، ثم جاء الرد الذي لم تتوقعه: «لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ ٱلْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلابِ» (متى 15: 26) ولكنها بالرغم من ذلك أصرَّت مؤمنةً أن يشفي ابنتها.

    قال القديس يوحنا فم الذهب: «لم يكن عند الكلمة كلمة تشجيع لها، فإن ينبوع الحنان أُغلق،والطبيب ضنَّ بالعلاج». ولكنها قررت الجهاد حتى تغلب، فجاهدت مع المسيح حتى انتصرت بنعمته هو! إذ غلبت نفسها وكبرياءها. إن فم الإيمان لا يُغلق حتى لو أغلق المسيحُ عن صاحب ذلك الإيمان فمَه وأذنَه، وحتى لو سلك التلاميذ سلوكاً خاطئاً «ٱصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا» (آية 23)، وحتى لو اعتقد صاحبه أن البركة هي لقليلين، وأنه غير مستحق. لم تتوقف الفينيقية عن طلبها بالرغم من كل ذلك.

    الإيمان المصمِّم هو ما تعلَّمته الفينيقية من الروح القدس، وهو الإيمان الذي يقرع الباب ولا يسكت حتى يستيقظ صاحب البيت، ولو بعد منتصف الليل، ليعطي الاحتياج المطلوب (لوقا 11: 8). وهو الذي يجاهد مع الملاك كيعقوب ويصلي لينال البركة (تكوين 32: 24-32) وهو جهاد الخاضع المسترحِم (هوشع 12: 3 ، 4).

    كان جهاد الفينيقية جهاد الطاعة، حسب قول بولس: «مُجَاهِداً، بِحَسَبِ عَمَلِهِ ٱلَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُّوَةٍ» (كولوسي 1: 29). هناك إذاً قوة الرب في القلب المسكين ليجاهد مع المسيح وليقول له: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. وَٱلْكِلابُ أَيْضاً تَأْكُلُ مِنَ ٱلْفُتَاتِ ٱلَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا» (آية 27).

  2. الأم التي تواضعت: نرى تواضع هذه المرأة المصممة، فلم تأتِ إليه في عراك، لكن في صلاة وخضوع. وافقت مع المسيح على ما قاله لها، وقالت: « فَقَالَتْ: نَعَمْ يَا سَيِّد» (آية 27) بالرغم من أن كلامه كان موجعاً لها. فتشت عن الحق فيما قاله المسيح، فأجابت: «والكلاب أيضاً تأكل من الفُتات». كأنها تقول له: فُتاتك يا سيدي، وأقل القليل عندك يكفي ليُخرج الشيطان من ابنتي. معجزتك مع ابنتي بسيطة بالنسبة لما أجريتَهُ مع اليهود، فيكفيني الفُتات منك. (والفتات عند اليهود هو الجزء الذي يُقطع من الرغيف، فتُمسح به الأيدي من الدهون ويُرمى للكلاب المدللة). فكأنها تقول له: إن كان فُتاتك يُشبع، فكم يُشبع خبزك! لقد صلى أول بطريرك لمدينة البندقية الإيطالية (واسمه لورنس جستنيان) عندما أشرف على الموت هذه الصلاة: «مَنْ أنا يا رب لأجلس على مائدتك وأرى مجد الثالوث الأقدس؟ يكفي أن أجلس عند أقدام القديسين، يشبعني الفُتات الساقط من مائدتك في ملكوتك». هذا هو الإنسان المتواضع.

  3. الأم التي نالت: لقد اغتصبت الملكوت «والغاصبون يختطفونه» (متى 11: 12) فأخذت الملكوت بجهاد التواضع وطلب الإيمان الذي لا يمل. قال مارتن لوثر: «كأن المرأة الفينيقية أخذت السيف من يد المسيح وحاربته بكلماته قائلة: نعم يا سيد والكلاب أيضاً تأكل من الفتات الساقط من مائدة أربابها». فنالت إجابة المدح منه: «يَا ٱمْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ» (آية 28). لقد حصلت على النعمة المختفية وراء رفض المسيح لطلبها. قال مارتن لوثر أيضاً: «أَعْطِ الرب الحق كلَّه في ما يقول. اتفق معه في وجهة نظره، ولا تتوقف عن الصلاة حتى تنتصر كما انتصرت الفينيقية، وتُحوِّل كل البراهين التي ضدك إلى قضايا في صفّك، فتنال ما عند المسيح من بركة». لقد انتصرت بالغلبة من المسيح ونعمته وروحه القدوس.

لقد نالت الفينيقية طلبها لأنها دخلت إطار النعمة، إطار المائدة السماوية، حتى ولو كانت تحتها، مع الكلاب آكلة الفُتات، وهي تحمل مشاعر الابن الضال الذي قرر أن يقول لأبيه: «اِجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَجْرَاكَ» (لوقا 15: 19). لقد طلبت الفُتات من سخاء الرب، فمضت تتحدث عن رحمته.

ثانياً - المسيح والمعجزة

نتساءل: لماذا رفض المسيح الكلام مع الفينيقية مع أنه كلَّم السامرية؟ ولماذا تقدم بالشفاء لمريض البركة وسأله: «أتريد أن تبرأ» (يوحنا 5: 6) ومع ذلك رفض إجراء هذه المعجزة؟ لماذا قدَّم لمرضى كثيرين الشفاء الجسدي والروحي، وصدَّ الفينيقية بغير ما توقعت، وبغير ما نتوقع نحن منه؟! لا بد أن هناك سبباً.

  1. مساوة المسيح مع الفينيقية هي في اللفظ فقط، كقساوة يوسف مع إخوته القادمين من أرض كنعان، فقد تعامل معهم بقساوة بالرغم من حبه الشديد لهم «فَتَنَكَّرَ لَهُمْ وَتَكَلَّمَ مَعَهُمْ بِجَفَاءٍ» (تكوين 42: 7) «وَقَالَ لَهُمْ: جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ» (آية 9)، غير أنه «تَحَّوَلَ عَنْهُمْ وَبَكَى. ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ وَكَلَّمَهُمْ، وَأَخَذَ مِنْهُمْ شَمْعُونَ وَقَيَّدَهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ» (آية 24) ثم أعطاهم القمح ودفع ثمنه، وردَّ لهم ما دفعوه في أكياسهم! وكان يوسف بذلك يحقّق نبّوات سابقة، كما كان يختبر توبة إخوته ومحبتهم بعضهم لبعض. وتصرُّف المسيح مع هذه الفينيقية يشبه تصرُّف يوسف مع إخوته.

  2. لكي نفهم كلمات شخص نحتاج أن ننظر إلى وجهه وهو يتكلم، ولذلك نحتاج أن نرى قسمات وجه المسيح وهو يقول للفينيقية: «ليس حسناً أن يُؤخذ خبز البنين ويُطرح للكلاب». فلو كان وجه المسيح عابساً أو رافضاً أو متوتّراً وهو يحدّثها بهذه الكلمات، لاكتفت بذلك ورجعت. ولكن لا بد أن قسمات وجهه كانت تعكس العطف والحنان، الذي جعلها تتشجع، ولم تضيّع الصدمةُ تفكيرَها السليم. فما لم تنتظره من كلامٍ، مع ما رأته من علاماتٍ على وجهه، أيقظ عقلها وقلبها لتقول له: «يا سيد، أوافق على ما تقول، واعتماداً على ما قلت أطلب. أعطني الفُتات فهو يكفيني». ولا ننسى أنه بعد حديثه عن الكلاب قال لها: «يا امرأة» (آية 28) وهي كلمة رقيقة سبق أن نادى بها أمه (يوحنا 2: 4).

لكي نفهم المسيح نحتاج أن نرى وجهه، ولكي نرى وجهه يجب أن نتواجد في محضره، ثم نسجد أمامه بكل خشوع، ونصلي له، فنخرج من لقائه بكل ثقة وراحة وطمأنينة وفرح، وننتظره بإيمان.

3 - وهناك سببان لردّ المسيح على المرأة بهذا الرد الغريب، الذي يبدو قاسياً في الظاهر فقط.

  1. السبب الأول: في المرأة الفينيقية. هزَّ المسيح إيمانها لأنه يعلم أنه قوي وثابت، فلو كان إيمانها ضعيفاً لما كلَّمها بهذه الطريقة أبداً. «أَمِينٌ، ٱلَّذِي لا يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ» (1كورنثوس 10: 13) لقد أعطاها المسيح تجربة بقدر قوة إيمانها.

    لن تكون التجربة فوق طاقتنا، فلنطمئن ولتهدأ نفوسنا لأن عندنا منابع قوةٍ لم نستعملها، وعندنا رصيد نعمةٍ لم نصرفه بعد، وهناك فيضٌ من الإيمان العظيم الذي يعضد به الله كل مؤمن «ٱلَّذِي بِهِ تَبْتَهِجُونَ، مَعَ أَنَّكُمُ ٱلآنَ - إِنْ كَانَ يَجِبُ - تُحْزَنُونَ يَسِيراً بِتَجَارِبَ مُتَنَّوِعَةٍ، لِكَيْ تَكُونَ تَزْكِيَةُ إِيمَانِكُمْ، وَهِيَ أَثْمَنُ مِنَ ٱلذَّهَبِ ٱلْفَانِي، مَعَ أَنَّهُ يُمْتَحَنُ بِٱلنَّارِ، تُوجَدُ لِلْمَدْحِ وَٱلْكَرَامَةِ وَٱلْمَجْدِ عِنْدَ ٱسْتِعْلانِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (1بطرس 1: 6 ، 7). لقد علَّم الرب الفينيقية، كما يعلّمنا، الصلاة كل حين دون ملل ولا يأس، ثم علَّمها ويعلّمنا أن الاستجابة قادمة لا شك فيها.

  2. السبب الثاني: في تلاميذه، فقد أراد أن يعلمهم درساً.

    كانوا ينظرون للأمم ككلاب، فأراد أن يغيّر نظرتهم. وكأنه بهذه المعجزة يقول لهم: أنتم لا تحترمون الأمم، ولكن منهم من سيؤمن إيماناً لا يوجد مثله في كل إسرائيل. وسيتعلم بطرس أن لا يقول عن أحد أو شيء إنه نجس، ويكون حامل البشارة للأمم (أعمال 10). صحيح أن بداية الكرازة تكون بين اليهود، ولكن الهدف هو الوصول إلى الأمم، كما قال بولس: «ٱلْمَسِيحَ قَدْ صَارَ خَادِمَ ٱلْخِتَانِ (أي خادم اليهود)، مِنْ أَجْلِ صِدْقِ ٱللّٰهِ، حَتَّى يُثَبِّتَ مَوَاعِيدَ ٱلآبَاءِ. وَأَمَّا ٱلأُمَمُ فَمَجَّدُوا ٱللّٰهَ مِنْ أَجْلِ ٱلرَّحْمَةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: ... سَبِّحُوا ٱلرَّبَّ يَا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ وَٱمْدَحُوهُ يَا جَمِيعَ ٱلشُّعُوبِ» وَأَيْضاً يَقُولُ إِشَعْيَاءُ: «سَيَكُونُ أَصْلُ يَسَّى وَٱلْقَائِمُ لِيَسُودَ عَلَى ٱلأُمَمِ. عَلَيْهِ سَيَكُونُ رَجَاءُ ٱلأُمَمِ» (رومية 15: 8-12) إذاً البركة لليهود وللأمم أيضاً. وعندما حمل سمعانُ الشيخ الطفلَ يسوع (لوقا 2: 29-32) قال إنه خلاصٌ لإسرائيل ونورٌ للأمم. وقال المسيح عن نفسه إنه الراعي الصالح الذي له خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة «يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضاً فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 16) لقد بدأ المسيح بخراف بيت إسرائيل الضالة ليكونوا بداية الكنيسة التي تشمل كل الشعوب (متى 13: 31-33).

نتمنى أن يسمع كل واحد منا من الرب: «عظيم إيمانك». وليعطنا الرب الإيمان المنتظر الواثق الذي ينال.

صلاة

أبانا السماوي، عندما نتطلع إلى وجهك المحبّ ندرك أنك المحبة المتجسِّدة. علِّمنا أن نستمر في طلبنا واثقين أن الغمَّة لابدّ تنزاح، والغيمة لابد تنقشع، لأن عندك خبز البنين، ونحن لاجئون إليك. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. كيف تفسِّر وصف الأم أنها كنعانية وفينيقية وأممية وسورية؟

  2. لماذا طلب التلاميذ من المسيح أن يصرف الأم؟

  3. ما هو الفُتات؟

  4. كيف يصيب إبليس الناس بالجنون؟

  5. كيف أظهرت الفينيقية إيمانها، وكيف أظهرت تواضعها؟

  6. قول المسيح: «ويُطرح للكلاب» له سبب في الفينيقية - ما هو؟

  7. قول المسيح: «ويُطرح للكلاب» له سبب في التلاميذ - ما هو؟

المعجزة التاسعة عشرة شفاء أعمى تدريجياً

22 وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا، فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ، 23 فَأَخَذَ بِيَدِ ٱلأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ ٱلْقَرْيَةِ، وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ هَلْ أَبْصَرَ شَيْئاً؟ 24 فَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «أُبْصِرُ ٱلنَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ». 25 ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضاً عَلَى عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحاً وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيّاً. 26 فَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: «لا تَدْخُلِ ٱلْقَرْيَةَ، وَلا تَقُلْ لأَحَدٍ فِي ٱلْقَرْيَةِ» (مرقس 8: 22-26).

عوَّدنا المسيح أن ينال المريض منه شفاءً فورياً وكاملاً. ولكن هذه هي المعجزة الوحيدة التي تمَّ فيها الشفاء على مرحلتين. فعندما وضع المسيح يده على عيني أعمى بيت صيدا «تطلَّع وقال: أُبصر الناس كأشجارٍ يمشون» (آية 24). فعاد المسيح ووضع يده مرة أخرى وجعله يتطلَّع مرة ثانية، فعاد صحيحاً، وأبصر كل إنسان جلياً.

رأت بيتُ صيدا الكثيرَ من معجزات المسيح، انفتحت فيها عيونٌ روحية فعرفت المخلِّص، وعيونٌ جسدية فرأت هذا العالم. وبيت صيدا قرية تقوم مبانيها على جانبي بحيرة طبرية حيث يصبّ نهر الأردن، وهي قرية أندراوس الذي وجد المسيح، وبطرس الذي قاده أخوه أندراوس إلى المسيح، وفيلبس تلميذ المسيح الذي رآه وعرفه، فدعا نثنائيل ليقول له: «تعال وانظر».

لم يجئ الأعمى إلى المسيح بنفسه، لكن أصدقاءه قادوه، وحدّدوا للمسيح طريقة الشفاء: بأن يلمسه، فأكرم المسيح إيمانهم ولكن بغير الطريق الذي رسموه له، لأنه أخذ بيد الأعمى وأخرجه خارج القرية وانفرد به، وهناك تفل في عينيه ووضع يديه عليهما مرتين، فإذا به يبصر ويرى كل إنسان جلياً.

أولاً - المحتاج والمعجزة

  1. لم يحضر الأعمى للمسيح من تلقاء نفسه، بل آخرون «قدَّموه إليه» (آية 22).والناس يجيئون إلى المسيح بطرق كثيرة. بعضهم يجيئون من تلقاء أنفسهم لأنهم يحسون بالجوع والعطش الروحي، فيبغون الشبع والارتواء. لكن بعضهم لا يدركون احتياجهم فيقدّمهم آخرون كما حدث مع هذا الأعمى.

    رأينا معجزات وجد فيها المسيح المريض، كما حدث مع مريض بركة بيت حسدا (يوحنا 5). وهناك معجزات حُمل فيها المريض للمسيح، كما جرى مع المفلوج (مرقس 2). وهناك معجزات اقتيد فيها المريض للمسيح، كما نرى هنا.

  2. الوحيد الذي ورد أنه نال الشفاء تدريجياً:

    1. بسبب نقص حماسه. فأصدقاؤه هم الذين أحضروه. ونلاحظ أن كلامه مع المسيح كان إجابةً بقدر السؤال، فلم ينشئ هو حديثاً مع المسيح. وعندما وضع المسيح يده على عينيه لأول مرة سأله: هل أبصر شيئاً؟ لم تزد إجابته عن قوله: «أُبْصِرُ ٱلنَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ» (آية 24) فلم يكن له الحماس للحصول على بركة أكبر. لقد كان مختلفاً عن الأعمى الذي صرخ: «يا ابن داود ارحمني».

      وعندما وضع المسيح يديه على عيني هذا الأعمى مرة ثانية «أَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيّاً» (آية 25) ولكنه لم يُظهر فرحته بالقدر الكافي، ولا أسرع يتكلم عن المعجزة التي عملها المسيح معه. لم ينبهر بشيء، ولم يتحمس لشيء! كثيراً ما نأخذ نحن أكثر مما نطلب أو نفتكر من يدي المسيح، ولكننا لا نملك قوة الشكر ودفعة الحماس لنتحدث عن كم صنع الرب بنا ورحمنا، وكأن ما أنعم به علينا وأعطانا إياه فرضٌ وواجب عليه!

    2. بسبب نقص معرفته: أجرى المسيح معجزات كثيرة من قبل في بيت صيدا، ولكن يبدو أن هذا الأعمى لم يسمع عنها. سمع أصدقاؤه فأخذوه وقدّموه للمخلِّص الذي لم يسمع عنه هو. ولكن هذا الجهل لم يعطل المسيح المحب عن مدّ يده مرتين لهذا الأعمى الجاهل، ليهبه البصر الكامل. وكم من خاطئ مسكين «هَلَكَ مِنْ عَدَمِ ٱلْمَعْرِفَةِ»!(هوشع 4: 6).

    3. بسبب نقص الإيمان: نَقْص حماسه جعله لا يُقبل على المعرفة. ونَقْص معرفته جعله لا يؤمن، فإن الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله (رومية 10: 17).

    وشفاء الرجل التدريجي نقله إلى حالةٍ أفضل، فعندما رأى الناس كأشجارٍ يمشون كان محتاجاً إلى رؤية أوضح. ولم يتركه المسيح حتى حصل عليها.

يأخذ بعضنا بركة قليلة ويَقْنع بها، لكن الرب يريد أن يعطينا أكثر. عندما جاء أحد فقهاء الدين اليهود للمسيح يسأله عن أول الوصايا، أخبره المسيح أنها محبة الله والآخرين، فأجاب: «جيداً يا معلم. محبته ومحبة القريب أفضل من جميع المحرقات والذبائح» (مرقس 12: 32 و33). ومن إجابته نرى أنه تعلَّم درساً روحياً جديداً، فقد كان اليهود يعتبرون الذبائح والمحرقات أهم من كل شيء. ولكن ما تعلَّمه لم يكن كافياً لخلاصه، فقال له المسيح: «لست بعيداً عن ملكوت الله». ولست بعيداً تشبه: «أبصر الناس كأشجار يمشون». هذا يعني أن الفقيه ليس بعيداً، ولكنه ليس داخل الملكوت. إنه يحتاج لخطوة أخرى تُدخله ملكوت الله وتعطيه البركة الكاملة. وشوق قلب المسيح أن يمنحك البركة الكاملة، فلا تتوقَّف عند ما حصلت عليه.

ثانياً - الأصدقاء والمعجزة

1 - أحضر الأصدقاء الأعمى إلى المسيح. وهذا يُظهر:

  1. رحمةً بالأعمى. فقد أشفقوا على من لا يرى ولا يعرف، وتحوَّلت شفقتهم من مشاعر إلى عمل. و «طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ» (متى 5: 7).

  2. يُظهر إيماناً بقوة المسيح، الذي قال: «أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَمْشِي فِي ٱلظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ ٱلْحَيَاةِ» (يوحنا 8: 12). فجاءوا بالأعمى ثقةً في قدرته على شفائه.

  3. يُظهر الحكمة، فإن رابح النفوس حكيم (أمثال 11: 30). أعظم ما تفعله أن تصل إلى رأس الحكمة التي هي مخافة الله، ثم تقود غيرك إلى مخافة الله. السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب (لوقا 15: 7 ، 10) فإن من ردّ خاطئاً عن ضلال طريقه يخلّص نفساً من الموت ويستر كثرةً من الخطايا (يعقوب 5: 20).

    وعندما انفتحت عينا الأعمى، وأصبحت رؤيته واضحة، تحققت فرحتهم الكاملة!

2 -طلب الأصدقاء شفاء الأعمى بطريقة معيَّنة حدَّدوها للمسيح «أن يلمسه».

مرات كثيرة لكثرة حماستنا ومحبتنا للشخص نأمر الرب أن يفعل معه شيئاً نحدّده، كما فعل الأصدقاء بطلبهم أن يلتزم المسيح بطريقة خاصة عند شفائه للأعمى. لكننا نحتاج أن نتعلم صلاة المسيح في بستان جثسيماني: «لِتَكُنْ لا إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ» (لوقا 22: 42). فلا يجب علينا أن نُملي على الرب طريقة عمله وعنايته. ولكن الرب تغاضى عن إملائهم وتحديدهم، وأكرم إيمانهم، وشفى الأعمى بطريقته هو.

لقد أخذ الأعمى بعيداً عن أصدقائه إلى خارج القرية، وهناك أجرى معجزة الشفاء.

ولمسَه مرتين لا مرة واحدة. باركه مرتين، وأنعم عليه إنعاماً مضاعفاً، فالرب أكثر حباً للنفس العاجزة من حب الإنسان الذي يوصّلها له، وعطاء الرب للنفس أكبر من توقُّعات الإنسان الذي يطلب لأجلها منه!

ثالثاً - المسيح والمعجزة

  1. «أخذ بيد الأعمى وأخرجه إلى خارج القرية» (مرقس 8: 23) لأنه أراد أن يختلي به ويقضي معه وقتاً أكبر. أحياناً يأخذنا الرب من وسط أصدقائنا واهتماماتنا ويفصلنا عن الذين نعرفهم، لأنه يريدنا أن نصرف وقتاً أكبر معه. وهذا ما فعله مع الأعمى. لقد عزله عن المجموعة، وعن ماضيه، وعن وثنيّته!

    عندما ظهر الرب لشاول الطرسوسي في طريقه إلى دمشق، أوقعه على الأرض، فاقتادوه إلى حيث التقى بمن صلَّى من أجله وفتح عينيه وقلبه. ثم اختلى ثلاث سنوات بالرب في الصحراء ليعيد تقييم كل ما سبق أن تعلّمه، وليدرس التوراة في نور جديد، بعد أن عرف أن نبوّاتها قد تحققت في يسوع الناصري، وليتعمق في معرفة المسيح الذي سيصبح شاهداً له. والذي يتكلم عن الله يحتاج أولاً أن يتكلم مع الله، ويتمتع ويتلذذ به قبل أن ينطلق ليشهد له.

  2. «تفل في عينيه ووضع يده عليه» (مرقس 8: 23). أخذ الرب شيئاً عادياً وصنع به شيئاً فوق عادي! ألبس المسيح الشيء الطبيعي رداء ما فوق الطبيعة! سبق أن أخذ قوس قزحٍ طالما ظهر بعد المطر، وجعل منه علامة عهدٍ مع البشر أن لا يُغرِق الأرض مرة أخرى بالطوفان. وأخذ الختان الذي كانت تمارسه بعض بلاد الشرق الأوسط، وجعل منه علامة عهدٍ مع إبراهيم ونسله. وأخذ الخبز والكأس وجعل منهما علامة عهدٍ جديد. وأخذ خمس خبزات وسمكتين ليُشبع بها خمسة آلاف. لذلك يجب أن نقدم كل ما معنا له، وأول ثمر عملنا، ليجعل من هذه الأشياء العادية بركات فوق عادية.

  3. شفى المسيح الأعمى تدريجيا: لم يتركه حتى أكمل شفاءه، وهو لا يتركنا حتى يكمل خلاصنا، فهو رئيس إيماننا ومكمّله، فنقول مع بولس الرسول: «لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كَطِفْلٍ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ، وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْطَنُ، وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْتَكِرُ. وَلٰكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ. فَإِنَّنَا نَنْظُرُ ٱلآنَ فِي مِرْآةٍ فِي لُغْزٍ، لٰكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهاً لِوَجْهٍ. ٱلآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ ٱلْمَعْرِفَةِ، لٰكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ» (1كورنثوس 13: 11 ، 12). فإن محبة الرب تُدخِلنا إلى أعماقٍ أعمق في معرفته المباركة التي تخلّصنا وتحرّرنا إلى الأبد.

  4. أمر المسيح الأعمى بعدم دخول القرية: كان إيمان الأعمى ضعيفاً، وكانت حماسته في الحضيض. فماذا عساه يقول لمواطنيه، وماذا يحكي لهم؟

أليس الأفضل أن يبقى بعض الوقت خارج القرية يفكر في كم صنع الرب به ورحمه، قبل أن يعلن ذلك، أو قبل أن يسأله مواطنوه عنه؟ أليس من الأفضل أن تزيد معرفته بالمسيح قبل أن يتحدث عنه؟

كم نحتاج أن نعرف المسيح أكثر، ونحبه أكثر، لنتكلم عنه أفضل!

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأجل المسيح الذي فتح عيني الأعمى، وأطال أناته عليه حتى أبصر كل إنسان بوضوح. أنت تصبر علينا حتى تنفتح بصيرتنا فنرى شخصك الكريم، ونبصر طريقك المستقيم، فنتبعك مُعلنين فضل الذي نقلنا من الظلمة إلى نوره العجيب. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. اذكر واحداً انفتح قلبه للمسيح في بيت صيدا، وواحداً انفتحت عيناه فيها.

  2. اذكر معجزة شفاءٍ ذهب فيها المسيح للمريض، واذكر الشاهد.

  3. لماذا لم يكن أعمى بيت صيدا متحمِّساً لشيء؟

  4. ما هو وجه الشبه بين الفقيه المذكور في مرقس 12 وأعمى بيت صيدا؟

  5. أظهر أصدقاء الأعمى ثلاثة أمور بما عملوه. اذكرها.

  6. اذكر ثلاثة أشياء عادية جعل منها المسيح أشياء فوق عادية.

  7. لماذا أمر المسيح الأعمى بعد أن شفاه بعدم دخول القرية؟

المعجزة العشرون عُملة من فم سمكة

24 وَلَمَّا جَاءُوا إِلَى كَفْرَنَاحُومَ تَقَدَّمَ ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلدِّرْهَمَيْنِ إِلَى بُطْرُسَ وَقَالُوا: «أَمَا يُوفِي مُعَلِّمُكُمُ ٱلدِّرْهَمَيْنِ؟» 25 قَالَ: «بَلَى». فَلَمَّا دَخَلَ ٱلْبَيْتَ سَبَقَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «مَاذَا تَظُنُّ يَا سِمْعَانُ؟ مِمَّنْ يَأْخُذُ مُلُوكُ ٱلأَرْضِ ٱلْجِبَايَةَ أَوِ ٱلْجِزْيَةَ، أَمِنْ بَنِيهِمْ أَمْ مِنَ ٱلأَجَانِبِ؟» 26 قَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «مِنَ ٱلأَجَانِبِ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «فَإِذاً ٱلْبَنُونَ أَحْرَارٌ. 27 وَلٰكِنْ لِئَلاَّ نُعْثِرَهُمُ، ٱذْهَبْ إِلَى ٱلْبَحْرِ وَأَلْقِ صِنَّارَةً، وَٱلسَّمَكَةُ ٱلَّتِي تَطْلُعُ أَّوَلاً خُذْهَا، وَمَتَى فَتَحْتَ فَاهَا تَجِدْ إِسْتَاراً، فَخُذْهُ وَأَعْطِهِمْ عَنِّي وَعَنْكَ» (متى 17: 24-27).

انفرد القديس متى بذكر هذه المعجزة. وكما نعلم، فإنه كتب بشارته للمؤمنين من اليهود ليؤكد لهم بشرى أن المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد، وهو المخلِّص الذي جاء ليتمم مطالب العهد القديم، كما أنه المسيا الذي انتظره الشعب اليهود.

