العودة الى الصفحة السابقة
ثقتي في التوراة والإنجيل

ثقتي في التوراة والإنجيل

جوش مكدويل


List of Tables

1.
2.

Bibliography

ثقتي في التوراة والإنجيل. جوش مكدويل. Copyright © 2005 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى. 1987. SPB 4002 ARA. English title: My Trust in the Torah and the Gospel. German title: Mein Vertrauen in die Thora und das Evangelium . Call of Hope. P.O.Boضرب 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

هذا الكتاب

قضى أستاذ اثنتين وأربعين سنة يدرس الكتب الشرقية وكتب بعد ذلك مقارنة بينها وبين الكتاب المقدس، قال فيها:

«كّوِم هذه الكتب على جانب مكتبك الأيسر، إذا شئت. ولكن ضع كتابك المقدس علىالجانب الأيمن، وحده بمفرده، وبينه وبينها كلها مسافة . فهناك فعلا مسافة كبيرة تفصل هذا الكتاب الواحد عنها كلها فصلا كاملا وإلى الأبد. إنها مسافة حقيقية لا يمكن أن يُقام عليها جسر (كوبري) من أي علم أو فكر ديني».

ونهدف من هذا الكتاب أن نوضح تفرد الكتاب المقدس لأنه كلمة الله.


نداء الرجاء

الفصل الاول: الكتاب الفريد

مقدمة

كثيراً ما أسمع كلمات تتكرر كالإسطوانة المشروخة، تقول: «غير معقول أنك تقرأ الكتاب المقدس» أو: «الكتاب المقدس كأي كتاب آخر يجب الإطلاع عليه».. الخ. وهناك طالب يفتخر بأن الكتاب المقدس واحد من الكتب الموجودة عنده، مع أن الغبار يعلوه، وهو لم يقرأه، لكنه يحتفظ به بين «روائع الكتب».

وهناك الأستاذ الذي يقلل من قيمة الكتاب أمام طلبته، ويضحك ضحكة نصف مكبوتة من الذين يقرأونه، ومن الذين يحتفظون به في مكتباتهم!

ولقد حيّرتني هذه الأفكار والملاحظات، عندما حاولت كشخص بعيد عن المسيح، أن أدحض أن الكتاب المقدس هو كلمة الله للناس. وأخيراً وجدت إنها عبارات مبتذلة من أشخاص منحازين أو موتورين أو جاهلين، عبارات صارت رثّة لكثرة استعمالها!

والحقيقة هي أن الكتاب المقدس يجب أن يوضع في أرفع مكان، لأنه كتاب فريد. وكل الأوصاف التي وصلْتُ إليها عن الكتاب المقدس يمكن إيجازها في أنه كتاب «فريد».

ولا بد أن وبستر (صاحب القاموس) كان يفكر في «كتاب الكتب» عندما كتب تعريفاً لكلمة «فريد» جاء فيها:

  1. الواحد، الوحيد، المنفرد.

  2. المختلف عن كل ما عداه، الذي لا شبيه له.

ولقد صرف الأستاذ مونتير وليامز 42 سنة يدرس الكتب الشرقية، وكتب مقارنة بينها وبين المقدس قال فيها (1): هذا الرقم هو رقم المرجع الذي أخذنا عنه هذا الاقتباس. ونجد قائمة بمراجعنا في نهاية الكتاب.

«كّوم هذه الكتب على جانب مكتبك الأيسر، إذا شئت، ولكن ضع كتابك المقدس على الجانب الأيمن، وحده بمفرده، وبينه وبينها كلها مسافة، فهناك فعلاً مسافة كبيرة تفصل هذا الكتاب الواحد عنها كلها فصلاً كاملاً للأبد. إنها مسافة حقيقية، لا يمكن أن يقام عليها جسر (كوبري) من أي علم أو فكر ديني».

والكتاب المقدس فريد يختلف عن كل الكتب الأخرى في المجالات التالية وكثير غيرها:

أولاً - فريد في ترابطه:

  1. فقد كتب في فترة بلغت نحو 1600 سنة.

  2. في فترة أكثر من ستين جيلاً.

  3. كتبه أكثر من أربعين كاتباً، من كل مسالك الحياة، منهم الملك والفلاح والفيلسوف والصياد والشاعر والحاكم والعالم.. الخ، فمنهم:

    موسى القائد السياسي الذي تلقّى تعليمه في الجامعات المصرية.

    وبطرس الصياد.

    وعاموس راعي الغنم.

    ويشوع القائد العسكري.

    ونحميا رجل البلاط الملكي.

    ودانيال رئيس الوزراء.

    ولوقا الطبيب.

    وسليمان الملك.

    ومتى جابي الضرائب.

    وبولس رجل الدين.

  4. وقد كُتب في أماكن مختلفة:

    كَتب موسى في الصحراء.

    وإرميا في جب السجن المظلم.

    ودانيال على جانب التل أو في القصر.

    وبولس داخل السجن.

    ولوقا وهو مسافر.

    ويوحنا في جزيرة بطمس.

    وآخرون في أرض المعارك.

  5. وكُتب في أزمنة مختلفة:

    كتب داود في وقت الحرب.

    وسليمان في وقت السلم.

  6. وكُتب في أحوال نفسية مختلفة:

    كتب البعض في قمة أفراحهم، وآخرون في عمق أساهم وفشلهم.

  7. كُتب من ثلاث قارات.

    آسيا وأفريقيا وأوروبا.

  8. وكتب بثلاث لغات:

    العبرية وهي لغة العهد القديم، وتُدعى في 2 ملوك 18: 26-28 اللسان «اليهودي» وتُدعى في إشعياء 19: 18 «لغة كنعان».

    والأرامية، وقد كانت هي اللغة الشائعة في الشرق الأوسط إلى أن جاء الإسكندر الأكبر (من القرن السادس إلى القرن الرابع ق.م)

    أما اليونانية، لغة العهد الجديد، فكانت اللغة الدولية في زمن المسيح.

  9. أما موضوعاته فقد حوَتْ مئات المسائل الجدلية، التي تثير الخلافات الفكرية، وتستحق المناقشة.. غير أن كل كُتَّاب الكتاب المقدس تحدثوا عن كل هذه المسائل بإتفاق كامل، وبترابط شديد، من التكوين للرؤيا، إذ شرحوا «فداء الله للإنسان». وقد قال أحد المؤلفين: «الفردوس المفقود في التكوين يصبح الفردوس المردود في سفر الرؤيا. ويُغلق باب طريق شجرة الحياة في التكوين، ولكنه يُفتح للأبد في الرؤيا» (3). ويقول كاتب آخر: «أي جزء في الجسم الإنساني لا يمكن فهمه إلا في نور إرتباطه بالأجزاء الأخرى، وهكذا لا يمكن فهم جزء من الكتاب المقدس إلا في نور إرتباطه ببقية الأجزاء». ثم يمضي الكاتب نفسه ليقول: «يبدو الكتاب المقدس للوهلة الأولى إنه مجموعة كتابات أدبية يهودية، ولكن لو فكرنا في الظروف التي كُتبت فيها تلك الكتابات لوجدنا إنها كُتبت على مدى 1400 سنة أو نحوها، من بلاد مختلفة امتدت رقعتها من إيطاليا في الغرب إلى العراق وربما إيران في الشرق».

    وكان الكُتّاب من جنسيات مختلفة، تفصلهم عن بعضهم مئات الأميال ومئات السنوات، كما كانوا من مختلف مسالك الحياة. كان منهم الملوك والرعاة والجنود والمشرعّون والصيادون ورجال دولة وكهنة وأنبياء وصانعو خيام وأطباء... وغيرهم ممن لا نملك عنهم معلومات كافية. أما الكتابات فهي من مختلف أنواع الأدب، فهناك التاريخ والقانون (المدني والجنائي والأخلاقي والديني والصحي) والشعر الديني والمقالات القصيرة والأمثال والكتابات الرمزية وتواريخ الحياة والمراسلات والمذكرات الشخصية، والكتابات النبوية. ومن هذا كله نرى أن الكتاب المقدس ليس مجموعة زهور، لأن وحدة واحدة تربطه معاً. إن مجموعة الزهور تحتاج إلى مَن ينسّقها لكن الكتاب المقدس لم ينسقه أحد سوى روح الله القدوس.

  10. خاتمة لفكرة الترابط - مقارنة مع أعظم الكتب في العالم الغربي. ذات يوم زارني في منزلي مندوب مبيعات ليبيع لي مجموعة كتب «أعظم الكتب في العالم الغربي» وعرض الكتب عليَّ وقضى خمس دقائق يتحدث عنها، فصرفت ساعة ونصف الساعة أحكي له أعظم الكتب! ولقد تحديته أن يأخذ كتابات عشرة مؤلفين فقط، من مسلك واحد، ومن جيل واحد ومكان واحد ومزاج واحد وقارة واحدة ولغة واحدة، في موضوع جدلي واحد (الكتاب المقدس يتكلم عن مئات المواضيع في انسجام كامل). ثم سألته: «هل يتفق أولئك الكتَّاب» فأجاب بالنفي.

    وسألته: «وماذا ستجد؟» فقال «خليطاً». وبعد يومين سلَّم مندوب المبيعات هذا حياته للمسيح (موضوع الكتاب المقدس).

    فلماذا كل هذا؟ الإجابة بسيطة! أي شخص يفتش بإخلاص عن الحق سيعتبر الكتاب المقدس كتاباً فريداً.

ثانياً - فريد في توزيعه:

أقدم هنا الأرقام التي أذاعتها جمعية الكتاب المقدس، وهي مأخوذة عن مجموعة من الكتب العالمية مثل الموسوعة البريطانية والأمريكية.. الخ.

لقد قُرئ الكتاب المقدس، وتمت ترجمته إلى لغات أكثر من أي كتاب آخر، كما أن النسخ التي أنتجت منه كله، أو من أجزاء منه، فاقت إنتاج أي كتاب آخر في التاريخ. قد يجادل البعض أن كتاباً ما وُّزع منه - في شهر ما - أكثر من الكتاب المقدس في ذلك الشهر، ولكن الكتاب المقدس مستمر في التوزيع. ولقد كان أول كتاب كبير يُطبع هو الكتاب المقدس في ترجمة الفولجاتا اللاتينية وطبع في مطبعة جوتنبرج (4). قال أحدهم أن جمعية الكتاب المقدس، منذ ثلاثين عاماً، اضطرت أن تطبع منه نسخة كل ثلاث ثوان، ليلاً ونهاراً، و1369 نسخة كل ساعة ليلاً ونهاراً، و 32876 نسخة كل يوم في السنة. ومن الممتع أن نلاحظ أن هذه الكتب إن وُضعت في 4583 صندوقاً تزن 490 طناً (5). ولم يحدث لكتاب في التاريخ أن وزع بهذه الكمية، باستمرار. وقد يقول معارض: «هذا لا يبرهن أن الكتاب المقدس هو كلمة الله!» ولكن هذا يبرهن أن الكتاب المقدس كتاب فريد.

ثالثاً - فريد في ترجمته:

هو أول كتاب تُرجم، فقد ترجمت النسخة السبعينية، من العبرية لليونانية عام 250 ق.م. (6). واستمرت ترجمات الكتاب المقدس منذ ذلك التاريخ! قالت الموسوعة البريطانية (المنشورة عام 1970) إن الكتاب المقدس حتى عام 1966 كان قد تُرجم كله إلى 240 لغة ولهجة، كما تُرجم سفر كامل منه أو أكثر إلى 739 لغة أخرى، ونُقلت أجزاء منه إلى 1280 لغة ولهجة. كما قالت الموسوعة إن ثلاث آلاف مترجم كانوا يعملون في ترجمة الكتاب المقدس بين عامي 1950 و 1960.

أما في سنة 1984 فكان الكتاب المقدس قد وصل إلى 1808 لغة ولهجة. ولم يفقد الكتاب المقدس شيئاً في ترجمته، فمعجزته معجزة معنى ومحتوى ورسالة. إنه إعلان محبة الله للبشر.

رابعاً - فريد في بقائه:

  1. بقي خلال الزمن. لقد كُتب على مواد قابلة للفناء (طالع بداية الفصل القادم)، وكان يجب أن يُنقل بخط اليد على مدى المئات من السنين قبل اختراع المطابع، ولكن هذا لم ينقص من أسلوبه أو صحته أو بقائه. وتوجد اليوم مخطوطات قديمة من الكتاب المقدس تزيد عن المخطوطات الموجودة لعشرة كتب من الروائع القديمة مجتمعة معاً (طالع الفصل الرابع). وقال أحد الكتَّاب: «هناك ثمانية آلاف مخطوطة للفولجاتا اللاتينية، وعلى الأقل ألف مخطوطة من ترجمات أخرى. وهناك أربعة آلاف مخطوطة باليونانية و 13 ألف مخطوطة لأجزاء من العهد الجديد. فضلاً عن أجزاء بكاملها من العهد الجديد يمكن تجميعها من الاقتباسات المأخوذة عن كتابات المسيحيين الأولين» (7). ولو أننا نظرنا باستخفاف إلى هذا السيل من المخطوطات القديمة لتركنا الكتابات الكلاسيكية القديمة كلها تضيع هباء.

    قال أحد الدارسين: «حافظ اليهود على مخطوطات الكتاب كما لم يحدث مع أي مخطوطة أخرى. لقد حافظوا على شكل وعدد كل حرف ومقطع وكلمة وفقرة. وكانت عندهم طبقة خاصة من الناس متخصّصون في نسخ هذه المخطوطات بكل أمانة ودقة، هم جماعة «الكتبة». فأي شخص أحصى حروف ومقاطع وكلمات كتابات أفلاطون أو أرسطو أو شيشرون أو سنيكا؟. أما في العهد الجديد فعندنا 13 ألف مخطوطة كاملة أو ناقصة، باليونانية وبلغات أخرى. ولم يحدث لأي عمل قديم أن لقي هذا الاهتمام أو الحفظ» (8).

    في مقال لمجلة «نورث أمريكان ريفيو» نشر أحدهم مقارنة ممتعة بين كتابات شكسبير والكتاب المقدس، أوضح فيها أن الكتاب لا بد لقي إهتماماً خاصاً يفوق كل اهتمام لقيه أي كتاب آخر. وقال أنه من الغريب أن نصوص شكسبير التي صدرت منذ 208 سنة فقط بها الكثير من المشكوك فيه ومما تناوله التغيير، بينما العهد الجديد الذي عمّر أكثر من 18 قرنا (عاش خمسة عشر قرناً منها في مخطوطات خطية) ليس به هذا العيب. إن كل نصوص العهد الجديد (باستثناء إثنتي عشرة أو عشرين آية) مضبوطة تماماً بإجماع العلماء. ويدور الاختلاف في القراءات حول تفسير الكلمات (المعنى) لا حول الكلمات نفسها. هذا بينما نجد في كل رواية من روايات شكسبير السبع والثلاثين نحو مئة قراءة مختلف عليها، يؤثر الكثير منها على المعنى المقصود (5).

  2. لقد بقي خلال الإضطهادات العنيفة، إذ لم يلق كتاب آخر مثلما لقيه الكتاب المقدس من إضطهاد. حاول كثيرون أن يحرقوه ويمنعوه منذ أيام أباطرة الرومان حتى الحكم الشيوعي في العصر الحاضر. وقال الملحد الفرنسي المشهور فولتير (توفي عام 1778) إنه بعد مائة سنة من وقته ستكون المسيحية قد أمّحت وصارت تاريخاً. ولكن ماذا حدث؟ لقد صار فولتير في ذمة التاريخ وزاد توزيع الكتاب المقدس في كل جزء من العالم، يحمل البركة أينما وجد. فمثلاً بنيت الكاتدرائية الإنكليزية في زنزبار على موقع سوق العبيد القديم. ووضعت مائدة العشاء الرباني فوق البقعة التي كان العبيد يجلدون فيها. وهناك الكثير من هذه الحالة. إن وضع أكتافنا في عجلة لنمنع دوران الشمس أسهل من أن نوقف توزيع الكتاب المقدس. ولم تمضِ خمسون سنة على وفاة فولتير حتى استعملت جمعية جنيف للكتاب المقدس مطبعته ومنزله لنشر الكتاب المقدس! (1).

    في عام 303 م أصدر دقلديانوس أمراً بالقضاء على المسيحية وكتابها المقدس، بإحراق الكنائس، والكتب المقدسة، وحرمان كل مسيحي من الحقوق المدنية. ولكن الامبراطور الذي خلفه على العرش كان قسطنطين الذي أوصى يوسابيوس بنسخ خمسين نسخة من الكتاب المقدس على نفقة الحكومة.

    إن الكتاب فريد في بقائه، لا يسنده في هذا البقاء إلا ما جاء فيه والاعلان الذي جاء به، لانه من عند الله. وهذا يعني أنه يقف متفرداً بين كل الكتب، وعلى كل باحث عن الحق أن يدرس هذا الكتاب الفريد الذي يتميز بهذه الصفات.

  3. بقي بالرغم من النقد. حاول الملحدون على مدى ثمانية عشر قرناً أن يلقوا بالكتاب جانباً، لكنه بقي كصخرة صامدة، زاد توزيعه، وزاد حب الناس له، لم يؤثر في نقد النقاد كما لا يؤثر خبط مطرقة صغيرة في بناء الهرم. عندما حاول الملك الفرنسي أن يضطهد المسيحيين في دولته قال له محارب قديم من رجال الدولة: «يا سيدي، إن كنيسة اللّه هي السندان الذي أبلى كل المطارق». ولقد حاولت مطارق كثيرة إيذاء الكتاب المقدس، فبليت هي وبقي هو! ولو لم يكن هذا هو كتاب الله لدمّره البشر منذ زمن طويل. لقد حاول ملوك وبابوات، وأباطرة وكهنة، وأمراء وحكام أن يمدوا أيديهم إليه بالأذى، فماتوا هم، وبقي هو حياً (5) لقد أعلن البعض، آلاف المرات، موت الكتاب، ورتبوا جنازته، وجهزوا شاهد قبره، لكن الكتاب ظل حيّاً، ولم يحدث أن كتاباً آخر لقي كل هذه الغربلة والطعنات، فأي كتاب من كتب الفلسفة أو المذكرات لقي ما لقيه الكتاب المقدس من تجريح، على كل آية فيه.. ولكن الكتاب بقي محبوباً من الملايين، يقرأه الملايين ويدرسه الملايين، لانه يملأ إحتياجات الملايين.

    وقد جاءت موجة ما سمي «بالنقد العالي» للكتاب، ولكنها سقطت الآن. قالوا مثلاً إن موسى لم يكتب الاسفار الخمسة، لأن الكتابة لم تكن معروفة زمن موسى، فلا بد أن الكاتب جاء بعد زمن موسى. بل إن النقاد قسموا كل آية إلى ثلاثة أجزاء، وعزوا كل جزء إلى كاتب معين، وهكذا بنوا ما دعوه «النقد العالي»!

    ولكن العلم اكتشف شريعة حمورابي، الذي كان سابقاً لموسى، وسابقاً لإبراهيم (2000 ق.م) فكانت الكتابة قبل موسى بثلاثة قرون على الأقل، ولا زال العلماء يدرسون «النقد العالي» ولكن باعتبار أنه نظرية خاطئة.

    ومضى النقاد يقولون إن أسوار أريحا لم تسقط في مكانها كما ورد في يشوع 6: 20. ولكن الحفريات برهنت صدق القصة الكتابية وقال النقاد إنه لم يكن هناك شعب إسمه «الحثيون» لأننا لم نجد لهم مكاناً في التاريخ العالمي، ولكنهم كانوا مخطئين، فقد كشفت الحفريات عن مئات الإشارات إلى الحضارة الحثية التي استمرت نحو 1200 عام. وقد قال العالم اليهودي نلسون جليك (يعتبر أحد أعظم ثلاثة علماء للحفريات): «لقد اتهموني أني أعلّم بالوحي الحرفي الكامل للكتب المقدسة وأحب أن أقول إنني لم أقل هذا. ولكني لم أجد في كل بحوثي في الحفريات ما يناقض أي عبارة من كلمة الله» (9).

    لقد وقف الكتاب وقفة فريدة في وجه النقّاد، لم يثبت كتاب آخر غيره في مثل هذا الموقف كما ثبت هو. وكل من يفتش عن الحق عليه أن يدرس هذا الكتاب ليجده فوق كل نقد!.

خامساً: فريد في تعاليمه:

  1. فريد في تعاليمه النبوية. قال ولبر سميث، الذي قرأ بضعة آلاف من الكتب، إن هناك اتفاقاً عاماً على أن هذا الكتاب أعظم ما كتب خلال الخمسة آلاف سنة، فهناك نبوات متعددة عن الناس والدول والمدن، وعن مجيء شخص هو «المسيّا». ولقد كان عند الأقدمين طرق مختلفة لمعرفة المستقبل، ولكننا لا نجد في كل الآداب اليونانية أو اللاتينية (رغم أنهم يستعملون كلمة نبي ونبوة) أية نبوة هامة صادقة حدثت تاريخياً، كما لا نجد بها أي نبوة عن المخلص الآتي لينقذ العالم (10).

  2. فريد في تاريخه. من سفر صموئيل الاول إلى سفر أخبار الايام الثاني نجد تاريخ بني إسرائيل عبر نحو خمسة قرون، فقد كان اليهود عباقرة في تسجيل تاريخهم، كما أن العهد القديم هو أقدم وثيقة تاريخية. ويقول ولبر سميث: «تعلو الأمة اليهودية على سائر الأمم في تسجيل تاريخها بوضوح معطية سلسلة الأنساب. ونحن لا نجد في كتابات مصر أو بابل أو أشور أو فينيقية أو روما أو اليونان أي شيء مشابه، كما لا نجد ذلك في كتابات الألمان أو الهنود أو الصينيين. فإن هؤلاء جميعاً لا يعطون سلسلة نسب الملك قبل أن يتولى المملكة، ولا يذكرون أن جدوده كانوا رعاة أو من أهل البادية الرحّل. وقد ذكر الأشوريون أن حكامهم الأولين، الذين لم يوردوا أية تفصيلات عن أعمالهم أو عن حياتهم، كانوا من سكان الخيام، ولكنهم أغفلوا ذكر: من أين جاءوا!»(10).

  3. فريد في شخصياته. قال أحدهم عن الكتاب: «ليس الكتاب المقدس كتاباً يقدر إنسان أن يكتبه لو شاء، أو يريد أن يكتبه لو أنه قدر». ذلك أن الكتاب يذكر خطايا أبطاله وعيوبهم. إقرأ سير حياة إنسان اليوم، وانظر كيف يحاول الكاتب تغطية عيوب البطل، متغافلاً عن النواحي الضعيفة فيه. إنهم يصّورون الناس كالقديسين. ولكن الكتاب المقدس لا يفعل ذلك. إنه ببساطة يذكرها كما هي:

    إدانة خطايا الناس (التثنية 9: 24).

    خطايا الآباء الأقدمين (تكوين 12: 11-13، 4: 5-7).

    يسجل كتاب الاناجيل عيوبهم وعيوب الرسل (متى 26: 31-56، 8: 10-26، يوحنا 10: 6، 16: 32، مرقس 6: 52، 8: 18، لوقا 8: 24، 25، 9: 40-45).

    كما يسجلون عيوباً في الكنيسة (1 كورنثوس 1: 11،5: 1،2 كورنثوس 2: 4-الخ).

    ويسأل البعض: لماذا يورد الكتاب قصة خطية داود مع بثشبع؟ والجواب: أنه يحكي جوانب القوة كما يحكي جوانب الضعف! إنه يروي الحقيقة كما هي، الأمر الذي يكشف لنا أنه لم يمشِ على أرضنا شخص كامل واحد إلا المسيح ابن مريم!

سادساً - فريد في تأثيره على الأدب:

قال أحد الافاضل: «لو أن كل نسخة من الكتاب المقدس أبيدت، لأمكن استرداد كل الأجزاء الهامة من الكتاب المقدس من الإقتباسات المأخوذة منه في كتب مكتبة المدينة! وهناك كتب كثيرة توضح كيف تأثر أعظم الأدباء بالكتاب المقدس».

قال المؤرخ فيليب شاف، يصف تفرد المسيح: «يسوع الناصري هذا، بدون سلاح ولا مال، هزم ملايين من الناس أكثر ممن هزمهم الإسكندر وقيصر ونابليون وغيرهم. وألقى ضوءاً على الأمور الأرضية والسماوية أكثر مما فعل كل الفلاسفة والمعلمين مجتمعين!»

وفي عبارات بسيطة تحدث بكلمات الحياة التي لم ينطق أحد بمثلها، لا قبله ولا بعده، وترك تأثيراً لا يدانيه فيه خطيب ولا شاعر. وبدون أن يكتب سطراً واحداً أوحى لكثيرين ليكتبوا، وأعطى أفكار آلاف المواعظ والخطب والمناقشات والمؤلفات وأعمال الفن والترانيم التي سطرها عظماء الرجال في الماضي والحاضر.

وقال كاتب آخر: «منذ عصر الرسل وحتى عصرنا الحاضر نرى نهراً متدفقاً من الأدب الذي أوحى به الكتاب المقدس، فهناك قواميس الكتاب وموسوعات الكتاب، وفهارس الكتاب، وأطالس الكتاب، ومعاجم الكتاب وجغرافية الكتاب. وهناك آلاف الكتب التي تدور حول اللاهوت والتربية المسيحية والترانيم والمرسليات ولغات الكتاب وتاريخ الكنيسة والشخصيات الدينية والكتابات التعبدية والتفاسير وفلسفة الدين.. وغير ذلك من المؤلفات التي لا تعد ولا تحصى» (5).

وقال كنث لاتوريت المؤرخ المسيحي العظيم: «من براهين عظمة يسوع وتأثيره الخارق على البشر جميعاً، أن هذه الحياة التي لم يعش مثلها أحد على كوكبنا قد أنتجت مجلدات من الإنتاج الأدبي وسط كل الشعوب وبكل اللغات، ولا زال السيل ينهمر دون توقف» (11).

والخاتمة واضحة:

إن ما قلناه هنا لا يبرهن صحة الكتاب المقدس، لكنه يبرهن تفرد الكتاب عن كل ما عداه من كتب. وقد قال لي أحد الأساتذة: «لو أنك ذكي أريب لقرأت الكتاب الواحد الذي جذب أعظم الإنتباه، إن كنت تفتش عن الحق».

ملحوظة:

كان الكتاب المقدس أول كتاب ديني يؤخذ إلى الفضاء الخارجي، مصوراً على الميكروفيلم. وهو أول كتاب قرئ هناك، فهو يصف مصدر الارض. فقد قرأ رجال الفضاء تكوين 1: 1 «فِي ٱلْبَدْءِ خَلَقَ ٱللّٰهُ».. ولكن تأمل كيف قال فولتير إنه لن يأتي عام 1850 إلا ويختفي الكتاب المقدس.

ويمكن أن تقول إن هذا أغلى كتاب، فقد بيعت النسخة من ترجمة الفولجاتا اللاتينية التي طبعها جوتنبرج بمبلغ مائة ألف دولار، وباع الروس نسخة قديمة من الكتاب المقدس (النسخة السينائية) لبريطانيا بمبلغ 510 ألف دولار.

وقد كانت أطول برقية في العالم هي نص العهد الجديد (في الترجمة الانكليزية المعروفة بالترجمة المنقحة Rv) التي أرسلت من نيويورك إلى شيكاغو (5).

الفصل الثاني: كيف كتب الكتاب المقدس؟

يتساءل الكثيرون عن خلفية الكتاب المقدس وأقسامه والمواد التي استعملت في إنتاجه. ونقدم للقارئ هنا بعض المعلومات التي تساعد على فهم ذلك، ليزيد تقديره لكلمة الله.

