العودة الى الصفحة السابقة
مبادئ الحياة السعيدةِ

مبادئ الحياة السعيدةِ

عبد لسلام لوديي


Bibliography

مبادئ الحياة السعيدةِ. عبدالسلام لوديي. Copyright © 2005 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1985. SPB 4250ARA. English title: The Secrets of a Happy Life. German title: Die Grundlagen eines glücklichen Lebens. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

تمهيد

الوصايا العشر ويطلق عليها كذلك الكلمات العشر (خروج 34: 28، وتثنية 4: 13 و10: 4)، وكلمات العهد (تثنية 29: 1)، ولوحي الشهادة (خروج 31: 18). وقد كُتبت هذه الوصايا على لوحي حجر لموسى حسب شهادة الكتاب المقدس، «ثُمَّ أَعْطَى (ٱلرَّبُّ) مُوسَى عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ ٱلْكَلامِ مَعَهُ فِي جَبَلِ سِينَاءَ لَوْحَيِ ٱلشَّهَادَةِ: لَوْحَيْ حَجَرٍ مَكْتُوبَيْنِ بِإِصْبِعِ ٱللّٰهِ» (خروج 31: 18). «وَٱللَّوْحَانِ هُمَا صَنْعَةُ ٱللّٰهِ، وَٱلْكِتَابَةُ كِتَابَةُ ٱللّٰهِ مَنْقُوشَةٌ عَلَى ٱللَّوْحَيْنِ» (خروج 32: 16).

والوصايا العشر هذه هي وصايا الله ألزمها لعباده وأوجب عليهم حفظها. فجاءت على شكل عهد أو ميثاق يلزم تنفيذها. فهي فرض واجب على الشعب في القديم. وعدم حفظها معناه عدم طاعة الله وبالتالي تُعدّ تعدّياً على كرامته تعالى. فهي رأس الناموس والشريعة، وهي موجز لكثير من تعاليم العهد القديم. كما أنها المبدأ الذي يستوجبه كل تشريع وهي تنطبق على كل زمان. كما أنها تحدد العلاقة بين الله وشعبه. وبين شعب الله والغرباء عنهم.

والمسيح ذاته أجلّ الوصايا العشر واقتبسها في مواقف عديدة. فأجاب مرة على أحد الشبان الأثرياء، والذي كان قد سأله عما يجب فعله ليربح الحياة الأبدية، فقال له يسوع: «أَنْتَ تَعْرِفُ ٱلْوَصَايَا» (مرقس 10: 19). وفي إنجيل يوحنّا نقرأ كيف أنّب الشعب اليهودي لعدم حفظهم الوصايا: «أَلَيْسَ مُوسَى قَدْ أَعْطَاكُمُ ٱلنَّامُوسَ؟ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَعْمَلُ ٱلنَّامُوسَ!» (يوحنّا 7: 19). وفي إنجيل مرقس نجد يسوع يصطدم اصطداماً عنيفاً مع الفريسيين والكتبة في موضوع قشور الناموس، حول غسل الأيدي قبل تناول الطعام ومسك الخبز بأيد دنسة، وغسل الكؤوس والأواني وحتى الأسِرَّة، فرد يسوع على هؤلاء بقوله: «حَسَناً تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُرَائِينَ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هٰذَا ٱلشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً، وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا ٱلنَّاسِ. لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ ٱللّٰهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ ٱلنَّاسِ: غَسْلَ ٱلأَبَارِيقِ وَٱلْكُؤُوسِ، وَأُمُوراً أُخَرَ كَثِيرَةً مِثْلَ هٰذِهِ تَفْعَلُونَ» (مرقس 7: 6-8).

الوصايا العشر هي العهد أو الميثاق الذي يجمع الإنسان بالله والعبد بسيده، وحفظها معناه تعلّق الشعب بالله. وجمع المسيح الوصايا كلها في المحبة لله والقريب. كما نقرأ في إنجيل متّى حوار يسوع مع أحد الفريسيين الذي جاء يسأل عن أعظم الوصايا فرد عليه: «تُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ. هٰذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلأُولَى وَٱلْعُظْمَى. وَٱلثَّانِيَةُ مِثْلُهَا: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. بِهَاتَيْنِ ٱلْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ ٱلنَّامُوسُ كُلُّهُ وَٱلأَنْبِيَاءُ» (متّى 22: 37-40).

الوصايا العشر أو الكلمات العشر نجدها في سفر الخروج الأصحاح 20: 1-17 وفي سفر التثنية الأصحاح الخامس وهي كالتالي:

  1. الوصية الأولى: «أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ».

    الوصية الثانية: «لا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً».

    الوصية الثالثة: «لا تَنْطِقْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ بَاطِلاً».

    الوصية الرابعة: «اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ».

    الوصية الخامسة: «أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِتَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلأَرْضِ».

    الوصية السادسة: «لا تَقْتُلْ».

    الوصية السابعة: «لا تَزْنِ».