ترينا هذه المعجزة المسيح الإنسان الكامل والإله الكامل، بطبيعتيه. كإنسانٍ خضع لشريعة العهد القديم ومطالب شريعة موسى، فسدّد الضريبة المطلوبة من المواطن اليهودي العادي كفَّارة عن نفسه، مع أنه لم يكن مضطراً لدفعها لأنه الابن. لكنه أخضع نفسه للشريعة وهو الرب. كما احتاج إلى مال ليسدد المطلوب منه. وفي الوقت نفسه أعلن ألوهيته لما أجرى المعجزة التي أظهرت سلطانه في البر والبحر «فَإِنَّكُمْ تَعْرِفُونَ نِعْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ ٱفْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» (2كورنثوس 8: 9).

وصل المسيح إلى مدينة كفرناحوم (التي كانت معتبرة أنها محل سكناه) وكان ذلك وقت جمع ضريبة الهيكل السنوية، وهي نصف شاقل فضة (أي ستة جرامات). وصارت قيمة نصف الشاقل زمن المسيح درهمين، يدفعهما كل يهودي بلغ العشرين من عمره، فِدْية له، وكفَّارة عن نفسه (خروج 30: 11-16 ، 2أخبار 24: 6 ، 9).

وكان اليهود الساكنون في الشتات (خارج أرضهم) يجمعون هذه الضريبة في صناديق يحملها أشخاص مؤتمنون إلى أورشليم. ولما طولب المسيح بها، مع أنه مُعفَى منها، دفعها عنه وعن بطرس، بهذه المعجزة.

أولاً - المحتاج والمعجزة

يبدو للناظر السطحي للمعجزة أن المسيح هو المحتاج. لكن الحقيقة هي أن بطرس هو المحتاج ليدفع الضريبة المفروضة عليه. وفي طريقه للدفع كان محتاجاً لأن يتعلم ثلاثة دروس:

1 - يحتاج لمعرفة معنى أن المسيح هو ابن الله، فلا يدفع الجزية:

عندما سأل المسيح تلاميذه: «مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «أَنْتَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لٰكِنَّ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متى 16: 15-17). ويبدو أن بطرس صاحب هذا الإعلان لم يكن يعرف كل أبعاد ومعاني الكلمات التي قالها. وكان يحتاج بإعلان من الروح القدس أن يدركها بطريقة أعمق.

كما أن بطرس لم يكن يعرف كل تطبيقات لقب المسيح «ابن الله». فهذا اللقب الذي عرفه وأعلنه، يعني أن المسيح «رب الهيكل» لا يجب أن يدفع ضريبة الهيكل!

عندما سأل جامعو الضريبة بطرس: «أما يوفي معلِّمكم الدرهمين؟» (آية 24) أجاب بالإيجاب، بغير الرجوع إلى المسيح، لأنه كان واثقاً أن معلّمه التقيَّ يتمم مطالب الشريعة كلها. وعندما رجع إلى البيت بادره المسيح بالسؤال: «ماذا تظن يا سمعان؟ ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية؟ أَمِن بنيهم أم من الأجانب؟» (أي الذين ليسوا من عشيرتهم) (آية 25). وكانت الإجابة الطبيعية أنهم يأخذونها من الأجانب، لأن البنين ليسوا تحت الجزية. فقال المسيح لبطرس: «إذاً البنون أحرار» (آية 26). بمعنى أني لا أدفع الجزية لأنك أنت قلت لي: «أنت هو المسيح ابن الله الحي».

لقد أعطى الله لموسى تعليمات بناء خيمة الاجتماع، كما أخذ سليمان مواصفات ذلك وبنى هيكله على أساسها. وتهدّم الهيكل فأعادوا بناءه بنفس المواصفات. ولكن ما أبعد الفرق بين الابن صاحب البيت وبين الخادم فيه! «لأَنَّ كُلَّ بَيْتٍ يَبْنِيهِ إِنْسَانٌ مَا، وَلٰكِنَّ بَانِيَ ٱلْكُلِّ هُوَ ٱللّٰهُ. وَمُوسَى كَانَ أَمِيناً فِي كُلِّ بَيْتِهِ كَخَادِمٍ، شَهَادَةً لِلْعَتِيدِ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِهِ. وَأَمَّا ٱلْمَسِيحُ فَكَٱبْنٍ عَلَى بَيْتِهِ. وَبَيْتُهُ نَحْنُ إِنْ تَمَسَّكْنَا بِثِقَةِ ٱلرَّجَاءِ وَٱفْتِخَارِهِ ثَابِتَةً إِلَى ٱلنِّهَايَةِ» (عبرانيين 3: 4-6).

المسيح هو الهيكل، ورب الهيكل. أما موسى فهو خادم الهيكل! والمسيح أعظم من موسى!

2 - يحتاج بطرس لمعرفة أن المسيح هو هيكل الله، فلا يدفع الجزية:

كانت الجزية تُدفع للهيكل، والمسيح هو الهيكل الذي فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً (كولوسي 2: 9). فكيف يدفع جزية عن نفسه؟ وقد أعلن المسيح عن نفسه أنه هيكل الله، وقال: «ٱنْقُضُوا هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ وَفِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». فَقَالَ ٱلْيَهُودُ: «فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هٰذَا ٱلْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟ وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ. فَلَمَّا قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلامِيذُهُ أَنَّهُ قَالَ هٰذَا، فَآمَنُوا بِٱلْكِتَابِ وَٱلْكَلامِ ٱلَّذِي قَالَهُ يَسُوعُ» (يوحنا 2: 19-22). لقد نقض اليهود بالفعل جسد المسيح على الصليب، وأقامه هو بعد ثلاثة أيام.

«وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً»(يوحنا 1: 14).

3 - يحتاج بطرس أن يدرك معنى أن المسيح هو الفدية، فلا يدفع الجزية:

كانت الجزية المطلوبة نصف شاقل كتقدمة للرب للتكفير، ولسدّ أعواز خدمة الهيكل. وكانت «فدية الكفارة» هذه تُؤخذ من بني إسرائيل. ولما كانت تلك الجزية فدية للرب، فلم يكن المسيح محتاجاً لدفعها لأنه هو المخلِّص، وهو الفادي والمُكفِّر.

قال الله: «كُلُّ ٱلنُّفُوسِ هِيَ لِي. نَفْسُ ٱلأَبِ كَنَفْسِ ٱلٱِبْنِ. كِلاهُمَا لِي. اَلنَّفْسُ ٱلَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ» (حزقيال 18: 4). إذ كل نفسٍ هي له بالخلْق فهو الخالق، وبالفداء فهو الفادي، وبالإنعام بالحياة الجديدة فهو المخلِّص. هو النجاة والخلاص من الموت المحقَّق ومن الهلاك. والمسيح الذي يفدي لا يقدم فدية عن نفسه.

بعد إعلان بطرس أن المسيح هو ابن الله، أعلن المسيح أنه آتٍ للفداء والكفارة: «مِنْ ذٰلِكَ ٱلْوَقْتِ ٱبْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلامِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومَ» (متى 16: 21). أيضاً: «قال يسوع لتلاميذه: إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي» (متى 16: 24).

المسيح هو الذي دخل إلى الأقداس مرة واحدة بذبيحة نفسه، فأوجد فداءً أبدياً، لا يتكرر سنة بعد سنة.

ثانياً - المسيح والمعجزة

1 - محبة المسيح العجيبة:

  1. ظهرت تلك المحبة لبطرس، وللذين يجمعون الجزية. فبالرغم من أنه لا يجب أن يدفع الجزية، لكن لكيلا يُخجل بطرس سدَّدها عن نفسه وعن تلميذه. ومرات كثيرة نعد وعداً يكون أكبر من طاقتنا، ولكن المسيح يكرم إيماننا ويعطي بحسب غناه ومحبته.

  2. وكان يمكن أن يدخل المسيح مع جُباة الضريبة في جدال ليبرهن أنه مُعفَى من دفع الجزية. لكنه أراد ألاّ يعثرهم وألاّ يجعلهم يظنون أنه كسر الناموس. فلم يكن بعد في استطاعتهم أن يفهموا معنى الكفارة، ولا معنى بنويّته لله، لأنه لا يستطيع أحد أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس (1كورنثوس 12: 3). ولم يكن الروح القدس قد أُعطي بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجِّد بعد. (يوحنا 7: 39). فهذه هي محبة المسيح ورقَّته مع جباة الضرائب.

2 - المسيح العارف بكل شيء:

  1. عندما دخل بطرس البيت ابتدره المسيح بالسؤال: «ممَّن يأخذ ملوك الأرض الجباية؟» (آية 25) فقد عرف المسيح الحديث الذي دار بين بطرس وبين جُباة الضرائب، فكل شيء عريان ومكشوف أمامه، وهو يعرف الأسئلة والانتقادات التي تُوجَّه وتصوَّب إلينا ولا نملك لها إجابة، كما أنه يعرف احتياجات عواطفنا وأجسادنا وأرواحنا.

  2. قال المسيح لبطرس إن أول سمكة سيمسك بها ستكون بفمها العملة الكافية بالضبط لدفع الجزية عنه وعن بطرس. وهذه ليست مجرد معرفة، بل هي المعرفة ذات السلطان! لقد جاءت السمكة المعيَّنة في ذات المكان الذي كان بطرس سيلقي الصنارة فيه، وفي ذات اللحظة. وعندما أمسكت السمكة بالصنارة لم تسقط قطعة العملة من فمها، وظلَّت محتفظةً بها إلى أن سحبها بطرس إلى اليابسة!

3 - أعلن المسيح سلطان الابن:

أعلن الملاك لمريم أنها ستلد ابن الله: «سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً... هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى... ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللّٰهِ» (لوقا 1: 31 ، 32 ، 35).

كما أعلن الآب ذلك عند معمودية المسيح في نهر الأردن عندما قال: «هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ» (متى 3: 17) وأعلن المسيح ذلك وقت زيارته للهيكل في عمر الثانية عشرة، وقال: «يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي» (لوقا 2: 49). وأعلنه وقت التطهير الأول للهيكل، وقال لباعة الحمام: «ٱرْفَعُوا هٰذِهِ مِنْ هٰهُنَا. لا تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ» (يوحنا 2: 16).

ولقد ميَّز المسيح بين بنويته لله التي هي بنوية أصيلة، وبين بنوية التلاميذ لله التي هي مكتسَبة من إنعامه. إن بنويَّة المسيح أزلية من قبل كل الدهور، أما بنويّتنا فمُكتسبة، إذ أعطاها لنا يوم سلَّمْنا حياتنا له ووُلدنا من فوق. لقد قال المسيح لبطرس: «تجد إستاراً، فخذه وأعطهم عني وعنك» (آية 27) ولم يقل «أعطهم عنا». كما قال في موقف آخر: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ» (يوحنا 20: 17) ولم يقل «إلى أبينا». هنا نرى الفادي والمفديين، المخلِّص والمخلَّصين.

وما أجمل قول الآب للابن في المزمور الثاني: «أَنْتَ ٱبْنِي. أَنَا ٱلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ» (مزمور 2: 7) فإن الابن موجود من قبل ميلاده. لم يقل له: «اليوم ولدتك. أنت ابني». فهذا شأن البشر. أما المسيح فهو الابن الأزلي من قبل ميلاده العذراوي.

يريد الله أن يعلّمنا درساً لنلقي أنفسنا بالتمام عليه، وعندها نُصبح أغنياء بالروح. وعندما نضع أنفسنا بضعفاتنا أمامه يكمّل النقص ويقوّي الضعف ويكملنا بنعمته. يريد أن يعلّمنا أنه صاحب السلطان، الذي يملك الحل المذهل القريب لكل المشاكل التي تبدو بلا نهاية. إنه يحسب حساب النفقة، ويبطل معوِّقات امتداد ملكوته وانتشار كلمته، ويقّوي ضعف أولاده.

4 - أظهر أنه ربّ الطبيعة:

لما دفع المسيح الجزية بمعجزة أظهر أنه وهو يخضع للشريعة هو في الوقت نفسه رب الطبيعة، فقد سدَّت المعجزة الحاجة، كما أعلنت سلطان الرب. وقد بيَّن المسيح لبطرس حجمه الطبيعي في مشكلته. ومرات كثيرة نحتاج أن نتذكر أننا بدون المسيح لا نستطيع أن نفعل شيئاً، ولكننا نستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّينا (يوحنا 15: 5 وفيلبي 4: 13). ومع أن حجمنا أمام المشكلة تافه، إلا أننا بنعمة المسيح قادرون.

جعل الرب صنّارة بطرس تُمسك السمكة المطلوبة من أول مرة. ولما استخرج العُملة من فمها كانت بالقدر المطلوب بالضبط، فأخذها ليسدّد احتياجات الهيكل. ويضع الرب صنارة في فم إبليس ليصيد كل واحدٍ ممن اختارهم ليقوم بخدمة هيكله، ثم يجعل المؤمن الذي أمسكته صنّارة الرب صيّاداً للناس.

كان بطرس مختفياً كالإستار في فم السمكة، فأخرجه المسيح وصاد به الناس عندما قال له: «هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ ٱلنَّاسِ» (متى 4: 19) فأعطى لحياة بطرس معنى أعظم وأعمق، وحقق به هدف السماء.

وهكذا يجب أن يكون معك.

صلاة

أبانا السماوي، حتى السمك السابح في المياه يتمّم مقاصدك، والعالم كله ينفّذ خُططك. من حيث لا ندري تسدّد ديوننا، وتغطي كل احتياجنا.

علّمنا التسليم الكامل لك، والطاعة المطلقة لأوامرك، فيتحقّق قصدك الصالح في حياتنا. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. ثلاثة دروس أراد المسيح أن يعلّمها لبطرس من هذه المعجزة. اذكر كل درس منها، واشرحه.

  2. أظهر المسيح محبته لبطرس في هذه المعجزة - كيف؟

  3. أظهر المسيح محبته لجُباة ضريبة الهيكل - كيف؟

  4. ماذا تتعلّم من أن بطرس صاد السمكة المطلوبة من أول مرة؟

  5. كيف كان بطرس مثل الإستار في فم السمكة؟ وماذا فعل المسيح به؟

المعجزة الحادية والعشرون الواحد الذي شكر

11 وَفِي ذَهَابِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ ٱجْتَازَ فِي وَسَطِ ٱلسَّامِرَةِ وَٱلْجَلِيلِ. 12 وَفِيمَا هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ ٱسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَالٍ بُرْصٍ، فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ 13 وَصَرَخُوا: «يَا يَسُوعُ يَا مُعَلِّمُ، ٱرْحَمْنَا». 14 فَنَظَرَ وَقَالَ لَهُمُ: «ٱذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ». وَفِيمَا هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهَرُوا. 15 فَوَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ، رَجَعَ يُمَجِّدُ ٱللّٰهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، 16 وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِراً لَهُ. وَكَانَ سَامِرِيّاً. 17 فَقَالَ يَسُوعُ: «أَلَيْسَ ٱلْعَشَرَةُ قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ ٱلتِّسْعَةُ؟ 18 أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ لِيُعْطِيَ مَجْداً لِلّٰهِ غَيْرُ هٰذَا ٱلْغَرِيبِ ٱلْجِنْسِ؟» 19 ثُمَّ قَالَ لَهُ: «قُمْ وَٱمْضِ. إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ» (لوقا 17: 11-19).

جرت هذه المعجزة في قرية تقع بين السامرة والجليل، شفى فيها المسيح عشرة مرضى بالبرص كانوا يجلسون ليتسوَّلوا من الناس خلف أسوار هذه القرية الصغيرة المغمورة التي لم يذكر الإنجيل اسمها. وعندما سمعوا أن المسيح قادمٌ وقفوا من بعيد ليستقبلوه، فقد كان القانون يحتّم على الأبرص أن يقف على بعد خمسين متراً على الأقل من الشخص الصحيح. ورفع هؤلاء المرضى أصواتهم لتصل إلى المسيح الشافي، عبر هذه المسافة.

وبمقتضى شريعة العهد القديم كان لا بد على الأبرص أن يشقّ ثيابه، ويكشف رأسه ويغطي شاربيه ويعيش خارج البلد. وإن اقترب منه أحد يصرخ: «نجس! نجس!» (لاويين 13: 45). وكان الناس ينظرون للأبرص باعتبار أنه مغضوب عليه من الله، لذلك أصابه بذلك المرض اللعين الذي لا شفاء منه، والذي يجعل أطرافه تتساقط حتى يموت. فكان الأبرص بلا أمل ولا رجاء في الصحة. لذا وقفوا من بعيد ينادون ويلتمسون الرحمة من المسيح.

ولم يلمس المسيح هؤلاء العشرة مثلما فعل مع غيرهم، لكنه أصدر لهم أمراً يبدو غريباً: «ٱذْهَبُوا وَأَرُوا أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ» (آية 14) وهذا معناه أنهم سينالون الشفاء وهم في طريقهم إلى أورشليم، لأن المريض لا يذهب إلى الكهنة في أورشليم إلا بعد أن يكون قد نال الشفاء ليأخذ من الكهنة شهادة الصحة، التي بها فقط يستطيع أن يعود ليسكن وسط الناس، ويقدم الذبيحة المطلوبة منه.

وعند صدور أمر المسيح للعشرة رجال نفَّذوا أمره بدون أن يحدث تغيُّر في أجسادهم، فلم يكونوا قد نالوا الشفاء بعد. ولكنهم اعتماداً على كلمة المسيح اتجهوا إلى أورشليم، وبدأوا سفرهم في رحلة طويلة. لم يقولوا: ما فائدة سفرنا قبل الشفاء؟ لأن إيمانهم كان واثقاً ومتيقّناً بحدوث ما لم يحدث بعد. فالإيمان يرى ما لا يراه الآخرون! وشُفي العشرة كلهم، ولكن واحداً فقط من العشرة (وهو سامري) رجع ليشكر، وسجد عند قدمي المسيح، فقال المسيح له: «قُمْ وَٱمْضِ. إِيمَانُكَ خَلَّصَكَ» (آية 19). فنال البركتين الروحية والجسدية.

أولاً - المحتاجون والمعجزة

1- العشرة المرضى بالبرص:

كلهم أعوزهم شفاء المسيح، فقد اشتركوا جميعاً في المرض، ولم يكونوا مستحقِّين أن يقتربوا من المسيح، لذلك وقفوا من بعيد. وهذا يشبه حالة الخطاة المحتاجين إلى التوبة.

ويمكن أن نرى وجوه الشَّبه بين البرَص والخطية:

  1. تصيب الخطية الإنسان بعد أن خلقه الله سليماً. فالبرَص دخيل على الصحة السليمة. وهكذا خلق الله الناس صالحين، أما هم فقد اخترعوا لأنفسهم اختراعات كثيرة تناقض المشيئة الإلهية (جامعة 7: 29) «كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ» (إشعياء 53: 6).

  2. كلاهما وراثي، يزيد ظهوره بالتقدم في العمر. يبدأ مرض البرص بسيطاً، لكنه يتقدم مع الأيام حتى يقضي على صاحبه. وهكذا تبدأ الخطية معنا بسيطة، لأن إبليس عندما يجربنا بخطية كبيرة نرفضها، لكنه عندما يبدأ بخطية صغيرة نقبلها ونستمر منها إلى خطية أكبر وأكبر حتى تقيّدنا سلاسل الخطية وتستعبدنا فتهلكنا.

  3. كلاهما يُنتج النجاسة الكريهة التي تفصلنا عن جماعة الله، فالنجاسة تجعل الإنسان الذي كان صحيحاً يوماً ينفصل عن المؤمنين. والخطية تجعل الإنسان يقول للرب: «ٱبْعُدْ عَنَّا. وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لا نُسَرُّ» (أيوب 21: 14).

  4. كلاهما لا شفاء له إلا بالله وحده! فهذا المرض اللعين يُشبه الخطية في أنه لم يكن ممكناً نوال الشفاء منه بالطب البشري، بل بمعجزة إلهية. هل تذكرون نعمان السرياني قائد الجيش السوري؟ لقد أرسله ملكه إلى ملك إسرائيل يقول: «عندما يجيئك نعمان فاشْفِهِ» (2ملوك 5: 6) فظنَّ ملك إسرائيل أن ملك سوريا (أرام) يتحرَّش به. ولكن أليشع قال: «لِيَأْتِ إِلَيَّ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ يُوجَدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ» (2ملوك 5: 8). لم يكن الطبيب الملكي وقتها قادراً على شفاء قائد الجيش العظيم الذي حصل على انتصارات كثيرة. كان جبار بأس، لكنه أبرص. وكان الشفاء عند رجل الله بالطب السماوي وحده.

  5. كلاهما بغير الشفاء، ميّت لا محالة. فالخاطئ عاجز عن أن يساعد نفسه، ولا يستطيع مَن حوله أن يساعدوه. ولكن هناك مخلِّص واحد «لأَنْ لَيْسَ ٱسْمٌ آخَرُ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال 4: 12) هو ذلك المحب الذي بذل نفسه عنا على صليب الجلجثة، فغلب الموت وانتصر عليه.

2 - تسعة مرضى بعدم الشكر:

صرخ العشرة كلهم إلى المسيح: «يا معلم ارحمنا» (آية 13) فنالوا شفاء الجسد. لكن تسعة منهم لم يرجعوا ليشكروه!

وخطية عدم الشكر منتشرة بيننا، وتظهر في الكثير من مواقفنا اليومية العملية، فغالباً لا يشكر الأبناء والديهم على محبتهم وخدمتهم. وكثيراً ما ننسى أن نشكر من يستخدمهم المسيح لخلاص نفوسنا. وكم من مسئولين يخدموننا في الدولة والكنيسة والبيت، ولا يسمعون منا كلمة شكر. غير أنهم يسمعون صوت تذمرنا بأعلى نبرة لو رأوا في عملنا ما يعتقدون أنه تقصير! فكر في صديقٍ لك. فكر في الأستاذ المدرِّس. فكر في الطبيب. فكر في رجل الدين! هل شكرته؟

ما أكثر ما ننسى الفضل، لذلك قال داود لنفسه: «بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ، وَلا تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ» (مزمور 103: 2).

لماذا لا يشكرون؟

  1. قد يرجع عدم شكر التسعة إلى اعتقادهم أنهم لم يخطئوا خطية كبيرة يستحقّون عليها مرض البرَص، وبالتالي عندما رفع الرب عنهم مرضهم لم يكن هناك في نظرهم ما يستحق أي شكر. لقد عمل المسيح معهم مجرد واجبٍ لازمٍ عليه! لقد رفع عنهم ظلماً كان يجب أن يرفعه!

  2. قد يرجع عدم شكرهم لعدم ثقتهم بأن شفاءهم سيستمر. فكانوا يريدون أولاً التأكد من دوام الصحة الجيدة، ثم يفكرون في الخطوة التالية فيما بعد... قد يشكرون!

  3. وربما لم يحبّوا أن يصاحبوا السامري في رحلة العودة، لأن اليهود لا يعاملون السامريين. لقد جمعهم المرض والضيق معاً، فتناسوا الفروق الطبقية والعِرْقية واتحدوا معاً في الحزن على المرض، ثم ضمّوا أصواتهم معاً طلباً للشفاء. لكن بعد أن نالوا الشفاء فرَّقتهم الصحة والظروف الحسنة! جمعهم الضيق وفرَّقهم الفرج!

  4. ربما كان شكرهم قلبياً غير مسموع. واعتقدوا أن هذا يكفي، مع أن المرنم يقول: «أُخْبِرْ بِٱسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ ٱلْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ» (مزمور 22: 22 وعبرانيين 2: 12).

ونحن لماذا لا نشكر؟

  1. التعوُّد على الأخذ: فالنفس التي تكتفي بصلاة الطلب تنسى التعبير عن الشكر. ولما كان الرب يعطي بسخاء، ولا يمنع بركة في زمن الضيق، يصبح الإنسان أنانياً جحوداً، يأخذ بغير اعتراف بالفضل، ويظل يطلب وهو ناكرٌ للجميل. ليحفظنا الله من خطية التعوّد على الأخْذ بغير شكر!

  2. الانشغال بالعطية ونسيان المُعطي: ننشغل بالاحتياج، ولما يمنحنا الله ننشغل بالاستجابة. نشبه الأطفال: تحضر لطفلك هدية فيجري بعيداً عنك يلهو بها، أو يأكلها. وعندما تدعوه أمه ليقول لك كلمة شكر، يتمتم بها في غير اهتمام، لأن كل اهتمامه في هديته! ليحفظنا الله من الطفولة الروحية!

  3. وقوفنا بعيداً عن المعطي: ربما يكون عدم الشكر لأننا نقف بعيداً عن الرب الذي يقول: «اِقْتَرِبُوا إِلَى ٱللّٰهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ» (يعقوب 4: 8). والمؤمن الذي يستمتع بحياة روحية حقيقية هو الذي يقلل المسافة بينه وبين الرب حتى تنعدم تلك المسافة، فيقول مع المرنم: «الرب يضمُّني» (مزمور 27: 10) ويبقى في أحضان العناية الإلهية. قال المسيح: «اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ ٱلْغُصْنَ لا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي ٱلْكَرْمَةِ، كَذٰلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ» (يوحنا 15: 4).

ويتمتع المؤمن الشاكر بالعطية أكثر جداً من الذي لا يشكر، لأنه يطلب الرب الذي معه لا يعوزه شيء!

3 - درس من الواحد الذي شكر:

كان في حالة البؤس، وصرخ إلى الرب، فسمع صراخه وشفاه. ولما رجع يشكر نال بركات أكبر:

  1. تمتَّع بما حصل عليه من شفاء بفضل الخلاص الروحي الجديد الذي وهبه المسيح له. إن لُقْمة يابسة ومعها سلامة خيرٌ من بيت ملآن ذبائح مع خصام (أمثال 17: 1). وعندما تصطلح مع الرب تجد أن في بركة الرب غنىً لا تُضيف إليها المشقَّةُ تعباً (أمثال 10: 22).

  2. قدم للمسيح العبادة التي قوَّت علاقته به.

    ما أكثر من يعرفون الله المعتني، ولكنهم لا يعرفون الله المخلِّص. وهذا السامري الأبرص الذي نال الشفاء اختبر عناية الطبيب العظيم، ثم اختبر خلاص الفادي الكريم، فمجَّد الله بصوت عظيم أعلى من الصوت الذي رفعه لما طلب الشفاء، وخرَّ عند رجلي المسيح شاكراً له، فابتسم المسيح له ابتسامة الرضا.

  3. لقد جهَّزه ذلك لحياة الشكر والتسبيح في السماء «فإن الذين حُسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يزوِّجون ولا يُزوَّجون، إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضاً، لأنهم مثل الملائكة، وهم أبناء الله، إذ هم أبناء القيامة» (لوقا 20: 35 ، 36). فهم يسبّحونه نهاراً وليلاً، قائلين: «قدوس. قدوس. قدوس». وعندما نسبح الله هنا ونشكره، نتجهَّز لتسبيحه وتمجيده عندما نجتمع حول عرشه.

ثانياً - المسيح والمعجزة

1- تنّوُع طرق تعامله:

عمل الله معنا متنوّع، لا يمكن صبُّه في قالب واحد. الله يكلمنا ويتعامل معنا بأنواع وطرق كثيرة.

لم يلمس المسيح المرضى بالبرَص في هذه المعجزة، ولكنهم شفاهم بكلمة سلطانه، ثم أمرهم بالذهاب لأخذ شهادة الشفاء من الكاهن في الهيكل كما أمرت الشريعة (لاويين 13: 17). لقد شفى أبرصاً من قبل بأن «مدَّ يده ولمسه» (مرقس 1: 41).

وفي دراستنا للمعجزات نرى كيف يتعامل المسيح مع الناس بطرقٍ تناسب إيمانهم وظروفهم، لتصل بهم إلى «الحياة، والحياة الأفضل» (يوحنا 10: 10).

* تحدَّى إيمان الفينيقية القوي ليقويه أكثر (مت 15: 23-26).

* قوَّى إيمان يايرس المرتعش حتى لا يفشل في مواجهة التجربة (مرقس 5: 36).

* شفى أولاً ثم غفر، كما حدث مع مريض بِرْكة بيت حسدا (يوحنا 5: 8 ، 14).

* غفر أولاً ثم شفى بعد ذلك كما حدث مع المفلوج الذي دلّوه من السقف (مرقس 2: 5، 9).