أولا - المواد المستعملة في كتابة الكتاب المقدس:

1 - مواد الكتابة:

  1. ورق البردي - لم نستطع الحصول على كل المخطوطات القديمة من الكتاب المقدس، لأنها كانت مكتوبة على مواد تبلى، معظمها من ورق البردي المصنوع من نباتات البردي التي كانت تنمو في المياه المصرية الضحلة. وكانت السفن الكبيرة المحملة بالبردي تصل إلى ميناء بيبلوس السوري، ومنها جاءت الكلمة اليونانية «بيبلوس» بمعنى «كتب». كما أن الكلمة الانكليزية «Paper» التي تعني «ورق» تجيء من الكلمة اليونانية التي تعني «البردي».

    أما طريقة صنع ورق البردي فكانت بقَطْع شرائح طولية رفيعة من نبات البردي، ودقها ثم لصق طبقتين منها على بعضهما، طبقة بالطول والأخرى مستعرضة عليها، وتوضع في الشمس لتجف، ثم ينعّمون سطحها بحجر أو بغير ذلك من المواد. وكان ورق البردي من تخانات مختلفة، بعضها رقيق جداً. وترجع أقدم أنواع ورق البردي الموجودة الآن إلى سنة 2400 ق.م. ولا يمكن لمخطوطات الكتاب المقدس المصنوعة من ورق البردي أن تعمر طويلاً، إلا إذا كانت محفوظة في أماكن جافة، كصحاري مصر أو كهوف وادي قمران حيث اكتشف مخطوطات البحر الميت. وقد استمر ورق البردي في الاستعمال حتى القرن الثالث بعد الميلاد.

  2. الرقوق - وهي من جلود الماعز والأغنام والغزلان والحيوانات الأخرى، بعد نزع الشعر عنها ومسحها لتصير صالحة للكتابة عليها. ويشتق إسم «الرقوق» في اللاتينية من مدينة «برغامس» في آسيا الصغرى، التي اشتهرت بعمل الرقوق.

  3. الرق - وهو إسم جلد العجل الذي كانوا يصبغونه باللون الارجواني ويكتب عليه باللون الفضي أو الذهبي. وتوجد اليوم مخطوطات قديمة منه ترجع إلى عام 1500 ق.م.

  4. وهناك مواد أخرى للكتابة مثل الفخار الذي كثر وجوده في مصر وفلسطين. وقد ترجمت الكلمة في الكتاب المقدس «شقفة» (أيوب 2: 8) كما كانوا يكتبون على الأحجار بقلم من حديد. كما كانوا يكتبون على اللوحات الطينية بأدوات حادة، ثم يجففونها لتظل سجلاً باقياً (إرميا 17: 13 وحزقيال 4: 1). وكانت هذه أرخص وسيلة، وأبقاها على الزمن. كما كانوا يكتبون بقلم معدني على ألواح خشبية مغطاة بالشمع.

2 - أدوات الكتابة

  1. قلم من حديد للحفر على الحجر.

  2. قلم معدني مثلث الجوانب مسطح الرأس للكتابة على لوحات الطين أو الشمع.

  3. القلم المصنوع من الغاب وطوله من ست إلى ست عشرة بوصة له سن كالإزميل. وقد استعمله أهل ما بين النهرين. أما اليونانيون فقد استخدموا الريشة في القرن الثالث ق.م. (أرميا 8: 8).

  4. الحبر وكان يصنع من الفحم والصمغ والماء.

ثانياً - أشكال الكتب القديمة.

  1. الدرج الذي يصنعونه من لصق صفحات من ورق البردي ببعضها ثم يطوونها على خشبة أو عصا. وكانوا يكتبون على جانب واحد من الورق. وكانوا أحياناً يكتبون على جانبي الورق (رؤيا 5: 1). وكانت الأطوال تختلف. فقد وجد درج طوله 144 قدماً. ولكن متوسط الطول كان من 20-35 قدماً. وقد قال كاليماخوس أمين مكتبة الاسكندرية «إن الكتاب الكبير مجلبة للتعب»

  2. الكتاب - لتسهيل القراءة كانوا يضعون أوراق البردي على بعضها ويكتبون عليها من الجهتين. وقد قال جرينلي أن المسيحية كانت الدافع الأساسي لتطوير شكل الكتاب إلى الشكل الذي نراه اليوم. وقد ظل المؤلفون يكتبون على «الدرج» حتى القرن الثالث م.

ثالثاً - أنواع الكتابة:

  1. الكتابة المنفصلة وفيها تكتب الحروف الكبيرة منفصلة عن بعضها. ومخطوطتا الكتاب المقدس المعروفتان بالفاتيكانية والسينائية، من هذا النوع.

  2. الكتابة المشبّكة التي تكتب فيها الحروف صغيرة مترابطة. وقد بدأ استعمال الحروف المشبّكة في القرن التاسع الميلادي.

وقد كتبت المخطوطات العبرية واليونانية بدون فواصل بين الكلمات كما أن التشكيل في العبرية بدأ في القرن التاسع الميلادي. ولم يخلق هذا صعوبة بالنسبة للكتابة اليونانية، لأنها تنتهي عادة بحروف خاصة معروفة بالدفثنج. كما أن الناس كانوا معتادين على قراءة هذا النوع من الكتابة، وكانوا يقرأونه عادة بصوت عال حتى لو كانوا منفردين!

رابعاً - أقسام الكتاب المقدس:

  1. الاسفار - (إنظر الفصل الثالث)

  2. الاصحاحات - جرى أول تقسيم للأسفار الخمسة الأولى عام 586 ق.م.، إذ قسمت إلى 154 جزءاً لتسهيل قراءتها مرة كل ثلاث سنوات. وبعد ذلك بخمسين سنة قسمت إلى 54 قسماً، كل قسم منها قسم إلى 669 جزءاً لتسهيل الرجوع إلى الآيات.

    أما اليونانيون فقد قسموا الكتاب إلى أجزاء عام 250 م. وكانت أول محاولة لتقسيم الاسفار إلى أصحاحات عام 350 م. على هامش النسخة الفاتيكانية، ولم تتغير هذه الاقسام حتى القرن الثالث عشر، عندما قسم الاسفار إلى أصحاحاتها المعروفة حالياً ستيفن لانجتن الاستاذ بجامعة باريس الذي أصبح فيما بعد رئيس أساقفة كنتربري.

  3. الاعداد - أول تقسيم مقبول في العالم كله حدث عام 900 م تقريباً. وكانت الترجمة اللاتينية المعروفة بالفولجاتا أول مخطوطة يتم فيها التقسيم إلى أصحاحات وإلى أعداد في العهدين القديم والجديد.

الفصل الثالث: الأسفار القانونية

الأسفار القانونية هي الكتب التي نستقي منها قوانين إيماننا (على حد تعريف القديس أوريجانوس) وهي الأسفار التي قبلتها الكنيسة كالكتب الموحى بها من الله. وقانونية الأسفار لم تقررها الكنيسة ولكنها قبلتها واعترفت بها، لأن الله هو الذي أوحى بها وأعطاها.

أولاً - مقياس قانونية السفر:

كانت هناك خمسة مقاييس لتقرير قبول أي سفر، وهي:

  1. هل بالسفر سلطان؟ هل جاء من الله وهل حوى عبارة «هكذا قال الرب»؟

  2. هل السفر نبوي، كتبه أحد رجال الله؟

  3. هل السفر موثوق به؟ (وقد قال الآباء: لو خامرك الشك في سفر فالقه جانباً).

  4. هل السفر قوي؟ هل فيه قوة إلهية قادرة على تغيير الحياة؟

  5. هل قبل رجال الله السفر وجمعوه وقرأوه واستعملوه؟ مثلاً: اعترف بطرس بكتابات الرسول بولس باعتبارها مساوية لكتابات العهد القديم (2 بطرس 3: 15،16)

ثانياً - قانونية العهد القديم:

  1. انتهى نظام تقديم الذبائح اليهودية بتدمير الهيكل عام 70 م وتشتت اليهود، فأصبحوا في حاجة إلى تحديد الأسفار الموحى بها من الله، لكثرة الكتب التي كانت بين أيديهم، وهكذا صار اليهود أهل الكتاب الواحد الذي يجمعهم جميعاً.

    وبدأت المسيحية تزدهر وتنتشر، فانتشرت معها كتابات مسيحية مختلفة أراد اليهود أن يستبعدوها من القراءة في مجامعهم. ولذلك قسم اليهود كتبهم إلى الأقسام التالية:

    Table 1. 

    الشريعة (التوراة) الكتب (الكتوبيم)    
    1 - التكوين(ا) الكتابات الشعرية    
    2 - الخروج1 - المزامير    
    3 - اللاويين 2 - الأمثال    
    4 - العدد3 - أيوب    
    5 - التثنية(ب) المخطوطات الخمس    
    الانبياء (النبيئيم)1 - نشيد الأنشاد    
    (ا) الانبياء الاولون2 - راعوث    
    1 - يشوع 3 - المراثي    
    2 - قضاة 4 - أستير    
    3 - صموئيل5 - الجامعة    
    4 - الملوك     
    (ب) الانبياء المتأخرون(ج) الكتب التاريخية    
    1 - إشعياء1 - دانيال    
    2 - إرميا 2 - عزرا- نحميا    
    3 - حزقيال3 - أخبار الايام    
    4 - الإثنا عشر     

    ومع أن هذه الأسفار هي بعينها التي لدى المسيحيين، إلا أن عدد الأسفار يختلف، فقد قسموا كلاً من صموئيل والملوك وأخبار الأيام إلى قسمين: كما أن اليهود يعتبرون الأنبياء الصغار سفراً واحداً. وترتيب الأسفار يختلف، فإن المسيحيين يقسمون الأسفار تقسيماً موضوعياً.

  2. المسيح يشهد لقانونية أسفار العهد القديم:

    تحدث المسيح مع تلاميذه في العلية أنه «لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَٱلأَنْبِيَاءِ وَٱلْمَزَامِيرِ» (لوقا 24: 44). وفي هذا نرى الاقسام الرئيسية الثلاثة للعهد القديم: الناموس والانبياء والكتب (التي يدعوها هنا «المزامير» لأنه السفر الأول والأطول فيها).

    وفي يوحنا 10: 21-36 ولوقا 24: 44 اعترض المسيح على تقاليد الفريسيين الشفوية (راجع مرقس 7 ومتى 15)، ولم يعترض مطلقاً على الاسفار القانونية.

    وفي لوقا 11: 51 (وأيضاً متى 33: 35) «مِنْ دَمِ هَابِيلَ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا» وهنا يشهد المسيح بقانونية جميع أسفار العهد القديم، فهابيل هو الشهيد الأول (تكوين 4: 8) وزكريا آخر شهيد رجم وهو يشهد في الهيكل (2 أخبار أيام 24: 21) وفي أسفار اليهود نجد أن سفر التكوين هو السفر الأول، وأخبار الايام هو السفر الأخير. وكأنه يقول: «من التكوين إلى ملاخي» «بالنسبة لترتيب أسفار العهد القديم كما هي بين أيدينا الآن»

  3. أقدم شهادة عن أقسام العهد القديم الثلاثة نجدها من عام 130 ق.م. في مقدمة لسفر حكمة يشوع بن سيراخ، حيث يقول الكتاب: «الناموس والأنبياء وكتب الآباء الأخرى». وكتب المؤرخ يوسيفوس في نهاية القرن الأول المسيحي: «منذ أرتحشستا إلى وقتنا تسجل كل شيء، ولكن هذه السجلات لم تحظَ بالثقة التي حظيت بها السجلات القديمة، لأن سلسلة الانبياء توقفت. ولكن الإيمان الذي وضعناه في كتاباتنا يتّضح من سلوكنا، فإنه بالرغم من مرور الوقت الطويل لم يجرؤ أحد أن يضيف عليها شيئاً أو أن يحذف منها شيئاً أو يغير منها شيئاً». وقول يوسيفوس: «من وقت أرتحشستا» يشير إلى وقت كتابة السفر الأخير، الذي هو ملاخي، لأنه رغم أن اليهود يضعون سفر أخبار الايام في الآخر، إلا أن آخر ما كتب من الاسفار هو سفر ملاخي.

وقد جاءت الفكرة نفسها في التلمود، فيقول: «أن الاناجيل وسائر كتابات الهراطقة لا تنجس الأيدي. إن كتب ابن سيراخ وكل ما تلاها من كتابات ليست قانونية». وجاء به أيضاً: «حتى هذه النقطة (زمن الإسكندر الأكبر) تنبأ الانبياء بالروح القدس. ومن هذا الوقت فصاعداً أمِلْ أذنك واصغَ إلى أقوال الحكماء». ويقول التلمود البابلي: «بعد كتابات الانبياء الأخيرين حجي وزكريا وملاخي، فارق الروح القدس إسرائيل».

وقد سجل مليتو أسقف ساردس أقدم سجل لأسفار العهد القديم القانونية، يرجع تاريخه إلى عام 170 م، يقول إنه حصل على هذه الوثيقة الأكيدة في أثناء زيارته لسوريا. وقد كتب هذه الاسماء في رسالة بعث بها إلى صديقه أنسيميوس يقول: «أسماء الاسفار هي.. كتب موسى الخمسة: التكوين - الخروج - اللاويين - العدد - التثنية - يشوع بن نون - القضاة - راعوث. أربعة كتب للمملكة - اثنان لأخبار الايام - مزامير داود - أمثال سليمان (تسمى أيضاً الحكمة) - الجامعة - نشيد الأنشاد - أيوب. ومن الانبياء: أشعياء - أرميا - الإثنا عشر في كتاب واحد - دانيال - حزقيال - عزرا».

ونلاحظ أن مليتو أدمج المراثي مع أرميا، ونحميا مع عزرا (رغم غرابة وضعه سفر عزرا مع الانبياء). وهو يورد كل أسماء أسفار العهد القديم القانونية مرتبة بالنظام الذي جاءت به في الترجمة السبعينية، ما عدا سفر أستير، ولعله لم يكن موجوداً في الجدول الذي أخذه عن الأشخاص الذين جمع منهم مليتو معلوماته في سوريا. أما الاقسام الثلاثة الرئيسية للنص اليهودي، فهي مأخوذة من «المِشْنا».

ويشهد العهد الجديد لقانونية أسفار العهد القديم شهادة شاملة. راجع:

متى 21: 42، 22: 29، 26: 54 و 56

لوقا 24

يوحنا 2: 22-26، 5: 39، 10: 35

أعمال 17: 2 و 11، 18: 28

رومية 1: 2، 4: 3، 9: 17، 10: 11، 11: 2، 15: 4، 16: 26

1 كورنثوس 15: 3 و 4

غلاطية 3: 8، 3: 22، 4: 30

1 تيموثاوس 5: 18

2 تيموثاوس 3: 16

2 بطرس 1: 20 و 21، 3: 16

«كما قال الكتاب» (يوحنا 7: 38) بدون تحديد فلا بد أنها إشارة إلى وحدة جميع أسفار الكتاب المقدس.

مؤتمر «جامنيا» Jamnia:

قد يقول قائل: «بالطبع قصة القانونية معروفة. لقد اجتمع بعض القادة وقرروا أي الكتب نافعة لهم، ثم دفعوا أتباعهم إلى قبولها». ولكن هذا أبعد ما يكون عن الصواب! فقد جرت مناقشات بين علماء الدين اليهود بعد سقوط أورشليم عام 70 م. قام أحد العلماء من مدرسة هليل، من طائفة الفريسيين، إسمه يوحانان بن زكاي، وحصل على تصريح من الرومان بإعادة تشكيل السنهدريم على أساس روحي في جامنيا (تقع بين يافا وأشدود) وقد وصلتنا بعض المناقشات التي جرت في جامنيا، من ضمنها مناقشة حول قانونية أسفار: «الامثال والجامعة ونشيد الأنشاد وأستير، على أساس أن سفر أستير مثلاً لم يرد فيه ذكر اسم الله، والجامعة يصعب أن يقبل أفكاره بعض المحافظين. ولكن مناقشات جامنيا انتهت بالإعتراف بالأسفار التي عندنا على أنها الكتب المقدسة».

ثالثاً - أسفار غير قانونية بالعهد القديم:

(1) الاسفار غير القانونية، المعروفة بالأبوكريفا، كانت من تسمية القديس أيرونيموس في القرن الرابع المسيحي، فهو أول من أطلق اسم الأبوكريفا على هذه الكتابات، ومعناها «الكتب المخبأة». أما أسباب رفض هذه الكتابات فهي:

  1. بها الكثير من الأخطاء التاريخية والجغرافية.

  2. تعلم عقائد خاطئة وتركز على ممارسات تخالف الأسفار المقدسة الموحى بها.

  3. تلجأ إلى أساليب أدبية. وتعرض محتوياتها المصطنعة بإسلوب يختلف تماماً عن الأسفار المقدسة الموحى بها.

  4. تنقصها المميزات التي تنفرد بها الأسفار الصادقة، كالنبوات والأحاسيس الدينية.

(2) ونقدم هنا ملخصاً لكل سفر من هذه الأسفار غير القانونية:

أسدراس (عزرا) الاول:

(نحو 150 ق.م.) يحكي عن رجوع اليهود إلى فلسطين بعد السبي البابلي، ويستمد الكاتب معلوماته من سفري الاخبار وعزرا ونحميا مع إضافة بعض الأساطير. أهم ما به قصة الحراس الثلاثة الذين كانوا يتجادلون عن أقوى ما في العالم، فقال أحدهم «الخمر» وآخر «الملك» وثالث «المرأة والحق» ووضعوا هذه الاجابات الثلاث تحت وسادة الملك، فلما وجدها دعاهم ليدافعوا عن وجهات نظرهم، ووصل الجميع إلى أن الحق هو الأقوى. ولما كان زربابل هو صاحب الاجابة الصائبة، فقد منحه الملك تصريحاً بإعادة بناء الهيكل في أورشليم، كمكافأة له.

أسدراس (عزرا) الثاني:

(نحو 100 ق.م.) وهو كتاب رؤى يحوي سبع رؤى. وقد تضايق مارتن لوثر من لخبطة هذه الرؤى حتى قال إنها يجب أن تُلقى في البحر!

سفر طوبيا:

(في مطلع القرن الثاني ق.م.) - رواية قصيرة، فريسية في نبرتها، تركز على الشريعة والاطعمة الطاهرة والغسلات الطقسية والاحسان والصوم والصلاة. وتقول إن العطاء والاحسان يكفران عن الخطية. وهذا أكبر دليل على زيفها.

سفر يهوديت:

(نحو منتصف القرن الثاني ق.م.) قصة فريسية خيالية بطلتها أرملة يهودية جميلة إسمها يهوديت. عندما حوصرت مدينتها، أخذت خادمتها ومعها طعام يهودي طاهر، وذهبت إلى خيمة القائد المهاجم، فراعه جمالها وأعطاها مكاناً في خيمته. وعندما سكر قطعت رأسه بسيفه، وغادرت المعسكر مع خادمتها ومعها الرأس في سلة، فعلقوه على سور مدينة قريبة، وهكذا انهزم الجيش الاشوري الذي أعوزته القيادة.

إضافات سفر أستير:

(نحو 100 ق.م.) «أستير» هو السفر الوحيد الذي لم يرد فيه اسم الله. ويقول إن أستير ومردخاي صاما، لكنه لم يذكر أنهما صليا. ولتعويض هذا النقص زيدت صلاة طويلة نسبت إلى الاثنين، كما زيدت رسالتان منسوبتان للملك.

حكمة سليمان:

(نحو 40 م) كُتب ليحفظ اليهود من الوقوع في الشك والمادية والوثنية. وهو يتحدث عن الحكمة باعتبارها شخصاً (كما في سفر الأمثال). وفي السفر أفكار كثيرة نبيلة.

حكمة ابن سيراخ:

(نحو 180 ق.م.) يبلغ مرتبة عالية من الحكمة الدينية، شبيه بعض الشيء بسفر الامثال، ويحوي نصائح عملية، فيقول مثلاً عن الخطاب الذي يُلقَى بعد العشاء: «تحدث باختصار، فإن ما قل دل. تصرف كإنسان يعرف أكثر مما يقول» ويقول: «استعد فيما ستقوله، فيصغي إليك الناس». وقد اقتبس جون وسلي كثيراً من هذا السفر، كما أنه يستعمل كثيراً في الدوائر الأنجليكانية.

سفر باروخ:

(نحو سنة 100 م) يقدمون السفر على أن كاتبه باروخ كاتب النبي إرميا عام 582 ق.م.، ولكنه يحاول - على الأرجح - تفسير خراب أورشليم الذي جرى عام 70 م، وهو يحض اليهود على عدم الثورة وعلى الخضوع للإمبراطور. ولكن رغم هذه الوصية قام باركوخبا بثورته على الحكم الروماني عام 132 - 135 م. ويحوي الإصحاح السادس من السفر ما يسمى «رسالة من إرميا» يحذر فيها بقوة من الوثنية، ولعله خطاب موجّه إلى يهود الإسكندرية.

إضافات على دانيال:

يحوي سفر دانيال الذي نعرفه 12 إصحاحاً، ولكن إصحاحاً جديداً أُضيف إليه في القرن الاول قبل الميلاد يحوي قصة «سوسنة» الزوجة الجميلة لأحد قادة اليهود في بابل، حيث يجتمع في بيتها شيوخ اليهود وقضاتهم. وقد وقع في حبها إثنان من أولئك القادة وحاولا الإيقاع بها، وعندما صرخت ادّعى الرجلان أنهما وجداها في أحضان شاب، فجاءوا بها للمحاكمة. ولما كان شاهدان قد اتفقا ضدها فقد حُكم عليها بالموت. ولكن شاباً اسمه دانيال قاطع المحاكمة وناقش الشاهدين، سائلاً كلاً منهما على حدة: تحت أية شجرة من الحديقة وجدا سوسنة مع الشاب، فاختلفت إجابتهما، وهكذا نجت سوسنة!

بيل والتنين:

قصة أُضيفت في القرن الاول قبل الميلاد أيضاً، وعُرفت بالأصحاح الرابع عشر من دانيال، لتظهر غباوة العبادة الوثنية، وتحتوي على قصتين:

في القصة الاولى: سأل الملك كورش دانيال لماذا لا يعبد «بيل» مع أنه يأكل يومياً كباشاً كثيرة وزيتاً ودقيقاً؟ ونثر دانيال رماداً في الهيكل في المساء، وفي الصباح أخذ الملك دانيال ليرى كيف أكل بيل كل ما قدموه له، ولكن دانيال أشار للملك إلى آثار خطوات الكهنة وعائلاتهم الذين جاءوا ليلاً وأكلوا الطعام. فذبح الملك الكهنة وهدم الهيكل.

أما قصة التنين فهي قصة أسطورية. ويمكن أن نقول أنها وقصة سوسنة وطوبيا ويهوديت قصص يهودية خيالية، ذات قيمة دينية قليلة أو بلا قيمة بالمرة.

نشيد الفتية الثلاثة المقدسين:

يجيء بعد دانيال 3: 23 في الترجمة السبعينية والفولجاتا، وهو يقتبس من مزمور 148، وتكرر 32 مرة العبارة: «سبحوه وعظموا اسمه للأبد»

صلاة منسى:

كتب في عهد المكابيين (القرن الثاني ق.م.) على رغم أنها صلاة الملك الشرير منسى ملك يهوذا. ولعلها كتبت تأسيساً على القول: «وصلاته والاستجابة له... ها هي مكتوبة في أخبار الرائين» (2 أخبار أيام 33: 19) وقد كتب أحد الكتبة هذه الصلاة.

المكابيين الأول:

(في القرن الأول ق.م.) لعله أكثر أسفار الأبوكريفا قيمة، لأنه يصف مآثر الاخوة المكابيين الثلاثة: يوداس ويوناثان وسمعان. ويعتبر هذا السفر مع كتابات يوسيفوس أهم مصادر تاريخ هذه الفترة المملوءة بالأحداث من التاريخ اليهودي.

المكابيين الثاني:

ليس مكملاً للمكابيين الأول بل موازٍ له، يروي إنتصارات يوداس المكابي، وبه أساطير أكثر مما في المكابيين الأول.

(3) شهادات تاريخية لإستعباد الأبوكريفا

  1. الفيلسوف اليهودي فيلو (20 ق.م.-40 م) اقتبس من كل أسفار العهد القديم، وذكر التقسيم الثلاثي للأسفار، لكنه لم يقتبس بالمرة من الأسفار المحذوفة على أنها أسفار قانونية!

  2. المؤرخ اليهودي يوسيفوس (30-100 م) يستبعد أسفار الأبوكريفا ويحسب عدد أسفار العهد القديم 22 كتاباً. وهو لا يقتبس من كتب الأبوكريفا باعتبار أنها أسفار قانونية.

  3. بالرغم من أن المسيح وكتّاب العهد الجديد اقتبسوا مئات الإقتباسات من جميع الأسفار القانونية إلا أنهم لم يقتبسوا بالمرة من هذه الأسفار.

  4. لم يعترف علماء اليهود في جامنيا بهذه الأسفار.

  5. لم يعترف مجمع من المجامع المسيحية الأولى في القرون المسيحية الأربعة بقانونية تلك الأسفار.

  6. كتب الكثيرون من آباء الكنيسة الأولين ضد هذه الأسفار من أمثال أوريجانوس وكيرلس الأورشليمي وأثناسيوس.

  7. رفض القديس أيرونيموس (جيروم) مترجم الفولجاتا (340-420 م) هذه الأسفار، ودارت بينه وبين القديس أغسطينوس مساجلات حولها عبر البحر الأبيض المتوسط! وقد رفض أولاً أن يترجم هذه الأسفار إلى اللاتينية، ولكنه بعد موته أُدخلت هذه الأسفار إلى الفولجاتا نقلاً عن الترجمة اللاتينية القديمة.

  8. رفض الكثيرون من علماء الدين الكاثوليك أسفار الأبوكريفا خلال عصر الإصلاح.

  9. رفض لوثر ومعه باقي المصلحين هذه الأسفار.

  10. لم تدخل هذه الأسفار كأسفار قانونية مقبولة تماماً عند الكنيسة الكاثوليكية إلا عام 1546 م في مجمع ترنت. وهو المجمع الذي انعقد ليقاوم حركة الإصلاح.

رابعاً - قانونية أسفار العهد الجديد:

  1. الأساس الذي بُني عليه قبول أسفار العهد الجديد كأسفار قانونية هو أنها من الرسل، وموحى بها من الله.

    لقد تأسست الكنيسة على « أَسَاسِ ٱلرُّسُلِ وَٱلأَنْبِيَاءِ» (أفسس 2: 20) الذين وعد المسيح بإرشادهم إلى جميع الحق بالروح القدس (يوحنا 16: 13) وقد واظبت كنيسة أورشليم على تعليم الرسل (أعمال 2: 42). وليس شرطاً أن يكون كتّاب الأسفار رسلاً، لكن أن تكون هذه الأسفار قد حظيت بموافقة الرسل. وسلطان الرسل لا يمكن فصله عن سلطان الرب، فإن الرسائل ترينا أن بالكنيسة سلطاناً واحداً مطلقاً هو سلطان الرب، وعندما يتحدث الرسل بسلطان يستمدونه من الرب نفسه. مثلاً عندما يدافع بولس عن دعوته الرسولية يقول إنه تلقاها مباشرة من الرب (غلاطية 1،2). وعندما ينظم شؤن الكنيسة يعزو ذلك للرب، رغم عدم وجود توجيهات مباشرة (1 كورنثوس 14: 37، قارن 1 كورنثوس 7: 10). فكل سلطان يجب أن يكون نابعاً من الرب وحده صاحب السلطان المطلق.

  2. ثلاثة أسباب استلزمت تقرير الأسفار القانونية للعهد الجديد:

    1. هرطقة ماركيون (140 م) الذي كّون أسفاره القانونية وأخذ ينشرها، فرأت الكنيسة الحاجة إلى تحديد الأسفار القانونية لإنهاء تأثيره.