    الوصية الثامنة: «لا تَسْرِقْ».

    الوصية التاسعة: « لا تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ».

    الوصية العاشرة: «لا تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لا تَشْتَهِ ٱمْرَأَةَ قَرِيبِكَ وَلا عَبْدَهُ وَلا أَمَتَهُ وَلا ثَوْرَهُ وَلا حِمَارَهُ وَلا شَيْئاً مِمَّا لِقَرِيبِكَ».

(الكنيسة الكاثوليكية واللوثرية دمجت الوصية الأولى والثانية وجعلتهما واحدة. وكذلك الوصية العاشرة قسمت إلى قسمين).

هذه الوصايا تقسم إلى قسمين رئيسيين:

القسم الأول من الوصية الأولى حتى الوصية الرابعة تختص بواجبات الإنسان نحو الله.

القسم الثاني من الوصية الخامسة حتى العاشرة تختص بواجبات الإنسان نحو أخيه الإنسان. وهذا التقسيم هو من تقسيم المسيح نفسه الذي لخص الوصايا كلها في محبة الله ومحبة القريب.

القسم الأول واجبات الإنسان نحو الله

وحدانية الله

«أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ. لا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً»

يمكن ضم الوصيتين الأولى والثانية في واحدة لأنهما تتعلقان بوحدانية الله واجتناب عبادة الأوثان.

فهل تصلح هاتان الوصيتان لعصر مثل عصرنا، الذي تفوّق فيه الإنسان في شتى المجالات العلمية، ووصل إلى ذروة التقدّم التكنولوجي والفكري؟ أم أن روح الوثنية لم تنقرض بعد؟

إنّ فكرة وحدانية الله أمر مسلَّم به. وقلَّما نسمع عن شعب أو أمة لا تؤمن بوحدانية الله. إنما بجانب التصديق بأن الله واحد، نجد شعوباً بكاملها تعيش وثنية صرفة. وهاتان الوصيتان تمسان عمق واقعنا الراهن، لأن روح الوثنية لم تنقرض، وتعدّد الآلهة يزداد يوماً بعد آخر. وثنية اليوم لا تختلف عن وثنية الأزمنة الغابرة إلا في المظهر، أمّا في المضمون فهُما واحد.

كان الناس في القديم يؤلهون مظاهر الطبيعة، ثم المصنوعات من حجر فخشب وحديد ونحاس وذهب، وكذلك الملوك ورجال الحرب وما إلى ذلك من مظاهر التفوق البشري.

أمّا اليوم فإذا تأملنا وتعمقنا فيما يحبه الإنسان لما استطعنا أن نفرق بين وثنية القديم ووثنية العصر الحديث. فبنجوم الفن تعلّقت قلوب البشر، وأبطال الرياضة أصبحوا آلهة العصر. أو كما سماهم أحد رجال الصحافة في أمريكا اللاتينية «آلهة الملاعب». زد على ذلك السباق من أجل اقتناء المجوهرات والحجارة الكريمة والسعي بلا حد وراء المال، إلى أن أصبح الإنسان عبداً له. وكما قال الأب يوحنّا مارون: «المال عبد نصّب نفسه سيداً لأنه فقد أسياده». فالمال إله جبار في عصرنا لا أحد يستطيع أن يصمد أمامه أو يتحدّاه.

وزد على كل هذا، العادات التي استعبد لها الإنسان ولا يستطيع التخلص منها، مثل المخدرات بكل أشكالها، يترنح تحت عبئها شباب عصرنا ولا يستطيعون التحرر منها.

«أَنَا ٱلرَّبُّ إِلٰهُكَ. لا تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً».

يعني أن يكون الله الأول لا الأخير في حياتنا. فالإيمان بالله هنا يشير إلى الحياة التي نحياها معه. أن لا يكون الله مجرد فكر وحسب لأنه حتّى «ٱلشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ!» (يعقوب 2: 19). فالإيمان الصادق هو التصديق المطلق الذي يثمر الأعمال المطابقة لذلك التصديق.

على الإنسان أن يراجع نفسه ويفحصها، ويدقق إن كان هناك شيء منحوت في قلبه. هل الرب وحده منحوت في عقولنا وقلوبنا؟ أم هناك أمور أخرى تسود على حياتنا؟ ربما لا نصنع تمثالاً منحوتاً اليوم ونتعبد له، لكن ربما ننحت لنفوسنا قضايا تصبح هي الأولى في حياتنا وتسود على دقائق أيامنا وتستعبدنا ويصبح الله مجرد فكر لا غير.

احترام الله

«لا تَنْطِقْ بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ إِلٰهِكَ بَاطِلاً»

كنت مرة مع شخص ينكر وجود الله. وفي حديثي معه كان من حين لآخر يقسم بالله. فأوقفته طالباً منه توضيح تناقضه هذا في كفره بالله، الذي يقسم به. فردّ عليَّ: «إن اسم الله في لغتنا اليومية لا يعني الإيمان بوجوده أو عدم وجوده، فهو مجرد تعبير دارج على ألسنتنا. هذه هي لغة الشعب وأنا أتكلم بهذه اللغة».