ولكن مهما اختلفت طرق تعامل المسيح، فإن محبته لا تتغيَّر أبداً، وأمانته باقية كما هي، فهو هو أمساً واليوم وإلى الأبد (عبرانيين 13: 8) الألف والياء، البداية والنهاية، الذي كان والكائن والذي يأتي، القادر على كل شيء (رؤيا 1: 8).

فدعونا بذهنٍ مفتوح، وفكرٍ يقظ نتأمل تعاملاته معنا وندرك أن عونه لا بد أن يجيء من بعيد أو قريب، إن طال الوقت أو قصُر، فهو يجيء في الهزيع الأخير أو الأول، لكنه لا بد أن يجيء. فلنعِش انتظارنا للرب بإيمان واثق.

2 - يسأل: «أين التسعة؟»

لم يبخل المسيح بعطائه، فهو الذي يشرق شمسه على الجميع، ويعطي كل من يحتاج، ولكنه يسأل: «أين التسعة؟» (آية 17)، فهو ينتظر منّا كلمة الشكر. وهذا حقه!

ويرجع استفهامه الاستنكاري هذا لأنه يريد أن يعطي أكثر، فإن عنده بركة أكبر من الطعام البائد. إنه يريد أن يعود المشفيُّ إليه حتى يُشبعه بالطعام الباقي للحياة الأبدية، ويرويه بالماء الحي الذي لا يعطش من يشربه، بل يفيض منه على غيره.

عزيزي القارئ، ليجعلنا الله مثل الواحد المشفيّ الشاكر!

صلاة

أبانا السماوي، أنت تمنح وتمنح دون أن تنتظر شكراً. فماذا نردّ لك من أجل كل حسناتك؟ كأس خلاصك نتناول، وباسمك ندعو، ونرفع لك أسمى آيات الشكر.

سامحنا عندما يلهينا الخير الذي تغمرنا به عن التفكير في يدك السخيّة. أعطنا النضوج الذي يحب المُعطي أكثر من العطية، فيكون لنا نضوج الكبار في محبتك، البالغين في طاعتك. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. لماذا يظهر غريباً أمر المسيح للعشرة: «اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة»؟

  2. أذكر خمسة أوجه شبه بين الخطية والبرص.

  3. أذكر ثلاثة أسباب تظن أنها عطلت التسعة عن تقديم الشكر للمسيح.

  4. لماذا لا يشكر الناسُ اللهَ اليوم؟

  5. أذكر ثلاثة أشياء ميَّز بها الله الأبرص المشفِيّ الذي شكر.

المعجزة الثانية والعشرون شفاء المولود أعمى

1 وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَاناً أَعْمَى مُنْذُ وِلادَتِهِ، 2 فَسَأَلَهُ تَلامِيذُهُ: «يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هٰذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟» 3 أَجَابَ يَسُوعُ: «لا هٰذَا أَخْطَأَ وَلا أَبَوَاهُ، لٰكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ ٱللّٰهِ فِيهِ. 4 يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. 5 مَا دُمْتُ فِي ٱلْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ ٱلْعَالَمِ».

6 قَالَ هٰذَا وَتَفَلَ عَلَى ٱلأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ ٱلتُّفْلِ طِيناً وَطَلَى بِٱلطِّينِ عَيْنَيِ ٱلأَعْمَى. 7 وَقَالَ لَهُ: «ٱذْهَبِ ٱغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ». ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ مُرْسَلٌ. فَمَضَى وَٱغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيراً.

8 فَٱلْجِيرَانُ وَٱلَّذِينَ كَانُوا يَرَوْنَهُ قَبْلاً أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى، قَالُوا: «أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلَّذِي كَانَ يَجْلِسُ وَيَسْتَعْطِي؟» 9 آخَرُونَ قَالُوا: «هٰذَا هُوَ». وَآخَرُونَ: «إِنَّهُ يُشْبِهُهُ». وَأَمَّا هُوَ فَقَالَ: «إِنِّي أَنَا هُوَ». 10 فَقَالُوا لَهُ: «كَيْفَ ٱنْفَتَحَتْ عَيْنَاكَ؟» 11 أَجَابَ: «إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ صَنَعَ طِيناً وَطَلَى عَيْنَيَّ، وَقَالَ لِي: ٱذْهَبْ إِلَى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وَٱغْتَسِلْ. فَمَضَيْتُ وَٱغْتَسَلْتُ فَأَبْصَرْتُ». 12 فَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ ذَاكَ؟» قَالَ: «لا أَعْلَمُ».

13 فَأَتُوا إِلَى ٱلْفَرِّيسِيِّينَ بِٱلَّذِي كَانَ قَبْلاً أَعْمَى. 14 وَكَانَ سَبْتٌ حِينَ صَنَعَ يَسُوعُ ٱلطِّينَ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ. 15 فَسَأَلَهُ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ أَيْضاً كَيْفَ أَبْصَرَ، فَقَالَ لَهُمْ: «وَضَعَ طِيناً عَلَى عَيْنَيَّ وَٱغْتَسَلْتُ، فَأَنَا أُبْصِرُ». 16 فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ: «هٰذَا ٱلإِنْسَانُ لَيْسَ مِنَ ٱللّٰهِ، لأَنَّهُ لا يَحْفَظُ ٱلسَّبْتَ». آخَرُونَ قَالُوا: «كَيْفَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ خَاطِئٌ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هٰذِهِ ٱلآيَاتِ؟» وَكَانَ بَيْنَهُمُ ٱنْشِقَاقٌ. 17 قَالُوا أَيْضاً لِلأَعْمَى: «مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» فَقَالَ: «إِنَّهُ نَبِيٌّ». 18 فَلَمْ يُصَدِّقِ ٱلْيَهُودُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى فَأَبْصَرَ حَتَّى دَعُوا أَبَوَيِ ٱلَّذِي أَبْصَرَ. 19 فَسَأَلُوهُمَا: «أَهٰذَا ٱبْنُكُمَا ٱلَّذِي تَقُولانِ إِنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى؟ فَكَيْفَ يُبْصِرُ ٱلآنَ؟» 20 أَجَابَهُمْ أَبَوَاهُ: «نَعْلَمُ أَنَّ هٰذَا ٱبْنُنَا وَأَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى، 21 وَأَمَّا كَيْفَ يُبْصِرُ ٱلآنَ فَلا نَعْلَمُ. أَوْ مَنْ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَلا نَعْلَمُ. هُوَ كَامِلُ ٱلسِّنِّ. ٱسْأَلُوهُ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِهِ». 22 قَالَ أَبَوَاهُ هٰذَا لأَنَّهُمَا كَانَا يَخَافَانِ مِنَ ٱلْيَهُودِ، لأَنَّ ٱلْيَهُودَ كَانُوا قَدْ تَعَاهَدُوا أَنَّهُ إِنِ ٱعْتَرَفَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ ٱلْمَسِيحُ يُخْرَجُ مِنَ ٱلْمَجْمَعِ. 23 لِذٰلِكَ قَالَ أَبَوَاهُ: «إِنَّهُ كَامِلُ ٱلسِّنِّ، ٱسْأَلُوهُ».

24 فَدَعُوا ثَانِيَةً ٱلإِنْسَانَ ٱلَّذِي كَانَ أَعْمَى، وَقَالُوا لَهُ: «أَعْطِ مَجْداً لِلّٰهِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ هٰذَا ٱلإِنْسَانَ خَاطِئٌ». 25 فَأَجَابَ: «أَخَاطِئٌ هُوَ، لَسْتُ أَعْلَمُ! إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئاً وَاحِداً: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَٱلآنَ أُبْصِرُ». 26 فَقَالُوا لَهُ أَيْضاً: «مَاذَا صَنَعَ بِكَ؟ كَيْفَ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟» 27 أَجَابَهُمْ: «قَدْ قُلْتُ لَكُمْ وَلَمْ تَسْمَعُوا. لِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تَسْمَعُوا أَيْضاً؟ أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصِيرُوا لَهُ تَلامِيذَ؟» 28 فَشَتَمُوهُ وَقَالُوا: «أَنْتَ تِلْمِيذُ ذَاكَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا تَلامِيذُ مُوسَى. 29 نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ ٱللّٰهُ، وَأَمَّا هٰذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ». 30 أَجَابَ ٱلرَّجُلُ: «إِنَّ فِي هٰذَا عَجَباً! إِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَقَدْ فَتَحَ عَيْنَيَّ. 31 وَنَعْلَمُ أَنَّ ٱللّٰهَ لا يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ. وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَّقِي ٱللّٰهَ وَيَفْعَلُ مَشِيئَتَهُ فَلِهٰذَا يَسْمَعُ. 32 مُنْذُ ٱلدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَداً فَتَحَ عَيْنَيْ مَوْلُودٍ أَعْمَى. 33 لَوْ لَمْ يَكُنْ هٰذَا مِنَ ٱللّٰهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئاً». 34 قَالُوا لَهُ: «فِي ٱلْخَطَايَا وُلِدْتَ أَنْتَ بِجُمْلَتِكَ، وَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا!» فَأَخْرَجُوهُ خَارِجاً.

35 فَسَمِعَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ خَارِجاً، فَوَجَدَهُ وَقَالَ لَهُ: «أَتُؤْمِنُ بِٱبْنِ ٱللّٰهِ؟» 36 أَجَابَ: «مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لأُومِنَ بِهِ؟» 37 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «قَدْ رَأَيْتَهُ، وَٱلَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ». 38 فَقَالَ: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ». وَسَجَدَ لَهُ.

39 فَقَالَ يَسُوعُ: «لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هٰذَا ٱلْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ ٱلَّذِينَ لا يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى ٱلَّذِينَ يُبْصِرُونَ». 40 فَسَمِعَ هٰذَا ٱلَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ مِنَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ، وَقَالُوا لَهُ: «أَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضاً عُمْيَانٌ؟» 41 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَاناً لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلٰكِنِ ٱلآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ» (يوحنا 9: 1-41).

كتب القديس يوحنا الإنجيل الذي يحمل اسمه بعد كتابة الإنجيل كما رواه كلٌ من متى ومرقس ولوقا. والإنجيل (بمعنى الخبر المفرح) هو واحد، الذي هو بشرى مجيء المسيح إلى عالمنا، لكن الذين يَرْوون الخبر المفرح الواحد كثيرون. وعندما كتب يوحنا سيرة المسيح كانت معجزات المسيح والكثير من تعاليمه قد عُرفت وانتشرت، فحرص يوحنا على ذِكْر ما لم يذكره الكتَّاب الآخرون من معجزات المسيح وتعاليمه. وعندما كان يكرِّر ذكر معجزة ذكرها غيره، كان يضيف إليها التعاليم التي صاحَبتْها، مع تعليقاته عليها.

ذكر يوحنا أربع معجزات جَرَت في الجليل، هي تحويل الماء إلى خمر (يوحنا 2). شفاء ابن رجل البلاط الملكي (يوحنا 4). إطعام خمسة آلاف، ومَشْي المسيح على الماء (يوحنا 6). كما ذكر أربع معجزات أجراها المسيح في اليهودية: شفاء المريض منذ 38 سنة (يوحنا 5) والمولود أعمى (يوحنا 9) وإقامة لعازر (يوحنا 11) وصيد السمك الكثير (يوحنا 21). وهذه لم يذكرها أحد غيره.

جرت المعجزة التي نتأملها الآن عند مدخل هيكل أورشليم، حيث يجتمع المتسوّلون، وكان ذلك في يوم سبت، عندما لم يكن اليهود مستعدين لرؤية أي شخص يعمل أي شيء مهما كان حسناً، فحقَّق نبوة إشعياء: «وَيَسْمَعُ فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلصُّمُّ أَقْوَالَ ٱلسِّفْرِ، وَتَنْظُرُ مِنَ ٱلْقَتَامِ وَٱلظُّلْمَةِ عُيُونُ ٱلْعُمْيِ» (29: 18). ولقد سمع العميان الذين شفاهم صوت إنجيله، وانفتحت عيون قلوبهم، كما انفتحت عيون أجسادهم، ليعرفوه ويقبلوا خلاصه. وقد سجَّل البشيرون لنا من معجزات فتح عيون العمي شفاء أعمى بيت صيدا، الذي جاء شفاؤه على مرحلتين (مرقس 8) وشفاء الأعميين (متى 9) وبارتيماوس (مرقس 10) والمولود أعمى (يوحنا 9).

أولاً - المحتاج والمعجزة

1 - أعمى منذ ولادته:

هذا المولود أعمى يمثِّلنا جميعاً، فهو يرمز لعمانا الروحي، نحن الذين بالإثم صُوِّرنا وبالخطية حبلت بنا أمهاتنا. فعمانا الروحي منذ الميلاد، وكلنا كغنم ضللنا، مِلْنا كل واحد إلى طريقه. وتأثير الإنجيل «مَكْتُومٌ فِي ٱلْهَالِكِينَ، ٱلَّذِينَ فِيهِمْ إِلٰهُ هٰذَا ٱلدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي هُوَ صُورَةُ ٱللّٰهِ» (2كورنثوس 4: 3 ، 4). ولذلك فالبشر يسلكون «كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ ٱلأُمَمِ أَيْضاً بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ، إِذْ هُمْ مُظْلِمُو ٱلْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ ٱللّٰهِ لِسَبَبِ ٱلْجَهْلِ ٱلَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاظَةِ قُلُوبِهِمْ» (أفسس 4: 17 ، 18).

2 - يعيِّره الناس:

لم تقتصر كارثة هذا الأعمى على عماه، فقد زادتها قسوةً تعليقات المحيطين به، فقد اعتبروا مرضه نتيجة خطيةٍ ارتكبها. ولم يأت دفاعه عن نفسه بفائدة، بل ربما عاد بضرر أكبر، فقد أرجعوا مرضه لخطية والديه أيضاً. مسكين الرجل بعماه ومسكين بقسوة المحيطين به، فالناس دائماً يرجمون غيرهم بالأحجار، ليعاقبوا أنفسهم في غيرهم، ويُسقِطوا عيوبهم على الآخرين.

ورفع المسيح في محبته عن الرجل عماه، كما رفع عنه الاتّهام الظالم. ونحن نعلم أن أبوي المولود أعمى خاطئان، وكذلك كلنا، فمَن مِن البشر بلا خطية؟ ولكن المسيح دافع عنهم وقال: «لا هٰذَا أَخْطَأَ وَلا أَبَوَاهُ، لٰكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ ٱللّٰهِ فِيهِ» (آية 3). فإن العمى هنا ليس نتيجة خطية من الأعمى ولا من والديه.

قد تكون الخطية سبب المرض، كما في حالة المشلول الذي دلاّه أصحابه الأربعة من السقف «فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ» (مرقس 2: 5). وقد لا تكون الخطية بسبب المرض، كما في حالة أيوب البار الذي كان يتقي الله ويحيد عن الشر (أيوب 1: 8). وعندما أوضح المسيح هذه الحقيقة للسامعين أعاد للمولود أعمى كرامته، وأسكت أفواه المنتقدين الذين يقولون ما لا يعلمون، وينسبون أمراض الناس لخطاياهم، وهم بظروفهم جاهلون، فكثيراً ما تكون المصائب وسيلةً لإعلان رحمة الله.

3 - آمن وأطاع:

شفى المسيح هذا الأعمى بأن تفل على الأرض وصنع طيناً طلى به عينيه، وأمره أن يذهب ويغتسل في بركة سلوام. وذهب الأعمى بإيمان إلى البِرْكة وهو لا يزال أعمى. ومع أنه لم يكن يعرف من هو المسيح، إلا أنه أطاعه وذهب، فنال البركة، والبركة دائماً على رأس المطيع.

ولنتأمل في إيمان هذا الرجل:

  1. كان إيمانه متدرِّجاً، فقال في الآية 11 عن المسيح: «إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ». ثم تقدم بعد ذلك إلى درجة أعلى من المعرفة في إجابته على أسئلة مجلس السنهدريم، فعندما سألوه «ماذا تقول أنت عنه؟» أجاب: «إنه نبي» (آية 17) لأنه بعد بعض التفكير أدرك أن المسيح لا يمكن أن يكون مجرد إنسان. وفي الآية 33 قال: «لو لم يكن هذا من الله لم يقدر أن يفعل شيئاً» فبعض الأنبياء الكذبة يعملون معجزات بقوة إبليس، أما هذا فهو من الله، من فوق، وهو فوق الجميع. الذي أتى من السماء هو فوق الجميع (يوحنا 3: 31).

    وكان إعلان قمة إيمانه التدريجي في آية 38 ، فقد سأله المسيح: «أتؤمن بابن الله؟» فأجاب: «أُومِنُ يَا سَيِّدُ». ثم سجد للمسيح.

  2. لقد نال هذا الشحاذ المستعطي أولاً فَتْح عينيه، ثم نال نعمة التبنّي، فصار الأَخْذُ من الله لا أخذ الشحَّاذين لكن أَخْذ الأبناء. فالبعض غرباء عن الله، يطلبون منه، فيأخذون، ويختبرون عنايته. ولكن عندما يُنعم الله عليهم بالتبنّي، يطلبون منه، فيأخذون ويختبرون خلاصه، كما اختبروا عنايته.

4 - شهد للمسيح شهادة اختبار:

يقولون، ويَصْدقون: «درهم اختبارٍ خيرٌ من قنطار عقيدة». وقد اختبر الأعمى اختباراً عميقاً، فكان عظيماً في شهادته للمسيح. وبالرغم من مقاومة الفريسيين له بعد شفائه وتهديدهم بقطعه من انتمائه لشعب الله، وقف ذلك الشحاذ المسكين الذي لم ينَلْ أي قسط من التعليم في حياته أمام سبعين من أعظم رجال الدين، هم أعضاء مجلس السنهدريم اليهودي، ليردَّ على استجوابهم. لقد عرف نفسه وشهد باختباره: «كُنْتُ أَعْمَى وَٱلآنَ أُبْصِرُ» (آية 25). ثم قال: «قَدْ قُلْتُ لَكُمْ وَلَمْ تَسْمَعُوا. لِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تَسْمَعُوا أَيْضاً؟ أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصِيرُوا لَهُ تَلامِيذَ؟» (آيتا 27 ، 28) ومضى يقول: «إِنَّ فِي هٰذَا عَجَباً! إِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَقَدْ فَتَحَ عَيْنَيَّ» (آية 30) فقال إن مصدر الشفاء إلهيّ، لأنهم أرادوا أن يفسّروه باعتبار أنه من عمل الشيطان أو من السحر.

وكانت شهادة الأعمى أمام مجلس السنهدريم عقلية ومنطقية واختبارية، فلم يكن قد رأى المسيح من قبل أو نال الحياة الجديدة. ولكنه حال ما عرف أن المسيح هو ابن الله أدَّى العبادة له، وسجد للنبي ابن الله أمام الجميع. وهذه شهادة حية وإعلانٌ لاتِّباعه. وقَبِل منه المسيح هذا السجود لأنه أهْلٌ له.

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

1 - الجيران:

سمع الجيران بما جرى للمولود أعمى، فأخذوا في حب استطلاعٍ يناقشون ما جرى له، بغير اكتراثٍ ولا اهتمام به هو شخصياً!

تساءلوا: «أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلَّذِي كَانَ يَجْلِسُ وَيَسْتَعْطِي؟» (آية 8). أجاب البعض إنه هو، وقال البعض الآخر إنه يشبهه. أما هو فأصرَّ أنه هو. ولعل ما جعل الأمور تختلط على هؤلاء الجيران هو أن عيني الرجل انفتحتا، فحدث تغيير في وجهه. كما أن السعادة التي ملأت قلبه بانت على قسمات وجهه، فغيَّرتها.

ويشبه هؤلاء الجيران الكثيرين ممن يعيشون على هامش الحياة. يحبون الاستطلاع، ويصرفون وقتهم في الكلام والحديث، ولكنهم لا يكترثون لما هو أهم. لم يهتم أحدٌ منهم بالرجل نفسه، ولم يحاولوا أن يتأكدوا من شخصه، ولكن بعد مناقشة سطحية قادوه للسلطات، وأتوا به إلى الفريسيين.

2 - الفريسيون:

أناس منغلقو الفكر، يرفضون ما يختلف عن اعتقادهم، حتى لو كذَّبت عيونهم ما يعتقدون به! لا يحبّون فعل الخير إلا كما يستحسنون. مشكلتهم كامنة في إرادتهم، فلم تكن لديهم الرغبة في الإيمان.

وحدث بينهم انشقاق. قال قوم منهم: «هٰذَا ٱلإِنْسَانُ (المسيح) لَيْسَ مِنَ ٱللّٰهِ، لأَنَّهُ لا يَحْفَظُ ٱلسَّبْتَ»(آية 16) بينما كانت الشريعة تسمح للذي يسقط ثوره في حفرة يوم السبت أن يخرجه. لكنهم رفضوا عمل المسيح الذي هو تخليص نفس وشفاء جسد، لمجرد أن هذا حدث في يوم سبت، وقالوا: «نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ ٱللّٰهُ، وَأَمَّا هٰذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ» (آية 29)، مع أن معجزاته الواضحة تكفي لتقنعهم أنه من الله.

ثم رفض الفريسيون الأعمى الذي نال الشفاء، وقالوا له: «فِي ٱلْخَطَايَا وُلِدْتَ أَنْتَ بِجُمْلَتِكَ، وَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا!» (آية 34). رفضوا اختباره، وكأنهم لا يعلمون أن التعليم ليس مجرد نظريات، لكنه قبل كل شيء اختبار يُعاش كل يوم!

3 - الأبوان:

وجّه الفريسيون لهم ثلاثة أسئلة: (1) هل هذا الولد ولدكما؟ - فأجابا: نعم. (2) وهل وُلد أعمى؟ - أجابا: نعم. (3) وكيف يبصر الآن؟ - فأجابا: لا نعلم! اسألوه فهو يتكلم عن نفسه.

كانا يعلمان أن الفريسيين يريدون توقيع الحكم عليهما إنْ هما أعلنا معرفتهما بالمسيح، وإن شهدا أنه صنع المعجزة. وكان الحكم بالحرمان ذا ثلاث درجات. (1) الحرمان من مخالطة الأقارب ثلاثين يوماً. (2) الحرمان مدى الحياة من الاختلاط بالأقارب، إلا في حالة الضرورة فقط. (3) الحرمان مدى الحياة من مخالطة كل الشعب، وقَتْل المحكوم عليه إن أمكن. ولما كان حكم القتل في يد الرومان وحدهم، فكان اليهود يكتفون عادةً بعزل المحكوم عليه.

وقد طبَّق اليهود الحكم القاسي الثالث على الأعمى الذي نال البصر «فَأَخْرَجُوهُ خَارِجاً» (آية 34).

ثالثاً - المسيح والمعجزة

1 - رأى المسيح الأعمى فبادر بشفائه:

«وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَاناً أَعْمَى مُنْذُ وِلادَتِهِ» (آية 1) فرأى فيه إنساناً محتاجاً للبصر.

رأى الأعمى في نفسه مجرد متسوّل لا فائدة فيه، فغيَّر المسيح حياته تماماً، وجعله شاهداً له. فأصبح المتسوّل يعطي خبز الحياة للجياع بالروح، وصارت لحياته أكبر الفائدة.

ورأى التلاميذ في الأعمى موضوع مناقشة فكرية عن سبب المرض والألم في العالم.

لكن المسيح رأى فيه فرصةَ إعلانٍ لمحبة الله، فتوجَّه إليه ليشفيه بدون أن يطلب الأعمى ذلك، مثلما فعل مع مريض بِرْكة بيت حسدا (يوحنا 5). وما أكثر ما نجهل البركة التي عندنا، فيفتح الله عيوننا عليها، وندرك عظمتها بعد أن نأخذها، ونكتشف أنها امتياز عظيم لنا من الرب، وتتحقق معنا كلمته: «لَيْسَ أَنْتُمُ ٱخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا ٱخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ» (يوحنا 15: 16).

2 - أتمَّ المسيح الشفاء لأسباب:

  1. ليتمجّد الله: قال المسيح: «لا هذا أخطأ ولا أبواه، لكن لتظهر أعمال الله فيه» (آية 3)، وقد أظهر المسيح دوماً أعمال الله، وحقق إعلانه: «مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ يَطْلُبُ مَجْدَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ يَطْلُبُ مَجْدَ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ فَهُوَ صَادِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمٌ» (يوحنا 7: 18).

  2. لأن الوقت قصير: قال المسيح: «يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ» (آية 4). وقد حقّق المسيح بذلك كلماته: «ٱلنُّورُ مَعَكُمْ زَمَاناً قَلِيلاً بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ ٱلنُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ ٱلظَّلامُ. وَٱلَّذِي يَسِيرُ فِي ٱلظَّلامِ لا يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ» (يوحنا 12: 35).

  3. ليُعلن رسالةً للعالم: قال المسيح: «مَا دُمْتُ فِي ٱلْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ ٱلْعَالَمِ» (آية 5)، وحقق ذلك بقوله: «أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَمْشِي فِي ٱلظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ ٱلْحَيَاةِ» (يوحنا 8: 12). ولا زالت هذه الكلماتُ صادقةً إلى يومنا هذا، فالمسيح ما زال ينير القلوب. «وَلَكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُتَّقُونَ ٱسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ ٱلْبِرِّ وَٱلشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا» (ملاخي 4: 2).

صلاة

أبانا السماوي، لقد أعمت الخطية عيوننا منذ وُلدنا، وجعلَتْنا شحاذين نستجدي من العالم ما لا يكفينا، فنعود نستجدي من جديد. افتح عينَيَّ لأرى الحق، فإنك الطريق والحق والحياة. وليكن المسيح لي المخلِّص والطبيب، والمعلّم والصديق. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. ذكر يوحنا أربع معجزات أجراها المسيح في الجليل، وأربع معجزات أجراها المسيح في اليهودية - اذكرها مع شاهدها الكتابي.

  2. كيف يمثِّلنا هذا الأعمى ويرمز إلينا؟

  3. كيف دفع المسيح تهمة أن العمى هو نتيجة خطية الأعمى أو نتيجة خطية والديه؟

  4. اذكر كيف تدرَّج إيمان الأعمى، وكيف كمل.

  5. «درهم اختبار خيرٌ من قنطار عقيدة» - اشرح كيف ظهر هذا في شهادة الأعمى للمسيح.

  6. لماذا خاف الأبوان من الشهادة أمام مجمع اليهود للمسيح الذي شفى ابنهما؟

  7. لماذا أخذ المسيح زمام المبادرة في شفاء المولود أعمى؟

المعجزة الثالثة والعشرون إقامة لعازر

1 «كَانَ إِنْسَانٌ مَرِيضاً وَهُوَ لِعَازَرُ، مِنْ بَيْتِ عَنْيَا مِنْ قَرْيَةِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا. 2 وَكَانَتْ مَرْيَمُ، ٱلَّتِي كَانَ لِعَازَرُ أَخُوهَا مَرِيضاً، هِيَ ٱلَّتِي دَهَنَتِ ٱلرَّبَّ بِطِيبٍ، وَمَسَحَتْ رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا. 3 فَأَرْسَلَتِ ٱلأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: يَا سَيِّدُ، هُوَذَا ٱلَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ».

4 فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ، قَالَ: «هٰذَا ٱلْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ، لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ بِهِ». 5 وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ. 6 فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ. 7 ثُمَّ بَعْدَ ذٰلِكَ قَالَ لِتَلامِيذِهِ: «لِنَذْهَبْ إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ أَيْضاً». 8 قَالَ لَهُ ٱلتَّلامِيذُ: «يَا مُعَلِّمُ، ٱلآنَ كَانَ ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضاً إِلَى هُنَاكَ». 9 أَجَابَ يَسُوعُ: «أَلَيْسَتْ سَاعَاتُ ٱلنَّهَارِ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي ٱلنَّهَارِ لا يَعْثُرُ لأَنَّهُ يَنْظُرُ نُورَ هٰذَا ٱلْعَالَمِ، 10 وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي ٱللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأَنَّ ٱلنُّورَ لَيْسَ فِيهِ». 11 قَالَ هٰذَا وَبَعْدَ ذٰلِكَ قَالَ لَهُمْ: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لٰكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ». 12 فَقَالَ تَلامِيذُهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كَانَ قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى». 13 وَكَانَ يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ ٱلنَّوْمِ. 14 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ حِينَئِذٍ عَلانِيَةً: «لِعَازَرُ مَاتَ. 15 وَأَنَا أَفْرَحُ لأَجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا. وَلٰكِنْ لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ». 16 فَقَالَ تُومَا ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلتَّوْأَمُ لِلتَّلامِيذِ رُفَقَائِهِ: «لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضاً لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ».