    2. استخدمت بعض الكنائس كتابات إضافية في العبادة - فلزم وضع حد لهذا.

    3. قرر دقلديانوس عام 303 م أن يدمر الكتب المقدسة للمسيحيين فعزم المسيحيون أن يعرفوا أي الكتب تستحق أن يموتوا لأجلها!

  3. ويقدم لنا القديس أثناسيوس الاسكندري (عام 367 م) أول قائمة للأسفار القانونية للعهد الجديد، في رسالته للكنائس بمناسبة عيد الفصح وهي نفس القائمة التي عندنا تماماً. وبعد ذلك قدم كل من القديسين أيرونيموس وأغسطينوس ذات القائمة التي تحوي أسماء 27 سفراً.

    واقتبس الآباء من العهدين القديم والجديد قائلين «كما جاء في الكتب» مثلما قال بوليكاربوس (115 م) وأكليمندس وغيرهما.

    أما جستن مارتر فقد قال في دفاعه عن المسيحية، وهو يكتب عن العشاء الرباني: «في يوم الأحد يجتمع المسيحيون الساكنون بالمدينة أو القرى، في مكان واحد، يقرأون مذكرات الرسل وكتابات الأنبياء، حسب ما يسمح به الوقت. وعندما يتوقف القارئ يقدم القائد نصائح يدعو فيها إلى تطبيق هذه الكلمات الصالحة». ويضيف جستن مارتر في مناقشته مع تريفو إقتباساً من الأناجيل يسبقها بقوله «مكتوب». ولا بد أنه وتريفو كانا يعرفان المقصود بكلمة «مكتوب» هذه.

  4. ونشير إلى كتابات القديس أيريناوس (180 م) الذي كان متصلاً بالعصر الرسولي وبمعاصريه الكنسيّين في كل العالم، وكان قد تعلم في آسيا الصغرى عند قدمي بوليكاريوس تلميذ يوحنا البشير، ثم صار أسقفاً لليون في بلاد الغال (فرنسا) عام 180 م. وتظهر كتابات أيريناوس إيمانه بقانونية الأناجيل الأربعة والأعمال ورومية ورسالتي كورنثوس وغلاطية وأفسس وفيلبي وكولوسي ورسالتي تسالونيكي ورسالتي تيموثاوس وتيطس وبطرس الأولى ويوحنا الأولى والرؤيا. ويتضح من كتابه «ضد الهرطقات» أن فكرة الأناجيل الأربعة كانت حقيقية ثابتة معروفة ومقبولة في كل العالم المسيحي ومعتبرة أمراً طبيعياً بل ولازماً، مثلها في ذلك مثل الجهات الأصلية الأربع.

  5. وقد قبلت المجامع الكنسية قانونية أسفار العهد الجديد. وعندما انعقد مجمع هبّو عام 393 م وسجل أسفار العهد الجديد السبعة والعشرين كأسفار قانونية، لم يعط هذه الأسفار سلطاناً لم يكن لها من قبل، ولكنه اعترف بقانونيتها التي معترفاً بها. وقد أعاد سندوس قرطجنة الثالث إذاعة قرار مجمع هبّو بعد أربع سنوات، ولم يعد هناك أي تساؤل حول صحة قانونية أسفار العهد الجديد

  6. أسفار أبوكريفا في العهد الجديد:

رسالة برنابا الزائفة (70-79 م).

الرسالة إلى أهل كورنثوس (96 م).

رسالة أكليمندس الثانية (120-140 م).

راعي هرماس (115-140 م).

تعاليم الأثني عشر (100-120 م).

رؤيا بطرس (150 م).

أعمال بولس وتكلا (170 م).

الرسالة إلى أهل لاودكية (القرن الرابع الميلادي).

الإنجيل للعبرانيين (65-100 م).

رسالة بوليكاريوس لأهل فيلبي (108 م).

رسائل أغناطيوس السبع (100 م).

وكتابات أخرى، لم تقبلها الكنيسة كأسفار قانونية.

الفصل الرابع الكتاب الذي يُعتمد عليه

أولاً - صحة الكتاب المقدس ببليوغرافيا (ثَبْت المراجع).

العهد الجديد

  1. شهادة علماء الببليوغرافيا للعهد الجديد.

  2. شهادة المخطوطات للعهد الجديد.

  3. الترتيب التاريخي لمخطوطات العهد الجديد.

  4. ترجمات العهد الجديد.

  5. علماء الكنيسة الأولون يشهدون للعهد الجديد.

  6. شاهد على صحة المخطوطات من تلاوتها بالكنائس.

عهد القديم

  1. الإهتمام الزائد بنقل المخطوطات.

  2. أشخاص متخصصون لنقل المخطوطات.

  3. مخطوطات قديمة للعهد القديم.

  4. ترجمات العهد القديم.

  5. إقتباسات من العهد القديم.

ثانياً - براهين داخلية على صحة الكتاب المقدس.

  1. الشك في جانب المخطوطة

  2. المراجع أساسية وقيّمة

  3. المراجع قديمة وأصلية.

ثالثاً - براهين خارجية على صحة الكتاب المقدس.

رابعاً - براهين من علم الحفريات والآثار.

  1. نماذج من حفريات تبرهن صحة العهد القديم.

  2. نماذج من حفريات تبرهن صحة العهد الجديد.

إن ما نريد أن نصل إليه في هذه الدراسة هو أن الكتاب المقدس صحيح تاريخياً دون تعرُّض لوحيه. وكما نفحص صدق أية وثيقة تاريخياً سنفعل الشيء نفسه مع الكتاب المقدس. وهناك ثلاثة فحوص:

من الناحية الببليوغرافية (ثبت المراجع)

من ناحية البرهان الداخلي.

من ناحية البرهان الخارجي.

ثم سندرس شهادة علم الآثار القديمة للكتاب المقدس.

أولاً صحة الكتاب المقدس ببليوغرافياً (من جهة ثَبْت المراجع)

الفحص الببليوغرافي هو فحص لإنتقال المخطوطات حتى تصل إلينا. فلما لم تكن عندنا النسخة الأصلية، فإننا نفحص عن صحة ما وصلنا من مخطوطات، وعددها، والفترة الزمنية التي مرّت بين النسخة الأصلية وأقدم مخطوطة منها عندنا.

العهد الجديد

1 - شهادة علماء الببليوغرافيا للعهد الجديد:

شهد كثيرون من العلماء لصحة العهد الجديد من هذه الناحية - قال عزرا أبوت في كتابة «مقالات انتقادية» عن القراءات المختلفة للعهد الجديد: عدد القراءات المختلفة في العهد الجديد يُخيف بعض البسطاء، إذ يقرأون عنها في كتابات النقاد غير المؤمنين الذين يقولون إن هذه تبلغ 150 ألفاً! وكأن أساس تصديق العهد الجديد قد انهار!

«ولكن الحقيقة هي أن 95٪ من هذه القراءات المختلفة تعوزها الأدلة، وضعيفة، لا تستحق القبول. هذا يترك لنا 7500 قراءة مختلفة، 95٪ منها لا تؤثر على المعنى، لأنها إملائية (في التهجئة) أو نحوية، أو في ترتيب الكلمات( هذا يترك لنا نحو 400 «قراءة مختلفة» قد تؤثر على المعنى تأثيراً طفيفاً، أو تتضمن إضافة كلمة أو كلمات أو حذفها. والقليل جداً منها يمكن أن يعتبر هاماً. ولكن بحوث العلماء دلتنا على القراءة الصحيحة محل الثقة. وكل الكتابات القديمة تحتوي على مثل هذه الإختلافات، تماماً كما أن هناك اختلافات في التفسير» (8).

ويقول فيليب شاف في مقارنته بين العهد الجديد باليونانية وبين الترجمة الإنكليزية إن 400 قراءة فقط من 150 ألفاً تشكل الشك في المعنى، منها خمسون فقط لها أهمية عظيمة. ولكن ليس منها قراءة واحدة على العقيدة أو على واجبات المسيحي، إذ يوجد ما يماثلها في أماكن أخرى من القراءات الواضحة والأكيدة (12)

ومن هذا نرى أن «القراءات المختلفة» لا تشكل أهمية من جهة المعنى العام للفقرات التي وردت بها.

ويقول «جيسلر ونيكس»: إن هناك غموضاً في قولنا إن هناك «قراءات مختلفة» فمثلاً لو أن كلمة واحدة أُسيء إملاؤها في ثلاثة آلاف مخطوطة، فإنه يقال إن هناك ثلاثة آلاف «قراءة مختلفة» في العهد الجديد! ثم يقولان: إن واحدة من ثمانية من هذه الإختلافات قد يكون له قيمته، لكن البقية هي إختلافات في الهجاء أو ما شابهه. وجزء من ستين من هذه الإختلافات يمكن أن يعتبر «فوق التافه». وهذا يعني من وجهة النظر الحسابية أن النص الموجود عندنا مضبوط بنسبة 33ر98٪ (2).

وهكذا يمكننا أن نقول إن نص العهد الجديد الذي وصلنا مضبوط تماماً. لم يفقد منه أو يتغير فيه شيء من قوانين الإيمان أو السلوك. ويقول بروس في كتابه «الكتب والرقوق»: «القراءات المختلفة في العهد الجديد لا تحتاج إلى تخمين لضبطها، فهناك شاهد واحد على الأقل بين آلاف الشواهد المضبوطة يحتفظ لنا بالقراءة الصحيحة» (3).

وقال فردريك كنيون أحد ثقاة «نقد العهد الجديد»: «إننا نؤكد بكل يقين إنه لا توجد عقيدة مسيحية مبنية على قراءة موضع إختلاف». وقال: «إن نصوص الكتاب المقدس أكيدة في مادتها، وهذا ينطبق بصورة خاصة على العهد الجديد، فإن عدد مخطوطات العهد الجديد المتوفرة لدينا، والترجمات القديمة له، والإقتباسات المأخوذة منه في كتابات الأقدمين كثيرة بالدرجة التي تؤكد لنا صحة النص، وإن القراءة الأصلية لكل جزء من هذه الأجزاء موضع الإختلاف، موجودة في هذه المراجع القديمة، وهو ما لم يحدث مع أي كتاب قديم في العالم».

والعلماء مستريحون على أنهم يمتلكون اليوم النص الصحيح لكتابات المؤلفين اليونانيين والرومانيين من أمثال سوفوكليس وشيشرون وفرجيل مع أن معرفتنا بهذه الكتابات تعتمد على عدد قليل من المخطوطات، بينما مخطوطات العهد الجديد تُحصى بالألوف (13).

إن مقارنتنا نص العهد الجديد بنصوص الكتابات القديمة تؤكد لنا أن العهد الجديد صحيح بدرجة مذهلة، لأن الذين نقلوا مخطوطاته فعلوا ذلك بدقة بالغة وباحترام كبير لانه كتاب مقدس. ولقد حفظت عناية الله لنا مخطوطات للعهد الجديد من كل عصر كاملة وصحيحة، تؤكد لنا (بالمقارنة بمخطوطات الكتب القديمة) سلامة العهد الجديد من كل عيب.

قال محررو الترجمة الإنكليزية المعروفة (R.S.V.) في مقدمتهم لترجمتهم: «يتضح للقارئ المدقق من ترجمتنا عام 1946، وترجمتي عام 1881 و 1901 أن تنقيح الترجمة لم يؤثر على أية عقيدة مسيحية، لسبب بسيط وهو أن آلاف «القراءات المختلفة» لم تستدع أي تغيير في العقيدة المسيحية» .

إن آلاف المخطوطات القديمة الموجودة من العهد الجديد، مع سيل المخطوطات الأخرى التي تُكتشف، تؤكد لنا أن العهد الجديد قد تم نقله لنا بأمانة كاملة، تطمئننا تماماً على العقيدة المسيحية - وأن اعتمادنا على العهد الجديد - على أساس علمي - أقوى من اعتمادنا على أية مخطوطة قديمة أخرى!

وقال الأستاذ عباس محمود العقاد في كتابه «حياة المسيح» (كتاب الهلال يناير 1958):

«ليس من الصواب أن يقال إن الأناجيل جميعاً عُمدة لا يعّوَل عليها في تاريخ السيد المسيح، لأنها كُتبت عن سماع بعيد ولم تكتب من سماع قريب في الزمان والمكان، ولأنها في أصلها مرجع واحد متعدد النَّقلة والنسَّاخ، ولأنها روت من أخبار الحوادث ما لم يذكره أحد من المؤرخين، كانشقاق القبور وبعث موتاهم وطوافهم بين الناس وما شابه ذلك من الخوارق والاهوال».

وإنما الصواب أنها العمدة الوحيدة في كتابة ذلك التاريخ، إذ هي قد تضمنت أقوالاً في مناسباتها لا يسهل القول باختلافها، ومواطن الإختلاف بينها معقولة مع إستقصاء أسبابها والمقارنة بينها وبين آثارها. ورَفْضُها على الجملة أصعب من قبولها عند الرجوع إلى أسباب هذا وأسباب ذاك.

فإنجيل متى مثلاً ملحوظ فيه أنه يخاطب اليهود ويحاول أن يزيل نفرتهم من الدعوة الجديدة، ويؤدي عباراته أداء يلائم كنيسة بيت المقدس في منتصف القرن الاول للميلاد.

وإنجيل مرقس على خلاف ذلك ملحوظ فيه أنه يخاطب «الأمم» ولا يحتفظ في سرد الأخبار الألهية التي كانت تحول بين إسرائيل «المحافظين» والإيمان بإلاهية المسيح.

وإنجيل لوقا يكتبه طبيب ويقدمه إلى سري كبير، فيورد فيه الأخبار والوصايا من الوجهة الإنسانية، ويحضر في ذهنه ثقافة السري الذي أهدى إليه نسخته وثقافته وأمثاله من العلية.

وإنجيل يوحنا غلبت عليه فكرة الفلسفة. بدأه بالكلام عن «الكلمة» Logos ووصف فيه التجسد الإلهي على النحو الذي يألفه اليونان ومن حضروا محافلهم ودرجوا معهم على عادات واحدة.

وسواء رجعت هذه الأناجيل إلى مصدر واحد أو أكثر من المصدر، فمن الواجب أن يدخل في الحسبان أنها هي العمدة التي اعتمد عليها قوم هم أقرب الناس إلى عصر المسيح، وليس لدينا نحن بعد قرابة ألفي سنة عمدة أحق منها بالإعتماد.

ونحن قد عّوَلنا على الأناجيل، ولم نجد بين أيدينا مرجعاً أوفى منها لدرس حياة المسيح والإحاطة بأطوار الرسالة وملابساتها.

2 - شهادة المخطوطات للعهد الجديد:

يقول ا.ت. روبرتس مؤلف أقوى كتاب عن قواعد اللغة اليونانية للعهد الجديد: إنه يوجد عشرة آلاف مخطوطة للفولجاتا اللاتينية، وعلى الأقل ألف مخطوطة من الترجمات القديمة، ونحو 5,300 مخطوطة يونانية للعهد الجديد بكامله، كما يوجد لدينا اليوم 24 ألف مخطوطة لإجزاء من العهد الجديد، كما أننا نقدر أن نجمع أجزاء كثيرة من العهد الجديد من اقتباسات الكُتّاب المسيحيين الأولين (7).

ويقول جون وارويك مونتجمري: «لو أننا جعلنا مخطوطات العهد الجديد موضع شك للزمنا أن نرفض كل الكتابات القديمة، لأنه لا يوجد كتاب ببليوغرافياً مثل العهد الجديد».

وقال السير فردريك كنيون (مدير مكتبة المتحف البريطاني، وأعظم ثقة في دراسة المخطوطات): «عندنا أعداد كبيرة من مخطوطات العهد الجديد، وهذا يختلف عن كل المخطوطات الأخرى، فمخطوطات العهد الجديد تمتاز عنها جميعاً في أن الفترة الزمنية بين كتابة المخطوطة الأصلية وبين المخطوطات التي وصلتنا منها، قصيرة نسبياً. فقد كتبت أسفار العهد الجديد في أواخر القرن الرابع الميلادي وبعضها من قبله (أي بعد 250 أو 300 سنة) على الأكثر من كتابتها. وقد تبدو هذه لنا فترة طويلة نوعاً ما، ولكنها ليست شيئاً بالنسبة للقرون الطويلة التي تفصل ما بين المخطوطات الأصلية لمؤلفات كتَّاب الأغريق العظام وبين النسخ الموجودة لدينا من روايات سوفوكليس السبع ترجع إلى 1400 سنة بعد موت الشاعر، ومع ذلك نعتقد أنها تحمل لنا بكل دقة، ما كتبه سوفوكليس».

ويبدو غنى العهد الجديد، في عدد مخطوطاته عند مقارنته بالكتابات الأخرى: فكتابات قيصر عن حروب الغال (كتبت عام 58-50 ق.م) توجد لها عدة مخطوطات، تسع أو عشر منها صالحة، وأقدمها بعد عهد قيصر بتسعمائة سنة! ومن أصل 142 كتاباً كتبها ليفي عن التاريخ الروماني (59 ق.م - 17 م)، لا يزيد عدد ما يمكن أن يعتمد عليه منها عشرين مخطوطة، واحدة منها فقط (تحوي كتب 3-6) ترجع إلى القرن الرابع الميلادي! ومن أصل 14 كتاباً للمؤرخ تاسيتوس (100 م) لم يبق منها اليوم إلا أربعة كتب ونصف. ومن أصل 16 كتاباً من حولياته التاريخية لا نجد اليوم إلا عشراً منها كاملة وإثنين في أجزاء. وكل هذا التاريخ لتاسيتوس يعتمد على مخطوطتين، واحدة ترجع للقرن التاسع الميلادي والأخرى للقرن الحادي عشر.

أما تاريخ ثوسيديدس (460-400 ق.م) فمعروف من ثماني مخطوطات، أحدثها يرجع للقرن التاسع الميلادي، مع بعض أوراق البردي التي ترجع للقرن الأول الميلادي ويصدق الأمر نفسه على تاريخ هيرودوت (488-428 ق.م) ومع ذلك لا يجرؤ عالم واحد على الشك في كتب تاريخ ثوسيديدس أو هيرودوت لأن المخطوطات الموجودة لكتبهما ترجع إلى 1300 سنة بعد وفاتهما!

ويوضح الجدول الآتي تاريخ بعض الكتابات القديمة:

3 - الترتيب التاريخي لمخطوطات العهد الجديد:

هناك بعض الأشياء التي تساعدنا على تحديد عمر المخطوطة، هي:

  1. مادتها.

  2. حجم حرف الكتابة وشكله.

  3. علامات الترقيم.

  4. أقسام النص.

  5. الزخرفة.

  6. لون الحبر.

  7. نسيج الرقوق ولونها.

وإليك أسماء وتواريخ بعض المخطوطات:

  1. مخطوطة جون رايلاند (Ryland) سنة 130 ميلادي في مكتبة مانشستر بإنجلترا وهي أقدم المخطوطات، وجدت في مصر. بها إنجيل يوحنا، مع أن المعروف أن هذا الإنجيل كُتب في آسيا الصغرى. وهي تؤكد لنا أن الإنجيل كُتب حوالي نهاية القرن الأول الميلادي.

    وقد قضى اكتشاف هذه المخطوطة على الهجوم الذي كان يوجه إلى إنجيل يوحنا، باعتبار أنه كُتب نحو عام 160 م.

  2. مخطوطات تشستربيتي (Chester Beatty Papyri) سنة 200 ميلادي موجودة في متحف بيتي في دبلن، وجزء منها في جامعة متشيجان.. وهي من ورق البردي، وتحتوي ثلاثة منها على معظم العهد الجديد. وهي أقرب المخطوطات إلى النص الأصلي من جهة تاريخية (3). ويقول سير فردريك كنيون: «إن هذا الإكتشاف هو أعظم اكتشاف منذ اكتشاف النسخة السينائية، فهو يضيق الفجوة الزمنية بين تاريخ المخطوطات التي بين أيدينا وبين تاريخ كتابة أسفار العهد الجديد، فلا يعود هناك مجال للشك في صدقها، فليس لنصوص كتاب آخر مثل هذا السند من المخطوطات القديمة والكثيرة، ولا يمكن لأي عالم غير منحاز أن ينكر أن النص الذي وصل إلينا هو نص صحيح».

  3. بردية بُدْمر (Bodmer) الثانية سنة 150-200 ميلادي موجودة بمكتبة بُدْمر وتحوي معظم إنجيل يوحنا، وهي أهم مخطوطة بعد مخطوطات تشستربيتي، وكثيرون من العلماء يرجعون بتاريخها إلى منتصف القرن الثاني، إن لم يكن إلى النصف الأول منه.

  4. الدياطسرون - ومعناه «إتفاق الأجزاء الأربعة» - وهو إظهار الإتفاق بين البشيرين الأربعة، كتبه تاتيان عام 160 م. وقد كتبه يوسابيوس في تاريخه: «لقد قام قائدهم السابق تاتيان بكتابة جمع للأناجيل دعاه «دياطسرون» ولا زال هذا موجوداً الآن في بعض الأماكن» أما تاتيان هذا فهو مسيحي أشوري، أول من كتب في اتفاق البشيرين، ويوجد اليوم لدينا جزء صغير فقط مما كتبه تاتيان (2).

  5. النسخة الفاتيكانية (Codex vaticanus) سنة 325-350 ميلادي مكتبة الفاتيكان وتحوي كل الكتاب المقدس تقريباً، وهي من أثمن مخطوطات الكتاب المقدس اليونانية.

  6. النسخة السينائية (Codex Sinaiticus) سنة 350 ميلادي موجودة في المتحف البريطاني، وتحوي كل العهد الجديد ما عدا مرقس 16: 9-20، يوحنا 7: 53-8: 11 كما تحوي أقصر من نصف العهد القديم. وقد عثر عليها تشندرف في سلة للمهملات في دير جبل سيناء عام 1844، وسلمها الدير هدية لقيصر روسيا عام 1859، واشترتها الحكومة البريطانية من الإتحاد السوفياتي بمائة ألف جنيه يوم عيد الميلاد سنة 1933.

  7. النسخة الإسكندرية (Codex Alexandrinus) سنة 400 ميلادي بالمتحف البريطاني، وتقول الموسوعة البريطانية إنها كتبت باليونانية في مصر، وتحوي كل الكتاب المقدس تقريباً.

  8. النسخة الأفرامية (Codex Ephrawmi) سنة 400 ميلادي موجودة في المكتبة الوطنية في باريس. وتقول الموسوعة البريطانية إنها ساعدت على التأكد من بعض قراءات العهد الجديد، وهي تحويه كله ما عدا رسالتي تسالونيكي الثانية ويوحنا الثانية

  9. النسخة البيزية (Codex Bezae) سنة 450 ميلادي موجودة في مكتبة كامبريدج وتحوي الأناجيل وأعمال الرسل باللغتين اليونانية واللاتينية..

  10. نسخة واشنطن (أو نسخة الفريرية - من 450-550 م) وهي تحوي على الأناجيل الأربعة بالترتيب الآتي: متى، يوحنا، لوقا، مرقس.

  11. نسخة كلارومنت (Codex Clarmontanus) سنة 500 ميلادي وتحتوي على رسائل بولس الرسول في اللغتين اليونانية واللاتينية.

وهذه المخطوطات القديمة، وغيرها الكثير، تظهر:

  1. أن مخطوطات الكتاب المقدس أكثر جداً من مخطوطات أي كتاب قديم آخر.

  2. أن تاريخ المخطوطات الموجودة عندنا قريب جداً من تاريخ كتابة النص الأصلي، إذا قارنا ذلك بأي مخطوطة أخرى لأي كتاب قديم.

ويقول العلامة ف. هورت الذي قضى 28 سنة في دراسة نصوص العهد الجديد: «إن هذه الكثرة من مخطوطات العهد الجديد والتي يعود الكثير منها إلى العصور الأولى التي تكاد تتصل بتاريخ كتابة النص الأصلي، تجعل نص العهد الجديد يقف فريداً بين كل الكتابات الكلاسيكية القديمة، ولا تدانيه في ذلك أي كتابات أخرى».

ويقول جرينلي: «لما كان العلماء يقبلون الكتابات الكلاسيكية اليونانية القديمة، رغم أن النسخة الموجودة عندنا منها كتبت بعد تأليف النسخة الأصلية بألف سنة، أو أكثر، فمن الواضح أننا نقدر أن نعتمد على ما عندنا من العهد الجديد اليوم بثقة كبيرة».

ويقدم العالمان جيسلر ونيكس المقارنة التالية: أكثر الكتب القديمة من جهة المخطوطات الموجودة عندنا اليوم هو العهد الجديد، ومن بعده الألياذة (634 مخطوطة) وكانت الألياذة والعهد الجديد تعتبران كتبا «مقدسة». في العهد الجديد عشرون ألف سطر، وفي الألياذة 15600 سطر. من العهد الجديد 400 كلمة (أو أربعون سطراً) موضع شك، بينما 764 سطراً من الألياذة موضع شك - 5٪ من الألياذة موضع شك، بينما أقل من نصف النصف في المائة من العهد الجديد موضع شك. ولكن «المهابهاراتا» الهندية لاقت فساداً أكثر، فمن أصل 250 ألف سطر فيها 26 ألف سطر موضع شك (أكثر من 10٪) (2).

ومن حسن الحظ أنه في حالة وجود هذه الكثرة الهائلة من المخطوطات يسهل الوصول إلى النص الأصلي - فمن المخطوطات 16-26 يمكن الوصول إلى المخطوطة (1) - أي المخطوطة الأولى.

4 - ترجمات العهد الجديد:

من الأمور التي تؤكد صحة الكتاب المقدس ودقته، وجود ترجمات قديمة. ولم تترجم أية كتابات إلى لغات مختلفة كما ترجم العهد الجديد، لأن المسيحية ديانة تبشيرية. وقد تُرجم الكارزون الأولون أسفار العهد الجديد إلى لغات الشعوب التي كانوا يكرزون لها لتساعدهم على نشر إيمانهم. وهكذا تُرجم العهد الجديد إلى السريانية واللاتينية والقبطية. وقد تمت الترجمتان السريانية واللاتينية حوالي عام 150 م، وهذا أقرب ما يكون إلى زمن كتابة الأسفار الأصلية.

(1) النص الأصلي: توجد مخطوطات يونانية عديدة، وتوجد الترجمة السريانية (150-250 م) وهي مخطوطات مختلفة من السريانية موجودة حالياً. وتوجد الترجمة اللاتينية (300-400 م) وهي مخطوطات مختلفة من اللاتينية موجودة حالياً.

وهناك أكثر من خمسة عشر آلاف مخطوطة موجودة اليوم من الترجمات القديمة:

1 - الترجمات السريانية:

الترجمة السريانية القديمة، للأناجيل الأربعة، منقولة في القرن الرابع الميلادي ومن اللازم أن نوضح أن كلمة «السريانية» تُطلق على اللغة الأرامية المسيحية، وتكتب بحروف آرامية مع تعديلات بسيطة.

«البشيطا السريانية» ومعناها البسيطة، وهي الترجمة النموذجي، أنجزت بين عام 150 و 250 م. وعندنا اليوم 350 مخطوطة من هذه الترجمة ترجع إلى القرن الخامس.

«النسخة الفيلوكسنيان» (508 م) فقد ترجم بوليكاربوس العهد الجديد للسريانية ترجمة جديدة، قدمها إلى فيلوكيناس أسقف مابوج.

«نسخة هاركل السريانية» وترجع لعام 616 م قام بها توماس الهاركلي.

«نسخة فلسطين السريانية» يُرجعها معظم العلماء لعام 400-450 م.

2 - الترجمات اللاتينية:

«اللاتينية القديمة» هناك شهادات من القرن الرابع إلى القرن الثالث عشر الميلادي أنه في القرن الثالث الميلادي انتشرت ترجمة لاتينية قديمة في شمال أفريقيا وأوروبا..