إنَّ احترام اسم الله هو احترام لشخصه، وهو أمر لازم على كل مؤمن. ولا يجب أن نستخف باسمه المقدس. فاسم الله في اللغة اليومية أصبح بضاعة وسلعة تُباع وتُشترى. فالإنسان يُقسِم لك إن طلبت أو لم تطلب منه. فهو كحرف الجر لا يمكن الاستغناء عنه في حديثنا. التاجر رأسماله الكبير هو هذا الاسم، يقدّمه مع كل بضاعة يعرضها على زبائنه كالشاهد على صحة أقواله. وهو كالستار الذي يتستر به الكذاب والغشاش، فيخفون كل الشرور بهذا الاسم. والمسيح له المجد وضح هذه الوصية بأكثر وضوح في عظته على الجبل لما قال: «لا تَحْلِفُوا ٱلْبَتَّةَ، لا بِٱلسَّمَاءِ لأَنَّهَا كُرْسِيُّ ٱللّٰهِ، وَلا بِٱلأَرْضِ لأَنَّهَا مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ، وَلا بِأُورُشَلِيمَ لأَنَّهَا مَدِينَةُ ٱلْمَلِكِ ٱلْعَظِيمِ. وَلا تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ، لأَنَّكَ لا تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ. بَلْ لِيَكُنْ كَلامُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لا لا. وَمَا زَادَ عَلَى ذٰلِكَ فَهُوَ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ» (متّى 5: 34-37).

هذه الوصية تعلّمنا توقير الله ومهابته. وهي عظيمة الفائدة بالنسبة لأحوالنا الاجتماعية، لأنها تولد الثقة في النفس وتعطي الاحترام لله، وبالتالي تصبح هناك ثقة متبادلة بين الناس. فالقَسَم هو دليل على عدم الثقة. وعدم القَسَم يعلّمنا التحدُّث بالصدق والاستقامة في التعامل مع الغير. إنّ الله لم يعطنا وصايا لمصلحته بل لمصلحتنا ولفائدتنا، فهو يريد لنا الأصلح والأنفع.

يوم الرب

«اُذْكُرْ يَوْمَ ٱلسَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ»

قال مرة أحدهم: الجمعة للإسلام والسبت لليهود والأحد للنصارى، أمّا بقية الأيام فهي للشيطان. ليس هذا هو المقصود بهذه الوصية. رغم أنّ العدد الكبير من الناس يعيشون هكذا وللأسف الشديد. يوم السبت أو يوم الرب لا يعني على الإطلاق أن المؤمن في بقية الأيام يعيش في المستنقعات، ويهيم في الرذائل، ويتحلى بالرجس أبداً. تقديس يوم الرب معناه التوقف لحظة للتأمل في الطريق والنهج الذي يسلكه. هي نظرة إلى الوراء ونظرة إلى الأمام، ليفحص الإنسان نفسه إن كان حقاً يسلك الطريق التي ارتضاها الرب له.

يوم الرب هو يوم للراحة والعبادة والتفكر في الله والتدبر، فإن مشاغل الحياة عادة تلهينا وتشدنا إلى الأرض، فنحتاج إلى وقفة نرفع فيها الرأس إلى فوق، لنتسلّم إشارة من إلهنا لمواصلة الطريق إن كنا نسلك جنباً لجنب معه. كل عمل في الحياة يحتاج إلى وقفة للتمعن والتأمل، لنأخذ الرسام على سبيل المثال، فهو يتوقف من حين لآخر ويرجع بعض خطوات إلى الخلف ليلقي بنظرة عامة على عمله الفني، ويمعن النظر ليتبين إن كان عمله يسير في إتقان. وإن وجد هناك ما يفسد اللوحة قام فوراً بتصحيح ذلك العيب. وهكذا الحال معنا. علينا من حين لآخر أن نتوقف ونتطلع فيما قمنا به، ونستعد نفسياً وروحياً وجسدياً للخطوات التي نريد أن نخطوها للأمام في ضوء إرادة الله ومشيئته.

كان المسيحيون الأوائل، يعتبرون يوم السبت يوماً للرب، كما كانت العادة عند اليهود وحسب شريعة موسى. ولأسباب عديدة اختارت الكنيسة الأولى أن يكون يوم الرب هو يوم الأحد، لارتباط هذا اليوم بالذكرى المجيدة والجليلة لقيامة المسيح يسوع من بين الأموات. ويختلف احتفال المسيحيين بيوم الأحد عن احتفال اليهود بيوم السبت. فلم يكن مسموحاً لليهود في السبت أن يقوموا بأي عمل حسب الشريعة الموسوية. وأصبح الناس تحت أسر الشريعة. فجاء المسيح له المجد يعلّم بأن: «ٱلسَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ ٱلإِنْسَانِ، لا ٱلإِنْسَانُ لأَجْلِ ٱلسَّبْتِ» (مرقس 2: 27). وهذا لكي يعلّمنا أنّ الشريعة جاءت لخدمتنا ولفائدتنا. ويوم الرب أو يوم الراحة هو للإنسان. فكما أن هناك ليلاً ونهاراً، الليل للراحة والنهار للعمل، هكذا هو هذا اليوم. إنما هذا اليوم ليس للراحة فقط، بل هو كذلك للتأكد من علاقتنا بالله أو لتجديد هذه العلاقة إن كانت لا تزال سائرة وثابتة مع الرب، فتتجدّد قوتنا الروحية.