17 فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ وَجَدَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فِي ٱلْقَبْرِ. 18 وَكَانَتْ بَيْتُ عَنْيَا قَرِيبَةً مِنْ أُورُشَلِيمَ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ غَلْوَةً. 19 وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا. 20 فَلَمَّا سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ يَسُوعَ آتٍ لاقَتْهُ، وَأَمَّا مَرْيَمُ فَٱسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً فِي ٱلْبَيْتِ. 21 فَقَالَتْ مَرْثَا لِيَسُوعَ: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هٰهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي. 22 لٰكِنِّي ٱلآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ ٱللّٰهِ يُعْطِيكَ ٱللّٰهُ إِيَّاهُ». 23 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «سَيَقُومُ أَخُوكِ». 24 قَالَتْ لَهُ مَرْثَا: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي ٱلْقِيَامَةِ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَخِيرِ». 25 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، 26 وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهٰذَا؟» 27 قَالَتْ لَهُ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، ٱلآتِي إِلَى ٱلْعَالَمِ».

28 وَلَمَّا قَالَتْ هٰذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ أُخْتَهَا سِرّاً، قَائِلَةً: «ٱلْمُعَلِّمُ قَدْ حَضَرَ، وَهُوَ يَدْعُوكِ». 29 أَمَّا تِلْكَ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَامَتْ سَرِيعاً وَجَاءَتْ إِلَيْهِ. 30 وَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَاءَ إِلَى ٱلْقَرْيَةِ، بَلْ كَانَ فِي ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي لاقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا. 31 ثُمَّ إِنَّ ٱلْيَهُودَ ٱلَّذِينَ كَانُوا مَعَهَا فِي ٱلْبَيْتِ يُعَزُّونَهَا، لَمَّا رَأَوْا مَرْيَمَ قَامَتْ عَاجِلاً وَخَرَجَتْ، تَبِعُوهَا قَائِلِينَ: «إِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى ٱلْقَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ». 32 فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ، خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هٰهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي». 33 فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، ٱنْزَعَجَ بِٱلرُّوحِ وَٱضْطَرَبَ، 34 وَقَالَ: «أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟» قَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَٱنْظُرْ». 35 بَكَى يَسُوعُ. 36 فَقَالَ ٱلْيَهُودُ: «ٱنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ». 37 وَقَالَ بَعْضٌ مِنْهُمْ: «أَلَمْ يَقْدِرْ هٰذَا ٱلَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ ٱلأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هٰذَا أَيْضاً لا يَمُوتُ؟».

38 فَٱنْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى ٱلْقَبْرِ، وَكَانَ مَغَارَةً وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ. 39 قَالَ يَسُوعُ: «ٱرْفَعُوا ٱلْحَجَرَ». قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ ٱلْمَيْتِ: «يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ». 40 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ ٱللّٰهِ؟». 41 فَرَفَعُوا ٱلْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ ٱلْمَيْتُ مَوْضُوعاً، وَرَفَعَ يَسُوعُ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ: «أَيُّهَا ٱلآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، 42 وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلٰكِنْ لأَجْلِ هٰذَا ٱلْجَمْعِ ٱلْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي». 43 وَلَمَّا قَالَ هٰذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً» 44 فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيلٍ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ».

«45 فَكَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ ٱلَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ، وَنَظَرُوا مَا فَعَلَ يَسُوعُ، آمَنُوا بِهِ. 46 وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَمَضَوْا إِلَى ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا لَهُمْ عَمَّا فَعَلَ يَسُوعُ. 47 فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعاً وَقَالُوا: مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هٰذَا ٱلإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. 48 إِنْ تَرَكْنَاهُ هٰكَذَا يُؤْمِنُ ٱلْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي ٱلرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا». 49 فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئاً، 50 وَلا تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ ٱلشَّعْبِ وَلا تَهْلِكَ ٱلأُمَّةُ كُلُّهَا». 51 وَلَمْ يَقُلْ هٰذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيساً لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ ٱلسَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ ٱلأُمَّةِ، 52 وَلَيْسَ عَنِ ٱلأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ ٱللّٰهِ ٱلْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ.

«53 فَمِنْ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ. 54 فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضاً يَمْشِي بَيْنَ ٱلْيَهُودِ عَلانِيَةً، بَلْ مَضَى مِنْ هُنَاكَ إِلَى ٱلْكُورَةِ ٱلْقَرِيبَةِ مِنَ ٱلْبَرِّيَّةِ، إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا أَفْرَايِمُ، وَمَكَثَ هُنَاكَ مَعَ تَلامِيذِهِ» (يوحنا 11: 1-54).

جرت هذه المعجزة في قرية «بيت عنيا» على بعد ثلاثة كليومترات من أورشليم، والتي تغيَّر اسمها إلى قرية «اللعازرية» بسبب المعجزة التي جرت فيها.

حدثت هذه المعجزة مع أسرة تحب المسيح وأحبها هو أيضاً. كان لعازر الأخ الأكبر لهذه العائلة، والذي معنى اسمه «الله عون» وكان الله في عونه حقاً يوم عرَّفه به وأعطاه الحياة الجديدة، ثم لما أعاد له الحياة الجسدية بإقامته من الموت، ثم يوم أقام ضيفاً في بيته. ومرثا هي الأخت الكبرى، واسمها سرياني معناه «سيدة». وهو نفس الاسم «كيرية» في اللغة اليونانية، وقد كانت سيدة البيت المسئولة عنه، وطالما استضافت المسيح (لوقا 10: 40). ومريم الأخت الصغرى ومعنى اسمها «مُرَّة» وهي التي دهنت الرب بالطيب ومسحت رجليه بشعرها (متى 26: 6-13 ويوحنا 12: 3). وهي ليست المرأة الخاطئة التي كانت تسكن الجليل، وفعلت مع المسيح الشيء نفسه (لوقا 7: 37). كما أن مريم أخت لعازر ليست هي مريم المجدلية المذكورة في لوقا 8: 2 ، 3.

أولاً - المحتاجون والمعجزة

1 - لعازر:

يبدو أن لعازر هو المحتاج إلى المعجزة، ولكن هذا ليس صحيحاً لأنه بموته انتقل إلى السماء في حضرة الآب وكان مستمتعاً به، بعد أن دخل إلى فرح سيده، وتحققت له شهوة الرسول بولس: «لِيَ ٱشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً» (فيلبي 1: 23). كان لعازر يقول مع بولس: «جَاهَدْتُ ٱلْجِهَادَ ٱلْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ ٱلسَّعْيَ، حَفِظْتُ ٱلإِيمَانَ، وَأَخِيراً قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ ٱلْبِرِّ، ٱلَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلرَّبُّ ٱلدَّيَّانُ ٱلْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضاً» (2تيموثاوس 4: 6-8).

فمصلحة لعازر أن يكون مع المسيح، لأنه قد جاء وقت فكّه من مسئولياته ليدخل راحته الأبدية.

فليس لعازر هو المحتاج للمعجزة، ولكن الاحتياج الحقيقي كان لأختيه مرثا ومريم.

2 - الأختان:

  1. أختان تحبّان الرب: فمريم إحدى الأختين هي التي دهنت الرب بطيب ومسحت رجليه بشعرها (آية 2) ومرثا هي التي كانت تقوم بواجب الضيافة للمسيح (لوقا 10: 38-42).

  2. تعلمان حبّ الرب لهما: كان المسيح يحب تلك الأسرة وهي تعلم بهذا الحب، كما شهد يوحنا بذلك «فَأَرْسَلَتِ ٱلأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: «يَا سَيِّدُ، هُوَذَا ٱلَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ». وَكَانَ يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا وَلِعَازَرَ» (آيتا 3 ، 5)، وقال المسيح: «لِعَازَرُ حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لٰكِنِّي أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ» (آية 11) وبكى عند قبر لعازر عندما سمع عن موت حبيبه (آية 35). وشهد اليهود لهذا الحب وقالوا: «ٱنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ» (آية 36).

  3. (ج) تعاتبان الرب: المحبة تتوقّع كثيراً، وعندما لا يتحقّق ما تتوقعه تبدأ في العتاب. وكانت معاتبة الأختين للمسيح لأنهما أرسلتا إليه رسولاً تقولان: «الذي تحبه مريض». ولكنه لم يستجب لرسالة الرسول، فمات لعازر. وقالت له مرثا: «يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي» وكررت مريم نفس كلماتها (آيتا 21 ، 32).

    ويعكس العتاب الحب والجهل. فالأبناء يحبون أباهم ولكن لا يدركون مقدار محبته هو لهم، فيعاتبونه لأنه لم يعطهم طلبهم، ولكنه دائماً يعطي أفضل مما يطلبون. والمسيح يسمح لنا بأن نعاتبه، ويوضح لنا أحياناً الحكمة التي جعلته يتصرف بطريقته التي تختلف عن توقّعاتنا وتوقيتنا حتى تطمئن نفوسنا وتستريح ضمائرنا.

  4. (د) تؤمنان بالرب: وكان لإيمان الأختين بالرب ماضٍ وحاضر قوي، وله مستقبل أقوى. لقد دخل المسيح بيت الأختين وكان لعازر يستقبله مرحّباً، ومرثا كانت تجهز الطعام، أما مريم فقد جلست عند رجليه تستمع له. وعاتبته مرثا لأنه سمح لأختها أن تجلس عند قدميه وتتركها تخدم وحدها. وقبل المسيح عتاب مرثا، وشرح لها الموقف بقوله: «تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلٰكِنَّ ٱلْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَٱخْتَارَتْ مَرْيَمُ ٱلنَّصِيبَ ٱلصَّالِحَ ٱلَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا» (لوقا 10: 41 ، 42). فهذه أسرة تؤمن وتحب وتستمر في حبها للرب، واختار المسيح بيت لعازر ليستريح فيه في أحد أيام أسبوع الآلام.

إن إيمان الأسرة، الذي كان له تاريخ وعمق هو إيمانٌ واثق، فقالت مرثا: «لٰكِنِّي ٱلآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ ٱللّٰهِ يُعْطِيكَ ٱللّٰهُ إِيَّاهُ» (آية 22). ولهذا الإيمان مستقبل عظيم أيضاً، فقد قالت له مرثا عن أخيها: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي ٱلْقِيَامَةِ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَخِيرِ» (آية 24). وعندما قال لها الرب: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهٰذَا؟» قَالَتْ لَهُ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، ٱلآتِي إِلَى ٱلْعَالَمِ» (آيات 25-27).

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

1 - التلاميذ:

يحبون المسيح، فعندما قال لهم: «لِنَذْهَبْ إِلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ أَيْضاً» (آية 7) قالوا له: «يَا مُعَلِّمُ، ٱلآنَ كَانَ ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضاً إِلَى هُنَاكَ؟!» (آية 8). ولهذا القول خلفية: «فَتَنَاوَلَ ٱلْيَهُودُ أَيْضاً حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ... فَطَلَبُوا أَيْضاً أَنْ يُمْسِكُوهُ فَخَرَجَ مِنْ أَيْدِيهِمْ» (يوحنا 10: 31 ، 39). فخاف التلاميذ على المسيح وطلبوا سلامته. ولكن عندما وجدوا أنه مُصِرٌّ على الذهاب لمكان الخطر، قال توما: «لِنَذْهَبْ نَحْنُ أَيْضاً لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ» (آية 16) فاختاروا بذلك أن يكون مصيرهم هو مصيره واهتماماتهم اهتماماته، فكان فيهم فكر المسيح.

2 - المعزُّون

«وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَّزُوهُمَا عَنْ أَخِيهِمَا» (آية 19) والمعزُّون كثيراً ما يكونون مُتعِبِين، كما قال أيوب لأصحابه: «مُعَّزُونَ مُتْعِبُونَ كُلُّكُمْ» (أيوب 16: 2).

وكان شك اليهود الحاضرين أكثر من إيمانهم. كانت قد مضت أربعة شهور على معجزة فتح عيني المولود أعمى، فتساءلوا: «أَلَمْ يَقْدِرْ هٰذَا ٱلَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ ٱلأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هٰذَا أَيْضاً لا يَمُوتُ؟» (آية 37). ويعود شكهم إلى أنهم تعاملوا مع المسيح معاملة سطحية. فبالرغم من معرفتهم أنه سبق أن أقام موتى، لكنهم كانوا غير متأكدين إن كان يقدر على عمل معجزة مع لعازر الذي مات.

3 - القادة

كان ضمن المشاهدين رجال من السنهدريم الذين جمعوا مجمعاً وقالوا: «مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هٰذَا ٱلإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. إِنْ تَرَكْنَاهُ هٰكَذَا يُؤْمِنُ ٱلْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي ٱلرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا» (آيتا 47 ، 48). فقد فاق اهتمامُهم السياسي اهتمامَهم الروحي، وكانوا يخافون أن يُنصِّب الشعبُ المسيحَ ملكاً، لأنه المسيا المنتظر ملك إسرائيل، فيقمع الرومان ثورتهم، ويدمرون بلادهم ويقتلونهم. فقال قيافا رئيس كهنتهم: «خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ ٱلشَّعْبِ وَلا تَهْلِكَ ٱلأُمَّةُ كُلُّهَا» (آية 50).

وتنبأ قيافا بغير أن يقصد أن المسيح يجب أن يموت، ليس عن الأمة فقط، بل ليجمع أبناء الله المتفرّقين إلى واحد. ونبوَّة قيافا هذه (من جانبه) رؤية سياسية خالية من المعنى الروحي، لكنها (في نظرنا الآن) تحتوي على معنى روحي عميق. وكلمات قيافا تشبه كلمات بلعام، عندما قال عن المسيح: «أُبْصِرُهُ وَلٰكِنْ لَيْسَ قَرِيباً» (العدد 24: 17). ولما سمع قادة اليهود الدينيون كلمات قيافا السياسية تشاوروا ليقتلوا المسيح، ثم أخذوا يخططون أيضاً لقتل لعازر، لأن قيامة لعازر برهان على إرسالية ومسياوية المسيح، ولهذا «تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ لِيَقْتُلُوا لِعَازَرَ أَيْضاً، لأَنَّ كَثِيرِينَ مِنَ ٱلْيَهُودِ كَانُوا بِسَبَبِهِ يَذْهَبُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِيَسُوعَ» (يوحنا 12: 10 و11).

فليحفظنا الرب من أن يكون موقفنا من المسيح موقف العارف عنه، وليس العارف به، موقف الذي يملك قنطاراً من المعلومات ولا يملك درهماً من الاختبار!

ثالثاً - المسيح والمعجزة

1 - يرى المسيح ما وراء متاعب الحياة:

لما سمع المسيح عن مرض لعازر قال: «هٰذَا ٱلْمَرَضُ لَيْسَ لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ، لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ بِهِ» (آية 4) لقد عرف أن الأختين تعبتا وتتألمان، ولا أحد يلومهما على انزعاجهما. وبالرغم من ذلك لم يستجب دعوتهما لمعرفته أن مرض لعازر ليس للموت، ولكن لليقظة (آية 11): يقظة الأختين لقوة المسيح المحيية، ويقظة لعازر من قبره، ويقظتنا نحن لنعرف من هو المسيح.

فالمسيح يعلم ما وراء كل أزمة نمرّ بها، ويسمح بها لأنه يريد أن يتمجد فينا ويمجدنا ويصفّينا لنصير كالذهب، وينقّينا كالفضة، الممحوصة سبع مرات. فهناك حكمة في عمله، فإن كانت ريح الأزمة أقوى منّا، فهو يوقف الريح، أو يعطي قوة أكبر لنقاوم قوتها، لتصبح المقاومة بقوته هو.

عزيزي القارئ، إن كنت تمرّ بمصاعب، فليس هذا دليلاً على عقاب الله لك، لكن هدف المصاعب أن نستيقظ من غفوتنا ونسهر منتظرين مجيئه.

2 - يؤجّل المسيح الإجابة أحياناً:

يستجيب الرب أحياناً قبل أن نطلب، لأن أبانا السماوي يعلم ما نحتاج إليه قبل أن نسأله (متى 7: 8). ولكن في أحيان أخرى تتأجل الإجابة: «فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي ٱلْمَوْضِعِ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ يَوْمَيْنِ» (آية 6). وكان المسيح وقتها في بيرية، فلا بد أن فيها أشخاصاً محتاجين لخدمته. نحن نرى حاجتنا فقط، ولكن المسيح يرى حاجتنا وحاجة غيرنا، فهو يعتني ويعطي ويخطط للجميع في نفس الوقت، لذا لم يغادر بيرية فور علمه بما أصاب حبيبه لعازر، لأن خدمته في بيرية لم تكن قد اكتملت بعد.

ولقد كان هذا التأجيل بركة لعائلة لعازر، ولنا نحن أيضاً. فلو كان المسيح وصل أثناء مرض لعازر لأجرى معجزة شفاءٍ من مرضٍ، مثل مئات المعجزات التي سبق أن أجراها. أما وقد مات لعازر، فكان لا بد من إجراء معجزة إقامة من الموت. فما أسعد أسرة لعازر! لقد دفعت ثمناً مؤقَّتاً لتنال ربحاً يدوم، ربحاً لها وربحاً للكنيسة كلها على مدى الأجيال، بعد أن سمعت إعلان المسيح: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ» (آية 25).

3 - أسند المسيح قوله بأفعاله:

النبي الكذاب يقول ولا يفعل، ولكن النبي الصادق يُسند ما يقول بما يفعل. قال المسيح: «أَنَا هُوَ نُورُ ٱلْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلا يَمْشِي فِي ٱلظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ ٱلْحَيَاةِ» (يوحنا 8: 12). وبرهن صدق قوله هذا بفتح عيني المولود أعمى، وجعله يقول: «كُنْتُ أَعْمَى وَٱلآنَ أُبْصِرُ» (يوحنا 9: 25). وقال المسيح: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلأَبَدِ»(آيتا 25 ، 26). وأسند قوله العظيم هذا بأمره العظيم: «لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجاً فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ»(آيتا 43 و44). هذا هو الذي يُسند دعواه بما يفعل.

لم يكن هناك فارق بين سلوك المسيح وتعاليمه، ولم يأمر أتباعه بما لم ينفّذه، ولم يستَثْنِ نفسه من شيء من المبادئ التي نادى بها.

4 - المسيح الإنسان الكامل:

  1. انزعج واضطرب: «فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَٱلْيَهُودُ ٱلَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، ٱنْزَعَجَ بِٱلرُّوحِ وَٱضْطَرَبَ» (آية 33) و «ٱنْزَعَجَ يَسُوعُ أَيْضاً فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ إِلَى ٱلْقَبْرِ» (آية 38).

    لكلمة «انزعج» معنيان في اللغة اليونانية: بمعنى حزن، لأن الموت دخل إلى العالم واجتاز إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع. وهو جاء ليخلِّصهم... وبمعنى غضب من نفاق ورياء المعزّين وقادة اليهود الذين لم يكن يعنيهم أمر لعازر ولا أمر الأختين، بدليل أنهم كانوا يريدون قتل لعازر بعد أن قام من الموت.

  2. أمر برفع الحجر: ونرى إنسانيته أيضاً في الآية 39 عندما قال: «ٱرْفَعُوا ٱلْحَجَرَ». فرغم أنه يقدر أن يقول كلمة يزحزحه بها، ولكنه يحتاج للبشر لرفع الحجر ليُظهر: صدق المعجزة، في أن لعازر لم يكن مغمى عليه، لكنه كان قد مات فعلاً... ثم ليرى الجمع كله المعجزة ويؤمنون، فلا يقول أحد إن هناك مؤامرة أو اتفاقاً مع عائلة لعازر لاختلاق معجزة يخدع بها الناس.

  3. صلّى: نرى المسيح المصلي يقول: «أَيُّهَا ٱلآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، 42 وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي» (آيتا 41 ، 42). وهذه هي العلاقة الجميلة بين الابن وأبيه السماوي، فالابن يكرم الآب، والآب يكرم الابن. وللابن شركة وأُنسٌ مع أبيه في صلة لا تنقطع.

5 - المسيح الإله الكامل:

قال: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً» (آية 43) فخرج الميت فوراً. قال أحد الأتقياء: «لو كان المسيح قال: هلم خارجاً (دون تحديد اسم) لخرج كل موتى القبور! ولكنه حدَّد لعازر بالاسم، فقام لعازر وحده».

كان سلطان المسيح واضحاً على الأرواح، في عودة روح لعازر من الفردوس إلى الجسد، بعد أن غادرته أربعة أيام. وكان سلطان المسيح واضحاً على الأجساد في قيامة الجسد سليماً بعدما أنتن! «وَٱلنُّورُ يُضِيءُ فِي ٱلظُّلْمَةِ، وَٱلظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ» (يوحنا 1: 4 ، 5).

من ذا الذي يأمر عالم السماء وعالم الأرض، إلا الذي قال عن نفسه: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (متى 28: 18).

وبهذا السلطان السماوي يدعوك المسيح الآن لتقوم من موت خطاياك إلى حياة جديدة معه، فهو القائل: «مَنْ يَسْمَعُ كَلامِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلا يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ ٱنْتَقَلَ مِنَ ٱلْمَوْتِ إِلَى ٱلْحَيَاةِ» (يوحنا 5: 24).

صلاة

أبانا السماوي، أتت ساعةٌ وهي الآن، حين يسمع الأموات صوت المسيح العظيم، والسامعون يحيون. أعطنا أن نكون ضمن هؤلاء الذين يسمعون، فتبعثهم من موت الخطية إلى الحياة الحقيقية، المتجددة دوماً، فالمسيح هو القيامة وهو الحياة. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. ما معنى اسم «لعازر»؟وكيف حقَّق المسيح للعازر معنى اسمه؟

  2. ما معنى اسم «مرثا»؟وكيف تحقق لها معنى اسمها؟

  3. لماذا لم يكن لعازر محتاجاً للمعجزة؟

  4. كيف بيَّن التلاميذ محبتهم للمسيح؟

  5. هل كان قيافا نبياً؟ وكيف تحقق قوله عن موت واحدٍ عن الشعب؟

  6. لماذا تأخر المسيح عن تلبية دعوة مريم ومرثا؟

  7. لماذا طلب المسيح أن يرفعوا الحجر عن القبر؟

المعجزة الرابعة والعشرون شفاء المنحنية

10 وَكَانَ يُعَلِّمُ فِي أَحَدِ ٱلْمَجَامِعِ فِي ٱلسَّبْتِ، 11 وَإِذَا ٱمْرَأَةٌ كَانَ بِهَا رُوحُ ضُعْفٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ مُنْحَنِيَةً وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَنْتَصِبَ ٱلْبَتَّةَ. 12 فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ دَعَاهَا وَقَالَ لَهَا: «يَا ٱمْرَأَةُ، إِنَّكِ مَحْلُولَةٌ مِنْ ضُعْفِكِ». 13 وَوَضَعَ عَلَيْهَا يَدَيْهِ، فَفِي ٱلْحَالِ ٱسْتَقَامَتْ وَمَجَّدَتِ ٱللّٰهَ. 14 فَرَئِيسُ ٱلْمَجْمَعِ، وَهُوَ مُغْتَاظٌ لأَنَّ يَسُوعَ أَبْرَأَ فِي ٱلسَّبْتِ، قَالَ لِلْجَمْعِ: «هِيَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَنْبَغِي فِيهَا ٱلْعَمَلُ، فَفِي هٰذِهِ اِيْتُوا وَٱسْتَشْفُوا، وَلَيْسَ فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ» 15 فَأَجَابَهُ ٱلرَّبُّ: «يَا مُرَائِي، أَلا يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ مِنَ ٱلْمِذْوَدِ وَيَمْضِي بِهِ وَيَسْقِيهِ؟ 16 وَهٰذِهِ، وَهِيَ ٱبْنَةُ إِبْرٰهِيمَ، قَدْ رَبَطَهَا ٱلشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هٰذَا ٱلرِّبَاطِ فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ؟» 17 وَإِذْ قَالَ هٰذَا أُخْجِلَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُعَانِدُونَهُ، وَفَرِحَ كُلُّ ٱلْجَمْعِ بِجَمِيعِ ٱلأَعْمَالِ ٱلْمَجِيدَةِ ٱلْكَائِنَةِ مِنْهُ (لوقا 13: 10-17).

حدثت هذه المعجزة في أحد مجامع اليهود في بيريّة في يوم سبت. ولليهود هيكل واحد، هو مركز تقديم الذبيحة في أورشليم، ولم يكن مسموحاً لهم ببناء هيكلٍ غيره. لكن كانت لهم مجامع كثيرة ومراكز للتعليم في كل مكان. وفي أحد مجامع بيرية شفى المسيح المرأة التي كانت منحنية مدة ثمانية عشر عاماً، وكان الرب قد شفى من قبل في مجمع كفرناحوم هذا رجلاً به روح نجس (مرقس 1: 23).

أولاً - المحتاجة والمعجزة

1 - مرضها

وصف البشير لوقا المريضة بأنها: «ٱمْرَأَةٌ كَانَ بِهَا رُوحُ ضُعْفٍ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَتْ مُنْحَنِيَةً وَلَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَنْتَصِبَ ٱلْبَتَّةَ» (آية 11) لأن عضلات ظهرها متيبّسة وسلسلتها الفقرية مقوَّسة، فلم تنتصب لمدة ثماني عشرة سنة. لقد ربطها الشيطان كل هذه المدة، وكان ينبغي أن تُحلّ من هذا الرباط.

وحدث مع تلك المرأة ما لا يحبه الله للإنسان، فكلمة «إنسان» في اللغة اليونانية «أنثروبوس» تعني الإنسان المنتصب، الذي يرفع عينيه إلى أعلى. وهذا هو هدف الله من خلق الإنسان، وهذا ما يجب أن يهدف له كل إنسان. ومن يتمتع بإنسانيته بالفعل، هو من ينظر إلى أعلى حيث المسيح جالس (كولوسي 3: 1).

وطعن الشيطان هذه المرأة المسكينة بالمرض الذي ضيَّع إنسانيتها، فصارت كالحيوان تنظر إلى أسفل. لكن بالرغم من ذلك كانت روحها تتطلع إلى أعلى، إلى ما خلقها الله عليه، وما أراده لها. وقد قال سليمان الحكيم: «هٰذَا وَجَدْتُ فَقَطْ: أَنَّ ٱللّٰهَ صَنَعَ ٱلإِنْسَانَ مُسْتَقِيماً» (جامعة 7: 29).

2 - إيمانها:

التقى المسيح بالمنحنية وهي تتردّد على المجمع لتتعبد. لقد كانت أمينة مع الله، ففي كل فترة مرضها بقيت تذهب إلى بيت الله بانتظام تستمع لكلمته بالرغم من انحنائها.

لم يؤثر عجزها الجسدي على روحها. وفي زيارة عادية لها للمجمع نالت البركة، وغيَّر المسيح حياتها تماماً عندما لمسها «فَفِي ٱلْحَالِ ٱسْتَقَامَتْ وَمَجَّدَتِ ٱللّٰهَ» (آية 13)، وهكذا حققت هدف حياتها ونظرت إلى أعلى. لم تعتبر هذه السيدة ذهابها للمجمع روتيناً ميتاً لا فائدة فيه. وكما وصفها المسيح «هِيَ ٱبْنَةُ إِبْرٰهِيمَ» (آية 16) لأنه كان لها إيمان إبراهيم، وذلك في استمرارية وانتظام تعبُّدها ولجوئها إلى الله. وكثيرون منّا يتأخرون عن المجيء لبيت الله بسبب مرض أو هموم أو انشغالات عائلية أو ضغط عمل، وتضيع منا بذلك فرص كثيرة رائعة كان يمكن أن نلتقي فيها بالرب فنأخذ بركة أكثر مما نطلب أو نفتكر.