«اللاتينية القديمة الأفريقية» (أو النسخة البابينسية 400 م) وهناك ما يدل على أنها نُقلت عن بردية من القرن الثاني.

«النسخة الكوربيانية» (400-500 م) تحوي الأناجيل الأربعة.

«النسخة الفرسيليانية» (360 م).

«النسخة البلاتينية» (القرن الخامس الميلادي).

«الفلجاتا» اللاتينية ومعناها «العامة أو الشعبية» وكان القديس أيرونيموس (جيروم) سكرتير دماسوس أسقف روما. وقد قام أيرونيموس بالترجمة بناء على طلب الأسقف من عام 366-384 م.

3 - الترجمات القبطية (المصرية):

يقول بروس أن الترجمة الأولى للقبطية ربما تمت في القرن الثالث أو الرابع (3)

«النسخة الصعيدية» في بداية القرن الثالث.

«النسخة البحيرية» في القرن الرابع.

«نسخة مصر الوسطى» في القرن الرابع أو الخامس.

ترجمات أخرى:

4 - الأرمنية - في القرن الخامس

ترجمت عن اليونانية الجورجية - (لبلاد القوقاز) - وترجع إلى القرن الرابع.

5 - علماء الكنيسة يشهدون للعهد الجديد:

تقول الموسوعة البريطانية: «عندما يفحص أحد العلماء المخطوطات والترجمات، لا يكون قد أنهى كل دراسته لنصوص العهد الجديد، فإن كتابات آباء الكنيسة الاولين تلقي مزيداً من الضوء لان بها اقتباسات من العهد الجديد قد تختلف عن إحدى أو بعض المخطوطات الحالية، لانها مأخوذة من مخطوطات أقدم لم تصل إلينا. وعلى هذا فإن شهادة هؤلاء الآباء للنص، وبخاصة عندما تتطابق مع المصادر الأخرى، يجب أن تضاف إلى ما عندنا من مراجع».

وقد اقتبس آباء الكنيسة من العهد الجديد بكثرة تمكّننا من تجميع العهد الجديد من اقتباساتهم. وحتى لو أن كل ما عندنا من المخطوطات ضاعت لتمكنّا من تجميع العهد الجديد من كتابات الآباء الاولين.

ولقد انشغل السير «دافيد دالرمبل Dalrymple» بفكرة «لو ضاع العهد الجديد أو أحرق في القرن الثالث الميلادي، وقت الإضطهاد العنيف، فهل كنا نقدر أن نعيد جمعه من الإقتباسات الموجودة بكتابات الآباء في القرنين الثاني والثالث؟».

وقضى السير دافيد دالرمبل زمناً درس فيه كل ما وصل إلينا مما كتبه آباء القرنين الثاني والثالث، ووصل إلى هذه النتيجة: لقد وجد كل العهد الجديد، ما عدا إحدى عشرة آية!! (2).

على أننا نحتاج إلى مراعاة أمرين:

  1. بعض الآباء يقتبسون من الذاكرة، ولا ينقلون الآيات بالنص والحرف.

  2. حدثت بعض الاخطاء من النسّاخ عن عمد أو عن سهو.

والآن تعالوا ندرس الآتي:

  1. القديس أكليمندس الروماني (95 م- يقول عنه أوريجانوس: إنه تلميذ الرسل، ويقول عنه ترتليان إنه تعيّن من بطرس، ويقول عنه إيريناوس إن مواعظ الرسل لا تزال تدوي في أذنيه وإن عقائدهم أمام عينيه).

    يقتبس أكليمندوس الروماني في كتاباته من متى - مرقس - لوقا - أعمال - كورنثوس الأولى - بطرس الأولى - العبرانيين - تيطس.

  2. أغناطيوس (70-110 م) أسقف أنطاكية، الذي كان يعرف الرسل جيداً، وكان تلميذ بوليكاربوس. استشهد سنة 110 م. كتب سبع رسائل تحوي اقتباسات من متى - يوحنا - أعمال - رومية - كورنثوس الأولى - أفسس - فيلبي - غلاطية - كولوسي - يعقوب - رسالتي تسالونيكي - رسالتي تيموثاوس وبطرس الأولى.

  3. اقتبس كل من بوليكاربوس (70-156) أسقف سميرنا الذي استشهد في السادسة والثمانين من عمره، وهو تلميذ الرسول يوحنا. وبرنابا (70 م) وهرماس (95 م) وتاتيان (170 م) وإيريناوس أسقف ليون (170 م).

  4. ومن بعد هؤلاء أكليمندس الأسكندري (150-212 م) اقتبس 240 آية من كل أسفار العهد الجديد، ما عدا ثلاثة أسفار - وترتليان (160-220) الذي كان أسقف قرطجنة الذي اقتبس سبعة آلاف آية منها 3800 من الأناجيل. وهبوليتس (170-235) اقتبس أكثر من 1300 آية. وأوريجانوس اقتبس أكثر من 18 ألف آية (185-254 م) وكذلك كيبريانوس (مات سنة 258 م) أسقف قرطجنة، استخدم حوالي 740 اقتباساً من العهد القديم و 1030 من العهد الجديد.

ولقد أحصيت من كتابات الآباء السابقين لمجمع نيقية (325 م) اقتباسات بلغ عددها 32 ألفاً من العهد الجديد! وهذا العدد الضخم لا يشمل كل الإقتباسات، كما أنه لا يشمل اقتباسات كتّاب القرن الرابع. وبإضافة ما اقتبسه يوسابيوس الذي عاصر مجمع نيقية، يبلغ عدد هذه الإقتباسات 000ر36 هذا بخلاف اقتباسات أغسطينوس وأمبياس ولشتاس وفم الذهب وجيروم وغايس الروماني، وأثناسيوس وأمبروزيوس أسقف ميلان، وكيرلس الأسكندري، وأفرايم السرياني وهيلاريوس أسقف بواتيبة، وجيريجوري النيسّي، وغيرهم...

وإليك جدولاً وضعه جيسلر ونيكس ببعض الإقتباسات (2):

6 - شاهد على صحة المخطوطات من القراءات الكنسية:

على أن هناك شاهداً آخر على صحة مخطوطات العهد الجديد، هو وجود أجزاء كثيرة منها في القراءات الكنسية، فقد تبع المسيحيون عادة اليهود في العبادة بقراءة أجزاء من الناموس والانبياء كل سبت في المجامع، فأخذ المسيحيون يقرأون أجزاء من العهد الجديد في كل أوقات العبادة في الكنائس. وقد تحددت الاجزاء من الاناجيل والرسائل التي تقرأ كل يوم أحد، وفي الاعياد والمواسم. ولم تكمل بعد دراسة ما وصل إلينا من القراءات من العهد الجديد، ولكن ترجع أقدم الرقوق التي عندنا إلى القرن السادس، بينما المخطوطات الكاملة تعود إلى القرن الثامن وما بعده.

والقراءات الكنسية عادة محافظة، تعتمد على أقدم المخطوطات، وهذا يعطيها قيمة عظيمة فيما يختص بدراسة نصوص العهد الجديد.

العهد القديم

ليس عندنا مثل هذه الوفرة من مخطوطات للعهد القديم كما هو الحال بالنسبة للعهد الجديد. وحتى اكتشاف مخطوطات البحر الميت كانت أقدم مخطوطة عندنا للعهد القديم ترجع إلى سنة 900 م (أي بعد كتابة أسفار العهد القديم بألف وثلاثمائة سنة). وقد يبدو من هذا أن العهد القديم لا يزيد - في هذا الصدد - عن سائر الكتابات القديمة، ولكن مخطوطات البحر الميت للعهد القديم ترجع إلى عصر ما قبل ميلاد المسيح.

وبدراسة هذه الحقائق نجد أن هناك العدد الوفير من الأدلة على أن المخطوطات التي بين أيدينا هي مخطوطات صحيحة من وجهة الببليوغرافيا. وقد قال السير فردريك كنيون: «يمكن للمسيحي أن يمسك بالكتاب المقدس كله في يده، ويقول بغير خوف أو تردد إنه يمسك بكلمة الله الحقيقية التي سلّمت عبر القرون من جيل إلى جيل بدون أن يُفقد شيء من قيمتها» (13).

ونستطيع أن ندرك صحة مخطوطات العهد القديم لو عرفنا:

1 - الإهتمام الزائد بنقل المخطوطات:

يقول قاموس الكتاب المقدس لصموئيل دافيدسون إن الخطوات التالية تتبع بدقة في كتابة مخطوطة العهد القديم، كما جاء في التلمود:

  1. الدرج المستعمل للقراءة في المجمع يجب أن يكون مكتوباً على جلد حيوان طاهر.

  2. يجب أن يجهزه يهودي لإستعماله في المجمع.

  3. تجمع الرقوق معاً بسيور مأخوذة من حيوان طاهر:

  4. يجب أن يحتوي كل رق على عدد ثابت من الأعمدة في كل المخطوطة.

  5. يجب أن يتراوح طول كل عمود ما بين 48-60 سطراً. وعرض العمود يحتوي على ثلاثين حرفاً.

  6. يجب أن تكون كل الكتابة على السطر، ولو كتبت ثلاث كلمات على غير السطر ترفض المخطوطة كلها.

  7. يجب أن يكون حبر الكتابة أسود، لا أحمر ولا أخضر ولا أي لون آخر. ويتم تجهيزه طبق وصفة ثابتة.

  8. يتم النقل بكل دقة من مخطوطة صحيحة تماماً.

  9. لا يجب كتابة كلمة أو حرف أو نقطة من الذاكرة. يجب أن ينقل الكاتب كل شيء من المخطوطة النموذجية.

  10. يجب ترك مسافة شعرة أو خيط بين كل حرفين.

  11. يجب ترك مسافة تسعة حروف بين كل فقرتين.

  12. يجب ترك مسافة ثلاثة سطور بين كل سفرين.

  13. يجب إنهاء سفر موسى الخامس بانتهاء سطر. ولا داعي لمراعاة ذلك مع بقية الأسفار.

  14. يجب أن يلبس الناسخ ملابس يهودية كاملة.

  15. ويجب أن يغسل جسده كله.

  16. لا يبدأ كتابة إسم الجلالة بقلم مغموس في الحبر حديثاً.

  17. لو أن ملكاً خاطب الكاتب وهو يكتب إسم الجلالة فلا يجب أن يعيره أي إلتفات.

وكل مخطوطة لا تتبع فيها هذه التعليمات تُدفن في الأرض أو تحرق أو ترسل للمدارس لتقرأ فيها ككتب مطالعة، ولا تستعمل في المجامع ككتب مقدسة.

من هذا نرى سبب قلّة عدد مخطوطات العهد القديم الموجودة عندنا اليوم، وهو برهان على الصحة للدقة المتناهية التي كان يراعيها النساخ، فإنهم لم يكونوا يقبلون أية مخطوطة إلا إذا كانت مطابقة تماماً للمخطوطة الأصلية (2).

ويقول فردريك كنيون إن المخطوطة الجديدة التي روعي في نسخها كل هذه الدقة تُعتبر مساوية تماماً للمخطوطة القديمة، دون إلتفات لِقدمها. بالعكس كانت المخطوطة تُعتبر أفضل، لأن المخطوطة القديمة كانت تتآكل أو تتمزق، فتصبح غير صالحة للإستعمال.

وكان اليهود يحفظون بعض المخطوطات القديمة المتآكلة أو الممزقة في خزانة بالمجمع ولا يستعملونها، وقد اكتشفت بعض هذه المخطوطات اليوم. وهكذا كانوا يعتبرون المخطوطة الجديدة أفضل لخلوها من أي تلف. وعندما كانت الخزانة تمتلئ بالمخطوطات القديمة كانوا يحرقونها ويدفننونها في الأرض وهذا هو سبب قلة عدد المخطوطات العبرية القديمة اليوم (13)، بالإضافة إلى الإضطهادات التي تعرضوا لها هم وأسفارهم وممتلكاتهم.

ولم يكن اهتمام اليهود بالمخطوطات المقدسة أمراً حديثاً بعد سقوط أُورشليم لكنه كان منذ القديم، فيُقرأ أن عزرا كان كاتباً ماهراً (عزرا 7: 6، 10) أي أنه كان كاتباً محترفاً ماهراً في الأسفار المقدسة.

2 - أشخاص متخصصون لنقل المخطوطات:

هناك حقبة معروفة بالحقبة المازورية (500-900 م) قبل فيها جماعة من الكتبة (المعروفين بالمازوريين) مسؤولية تحرير ونسخ ومطابقة مخطوطات العهد القديم (أخذوا إسمهم من مازورا، بمعنى تقليد). وكان مركز عملهم في طبرية. وقد عملوا نسخاً من العهد القديم، وضعوا فيها علامات تشكيل لتسهيل القراءة الصحيحة، وأطلقوا عليها (النسخة المازورية) وهي النسخة العبرية المعتمدة الآن.

وقد عامل أولئك الكتبة النص بتوقير كامل، وأخذوا كافة الإحتياطات ضد الخطأ، فأحصوا مثلاً عدد كل حرف من حروف الأبجدية في كل سفر. وحدّدوا الحرف الأوسط مثلاً في أسفار موسى الخمسة، والحرف الأوسط في الكتاب كله، وغير ذلك من الحسابات والإحصاءات الدقيقة! كما أنهم وضعوا هذه الأرقام في أشعار (أو ما شابه ذلك) ليذكروا الأرقام بسرعة! (3).

ويقول السير فردريك كنيون إنهم أحصوا عدد الآيات والكلمات والحروف في كل سفر، كما حددوا الحروف الوسطى والكلمات الوسطى في كل سفر، وعرفوا الآيات التي تحتوي كلماتها على كل حروف الأبجديّة أو عدداً معيناً منها، ومع أن هذه الإحصاءات تافهة في نظرنا، إلا أنها دليل قوي على احترامهم للأسفار المقدسة، واهتمامهم البالغ بعدم سقوط حرف أو نقطة من النصوص المقدسة (13). ولهذا هم يستحقون كل ثناء.

وقال العالم اليهودي عقيبة في القرن الثاني الميلادي إن النقل المضبوط للتوراة صيانة لها. وهذا يظهر الإهتمام الزائد بالأمانة في عمل المازوريين.

قال روبرت ويلسون في كتابه «بحث علمي في العهد القديم» إن الدقة المطلقة في نقل أسماء الملوك الأجانب إلى اللغة العبرية أمر مذهل، فهناك 144 حالة تم فيها النقل من المصرية والأشورية والبابلية والموآبية إلى العبرية، كما نقل الأسماء العبرية في 40 حالة إلى هذه اللغات. وفي خلال 2300-3900 سنة لم يحدث خطأ واحد في نقل الأسماء بكل دقة. ولم يحدث في كل تاريخ الآداب القديمة أن تم النقل بمثل هذه الدقة، لقد ظهر في العهد القديم أسماء نحو أربعين ملكاً من الفترة من 2000 ق.م.-400 ق.م. وكلها جاءت في تسلسل تاريخي مضبوط تماماً، سواء بالنسبة لملوك الدولة الواحدة أو بالنسبة للملوك المعاصرين في الدول الأخرى. وهذا برهان على دقة سجلات العهد القديم بصورة تفوق الخيال! إن كل ما ظهر من مخطوطات أو حفريات بابلية يتفق تماماً مع ما جاء في العهد القديم (17).

ويقول وليم جرين: «يمكننا أن نقول واثقين إنه لا يوجد كتاب قديم آخر قد نقل إلينا بمثل هذه الدقة».

3 - مخطوطات قديمة للعهد القديم:

«النسخة القاهرية» (895 م) موجودة في المتحف البريطاني، وقد نسختها أسرة موسى بن أشير، وهي تحوي كتابات الأنبياء المتقدمين والمتأخرين.

«نسخة الأنبياء في لننجراد» (916 م) تحوي نبوات إشعياء وإرميا وحزقيال والأنبياء الصغار.

أما أقدم مخطوطة كاملة للعهد القديم فهي «النسخة البابلية» (1008 م) وهي موجودة في لننجراد. وقد نسخت عن مخطوطة مضبوطة نسخها الحاخام هرون بن موسي بن أشير عام 1000 م (2).

«نسخة حلب» (900 م) وهي نسخة هامة جداً، وقد تعرضت للضياع مرة، ولكنها اكتشفت مرة أخرى وهي لم تسلم من بعض التلف.

«نسخة المتحف البريطاني» (950 م) تحوي أجزاء من التكوين للتثنية.

«نسخة روخلن للأنبياء» (1105 م) جهزها إبن نفتالي المازوري.

شهادة مخطوطات البحر الميت:

سأل السير فردريك كنيون: «هل النص المعروف بالمازوري المأخوذ من نسخة كانت موجودة عام 100 م، يمثل النص الأصلي الذي كتبه كتّاب العهد القديم؟».

وقد جاءت مخطوطات البحر الميت لتقول: نعم. بالتأكيد!

أما هذه المخطوطات فتتكون من أربعين ألف قطعة، أمكن تجميع خمسمائة كتاب منها - بينها كتب عن قوانين الحياة في مجتمع قمران، وأصول التلمذة فيها، مع تفاسير لبعض الأسفار. أما قصة اكتشاف هذه المخطوطات فترجع إلى أن راعي أغنام بدوي إسمه «محمد» كان يبحث عن معزة ضائعة في مارس (آذار) 1947، فرمى حجراً في ثقب في تل على الجانب الغربي للبحر الميت، على بعد ثمانية أميال جنوب أريحا، واندهش وهو يسمع صوت تحطيم آنية فخارية فدخل ليستكشف الأمر، فوجد أواني فخارية كبيرة تحتوي لفائف من الجلد ملفوفة في أنسجة كتانية. ولما كانت الأواني الفخارية مغلقة بإحكام، فقد بقيت المخطوطات في حالة ممتازة لمدة نحو 1900 سنة، فقد وضعت تلك المخطوطات داخل الأواني عام 68 م.

وقد اشترى رئيس دير السريان الأرثوذكسي بأورشليم خمساً من تلك المخطوطات، كما اشترى الأستاذ سكنك من الجامعة العبرية بأورشليم ثلاثاً، وكتب في مذكراته عنها يقول: «لعل هذا واحد من أعظم الإكتشافات في فلسطين، أكثر جداً مما توقعنا».

وفي فبراير (شباط) سنة 1948 اتصل رئيس الدير السرياني بالمدرسة الأمريكية للبحوث الشرقية في أورشليم وأخبرهم عن المخطوطات. وكان المدير شاباً عالماً يهوى التصوير أيضاً، إسمه جون تريفر، فقام بجهد خارق في تصوير كل عمود من مخطوطة سفر إشعياء وهي بطول 24 قدماً وعرض عشر بوصات وحمض الأفلام بنفسه وأرسل بعض الصور منها إلى الدكتور أولبرايت من جامعة جون هوبكنز، الذي كان يُعتبر عميد علماء الحفريات الكتابية. فأرسل رده برجوع البريد يقول: «تهانيَّ القلبية على اكتشاف أعظم مخطوطة في عصرنا الحديث. يا له من اكتشاف مذهل! ولا يمكن أن يوجد ظل شك في العالم كله في صحة هذه المخطوطة». وقال إنها ترجع لسنة 100 ق.م.

قيمة المخطوطات:

وإننا نتساءل: كيف نتأكد أن مخطوطة من عام 900 م صحيحة وطبق الأصل من المخطوطات القديمة السابقة لميلاد المسيح؟ والإجابة: شكراً لمخطوطات البحر الميت، فإن مخطوطة إشعياء ترجع إلى ما قبل المخطوطات التي معنا بألف سنة، فالعلماء يرجعون بتاريخ نسخها إلى 125 ق.م.! أما بقية المخطوطات في وادي قمران فيرجع تاريخها إلى ما بين 200 ق.م وحتى 68 م. ولقد وجد تطابق مذهل بين مخطوطة إشعياء القديمة (125 ق.م.) ومخطوطات الكتبة المازوريين (916 م) مما يدل على دقة النسّاخ على مدى ألف عام. فمن 166 كلمة في إشعياء أصحاح 53 يوجد تساؤل حول 17 حرفاً فقط، عشرة حروف منها في الهجاء، وأربعة عن طريقة الكتابة، والثلاثة الأخرى في الترجمة السبعينية. وعلى هذا ففي أصحاح يحوي 166 كلمة توجد كلمة واحدة من ثلاثة أحرف موضع تساؤل.. بعد ألف سنة من النقل بخط اليد، وهذه الكلمة لا تغير معنى النص مع المخطوطة الأولى، وأطلق عليها «إشعياء بـ» تمييزاً لها عن الأولى، وهي تتفق بصورة أروع مع النص المازوري.

ويقول جليسن أركر إن مخطوطات إشعياء التي اكتشفت في كهوف قمران: «ثبت أنها تطابق النص العبري الذي بين أيدينا فيما يزيد 95٪ منه، وأن ال5٪ الباقية هي اختلافات نتيجة زلات النسخ أو في هجاء الكلمات».

وأن الإنسان ليستغرب كيف تثبت هذه الدقة المذهلة على مدى ألف عام، وهي شهادة رائعة لدقة الكتبة المازوريين (2).

4 - ترجمات العهد القديم:

تشتّت اليهود في بلاد مختلفة، فاحتاجوا إلى ترجمة كتبهم المقدسة إلى اللغة السائدة في ذلك العصر، فجاءت «الترجمة السبعينية» من العبرية إلى اليونانية في أثناء حكم بطليموس فيلادلفوس بمصر (285-264 ق.م). وقد جاءت قصة الترجمة في خطاب كتب نحو عام 100 ق.م، من أرستياس الموظف في بلاط الملك بطليموس إلى أخيه فيلو كراتس قال فيه: «اشتهر بطليموس بأنه حامي الآداب، وقد تأسست مكتبة الأسكندرية (إحدى روائع العالم الثقافية على مدى 900 سنة) في عهده. وقد أثار ديمتريوس أمين المكتبة حماس الملك لترجمة الشريعة اليهودية. فأرسل وفداً لأليعازر رئيس الكهنة في أورشليم، الذي اختار ستة من الشيوخ المترجمين من كل سبط من أسباط إسرائيل الأثني عشر وأرسلهم للإسكندرية، ومعهم نسخة معتمدة من التوراة مكتوبة على رقوق جميلة. وقد لقي العلماء المترجمون كل عناية ملكية وأقاموا في جزيرة فاروس، حيث كانت المنارة الشهيرة. وقد أكملوا ترجمة الأسفار الخمسة في 72 يوماً، بإتفاق كامل، بعد المناقشة والمقارنة» (3).

والترجمة السبعينية قريبة جداً من النسخة المازورية التي تعود لعام 916 م، مما يثبت بقاءها مضبوطة عبر الثلاثة عشر قرناً. كما أن الترجمة السبعينية والقراءات الكتابية الموجودة في الأسفار الأبوكريفية مثل يشوع بن سيراخ وسفر اليوبيل وغيرها تثبت جميعها أن النص العبري الذي بين أيدينا الآن هو نفسه الذي كان موجوداً في سنة 300 ق.م.

ويقول جيلسر ونيكس عن الترجمة السبعينية:

  1. إن الترجمة السبعينية أقامت جسراً (كوبرياً) بين اليهود المتكلمين بالعبرية والمتكلمين باليونانية، وملأت احتياج يهود الإسكندرية.

  2. إنها أقامت جسراً بين العهد القديم في اللغة العبرية التي كان يتكلمها اليهود، وبين المسيحيين الذين كانوا يتكلمون اليونانية، فاستطاعوا أن يستخدموها مع أسفار العهد الجديد.

  3. وساعدت الكارزين على نقل الكتب المقدسة إلى العديد من اللغات واللهجات المختلفة.

  4. أسكتت النقّاد لتطابقها مع الأصل العبري (2).

ويقدم بروس الأسباب التي دفعت باليهود لأهمال السبعينية:

  1. إن المسيحيين منذ القرن الأول تبنّوا هذه الترجمة للعهد القديم، واتخذوا منها منطلقاً لنشر إيمانهم والدفاع عنه.

  2. في نحو سنة 100 م تبنّى اليهود نصاً معيناً للعهد القديم العبري، اتفق عليه علماؤهم البارزون (3).

وهناك «الترجمة السامرية» (القرن الخامس ق.م) للأسفار الموسوية الخمسة. ويقول بروس «إن الإختلافات بين الترجمة السامرية والنسخة المازورية لا قيمة لها بجانب وجوه التطابق».

وهناك الترجوم، وهي الترجمة إلى الكلدانية التي احتاج اليهود إليها بعد سبيهم (نحو عام 500 ق.م) ثم هناك «ترجوم أونكيلاس» وأونكيلاس هو تلميذ العالم اليهودي هليل، وهو للأسفار الموسوية الخمسة ويرجع إلى عام 60 ق.م. كما أن هناك «ترجوم يوناثان بن عزيئيل» (نحو 30 ق.م.) ويحتوي على الأسفار التاريخية وأسفار الأنبياء.

ويقول بروس إنه في القرون الأخيرة قبل الميلاد نشأت القراءة للكتب المقدسة في المجامع مع ترجمة شفوية إلى اللغة الأرامية، لأن العبرية لم تعد شائعة، فكان لا بد من تقديم ترجمة في اللغة الشائعة. وكان الشخص الذي يترجم يسمى «ميتورجمان» (أي مترجم). وكانت الفقرة المترجمة تعرف «بالترجوم».

ولم يكن يسمح للمترجم أن يقرأ ترجمته من درج مكتوب، لئلا يظن أنه يقرأ من النص الأصلي. ولكي يضمنوا دقة الترجمة لم يكن مسموحاً أن يترجم في المرة الواحدة أكثر من آية واحدة من الأسفار الخمسة أو ثلاث آيات من أسفار الأنبياء، وبعد مضي وقت كُتبت هذه الترجمات في مخطوطات (3).

وهذه الترجمات دليل على صدق الأصل العبري وبقائه كما كان في زمن عمل الترجمة. فلا زال الأصل والترجمة موجودين عندنا اليوم.

5 - إقتباسات من العهد القديم:

تمت كتابة «المشنا» عام 200 م، ومعناها «التفسير» وهي تحوي كتابات تقاليد اليهود وتفسيرهم للشريعة الشفوية. وكانت بالعبرية ويعتبرونها «الناموس الثاني». والإقتباسات التي بها من التوراة تماثل النسخة المازورية، وهكذا تشهد لصحتها.

وهناك «الجيمارا» (الفلسطينية عام 200 م، والبابلية عام 500 م) - وهي تفاسير مكتوبة بالأرامية، مبنية على «المشنا»، وما بها من اقتباسات من التوراة يؤكد صحة النص المازوري.

والمشنا والجيمارا البابلية يكّونان ما يسمى بالتلمود البابلي، كما أن المشنا والجيمارا الفلسطينية يكّونان التلمود الفلسطيني.

وهناك «المدراش» (كتب ما بين 100 ق.م - 300 م) وهو دراسات عقائدية في العهد القديم، وما به من اقتباسات يتفق مع النص المازوري.

وهناك «الهكسابلا» (أي السداسية) (185-254 م) قام بها أوريجانوس وتحتوي على ستة أعمدة أولها الترجمة السبعينية، ثم ترجمة أكويلا، ثم ترجمة تيوداتيان، ثم ترجمة سيماخوس، ثم النص العبري (في حروف عبرية) ثم النص العبري في حروف يونانية. وما جاء بها مع ما جاء في كتابات فيلو ويوسيفوس وما وجد من مخطوطات خربة قمران يكشف لنا أنهم جميعاً اقتبسوا من نص يماثل النص المازوري، وذلك فيما بين 40-100 م.