إكرام الوالدين

«أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِتَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى ٱلأَرْضِ»

قد يظهر وكأنّ هناك تناقضاً وتبايناً بين هذه الوصية وقول يسوع في إنجيل لوقا 14: 26 القائل: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلا يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَٱمْرَأَتَهُ وَأَوْلادَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ، حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضاً، فَلا يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً».

لم يكن هنا في قول يسوع أي نقض للوصية. لأن الوصية تشدد على إكرام الوالدين. ويسوع لم يتطرق في هذه الآية إلى إكرام أو عدم إكرام الوالدين. بل ليشدد هنا على التلمذة. فهو يريد أن يقول لمستمعيه إنّ التلمذة تتطلّب التضحية. اتِّباع يسوع يكلّف الغالي والرخيص. وعلى كل من أراد أن يتبع يسوع عليه أن يحسب النفقة ويستعد للتضحية بالنفس والنفيس. فالمسيح عندما يطلب منّا أن ننكر أعز الأحباب، فلا يجب أن يؤخذ كلامه حرفياً. لأنّ القصد من كلامه هو: هل نحن نُحبُّه مثلما هو يحبنا؟ وهل نحن مستعدون للسير معه في طريقه، طريق الألم والأوجاع؟

أمّا إكرام الوالدين وطاعتهم فأمر واجب على كل إنسان. خاصة وأنهم كابدوا الكثير من المشقات والصعوبات من أجلنا من رعاية وعناية وحرص شديد على مصلحتنا. فالوالدون في كل أمّة وقبيلة، وحتى عند الشعوب البدائية كانوا دوماً يقدمون النافع والأصلح لأبنائهم.

كان قدماء المصريين يعلّمون أنّ الابن العاق يُحرم من السعادة في الآخرة. وكان كنفوشيوس يأمر الأولاد بطاعة آبائهم واحترامهم. فاحترام الوالدين مبدأ أساسي في المجتمع لأن الشخص الذي لم يتعلم طاعة سلطة الأبوين، وكذلك سلطة المجتمع، سوف يدوس عليها بأقدامه ولن يعيرها أي اهتمام، وبالتالي لن يطيع سلطة الله. إن احترام الوالدين هو احترام لله وطاعتهم طاعة لله، لأنّه هو الذي أوصى بإكرامهم واحترامهم. فاسمع ما يقوله الكتاب المقدس، وحي الله بخصوص طاعة الوالدين: «اِسْمَعْ يَا ٱبْنِي تَأْدِيبَ أَبِيكَ، وَلا تَرْفُضْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ، لأَنَّهُمَا إِكْلِيلُ نِعْمَةٍ لِرَأْسِكَ، وَقَلائِدُ لِعُنُقِكَ» (أمثال 1: 8 و9).

القسم الثاني واجبات الإنسان نحو أخيه الإنسان

قيمة الحياة

«لا تَقْتُلْ»

هذه الوصية تعلّمنا مدة رغبة الله في استمرارية الحياة. وأن الله حياة ولا يرغب في موت أحد. فهو لا يسعد حتى بموت الشرير. إنّ الله هو معطي الحياة ولا يحق لأي إنسان أن يسلبها بأي طريقة كانت. فالله ينهانا عن القتل كلياً. وما نشاهده ونسمع عنه عن طريق وسائل الإعلام من قتل ودمار واغتيالات وجرائم تُرتكب في حق أفراد وجماعات، ما هي إلا صورة واضحة المعالم عن شر الإنسان وسوء خلقه وتسلط الخطية عليه.

إنّ رغبة الله هي أن يحيا الإنسان ويتمتع بالشركة معه ورفقته، وهو لا يريد هلاك أي إنسان كان. وكما يحدثنا الوحي المقدس أن الله «يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ ٱلنَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ ٱلْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (1 تيموثاوس 2: 4). والمسيحية لا تنهى عن قتل الجسد فحسب، بل تعتبر أنّ مجرد الحقد والبغض والكراهية يُعتبر قتلاً وتعدياً على النفس البشرية وعلى الله خالقها. فالقتل هو نتيجة سموم تتحرك في قلب القاتل. والمسيح وضّح في عظته على الجبل معنى «لا تَقْتُلْ»، أو بالأحرى أعطى هذه الوصية تفسيراً وتوضيحاً جديداً، إذ أظهر منبع القتل ومخرجه، وعلَّم الجموع استئصاله من مصدره أولاً إذ قال: «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لا تَقْتُلْ، وَمَنْ قَتَلَ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ ٱلْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ» (متّى 5: 21 و22). فالغضب والانفعال يدفعان الإنسان إلى ارتكاب الحماقة.