3 - شفاؤها وشكرها:

لم تطلب هذه المرأة المريضة شفاءً. لكن كان وجودها في المجمع إعلاناً لرغبتها في الشفاء، وطلباً خافتاً له. والمسيح يسمع الأنين مهما كان خافتاً في أعماق القلب، ويرى الدموع حتى إن لم نصرخ ونجاهر بالطلب، فهو يعلم ما نحتاج إليه من قبل أن نسأله. «أَشْرَفَ مِنْ عُلْوِ قُدْسِهِ. ٱلرَّبُّ مِنَ ٱلسَّمَاءِ إِلَى ٱلأَرْضِ نَظَرَ لِيَسْمَعَ أَنِينَ ٱلأَسِيرِ، لِيُطْلِقَ بَنِي ٱلْمَوْتِ»(مزمور 102: 19 ، 20).

وبعد أن استقامت المرأة اشتركت مع الواحد السامري وسط العشرة البرص الذين نالوا الصحة (لوقا 17: 15) فمجَّدت الله، واشتركت مع أعمى أريحا المذكور في لوقا 18: 43. ونتيجة شكرها فرَّحت المؤمنين الموجودين: «وَفَرِحَ كُلُّ ٱلْجَمْعِ بِجَمِيعِ ٱلأَعْمَالِ ٱلْمَجِيدَةِ ٱلْكَائِنَةِ مِنْهُ» (آية 17).

ثانياً - رئيس المجمع والمعجزة

دعاه المسيح في آية 15: «يا مرائي» وهي لفظة قاسية، ولكنها تصف الرجل وصفاً صادقاً، لأنه عندما رأى شفاء المنحنية التي تعّوَدت حضور المجمع كل يوم سبت اغتاظ جداً، لأن المسيح أبرأها في يوم سبت. ولو كانت المريضة أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته لجاء تعليقه مختلفاً، ولو كان أمرها يهمّه لفسَّر الشريعة بطريقة أخرى لصالحها! ومن أخطاء رئيس المجمع نذكر:

  1. كلَّم الشعب الموجود وهو يقصد المسيح، دون أن يوجّه الكلام للمسيح مباشرة، فقال: «هِيَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَنْبَغِي فِيهَا ٱلْعَمَلُ، فَفِي هٰذِهِ اِيْتُوا وَٱسْتَشْفُوا، وَلَيْسَ فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ» (آية 14). فلو كان شجاعاً لوجَّه الاتهام للمسيح مباشرة، فالمسيح هو الذي كسر السبت وشفى المريضة. لكن رئيس المجمع أطلق غضبه على الجمهور البريء الذي جاء للتعبّد.

  2. جلس هذا الرجل على كرسي موسى لكنه حكم بغير شريعة موسى، كما لم يعلِّم تعاليم موسى. «فَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي نَامُوسِ مُوسَى: «لا تَكُمَّ ثَوْراً دَارِساً». أَلَعَلَّ ٱللّٰهَ تُهِمُّهُ ٱلثِّيرَانُ؟ أَمْ يَقُولُ مُطْلَقاً مِنْ أَجْلِنَا؟ إِنَّهُ مِنْ أَجْلِنَا مَكْتُوبٌ» (1كورنثوس 9: 9 ، 10). كان في شريعة موسى رحمة بالحيوان يوم السبت، وأنكر رئيس المجمع هذه الرحمة على الإنسان يوم السبت!

  3. ادّعى الغيرة على السبت بسبب حسده للمسيح وغيظه من شهرته ومن محبة الناس له وإقبالهم عليه، فخالف قواعد الرحمة التي يتوقّعها الإنسان العادي، والتي اصطلح الناس على اتِّباعها في مثل تلك الأحوال!

  4. أراد أن يكون فعل الخير بطريقته هو، فقد كان هذا الرجل تابعاً لا قائداً، وكان يعيش تحت عبودية شريعةٍ جامدة، وليس عضواً في ملكوتٍ حي. كان ولاؤه للتفسير المتزمّت للشريعة أكبر من ولائه للرحمة والمحبة. كانت لديه فكرة عن طريقة عمل الخير، ولما فعل المسيح الخير بطريقة أخرى وأوضح المفهوم الصحيح لعمل الخير، امتلأت نفس رئيس المجمع بالغيظ لأنه كان يريد الخير بطريقته هو، وذلك بدلاً من أن تمتلئ نفسه بالشكر والانبهار من عمل المسيح الجليل ومن رؤية قوة الله التي جاءت متمثِّلة في المسيح «عمانوئيل» الذي معنى اسمه «الله معنا».

  5. أثار آخرين ليقفوا معه ضد المسيح. ومن المؤلم أن كثيرين من الموجودين وافقوه على قوله ووقفوا معه ضد المسيح. ولكن الحاضرين أدركوا الظلم الواقع على المسيح وعلى المرأة المنحنية التّقية. فلما أسكت المسيح رئيس المجمع برَدِّه المقنع: «أُخْجِلَ جَمِيعُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يُعَانِدُونَهُ» (آية 17).

ثالثاً - المسيح والمعجزة

شخَّص المسيح مرض المرأة، ثم شفاها:

  1. رآها (آية 12). كانت المسكينة منحنية، ربما لم تستطع أن تراه لانحنائها، ولكنه هو رآها. وفي مرات كثيرة تمتلئ عيوننا بالدموع فلا نراه. لكننا نشكره لأنه هو يرانا، كما أن المهم والأساسي هو حبه لنا. وعندما ندرك حبه لنا نقول مع يوحنا: «نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَّوَلاً» (1يوحنا 4: 19). وعندما يرانا نقول له: «بِنُورِكَ نَرَى نُوراً» (مزمور 36: 9).

  2. دعاها: «فلما رآها دعاها، وقال لها: يا امرأة إنك محلولة من ضعفك» (آية 12). لم يتوقف عند رؤيتها، لكنه دعاها وشخَّص ضعفها. أدرك موقفها وعرف مدى الصعوبة التي تجتازها. أحسّ قلبه بها وتعاطف معها، لذا تحنَّن وحلَّها من ضعفها. إنه واقف يقرع ليعطي، فهل تقبل وتفتح؟!

  3. لمسها وشفاها: وضع المسيح كلتا يديه عليها لا يداً واحدة. وهذا يرينا إقباله وحنانه عليها، وفي الحال جاءت النتيجة الفورية، واستقامت المرأة ومجدت الله لأنه أقامها.

  4. دافع عن شفائها: عندما نالت الشفاء هاجمها رئيس المجمع مع المشابهين له في التفكير، ولكن المسيح لم يتركها وحدها، بل دافع عنها، وقال لرئيس المجمع: «أَلا يَحُلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ ثَوْرَهُ أَوْ حِمَارَهُ مِنَ ٱلْمِذْوَدِ وَيَمْضِي بِهِ وَيَسْقِيهِ؟ وَهٰذِهِ، وَهِيَ ٱبْنَةُ إِبْرٰهِيمَ، قَدْ رَبَطَهَا ٱلشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هٰذَا ٱلرِّبَاطِ فِي يَوْمِ ٱلسَّبْتِ؟» (آيتا 15 ، 16). وبهذا أضاف المسيح دفاعه عنها إلى بركة الصحة لها.

2 - شرح المسيح شريعة موسى:

يقول كثيرون إن المسيح نقض شريعة التوراة ونسخها. ولكن هذا لم يحدث. لا يمكن أن كتاباً مُنزلاً من عند الله يناقض كتاباً آخر مُنزلاً من عنده أيضاً. لذلك يضم الكتاب المقدس بين دفتيه العهدين القديم والجديد، التوراة و الإنجيل، فلا يوجد أي تناقض لأن المصدر واحد وهو الله. لقد صدَّق المسيح على التوراة بأن:

  1. اقتبسها: وفي موقف مشابه قال: «أَمَا قَرَأْتُمْ وَلا هٰذَا ٱلَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ، حِينَ جَاعَ هُوَ وَٱلَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ، كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ ٱللّٰهِ وَأَخَذَ خُبْزَ ٱلتَّقْدِمَةِ وَأَكَلَ، وَأَعْطَى ٱلَّذِينَ مَعَهُ أَيْضاً، ٱلَّذِي لا يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ لِلْكَهَنَةِ فَقَطْ؟» (لوقا 6: 3-4).

  2. وشرح المسيح شريعة موسى، إذ سأل سامعيه: «هَلْ يَحِلُّ فِي ٱلسَّبْتِ فِعْلُ ٱلْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ ٱلشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ إِهْلاكُهَا؟» (لوقا 6: 9) وذلك ليدفع سامعيه إلى التفكير في ما يقرأون، ليطبّقوا كلمات الحق على حياتهم بالاستقامة والفطنة.

  3. وتحدث المسيح عن شخصيته فقال: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ. فَمِنْ أَجْلِ هٰذَا كَانَ ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ ٱلسَّبْتَ فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ ٱللّٰهَ أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِٱللّٰهِ» (يوحنا 5: 17-18).

  4. واستخدم المسيح المنطق السليم في شرح شريعة موسى بخصوص يوم السبت، فقال إن المرأة المنحنية أهم من البهيمة، فالإنسان يحلّ بهيمته من رباطها لتشرب، والمنحنية ابنة إبراهيم (بالمفارقة مع الثور). فهل يجوز أن تُترك مربوطة من الشيطان بمثل هذا المرض (بالمفارقة مع المذود الذي يربطون فيه البهيمة) لمدة ثماني عشرة سنة عاجزة عن أداء حياتها اليومية (بالمفارقة مع بضع ساعات يقضيها الحيوان في العطش).

3 - موقف المسيح من المرأة:

نرى بفكر تاريخي أن الذي أنصف المرأة فعلاً وأرجعها إلى الأصل الذي أراده الله لها هو المسيح، ففي المسيح: «لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلا يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلا حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعاً وَاحِدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية 3: 28). وشفاء المسيح للمرأة المنحنية يذكّرنا بمعاملات المسيح مع المرأة:

  1. عالج جراح السامرية بدراية وحب وأمانة، بغير أن يجرحها، بل بلمسة رقيقة من محبته نبَّهها إلى حالها الساقط، وإلى الماء الحي الذي يمكن أن يرويها، فأخذت منه الماء الحي وتابت وصارت كارزةً لقريتها.

  2. أمسك بيد ابنة يايرس الميتة وناداها «طليثا قومي» فأقامها من الموت. و «طليثا» هو النداء الذي توجِّهه الأم لابنتها في الصباح عندما توقظها من النوم (مرقس 5: 35-43).

  3. عزَّى أرملة نايين التي كانت تبكي ابنها الوحيد الذي كان كل أملها، ولكنه مات. فتقدم المسيح منها وقال لها: «لا تبكي» وأعاد ابنها للحياة، ودفعه إليها (لوقا 7: 11-17).

  4. غفر للمرأة الخاطئة في بيت الفريسي، وأعطاها بركة لم يأخذها صاحب البيت الذي دعاه للطعام، فأحبته كثيراً لأنه غفر لها الكثير (لوقا 7: 36-50).

  5. غفر للتي أُمسكت في خطيتها، وكتب خطايا الذين أدانوها فتركوها، ثم قادها للتوبة (يوحنا 8: 1-9).

  6. صادق بيت لعازر ومريم ومرثا (لوقا 10: 38-42).

  7. وها هو يشفي المنحنية. إنه المسيح الذي لا يميّز بين شخص وآخر سبب جنسه، ولا يُفرّق بين أيٍّ من خليقته لأنه مخلّص الجميع. «وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ ٱلأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لا لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ» (2كورنثوس 5: 15).

والمسيح المحب الذي مدَّ يد محبته للمرأة المنحنية فاستقامت، يمدُّ يده إليك الآن لتستقيم أمورك، وفوق الكل لتستقيم علاقتك به.

صلاة

أبانا السماوي، أنت مقوِّم المنحنين، فنأتي إليك لترفع عن كاهلنا كل ما يحنينا، لتعتدل ظهورنا، وتستقيم أمورنا.

ما أحوجنا إلى لمسة حنانك التي تمتدّ إلينا في وقت ضيقنا، فترتفع أنظارنا إلى شخصك الكريم. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. ماذا فعل المرض بالمرأة المنحنية؟ وماذا كانت مدّته؟

  2. من هو الذي يتمتع بإنسانيته بحقّ؟

  3. كيف أعلنت المنحنية رغبتها في الشفاء، وماذا نتعلم من ذلك؟

  4. اذكر عيبين في رئيس مجمع بيرية.

  5. اذكر أربعة أشياء أظهرت اهتمام المسيح بالمنحنية.

  6. اذكر المنطق السليم في تفسير شريعة السبت.

  7. اذكر ثلاث سيدات رفع المسيح من شأنهنَّ، وكيف رفع الله شأن كل واحدة منهنَّ؟

المعجزة الخامسة والعشرون شفاء بارتيماوس الأعمى

46 وَجَاءُوا إِلَى أَرِيحَا. وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحَا مَعَ تَلامِيذِهِ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ، كَانَ بَارْتِيمَاوُسُ ٱلأَعْمَى ٱبْنُ تِيمَاوُسَ جَالِساً عَلَى ٱلطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. 47 فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ، ٱبْتَدَأَ يَصْرُخُ وَيَقُولُ: «يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ، ٱرْحَمْنِي!» 48 فَٱنْتَهَرَهُ كَثِيرُونَ لِيَسْكُتَ، فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيراً: «يَا ٱبْنَ دَاوُدَ، ٱرْحَمْنِي». 49 فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى. فَنَادَوُا ٱلأَعْمَى قَائِلِينَ لَهُ: «ثِقْ. قُمْ. هُوَذَا يُنَادِيكَ». 50 فَطَرَحَ رِدَاءَهُ وَقَامَ وَجَاءَ إِلَى يَسُوعَ. 51 فَسَأَلَهُ يَسُوعُ: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» فَقَالَ لَهُ ٱلأَعْمَى: «يَا سَيِّدِي، أَنْ أُبْصِرَ». 52 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ٱذْهَبْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَ يَسُوعَ فِي ٱلطَّرِيقِ (مرقس 10: 46-52).

(وردت المعجزة أيضاً في متى 20: 29-34).

هذه معجزة شفاء أعمى بقرب أريحا. والأعمى لا يستطيع أن يعتمد على نفسه في كسب رزقه لأنه فقد بصره، ولا يعرف طريقه، ولا وجوه الناس، ولا الطبيعة.

ولقد شفى المسيح عند أريحا ثلاثة عميان:

ذكر لوقا واحداً منهم، كان يقف بقرب أريحا (لوقا 18: 35).

وذكر متى منهم أعميين.

وذكر مرقس واحداً منهم هو بارتيماوس، الذي نتأمل الآن معجزة شفائه، وربما اقتصر على ذكره لأنه أكثر العميان الذين شفاهم المسيح أهمية، وربما أصبح قائداً مسيحياً بعد ذلك معروفاً بالاسم عند الكنائس.

ولا تناقض في رواية الإنجيليين عن شفاء العميان عند أريحا. ولكن لو قال مرقس إن المسيح شفى أعمى واحداً عند أريحا، بينما قال متى إنه شفى أعميين، لكان هذا تناقضاً. والحقيقة هي أن كل واحد من البشيرين يكمل ما كتبه الآخرون، ولكنه لا يناقضهم.

وقف بارتيماوس بطلاً بالرغم من عماه، لأنه كافح ليصل إلى المسيح. فهو مؤمن به، لذلك كافأه المسيح بأن فتح عينيه ليرى ما لم يره كثيرون من أصحاب البصر، فرأى المسيح «ابن داود» المخلِّص المنتظر.

أولاً - المحتاج والمعجزة

المحتاج هو بارتيماوس الأعمى الذي يستعطي. فلنتأمل ما فعل، وما حصل عليه:

1 - صرخ:

كان بارتيماوس يفتقد نعمة البصر، ولكنه كان يملك حنجرة قوية تعوَّد استخدامها ليُلفت انتباه المارة ليمنحوه مساعدةً مالية. وقد استخدم تلك الحنجرة التي عنده ليحصل على ما ليس عنده. «فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ، ٱبْتَدَأَ يَصْرُخُ وَيَقُولُ: يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ، ٱرْحَمْنِي» (آية 47).

والله دوماً يعطينا ما يساعدنا لنحصل به على ما ليس عندنا. ويعلّمنا بارتيماوس ذلك، فقد استخدم ما عنده وما تدَّرب عليه ليصل إلى هدفه. وعلينا نحن أن نتصرَّف بالطاقات الكامنة فينا ونبرزها ليستخدمها الله لتكميل النقص الموجود فينا.

2 - آمن:

رأى بارتيماوس في المسيح «ابن داود» المسيا المخلِّص المنتظَر الآتي إلى العالم. فعندما سأل عن سبب الضوضاء التي يسمعها أجابوه أن «يسوع الناصري» خارجٌ من أريحا. ولكن الأعمى عرف في «الناصري» أكثر من صانع معجزات. لقد أدرك أنه «ابن داود» أي المخلِّص، فطلب منه الرحمة. وهذا ما لم يره كثيرون من أهل أريحا.

ونحن نسمع كثيراً عن المسيح كنبي ومرسَل أو عبد الله أو الإنسان، وهذا صحيح لأن «ٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ» (يوحنا 1: 14). ولكن عندما ينير الروح القدس بصيرتنا نرى فيه إلى جوار إنسانيته أنه الإله، مخلِّص العالم وفادي البشر، ونرى مجده، مجداً كما لوحيدٍ من الآب، مملوءاً نعمة وحقاً، ومن ملئه يمكن أن ننال نعمة فوق نعمة، لأنه الله الذي ظهر في الجسد (1تيموثاوس 3: 16).

3 - أصرَّ:

كان يصرخ: «يا يسوع ابن داود ارحمني» فانتهره كثيرون ليسكت، لكنه أصرَّ على طلبه وصرخ أكثر كثيراً. كان يمكن أن يسكت، فهذا الشحاذ تعوَّد أن كثيرين يرفضون طلبه، وهو لا يملك أن يُجبر أحداً على أن يعطيه. ولكنه في هذه المرة أصرَّ وألحّ في طلبه، وزاد صراخه رغم مقاومة الجمهور له. لم يهتم بمن هم حوله من البشر، بل وجَّه كلامه لمن يثق فيه: المسيح ابن داود.

فعلينا أن نقرع باب السماء ونُصرّ أن نسمع صوته هو، لأن تعليماته واجبة الاتِّباع.

4 - تغلَّب:

وعندما استجاب المسيح طلبه وناداه المحيطون وقادوه إلى المسيح، وجد أن رداءه سيمنعه من الحركة أو يعطله، فطرحه. لقد طرح شيئاً غالياً يحتاج إليه، ولم يكن يستطيع أن يعوِّضه بسهولة، ولكن ما أن أدرك أن هذا الشيء يعطله حتى طرحه وسار نحو المسيح. فمبارك ذلك الرجل الذي تغلَّب على ما يمكن أن يُعثِره أو يُعِيقه عن الوصول إلى رب المجد، مع أن هذا الذي يعطله كان رداءه الذي لا يستغني عنه.

وفي حياتنا الروحية تعطلنا أشياء عن الوصول إلى المسيح، يجب أن نطرحها، منها رداء البر الذاتي الذي يجعلنا نعتبر أن أعمالنا الصالحة تقرّبنا إلى المسيح، كما قال الفريسي: «اَللّٰهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي ٱلنَّاسِ... أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي ٱلأُسْبُوعِ» (لوقا 18: 11 ، 12). ولكن لنطلب رداء البرّ الذي يمنحه المسيح، مردّدين: «ٱللّٰهُمَّ ٱرْحَمْنِي أَنَا ٱلْخَاطِئَ» (لوقا 18: 13). ثم «لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَٱلْخَطِيَّةَ ٱلْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِٱلصَّبْرِ فِي ٱلْجِهَادِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا» (عبرانيين 12: 1).

5 - عرف ما يريده:

عندما سأله المسيح عن طلبه، كان يمكن أن يتردّد: هل يطلب مالاً يستثمره ويعيش من دَخْله، لأنه كان فقيراً؟ ولكنه لم يفعل، لأنه كان قد حدَّد ما يريده، وسبق أن عرف ما يحتاجه: أن يُبصر. بالرغم من أن البصر سيضيّع منه حرفة الحياة، فعندما يبصر لن يقدر أن يستجدي.

6 - نال بصر العين والقلب:

أعطاه المسيح ما طلب وقال له: «اذهب. إيمانك قد شفاك» (آية 52). فمبارك بارتيماوس هذا لأنه لم ينل البصر فقط، بل فَتْح البصيرة أيضاً. ونال امتياز رؤية وجه المسيح، وخلاص نفسه.

7 - تبع يسوع في الطريق:

وحالما انفتحت عينا بارتيماوس وبصيرته اتّخذ قراراً خطيراً للغاية، فقد قرر أن يكون تلميذاً دائماً للمسيح، وتبعه في الطريق.

وطريق المسيح هو الطريق الضيق، الذي إذا سار فيه إنسان يجب أن ينكر نفسه ويحمل صليبه ليتبع المسيح (متى 7: 13 و10: 38). وهو طريق القداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب (عبرانيين 12: 14).

ويرتفع طريق المسيح بنا أحياناً إلى جبل المجد والتجلّي، فنراه في قوة قيامته، كما قد ينزل بنا أحياناً إلى وادي البكاء وظل الموت، فنراه في شركة آلامه (فيلبي 3: 10). ولكنه في الحالين يسير أمامنا ويهدينا إلى سُبل البر من أجل اسمه (مزمور 23: 3).

وإذْ تبع بارتيماوس المسيح، تبعه لأنه السيد، فهكذا ناداه: «يا سيدي» (آية 51). لقد اعترف بارتيماوس بالمسيح سيداً يملك العطاء، ويملك أن يغيّر العطية بعطية أخرى أفضل. ولذلك وضع بارتيماوس نفسه تحت تصرُّف الحكيم الوحيد ربنا يسوع المسيح.

ثانياً - المشاهدون والمعجزة

المشاهدون هنا هم الجمهور المحيط بالمسيح، ويمكن أن نرى فيهم صورةً لكنيسة اليوم.

فلنتأمل ما فعلوه:

1 - انتهروه ليسكت:

لقد أشفقوا على جهد المسيح ووقته. فعندما كان في أريحا وعظ وأجرى معجزات، فاعتقدوا أنه ليس لديه وقتٌ لبارتيماوس. لقد ظنّوا أنهم يعبّرون عن حبهم للمسيح بمنعهم بارتيماوس من إزعاج المسيح. وهذا ما تفعله الكنيسة أحياناً، عندما تأخذ البركة من المسيح ولا تشارك الآخرين فيها. العالم من حولنا يفتش على المسيح، ونحن أحياناً نحتفظ به لأنفسنا، ونقف حجر عثرة في طريق من يحتاجون!

2 - نادوه قائلين: «ثِقْ. قُمْ»:

جاء المسيح من أجل الجميع، وبالأخص لأجل المحتاجين. لذلك أوقف المسيح الجمع وأمر أن ينادوا بارتيماوس. فأدرك بعض المحيطين بالمسيح إرادته الصالحة، وبعد أن كانوا ينتهرون الأعمى ليسكت، غيَّروا أوامرهم إليه طاعةً لأمر المسيح، وقالوا لبارتيماوس: «ثق. قم. هوذا يناديك».

يقدم المحيطون بالمسيح درساً عظيماً لنا. كانوا مستعدين أن يغيّروا فكرهم ليتناسق مع فكر المسيح، بمجرّد أن أدركوا الفكر الإلهي.

قال داود النبي لناثان إنه يريد أن يبني بيتاً للرب، وجاوب ناثان بتفكيره المنطقي على ما عرضه داود وشجَّع داود، دون أن يستشير الرب. وهنا أمر الرب ناثان أن يُبلغ داود أن لا يبني البيت، لأن ابنه هو الذي سيبنيه. وكان ناثان عظيماً عندما ذهب يعتذر لداود عن إجابته الأولى، ليقدم إجابته الثانية التي من عند الرب (2صموئيل 7). فصاحب الرسالة الأمين هو الذي يغيِّر فكره ليتوافق مع فكر المسيح، وهو الذي يأخذ من المسيح ليقدم للناس.

3 - قادوه:

والبعض قادوه وسط الناس ليوصّلوه للمسيح، فلأنه أعمى كان لا بد أن يتخبَّط وسطهم لو أنه حاول أن يصل بنفسه إلى المسيح. وقد عبَّر الذين قادوه للمسيح عن محبتهم له، وعن محبتهم للمسيح.

يتوقّع المسيح منّا أن نميّز صوته ونتكلم بكلمته، فنمسك بإنسانٍ متعثّرٍ لنوصّله إلى حيث يلتقي بالمسيح. فالناس لا يفتشون عن خدّم المسيح، لكنهم يفتشون عن المسيح من خلال خدامه. وليعلّمْنا الله ككنيسة أن نعرف حجمنا، فنحن مجرد خدّام حاملين للكلمة التي صاحبها هو المسيح.

ثالثاً - المسيح والمعجزة

1 - المسيح المشهور:

«فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ» (مرقس 10: 47) فشخصيَّة المسيح جذَّابة للغاية، وكل من يسمع عنه يحب أن يتعرف عليه ويدرس كلامه. إنه فريد لا نظير له، كامل في كل شيء. وكلما اختبرناه في قلوبنا كمخلِّصٍ لنا، تحدَّثنا عنه، كما يقول المرنم: «فَاضَ قَلْبِي بِكَلامٍ صَالِحٍ. مُتَكَلِّمٌ أَنَا بِإِنْشَائِي لِلْمَلِكِ. لِسَانِي قَلَمُ كَاتِبٍ مَاهِرٍ» (مزمور45: 1).

2 - المسيح ابن داود صانع الرحمة:

«يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ، ٱرْحَمْنِي» (آية 47). وما أعظم مراحمه! لم تكن هناك معجزة واحدة قام بها المسيح لخدمة نفسه. كل معجزاته محبة وعطف وحنان لنفس محتاجة. «شَفَى كَثِيرِينَ، حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهِ لِيَلْمِسَهُ كُلُّ مَنْ فِيهِ دَاءٌ. وَٱلأَرْوَاحُ ٱلنَّجِسَةُ حِينَمَا نَظَرَتْهُ خَرَّتْ لَهُ وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: إِنَّكَ أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ» (مرقس 3: 10 ، 11).

3 - المسيح المختلف عن سواه:

صرخ الجمهور في الأعمى وانتهروه ليسكت، لكن المسيح تصرَّف تصرُّفاً مختلفاً. «فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى» (آية 49). في كل شيء كان المسيح مختلفاً عن المحيطين به، والقداسة معناها الاختلاف. فكر المسيح يختلف عن فكر الآخرين، فالبشر إمكانياتهم وطاقاتهم محدودة. يتعبون، ولا يقدرون أن يهتموا باحتياجات كل من حولهم. لكن المسيح غير المحدود يفتح بابه واسعاً، ومن يُقبِل إليه لا يُخرجه خارجاً (يوحنا 6: 37).

4 - المسيح الذي لا يُجبر أحداً:

سأل المسيح بارتيماوس: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» (آية 51). سأله عن طلبه بالرغم من أنه يعرف احتياجه من قبل أن يسأله! وما زال يسألنا السؤال نفسه ليؤكد لنا حرية اختيارنا، وأنه لا يُجبرنا.

إنه يقول: «إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ ٱلْبَابَ» (رؤيا 3: 20) «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي» (لوقا 9: 23). لم يكن أبداً ضيفاً ثقيلاً على أحد، فهو القادر الرقيق الذي يحترم حرية الإنسان. إنه يجذبنا إليه بحبال البشر، برُبُط المحبة (هوشع 11: 4) فنحبه لأنه هو أحبنا أولاً (1يوحنا 4: 19).

5 - المسيح مانح الخلاص الذي يستحق الاتِّباع:

«ٱذْهَبْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ. فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَ يَسُوعَ فِي ٱلطَّرِيقِ»(آية 52). منحه المسيح شفاء جسده ونفسه وتركه ليذهب، ولكنه قرر أن يتبع المسيح. هناك شيء جذاب في المسيح يجعلنا نحبه ونحترمه ونريد أن نتمثَّل به، فكلما تأملناه وددنا أن نكون على صورته، فليس فيه خطأ نعتذر عنه أو عيب ندافع عنه أو نخفيه عن الناس، أو نحاول أن نجد له تخريجاً! وكلما أظهرنا روعته للناس تمتَّعوا برؤية الله، فقد قال المسيح: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يوحنا 14: 9).