ثانياً براهين داخلية على صحة الكتاب المقدس

1 - الشك في جانب المخطوطة:

لا زال النقّاد الأدبيون اليوم يتبعون قول الفيلسوف أرسطو إن الشك يجب أن يكون في جانب المخطوطة، وليس في جانب الناقد الذي يدّعي ضدها بغير حق! (18). ويقول مونتجومري: «وعلى هذا فإن الناقد يجب أن يصغي إلى المخطوطة التي يدرسها، ولا يفترض فيها الخطأ أو التحريف إلا إذا ناقض الكاتب نفسه أو ذكر وقائع غير صحيحة» (18).

ويقول روبرت هورن: «متى يمكن أن نقول عن صعوبة إنها حجة ضد عقيدة؟ إن هذا يتطلب ما هو أكثر من مجرد التناقض الظاهري، إذ يجب أن ندرك: أولاٌ - أننا فهمنا ما نقرأه تماماً، وفهمنا استعمال الكلمات والأرقام. وثانياً - يجب أن نلمّ بكل المعرفة عن موضوع الجدل. وثالثاً - أننا وصلنا للدرجة التي لا نحتاج معها إلى مزيد من نور على الموضوع، وأننا أكملنا كل البحوث عن النص وعلم الحفريات.. ألخ».

ويمضي هورن ليقول: «إن الصعوبات التي ليست حجة كافية للحكم ضد المخطوطة، فإن المشكلات ليست بالضرورة أخطاء. ونحن بذلك لا نستهين بالصعاب، ولكننا نضعها في إطارها الصحيح. إن الصعوبات تدفعنا للمزيد من البحث. لا يمكن أن نقول: هنا غلطة بالتأكيد حتى نصل إلى المرحلة التي نقول فيها أننا عرفنا كل ما يلزم عن موضوع ما. ومن الواضح أن صعوبات كثيرة انتهت بعد مزيد من الدرس والمعرفة وبخاصة منذ بداية القرن الحالي» (19).

وعلى هذا فليس من الصائب أن نحكم ضد حقائق في الكتاب المقدس بأنها أخطاء، حتى ندرس موضوعها دراسة كافية تنفي كل جهل!

2 - المراجع أساسية وقيّمة:

الذين كتبوا الكتب كانوا شهود عيان:

لوقا 1: 1-4 «إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي ٱلأُمُورِ ٱلْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا ٱلَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ ٱلْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ، رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ ٱلأَّوَلِ بِتَدْقِيقٍ، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى ٱلتَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، لِتَعْرِفَ صِحَّةَ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ».

2 بطرس 1: 16 «لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُّوَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ».

1 يوحنا 1: 3 «ٱلَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ ٱلآبِ وَمَعَ ٱبْنِهِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ».

أعمال 2: 22 «يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ رَجُلٌ قَدْ تَبَرْهَنَ لَكُمْ مِنْ قِبَلِ ٱللّٰهِ بِقُّوَاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا ٱللّٰهُ بِيَدِهِ فِي وَسَطِكُمْ، كَمَا أَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ».

يوحنا 19: 35 «وَٱلَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌّ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ».

لوقا 3: 1 «وَفِي ٱلسَّنَةِ ٱلْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ، إِذْ كَانَ بِيلاَطُسُ ٱلْبُنْطِيُّ وَالِياً عَلَى ٱلْيَهُودِيَّةِ، وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى ٱلْجَلِيلِ، وَفِيلُبُّسُ أَخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى إِيطُورِيَّةَ وَكُورَةِ تَرَاخُونِيتِسَ، وَلِيسَانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى ٱلأَبِلِيَّةِ».

أعمال 26: 24-26 «وَبَيْنَمَا هُوَ يَحْتَجُّ بِهٰذَا، قَالَ فَسْتُوسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: أَنْتَ تَهْذِي يَا بُولُسُ! ٱلْكُتُبُ ٱلْكَثِيرَةُ تُحَّوِلُكَ إِلَى ٱلْهَذَيَانِ. فَقَالَ: لَسْتُ أَهْذِي أَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ فَسْتُوسُ، بَلْ أَنْطِقُ بِكَلِمَاتِ ٱلصِّدْقِ وَٱلصَّحْوِ. لأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، عَالِمٌ ٱلْمَلِكُ ٱلَّذِي أُكَلِّمُهُ جِهَاراً، إِذْ أَنَا لَسْتُ أُصَدِّقُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذٰلِكَ، لأَنَّ هٰذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي زَاوِيَةٍ!».

ويقول بروس أستاذ النقد الكتابي بجامعة مانشستر: «لقد عرف الكارزون الأولون بالإنجيل قيمة شهادة العيان، فمضوا يقولون إنهم «يشهدون بما رأوه» تأكيداً لأقوالهم. ولم يكن من السهل على أحد أن يضيف شيئاً على ما قاله المسيح أو فعله حقيقة، فقد كان عدد كبير من التلاميذ ومن شهود العيان موجودين عندئذٍ ، وهم يذكرون كل ما حدث» .

ولقد كان المسيحيون الأولون يدققون في التمييز بين ما قاله يسوع فعلاً، وبين ما يرونه هم أو يفتكرونه. فمثلاً عندما يناقش بولس مسألة الزواج في كورنثوس الأولى الأصحاح السابع يفرق بين نصيحته الشخصية وبين رأي الرب فيقول: «أَقُولُ لَهُمْ أَنَا لاَ ٱلرَّبُّ» ويقول: «َأُوصِيهِمْ، لاَ أَنَا بَلِ ٱلرَّبُّ».

ولم يعتمد التلاميذ على شهود العيان وحدهم، بل كان هناك آخرون يعرفون أحداث خدمة يسوع وموته، وكان الوعّاظ الأنجيليون الأولون يذكرون السامعين بما سبق وعرفوه: «عَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا فِي وَسَطِكُمْ» (أعمال 2: 22). ولو أن الوعّاظ انحرفوا أقل انحراف عن الحقائق في أي موقف، لواجههم السامعون المعادون لهم بالتصحيح والمقاومة (15).

3 - المراجع قديمة وأصلية:

يعتبر العلماء العهد الجديد كتاباً قديماً أصلياً يرجع إلى القرن الأول الميلادي (18).

رسائل بولس بين أعوام 50-66 م.

إنجيل مرقس 50-60 م.

إنجيل متى 70-80 م.

إنجيل لوقا وأعمال الرسل أوائل الستينات م وهناك برهان قوي على أن لوقا كتبهما.

إنجيل يوحنا 80-100 م.

ويقول كنيون إنه من المؤكد أن إنجيل يوحنا كتب قبل نهاية القرن الأول الميلادي. ويقول نلسون جلويك، وهو حجّة في ميدانه، إننا نقدر أن نقول بتأكيد، على أساس علمي متين، إن كل كتب العهد الجديد كتبت قبل عام 80 م. وإن كل سفر من العهد الجديد كتبه شخص يهودي تمت معموديته للمسيحية فيما بين عام 40 و 80 م (20). (والأرجح فيما بين 50-75 م).

ثالثاً: براهين خارجية على صحة الكتاب المقدس

هل المعلومات التاريخية الأخرى تؤيّد أو تعارض ما جاء في مخطوطات الكتاب المقدس؟ وأي مراجع من خارج مخطوطات الكتاب تسند صحة الكتاب؟

ونقدم هنا رأي بعض الكتّاب في ذلك:

  1. يوسابيوس - نقل كتابات بابياس أسقف هيرابوليس (130 م) التي استقاها بابياس من الرسول يوحنا، والتي تقول:

    «كان يوحنا الشيخ يقول: مرقس مترجم بطرس سجل بدقة كل ما قاله بطرس عما فعله يسوع أو علم به، ولكن بدون ترتيب تاريخي، لأن مرقس لم يكن سامعاً أو مصاحباً للمسيح، ولكنه رافق بطرس بعد ذلك. وقد راجع بطرس كتابات مرقس وأقرها، دون أن تكون تجميعاً كاملاً لتعاليم المسيح. وهكذا فإن مرقس لم يخطئ وهو يسجل عن بطرس ما ذكره، دون أن يحذف شيئاً مما سمعه، ودون أن يضيف إليه شيئاً غير صحيح».

  2. ويقول بابياس عن إنجيل متى: «سجل متى الأقوال باللغة الأرامية».

  3. أيريناوس، أسقف ليون (180 م) وهو تلميذ بوليكاربوس أسقف سميرنا الذي استشهد عام 156 م والذي كان بدوره تلميذاً للبشير يوحنا، وقد كان أيريناوس سبباً في إيمان كل أهل ليون، وأرسل كارزين إلى كل أجزاء أوربا الوثنية.

    وقد كتب أيريناوس في دفاعه الثالث ضد الهرطقات، يقول: «أن أساس الأناجيل قوي حتى أن الهراطقة أنفسهم يشهدون لصحتها، ويحاولون منها أن يثبتوا عقائدهم الخاطئة».

    ويمضي أيرناوس ليقول: «وكما أن للعالم أربعة أركان وأربعة رياح، وكما انتشرت المسيحية في كل الأرض، وكما أن الأنجيل هو عامود الكنيسة الأساسي ونسمة حياتها، فإنه من الواجب أن تكون له أربعة أعمدة تبعث الخلود في كل جهة، وتضرم الحياة الجديدة في البشر. وهكذا فإن «الكلمة» مهندس كل شيء الجالس فوق الكروبيم والضابط لكل شيء، بعد أن أظهر نفسه للناس، أعطى الأناجيل في أشكالها الأربعة، لكنها مرتبطة بالروح الواحد» .

    ثم يكتب: «نشر متى إنجيله وسط اليهود بلغتهم، بينما كان بطرس وبولس يكرزان بالإنجيل في روما ليؤسسا الكنيسة هناك. وبعد موتهما (يقول التقليد إنه حدث في حكم نيرون عام 64 م) سلم مرقس تلميذ بطرس ومترجمه، إنجيله مسجلاً به ما كان يكرز بها. أما لوقا (تابع بولس) فقد سجل في كتاب ما كان معلّمه يكرز به».

    «ثم أن يوحنا تلميذ الرب والذي كان يتكئ على صدره (يوحنا 13: 25،21: 20) سجل إنجيله بينما كان في أفسس في آسيا».

  4. ويقول السير وليم رمزي: «لا يُعلى على تَأْريخ لوقا من جهة صحته ودقته».

  5. ويستخدم أكليمندس الروماني (95) الكتب المقدسة باعتبارها صادقة يعتمد عليها.

  6. أغناطيوس (70-110 م) أسقف أنطاكية الذي استشهد بسبب إيمانه، وكان يعرف كل الرسل، وكان تلميذاً لبوليكاربوس، تلميذ يوحنا، قال: «أفضل أن أموت لأجل المسيح من أن أملك العالم كله. إتركوني للوحوش حتى أصبح شريكاً مع الرب». وقد أُلقي للوحوش في الكوليزيوم في روما. وقد كتب رسائله خلال رحلته من أنطاكية إلى روما حيث استشهد.

    وقد شهد أغناطيوس للأسفار المقدسة، إذ بنى إيمانه عليها. وكان لديه من المصادر ما يتأكد به من صحة النصوص المقدسة ويقبل الموت شهيداً للحق الذي جاء بها (21).

  7. بوليكاربوس (70-156 م) تلميذ يوحنا الذي استشهد في السادسة والثمانين من عمره بسبب ولائه الكامل للمسيح وللكتاب المقدس. وكان استشهاده تأكيداً منه للحق الذي آمن به. ونحو 155 م أثناء حكم أنطونيوس بيوس، جاء إضطهاد على سميرنا، واستشهد عدد من أعضاء كنيسته، وعُرف عنه أنه قائد الكنيسة، فحُكم عليه بالموت، وعندما طلب منه الحاكم التراجع عن إيمانه لينجو بحياته قال: «لقد خدمته 86 سنة لم يخطئ خلالها إليَّ، فكيف أخطئ في حق ملكي الذي خلصني.» فأحرقوه. ولا بد أن ثقته بالحق الذي عرفه من مصادره الأولى، هي التي جعلته يموت لأجله (21).

  8. فلافيوس يوسيفوس المؤرخ اليهودي:

    الفرق بين ما يقوله يوسيفوس وما يقوله العهد الجديد عن معمودية يوحنا المعمدان (مرقس 1: 4) هو أنه لا يقول إنها كانت معمودية لمغفرة الخطايا. كما يقول أن موت المعمدان كان لأسباب سياسية وليس بسبب توبيخ الملك على زواجه من إمرأة أخيه. ويقول بروس إنه من المحتمل أن هيرودس رأى أن يقتل عصفورين بحجر واحد بسجن يوحنا. ويقول بروس إن العهد الجديد يهتم بالنواحي التاريخية الروحية، كما أن رواية العهد الجديد أقدم، وعليه فأنها أصح. ولكن الإطار العام لتاريخ يوسيفوس يؤيد الأناجيل (15).

    ويقول يوسيفوس عن المعمدان: «ظن بعض اليهود أن الله هو الذي حطم جيش هيرودس إنتقاماً ليوحنا الملقب بالمعمدان الذي قتله هيرودس رغم صلاحه، فقد كان يحضّ اليهود على الفضائل، وأن يكونوا بارين بعضهم ببعض، وأتقياء أمام الله، كما كان يدعوهم للمعمودية. وكان المعمدان يعلّم أن المعمودية مقبولة عند الله، لا لمغفرة الخطايا بل لتطهير الجسد، إن كانت النفس قد تطهّرت من قبل ذلك بالبر. وعندما اجتمع كثيرون حوله (لأنه كان يجتذبهم بكلامه) خاف هيرودس من سلطانه على الناس، لئلا يثير شغباً، لأن الناس كانوا يطيعون مشورته في كل شيء، فرأى من الأفضل أن يقبض عليه ويقتله قبل أن يحدث ثورة! وبسبب شك هيرودس فيه أرسله مسلسلاً إلى حصن «ماكاروس»، حيث قتله. واعتقد اليهود أن الله أهلك الجيش انتقاماً ليوحنا، لأن الله أراد أن يجلب الشر على هيرودس» (15).

  9. تاتيان (170 م) مسيحي أشوري كتب الدياطسرون الذي بيّن فيه إتفاق البشيرين الأربعة.

رابعاً: براهين من علم الحفريات والآثار

قال عالم الآثار اليهودي نلسون جلويك: «لم يحدث اكتشاف أثري واحد ناقض ما جاء في الكتاب المقدس. إن التاريخ الكتابي صحيح تماماً بدرجة مذهلة، كما تشهد بذلك الحفريات والآثار» (7).

ويقول وليم أولبرايت أحد عظماء علماء الحفريات: «لا شك أن علم الآثار القديمة قد أكد صحة تاريخ العهد القديم، فانهدمت الشكوك التي قامت خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في الكتاب المقدس، بعد أن أثبتت الإكتشافات - الواحد بعد الآخر - دقة التفاصيل الكثيرة التي تؤكد قيمة الكتاب المقدس كمرجع تاريخي» (22).

ويقول الأستاذ رولي: «إن موافقة علماء الآثار على صحة التاريخ الكتابي لا ترجع إلى توفر النظرة المحافظة عند العلماء المعاصرين، بل إلى كثرة الأدلة التي بين أيديهم على صحة تاريخ الكتاب المقدس» (23).

ويقول ميلر باروز من جامعة ييل: «لقد محقت الإكتشافات الأثرية نظريات النقد الحديث، فقد أثبتت مراراً كثيرة، أن هذه النظريات ترتكز على افتراضات باطلة ونظرات تاريخية مصطنعة وغير صحيحة، وهذا أمر جدير بكل اعتبار».

ويقول بروس: «أن المواضع التي كان يُتهم فيها لوقا بعدم الدقة، ثبتت بعد ذلك دقتها بأدلة خارجية، مما يجعل من الحق أن نقول إن علم الآثار قد أكد صحة العهد الجديد».

ويقول مرل أنجر (مؤلف كتاب علم الآثار والعهد الجديد): «لقد كشفت الحفريات عن أمم قديمة جاء ذكرها في العهد القديم، وأظهرت تاريخ أشخاص مهمّين، وملأت فراغات كثيرة مما ساعد على فهم التاريخ الكتابي» (24).

إن علم الآثار القديمة قد بعث إحتراماً كاملاً للكتاب المقدس كوثيقة تاريخية صحيحة، وظهر أن شكوك بعض علماء الكتاب المقدس راجعة إلى تحيّزهم ضد المعجزات، وليس إلى التقييم الدقيق للتاريخ الكتابي!

لقد رأينا كيف عاونت المخطوطات القديمة، التي اكتشفها علماء الحفريات والآثار، على التأكد من سلامة النصوص الموجودة معنا للكتاب المقدس، وأنها نقلت إلينا عبر القرون بكل دقة وأمانة. كما أن التواريخ المسجلة في حفريات فلسطين أكدت سلامة القصص الكتابية، مما جعلها موضع الإحترام المتزايد عند هؤلاء العلماء.

ويقول السير فردريك كنيون: «لقد وجهت انتقادات حادة إلى جزء من تاريخ العهد القديم، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولكن علم الآثار القديمة أعاد إلى هذا الجزء سلطانه، كما كشفت الخلفية التاريخية له. ولم يصل علم الآثار إلى نهاية اكتشافاته، ولكن النتائج التي وصل إليها تؤكد ما يقوله الكتاب المقدس. إن الكتاب المقدس يستفيد من زيادة معرفة علماء الآثار القديمة!» (25).

ويقول برنارد رام: «لقد أعطانا علم الآثار القديمة برهاناً على صحة النسخة المازورية. فهناك ما يعرف بـ ختم إرميا (وهو ختم يختمون به على البيومين الذي يغلقون به الأواني التي يحفظون بها الخمور) يرجع تاريخه إلى القرن الأول أو الثاني الميلادي، وعليه ما جاء في إرميا 48: 11. وهذا يؤكد لنا صحة النص المازوري. وهذا الختم يؤكد لنا صحة النص الذي انتقل إلينا من وقت عمل الختم إلى وقت كتابة المخطوطات. فضلاً عن أن بردية روبرت التي ترجع إلى القرن الثاني ق.م. وبردية ناش التي يقول أولبرايت: إنها ترجع إلى 100 ق.م. تؤكد أن صحة النص المازوري» (26).

ويقول الدكتور أولبرايت: «إن النور الدافق (الصادر من الإكتشافات في أطلال مدينة يوجاريت) والذي ألقى بضيائه على الشعر العبري القديم، يؤكد لنا أن نشأة الشعر الكتابي قديمة، وأن نقله تمّ بأمانة وصدق» (27).

ويقول: «حتى وقت قريب كان إتجاه المؤرخين الكتابيين أن آباء سفر التكوين جاءوا من خلق خيال الكتبة العبرانيين بعد إنقسام مملكة سليمان، وأنهم لم يكونوا أشخاصاًحقيقيين».

«ولكن هذا كله قد تغيّر، فإن الإكتشافات والحفريات منذ 1925 أثبتت صدق قصص التكوين كوقائع تاريخية، فإن آباء العبرانيين كانوا من البدو الذين سكنوا عبر الأردن وسوريا وحوض الفرات وشمال الجزيرة العربية في القرون الأخيرة من الألف الثانية ق.م.، والقرون الأولى من الألف الأولى» (28).

1 - نماذج من حفريات تبرهن صحة العهد القديم:

  1. يقول سفر التكوين إن أصل بني إسرائيل من بلاد ما بين النهرين، وقد برهنت الحفريات صحة هذا. ويقول أولبرايت: «لا شك أن التقليد العبري صادق في أن الآباء جاءوا من وادي بالخ في شمال غرب بلاد ما بين النهرين». ويجيء البرهان من تتبع آثار حركة هؤلاء الناس من خروجهم من بلاد ما بين النهرين (28).

  2. يقول سفر التكوين إنه قبل بناء برج بابل كانت الأرض تتكلم لغة واحدة (تكوين 11: 1). وبعد بناء كل البرج بلبل الله لسان كل الأرض (تكوين 11: 9). ويتفق كثيرون من علماء اللغات حالياً على صحة هذه النظرية. ويقول ألفريدو ترومبيتي إنه يستطيع أن يتابع ويبرهن الأصل المشترك لكل اللغات. ويذهب أوتوياسبرسن إلى أبعد من ذلك ويقول إن اللغة جاءت للإنسان الأول من الله (29).

  3. في سلسة نسب عيسو جاء ذكر الحوريين (تكوين 36: 20) وقد جاء وقت ظن فيه الناس أن الحوريين كانوا سكان الكهوف، لقرب الشّبه بين كلمة «حوريين» وكلمة «كهف» العبرية. ولكن الحفريات الحديثة أظهرت أنهم كانوا جماعة من المحاربين عاشوا في الشرق الأوسط في عصر الآباء الأولين.

  4. خلال الحفريات في أريحا (1930-1936 م) وجد العالم «جارستانج» شيئاً غريباً جعله يحرر وثيقة يوقع عليها هو وإثنان من العلماء زملائه، يقول فيها: لا شك في حقيقة أن أسوار أريحا سقطت تماماً إلى الخارج في مكانها، حتى يتمكن المهاجمون من أن يصعدوا فوقها ويدخلوا أريحا. والغريب في ذلك أن أسوار المدن لا تسقط عادة إلى الخارج بل تسقط إلى الداخل، ولكن أسوار أريحا سقطت في مكانها إلى الخارج كما جاء في (يشوع 6: 20،22).. « فَسَقَطَ ٱلسُّورُ فِي مَكَانِهِ، وَصَعِدَ ٱلشَّعْبُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ كُلُّ رَجُلٍ مَعَ وَجْهِهِ، وَأَخَذُوا ٱلْمَدِينَةَ» (30).

  5. نجد أن سلسلة نسب إبراهيم صحيحة تماماً، ولكن ثار التساؤل: إن كانت هذه أسماء أشخاص أو أسماء مدن قديمة. والكتاب المقدس يقول إن إبراهيم شخص وإنه تاريخي. ويقول باروز: «تؤكد كل الحقائق إن إبراهيم شخص تاريخي عاش فعلاً. ويجيء إسمه في آثار بابل كإسم شخص كان يعيش في تلك الحقبة التي ينتمي إبراهيم إليها» (31).

    ولقد جرت محاولات لنقل تاريخ حياة إبراهيم إلى القرن الخامس عشر أو الرابع عشر قبل الميلاد، وهو وقت متأخر جداً عن وقت وجوده. ولكن أولبرايت يقول إنه بسبب الحقيقة التي ذكرها باروز، ولدلائل أخرى هامة من أسماء أشخاص وبلاد، يكون إبراهيم قد عاش في زمن يسبق الزمن الذي كان يحدده له العلماء (28) على غير أساس صحيح.

  6. ومع أن رجال الحفريات لم يكتشفوا بعد الأدلة على صحة كل قصص آباء العهد القديم، إلا أن العادات الإجتماعية المذكورة في القصص مناسبة تماماً للحقبة والموقع اللذين يقول الكتاب المقدس أنها حدثت فيهما. وقد جاء الكثير من البراهين على صحة هذا من حفريات نوزو وماري، كما ألقي الكثير من الضوء على اللغة والشعر العبري من حفريات يوجاريت. لقد وجدت الشرائع الموسوية في شرائع الحثيين والأشوريين والسومريين. وبمقارنة حياة العبرانيين مع حياة أولئك الشعوب، نرى أن العبرانيين قدموا معونة ضخمة للعالم.

    لقد قادت هذه الإكتشافات جماعة العلماء - بغض النظر عن إيمانهم الديني - إلى تأكيد صحة الطبيعة التاريخية لقصص الآباء العبرانيين القدماء (مرجعا 23،27).

  7. قال الناقد المشهور يوليوس ولهاوزن في القرن التاسع عشر إن القول إن المرحضة صنعت من المرايا النحاسية أمر دخيل على القصة القديمة، وعليه فإنه يعتقد أن قصة بناء خيمة الإجتماع كتبت بعد عصر موسى بكثير! ولم يكن عند ولهاوزن برهان على أن المرايا المعدنية لم تصنع إلا في عام 500 ق.م، أي بعد عصر موسى بكثير. ولكن الحفريات أظهرت وجود مرايا برونزية في عصر الإمبراطورية في مصر (1500-1200) ق.م، وهي الحقبة التي عاش فيها موسى (1500-1400 ق.م.) (29).

  8. ويقول هنري موريس في كتابه «الكتاب المقدس والعلم الحديث»: «لا زالت هناك مشكلات بلا حل، ونحن نتوقع أن تجيء حفريات جديدة تزيلها، كما أزالت الحفريات التي تمت الكثير من اللبس. وفي كل ما تم كشفه من حفريات لم يحدث مرة واحدة أن ما اكتشف تعارض مع الكتاب المقدس» (32).

2 - نماذج من حفريات تبرهن صحة العهد الجديد:

  1. مكانة لوقا كمؤرخ لا يرقى إليها الشك. ويقول أنجز إن علم الآثار القديمة أثبت صحة قصة الأناجيل وعلى الأخص إنجيل لوقا. ويقول: «هناك اتفاق عام اليوم على أن سفر الأعمال من قلم لوقا وأنه يرجع للقرن الأول م، وأنه بقلم مؤرخ صادق دقيق في مراجعِهِ» (24).

    يعتبر السير وليم رمزي أحد عظماء رجال الآثار قاطبة، وقد تتلمذ على المدرسة التاريخية الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر. ولذلك فقد اعتقد أن سفر الأعمال كتب في منتصف القرن الثاني م. وقد مضى يبحث عن أدلة على هذه الفكرة، ولكن بحوثه جعلته ينقض هذه الفكرة تماماً، فكتب يقول: «لقد بدأت بحثي بدون تحيز أو إتجاه للفكرة التي انتهيت إليها. بل بالعكس: لقد بدأت وأنا ضد الفكرة، لأن المدرسة الألمانية التي انتميت إليها كانت ضدها. ولم يكن في نيتي مطلقاً أن أفحص هذا الموضوع. ولكن بعد بحث دقيق وجدت أن سفر الأعمال مرجع عظيم المعالم الجغرافية والتاريخية للمجتمع في آسيا الصغرى، ولقد وجدت أن المعلومات الواردة فيه صحيحة بصورة مذهلة.. ومع أنني - في الحقيقة -بدأت بحثي وفكرتي الراسخة أنه كتب في القرن الثاني، ولا يمكن الإعتماد عليه فيما يختص بتاريخ القرن الأول، إلا أنني خرجت من أبحاثي بهذه النتيجة: وهي أنه أكيد استطاع أن يحل لي الكثير من الغموض والمشكلات».

    ويظهر رمزي احتراماً كبيراً للوقا كمؤرخ، فيقول: «لوقا مؤرخ من الدرجة الأولى، لا لأن عباراته صادقة تاريخياً فحسب، لكن لأنه يملك حاسة تاريخية حقيقية، فإنه يركز على الفكرة والخطة التي تحكم تطور التاريخ، ويزن أهمية كل حادثة يوردها. وهو يعالج كل الحوادث الهامة مظهراً طبيعتها الحقيقية باستفاضة، بينما يعالج بسرعة، أو يغفل تماماً، ما لا قيمة له بالنسبة لقصده. وباختصار يجب اعتبار هذا الكاتب ضمن عظماء المؤرخين» (34).

    ولقد ظن البعض أن لوقا أخطأ وهو يصّور الأحداث التي أحاطت بولادة المسيح (لوقا 2: 1-3) قائلين إنه لم يحدث اكتتاب (تعداد) وإن كيرينيوس لم يكن والياً على سورية في ذلك الوقت، وإنه لم يكن هناك داعٍ لأن يذهب كل واحد إلى مدينته.

    ولكننا اليوم نعلم، بدون أي شك، أن الرومان كانوا بانتظام يعملون إحصاء لدافعي الضرائب، كما كانوا يعملون تعداداً عاماً كل 14 سنة. وقد بدأ هذا النظام في عهد الإمبراطور أغسطس، وتم أول تعداد في عام 23-22 ق.م أو 9-8 ق.م وتكون إشارة لوقا للتعداد الأخير.