ففي هذه الوصية يعلّمنا الله أنّ احترام الإنسان لأخيه الإنسان أمر ضروري، وأنّ الحياة مقدسة عند الله. الإنسان هو تاج خليقته تعالى. خلق الله الإنسان على صورته على شبهه خلقه. نسمة الله تدب في روح الإنسان، فبأي حق يمد الإنسان يده ليقتل أخاه الإنسان. والمسيح يعلّمنا أن نقتل أولاً الحقد والبغض والكراهية فينا. على الإنسان أن يخنق روح الانتقام فيه أولاً. وبهذا يكون قد قتل القتل وأحيا الحياة فيه.

حياة الطهارة

«لا تَزْنِ»

كثيراً ما يقع الإنسان فريسة شهوة عابرة، فيهوي في مستنقع يصعب السباحة فيه أو الخروج منه دون أن تتلطخ حياته. يشدد الكتاب على الانضباط في حياة الشباب والتمسك في وقت مبكر بالله. «فَٱذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ ٱلشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ ٱلسِّنِينَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ» (جامعة 12: 1).

فما يزرعه الإنسان في شبابه يحصده في شيخوخته أو في أيام المحن. فعلينا أن نتمسك بالرب، حتى عندما تأتي أيام المحن والصعوبات الخارجية، نجد أنفسنا مزودين بقوة من الرب، وعندنا طاقة من الرب ذاته. لأنه حتى البعد عن الله يُعتبر زنى. لكن الوصية تشدد على الزنى بكل أشكاله وخاصة الفعلي المبني على الشهوة الجسدية.

عندما ينهانا الله عن شيء يعرف أنّ ذاك الشيء مضر لنا. فهو لا ينهى عن الزنى إلا لأنه مضر لنا من كل الجوانب. فالأمراض الناجمة عن الزنى لا تحصى، فمنها الجسدية والنفسية. فكم هي البيوت التي تهدمت بسبب هذه النجاسة، وكم من أطفال أبرياء راحوا ضحية الزنى، إذ كان الزنى المسبب الأكبر في انفصال الأبوين عن بعضهما البعض أو عدم تحمل الرجل المسؤولية.

فالزنى لا يسبب أمراضاً جسدية فقط بل هو جرثومة فتاكة بالمجتمعات ومدمرة للعائلات ومخدرة للضمائر. فالزنى هو تجنّ على الله وعلى الإنسان.

الله يطلب منّا في هذه الوصية أن نعيش حياة العفة والطهارة، فتكون الحياة الزوجية مقدسة لله. وعلينا أن نتجنب اللعب في الماء العكر. وكما قال القديس أغسطينوس: «من أحب الخطر باد فيه». والخطية كيفما كانت وبأي شكل ظهرت تسعى دوماً لاستعباد البشر. وها هو القديس أغسطينوس يحدثنا ويصف لنا معاناته وآلامه التي نتجت عن الزنى فيقول: «لقد استعبدتني الشهوة اللحمية الجامحة. فرحت أجر قيودي وتمنيت عليها لو تتكسر. لكنني رفضت كلمات المشورة الصالحة. وكأن يداً امتدت إليها لتفكها فاصطدمت بجرحي». لقد كان حاله كحال مريض يشعر بيد لطيفة تمتد لتطبب الجرح فيدفعها عنه بعيداً. هذه هي حالة المريض بالخطية والمقيد بقيود عدوّ النفوس. وقد تأكد أغسطينوس أن حريته من هذه القيود لا تتم بقوته بل بقوة العلي عندما قال: «لا أحد يستطيع أن يكون عفيفاً إلا بك». وها هو بولس يكتب بهذا الخصوص إلى تيموثاوس قائلاً: «أَمَّا ٱلشَّهَوَاتُ ٱلشَّبَابِيَّةُ فَٱهْرُبْ مِنْهَا، وَٱتْبَعِ ٱلْبِرَّ وَٱلإِيمَانَ وَٱلْمَحَبَّةَ وَٱلسَّلامَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ ٱلرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ» (2 تيموثاوس 2: 22).

وها هو المسيح له المجد يعطينا درساً جديداً عن الزنى ومنبعه. فيحدد الزنى في الشهوة ويستأصلها من جذورها. فتأتي الوصية بشكل جديد عند المسيح، بدل «لا تزن» «لا تشته البتة». لأنّ الشهوة هي الدافع والمسبب للزنى. «قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لا تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ» (متّى 5: 27 و28). يا لها من وصية فاقت قدرة الإنسان. وبهذا لا يمكن سوى أن نردّد مع أغسطينوس قوله: «لا أحد يستطيع أن يكون عفيفاً إلا بك».