«تبع يسوع في الطريق» فاتِّباع المسيح ليس اتّباع فكرٍ مجرّد، ولا فلسفة ولا عقيدة، لكنه اتباع شخصٍ حي، وهو أسلوب حياة. ولذلك سُمِّيت المسيحية الأولى «الطريق» (أعمال 9: 2).

هل عرفت المسيح المخلِّص؟ هل انفتحت عيناك على عظمة محبته؟ ... هيا اتبعه كل طريق حياتك.

صلاة

أبانا السماوي، يا من تكرمنا عندما يهيننا الناس، وتعتني بنا عندما يهملنا الناس، وتقف إلى جورانا عندما يهجرنا الناس، وتسمع استغاثتنا عندما يُسكتنا الناس - أنت الملجأ، وبك الملاذ!

نتبعك لأن حبك يأسر قلوبنا، فنسير وراءك في طريق الصليب، الذي يؤدي إلى القيامة والصعود. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. كم أعمى شفاهم المسيح عند أريحا؟ ولماذا اقتصر مرقس على ذكر بارتيماوس؟

  2. كيف استخدم بارتيماوس ما عنده ليصل إلى المسيح؟

  3. كيف ترى في إصرار بارتيماوس على الشفاء ضرراً لحالته المادية؟

  4. ما هي بعض الأشياء التي يجب أن نطرحها لأنها تعطل شفاءنا الروحي؟

  5. ما هو القرار الخطير الذي اتَّخذه بارتيماوس بعد شفائه؟ وماذا نتعلم منه؟

  6. كيف يمثل المشاهدون لمعجزة شفاء بارتيماوس كنيستنا اليوم؟

  7. «المسيح مختلف عن سواه» - اشرح هذه الفكرة.

المعجزة السادسة والعشرون لَعْن شجرة التين

11 فَدَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ وَٱلْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ ٱلْوَقْتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ ٱلٱِثْنَيْ عَشَرَ. 12 وَفِي ٱلْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ، 13 فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئاً. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئاً إِلاَّ وَرَقاً، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ ٱلتِّينِ. 14 فَقَالَ يَسُوعُ لَهَا: «لا يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَراً بَعْدُ إِلَى ٱلأَبَدِ». وَكَانَ تَلامِيذُهُ يَسْمَعُونَ.

20 وَفِي ٱلصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوُا ٱلتِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ ٱلأُصُولِ، 21 فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدِي ٱنْظُرْ، اَلتِّينَةُ ٱلَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!» 22 فَأَجَابَ يَسُوعُ: «لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِٱللّٰهِ. 23 لأَنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهٰذَا ٱلْجَبَلِ، ٱنْتَقِلْ وَٱنْطَرِحْ فِي ٱلْبَحْرِ، وَلا يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ. 24 لِذٰلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ. 25 وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ فَٱغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ زَلاَّتِكُمْ. 26 وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لا يَغْفِرْ أَبُوكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَيْضاً زَلاَّتِكُمْ» (مرقس 11: 11-26).

6 وَقَالَ هٰذَا ٱلْمَثَلَ: «كَانَتْ لِوَاحِدٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَغْرُوسَةٌ فِي كَرْمِهِ، فَأَتَى يَطْلُبُ فِيهَا ثَمَراً وَلَمْ يَجِدْ. 7 فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاثُ سِنِينَ آتِي أَطْلُبُ ثَمَراً فِي هٰذِهِ ٱلتِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا. لِمَاذَا تُبَطِّلُ ٱلأَرْضَ أَيْضاً؟ 8 فَأَجَابَ: يَا سَيِّدُ، ٱتْرُكْهَا هٰذِهِ ٱلسَّنَةَ أَيْضاً، حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلاً. 9 فَإِنْ صَنَعَتْ ثَمَراً، وَإِلاَّ فَفِيمَا بَعْدُ تَقْطَعُهَا» (لوقا 13: 6-9).

(وردت المعجزة أيضاً في متى21: 18-22).

تبدو هذه المعجزة غريبةً علينا، فقد تعّودنا أن نرى المسيح يشفي المريض، ويقيم الميت، ويعطي بركةً لكل من يطلب. أما في هذه المعجزة فنرى المسيح يلعن شجرة تينٍ غير مثمرة.

ويمكن أن نتعلم كثيراً من هذه المعجزة لحياتنا الروحية بالنسبة لانتظارات الرب منّا، فلا نعتمد على محبته اعتماداً يدفعنا لنستسلم إلى اللامبالاة في سلوكنا الإيماني. صحيح أنه إله المحبة والغفران، لكنه أيضاً القاضي والديَّان العادل!

أعطى الله هذه التينة كل إمكانيات الإثمار، وتجاوبت الشجرة فقدّمت الورق الأخضر، وهذا يجعل الناظر إليها يتوقّع أن يجد فيها ثمراً، فجاءها المسيح ينتظر منها أن تعطيه ما وعدته به، ولكنه لم يجد فيها إلا ورقاً فقط، فأصدر حكم الدينونة عليها: «لا يكُنْ منكِ ثمرٌ بعد إلى الأبد» فيبست التينة في الحال! (آية 19).

جرت هذه المعجزة في يوم الإثنين من أسبوع الآلام، ونذكر أن يوم الأحد الذي سبقه كان يوم دخول المسيح الانتصاري إلى أورشليم عندما طهَّر الهيكل من الذين كانوا يبيعون ويشترون فيه. لقد كان الهيكل جميلاً في منظره ومبانيه، وعامراً بالعابدين المقبلين على تقديم ذبائحهم وعشورهم للرب. لكن بالرغم من هذا المنظر الخارجي الظاهري، لم تكن فيه عبادة بالروح والحق. فكان المسيح عنيفاً مع الباعة، طردهم وقلَب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام وقال لهم: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ ٱلصَّلاةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!» (متى 21: 13).

وفي اليوم التالي (أي يوم الاثنين) مَرَّ المسيح بتلك الشجرة المورقة، التي تشبه الهيكل العامر بالعبادة ولكن بلا روح. فقد كانت عامرة بالخضرة خالية من الثمر! وكما أعلن المسيح الدينونة على الهيكل وقال إنه لا يُترك فيه حجرٌ على حجرٍ لا يُنقض، وتمَّ قوله بالفعل، هكذا حدث مع التينة التي أدانها، فيبست في الحال.

وكان الأتقياء اليهود يجلسون تحت أشجار التين يتعبّدون ويتأملون كلمات الله ومراحمه. هكذا جلس نثنائيل يتأمل تحت شجرة التين، فقال المسيح له: «قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ ٱلتِّينَةِ، رَأَيْتُكَ» (يوحنا 1: 48). فكان منظر شجرة التين يوحي بالتقوى والتعبُّد. ولكن التينة التي لعنها المسيح أظهرت عكس هذا المعنى!

كما أن التينة ترمز للسلام والوفرة، فكانوا يصفون حال بني إسرائيل في أزمنة النجاح والسلام أن «كُلُّ وَاحِدٍ تَحْتَ تِينَتِهِ» (1ملوك 4: 25) ولكن تلك التينة أظهرت السلام الفارغ من السلام، والأمان الخالي من الأمان!

وترمز التينة أيضاً للأمة الإسرائيلية. وكان الرب ينتظر من تينته أن تكون مثمرة لسائر الشعوب، لكن الأمة الإسرائيلية اكتفت بمظهر العبادة دون روح العبادة، فقال الإنجيل عنها: «إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ» (يوحنا 1: 11) فتركهم واتّجه إلى الأمم التي تصنع أثماره. ورسمت شجرة التين الملعونة حالة الأمة الإسرائيلية، التي خيَّبت انتظار الرب منها!

أولاً - المحتاجون والمعجزة

المحتاجون هنا هم التلاميذ مشاهدو المعجزة. لقد رأوا لَعْن شجرة التين غير المثمرة، وكيف يبست، فتعلَّموا عدة دروس لفائدتهم الروحية. وفي لعن شجرة التين نتأمل أربعة دروس نحتاجها نحن اليوم، ربما أكثر مما احتاجها التلاميذ!

1 - عدم الفائدة يجلب الخراب:

بالرغم من أن التينة كانت مورقة، ومن أنها كانت تحتل مكاناً من الأرض، وتأخذ من التربة عصارةً، لكنها لم تُعط ما يُنتظر منها: أن تصنع ثمراً. فكان عدم فائدتها سبباً في يَبَسها.

أوجدنا الله في الأرض لنأتي بثمر: «لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس 2: 10). لقد كنا أمواتاً بالذنوب والخطايا فأحيانا المسيح وأقامنا من موت خطيتنا، وأجلسنا معه في السماويات لنثمر أعمالاً صالحة. ويجيء المسيح إلينا ليفتش عن ثمرنا، وعن النور الذي فينا: هل هو نور حقيقي أو ظلام؟ ويسألنا عن الفائدة التي ترجع منّا على ملكوته وعلى العالم. لذلك يجب أن نبرِّر وجودنا، بأن نكون نافعين للمحيطين بنا.

2 - النفاق يجلب الدينونة:

أعطت الشجرة صورة الثمر التي تمثَّلت في الورق، ولكنها لم تحمل ثمراً، فلم تكن لديها قوة الثمر! وبهذا أصحبت رمزاً للرياء والنفاق.

كان يمكن أن يكون الزعيم الهندي غاندي مسيحياً، فقد كان في مطلع حياته في جنوب أفريقيا يصلي في كنيسة. وعندما درس في إنجلترا كان يذهب إلى الكنيسة بانتظام. ولكن ماذا وجد في الكنائس التي صلى فيها؟ كانت الكنيسة التي حضرها في جنوب أفريقيا أشبه بنادٍ يجتمع فيها الناس للاستمتاع بأنفسهم وبأصدقائهم، بغير رسالة خلاصٍ وبغير اهتمامٍ بالآخرين!! وفي إنجلترا جلس في الكنيسة يوماً فجاءه المشرف على النظام قائلاً: «ليس هذا المكان مخصصاً لك». وقاده لمكانٍ آخر خاص بالملوَّنين! فقال الرجل: «لولا المسيحيين لصِرْتُ مسيحياً!». ولو صار غاندي مسيحياً لكان ذا تأثير على الهند كلها، ولكنه احتكَّ بمسيحيين يشبهون التينة غير المثمرة.

قال المسيح: «كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لا يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ، وَكُلُّ مَا يَأْتِي بِثَمَرٍ يُنَقِّيهِ لِيَأْتِيَ بِثَمَرٍ أَكْثَرَ... اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ. كَمَا أَنَّ ٱلْغُصْنَ لا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَمَرٍ مِنْ ذَاتِهِ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي ٱلْكَرْمَةِ، كَذٰلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً إِنْ لَمْ تَثْبُتُوا فِيَّ... إِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجاً كَٱلْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي ٱلنَّارِ، فَيَحْتَرِقُ» (يوحنا 15: 2 - 6).

تحدث الرسول يهوذا عن «غيوم بلا ماء» (يهوذا 12). فما فائدة الغيمة إن لم تمطر لتُخرج الأرض ثمراً؟ إنها تكون منافقة، تعطي الأمل في هطول المطر، ولا مطر! مثل المسئول عن كنيسة ساردس الذي قال المسيح له: «أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ ٱسْماً أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيِّتٌ» (رؤيا 3: 1). له اسم وصورة، لكنه في حقيقة الأمر خالٍ من الحياة، مثل تلك التينة صاحبة المظهر بلا جوهر.

3 - محاولة سَتْر الذّات تجلب الهلاك:

لما أخطأ أبوانا الأولان في جنة عدن وأكلا من الشجرة المنهيّ عنها، انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان، فخاطا أوراق تين وصنعا لهما مآزر (تكوين 3: 7). ولكن كان من المستحيل أن تلك الأوراق المعرَّضة للجفاف تسترهما. وفتح الله أعينهما إلى أنهما محتاجان إلى لباس التقوى وثوب الخلاص «وَصَنَعَ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ لآدَمَ وَٱمْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا»(تكوين 3: 21)، ولئلا يظن أبوانا الأولان أن الستر في أقمصة الجلد (أي من ذبيحة كفارية حيوانية) جاء الوعد القائل إن نسل المرأة يسحق رأس الحية (تكوين 3: 15). فيكون «نسل المرأة» هو المكفِّر والساتر، فلا يكون هناك احتياج لذبيحة متكررة. فالمسيح بذبيحة نفسه أوجد لنا فداءً أبدياً، مرة واحدة، لما مات البار من أجل الأثمة. فنرى في محاولتهما سَتْر نفسيهما بورق التين محاولةً بشريةً فاشلةً تماماً.

وحين لعن المسيح التينة غير المثمرة أراد أن يقول لكلٍ منا: لا يستطيع أحدٌ أن يتبرَّر بمجهود نفسه، لكن بذبيحة المسيح الذي قال على الصليب «قد أُكمل». كل محاولة الإنسان لستر نفسه تفشل، لأنها من مجهود الخاطئ الفاشل. والمخلِّص الوحيد هو المسيح الذي لنا فيه الفداء، بدمه غفران الخطايا (أفسس 1: 7).

4 - الصلاة الفعّالة:

يقول البشير متى: «فَلَمَّا رَأَى ٱلتَّلامِيذُ ذٰلِكَ تَعَجَّبُوا قَائِلِينَ: كَيْفَ يَبِسَتِ ٱلتِّينَةُ فِي ٱلْحَالِ؟» فَأَجَابَ يَسُوعُ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ لَكُمْ إِيمَانٌ وَلا تَشُكُّونَ، فَلا تَفْعَلُونَ أَمْرَ ٱلتِّينَةِ فَقَطْ، بَلْ إِنْ قُلْتُمْ أَيْضاً لِهٰذَا ٱلْجَبَلِ: ٱنْتَقِلْ وَٱنْطَرِحْ فِي ٱلْبَحْرِ فَيَكُونُ» (متى 21: 20 ، 21). وهذه الآية لها مكانة خاصة في تاريخ المسيحيين المصريين، ففي عهد الدولة الفاطمية أخبر يهوديٌّ الخليفة العزيز بالله الفاطمي عن هذه الآية، فاستدعى العزيز بالله البطريرك الأرثوذكسي وطلب منه أن يُثبت صحة إنجيله بأن ينقل جبل المقطم... وبعد صوم وصلاة ارتفع الجبل، الأمر الذي كان له أكبر الأثر في حياة رجال الدولة الفاطمية.

فليكن لنا بنعمة المسيح حياة الصلاة العميقة المستجابة، التي لا تتوقف، فقد وعد المسيح تلاميذه وعداً عظيماً: «وَمَهْمَا سَأَلْتُمْ بِٱسْمِي فَذٰلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ ٱلآبُ بِٱلاِبْنِ. إِنْ سَأَلْتُمْ شَيْئاً بِٱسْمِي فَإِنِّي أَفْعَلُهُ» (يوحنا 14: 13 ، 14). فالصلاة الفعَّالة تزيل جبال المعطلات، وتساعدنا لنعمل عمل الله، وتجعلنا نقبل نعمته فنتغيَّر، وتمنحنا قوة لنحتمل كل الصعاب مهما كانت.

ثانياً - المسيح والمعجزة

1 - وُجِّهت إلى المسيح ثلاثة انتقادات بسبب لعن التينة:

  1. كيف لم يعرف المسيح قبل وصوله للتينة أنها غير مثمرة؟

    وللرد نقول: لم يذكر البشيرون أبداً عن المسيح أنه لم يعرف عدم إثمار التينة قبل أن يصل إليها. فقد عرف أنها كذلك، ولكنه أراد أن يعلِّم التلاميذ دروساً. سأل الله آدم: أين أنت؟ لا لأنه يجهل مكانه، ولكن لينبّهه للخطأ الذي ارتكبه. كان يعرف أنه سيخطئ قبل أن يخلقه (ولو أن هذه المعرفة لم تجعل آدم يخطئ). وبذلك العلم السابق دبَّر الله فداء المسيح، المعروف سابقاً قبل تأسيس العالم (1بطرس 1: 20).

  2. والانتقاد الثاني: كيف انتظر المسيح من شجرة التين تيناً، مع أنه لم يكن وقت التين؟(مرقس 11: 13).

    والإجابة: إن ذلك كان وقت «باكورة التين» وهي ثمار أصغر حجماً من الثمرة الناضجة، ولكنها كثيرة الحلاوة. ووجود ورق في التينة قبل موعد الإثمار يعني أن الشجرة تحمل باكورة التين. وهذا ما طلبه المسيح منها.

  3. لماذا لعن المسيح التينة ولم يعطها فرصة لتثمر؟

    والإجابة نجدها في المثل الذي رواه المسيح قبل لعن التينة. قال: «كَانَتْ لِوَاحِدٍ شَجَرَةُ تِينٍ مَغْرُوسَةٌ فِي كَرْمِهِ، فَأَتَى يَطْلُبُ فِيهَا ثَمَراً وَلَمْ يَجِدْ. فَقَالَ لِلْكَرَّامِ: هُوَذَا ثَلاثُ سِنِينَ آتِي أَطْلُبُ ثَمَراً فِي هٰذِهِ ٱلتِّينَةِ وَلَمْ أَجِدْ. اِقْطَعْهَا. لِمَاذَا تُبَطِّلُ ٱلأَرْضَ أَيْضاً؟ فَأَجَابَ: يَا سَيِّدُ، ٱتْرُكْهَا هٰذِهِ ٱلسَّنَةَ أَيْضاً، حَتَّى أَنْقُبَ حَوْلَهَا وَأَضَعَ زِبْلاً. فَإِنْ صَنَعَتْ ثَمَراً، وَإِلاَّ فَفِيمَا بَعْدُ تَقْطَعُهَا» (لوقا 13: 6-9).

ونحن لا ندرك ظروف تلك الشجرة التي لُعنت. لا بد أن المسيح عرف أنها نالت نصيبها من طول الأناة ولكنها لم تعطِ الثمر المنتظَر، ولذلك أصدر حُكْمه باللعن. ونحن نعلم أن الشجرة لا تشعر بالألم عندما تيبس. كما أن هذه التينة لم تكن مملوكة لأحدٍ فيُضار صاحبها في حالة يَبَسها، لأنها كانت في الطريق. فالمسيح بهذه المعجزة لم يؤذِ أحداً، ولكنه ألقى علينا درساً عظيماً في إدانة النفاق.

ولنا ثلاث ملاحظات عن المسيح:

  1. قوة المسيح: هذه القوة أذهلت التلاميذ كما تذهلنا، حتى لو كنّا نرى قوة المسيح عاملة بيننا باستمرار. أحياناً نتعوَّد على معجزات المسيح معنا، ولكننا نحتاج أن نتعلم الانبهار كلما رأينا قوة الله تعمل بيننا.

  2. عدالة المسيح: استحقَّت التينة غير المثمرة اللعنة. هذا عدل المسيح. لقد أعطاها فرصتها، ولكنها لم تثمر ولم تعطِ باكورة الثمر، فاستحقّت عقاب العدالة السماوية من الله الذي هو أمين وعادل.

  3. أناة المسيح: الذي لا يشاء أن يهلك أحد، ويريدنا أن نتوب. فلا يجب أن «تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ ٱللّٰهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ؟ وَلٰكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ ٱلتَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَباً فِي يَوْمِ ٱلْغَضَبِ وَٱسْتِعْلانِ دَيْنُونَةِ ٱللّٰهِ ٱلْعَادِلَةِ، ٱلَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ» (رومية 2: 4-6).

دعونا نطلب من الله أن يجعلنا مثمرين، وأن تكون أناته علينا سبباً في دفعنا لنثمر، وليزيد ثمرنا.

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك زوّدتنا بكل ما يمكن أن يجعلنا مثمرين. سامحنا على ضعفنا الذي يفشل في تحقيق انتظارك منّا. ضع يدك الكريمة على ما يعطل إزهارنا فإثمارنا، وأعطنا القوة لننزعه، فنثمر، ويزيد ثمرنا ويستمر. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. ما هو الدرس المشترك في تطهير المسيح للهيكل، وفي لعنه شجرة التين؟

  2. ما هو وجه الشَّبه بين شجرة التين الملعونة والأمة الإسرائيلية؟

  3. اشرح كيف أن عدم الفائدة يجلب الخراب.

  4. اشرح كيف أن النفاق يجلب الدينونة.

  5. ثلاثة انتقادات وُجِّهت للمسيح. اذكرها وقدِّم الردود عليها.

المعجزة السابعة والعشرون شفاء أذن ملخس

47 وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذَا جَمْعٌ، وَٱلَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا - أَحَدُ ٱلٱِثْنَيْ عَشَرَ - يَتَقَدَّمُهُمْ، فَدَنَا مِنْ يَسُوعَ لِيُقَبِّلَهُ. 48 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «يَا يَهُوذَا، أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ؟» 49 فَلَمَّا رَأَى ٱلَّذِينَ حَوْلَهُ مَا يَكُونُ، قَالُوا: «يَا رَبُّ، أَنَضْرِبُ بِٱلسَّيْفِ؟» 50 وَضَرَبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذُنَهُ ٱلْيُمْنَى. 51 فَقَالَ يَسُوعُ: «دَعُوا إِلَى هٰذَا!» وَلَمَسَ أُذْنَهُ وَأَبْرَأَهَا (لوقا 22: 47-51).

(وردت المعجزة أيضاً في متى 26: 51-54 ومرقس 14: 47 ويوحنا 18: 10 و11).

هذه معجزة فريدة للغاية، عامرة بالمعاني والدروس العميقة، ولكنها تبدو باهتة لأنها محاطة بأحداث أهم، هي أحداث القبض على المسيح، وأخذه للمحاكمة. وهي الوحيدة التي شفى فيها المسيح شخصاً أُصيب بجرحٍ بفعل فاعل، كما أنها آخر معجزة شفاءٍ أجراها المسيح عندما كان على أرضنا بالجسد.

رافق ملخس جنود الهيكل الذين توجَّهوا للقبض على المسيح بقيادة يهوذا الإسخريوطي. وحاول بطرس الدفاع عن المسيح، فضرب بسيفه ملخس فقطع أذنه، فاعترض المسيح على ما فعله بطرس وشفى أذن ملخس. فالمسيح المقبوض عليه، هو صانع المعجزات، وهو معلِّم المحبة. وتبرهن لنا هذه المعجزة محبة المسيح لأعدائه وصلاحه الكامل من نحوهم. وتُظهر لنا في الوقت نفسه قدرته العظيمة ولاهوته.

والذي يطالع هذه المعجزة يذكر صلاة المسيح على الصليب لأجل صالبيه: «يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا 23: 34). ومَنْ غير المسيح يقدر أن يرفع مثل هذه الطلبة في مثل هذا الوقت؟! ... إنه معلِّم المحبة، الذي مارسها دائماً.

سجَّل البشيرون الأربعة قصة هذه المعجزة، وانفرد القديس لوقا الطبيب الذي كان يحب أن يُظهر إهتمام المسيح ومحبته للناس، بذكر أن المسيح شفى الأذن المقطوعة، وباقتباسه قول المسيح: «دَعُوا إِلَى هٰذَا» (لوقا 22: 51). ولا ندري لمن وجَّه المسيح قوله: «دعوا إلى هذا». هل للتلاميذ أو للذين جاءوا للقبض عليه؟ فإن كان قاله للتلاميذ فهو يقصد به: «قفوا عند هذا الحدّ، ولا تضربوا بَعْد، واصبروا ولا تقاوموا الشر». وإن كان قاله للجنود، فهو يقصد به: «لا تعاقبوا التلاميذ كلهم على ما فعله واحد منهم، واعفوا عنهم، واتركوا لي حرية تحريك يديَّ المقيَّدتين لأشفي أذن ملخس الجريح».

وانفرد القديس يوحنا بذكر اسم التلميذ الذي ضرب أذن ملخس، وهو بطرس، كما انفرد بذكر اسم الرجل الذي قُطعت أذنه اليمنى. ويرجع السبب في ذلك أن القديس يوحنا كان آخر من دوَّن سيرة المسيح، وكان بطرس وقتها قد مات، فلم يكن هناك خطر على بطرس من ذكر اسمه. كما كان يوحنا مقرَّباً من الدوائر العليا، وكان معروفاً عند رئيس الكهنة (يوحنا 18: 15) فعرف اسم عبد رئيس الكهنة ودوَّنه لنا. ويوحنا - شاهد العيان - الذي يعرف المسيح، ويعرف الضارب، ويعرف المضروب، يؤكد لنا أن ما رآه حق وصدق، لنؤمن نحن بالمسيح المحب الغافر صانع المعجزات.

وسجَّل البشيرون الأربعة تعليقات مختلفة قالها المسيح بعد المعجزة. يبدو أنه تحدث طويلاً مع تلاميذه ومع الذين قبضوا عليه تعليقاً على ما فعله بطرس، فسجَّل كلٌّ من البشيرين بعض ما قاله المسيح، وسجّل البشير متى أكثر مما سجَّله غيره.

وبشفاء أذن ملخس، أنهى المسيح مأساة هذا العبد، وصحَّح خطأ بطرس، كما منع أذى تأثير هذه الحادثة عن التلاميذ، فلم يُقبض عليهم معه، بأن جعل الأنظار تتَّجه إليه وحده، لينجوا هم، متحمِّلاً المسئولية الكاملة لهذا الخطأ، فأخذه الذين قبضوا عليه إلى الصليب.

ولا نملك إلا أن نحني رؤوسنا أمام المسيح العظيم.

أولاً - المحتاج والمعجزة

يبدو لأول وهلة أن المحتاج هو ملخس، فقد قُطعت أذنه اليمنى. لكن المحتاج الأول هو بطرس، ونحن أيضاً. ففي حماس بطرس استخدم العنف رداً على العنف. ونحن نفعل الشيء نفسه، ولو أن ما نفعله لا يعقبه دائماً الإصلاح الذي أصلح به المسيح خطأ بطرس، عندما شفى أذن العبد! فما أكثر ما نخطئ وندمر، لأننا نبتعد عن فكر المسيح المحب الغفور.

فلنتأمل ملخس المحتاج، ولنتأمل نفوسنا في بطرس المحتاج أيضاً للمعجزة!

(1) ملخس:

معنى اسمه «ملك» ولكن تصرُّفه كان تصرف عبد للخطية. لم يكن حراً يقرر لنفسه، بل خضع لمزاج سيده رئيس الكهنة، فهو عبده. وهو يختلف عن الذين جاءوا للقبض على المسيح، فقد كانوا جنوداً يتقاضون أجورهم كضباط شرطة، أما هو فقد سمع الكثير عن المسيح من سيده، فرآه وحكم عليه من وجهة نظر رئيس الكهنة، وقرر في نفسه أن المسيح يعرِّض الدولة كلها للخطر، فالشعب يريد أن ينصِّبه ملكاً، ولو حدث هذا سيعتبره الرومان انقلاباً ضدهم، فيهاجمون البلاد ويدمّرونها، ولذلك قال رئيس الكهنة: «خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ ٱلشَّعْبِ» (يوحنا 11: 50). فليمت المسيح إذاً! ولما اقتنع ملخس بهذا رافق الجنود ليلقي القبض على المسيح، بهدف القيام بخدمةٍ للأمة كلها. وما أن رأى بطرس المهاجمين قادمين حتى استلّ سيفه وضرب فقطع أذن ملخس!

ولم يذكر أحدٌ من البشيرين الأربعة أن ملخس بعد نواله الشفاء تراجع عن المهمة التي جاء ليحققها. وهذا يُظهر الجحود وإنكار الجميل في ملخس الذي أخذ من المسيح البركة، ولم يردّها شكراً ولا اعترافاً ولا توبةً. لقد اشترك مع إبليس في الشكوى، وفي الاستمرار في عدم التجاوب مع الحب. وما أكثر الذين يأخذون، ولكن ما أقل الذين يعترفون بالفضل ويشكرون.