    ووجدنا دليلاً على أن كيرينيوس كان والياً على سورية عام 7 ق.م وذلك من كتابة وجدت في أنطاكية. ومن هذا نرى أنه كان حاكماً مرتين مرة في 7 ق.م ومرة في سنة 6 م (وهو التاريخ الذي يذكره المؤرخ يوسيفوس) (35).

    ووجدت بردية في مصر تذكر كيفية إجراء التعداد، تقول: «بسبب التعداد القادم يجب على كل من يقيم بعيداً عن بيته لأي سبب أن يجهز نفسه للعودة إلى موطنه الأصلي وحكومته لإستكمال تسجيل العائلات في هذا التعداد ولتعود الأرض المزروعة إلى أصحابها».

    كما ظن رجال الحفريات أن لوقا أخطأ عندما قال إن لسترة ودربة مدينتان في ليكأونية، ولكن إيقونية ليست كذلك (أعمال 14: 6). وقد بنوا افتراضهم هذا على كتابات بعض الرومان مثل شيشرون الذين قالوا إن إيقونية في مقاطعة ليكأونية. واستنتجوا أن سفر الأعمال لا يعتمد عليه. لكن في سنة 1910 وجد السير وليم رمزي شاهداً أثرياً على أن إيقونية كانت مدينة في مقاطعة فرجية. وقد برهنت الحفريات التالية صدق ذلك (29).

    ويقول لوقا إن ليسانيوس كان رئيس ربع (TETRARCH)على الأبلية (لوقا 3: 1) في بدء خدمة يوحنا المعمدان عام 27 م. وكان ليسانيوس الذي يعرفه المؤرخون قد قُتل عام 36 ق.م. لكن شاهداً وجد بقرب دمشق يقول «معتوق ليسانيوس رئيس الربع» ويرجع تاريخ الشاهد ما بين 14 و 29 م (36).

    وفي الرسالة إلى رومية المكتوبة من كورنثوس يقول بولس إن أراستس هو خازن المدينة (رومية 16: 23). وعند الحفر في كورنثوس عام 1929 وجد شاهد رخامي يقول: «أراستس المشرف على المباني العامة أرسى هذا على نفقته الخاصة».

    ويرجع تاريخ الشاهد إلى القرن الأول الميلادي، والأرجح أن أرستس هذا هو نفسه الذي ذكره بولس (15).

    وقد وجد في كورنثوس شاهد رخامي آخر يقول: «مجمع العبرانيين» ولعله كان على باب المجمع الذي حاج فيه بولس (أعمال 18: 4-7). وهناك شاهد آخر مكتوب عليه «الملحمة» التي ذكرها بولس (1 كورنثوس 10: 25).

    وكم نشكر علماء الحفريات الذين كشفوا معظم المدن القديمة التي وردت أسماؤها في سفر الأعمال. ونتيجة لذلك يمكن أن نتابع كل رحلات بولس (15: 20).

    ويتحدث لوقا عن شغب جرى في أفسس، وعن «محفل» في مسرح المدينة (أعمال 19: 23). وقد وجدت هناك كتابة تتحدث عن تمثال أرطاميس (ديانا) الفضي الذي وضع في المسرح خلال «المحفل». وقد وجد أن المسرح (عند الحفر عنه) يسع 25 ألف شخص! (36).

    ويتحدث لوقا عن شغب آخر جرى في أورشليم لأن بولس أدخل أممياً إلى الهيكل (أعمال 21: 28). وقد وجدت كتابة باللغتين اليونانية واللاتينية تقول: «ممنوع دخول الأجانب عبر هذا الحاجز المحيط بالهيكل وما يتبع. وكل من يُقبض عليه داخل الحاجز سيكون هو الجاني على نفسه بعقوبة الموت». وهذا أيضاً يبرهن ما قاله لوقا (36).

    وقد كان هناك شك في استخدام لوقا لبعض الكلمات، فهو يقول إن فيلبي جزء من مقاطعة مكدونية. ويستعمل لوقا كلمة يونانية هي «Meris» التي تعني جزءاً أو منطقة. وقد احتج هورث على استعمال لوقا لهذه الكلمة قائلاً إنها لا تعني «مقاطعة». ولكن الحفريات برهنت على أن هذه الكلمة تصف أقسام المقاطعة، وهكذا برهنت الحفريات على دقة لوقا (29).

    وقد استخدم لوقا كلمة «والي» (Proconsul) كلقب لغاليون (أعمال 18: 12) وثبت أن هذا هو اللقب المضبوط كما جاء في كتابة تم اكتشافها في دلفي جاء فيها: لوسيوس جونيوس غاليون صديقي، ووالي أخائية وهذه الكتابة نفسها (52 م) تعطينا التاريخ المضبوط لإقامة بولس في كورنثوس للكرازة مدة 18 شهراً، فقد تولى غاليون ولايته في أول يوليو (تموز)، واستمرت ولايته سنة واحدة، خدم خلالها بولس في كورنثوس (36).

    ويطلق لوقا على الحاكم في مالطة لقب «مقدم الجزيرة» (أي الرجل الأول فيها) (أعمال 28: 7) وقد أظهرت الحفريات أن هذا كان لقب الحاكم فعلاً.

    ويسمي لوقا رجال الحكم المدني في تسالونيكي «الحكام» Poltarch (أعمال 17: 6) ولما لم تكن هذه الكلمة موجودة في الكتابات القديمة، قيل أن لوقا أخطأ. ولكن وجدت حوالي 19 كتابة بعد ذلك تستعمل هذا اللقب، خمس منها بالإشارة إلى تسالونيكي (36).

    وفي عام 1945 اكتشفت عظمتان في نواحي أورشليم عليهما كتابة بالجرافيت، قال مكتشفهما إنهما أول السجلات المسيحية، وكانتا في قبر كان مستعملاً قبل سنة 50 م. وعليهما كتابة تقول lesos lou and lesous Aloth ورسم لأربعة صلبان. ولعل الأولى صلاة لطلب العون من المسيح، والثانية صلاة لقيامة الشخص صاحب العظام (36).

  2. «البلاط» لمدة قرون لم نجد سجلاً عن القاعة التي حوكم فيها يسوع، وهي المدعوة «جباثا» أي البلاط (يوحنا 19: 13). وقال الكثيرون أن الكتاب أخطأ، فلم يوجد وقتها «بلاط»!

    ولكن الحفريات في فلسطين أظهرت أن «البلاط» كان في قلعة أنطونيا، مقر قيادة الجيش الروماني في أورشليم. وقد دمرت قاعة البلاط عام 66-70 م خلال حصار أورشليم، وظلت مدفونة، حتى عندما أُعيد بناء المدينة في عهد هارديان. ولم تُكتشف إلا حديثاً (32).

  3. «بركة بيت حسدا» - لم يكن هناك ما يدل على وجودها إلا في العهد الجديد. ولكنها وجدت الآن في شمال شرق المدينة القديمة. وقد وجد رجال الحفريات بقاياها في سنة 1888 م بالقرب من كنيسة القديسة حنة (36).

الخاتمة

بعد أن حاولت زعزعة الثقة في الكتاب المقدس، باعتبار أنه كتاب لا يحق الإعتماد عليه، وصلت إلى نتيجة أن الكتاب المقدس وثيقة صحيحة تاريخياً صحة تامة. ولو أن أحداً قال إن الكتاب المقدس ليس موضع إعتماد، لوجب عليه أن يرفض كل وثيقة أدبية قديمة.

ولكني أقابل مشكلة: هي قبول البعض للوثائق الأدبية القديمة، على أساس علمي، لكنهم يرفضون قبول الكتاب المقدس بناء على الأسس العلمية نفسها! وخليق بنا أن نستخدم ذات الأسس في فحص أية وثيقة سواء كانت دينية أم دنيوية!.

فإذا فعلنا هذا، فإنني متأكد أننا سنمسك الكتاب المقدس بيدنا قائلين «هذا الكتاب صحيح تاريخياً، وجدير بكل ثقة!».

الفصل الخامس الكتاب المقدس صادق في نبواته

نهدف في هذا الفصل إلى نبّوات جغرافية وتاريخية تحققت، مما يظهر صحّة نبّوة قائلها، بالرغم من أن تحقيقها كان مستحيلاً.

ومن النادر أن يجد الباحث فرصة لمثل هذه الدراسة الممتعة، ولكن عند الدرس والبحث نرى أن يد اللّه كانت على كتف أولئك الأنبياء عندما أعلنوا رسالة اللّه لسامعيهم. فالنبوات تُظهر أن اللّه كلي العلم وكلي القدرة، كما أنها برهان على وحي الكتب المقدسة.

ولقد قسمنا النبوات التي نقدمها إلى إثني عشر قسماً، في كل قسم نبوة خاصة ببلد أو أمة. غير أننا قدمنا لهذا الفصل بمقدمة عامة تساعد على متابعة البحث.

وهاك ملخصاً يساعد على متابعة ما جاء في هذا الفصل:

أولاً - مقدمة:

  1. تعريف بالنبوة.

  2. فحوص النبوة الصادقة.

  3. الإعتراض على النبوات.

ثانياً - نبوات تحققت عن:

  1. صور.

  2. صيدون.

  3. السامرة.

  4. غزة وأشقلون.

  5. موآب وعمون.

  6. البتراء وآدم.

  7. طيبة وممفيس.

  8. نينوى.

  9. بابل.

  10. كورزين وبيت صيدا وكفر ناحوم.

  11. إتساع أورشليم.

  12. فلسطين.

ثالثاً - الإحتمالات النبوية.

أولاً - مقدمة:

1 - تعريف بالنبوة:

قدمت دائرة المعارف البريطانية التعريف الآتي: «السجلات المدونة للنبوة العبرية في سفر إشعياء توضح أن معنى النبوة الأساسي هو الكلمة أو الرسالة الشفوية التي يعلن فيها رسول خاص من الله إرادة الله. أما العنصر النبوي في التهديد أو المواعيد فهو مشروط باستجابة السامعين (1: 18-20)، أو آية تحدث في المستقبل (7: 14) لأن كل ما يحدث يتمم مقاصد إرادة الله». ثم تمضي دائرة المعارف ذاتها لتقول: «ويضع إشعياء أهمية خاصة على إبراز أوجه الفرق بين آلهة بابل وبين يهوه، في أن يهوه ينفّذ ما سبق أن أنبأ به (48: 3). فنبوات الأنبياء هي إعلان لمقاصد الله الحي، أكثر منها لمصير الإنسان» (37).

أما التعريف الكتابي للنبي فهو أنه الشخص الذي يعلن إرادة الله، والمستقبل، للشعب، كما يرشده الوحي الإلهي. وعلاوة على أنه ينادي بالقضاء على الخطأ، والدفاع عن الحق والبر، والشهادة لسمو الاخلاق على الطقوس الشكلية، فإن النبّوة وثيقة الارتباط بمقاصد نعمة الله من نحو شعبه (ميخا 5: 4،7: 20، أشعياء 6: 3،65: 25).

ويهدف النبي إلى جوار إعلان الأتيات، أن يعلن صفات الله وما يعمله، حسب مسرة مشيئته. وباختصار هو يعرف الناس بالله وبإرادته وعمله.

ولكل نبي أسلوبه الخاص في الإعلان.. ومع أن الطابع الشخصي لكل واحدٍ منهم باقٍ إلا أن ما يعلنونه هو الحق الواحد، بفضل سيطرة الروح القدس الكاملة! ويظن البعض أن كل ما يفعله النبي هو الإخبار بالمستقبل، وهذا حق. ولكن كانت رسالة النبي تشمل الإصلاح الإجتماعي والسياسي، عن طريق الكرازة بالبر والنهضة الروحية، مع إعلان القصاص للمخطئ والجزاء للمحسن. وقد تكلم الأنبياء بطريقة روحية تعكس إرادة الله وتطالب بالطاعة له.

ولم تكن إعلانات الأنبياء للإثارة لكنهم أعلنوها بسبب الأحوال التي كانت تحيط بهم (قارن تثنية 18: 22). وفي كل إصحاح ينبئ بالخراب نجد السبب الذي جاء بهذا الخراب.

وترجع النبوة الأولى في الكتاب إلى عصر آدم وحواء، عندما جاء الوعد بالفداء في التكوين (3: 15 و 16). وكان أخنوخ وإبراهيم وموسى من الأنبياء الأولين (العدد 12: 6 - 8، التثنية 18: 18، يوحنا 6: 14، 7: 40).

والنبوة مصدرها اللّه (1 صموئيل 9: 9، 2 صموئيل 24: 11).

ويوضح الكتاب أن التنبُّؤ بالمستقبل علامة على قوة اللّه ومجده، وبرهان على سمو كلامه، كما أنه استجابة اللّه لصلوات البشر واحتياجاتهم، لأنه لما كان اللّه يعلن المستقبل (العمل الذي يعجز البشر عن عمله) ولما كان يرى المستقبل قبل وقوعه، فإن كل مؤمن يجب أن يطمئن لأنه لا يحدث شيء لم يعيّنه اللّه! (38).

2 - فحوص النبوة الصادقة:

حدثت في التاريخ الكتابي منازعات حول «من هو النبي الصادق؟» (ملوك أول 13: 18 - 22، أصحاح 22، أرميا 28). وكان حل النزاع عملياً أكثر منه أكاديمياً، فإن هناك صفات تظهر النبي الكاذب من الصادق.

ومن صفات النبي الكاذب «النشوة الصوفية النبوية» وهي حالة تظهر بدون إنذار سابق وفي حالات خاصة، خصوصاً بعد سماع نوع خاص من الموسيقى. وقد ظهر مع مثل هذه الحالات خروجٌ عن الشعور، مع ضياع الإحساس. ولكن ليست هذه الصفة فيصلاً في الحكم على النبي الكاذب، رغم أنها ظهرت على أنبياء البعل الكنعانيين.. فإن النبي أشعياء (في رؤياه في الهيكل) وحزقيال النبي إختبرا ما نسميه «نشوة صوفية».

وهناك صفة أخرى للنبي الكاذب، أنه عادة مأجور من الملك «ليتنبأ» بما يريده الملك. لكن هذه الصفة أيضاً ليست فيصلاً في الحكم على النبي الكاذب، فإن الأنبياء صموئيل وناثان وحتى عاموس، كانوا يعتبرون لحدٍّ ما أنبياء رسميين للدولة، ولكنهم كانوا أنبياء صادقين.

ولكن العهد القديم يقدم لنا ثلاث فقرات كتابية هي التثنية 13، 18، إرميا 23، وحزقيال 12: 21 - 14: 11، تصف النبي الكاذب.

أما التثنية 18 فيقول أن النبوة التي لا تتحقق، هي كاذبة لكن هذه صفة سلبية، فليست كل نبوة تتحقق هي من اللّه، فإن النبي الكاذب عندما يقول شيئاً يتحقق يكون هذا إمتحاناً للشعب. أما التثنية 13 فيقول إن النبي الذي ينادي بآلهة أخرى خلاف اللّه فهو ليس من اللّه (يهوه). وكل نبي يتنبأ بنبوة تتحقق، ولكن تعليمه يخالف تعاليم موسى يكون كاذباً!

أما ما جاء في أرميا 23 فهو توسّع في الحديث الذي جاء في التثنية 13، عندما يقول أرميا أن النبي الكاذب هو رجل فاسق (آيات 10 - 14) يقود الآخرين للشر (آية 17). وهو ينادي بسلام مزيَّف غير إلهي. والنبي الحقيقي يجيء برسالة توبيخ تسبّب التوبة (آية 29) ويدعو الناس للتوبة والطاعة (آية 22).

ويخطئ بعض الناس في انتقاد الأنبياء لأن رسالتهم كلها إعلان للخراب، لكن إعلان الخراب لم يكن كل شيء قالوه! صحيح أنهم لم ينادوا أولاً بالسلام الحقيقي، لأن سلام اللّه يجيء نتيجة للقداسة والبر والتوبة. ويقول أرميا النبي إن النبي الكاذب يسرق إسم اللّه لكي يمجد نفسه (آيات 30 - 32) ولكن النبي الصادق هو الذي أرسله يهوه، وهو الذي يتكلم باسم يهوه وبسلطانه.

أما حزقيال فيقول (12: 21-14: 11) إن الأنبياء الكذبة جاءوا من تلقاء ذواتهم وينادون بنبّوَات من عندهم (13: 2،3) ويعطون الناس تأكيدات كاذبة (13: 4-7). والسلام الذي يعلنونه سلام كاذب (13: 10-16) لا يبنون حياة الناس الروحية (13: 22). أما النبي الصادق فيدعو الناس إلى فحص نفوسهم ليروا مطالب الله منهم (14: 4-8). وهو الذي يعلن بأسلوب جديد الحقائق الإلهية التي لا تتبدل ولا تتغير.

3 - الإعتراض على النبوات:

الإعتراف الأساسي هو القول بأن تسجيل النبوة وكتابتها حدث بعد وقوعها وليس قبلها. ولذلك فإننا نقدم هنا تواريخ نبّوة الأنبياء كما قدمها «مرل أنجر» في قاموسه، وقد استمدّ حكمه من واقع ما جاء في النبوات نفسها، خصوصاً عندما يسجل النبي نبّوته. يوئيل وعوبديا وحدهما لا يحدّدان تاريخاً لنبوتيهما.

حزقيال تنبأ من 592-570 ق.م

أشعياء 783-738 (القسم الأول)

إشعياء 735-719 (القسم الثاني)

إشعياء 719-704 (القسم الثالث)

أرميا 626 إلى ما بعد 586 ق.م

عاموس الربع الثاني من القرن الثامن ق.م

هوشع 748-690 ق.م

ميخا نحو 738-690 ق.م

عوبديا قبل 300 ق.م

ناحوم بعد 661 إلى ما قبل 612 ق.م

صفنيا بين 640-621 ق.م

اللاويين (موسى) 1520-1400 ق.م

يوئيل قبل 300 ق.م

دانيال 605-538 ق.م

متى 50 م

وقد تمّت ترجمة كل نبوات العهد القديم إلى اللغة اليونانية حوالي عام 280 ق.م (الترجمة المعروفة بالسبعينية). وعلى هذا فإن كل النبوات، بما فيها يوئيل وعوبديا، قد كتبت قبل هذا التاريخ.

ونود أن نورد بعض الحقائق عن نبّوة حزقيال، حيث أننا سنقتبس منها كثيراً في هذا الفصل. وتعود كتابة السفر إلى سنة 570 ق.م. ولنبدأ بإيراد ما قالته دائرة المعارف البريطانية عنه:

«توجد أفكار متنوعة عن وحدة سفر حزقيال وتاريخ كتابته. ولكن السفر يوضح أن خدمة النبي امتدت من 592 إلى 570 ق م، ولكن واحداً من العلماء (جيمس سميث) يقول إنه تنبأ في القرن السابع ق م في أيام الملك منسى. وآخر (ميسيل) يقول أنه تنبأ بعد زمن نحميا حوالي عام 400 ق م لكن معظم العلماء يقبلون التاريخ الأول. وقد وجدت نسخ من السفر في مخطوطات البحر الميت بوادي قمران».

وتتضح الوحدة الأدبية للسفر من تكرار عبارة «فيعرفون أني أنا الرب» أكثر من خمسين مرة، وعبارة «حي أنا يقول السيد الرب» 13 مرة، وعبارة «سبوتي» 12 مرة، «يسلكون في شرائعي» 11 مرة.. ألخ (39).

ولقد حدث هجوم شديد على صحة نبوة حزقيال التاريخية بسبب قوله إن الله كلّمه في «السنة الخامسة من سبي يوياكين الملك». ولكن الحفريات الحديثة جاءت في صف هذا التأريخ. فقد وجدت ثلاث جرار مكتوب عليها «ألياقيم وكيل يوياكين».. مما يدل على أن ألياقيم كان وكيلاً لممتلكات يوياكين أثناء وجود يوياكين في السبي، ومن الواضح أن الشعب كان يعتبر أن يوياكين هو ملك يهوذا، وأن صدقيا كان يملك كقائمقام يوياكين إبن أخيه. ومن هذا ترى أن كلمات حزقيال تأريخ سفره صحيحة ومناسبة للفكر اليهودي في وقته، الذي اعتبر يوياكين ملكاً، رغم أنه كان منفاه (40). ونخلص من هذا أن قوله «السنة الخامسة من سبي يوياكين الملك» برهان على صحة السفر التاريخية، وليست (كما قال النقاد) هجوماً ضدها.

ويرى دارسو الأدب القديم أن سفر حزقيال وحدة أدبية، تتضح من وحدة أسلوب كاتبه، ووحدة خطه الفكري، فإن الكاتب يكتب بضمير المتكلم، وهو يعطي زمن كثير من نبواته ومكان حدوثها، مما يبرهن أن السفر كله من نتاج قلم كاتب واحد. وهذا يجعلنا نقول أن حزقيال هو الكاتب (41).

وقد قال بيتر ستونر في كتابه «العلم يتكلم» إن النبوات التي جاءت في الكتاب عن البلاد المختلفة مثل صور وصيدون والسامرة وغزة وأشقلون وغيرها لا يمكن أن تكون قد كُتبت بعد حدوثها، فإن الفترة الزمنية التي مضت بين الكتابة والتحقيق كبيرة. لقد قيل إن ما جاء في النبوات هو تاريخ عن أشياء حدثت، وليس نبوة بأشياء ستحدث، ولكن هذه النبوات جاءت قبل ميلاد المسيح، لأنها في العهد القديم. وقد تحققت نبوة كاملة منها، وأجزاء فقط من اثنتين منها قبل ميلاد المسيح، ولكن الباقي كله تحقق بعد الميلاد. وحتى لو أسقطنا ما تحقق قبل الميلاد، فإن العدد الذي تحقق بعد الميلاد كثير جداً (42).

وقد راجعت كتاب ستونر لجنة من كبار علماء «الجمعية العلمية الأمريكية» وكتب أحدهم مقدمته، فقال إن المعلومات الواردة به صحيحة علمياً، وإن الحسابات الواردة فيه قد أُجريت طبقاً للنظريات العلمية الصحيحة (42).

ولو أننا طرحنا النبوات التي فيها شك من جهة تاريخها، وجعلنا الشك في جانب رفضها، لبقي الكثير المذهل بعد ذلك!

والحقيقة أن الذين يشكّون في صدق النبوات يفعلون ذلك لأنهم لا يؤمنون بوجود الله، ولذلك فالمعجزات عندهم مستحيلة، ومن ثم لا توجد نبوات عن المستقبل، ولذلك فإنهم عندما يقرأون أقوال النبي ويرون أنها قد تحققت في زمن بعد النبي بكثير، فإنهم يزعمون أن النبوة قيلت بعد وقوع الحادث، وليس لأنهم درسوا الحفريات والإكتشافات الأركيولوجية الحديثة التي تقدم أدلة دامغة على صدق هذه النبوات.

ثانياً - نبّوات تحققت

سنقدم هنا نبوات جاءت في الكتاب المقدس، مع تعليقات عن تاريخية كل نبوءة منها، حتى تتضح لنا دقة تلك النبوات. وعندما ندرسها نبوة بعد نبوة، ونراها كلها تتحقق بصورة مذهلة، سينزاح الشك الذي قد يكون خامرنا، وينقشع.

ويقول أحد علماء الحفريات: «هناك مشاكل في التوفيق بين الحفريات والتاريخ الكتابي، لكنها ليست خطيرة. وأعتقد أنها ستنجلي بعد الإكتشافات الجارية. ولكن الإتفاقات بين اكتشافات علم الآثار والكتاب المقدس كثيرة جداً، ولا يوجد اكتشاف منها يجعلنا نشك في صحة التاريخ الكتابي» (43).

وقد أُطلقت أعيرة نارية كثيرة ضد الكتاب المقدس، وهنا نطلق اثنتي عشرة قذيفة في صف الكتاب، عبارة عن اثنتي عشرة نبوة كتابية تحققت. وهي قذائف عالية، طويلة المدى، يصعب إسكاتها!

1 - صور

من أغرب النبوات الكتابية التي تحققت تلك التي وردت عن مدينة صور. وتستعمل كل كتب الدفاع عن المسيحية هذه النبوة، ولها الحق في ذلك. وهاك كلمات النبي: حزقيال 26 (592-570 ق.م).

3 لذلك هكذا قال السيد الرب: «هَئَنَذَا عَلَيْكِ يَا صُورُ فَأُصْعِدُ عَلَيْكِ أُمَماً كَثِيرَةً كَمَا يُعَلِّي ٱلْبَحْرُ أَمْوَاجَهُ».

4 «فَيَخْرِبُونَ أَسْوَارَ صُورَ وَيَهْدِمُونَ أَبْرَاجَهَا. وَأَسْحِي تُرَابَهَا عَنْهَا وَأُصَيِّرُهَا ضِحَّ ٱلصَّخْرِ».

5 «فَتَصِيرُ مَبْسَطاً لِلشِّبَاكِ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ، لأَنِّي أَنَا تَكَلَّمْتُ يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ».

7 لأنه هكذا قال السيد الرب: «هَئَنَذَا أَجْلِبُ عَلَى صُورَ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ مِنَ ٱلشِّمَالِ مَلِكَ ٱلْمُلُوكِ بِخَيْلٍ وَمَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ وَجَمَاعَةٍ وَشَعْبٍ كَثِيرٍ».

8 «فَيَقْتُلُ بَنَاتِكِ فِي ٱلْحَقْلِ بِٱلسَّيْفِ، وَيَبْنِي عَلَيْكِ مَعَاقِلَ وَيَبْنِي عَلَيْكِ بُرْجاً وَيُقِيمُ عَلَيْكِ مِتْرَسَةً وَيَرْفَعُ عَلَيْكِ تُرْساً».

12 «وَيَنْهَبُونَ ثَرْوَتَكِ وَيَغْنَمُونَ تِجَارَتَكِ وَيَهُدُّونَ أَسْوَارَكِ وَيَهْدِمُونَ بُيُوتَكِ ٱلْبَهِيجَةَ وَيَضَعُونَ حِجَارَتَكِ وَخَشَبَكِ وَتُرَابَكِ فِي وَسَطِ ٱلْمِيَاهِ».

14 «وَأُصَيِّرُكِ كَضِحِّ ٱلصَّخْرِ فَتَكُونِينَ مَبْسَطاً لِلشِّبَاكِ. لاَ تُبْنَيْنَ بَعْدُ، لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ تَكَلَّمْتُ يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ».

21 «أُصَيِّرُكِ أَهْوَالاً وَلاَ تَكُونِينَ، وَتُطْلَبِينَ فَلاَ تُوجَدِينَ بَعْدُ إِلَى ٱلأَبَدِ يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ».

في هذه النبوة نرى الحقائق الآتية عن مدينة صور:

  1. يخرب الملك نبوخذ نصر، ملك بابل، مدينة صور (آيتا 7، 8)

  2. تقوم دول كثيرة على صور (آية 3).

  3. تصير صور صخرة عارية (ضِحّ الصخر) (آية 4).

  4. يبسط الصيادون شباكهم لتجفّ، على موقعها (آيتا 5، 14).

  5. يُلقون أنقاضها في الماء (آية 12).

  6. لن تُبنى صور أبداً (آية 14).

  7. لا تُوجد صور بعد إلى الأبد (آية 21).

والنبوة كما نراها واضحة، وقد تبدو متناقضة، ولكن التاريخ لا تناقض فيه، فلندرس تاريخ صور لنرى كيف تحققت النبوة.

تحقيق النبوة:

  1. توضح نبوة حزقيال (خصوصاً 27: 27) أهمية مدينة صور وتجارتها وثروتها. وقد حاصر نبوخذ نصر ملك بابل صور، بعد نبوة حزقيال بثلاث سنوات. وتقول دائرة المعارف البريطانية إنه بعد حصار دام 13 سنة (585-573 ق.م) استسلمت صور للملك نبوخذ نصر الثاني وقبلت شروطه. وفي سنة 538 ق.م كانت صور وكل فينقية قد أصبحت تحت السيادة الفارسية (37).