ضرورة الأمانة

«لا تَسْرِقْ»

قد نُخطئ في فهمنا لهذه الوصية ونحدها في مفهوم ضيق، فالسرقة تتعدى السلب والنهب من متاع الغير. فهل فكرنا يوماً ما أن إضاعة الوقت يُعدّ سرقة أمام الله والتهاون والغش في العمل يعد سرقة؟

تعلّمنا هذه الوصية ضرورة الامانة والاستقامة، ثم الاعتماد على النفس والكسب بالطرق الشرعية. ليأكل الإنسان خبزه بعرق جبينه. والرب يبارك ساعدي المجتهد المخلص في عمله أو تجارته. أمّا الذي يسلك في النهج المعوج، فنجاحه قصير والتقهقر نهايته الحتمية. «لا تَحْسِدْ أَهْلَ ٱلشَّرِّ وَلا تَشْتَهِ أَنْ تَكُونَ مَعَهُمْ» (أمثال 24: 1). فأحياناً يعتقد المرء أن السبيل الأنجع للنجاح هي الطرق الملتوية، فيجلب على نفسه الهوان والمذلة والخزي. قال سليمان الحكيم: «..ٱلسَّارِقِ وَلَوْ سَرِقَ لِيُشْبِعَ نَفْسَهُ وَهُوَ جَوْعَانٌ. إِنْ وُجِدَ يَرُدُّ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ» (أمثال 6: 30 و31). فليشمر الإنسان عن ساعديه، وليتعلم أن الوقت ثمين عند الله وهو يريدنا أن نستغل كل ظرف في العمل الصالح. وأفضل ثروة يمكن الإنسان أن يفتخر بها هي الاجتهاد. واليد الرخوة لا يباركها الله. وقد يغري الشيطان المرء بأن الغش هو السبيل الوحيد السهل للنجاح. وأن الاستقامة في التعامل تجلب الفشل وسالكها يُعدّ غبياً. والحق يقال إنّ هذا النوع من التفكير يُعدّ غباوة وقصراً في البصيرة.

يا ليت الناس تتعلم القناعة وتكتفي بما عندها. ويعطي كل واحد حق غيره، فيتلاشى الجشع والطمع وسلب الغير حقهم. وتنتشر الأمانة بين الناس ويعم الإنصاف في جميع نواحي الحياة. طلب سليمان الحكيم من الله شيئين إذ قال: «اِثْنَتَيْنِ سَأَلْتُ مِنْكَ (يا رب) فَلا تَمْنَعْهُمَا عَنِّي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ: أَبْعِدْ عَنِّي ٱلْبَاطِلَ وَٱلْكَذِبَ. لا تُعْطِنِي فَقْراً وَلا غِنىً. أَطْعِمْنِي خُبْزَ فَرِيضَتِي، لِئلاّ أَشْبَعَ وَأَكْفُرَ وَأَقُولَ: مَنْ هُوَ ٱلرَّبُّ؟ أَوْ لِئلاّ أَفْتَقِرَ وَأَسْرِقَ وَأَتَّخِذَ ٱسْمَ إِلٰهِي بَاطِلاً» (أمثال 30: 7-9). الله يحضنا على أن نكتفي بما رزقنا وبما كسبت أيدينا إذ يقول: «كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ» (عبرانيين 13: 5).

قول الحق شجاعة

«لا تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ»

الزور منبعه الجبن والخوف، وأساسه الكذب، وطريقه الضلال، ونتائجه اللطمة على رأس المتفوِّه به. فشاهد الزور ضعيف الشخصية، لا يستطيع مواجهة الحقيقة لذا تجده يعمل لطمسها ومحوها. وعادة يكون مدفوعاً بسبب الخوف، أو لمصلحة مادية يجنيها من وراء فعلته هذه. وينسى بأن «جَمْعُ ٱلْكُنُوزِ بِلِسَانٍ كَاذِبٍ هُوَ بُخَارٌ مَطْرُودٌ لِطَالِبِي ٱلْمَوْتِ» (أمثال 21: 6). وللأسف الشديد فشهادة الزور أصبحت اليوم كحرفة يمتهنها الإنسان لطلب الرزق، وقد تشعبت فروع هذه المهنة الجديدة. والكتاب المقدس يعلّمنا بأنّ «شَاهِدُ ٱلّزُورِ لا يَتَبَرَّأُ، وَٱلْمُتَكَلِّمُ بِٱلأَكَاذِيبِ لا يَنْجُو» (أمثال 19: 5).