(2) بطرس:

  1. كان التلاميذ ممزَّقين بين الدفاع عن المسيح بالسيف، والابتعاد عن العنف كما علَّمهم هو. لقد سبق أن قال للتلاميذ: «مَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفاً» (لوقا 22: 36) ولكنهم لم يدركوا المعنى الروحي لقوله، فأجابوا: «هنا سيفان» فقال لهم: «يكفي». ليس بمعنى أنه يكفي سيفان، بل «يكفي» كلاماً في هذا الموضوع الذي لم يفهموه. أو بمعنى أن ما قاله «يكفي» لأن يدركوا منه المعنى الروحي الذي قصده، ولكن في وقتٍ لاحق.

    ويبدو أن أحد السيفين كان مع بطرس. وعندما جاء الجمع لإلقاء القبض على المسيح في البستان، سأله التلاميذ: «يَا رَبُّ، أَنَضْرِبُ بِٱلسَّيْفِ؟» (لوقا 22: 49) ولكن بطرس لم ينتظر الرد، لأنه كان مندفعاً كعادته، فلم يصبر بل استلّ سيفه بغير اتزان وقطع أذن ملخس. لقد كانت دوافع بطرس ليفعل ما فعله دوافع كريمة، لكن عمله كان خاطئاً بغير شك.

    وكثيراً ما نتصرف نحن تحت ضغط الإلحاح فلا ننتظر حتى نسمع صوت الرب، فنخطىء. لذا يجب أن يكون قلبنا دائماً صابراً أمام الرب منتظراً تعليماته، لنسأله سؤال شاول: «يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟» (أعمال 9: 6).

    وكان تعليق المسيح على ما عمله بطرس: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلسَّيْفَ بِٱلسَّيْفِ يَهْلِكُونَ» (متى 26: 52). ولهذه الكلمة العظيمة معنيان:

    * لا تعاقبهم أنت، بل اتركهم للسماء. لقد حملوا السيف وسيهلكون به. وهذا ما جرى مع كل الذين قَتَلوا بالسيف، فقد انتهت حياتهم بالسيف، لأنهم رجال حرب أكثر منهم رجال فكر.

    * ليس المسيح محتاجاً إلى معونة البشر للدفاع عنه، فعنده أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة يمكن أن يقوموا بذلك. ولا بد من تحقيق العدالة الإلهية، التي تقول: «لِيَ ٱلنَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي» (رومية 12: 19).

    وبالفعل لم تمضِ أربعون سنة حتى كان أولئك الذين قبضوا على المسيح معلَّقين على صلبان في مدينة أورشليم، يوم لم يُترك فيها حجر على حجر لم يُنقض، تحقيقاً لنبوَّة المسيح (مرقس 13: 2).

  2. كان بطرس يريد قتل ملخس، لكن العناية الإلهية أنقذته من أن يقتل إنساناً. فأكرم المسيح بطرس بشفاء ملخس، كما أكرم باقي التلاميذ. فلو مات ملخس لأُلقي القبض على بطرس وعلى سائر التلاميذ، ولكن الرب حفظهم من الخطر.

    وأكرم المسيح ملخس، فلو أن بطرس قتل ملخس لمات دون أن ينال فرصة ولو أخيرة قدّمها المسيح له ليتوب. فالمسيح وهو يلمس أذنه ليبرئها كان يقدم له فرصة جديدة للتوبة.

  3. نسي بطرس كلام المسيح عن الصليب والآلام، وحتمية إلقاء القبض عليه ليُصلب. وردَّه المسيح إلى صوابه بقوله: «أَمَّا هٰذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ ٱلأَنْبِيَاءِ» (متى 26: 56). لقد رفض بطرس فكرة صَلْب المسيح من قبل، وحذَّره المسيح من أنه يناصر الشيطان، مع أنه كان يعبّر عن الحب للمسيح (مرقس 8: 31-33) فقد جاء المسيح ليبذل نفسه عن الخطاة ليخلِّصهم (مرقس 10: 45 ولوقا 19: 10). كانت لبطرس غيرة شديدة على المسيح، لكنها لم تكن حسب المعرفة.

  4. استخدم بطرس العنف، مع أن استخدام العنف ليس علاجاً، فهو بلا نتيجة ولا فائدة ولا ضرورة، وغير منطقي، فللمسيح كل السلطان في السماء وعلى الأرض، وبسلطانه وحده نستطيع أن نخلِّص الناس ونحمي الملكوت. فلنتعلَّم كيف نسلّم أنفسنا لفكر المسيح، فنستخدم الطريقة التي يرضاها، فإن الذين يحترمون سيدهم يجب أن يتأملوا فكره وروحه، فيتصرفون بحسب ذلك الفكر والروح.

ثانياً - المسيح والمعجزة

1 - المسيح القوي:

يبدو موقف المسيح كأنه ضعيف، بعد أن قاد أحدُ تلاميذه الأعداء للقبض عليه. لكن ضعف المسيح الظاهر لا يمكن أن يخفي قوته الداخلية الكاملة، التي قدَّمت الشفاء للأذن المقطوعة، ولو أنها كانت قوة محتجبة وراء حجاب جسده، الذي كان ساتراً لتلك القوة (عبرانيين 10: 20).

2 - المسيح يغفر:

لمس المسيح أذن قائدٍ أراد إلقاء القبض عليه لقتله! كم كانت قلوبهم قاسية، وكم كان قلبه رقيقاً! نسي المسيح آلامه ونسي موقفهم الناكر للجميل، وفكر في ملخس المسكين والدماء تسيل منه! فكر فيه كخاطئٍ محتاج للتوبة والشفاء، فلمس أذنه وقلبه، لعله يتوب!

تعامل ملخس مع المسيح بالعنف والشدّ والجذب، أما المسيح فعامله باللمسة الرقيقة الشافية. ولا زال المسيح إلى يومنا هذا يتعامل مع معانديه بذات الطريقة، يلمسهم بلمسة الحب ليرجعوا إليه ويُلقوا خطاياهم عليه ليخلِّصهم ويريحهم، ويفيض عليهم من نِعمه، بغير استحقاق فيهم.

3 - المسيح يعلِّم:

علَّمنا المسيح أن الذي يستخدم السيف يموت به. هذا قوله هنا: «ٱلَّذِينَ يَأْخُذُونَ ٱلسَّيْفَ بِٱلسَّيْفِ يَهْلِكُونَ» (متى 26: 52). وهذه كلمات الله في التوراة: «سَافِكُ دَمِ ٱلإِنْسَانِ بِٱلإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ»(تكوين 9: 6). وهذا ما يعلنه آخر أسفار الكتاب المقدس: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَقْتُلُ بِٱلسَّيْفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ بِٱلسَّيْفِ» (رؤيا 13: 10). والسيف أضعف أنباءً من الكتب، وأضعف تأثيراً من قوة الروح القدس، الذي عمل على نشر الإنجيل بقوة إقناعه، وبعمله في القلوب. الروح يقنع بصدق كلمة حق الإنجيل، ويفتح قلوبنا للمسيح، الذي قال: «وَأَنَا إِنِ ٱرْتَفَعْتُ عَنِ ٱلأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ ٱلْجَمِيعَ» (يوحنا 12: 32).

4 - ضرورة الصليب لتحقيق النبوات:

أعلن المسيح أنه كان يمكن أن يتحاشى الصليب بأن يطلب من الآب السماوي فيقدم له أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة. ولكن هذا لا يحقق النبوات التي يجب أن تتحقق. وتساءل المسيح: «فَكَيْفَ تُكَمَّلُ ٱلْكُتُبُ: أَنَّهُ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ؟» (متى 26: 54). وقال الرسول بولس في أقدم إقرار إيمان: «فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي ٱلأَّوَلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ ٱلْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ ٱلْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ حَسَبَ ٱلْكُتُبِ»(1كورنثوس 15: 3 ، 4).

لم يأخذ أحدٌ حياة المسيح منه، لكنه هو الذي بذلها، باعتبار أنه الفادي، وراعي شعبه (يوحنا 10: 11).

وتقدم لنا معجزة شفاء أذن ملخس دروساً عديدة:

  1. كان المقبوض عليه هو المسيح نفسه بدليل أنه في محبة كاملة وقوة عظيمة شفى أذن ملخس، وليس شخص آخر غيره يقدر أن يشفي أذن ملخس، ويتصرف بكل هذا الحب والغفران.

  2. قد نقاوم الرب بأعمالنا وسلوكنا، لكنه يحبنا ويريد خلاصنا ويلمسنا.

  3. يجب أن نعبّر عن محبتنا للمسيح بطريقته هو، وبحسب فكره هو. فليكن فينا فكر المسيح.

  4. في الصليب نجاتنا وخلاصنا كلنا. فليكن شعارنا قول بولس: «أَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ ٱلْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غلاطية 6: 14).

صلاة

أبانا السماوي، محبتك لمن جاء يقاوم تلك المحبة تجعلنا نحني القلوب انبهاراً. سامحنا عندما نشارك ملخس هجومه، وبطرس تسرُّعه. وهبنا أن نرى يدك في قدرتها ومحبتها تُعيد إلينا ما ضاع منّا أثناء ضلالنا عن طريقك. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. اذكر سببين يبرهنان أن المسيح هو بنفسه الشخص الذي قبضوا عليه، وليس شخصاً آخر غيره.

  2. اذكر أربع بركات نتجت عن شفاء أذن ملخس.

  3. ما معنى اسم «ملخس» ؟وكيف يتعارض اسمه مع عمله؟

  4. هل غيَّرت معجزة المسيح موقف ملخس منه؟ ولماذا؟

  5. ما معنى قول المسيح: «يكفي» عندما قال التلاميذ له: «هنا سيفان»؟

  6. اكتب تعليقاً على قول المسيح: «الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون».

  7. من هذه المعجزه اشرح ضرورة الصليب.

المعجزة الثامنة والعشرون صيد 153 سمكة

1 بَعْدَ هٰذَا أَظْهَرَ أَيْضاً يَسُوعُ نَفْسَهُ لِلتَّلامِيذِ عَلَى بَحْرِ طَبَرِيَّةَ. ظَهَرَ هٰكَذَا: 2 كَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ، وَتُومَا ٱلَّذِي يُقَالُ لَهُ ٱلتَّوْأَمُ، وَنَثَنَائِيلُ ٱلَّذِي مِنْ قَانَا ٱلْجَلِيلِ، وَٱبْنَا زَبْدِي، وَٱثْنَانِ آخَرَانِ مِنْ تَلامِيذِهِ مَعَ بَعْضِهِمْ. 3 قَالَ لَهُمْ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: «أَنَا أَذْهَبُ لأَتَصَيَّدَ». قَالُوا لَهُ: «نَذْهَبُ نَحْنُ أَيْضاً مَعَكَ». فَخَرَجُوا وَدَخَلُوا ٱلسَّفِينَةَ لِلْوَقْتِ. وَفِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ لَمْ يُمْسِكُوا شَيْئاً. 4 وَلَمَّا كَانَ ٱلصُّبْحُ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى ٱلشَّاطِئِ. وَلٰكِنَّ ٱلتَّلامِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ. 5 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «يَا غِلْمَانُ أَلَعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَاماً؟». أَجَابُوهُ: «لا!» 6 فَقَالَ لَهُمْ: «أَلْقُوا ٱلشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ ٱلسَّفِينَةِ ٱلأَيْمَنِ فَتَجِدُوا». فَأَلْقَوْا، وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ ٱلسَّمَكِ. 7 فَقَالَ ذٰلِكَ ٱلتِّلْمِيذُ ٱلَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ: «هُوَ ٱلرَّبُّ». فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ ٱلرَّبُّ، ٱتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لأَنَّهُ كَانَ عُرْيَاناً، وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي ٱلْبَحْرِ. 8 وَأَمَّا ٱلتَّلامِيذُ ٱلآخَرُونَ فَجَاءُوا بِٱلسَّفِينَةِ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ ٱلأَرْضِ إِلاَّ نَحْوَ مِئَتَيْ ذِرَاعٍ، وَهُمْ يَجُرُّونَ شَبَكَةَ ٱلسَّمَكِ. 9 فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى ٱلأَرْضِ نَظَرُوا جَمْراً مَوْضُوعاً وَسَمَكاً مَوْضُوعاً عَلَيْهِ وَخُبْزاً. 10 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «قَدِّمُوا مِنَ ٱلسَّمَكِ ٱلَّذِي أَمْسَكْتُمُ ٱلآنَ». 11 فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَجَذَبَ ٱلشَّبَكَةَ إِلَى ٱلأَرْضِ، مُمْتَلِئَةً سَمَكاً كَبِيراً، مِئَةً وَثَلاثاً وَخَمْسِينَ. وَمَعْ هٰذِهِ ٱلْكَثْرَةِ لَمْ تَتَخَرَّقِ ٱلشَّبَكَةُ. 12 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلُمُّوا تَغَدَّوْا». وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ مِنَ ٱلتَّلامِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلرَّبُّ. 13 ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ ٱلْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذٰلِكَ ٱلسَّمَكَ. 14 هٰذِهِ مَرَّةٌ ثَالِثَةٌ ظَهَرَ يَسُوعُ لِتَلامِيذِهِ بَعْدَمَا قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ.

15 فَبَعْدَ مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هٰؤُلاءِ؟» قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ٱرْعَ خِرَافِي». 16 قَالَ لَهُ أَيْضاً ثَانِيَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟» قَالَ لَهُ: «نَعَمْ يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ: «ٱرْعَ غَنَمِي». 17 قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: «يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟» فَحَزِنَ بُطْرُسُ لأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: «أَتُحِبُّنِي؟» فَقَالَ لَهُ: «يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ٱرْعَ غَنَمِي. 18 اَلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لَمَّا كُنْتَ أَكْثَرَ حَدَاثَةً كُنْتَ تُمَنْطِقُ ذَاتَكَ وَتَمْشِي حَيْثُ تَشَاءُ. وَلٰكِنْ مَتَى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ، وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لا تَشَاءُ». 19 قَالَ هٰذَا مُشِيراً إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يُمَجِّدَ ٱللّٰهَ بِهَا. وَلَمَّا قَالَ هٰذَا قَالَ لَهُ: «ٱتْبَعْنِي».

20 فَٱلْتَفَتَ بُطْرُسُ وَنَظَرَ ٱلتِّلْمِيذَ ٱلَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ يَتْبَعُهُ، وَهُوَ أَيْضاً ٱلَّذِي ٱتَّكَأَ عَلَى صَدْرِهِ وَقْتَ ٱلْعَشَاءِ، وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ ٱلَّذِي يُسَلِّمُكَ؟» 21 فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ هٰذَا، قَالَ لِيَسُوعَ: «يَا رَبُّ، وَهٰذَا مَا لَهُ؟» 22 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ ٱتْبَعْنِي أَنْتَ». 23 فَذَاعَ هٰذَا ٱلْقَوْلُ بَيْنَ ٱلإِخْوَةِ: إِنَّ ذٰلِكَ ٱلتِّلْمِيذَ لا يَمُوتُ. وَلٰكِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَسُوعُ إِنَّهُ لا يَمُوتُ، بَلْ: «إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟» (يوحنا 21: 1-23).

تُذكّرنا هذه المعجزة بأخرى جرت قبلها بثلاث سنوات، وردت في إنجيل لوقا 5 ، عندما صرف بعض التلاميذ ليلة كاملة في محاولة الصيد دون أن يصيدوا شيئاً، فطلب المسيح منهم أن يبعدوا إلى عمق البحيرة ويلقوا شباكهم للصيد، فامتلأت سفينتهم حتى استدعوا آخرين ليساعدوهم.

جرت المعجزة التي نتأملها الآن بعد قيامة المسيح من الموت، أثناء ظهوره السابع. وكان سبعة من التلاميذ قد قرروا العودة للصيد، بعد أن كانوا قد تفرّغوا لخدمة الله، فظهر المسيح لهم ليبارك حياتهم، وليذكّرهم باختباراتهم الروحية الماضية، وليُرجع إليهم الثقة به والثقة بنفوسهم، وليُعيد تكليفهم لخدمته وخدمة الإنجيل.

ظهر المسيح لتلاميذه بعد القيامة عشر مرات:

  1. ظهر للنساء وهنّ راجعات من القبر (لوقا 24: 9-11).

  2. ظهر لمريم المجدلية وحدها (يوحنا 20: 11-18).

  3. ظهر لبطرس وحده (1كورنثوس 15: 5).

  4. ظهر لتلميذين منطلقين إلى عمواس (لوقا 24: 13-35).

  5. ظهر للرسل في غياب توما، في العلية (لوقا 24: 36-49).

    هذه المرات الخمس ظهر فيها المسيح لتلاميذه في أورشليم، أو بالقرب منها، يوم الأحد الذي قام فيه من بين الأموات.

  6. ظهر للتلاميذ في العلية ومعهم توما (يوحنا 20: 24-29).

  7. ظهر لسبعة من الرسل عند بحيرة طبرية، حيث جرت المعجزة التي نتأملها الآن (يوحنا 21: 1-24).

  8. ظهر للأحد عشر رسولاً مع خمسمئة أخ على أحد جبال الجليل (متى 28: 16-20 و1كورنثوس 15: 6).

  9. ظهر ليعقوب (1كورنثوس 15: 7).

  10. ظهر للأحد عشر رسولاً في أورشليم وقت صعوده (أعمال 1: 3-8).

وكان الظهور السابع للمسيح عند بحيرة طبرية تحقيقاً لوعد المسيح أنه سيلتقي بالتلاميذ في الجليل. ولكنه في الوقت نفسه هو الظهور الثالث لمجموعة التلاميذ، فقد كان ظهوره الأول والثاني في أورشليم، في العلية، مرة وتوما ليس معهم. ومرة أخرى وتوما معهم.

وتُسمى بحيرة طبرية بتسميات مختلفة، منها بحر طبرية، وبحر الجليل، وبحيرة جنيسارت. وقد أخذت اسم «طبرية» من مدينة طبرية المبنيّة على شاطئها، نسبة لطيباريوس قيصر. وما أكثر ما جرى على مياه طبرية من معجزات وذكريات:

  • على مائها وقف المسيح في قارب يعلّم مَثَل الزارع (متى 13: 1-9).

  • على ضفافها أشبع خسمة آلاف (متى 14: 14-21).

  • أسكت رياحها بكلمة منه (مرقس 4: 35-41).

  • سار على مائها وجعل بطرس يسير عليه (متى 14: 35-41).

  • منها صاد بطرس سمكة في فمها إستار (متى 17: 24-27).

  • على شواطئها شُفي اللجئون (مرقس 5: 1-20).

  • على ضفافها كانت مدينة كورزين وبيت صيدا وكفرناحوم التي رأت الكثير من معجزاته.

  • في بدء خدمته، يوم دعا أربعةً من تلاميذه، أجرى معجزة صيد سمك (لوقا 5: 1-11).

ولا زال المسيح اليوم يتعامل معنا حيث نحن، يسدد احتياجاتنا، بمعجزة تلو معجزة، لأنه الحي، المُقام من الأموات، الذي رفعه الله، والذي نتوقع مجيئه ثانيةً إلى أرضنا.

أولاً - المحتاجون والمعجزة

عاد سبعة من التلاميذ بدعوة من بطرس إلى بحيرة طبرية للصيد، لأن لكل واحد حرفته، وقد شاركهم الرسول بولس في ممارسة حرفته، وهي صُنع الخيام، وقال: «لا أَكَلْنَا خُبْزاً مَجَّاناً مِنْ أَحَدٍ، بَلْ كُنَّا نَشْتَغِلُ بِتَعَبٍ وَكَدٍّ لَيْلاً وَنَهَاراً، لِكَيْ لا نُثَقِّلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ» (2تسالونيكي 3: 8).

ولم تكن عودة التلاميذ السبعة للصيد نكسة دينية أو هروباً ورِدَّة عن الخدمة، ولكنهم لم يريدوا أن يصرفوا أيامهم بكسل، فقرروا أن يعملوا ليقتلوا الملل الذي قد يتسرّب إليهم من الانتظار، لأنهم لم يكونوا يعلمون متى يأتي المسيح لملاقاتهم، وحتى يكسبوا شيئاً من المال يتعيَّشون منه.

1 - قضوا ليلة صيد فاشلة:

ولكنهم لم يكونوا وحدهم، بل كانت عينا الرب عليهم. ربما نظن في ألمنا وعذابنا وفشلنا أننا وحدنا، لكن هذا ليس صحيحاً، لأن عيني حبيبنا تراقباننا، ولا بد أن يطلع الصباح. فهو يعرف ما نحن فيه، ويمينه ستمتد بالبركة في اللحظة التي يراها هو مناسبة. إنه لا يتأنّى علينا بمعنى أنه يهملنا، لكن لأن عنده توقيتاً مباركاً حكيماً.

2 - لم يعرفوا المسيح عندما جاءهم:

يقول القديس يوحنا: «لَمَّا كَانَ ٱلصُّبْحُ، وَقَفَ يَسُوعُ عَلَى ٱلشَّاطِئِ. وَلٰكِنَّ ٱلتَّلامِيذَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ» (آية 4).

لقد حدث تغيير في هيئة المسيح الخارجية بعد قيامته من بين الأموات، لأنه أخذ جسد المجد، وهو: «ٱلَّذِي سَيُغَيِّرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ، بِحَسَبِ عَمَلِ ٱسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُخْضِعَ لِنَفْسِهِ كُلَّ شَيْءٍ» (فيلبي 3: 21). ولهذا السبب لم تعرفه مريم المجدلية عندما رأته عند القبر: «ٱلْتَفَتَتْ إِلَى ٱلْوَرَاءِ، فَنَظَرَتْ يَسُوعَ وَاقِفاً، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَسُوعُ» (يوحنا 20: 14). وللسبب نفسه لم يعرفه تلميذا عمواس عندما سار معهما: «وَفِيمَا هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، ٱقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا. وَلٰكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ» (لوقا 24: 15 ، 16).

3 - على كلمته ألقوا الشبكة:

عندما أصدر المسيح الأمر إليهم أطاعوه، فصادوا سمكاً كثيراً. «عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يَبِيتُ ٱلْبُكَاءُ، وَفِي ٱلصَّبَاحِ تَرَنُّمٌ» (مزمور 30: 5) وهذا ما حدث مع التلاميذ. وفي مزمور 143: 8 يقول داود: «أَسْمِعْنِي رَحْمَتَكَ فِي ٱلْغَدَاةِ، لأَنِّي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ. عَرِّفْنِي ٱلطَّرِيقَ ٱلَّتِي أَسْلُكُ فِيهَا، لأَنِّي إِلَيْكَ رَفَعْتُ نَفْسِي». لأنه قال: «لا أُهْمِلُكَ وَلا أَتْرُكُكَ» حَتَّى إِنَّنَا نَقُولُ وَاثِقِينَ: «ٱلرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلا أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟»(عبرانيين 13: 5 ، 6).

كان التلاميذ محتاجين إلى نفقات رحلة إلى أورشليم، فدبَّر المسيح احتياجهم كله من السمك الذي صادوه.

4 - صاد التلاميذ 153 سمكة كبيرة:

يحدد الإنجيل عدد السمك الذي صادوه، وهناك تفاسير كثيرة تشرح المقصود من عدد السمك:

  • ذكر الشاعر اليوناني «أوبيان» في إحدى قصائده، في وقت معاصر لحدوث هذه المعجزة، أن أنواع السمك المعروفة في العالم 153 نوعاً. ويقول المفسرون إن صيد السمك بهذا العدد يعني أن الرب يقول للتلاميذ: ستصيد شبكتكم الروحية كل أنواع الناس «فَٱذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ» (متى 28: 19). وهذا ما قال سفر الرؤيا إنه حدث: «بَعْدَ هٰذَا نَظَرْتُ وَإِذَا جَمْعٌ كَثِيرٌ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَعُدَّهُ، مِنْ كُلِّ ٱلأُمَمِ وَٱلْقَبَائِلِ وَٱلشُّعُوبِ وَٱلأَلْسِنَةِ، وَاقِفُونَ أَمَامَ ٱلْعَرْشِ وَأَمَامَ ٱلْحَمَلِ، مُتَسَرْبِلِينَ بِثِيَابٍ بِيضٍ وَفِي أَيْدِيهِمْ سَعَفُ ٱلنَّخْلِ وَهُمْ يَصْرُخُونَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلِينَ: ٱلْخَلاصُ لإِلٰهِنَا ٱلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ» (رؤيا 7: 9-10).

  • قدم القديس أغسطينوس تفسيراً آخر لهذا العدد فقال: «إن عدد 10 يرمز للوصايا العشر، وعدد 7 لكمال النعمة بعمل الروح القدس. فإذا جمعنا عدد الوصايا وكمال عمل نعمة الروح القدس معاً كان الرقم 17. ولو جمعنا 1+2+3 إلى 17 لكان المجموع 153». وقال أغسطينوس إن هذا يرمز إلى كل مختاري العهدين القديم والجديد، مختاري عهد الشريعة وعهد النعمة جميعاً.

  • يصوّر مثَل الشبكة المطروحة في البحر التي تحتوي على سمك جيد وسمك رديء (متى13: 47-49) الكنيسة المنظورة بمن فيها من مؤمنين وغير مؤمنين. لكن هذه الشبكة التي صادت 153 سمكة جيدة ترمز إلى الكنيسة غير المنظورة، التي كل أعضائها مقدّسون. وفي اليوم الأخير تُجذب هذه الشبكة الممتلئة بالمؤمنين ولا يضيع منهم واحد! فتكتمل الكنيسة كلها «لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لا دَنَسَ فِيهَا وَلا غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذٰلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلا عَيْبٍ» (أفسس 5: 27).

5 - عرفوه:

عندما صاد التلاميذ الأسماك عرفوه. وكان أول من عرفه يوحنا، التلميذ الذي كان يسوع يحبه. وكان بطرس أول من ألقى بنفسه في الماء ليلتقي بالمسيح! ونلاحظ فرق المواهب بين الرسل: موهبة التعرُّف القلبي لدى يوحنا بسبب عمق معرفته بالرب، فميَّز صوت المسيح وعمله. أما بطرس فكان أسرع في العمل، فألقى بجسده ونفسه نحو المسيح سابحاً على الماء. والرب يعطي مواهب لكل واحد كما يختار هو، بحسب ما يحسن في عينيه، لأجل تكميل القديسين، لعمل الخدمة، لبنيان جسد المسيح. «فَأَنْوَاعُ مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ وَاحِدٌ» (1كورنثوس 12: 4).

6 - تعلَّموا:

  1. أدرك التلاميذ في تلك الليلة أنهم بدون المسيح لا يقدرون أن يصيدوا شيئاً. ونحن نحتاج أن ندرك أنه بدون المسيح يستحيل أن نصيد نفوساً. نجرِّب أن نفعل شيئاً بقدراتنا وذكائنا وترتيباتنا وإمكانياتنا وحُسْن إدارتنا فنفشل، ونتعلم مع التلاميذ درس تلك الليلة الفاشلة وذلك الصباح الناجح: أننا بدونه لا نقدر أن نفعل شيئاً، ولكننا معه نستطيع كل شيء لأنه يقّوينا (يوحنا 15: 5 وفيلبي 4: 13).

  2. يذكّرنا جرّ الشبكة إلى الشاطئ بما حدث معنا يوم جذَبَنا المسيح من مياه الضياع إلى شاطئ الأمان في الحياة الجديدة معه. هذا ما حدث مع ثلاثة آلاف نفس جذبتها شباك الإنجيل (الخبر المفرح) في يوم الخمسين، إلى الكنيسة. وهذا ما نراه في كل اجتماع تتعرَّف فيه النفوس الضالة إلى راعي النفوس العظيم، ربنا يسوع المسيح.

  3. ويذكّرنا جرّ الشبكة إلى الشاطئ باليوم الأخير، عندما يجمعون السمك الجيد إلى أوعية، وأما الأردياء فيطرحونها خارجاً (متى 13: 47-50). فعلى شاطئ الأبدية يعطي كل واحد منّا حساباً عن نفسه.