    وعندما اقتحم نبوخذ نصر أبواب صور، وجد المدينة خالية تقريباً فقد هجرها سكانها بالسفن إلى جزيرة تبعد نصف ميل عن الشاطئ وحصنوا مدينة هناك. وأخربت صور سنة 573. ولكن المدينة الجديدة في الجزيرة بقيت قوية وعمرت عدة قرون. (وهكذا تحققت نبوة حزقيال 26: 8).

  2. بعد ذلك جاء الإسكندر الأكبر. وتقول دائرة المعارف البريطانية إن الإسكندر الأكبر في حربه ضد فارس، بعد أن هزم داريوس الثالث في موقعة أسوس (333) اتجه جنوباً نحو مصر، داعياً المدن الفينيقية لتفتح لها أبوابها حتى لا تستخدم سفن الجيش الفارسي موانيها. ولكن أهل صور رفضوا طلبه، فحاصر الإسكندر مدينتهم. ولما لم تكن لديه سفن فقد أخرب المدينة الأصلية وألقى بأنقاضها في الماء، جاعلاً منها طريقاً عرضه 60 متراً، وصل به إلى المدينة الجديدة في الجزيرة، وبنى قلاعاً وآلات حرب (37). (وهكذا تحققت نبوة حزقيال 26: 12).

    أخذ نبوخذ نصر المدينة الأصلية وترك المدينة الجديدة، ولكن الإسكندر أخذ الإثنتين، رغم صعوبة أخذ الثانية المحاطة بالمياه وبالأسوار الحصينة. ومع أن الأسطول الفارسي كان يحميها، إلا أن الإسكندر صنع طريقاً في البحر من أنقاض صور. ولم يكن هذا الهجوم سهلاً، فقد كان الصوريون يهاجمون العمال الذين يرمون الأنقاض في البحر. فبنى اليونانيون برجين عاليين لحماية العمال. وكان اليونانيون كلما تقدموا في العمل وجدوا البحر يزيد عمقاً. وأحرق الصوريون الأبراج التي بناها اليونانيون، وعطلوا تقدم الغزاة، وعزلوا جزءاً من الجيش عن البقية، وكانت الخسائر جسيمة جداً. ورأى الإسكندر شدة حاجته إلى السفن، فجعل أهل البلاد التي هزمها يساعدونه في صناعة سفن الحرب، فقدمت له صيدا وأرفاد وبيبلوس نحو 80 سفينة، وعشراً من رودس، وثلاثاً من سولي ومالوس، وعشراً من ليكية، وواحدة كبيرة من مكدونية، و 120 من قبرص (وهكذا تحققت نبوة حزقيال 26: 3).

    وعندما حصل الإسكندر على السفن، وتقدَّم بناء الطريق في البحر، عرف أن انتصاره على صور أكيد. وقد كان!

    ولا تزال الطريق التي صنعها الإسكندر موجودة، تربط الجزيرة بالأرض. وبعد حصار دام سبعة شهور سقطت صور، وقتل ثمانية آلاف من سكانها وبيع ثلاثون ألفاً في سوق العبيد (44). وكان الإسكندر قد تكلف الكثير في غزو صور، وملأه الحقد على أهلها، فتصرف بكل قسوة لينتقم منهم، فأخرب المدينة تماماً عام 332 ق.م: «وقد قامت صور الجديدة من عثارها بعد ذلك، لكنها لم ترجع أبداً إلى مكانتها في العالم. والجزء الأكبر من موقع المدينة اليوم صخرة عارية يجفّف عليها الصّيادون شباكهم» (44) - (وهكذا تحققت نبوة حزقيال 26: 5، 14).

    ولم يتوقف تاريخ صور بعد الإسكندر، فقد بُنيت وهُدمت عدة مرات ولكنها أُخربت بعد 16 قرناً ولم تُبْنَ بعد ذلك أبداً!

  3. وبعد ذلك جاء أنتيجونس بعد أن انتصر على بابل، واستولى على المدن الفينيقية، ولكنه قُوبل بمقاومة شديدة من صور. وكانت قد مضت ثماني عشرة سنة على استيلاء الإسكندر عليها. وحاصر أنتيجونس صور 15 شهراً فسقطت وأخربها. ويرجع تاريخ أنتيجونس إلى سنة 314 ق.م.

  4. وجاءت كارثة أخرى على صور في عهد بطليموس فيلادلفوس (285-247 ق.م) الذي بنى ميناء برنيس على البحر الأحمر، وربط مجرى النيل بخليج السويس، فتحّول مجرى التجارة إليه، بعد أن كان يمرّ بخليج العقبة إلى ميناء إيلات، ومنها إلى البتراء، ومن ثم إلى مواني البحر الأبيض المتوسط لتحمله سفن صور. وكانت هذه ضربة قاسية على تجارة صور، إذ خسرت تجارتها لتربحها الإسكندرية.

  5. ولكن المدينة استردت بعض غناها. ويصف زائر للمدينة سنة 1047 م حالتها فيقول: «لقد بنوا جزءاً صغيراً من المدينة لا يزيد عن 100 ياردة فقط على صخرة في البحر، أما معظم المدينة فيقع فوق المياه. أما الحوائط فمبنية من الحجارة المنحوتة، تعطي الفواصل بينها بالبيتومين ليعزل الماء. وترتفع البيوت إلى خمسة أو ستة طوابق. وهناك نافورات للمياه، والأسواق نظيفة، وعلامات الغنى في كل مكان. وهي مدينة مشهورة بثروتها بين كل الموانئ السورية. وقد أقاموا المشهد عند مدخل المدينة حيث الطنافس الثمينة والثريات الذهبية والفضية وهم يجلبون الماء اللازم لهم من الجبل» (45).

  6. وقد استولى المسلمون على المدينة، وحاربهم الصليبيون وأخذوها، ولكن المسلمين استعادوها. ويقول أحد المؤرخين: «بعد أخذ بتولمايس وإخرابها، وأرسل السلطان أحد الأمراء مع فرقة من جيشه لأخذ صور، فملأ الرعب قلوب أهلها ففتحوا الأبواب بدون أي مقاومة، فذُبح بعض سكانها وبيع الآخرون عبيداً. وهُدمت المعابد والأسواق، وأبيد كل شيء بالسيف أو بالحريق» (46).

    وقد عاد المسلمون واستولوا على المدينة عام 1291 وأخربوها تماماً. وقد زار إبن بطوطة خرائب المدينة سنة 1355، وكتب ما ترجمته (عن الإنكليزية): «كانت المدينة قبلاً مضرب الأمثال في قوتها، تغسلها مياه البحر من ثلاثة جوانب. ولم يبق اليوم سوى آثار من أسوارها ومينائها، مع سلسلة كانت في مدخل الميناء» (47).

    (وهكذا تحققت نبوة حزقيال 26: 14).

    وكان بلني الكبير قد كتب يقول: «صور معروفة بأنها أم المدن، لأنها ولدت من حولها مدن لبتس ويوتيكا. وهي تنافس روما وقرطجنة وكادز». ولكن شهرتها اليوم تقوم على أصداف بحرية وصبغة أرجوانية (47).

    (وهكذا تحققت نبوة حزقيال 26: 21).

  7. ونعود للوصف الحالي لصور كما تقدمه نينا جدجيان، في كتابها الذي أصدرته دار المشرق ببيروت «صور عبر العصور»، تقول: «لا زال القسم الصيدوني من صور مستعملاً اليوم، وهناك سفن صغيرة للصيد، ولكن فحص الأساس يظهر أعمدة جرانيتية من العصر الروماني استعملها الصليبيون لتدعيم الأسوار. وصار الميناء اليوم ملجأ لسفن الصيد الصغيرة، ومكاناً لتجفيف الشباك.. وهناك مدينة اليوم اسمها صور، لكنها ليست صور القديمة، لأنها مبنية على موقع آخر غير صور القديمة، إن صور سيدة البحار ومركز العالم التجاري لعدة قرون قد انتهت إلى غير رجعة! لقد بسط الصيادون شباكهم على أحجارها التاريخية العظيمة.. أن أحجار صور توجد اليوم في بيروت وعقرون، ولكن الحفريات أظهرت عظمة هذا الميناء الفينيقي، فإن صور القديمة العظيمة قد سقطت تحت الركام، ولا يوجد منها فوق سطح الأرض سوى بعض الأعمدة المتناثرة وأنقاض برج الكاتدرائية المسيحية. وعندما يتطلع الواحد منا تحت الماء يرى أعمدة الجرانيت الضخمة والأحجار الملقاة في قاع البحر. وحطام صور فوق الماء قليل» (47).

    (وهكذا تحققت نبوة حزقيال 26: 12).

ومن هذا نرى بوضوح:

  1. أخرب نبوخذ نصر مدينة صور الأصلية القديمة.

  2. قامت أمم كثيرة ضد صور، إذ هاجمتها جيوش بعد عصور متوالية، وهو ما ترمي إليه النبوة (26: 3-6).

  3. جعل الإسكندر الأكبر المدينة القديمة صخرة عارية رمى حجارتها وخشبها وحتى ترابها في الماء.. لقد صارت صخرة جرداء!

  4. تكررت الإشارة إلى أن الصيادين بسطوا شباكهم على حجارتها لتجف!

  5. رمى الإسكندر الأكبر أنقاض المدينة في البحر ليعمل طريقاً في الماء!

    وهكذا تحققت حرفياً نبوة حزقيال 26: 12 «يهدمون أسوارك، ويهدمون بيوتك البهيجة، ويضعون حجارتك وخشبك وترابك في وسط المياه».

  6. ولم تقم للمدينة قائمة بعد ذلك! لقد هدمت مدن كثيرة وأعيد بناؤها، ولكن يهودياً مسبياً في بابل قال عن صور بأمر من الله: «لا تُبْنَيْنَ بعد» فبقيت صور صخرة جرداء منذ خمسة وعشرين قرناً. وعندما يريد أحد اليوم أن يعرف موقع صور، فإنهم يشيرون إلى مكان عار!

ولا زالت الينابيع التي كانت تروي صور القديمة موجودة، وكلها تصبّ في البحر! وتعطي نحو عشرة ملايين جالون من الماء يومياً، تكفي لإِعاشة مدينة كبيرة، ومع ذلك فإن صور لم تُبْنَ! ولكن بعض الصيادين البسطاء يسكنونها اليوم ويبسطون شباكهم في موقعها تحقيقاً للنبوة، ولكنها لم ترتفع أبداً لمكانتها الأولى.

ويقول ستونر: «لقد نظر حزقيال إلى صور في أيامه، عظيمة بالغة قمة العظمة، وتنبأ عليها سبع نبوات. وحسب الحكمة البشرية تكون نسبة صحة نبواته، لو أنها كانت بالصدفة، فرصة واحدة من 75 مليون فرصة!! ولكن نبواته كلها تحققت بكل تفاصيلها» (42).

2 - صيدون

قدم النبي حزقيال النبوة التالية على صيدون، زميلة صور، سنة 592-570 ق.م: حزقيال 28:

22 هكذا قال السيد الرب: «هَأَنَذَا عَلَيْكِ يَا صَيْدُونُ وَسَأَتَمَجَّدُ فِي وَسَطِكِ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ حِينَ أُجْرِي فِيهَا أَحْكَاماً وَأَتَقَدَّسُ فِيهَا».

23 «وَأُرْسِلُ عَلَيْهَا وَبَأً وَدَماً إِلَى أَزِقَّتِهَا وَيُسْقَطُ ٱلْجَرْحَى فِي وَسَطِهَا بِٱلسَّيْفِ ٱلَّذِي عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَيَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ».

في هذه النبوة نرى الحقائق الآتية عن مدينة صيدون:

  1. لا ذكر لخرابها.

  2. دماء في شوارعها (آية 23).

  3. السيف عليها من كل جانب (آية 23).

ويقول جورج ديفس في كتابه «نبوات تحققت تبرهن صحة الكتاب المقدس»: «تختلف النبوات التي جاءت عن صور عن تلك التي جاءت عن صيدون، فصور تُخرب لتكون صخرة جرداء لا تُبنى، أما صيدون فجاء عنها أن الدم يسيل في شوارعها، وأن جرحاها يسقطون وسطها، ويلاحقها السيف من كل جانب.. ولكنها لا تُخرب» (48).

لقد كان مصير صور وصيدون السياسي واحداً، فمن القرن الحادي عشر إلى القرن الرابع ق.م قبضت صور - بدون منازع من صيدون - على زمام السلطة على كل فينيقية، ونشر أسطولها التجاري شهرتها في كل الآفاق (44) فكانت سيدة وملكة البحر المتوسط. وفي القرن الرابع (سنة 351 ق.م) ثار الصيدونيون على ملك فارس الذي كانوا خاضعين له، وحصّنوا مدينتهم ضده بنجاح. ولكن ملكهم سلم المدينة، لينقذ حياته. ولما كان الصيدونيون يعرفون انتقام الملك الفارسي، فقد اختبأ أربعون ألفاً منهم في بيوتهم ثم أشعلوا فيها النار، لأن هذا الإنتحار عندهم كان أسهل من تعذيب الفارسيين. وهكذا كانت الدماء في شوارعها. (وتحققت نبوة حزقيال 28: 23). وفي مرات عديدة سالت الدماء في شوارعها، وجاء عليها السيف من كل جانب (48).

ومع أن صيدون أخربت عدة مرات، إلا أن أهلها أعادوا بناءها. ويسكنها اليوم حوالي 25 ألفاً. سالت الدماء فيها مراراً، ولكنها بقيت قائمة حتى اليوم. وفي أثناء الحروب الصليبية وقعت في أيدي الصليبيين ثلاث مرات، واستردها المسلمون ثلاث مرات. وفي العصور الحديثة كانت موضع نزاع بين الأتراك والدروز، ثم بين الأتراك والفرنسيين، وفي سنة 1840 م اشتركت أساطيل بريطانيا وفرنسا وتركيا في ضربها (48).

لقد كان تاريخ صيدون تاريخ الدم والحرب، لكنها بقيت إلى اليوم!

ومن هذا نرى بوضوح:

لم يكن عقل بشري منذ 2500 سنة يعقل أن صور ستنتهي وأن صيدون ستبقى وتجوز الأهوال، فقد كان الأقرب للحكمة البشرية أن يحدث العكس!

أن نبوة حزقيال اليوم تشبه من يتحدث عن لوس أنجيلوس وسان فرنسيسكو. أيهما تسقط وأيهما تبقى، أو هل تسقطان. أو هل تقومان؟ ولكن حزقيال بروح النبوة قال إن صور ستسقط وإن صيدون ستمرّ بتاريخ دموي، وهكذا كان!

3 - السامرة

تنبأ النبيان هوشع وميخا ضد السامرة، قالا:

هوشع 13:

16 «تتُجَازَى ٱلسَّامِرَةُ لأَنَّهَا قَدْ تَمَرَّدَتْ عَلَى إِلَهِهَا. بِٱلسَّيْفِ يَسْقُطُونَ. تُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ، وَٱلْحَوَامِلُ تُشَقُّ».

ميخا 1:

6 «فَأَجْعَلُ ٱلسَّامِرَةَ خَرِبَةً فِي ٱلْبَرِّيَّةِ، مَغَارِسَ لِلْكُرُومِ، وَأُلْقِي حِجَارَتَهَا إِلَى ٱلْوَادِي، وَأَكْشِفُ أُسُسَهَا».

وفي هذه النبوة نرى الحقائق الأتية عن السامرة:

  1. تسقط السامرة بعنف (هوشع).

  2. تصبح كومة خراب في البرية (ميخا).

  3. تزرع الكروم في موقعها (ميخا).

  4. تُرمى حجارتها في الوادي (ميخا).

  5. تُكتشف أساساتها (ميخا).

وتاريخ السامرة قصير نسبياً وعاصف جداً، فقد كانت عاصمة المملكة اليهودية الشمالية (إسرائيل) وفيها حدث الإرتداد عن عبادة يهوه. وقد حاصر شملنأصر السامرة، وأكمل سرجون الحصار واستولى على المدينة عام 722 ق.م، ثم استولى عليها الإسكندر عام 331 ق.م، ثم استولى عليها جون هيركانوس عام 120 ق.م. وقد أحدث كل من الغزاة الثلاثة الخراب في المدينة وقُتل الكثيرون من سكانها (وهكذا تحققت النبوة رقم 1).

يقول أحد المؤرخين سنة 1697 إن سابستا هي السامرة القديمة، وقد صارت الآن مزارع للكروم، ولم يبق فيها سوى بعض الأعمدة في الجزء الشمالي لتنبئ عن مكان السامرة القديمة التي كانت عاصمة لعشرة أسباط من اليهود، بعد انفصالهم عن حكم عائلة الملك داود! أما في الجزء الشرقي فأطلال كنيسة كبيرة. ولا يزال تل «سابستا» خصباً مزروعاً بالكروم والتين والزيتون. ولما كانت الأرض تُحرَث باستمرار، فمن الصعب العثور على أسس وحجارة المدينة القديمة. (وهكذا تحققت النبوتان رقم 2،3).

أما تحقيق النبوتين 4،5 فتقرأه في وصف زائر لها يقول: «السامرة كومة كبيرة من الأحجار. لكن أحجارها أُلقيت في الوادي. وقد اكتُشفت الأحجار القديمة الرمادية لقصور عمري وأخاب ملقاة على جوانب التل!) (49»).

واليوم نرى قمة التل، حيث كانت السامرة، مزروعاً. ونرى وسط الزراعة أساسات الأعمدة التي تبيّن موقع القصور القديمة. أما أسفل التل، في الوادي، فإننا نجد بقية أحجار أساسات المدينة! (وهكذا تحققت النبوتان 4،5).

ومن هذا نرى بوضوح:

يقول جون أركهارت: «لقد وقع الخراب على السامرة، وتحقق التنبؤ الذي طالما ضحك منه سامعوه. لقد أخذ المزارعون أحجار المدينة العظيمة وكّوَموه معاً أو رموه في الوادي حتى يهيئوا موقع السامرة للزراعة» (48).

ويقول ستونر: «لو أن ميخا تنبأ هذه النبوات الخمس عن السامرة، بحكمته البشرية لكانت نسبة نجاحه واحداً ضرب 4 (فرصة التنبؤ بالخراب) ضرب 5 (فرصة أن تصبح كومة) ضرب 100 (فرصة أن يُزرع مكانها بالكروم) ضرب 10 (فرصة أن تُرمى حجارتها في الوادي) ضرب 2 (فرصة كشف أساساتها) - أي فرصة واحدة من أربعين ألف فرصة!» (42).

لقد وقع الخراب على السامرة، وتحققت النبوة ضدها، لأنها عبدت الوثن، وارتدت عن عبادة الإله الحقيقي.

4 - غزة وأشقلون

غزة وأشقلون مدينتان على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، غربي البحر الميت، وقد جاء ذكرها في النبوات.

عاموس 1: (775-750 ق.م).

8 «وَأَقْطَعُ ٱلسَّاكِنَ مِنْ أَشْدُودَ، وَمَاسِكَ ٱلْقَضِيبِ مِنْ أَشْقَلُونَ، وَأَرُدُّ يَدِي عَلَى عَقْرُونَ، فَتَهْلِكُ بَقِيَّةُ ٱلْفِلِسْطِينِيِّينَ» قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ.

إرميا 47: (626-586 ق.م).

5 «أَتَى ٱلصُّلْعُ عَلَى غَّزَةَ. أُهْلِكَتْ أَشْقَلُونُ مَعَ بَقِيَّةِ وَطَائِهِمْ. حَتَّى مَتَى تَخْمِشِينَ نَفْسَكِ؟».

صفنيا 2: (640-621 ق.م).

4 «لأَنَّ غَّزَةَ تَكُونُ مَتْرُوكَةً، وَأَشْقَلُونَ لِلْخَرَابِ. أَشْدُودُ عِنْدَ ٱلظَّهِيرَةِ يَطْرُدُونَهَا، وَعَقْرُونُ تُسْتَأْصَلُ».

6 «وَيَكُونُ سَاحِلُ ٱلْبَحْرِ مَرْعًى بِآبَارٍ لِلرُّعَاةِ وَحَظَائِرَ لِلْغَنَمِ».

7 «وَيَكُونُ ٱلسَّاحِلُ لِبَقِيَّةِ بَيْتِ يَهُوذَا. عَلَيْهِ يَرْعُونَ. فِي بُيُوتِ أَشْقَلُونَ عِنْدَ ٱلْمَسَاءِ يَرْبُضُونَ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ إِلَهَهُمْ يَتَعَهَّدُهُمْ وَيَرُدُّ سَبْيَهُمْ».

ملحوظة: أشدود مدينة أخرى غير أشقلون، على بعد عشرة أميال شمال أشقلون، وتقع على الشاطئ أيضاً.

وفي هذه النبوة نرى الحقائق التالية:

  1. الفلسطينيون لن يستمروا (عاموس 1: 8).

  2. سيجيء الصُّلع إلى غزة (إرميا 47: 5).

  3. سيجيء الخراب على أشقلون (صفنيا 3: 4).

  4. تكون منطقة أشقلون للرعي (صفنيا 2: 6).

  5. بقية بيت يهوذا يسكنون أشقلون (صفنيا 2: 7).

يقول جورج ديفس في كتابه «نبوات الكتاب تتحقق اليوم»: «لقد جاء القضاء على الفلسطينيين كما قالت النبوات، فقد أخرب السلطان بيبرس أشقلون عام 1270 م وملأ ميناءها بالأحجار. ومنذ ذلك التاريخ، لنحو 700 سنة، خربت أشقلون المدينة التي كانت عظيمة ناجحة» (50) (وهكذا تحققت النبوة رقم 3).

ويضيف بيتر ستونر: «ومنذ أخربها السلطان بيبرس عام 1270 م صارت أرض رعي، وعلى موقعها اليوم أكواخ ومراع» (42). (وهكذا تحققت النبوة رقم 4).

ويمضي جورج ديفس ليقول: «ولم تُخرب أشقلون فقط، لكن كل الدولة الفلسطينية قُطعت كما تنبأ النبي حزقيال منذ 2500 سنة، حتى أنه لا يوجد فلسطيني واحد حي في العالم اليوم» (50) (المقصود بكلمة فلسطيني هنا: «الشعب الذي كان يسكن في فلسطين وقت إعلان نبوة حزقيال 25: 15-17، منذ 2500 سنة») (وهكذا تحققت النبوة رقم 1).

ويقول فلويد هاملتون: «كانت في أشقلون كتيبة تركية حتى القرن السابع عشر، لكن منذ ذلك الوقت هجرت أشقلون. وتوجد اليوم أجزاء من سوريا وقلاعها الحربية. وهي الوحيدة في مدن ذلك السهل التي بقي جزء من سورها!» (51) - (وهذا تحقيق لنبوة رقم 3).

ويقول هاملتون عن تحقيق النبوة الخامسة: «لا زالت بعض حوائط البيوت قائمة. ولو أن الموقع كله مهجور. حتى الذين زرعوا الحدائق داخل الأسوار يسكنون بعيداً عنها».

ويصف جورج ديفس الموقع الآن فيقول: «عندما جاء اليهود إلى المكان قرروا أن يجعلوا أشقلون مدينة حدائق، باسم «جاردن سيتي» وهكذا تحقق قول النبي: «في بيوت أشقلون عند المساء يربُضون» (نبوة رقم 5).

أما مدينة غزة فلها تاريخ أعجب، ويقول بيتر ستونر: «توجد مدينة اليوم باسم غزة، ولذلك ظن كثيرون أن هذه النبوة عن غزة نبوة خاطئة. ثم حدثت دراسة دقيقة لموقع غزة كما جاء في الكتاب المقدس، فظهر أن غزة الحديثة ليست على موقع غزة القديمة. وتمت الحفريات في موضع المدينة القديمة فوجدت المدينة مدفونة تحت الرمال. لقد صارت فعلاً صلعاء! فأي وصف تعطيه لمدينة مدفونة تحت كثبان الرمال، أفضل من أنها صارت صلعاء؟!» (42) - (وهكذا تحققت نبوة رقم 2).

ويعلّق جون أوركهات على اختفاء غزة فيقول: «لقد ظهر أن غزة القديمة دفنت تحت الرمال تماماً، وأن المدينة الحديثة لم تُبْنَ على الموقع القديم. أما غزة الفلسطينيين القديمة فهي على بعد ميلين من الشاطئ، وهي الآن مجموعة تلال رملية. وهي «صلعاء» حتى لا يظهر حجر أو عامود للدلالة على المدينة القديمة، والعين لا ترى فيها حتى ورقة نبات أخضر!» (49).

ومن هذا نرى بوضوح:

يقول بيتر ستونر: «الإحتمالات البشرية في تحقيق هذه النبوات هي واحد ضرب 5 (أن الفلسطينيين يختفون) ضرب 100 (أن تغطي الرمال غزة) ضرب 5 (أن أشقلون تُخرب) ضرب 5 (أن تكون أشقلون أرض رعي).. أو أن فرصة تحقيق النبوة هي فرصة واحدة من 12 ألف فرصة!» (42).

5 - موآب وعمون

موآب وعمون مملكتان صغيرتان شرقي البحر الميت، وتقع عمون إلى شمال موآب. وقد وقعتا تحت العقاب الإلهي.

حزقيال 25: (592-570 ق.م).

3 «وَقُلْ لِبَنِي عَمُّونَ: ٱسْمَعُوا كَلاَمَ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ. هَكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّكِ قُلْتِ: هَهْ! عَلَى مَقْدِسِي لأَنَّهُ تَنَجَّسَ، وَعَلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ لأَنَّهَا خَرِبَتْ، وَعَلَى بَيْتِ يَهُوذَا لأَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى ٱلسَّبْيِ».

4 «فَلِذَلِكَ هَئَنَذَا أُسَلِّمُكِ لِبَنِي ٱلْمَشْرِقِ مِلْكاً فَيُقِيمُونَ صِيَرَهُمْ فِيكِ وَيَجْعَلُونَ مَسَاكِنَهُمْ فِيكِ. هُمْ يَأْكُلُونَ غَلَّتَكِ وَهُمْ يَشْرَبُونَ لَبَنَكِ»

إرميا 48: (266-568 ق.م).

47 «وَلٰكِنَّنِي أَرُدُّ سَبْيَ مُوآبَ فِي آخِرِ ٱلأَيَّامِ يَقُولُ ٱلرَّبُّ».

إرميا 49:

6 «ثُمَّ بَعْدَ ذٰلِكَ أَرُدُّ سَبْيَ بَنِي عَمُّونَ يَقُولُ ٱلرَّبُّ».

في هذه النبوات نرى الحقائق التالية:

  1. سيأخذ بنو المشرق البلاد، ويسلبون غلّتها (حزقيال 25: 4).

  2. سيأخذ بنو المشرق بلاد عمون ويبنون مساكنهم فيها (حزقيال 25: 4).

  3. أهل موآب وعمون الأصليون سيستعيدون أرضهم (إرميا 48: 47، 49: 6).

ولندرس تاريخ هذه البلاد وهذه النبوات ماثلة في أذهاننا. يقول هوارد فوس: «أن دراسة طبوغرافية هذه البلاد تظهر طبيعتها الجبلية الحصينة، وتوضح لنا كيف أرسل بعشا العموني جيشاً من عشرة آلاف مقاتل إلى كارجار سنة 354 ق.م ليحارب شلمنأصر ملك أشور. وقد كانت تلك الدولة في قمة غناها وقوتها وقت أن قال إرميا أن ربة عمون (العاصمة) ستصير خراباً، حتى إن سامعي نبّوته لا بد شكوا في احتمال تحقيقها» (52).