الله يريد في هذه الوصية أن يعلّمنا احترام الكلام، وضرورة التكلم بالصدق، وألا نخاف قول الحق، لأنه كما قال سليمان الحكيم: «خُبْزُ ٱلْكَذِبِ لَذِيذٌ لِلإِنْسَانِ، وَمِنْ بَعْدُ يَمْتَلِئُ فَمُهُ حَصًى» (أمثال 20: 17). فالكذب من العوامل الكبيرة الفتاكة بالمجتمعات. فهو كالسوس ينخر في جسم الإنسان ويحط من قيمته ومن قيمة الإنسانية جمعاء. فبناء المجتمع لا بد أن يقوم على أسس متينة وقويمة، وإلا انهار البناء على أصحابه وأدى بهم إلى التهلكة. والشر كيفما كان يصفه سليمان الحكيم كـ «مَنْ يَحْفُرُ حُفْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا، وَمَنْ يُدَحْرِجُ حَجَراً يَرْجِعُ عَلَيْهِ» (أمثال 26: 27). فأي مجتمع أراد الرقي والتقدم، عليه أولاً بتنقية محيطه من كل داء قاتل وجرثوم يعرقل مسيرة النمو والتقدم والازدهار.

ولا يجب أن تنحصر هذه الوصية في الشهادة أمام القضاة في المحاكم، بل هي تشمل كل مظهر من مظاهر الغش والكذب والاحتيال على الغير، وحتى الصمت عن قول الحق هو زور. والوحي المقدس يقول لنا على لسان بولس الرسول: «ٱطْرَحُوا عَنْكُمُ ٱلْكَذِبَ وَتَكَلَّمُوا بِٱلصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ» (أفسس 4: 25).

فضروري أن يتعلّم المرء صغيراً كان أم كبيراً الصدق في التكلم والأمانة في التعامل والعدول عن شعار العصر: قل الحق وليس كل الحق. أو فلسفة تجاهل المطلوب الذي أصبح سائراً في أغلب الأوساط. المسيح له المجد يعلّمنا بأن يكون كلامنا: «نَعَمْ نَعَمْ، لا لا. وَمَا زَادَ عَلَى ذٰلِكَ فَهُوَ مِنَ ٱلشِّرِّيرِ» (متّى 5: 37).

مستنقع الرذائل

«لا تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لا تَشْتَهِ ٱمْرَأَةَ قَرِيبِكَ وَلا عَبْدَهُ وَلا أَمَتَهُ وَلا ثَوْرَهُ وَلا حِمَارَهُ وَلا شَيْئاً مِمَّا لِقَرِيبِكَ»

الشهوة متوغلة في عمق الإنسان، تجره كمن يجر جيفة، وتجعل منه عبداً لا يتوانى في تنفيذ طلبات سيده. فيصبح الإنسان عبد شهواته وأهوائه. فالشهوة أصل كل الرذائل. إنها كمستنقع لا يلذّ للحشرات المضرّة إلا العيش فيه. الشهوة هي الدافع إلى الزنى والسرقة وشهادة الزور. وكما يقول عنها الكتاب المقدس: «ٱلشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَٱلْخَطِيَّةُ إِذَا كَمُلَتْ تُنْتِجُ مَوْتاً» (يعقوب 1: 15). فمصائب الناس أغلبها الشهوة المتحركة في قلوب البشر، والتي تدفعهم حيث تشاء. وها هو القديس أغسطينوس الذي اختبر سطوة الشهوة مخاطباً ربه قائلاً: «سطت عليّ شهوة جامحة فسرت في ركابها عبداً مقيداً، إنها لشهوة يرضى عنها السفهاء وتحرّمها شريعتك».

اختبر النبي داود سم الشهوة وعارها في حياته. فقادته أولاً إلى الزنى ثم إلى القتل، فلم يستطع أن ينسى طيلة حياته فعلته الرديئة. كما أنها جلبت عليه الذل والهوان وعذاب الضمير، فلم يقدر سوى أن يصرخ إلى الله قائلاً: «اِرْحَمْنِي يَا اَللّٰهُ حَسَبَ رَحْمَتِكَ. حَسَبَ كَثْرَةِ رَأْفَتِكَ ٱمْحُ مَعَاصِيَّ. ٱغْسِلْنِي كَثِيراً مِنْ إِثْمِي وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي. لأَنِّي عَارِفٌ بِمَعَاصِيَّ وَخَطِيَّتِي أَمَامِي دَائِماً» (مزمور 51: 1-3).