    فماذا سيكون حالك؟

ثانياً - المسيح والمعجزة

1 - المسيح يفتح باب الكلام معهم:

«يا غلمان، ألعل عندكم إداماً؟» (آية 5). والإدام هو ما يؤكل مع الخبز، والمقصود به هنا السمك. لقد أخذ المسيح زمام المبادرة في الاتصال بتلاميذه. عندما سلَّمنا حياتنا للرب واختبرنا الحياة الجديدة، كانت المبادرة منه، فمحبته هي التي امتدت من أعلى لتخلّصنا من خطيتنا، فأخذت يدنا في يده ورفعتنا، وهكذا قادنا إلى الخلاص.

ويد الرب ما زالت ممدودة برحمة غير محدودة، وهو ينتظر أن نمدّ يدنا لنأخذ البركة المُعدَّة لنا «كَأْسَ ٱلْخَلاصِ أَتَنَاوَلُ، وَبِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أَدْعُو» (مزمور 116: 13). وعندما نأخذ يقول لنا: «إِلَى ٱلآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِٱسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا، لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً» (يوحنا 16: 24).

2 - المسيح العالِم بكل شيء:

«يا غلمان، ألعل عندم إداماً؟» (آية 5). إنه دائماً يضع إصبعه تماماً على نقطة احتياجنا. ومهما كانت الحاجة فهو يعرفها من قبل أن نسأله، فيسدِّد كل احتياج وينجّي من كل ضيق وفشل، ويُعطي بغنى لنتمتّع.

ولما أجاب التلاميذ أن لا إدام عندهم، قال: «ألقوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا» (آية 6). لم يعرف الخبراء المتخصّصون في الصيد، الذين صرفوا عمرهم على بحيرة طبرية، أين يوجد السمك، ولكنه هو العارف بالاحتياج، وأين يوجد هذا الاحتياج! وعندما نسمع صوته ونتجاوب معه وننتظر توجيهه لنا، يرينا أين نجد البركة التي نحتاج إليها! جرِّب بنفسك أن تحصل على بركته.

3 - المسيح المحب الحنّان:

كان التلاميذ مُتعَبين طوال الليل، وفي الصباح كانوا جائعين، ولم يعطهم العالم شيئاً. ولكن المسيح المحب أعطاهم الصيد الوفير من البحر، ووجدوا «جمراً، وسمكاً موضوعاً عليه، وخبزاً» (آية 9). إنها لمسات محبة لإنسان مُتعَب!

هذا يعني أن المسيح فكّر في كل احتياجاتهم العاجلة، بكل أبعادها، وفي احتياجاتهم على المدى البعيد بكل تفاصيلها. وعندما نصل إلى المكان والوقت الذي نحتاج فيه، نجد أنه قد دبَّر كل شيء بطريقة أفضل وأحسن مما كنا نطلب أو نفتكر!

يتساءل المرنم: «هَلْ يَقْدِرُ ٱللّٰهُ أَنْ يُرَتِّبَ مَائِدَةً فِي ٱلْبَرِّيَّةِ؟» (مزمور 78: 19). ونحن نسأل السؤال نفسه. أليست الحياة كلها برية؟!

وتجيئنا الإجابة من رحمة الله وحنانه. وكنموذج لها نذكر ما فعله مع نبيّه إيليا، في موقف ضعُف فيه هذا النبي البطل أمام تهديد الملكة الشريرة إيزابل، فهرب من ميدان خدمته إلى البرية. وأشفق الله عليه فأرسل له ملاكاً يحمل طعاماً: «فَتَطَلَّعَ وَإِذَا كَعْكَةُ رَضْفٍ وَكُوزُ مَاءٍ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ رَجَعَ فَٱضْطَجَعَ. ثُمَّ عَادَ مَلاكُ ٱلرَّبِّ ثَانِيَةً فَمَسَّهُ وَقَالَ: «قُمْ وَكُلْ لأَنَّ ٱلْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ». فَقَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ» (1ملوك 19: 1-9). وأسندته تلك الوجبة حتى وصل إلى جبل حوريب.

عزيزي القارئ، يمكن أن تلمس محبة الله وحنانه معك إن سلَّمته زِمام حياتك.

4 - المسيح الذي يحترم مقدراتنا:

بعد أن رأى التلاميذ السمك الموضوع على الجمر والخبز قال المسيح لهم: «قَدِّمُوا مِنَ ٱلسَّمَكِ ٱلَّذِي أَمْسَكْتُمُ ٱلآنَ» (آية 10). ليُشعرهم بالإنجاز! يعطينا الرب عندما نعجز، ولكنه يريد أن يُشعرنا بالإنجاز والكرامة الشخصية، فيشجّعنا لنقدّم له مما سبق أن أعطانا. وقد أدرك داود هذه الحقيقة فقال للرب: «لأَنَّ مِنْكَ ٱلْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ» (1أخبار 29: 14). صحيح أن الرب يفعل كل شيء، لكنه يريد أن يُشركنا معه في ما يعمله هو لنحترم نفوسنا ونثق فيها.

وتقول آية 13: «ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ ٱلْخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذٰلِكَ ٱلسَّمَكَ». فعندما نتردّد نحن في التقدُّم إليه يتقدم هو إلينا، ويقدم لنا ما نحتاجه، لنطمئن ونجد الأمان.

5 - المسيح يعلّمنا:

  1. بدونه لا يمكن أن نجد شبعاً.

  2. تلتهب قلوبنا حباً له كلما أدركنا محبته وعظمته.

  3. يشبع المسيح جوعنا المادي، ويشبع جوعنا الروحي أيضاً، ويقوي إيماننا.

  4. مجيء المسيح لتلاميذه على شاطئ بحر طبرية وقت الصبح يذكّرنا بمجيئه ثانية. «أَنَّهَا ٱلآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ ٱلنَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاصَنَا ٱلآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى ٱللَّيْلُ وَتَقَارَبَ ٱلنَّهَارُ، فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ ٱلظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ ٱلنُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي ٱلنَّهَارِ، لا بِٱلْبَطَرِ وَٱلسُّكْرِ، لا بِٱلْمَضَاجِعِ وَٱلْعَهَرِ، لا بِٱلْخِصَامِ وَٱلْحَسَدِ» (رومية 13: 11-13).

صلاة

أبانا السماوي، نشكرك لأنك تأتي إلينا دوماً في فشلنا ويأسنا لتُلهمنا وتُعيد لنا الشجاعة والأمل. أرنا معجزةً جديدةً تعقب معجزاتك السابقة معنا، ولتكن لنا حياة الانتظار الراجي والثقة المطمئنة. باسم المسيح. آمين.

أسئلة

  1. كيف نقول إن هذه المعجزة حدثت وقت الظهور السابع للمسيح، ووقت الظهور الثالث؟

  2. اذكر ثلاث حوادث هامة جرت عند بحيرة طبرية.

  3. لماذا عاد التلاميذ السبعة للصيد؟

  4. لماذا لم يعرف التلاميذ المسيح لما وقف على الشاطئ؟

  5. اذكر درساً نتعلمه من صيد 153 سكمة.

  6. يعلّمنا جرّ الشبكة للشاطئ درسين، ما هما؟

  7. «هل يقدر الله أن يرتّب مائدة في البرية؟» - اشرح إجابتك

قائمة المسابقات لكتاب معجزات المسيح

أيها القارئ العزيز،

إن تعمقت في نصوص هذا الكتاب وشروحاته الثمينة كسبت كنزاً روحياً عظيماً وتقّوى إيمانك ومحبتك ورجاءك في الرب الحي الحاضر معنا حسب وعده الأمين.

نقترح عليك أن تمتحن معلوماتك وتجيب على الأسئلة السبع لكل من المعجزات الثمانية والعشرين وترسل أجوبتك معاً إلينا. فإن أجبت على ٪80 من الأسئلة بالصواب نرسل لك:

شهادة في معرفة معجزات المسيح

مع كتاب آخر من كتبنا الروحية جائزة لك.

وها هي الأسئلة:

مسابقة المعجزة الأولى: تحويل الماء إلى خمر

  1. ماذا جرى في اليوم المهم الأول الذي سبق هذه المعجزة؟

  2. ماذا حدث في اليوم المهم الثاني الذي سبق تحويل الماء خمراً؟

  3. ما معنى قول يسوع لأمه: «ما لي ولكِ يا امرأة»؟

  4. ماذا تتعلم من قول العذراء: «مهما قال لكم فافعلوه»؟

  5. لماذا اشترك المسيح في حفل الزفاف؟

  6. كيف يكون الآخِر مع المسيح دوماً أفضل من الأول؟

  7. اذكر شيئين حّوَلهما المسيح إلى أفضل.

مسابقة المعجزة الثانية: شفاء ابن رجل البلاط الملكي

  1. اذكر فرقين بين معجزة تحويل الماء خمراً وهذه المعجزة.

  2. لماذا لم يذكر الإنجيل الأم في قصة شفاء الابن المريض؟

  3. ما هي مسئوليتنا نحو كبار العمر في عائلتنا؟

  4. كيف بدأ إيمان رجل البلاط الملكي، وكيف زاد، وكيف كمل؟

  5. لم يطفئ المسيح إيمان رجل البلاط بل نوَّره - كيف؟

  6. لماذا ذهب المسيح لبيت قائد المئة ولم يذهب لبيت رجل البلاط؟

  7. شفى المسيح الابن المريض بطريقة تختلف عن الطريقة التي طلبها أبوه. ماذا تتعلم من ذلك؟

مسابقة المعجزة الثالثة: صيد السمك الوفير

  1. اكتب وصفاً لبحيرة جنيسارت.

  2. ماذا يحدث عندما نسلّم نفوسنا للمسيح؟

  3. ماذا يحدث عندما نسلّم ما عندنا للمسيح؟

  4. اذكر تطوُّراً حدث في إيمان بطرس.

  5. ماذا كان تكليف المسيح لبطرس؟ وما هو تكليفه لك أنت؟

  6. لماذ استعار المسيح سفينة بطرس، ولم يخلق سفينة؟

  7. ماذا كانت مكافأة المسيح لبطرس؟

مسابقة المعجزة الرابعة: شفاء حماة بطرس

  1. أين أجرى المسيح هذه المعجزة؟ وماذا نتعلم من ذلك؟

  2. اكتب آية كتابية مع شاهدها الكتابي تبرهن أن الله يهتم بكبار العمر.

  3. ماذا كانت الخدمة التي قدمتها حماة بطرس بعد شفائها؟

  4. ما هي حكمة الله من المرض؟

  5. ماذا نتعلم من أصدقاء بطرس؟

  6. من هم أسرة يسوع الروحيون؟

  7. كيف امتدَّت بركة يسوع من بطرس إلى مدينة بطرس كلها؟

مسابقة المعجزة الخامسة: شفاء الأبرص

  1. اكتب وصفاً لمرض البرص.

  2. «كان الأبرص يثق في... المسيح، ولكنه كان يشكّ في... المسيح» أكمل هذه الجملة.

  3. اكتب ثلاثة أوجه شبه بين مرض البَرَص والخطية.

  4. عبَّر الأبرص عن مشاعره نحو المسيح - اكتب ثلاث جُمل تصف هذا التعبير.

  5. لماذا طلب المسيح من الأبرص عدم إخبار أحد بقصة شفائه؟

  6. اذكر ثلاثة أوصاف للمسة المسيح للأبرص الذي نال الشفاء.

  7. اشرح كيف ظهرت قوة المسيح في هذه المعجزة.

مسابقة المعجزة السادسة: شفاء المفلوج

  1. كيف صار بيت بطرس محل خدمة عامة للبلد كلها؟

  2. ما هو الثمن الذي تكلَّفه بطرس من اتِّباع المسيح؟

  3. ما هو الجزاء الذي ناله بطرس لما أعطى بيته للمسيح؟

  4. اكتب أربع صفات في الرجال الأربعة الذين حملوا المفلوج؟

  5. اشرح تعاون الرجال الأربعة، وما هو الدرس الذي نتعلمه منهم.

  6. ماذا كان موقف المسيح من الكتبة الذين انتقدوه؟

  7. ظهر سلطان المسيح في هذه المعجزة في دوائر مختلفة - ما هي؟

مسابقة المعجزة السابعة: شفاء مريض بركة بيت حسدا

  1. متى يكون احتفالنا بالعيد حقيقياً؟

  2. ما هي المعاني الرمزية في دخول المسيح من «باب الضأن» وذهابه إلى بِرْكة بيت حسدا؟

  3. لماذا لام شيوخ اليهود المريض لأنه حمل سريره؟

  4. ما هي مشكلة المريض منذ 38 سنة، وكيف حلَّها المسيح؟

  5. أمر المسيح المريض أن يقوم ويحمل فراشه ويمشي. وتطلَّب هذا من المريض أمرين - ما هما؟

  6. لماذا ذهب المريض للهيكل بعد شفائه؟

  7. أعلن المسيح ألوهيته سبع مرات - اذكرها.

مسابقة المعجزة الثامنة: شفاء ذي اليد اليابسة

  1. لماذا لام شيوخ اليهود تلاميذ المسيح؟

  2. اشرح المعاني الروحية لأن: اليد اليابسة لا تعمل، ولا تمتد للسلام، ولا تعطي ولا تتلقى.

  3. ما معنى قول الله: «سلبتموني» (ملاخي 3: 8)؟

  4. أمر المسيح المريض: «مُدّ يدك». وتطلَّب هذا شجاعة من المريض. كيف؟

  5. برهن أن المسيح جاء مشرِّعاً.

  6. اهتم المسيح دوماً بالجوهر. كيف ترى من هذه المعجزة اهتمامه بالجوهر؟

  7. في هذه المعجزة ترى المسيح الإنسان. اشرح.

مسابقة المعجزة التاسعة: شفاء عبد قائد المئة

  1. كيف تشرح ما يظهر تناقضاً بين رواية متى ولوقا في طلب قائد المئة من المسيح أن يشفي عبده؟

  2. كيف جمع المسيح في هذه المعجزة أبناء الله المتفرّقين إلى واحد؟

  3. كيف تتبنَّى قضية شخص يعجز عن المجيء إلى المسيح؟

  4. كيف ظهر تواضع قائد المئة؟

  5. كيف ظهرت محبة قائد المئة؟

  6. كيف ترى تواضع المسيح في هذه المعجزة؟

  7. قدَّم المسيح لنا في هذه المعجزة تحذيراً - ما هو؟

مسابقة المعجزة العاشرة: إقامة ابن أرملة نايين

  1. قارن بين إقامة أليشع ابن أرملة شونم، وإقامة المسيح ابن أرملة نايين؟

  2. في يوحنا 5: 24-29 تحدث المسيح عن ساعة «وهي الآن» وساعة تأتي مستقبلاً. ماذا سيحدث في الساعتين؟

  3. لماذا اختار المسيح ابن أرملة نايين ليقيمه؟

  4. كانت صدمة الأرملة مزدوجة - كيف؟

  5. لماذا وقف حاملو النعش لما أمرهم المسيح بالوقوف؟

  6. ما معنى «افتقد الله شعبه»؟

  7. اذكر اختباراً من واقع حياتك افتقدك الله به.

مسابقة المعجزة الحادية عشرة: تهدئة العاصفة

  1. ما هي الأسماء الثلاثة لبحيرة طبرية؟

  2. لماذا طلب المسيح من التلاميذ عبور البحيرة؟

  3. ماذا فعل أصحاب القوارب الصغيرة؟

  4. متى وبَّخ المسيح ضعف إيمان التلاميذ؟

  5. كيف يهدئ المسيح فينا عاصفة الحزن على موت عزيز؟

  6. كيف يهدئ المسيح فينا عاصفة الشكوك؟

  7. كيف يهدئ المسيح فينا عاصفة الإحساس بالذنب؟

مسابقة المعجزة الثانية عشرة: شفاء اللجئون

  1. ما تفسيرك لقول متى إن المسيح شفى لجئون في كورة الجرجسيين بينما قال مرقس ولوقا إنه شفاه في كورة الجدريين؟

  2. لماذا اطلق المجنون على نفسه اسم «لجئون»؟

  3. كيف اغترب «لجئون» عن نفسه، وكيف اغترب عن مجتمعه؟

  4. ما هي أول قصيدة شعرية في العالم؟ وماذا جعل صاحبها يغيّر رأيه في ما قاله؟

  5. لماذا أهلك المسيح الخنازير؟

  6. ما هي الحركة الجديدة التي خلقها المسيح في اللجئون الذي شُفي؟

  7. ما هو التكليف الذي تعتقد أن الله كلفك به؟

مسابقة المعجزة الثالثة عشرة: إقامة ابنة يايرس

  1. من هم الثلاثة الذين أقامهم المسيح من الموت؟

  2. نرى في الثلاثة الذين أقامهم المسيح ثلاث حالات للنفس البعيدة عن المسيح ما هي؟

  3. كيف تفسّر قول يايرس للمسيح «ابنتي الآن ماتت» بحسب إنجيل متى، و «ابنتي الصغيرة على آخر نسمة» بحسب إنجيل مرقس، و «في حال الموت» بحسب لوقا؟

  4. ما معنى اسم «يايرس»؟

  5. لماذا يسمح الله لنا بمواقف قاسية؟

  6. من هم الذين ضحكوا على المسيح لما قال إن ابنة يايرس «نائمة»؟

  7. اشرح كيف أظهر المسيح محبته ليايرس؟

مسابقة المعجزة الرابعة عشرة: شفاء نازفة الدم

  1. اذكر آيتين توضّحان أن المسيح دائم العمل.

  2. لماذا تألمت نازفة الدم نفسياً، ولماذا تألمت طقسياً؟

  3. لماذا سمح الله لرجل الأعمال أن يرقد على ظهره 45 يوماً؟

  4. ما هي بركات تأخُّر المسيح عن الذهاب لبيت يايرس؟

  5. ما هو الفرق بين الزحام العشوائي ولمسة الإيمان الهادف؟

  6. لماذا أراد المسيح أن تجيء نازفة الدم إليه بعد شفاء مرضها الجسدي؟

  7. اذكر البركات الثلاث التي منحها المسيح لنازفة الدم.

مسابقة المعجزة الخامسة عشرة: شفاء أعميين

  1. ما معنى لقب «ابن داود» الذي نادى به الأعميان المسيح؟

  2. إلى أي شيء يشير العمى في الكتاب المقدس؟

  3. ما الذي جمع الأعميين معاً؟ وماذا يعلّمنا هذا؟

  4. قدِّم تشبيهين يصفان الإيمان ذكرناهما في شرح هذه المعجزة.

  5. اذكر وصفين لإيمان الأعميين.

  6. ما هي أول مكافأة نالها الأعميان؟

  7. لماذا عصى الأعميان أمر المسيح وأذاعا خبر شفائهما؟

مسابقة المعجزة السادسة عشرة: إشباع خمسة آلاف

  1. لماذا طلب المسيح من تلاميذه عبور بحيرة طبرية إلى بيت صيدا؟

  2. «الناس غير جائعين للخبز الحي» - قول صحيح أم خاطئ؟ برهن على صحّة إجابتك.

  3. «من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء؟» لماذا وجَّه المسيح هذا السؤال لتلميذه فيلبس؟

  4. ما معنى اسم «أندراوس»؟ولماذا كان اسماً على مُسمَّى؟

  5. لماذا نسي الولد أن يأكل خبزاته وسمكتيه منذ الصباح؟

  6. في هذه المعجزة نرى المسيح «الخالق». اشرح كيف؟

  7. لماذا انسحب المسيح بعد إطعام الخمسة آلاف؟

مسابقة المعجزة السابعة عشرة: المشي على الماء

  1. ماذا كانت صلاة المسيح على الجبل وحده؟

  2. ما معنى «الهزيع الأخير»؟

  3. لماذا ظن التلاميذ أن المسيح الآتي إليهم ماشياً على الماء خيالاً؟

  4. نتعلم من طلب بطرس: «مُرْني أن آتي إليك على الماء» أمرين. اذكرهما.

  5. ماذا نتعلم من مَشْي المسيح على الماء؟

  6. ماذا نتعلم من القول: «أراد أن يتجاوزهم»؟

  7. اذكر اختباراً روحياً جُزْتَ فيه يشبه مشي بطرس على الماء.

مسابقة المعجزة الثامنة عشرة: شفاء ابنة الفينيقية

  1. كيف تفسِّر وصف الأم أنها كنعانية وفينيقية وأممية وسورية؟

  2. لماذا طلب التلاميذ من المسيح أن يصرف الأم؟

  3. ما هو الفُتات؟

  4. كيف يصيب إبليس الناس بالجنون؟

  5. كيف أظهرت الفينيقية إيمانها، وكيف أظهرت تواضعها؟

  6. قول المسيح: «ويُطرح للكلاب» له سبب في الفينيقية - ما هو؟

  7. قول المسيح: «ويُطرح للكلاب» له سبب في التلاميذ - ما هو؟

مسابقة المعجزة التاسعة عشرة: شفاء أعمى تدريجياً

  1. اذكر واحداً انفتح قلبه للمسيح في بيت صيدا، وواحداً انفتحت عيناه فيها.

  2. اذكر معجزة شفاءٍ ذهب فيها المسيح للمريض، واذكر الشاهد.

  3. لماذا لم يكن أعمى بيت صيدا متحمِّساً لشيء؟

  4. ما هو وجه الشبه بين الفقيه المذكور في مرقس 12 وأعمى بيت صيدا؟

  5. أظهر أصدقاء الأعمى ثلاثة أمور بما عملوه. اذكرها.

  6. اذكر ثلاثة أشياء عادية جعل منها المسيح أشياء فوق عادية.

  7. لماذا أمر المسيح الأعمى بعد أن شفاه بعدم دخول القرية؟

مسابقة المعجزة العشرون: عُملة من فم سمكة

  1. ثلاثة دروس أراد المسيح أن يعلّمها لبطرس من هذه المعجزة. اذكر كل درس منها، واشرحه.

  2. أظهر المسيح محبته لبطرس في هذه المعجزة - كيف؟

  3. أظهر المسيح محبته لجُباة ضريبة الهيكل - كيف؟

  4. ماذا تتعلّم من أن بطرس صاد السمكة المطلوبة من أول مرة؟

  5. كيف كان بطرس مثل الإستار في فم السمكة؟ وماذا فعل المسيح به؟

مسابقة المعجزة الحادية والعشرون: الواحد الذي شكر

  1. لماذا يظهر غريباً أمر المسيح للعشرة: «اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة»؟

  2. أذكر خمسة أوجه شبه بين الخطية والبرص.

  3. أذكر ثلاثة أسباب نظن أنها عطلت التسعة عن تقديم الشكر للمسيح.

  4. لماذا لا يشكر الناسُ اللهَ اليوم؟

  5. أذكر ثلاثة أشياء ميَّز بها الله الأبرص المشفِيّ الذي شكر.

مسابقة المعجزة الثانية والعشرون: شفاء المولود أعمى

  1. ذكر يوحنا أربع معجزات أجراها المسيح في الجليل، وأربع معجزات أجراها المسيح في اليهودية - اذكرها مع شاهدها الكتابي.

  2. كيف يمثِّلنا هذا الأعمى ويرمز إلينا؟

  3. كيف دفع المسيح تهمة أن العمى هو نتيجة خطية الأعمى أو نتيجة خطية والديه؟

  4. اذكر كيف تدرَّج إيمان الأعمى، وكيف كمل.

  5. «درهم اختبار خيرٌ من قنطار عقيدة» اشرح كيف ظهر هذا في شهادة الأعمى للمسيح.

  6. لماذا خاف الأبوان من الشهادة أمام مجمع اليهود للمسيح الذي شفى ابنهما؟

  7. لماذا أخذ المسيح زمام المبادرة في شفاء المولود أعمى؟

مسابقة المعجزة الثالثة والعشرون: إقامة لعازر

  1. ما معنى اسم «لعازر»؟ وكيف حقَّق المسيح للعازر معنى اسمه؟

  2. ما معنى اسم «مرثا»؟ وكيف تحقق لها معنى اسمها؟

  3. لماذا لم يكن لعازر محتاجاً للمعجزة؟

  4. كيف بيَّن التلاميذ محبتهم للمسيح؟

  5. هل كان قيافا نبياً؟ وكيف تحقق قوله عن موت واحدٍ عن الشعب؟

  6. لماذا تأخر المسيح عن تلبية دعوة مريم ومرثا؟

  7. لماذا طلب المسيح أن يرفعوا الحجر عن القبر؟

مسابقة المعجزة الرابعة والعشرون: شفاء المنحنية

  1. ماذا فعل المرض بالمرأة المنحنية؟ وماذا كانت مدّته؟

  2. من هو الذي يتمتع بإنسانيته بحقّ؟

  3. كيف أعلنت المنحنية رغبتها في الشفاء، وماذا نتعلم من ذلك؟

  4. اذكر عيبين في رئيس مجمع بيرية.

  5. اذكر أربعة أشياء أظهرت اهتمام المسيح بالمنحنية.

  6. اذكر المنطق السليم في تفسير شريعة السبت.

  7. اذكر ثلاث سيدات رفع المسيح من شأنهنَّ، وكيف رفع الله شأن كل واحدة منهنَّ؟

مسابقة المعجزة الخامسة والعشرون: شفاء بارتيماوس الأعمى

  1. كم أعمى شفاهم المسيح عند أريحا؟ ولماذا اقتصر مرقس على ذكر بارتيماوس؟

  2. كيف استخدم بارتيماوس ما عنده ليصل إلى المسيح؟

  3. كيف ترى في إصرار بارتيماوس على الشفاء ضرراً لحالته المادية؟

  4. ما هي بعض الأشياء التي يجب أن نطرحها لأنها تعطل شفاءنا الروحي؟

  5. ما هو القرار الخطير الذي اتَّخذه بارتيماوس بعد شفائه؟ وماذا نتعلم منه؟

  6. كيف يمثل المشاهدون لمعجزة شفاء بارتيماوس كنيستنا اليوم؟

  7. «المسيح مختلف عن سواه» - اشرح هذه الفكرة.

مسابقة المعجزة السادسة والعشرون: لَعن شجرة التين

  1. ما هو الدرس المشترك في تطهير المسيح للهيكل، وفي لعنه شجرة التين؟

  2. ما هو وجه الشَّبه بين شجرة التين الملعونة والأمة الإسرائيلية؟

  3. اشرح كيف أن عدم الفائدة يجلب الخراب.

  4. اشرح كيف أن النفاق يجلب الدينونة.

  5. ثلاثة انتقادات وُجِّهت للمسيح. اذكرها وقدِّم الردود عليها.

مسابقة المعجزة السابعة والعشرون: شفاء أذن ملخس

  1. اذكر سببين يبرهنان أن المسيح هو بنفسه الشخص الذي قبضوا عليه، وليس شخصاً آخر غيره.

  2. اذكر أربع بركات نتجت عن شفاء أذن ملخس.

  3. ما معنى اسم «ملخس» ؟ وكيف يتعارض اسمه مع عمله؟

  4. هل غيَّرت معجزة المسيح موقف ملخس منه؟ ولماذا؟

  5. ما معنى قول المسيح: «يكفي» عندما قال التلاميذ له: «هنا سيفان»؟

  6. اكتب تعليقاً على قول المسيح: «الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون».

  7. من هذه المعجزه اشرح ضرورة الصليب.

مسابقة المعجزة الثامنة والعشرون: صيد 153 سمكة

  1. كيف نقول إن هذه المعجزة حدثت وقت الظهور السابع للمسيح، ووقت الظهور الثالث؟

  2. اذكر ثلاث حوادث هامة جرت عند بحيرة طبرية.

  3. لماذا عاد التلاميذ السبعة للصيد؟

  4. لماذا لم يعرف التلاميذ المسيح لما وقف على الشاطئ؟

  5. اذكر درساً نتعلمه من صيد 153 سكمة.

  6. يعلّمنا جرّ الشبكة للشاطئ درسين، ما هما؟

  7. «هل يقدر الله أن يرتّب مائدة في البرية؟» - اشرح إجابتك.

أرسل أجوبتك بالبريد المضمون (المسجل) إلينا، واذكر اسمك وعنوانك الكاملين في بداية أوراق المسابقة، ولا تكتب أي موضوع آخر. ونحن في انتظار أجوبتك مصلين إلى الرب يسوع أن يرشدك إلى ملء نعمته ويمنح لك خلاصه ويشفي أمراضك لتشكره على الدوام مع الشاكرين.


Call of Hope 
P.O. Box 100827
D-70007
Stuttgart
Germany