الشهوة كشهوة ليست عيباً، إنما الشهوة التي تضر بالإنسان هي التي ينهانا عنها الله. والشهوة التي تشير إليها هذه الوصية هي الطمع والحسد والأنانية أن تطمع فيما لغيرك، وتحسده على ما هو عليه. وكل هذه تأتي من أصل واحد: الأنانية وحب الذات. فعالمنا الحاضر يرزح تحت شهوة الطمع. وما الحروب والقتل وسفك الدماء سوى نتيجة لروح الطمع. دولة تطمع في أخرى وتتوسع على حسابها. وما السقوط من جنة عدن إلا ثمر الطمع عندما رأت حواء «أَنَّ ٱلشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ ٱلشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ» (تكوين 3: 6). والله المشرّع الأوحد ينهانا عن الشهوة المضرة، والمعطلة علاقة الله بالإنسان وعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان. إذ يقول على لسان بولس الرسول: «فَأَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ ٱلَّتِي عَلَى ٱلأَرْضِ: ٱلزِّنَا، ٱلنَّجَاسَةَ، ٱلْهَوَى، ٱلشَّهْوَةَ ٱلرَّدِيَّةَ، ٱلطَّمَعَ ٱلَّذِي هُوَ عِبَادَةُ ٱلأَوْثَانِ، ٱلأُمُورَ ٱلَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ ٱللّٰهِ عَلَى أَبْنَاءِ ٱلْمَعْصِيَةِ» (كولوسي 3: 5 و6).

وصايا الله من فوق جبل ومن على تلة

الوصايا العشر مبادئ واسعة تشتمل على أسس تنظيم الحياة على الأرض في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وتنظيم علاقة الأرض بالسماء في علاقة الإنسان بخالقه وسيده الله. والمتأمل فيها لا بد وأن يُسلّم بسموها وبالتالي بعدم قدرة الإنسان على تنفيذها من ذاته. الإنسان أمام هذه الوصايا عاجز وضعيف. فبدون عون من الله لا يستطيع أي امرئ أن يطبقها لأنها فوق قدرته. فالإنسان في هذه الحالة يحتاج إلى قوة من الله. ويمكن أن نشبّه عون الله بجهاز إلكتروني لا يعمل إلا إذا أوصلت الجهاز بالتيار. وهكذا لا يقدر الإنسان أن ينفذها من ذاته إلا إذا استمد القدرة من الله.

لا بدّ لي هنا من مقارنة وجيزة بين الوصايا العشر أساس العهد القديم، وبين العظة على الجبل في العهد الجديد.

تسلّم موسى الوصايا العشر من على جبلٍ عالٍ شامخ. لم يُسمح لأحد من الشعب الاقتراب منه، ما عدا النبي موسى، وسيط العهد القديم ورمز الخلاص والانعتاق من العبودية. كتبت الوصايا العشر على لوحين من حجر بإصبع الله. فامتلك الرعب والخوف قلوب الشعب وأحسوا بها كجبل شاهق وُضع على أكتافهم. فلم يقدروا على تتميمها.

أمّا وصايا العهد الجديد (العظة على الجبل) فقد سلمها الله مباشرة (بواسطة الكلمة المتجسد) للشعب من على تلة. كان بوسع كل إنسان أن يصعد فوقها ويسمح لله أن ينقشها على قلبه. فجاءت الوصايا العشر في حلة جديدة مكتوبة على لوح من لحم بنار الروح القدس. وبهذا تم قول النبي إرميا: «أَجْعَلُ شَرِيعَتِي فِي دَاخِلِهِمْ وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلٰهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً. وَلا يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلِينَ: ٱعْرِفُوا ٱلرَّبَّ لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ يَقُولُ ٱلرَّبُّ. لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ وَلا أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ» (إرميا 31: 33 و34). وها هو بولس الرسول بواسطة الروح القدس يعلن لنا إتمام هذه النبوة التي تمت في المؤمن بالمسيح: «أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ ٱلنَّاسِ. ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ ٱلْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لا بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ ٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ، لا فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ» (2كورنثوس 3: 2 و3).

مسابقة كتاب مبادئ الحياة السعيدة

أيها القارئ العزيز،

إن تعمقت في موضوع هذا الكتاب، تستطيع أن تجاوب على الأسئلة التالية بسهولة. وجائزة على اجتهادك نرسل لك أحد كتبنا الروحية. لا تنس أن تكتب اسمك وعنوانك الكامل.

  1. ما معنى الوصايا العشر؟

  2. لماذا أُعطيت الوصايا العشر؟

  3. ما هو محتوى هذه الوصايا؟

  4. لأي سبب أنّب يسوع الشعب اليهودي؟

  5. في أي من الأسفار نجد ذكراً للوصايا العشر؟

  6. اذكر ثلاثة مظاهر من وثنية عصرنا الحاضر.

  7. لأي سبب تُقسِم الناس بالله؟

  8. هل القَسَم دليل على قول الصدق؟ ولماذا؟

  9. ما الفائدة من وراء يوم الرب؟

  10. لماذا يحضنا الوحي المقدس على إكرام الوالدين؟

  11. اذكر وصية المسيح المختصة بقتل الإنسان لأخيه الإنسان.

  12. اذكر مضار الزنى.

  13. اذكر آية من الكتاب المقدس تنهى عن السرقة.

  14. اذكر آية من الكتاب المقدس تحضنا على قول الصدق.

  15. لِما ينهانا الله عن الشهوة؟

  16. هل يستطيع الإنسان أن يتمّم وصايا الله؟ كيف؟


Call of Hope
P.O.Box 100827 
D-70007 
Stuttgart 
Germany