ويوضح فوس كيف تحققت النبوتان 1، 2 عندما بنى الأمير عبد الله حاكم شرق الأردن قصره هناك، وهكذا بنى بنو المشرق مساكنهم في العاصمة ربة. واليوم يسكن «عمون» عشرون ألفاً، (1931)، وهي تقع على خط سكة حديد دمشق - الحجاز. وقد زاد عدد السكان زيادة كبيرة، خصوصاً لو عرفنا أن عددهم سنة 1920 كان بضع مئات فقط! (52).

ويصف فوس كيف أن بني المشرق «يرثون» اليوم موآب فعلاً. ولكن الوقت سيجيء عندما تتحقق نبوة إرميا عن استعادة موآب وعمون الأصليون لأرضهم. إن عمان عاصمة شرق الأردن هي ربة بني عمون القديمة التي استولى عليها يوآب قائد جيش الملك داود. ومنذ بضع سنوات كان عدد سكانها مئات فقط. ويُحتمل أن السكان الحاليين ليسوا هم أحفاد السكان الأصليين (52).

ويقول بيتر ستونر إن فرصة تحقيق هذه النبوات هي فرصة واحدة من خمس في أن بني المشرق يستولون عليها، وفرصة من عشر أن يبنوا قصورهم فيها، وفرصة من عشرين في أن يعود الموآبيون والعمونيون إليها. أي أن تحقيق هذه كلها له فرصة من ألف فرصة (42).

6 - البتراء وآدوم

آدوم دولة جنوب شرق البحر الميت، عاصمتها البتراء. ولا بد أنها كانت شريرة فعلاً حتى أن ستة أنبياء تكلموا ضدها هم: إشعياء، إرميا، حزقيال، يوئيل، عاموس، عوبديا.

والنبوات ضد آدوم كثيرة ودقيقة، ولا توجد عندنا فسحة كافية من الصفحات لمعالجتها، ولكننا نقدم هنا بعضها:

إشعياء 34: (783-704 ق.م).

6 «لِلرَّبِّ سَيْفٌ قَدِ ٱمْتَلأَ دَماً، ٱطَّلَى بِشَحْمٍ، بِدَمِ خِرَافٍ وَتُيُوسٍ، بِشَحْمِ كُلَى كِبَاشٍ. لأَنَّ لِلرَّبِّ ذَبِيحَةً فِي بُصْرَةَ وَذَبْحاً عَظِيماً فِي أَرْضِ أَدُومَ».

7 «وَيَسْقُطُ ٱلْبَقَرُ ٱلْوَحْشِيُّ مَعَهَا وَٱلْعُجُولُ مَعَ ٱلثِّيرَانِ، وَتُرْوَى أَرْضُهُمْ مِنَ ٱلدَّمِ، وَتُرَابُهُمْ مِنَ ٱلشَّحْمِ يُسَمَّنُ».

10 «لَيْلاً وَنَهَاراً لاَ تَنْطَفِئُ. إِلَى ٱلأَبَدِ يَصْعَدُ دُخَانُهَا. مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ تُخْرَبُ. إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ لاَ يَكُونُ مَنْ يَجْتَازُ فِيهَال».

13 «وَيَطْلَعُ فِي قُصُورِهَا ٱلشَّوْكُ. ٱلْقَرِيصُ وَٱلْعَوْسَجُ فِي حُصُونِهَا فَتَكُونُ مَسْكَناً لِلذِّئَابِ وَدَاراً لِبَنَاتِ ٱلنَّعَام»ِ.

14 « وَتُلاَقِي وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ بَنَاتِ آوَى، وَمَعْزُ ٱلْوَحْشِ يَدْعُو صَاحِبَهُ. هُنَاكَ يَسْتَقِرُّ ٱللَّيْلُ وَيَجِدُ لِنَفْسِهِ مَحَلاًّ».

15 «هُنَاكَ تُحْجِرُ ٱلنَّكَّازَةُ (نوع من الحيّات) وَتَبِيضُ وَتُفْرِخُ وَتُرَبِّي تَحْتَ ظِلِّهَا. وَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ ٱلشَّوَاهِينُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ».

إرميا 49: (626-586 ق.م).

17 «وَتَصِيرُ أَدُومُ عَجَباً. كُلُّ مَارٍّ بِهَا يَتَعَجَّبُ وَيَصْفِرُ بِسَبَبِ كُلِّ ضَرَبَاتِهَا».

18 «كَٱنْقِلاَبِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَمُجَاوَرَاتِهِمَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ لاَ يَسْكُنُ هُنَاكَ إِنْسَانٌ وَلاَ يَتَغَرَّبُ فِيهَا ٱبْنُ آدَمَ».

حزقيال 25: (592-570 ق.م).

13 «لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: وَأَمُدُّ يَدِي عَلَى أَدُومَ وَأَقْطَعُ مِنْهَا ٱلْإِنْسَانَ وَٱلْحَيَوَانَ، وَأُصَيِّرُهَا خَرَاباً. مِنَ ٱلتَّيْمَنِ وَإِلَى دَدَانَ يَسْقُطُونَ بِٱلسَّيْفِ».

14 «وَأَجْعَلُ نَقْمَتِي فِي أَدُومَ بِيَدِ شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، فَيَفْعَلُونَ بِأَدُومَ كَغَضَبِي وَكَسَخَطِي، فَيَعْرِفُونَ نَقْمَتِي يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ».

حزقيال 35:

5 «لأَنَّهُ كَانَتْ لَكَ بُغْضَةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَدَفَعْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى يَدِ ٱلسَّيْفِ فِي وَقْتِ مُصِيبَتِهِمْ، وَقْتِ إِثْمِ ٱلنِّهَايَةِ».

6 «لِذَلِكَ حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ إِنِّي أُهَيِّئُكَ لِلدَّمِ وَٱلدَّمُ يَتْبَعُكَ. إِذْ لَمْ تَكْرَهِ ٱلدَّمَ فَٱلدَّمُ يَتْبَعُكَ».

7 «فَأَجْعَلُ جَبَلَ سَعِيرَ خَرَاباً وَمُقْفِراً، وَأَسْتَأْصِلُ مِنْهُ ٱلذَّاهِبَ وَٱلآئِبَ»!

في هذه النبوات نرى الحقائق التالية:

  1. أدوم تصير خراباً (إشعياء 34: 13).

  2. لن تسكن للأبد (إرميا 49: 18).

  3. يهزمها الوثنيون (حزقيال 25: 14).

  4. تهزمها إسرائيل (حزقيال 25: 14).

  5. تاريخها دموي (حزقيال 35: 5،6، إشعياء 34: 6،7).

  6. تخرب أدوم حتى مدينة التيمن (حزقيال 25: 13).

  7. تسكنها الحيوانات المتوحشة (إشعياء 34: 13-15).

  8. تتوقف تجارتها (حزقيال 35: 7، إشعياء 34: 10).

  9. يتعجب الناظرون إليها (إرميا 49: 17)

وهذه النبوات المخيفة من أدوم سببها أنها ابتعدت عن الله، وآذت شعبه. وهذه النبوات تفصيل للنبوة الأصلية في يوئيل 3: 19،20. وعندما يزور الناس موقع أدوم اليوم ينذهلون من دقة تحقيق نبوة إشعياء 34.

ونقدم هنا تاريخ أدوم، قبل هذه النبوات، وبعدها:

أما تاريخ أدوم قبل هذه النبوات فهو عاصف لا يهدأ. فبعد موت الملك شاول أظهر أهل أدوم عداوتهم لأسرائيل، وإذ كان الملك داود مشغولاً بإخضاع الملك هدد عزر ملك صوبة في شمال سوريا، هاجم الأدوميون الجزء الجنوبي من أرض يهوذا مهددين العاصمة أورشليم، فرجع داود وهاجم أدوم وقتل 18 ألف أدومياً في وادي الملح جنوب البحر الميت. وظلت أدوم خاضعة لمملكة يهوذا حتى حكم يهورام من 853-841 ق.م. وبعد موت يهورام بخمسين سنة غزا أمصيا ملك يهوذا أدوم واستولى على حصنها سالع (سالع كلمة عبرية معناها صخرة، والبتراء هي كلمة صخرة في اللغة اليونانية).

وبعد اضمحلال أشور زحفت جحافل الكلدانيين على شرق الأردن والتهمت أدوم وأمماً أخرى (52).

أما تاريخ أدوم بعد هذه النبوات، فإن سقوط مملكة أشور كان الموعد التقريبي لاتمام النبوات ضد أدوم.. أما بقية تاريخ أدوم فهو ما حدث بعد أن تحققت النبوات. ولعل النبطيين هم «بنو المشرق» المذكورون في حزقيال 25: 4، في القرن السادس ق.م. ومن المكابيين الأول 5: 3 نرى أن اليهود هزموا أدوم. ويقول يوسيفوس أن هيركانوس وسمعان الجيراسي هاجما أدوم تباعاً. وهكذا تحققت هذه النبوة.

في وقت ميلاد المسيح كانت البتراء مزدهرة، فقد كانت في طريق التجارة إلى آسيا، كما يقول المؤرخ سترابو وكانت سوقاً لتجارة العطور والأطياب العربية. وفي خلال الحكم الروماني جمعوا الأدوميون لليهود، وصار اسم المملكة الواحدة «أدومية». وقبيل حصار تيطس لأورشليم سمح لعشرين ألف أدومي بدخول المدينة المقدسة فعاثوا فيها سرقة وقتلاً. ومنذ ذلك الوقت اختفى ذكر الأدوميين (بني عيسو) من التاريخ! (38).

وعندما احتاج اليهود إلى العون في إثناء الحصار الروماني (70 م) كان الأدوميون أكثر ما يكونون أذى. وبعد مذبحة اليهود، عاد الأدوميون إلى بلادهم، ليختفي ذكرهم من صفحات التاريخ، ولو أن عاصمتهم البتراء استمرت. وتقول دائرة المعارف البريطانية إن اضمحلال البتراء بدأ قبل الغزو الإسلامي لها في القرن السابع الميلادي (نبوة رقم 3). وقد بنى الصليبيون قلعة هناك في القرن الثاني عشر، واحتلها فيما بعد القبائل الرحَّل، وظلت على هذه الحال حتى اكتشف موقعها الرحالة السويسري بوركهارت عام 1812 (37) - (وهكذا تحققت النبوة رقم 8).

ويقول هنري موريس أن أدوم تُذكر كثيراً في الكتاب المقدس، ولكنها سقطت من تاريخ العالم حتى القرن التاسع عشر. وقد ظن بعض النقاد أن أدوم لم يكن لها وجود، حتى ظهرت كتابات عنها في الآثار المصرية والأشورية، وأخيراً أظهرت الحفريات أطلال البتراء نفسها، مدينة الصخرة، فأفحم النقاد الذين كانوا يظنونها أسطورة (43)

كانت البتراء إحدى عجائب العالم القديم، مبنية في جبل صخري، وكان الكثير من أبنيتها محفوراً في الصخر الأحمر الوردي، فكانت رائعة الجمال، مستحيلة على الغزاة، لها مدخل واحد ضيق يشبه الخندق يمكن أن تحميه فرقة صغيرة من العسكر تهزم جيشاً كبيراً من الأعداء.

ولكن ما هو حال البتراء اليوم؟ يصفها جورج آدم سميث مقتبساً من كتّاب مختلفين يقول:

«لقد تمت هذه النبوات عن أدوم بدقة متناهية. إن أصوات الشواهين والصقور والبوم الكثير، تملأ المكان وتزيده وحشة. لقد قال النبي أنها تصير مسكن النكّازة (أي الحيّات) وهي اليوم تعج بالسحالي والثعابين والعقارب التي يخشاها الناس.. وقد قال الأدلاّء لبعض السياح إنهم كثيراً ما رأوا الأسود والنمور في البتراء، ولو أنها لم تنزل إلى الوادي. ويذكر النبي «معز الوحش» وهي في العبرية «الساطير» التي تعني «ذات الشعر». وقد وجد الكثير منه على الجبال في البتراء» (وهكذا تحققت النبوات رقم 1، 2، 7، 9) (53).

وقد جاء النبطيون بعد الأدوميين وأسسوا حضارة عظيمة استمرت قروناً، ولكن الله قال أن أدوم ستصير خراباً، واليوم نجد أن أدوم صحراء، تحقيقاً حرفياً للنبوة. لقد كان مسرحها يسع أربعة آلاف متفرج، لكنها اليوم خراب كامل، تتغطّى أرضها بأعمدة محطمة وأحجار مبعثرة، تختفي فيها العقارب والثعابين والسحالي وتسكنها البوم. لقد قال بركهارت إنه لم يعرف الخوف في حياته حتى زار البتراء، عندما زعقت فيها بنات آوى ليلاً. إن الأحجار التي كانت قصوراً عظيمة أصبحت مبعثرة يحيط بها العوسج والأشواك (أش 34: 10-14، إرميا 49: 16).

أنك عندما ترى البتراء تشعر بالرهبة والتواضع، فقد سقطت العظمة والقوة وصارت حطاماً موحشاً. ويقول ألكسندر كيث: «أود لو أن المتشكك وقف حيث وقفت أنا بين أحجار وخرائب هذه المدينة العظيمة، وفتح الكتاب المقدس ليقرأ ما خطه الأنبياء عن مصير هذه المدينة العظيمة. إنني أتخيل وجهه يشحب وشفتيه ترتعشان وقلبه يرجف من الخوف، فإن المدينة تصرخ بصوت قوي عال وكأنها ميت قام من الأموات! وقد لا يؤمن المتشكّك بكلمات موسى والأنبياء، لكنه لا بد يؤمن وهو يرى كتابة أصبع الله على الخراب المحيط به!» (54).

ومن هذا نرى بوضوح:

تحققت النبوة رقم (1) وصارت أدوم خراباً، ولم تعد مكان سكن، وهكذا تحققت النبوة رقم (2). واستولى عليها الوثنيون كما استولى عليها اليهود، فتحققت نبوتا 3، 4. وعندما تنبأ حزقيال (25: 14) أن إسرائيل ستهزم أدوم، كانت إسرائيل في السبي، لكن بعد أربعة قرون هزم يهوذا المكابي ويوحنا هيركانوس أدوم، وقتلوا الآلاف، واضطر الباقون إلى ممارسة الختان ليصيروا يهوداً!.

أما عن النبوة رقم (5) فإننا نرى تاريخ أدوم الدموي، فقد غزتها أشور واستعبدتها، ثم أخذها نبوخذ نصر، ثم النبطيون. وأخيراً قتل يهوذا المكابي أربعين ألفاً منهم.

أما النبوة رقم (6) عن التيمن - أو معان كما تسمى الآن - فإن هذه المدينة لا تزال عامرة على الحدود الشرقية لأرض أدوم، والوحيدة المأهولة بالسكان من كل بلاد أدوم القديمة. فهل يكون تحقيق النبوات بدقة أكثر من هذا فكِّر في كيف يختار النبي مدينة واحدة من بين كل مدن أدوم يقول إنها ستبقى، بينما تهلك كل الدول! لا يمكن أن يكون هذا إلا لأن النبي حزقيال (25: 13) كان يتكلم بكلام الله (51).

تحدثنا عن تحقيق النبوة رقم 7 فقد سكنت أدوم الحيوانات المتوحشة. أما النبوة رقم 8 عن توقُّف تجارة أدوم، فلم يكن منتظراً أن يحدث، لأن أدوم تقع على طريق تجارة دولي، ولكن هذا ما حدث فعلاً! ولم تعد قافلة واحدة تعبر البلاد. وقد تحققت النبوة رقم 9، ويتعجب اليوم كل الناظرين إلى هذه البلاد الجبلية الحصينة كيف صارت إلى هذه الحالة من الخراب!

ويقول بيتر ستونر إن احتمال تحقيق ثلاث فقط من هذه النبوات أمر مذهل (1) 1 ضرب 10 أن تهزم أدوم (2) 1 ضرب 10 إلا تُسكن (3) 1 ضرب 100 أن تصير خراباً. وهذا يعطي احتمال تحقيق النبوة فرصة واحدة في عشرة آلاف فرصة!

لقد كانت أدوم مستطيلة الشكل، 110 ميلاً بالطول وستين ميلاً بالعرض (نحو 6600 ميلاً مربعاً). ولنفترض أن هناك محافظة بهذه المساحة، ولنفرض أن نبياً جاء يقول إن هذه المحافظة (1) ستصير خراباً (2) لن يسكنها أحد (3) يهزمها قادمون من الشرق من جهة البحر (4) يهزمها أيضاً قادمون من الشمال (5) مستقبلها دموي أكثر من كل ما حولها (6) ستخرب كلها حتى موقع معين (7) تسكنها الحيوانات الوحشية.

أن احتمال تحقيق هذه كلها معاً هي فرصة واحدة في 300 مليون فرصة! ومن المذهل أن كل ما قاله الأنبياء عن أدوم قد تحقق بحذافيره!

7 - طيبة وممفيس

تنبأ حزقيال عن مدن مصرية كثيرة، نأخذ منها مدينتين كمثل:

حزقيال 30: (592-570 ق.م).

13 «هَكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ. وَأُبِيدُ ٱلأَصْنَامَ وَأُبَطِّلُ ٱلأَوْثَانَ مِنْ نُوفَ (ممفيس). وَلاَ يَكُونُ بَعْدُ رَئِيسٌ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، وَأُلْقِي ٱلرُّعْبَ فِي أَرْضِ مِصْرَ».

14 «وَأُخْرِبُ فَتْرُوسَ وَأُضْرِمُ نَاراً في صُوعَنَ وَأُجْرِي أَحْكَاماً فِي نُوَ» (طيبة).

15 «وَأَسْكُبُ غَضَبِي عَلَى سِينَ حِصْنِ مِصْرَ، وَأَسْتَأْصِلُ جُمْهُورَ نُوَ».

وفي هذه النبوات نرى الحقائق التالية:

  1. إبادة أصنام ممفيس (حزقيال 30: 13).

  2. تُخرب طيبة وتحترق (حزقيال 30: 14).

  3. يستأصل جمهور طيبة (حزقيال 30: 13).

  4. لا يكون بعد رئيس من أرض مصر (حزقيال 30: 13).

قال جون أركهارت أن نوف كان الإسم القديم الذي أطلقه المصريون على ممفيس، التي أسسها الملك منيس (مينا) وفيها وضعت الإجراءات لعبادة الآلهة المصرية وخدمة الهياكل، ولا بد أنها كانت موضع التكريم الكامل. وكانت ممفيس عاصمة مصر الوسطى عامرة بالأصنام. ومع أننا لا نملك تسجيلاً لغزو نبوخذ نصر لممفيس وتخريبها، إلا أن هيرودوت يقول أن قمبيز أخذ سين (تل الفرما الحالية) وهي نقطة الدفاع الرئيسية عن مصر.. أخذها بحيلة ماكرة، ذلك أنه وضع أمام جيشه قططاً وغيرها من الحيوانات التي يعبدها المصريون فلم يرفع مصري سلاحاً ضده. ثم ذبح العجل أبيس وأحرق أصنام مصر، وكان ذلك في عام 525 ق.م. وهكذا تحققت النبوة رقم 1.

ويقول أركهارت إن الذي يفحص حالة ممفيس زمن المسيح يتحقق استحالة تحقيق هذه النبوات، وقد رأى سترابو أن ممفيس كانت ثاني مدن مصر مساحة بعد الإسكندرية، ولكن تأسيس القاهرة جعل ممفيس تضمحل في القرن السابع الميلادي حتى تلاشت، ومنذ قرن من الزمان كان موضع ممفيس محل تساؤل. وسجل إركهارت انطباعات بعض زّوارها، فقد اندهش ولكنسون لضئالة ما بقي من هذه المدينة الكبيرة، واندهشت أماليا إدوادز (في كتابها: رحلة ألف ميل على النيل) من أن ما تبقى منها لا يسترعي الإلتفات حتى ليصعب تصديق أن مدينة عظيمة كانت موجودة في هذا المكان (49).

أما تاريخ طيبة فيختلف عن ذلك. لقد تلّقّت طيبة خبطتين طرحتاها أرضاً، وذلك بعد هذه النبوات. يقول إركهارت أن حزقيال عاش في أثناء حكم نبوخذ نصر، وبعده بثلاثة عشر عاماً أصبحت مملكة فارس هي الإمبراطورية السائدة، وفي سنة 525 ق.م غزا قمبيز مصر وأخرب طيبة وأحرق هياكلها وحاول تحطيم التماثيل العظيمة. وقد قامت طيبة من هذه الكبوة بعد أن أصابها عرج! ثم جاءت ضربة ثانية على طيبة في القرن الأول ق.م، ففي سنة 89 حوصرت المدينة ثلاث سنوات، وسقطت أخيراً سقوطاً عظيماً، لم تقم بعده (49).

كانت طيبة أغنى البلاد، محيط دائرتها ميل وثلاثة أرباع الميل، وسُمك سورها ثمانية أمتار وارتفاعه 22 متراً، ومنتجاتها قمة في الدقة الصناعية. ويقول سترابو الذي رأى المدينة عام 25 ق.م أنها قد انحطّت إلى قرية صغيرة، وهذا تحقيق للنبوة.

وللمقارنة بين مصير ممفيس وطيبة نرى أن طيبة تنكسر ويستأصل سكانها، أما ممفيس فتبطل أصنامها. وقد حدث فعلاً أن بقيت أصنام طيبة وتماثيلها، بينما تحطمت أصنام ممفيس. أهل طيبة استؤصلوا، وأهل ممفيس بقوا! يا له من تحقيق رائع للنبوة! كيف اختار النبي ممفيس دون مدن مصر القديمة ليقول أن أصنامها ستتحطم؟ (51).

ولقد تحققت النبوة الرابعة أنه لا يكون بعد رئيس من أرض مصر، فكان الحاكم أجنبياً لقرون طويلة، فقد أخذ الفرس مصر سنة 525 ق.م، وبعدها توالى الغزاة!

إن هذه النبوات تخبرنا أن الله يقاوم المستكبرين! وأنه لا بد أن يتمم وعده ووعيده. (49).

8 - نينوى

كانت نينوى وبابل مدينتين عظيمتين في العالم القديم، قويتين، مأهولتين بالسكان، غالبتين في الحروب. وفي إبان عظمتهما توالت النبوات عليهما بالخراب، وكان سقوطهما عظيماً. سقطت نينوى بعد حصار قصير جداً استغرق ثلاثة شهور، وسقطت بابل بدون قتال!

وسندرس أولاً النبوة عن نينوى عاصمة الإمبراطورية الأشورية، وقد دعاها النبي ناحوم للتوبة، لكنها لم تتب، فسقطت.

ناحوم (661 إلى ما قبل 612 ق.م).

1: 8 «وَلكِنْ بِطُوفَانٍ عَابِرٍ يَصْنَعُ هَلاَكاً تَامّاً لِمَوْضِعِهَا، وَأَعْدَاؤُهُ يَتْبَعُهُمْ ظَلاَمٌ...».

1: 10 «فَإِنَّهُمْ وَهُمْ مُشْتَبِكُونَ مِثْلَ ٱلشَّوْكِ وَسَكْرَانُونَ كَمِنْ خَمْرِهِمْ، يُؤْكَلُونَ كَٱلْقَشِّ ٱلْيَابِسِ بِٱلْكَمَالِ».

2: 6 «أَبْوَابُ ٱلأَنْهَارِ ٱنْفَتَحَتْ، وَٱلْقَصْرُ قَدْ ذَابَ».

3: 10 «هِيَ أَيْضاً قَدْ مَضَتْ إِلَى ٱلْمَنْفَى بِٱلسَّبْيِ، وَأَطْفَالُهَا حُطِّمَتْ فِي رَأْسِ جَمِيعِ ٱلأَزِقَّةِ، وَعَلَى أَشْرَافِهَا أَلْقُوا قُرْعَةً، وَجَمِيعُ عُظَمَائِهَا تَقَيَّدُوا بِٱلْقُيُودِ».

3: 13 «هُوَذَا شَعْبُكِ نِسَاءٌ فِي وَسَطِكِ. تَنْفَتِحُ لأَعْدَائِكِ أَبْوَابُ أَرْضِكِ. تَأْكُلُ ٱلنَّارُ مَغَالِيقَكِ».

3: 19 «لَيْسَ جَبْرٌ لانْكِسَارِكَ. جُرْحُكَ عَدِيمُ ٱلشِّفَاءِ. كُلُّ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ خَبَرَكَ يُصَفِّقُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَيْكَ، لأَنَّهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَمُرَّ شَرُّكَ عَلَى ٱلدَّوَامِ؟».

في هذه النبوات نرى الحقائق التالية:

  1. ستخرب نينوى وهي في حالة سُكر (ناحوم 1: 10).

  2. ستخرب في طوفان غامر (ناحوم 1: 8،2: 6).

  3. ستحرق (ناحوم 3: 13).

  4. ستخرب تماماً ولا تُبنى (ناحوم 3: 19)

يمكن تحديد تاريخ نبوة ناحوم مما جاء في النبوة ذاتها، فإن التاريخ الأقدم ظاهر من حديث النبي عن حرب «نوأمون» (3: 8) التي هي طيبة. ونحن نعرف أن هذا حدث سنة 663 ق.م على يد أشور بانيبال. أما التاريخ الأحدث فيظهر أيضاً مما جاء بالسفر نبوة عن الخراب الآتي على نينوى، وقد أخربت نينوى سنة 612 ق.م. فتكون كتابة السفر بعد 663 وقبل 621 ق.م.

ولكي ندرك معنى النبوة عن الطوفان يجب أن نعرف أن أنهار نينوى لعبت جزءاً هاماً في تاريخها، فقد كانت تفيض على جانبيها باستمرار فتسقط القصور وتخرب المدينة. وقد عدّل سنحاريب، جد أشور بانيبال، مجرى النهر حتى يضمن انسياب الماء بدون تعاريج، وقّوى أساسات الهيكل حتى لا يضعف بتأثير الماء.

أما وسائل نينوى الدفاعية فكانت عظيمة، أعظم من كل المدن القديمة. فقد كان ارتفاع السور 33 متراً (نحو عشرة طوابق) وسمكه 16 متراً (يكفي لمرور نحو ست عربات متجاورة) وكان ارتفاع أبراج السور 66 متراً وكان لها 15 بوابة، والخندق المائي المحيط بها عرضه خمسون متراً، ومحيط دائرتها سبعة أميال. وكان على العدو الآتي على نينوى من الشرق (أضعف نقطة فيها) أن يهاجم سوراً تحصّنه القلاع، ثم خندقين، ثم سورين آخرين في مثل حجم السور الأول - كل هذا قبل الوصول إلى المدينة نفسها. وكانت المسافة بين السور الداخلي والسور الخارجي حوالي 700 متراً. وتشهد البقايا الباقية اليوم من أسوار نينوى على صدق وصف ديودور الصقلي لعظمة وسائل الدفاع عن نينوى.

وكان سقوط نينوى سريعاً ومفاجئاً، بدأ بثورة بسماتيك المصري ضد الحكم الأشوري (نينوى عاصمة أشور). وقد قضت هذه الثورة على مطامع أشور في مصر، ثم خسر الأشوريين أرض عيلام قبل موت أشور بانيبال... وبهذا كانت عجلة العناية تدور ضد أشور. ومن ألغاز التاريخ الغامضة أن تسقط أشور التي بلغت قمة مجدها في سنة 663، بعد هذا التاريخ بواحد وخمسين سنة، ولا تقوم لها قائمة مرة أخرى. لقد زحف عليها سيكزارس ولكنه لم يستطع أن يخترق أسوارها، فرجع عنها إلى غيرها من مدن السهل مثل تاريس ونمرود ودمرهما تماماً.

أن هناك شيئاً غامضاً يحيط بسقوط نينوى بهذه الصورة، وهي في أوج قوتها. فلم يكن في قدرة أي قوة عسكرية أن تفعل بها ما تنبأ به ناحوم، مهما أُتيح لهذه القوة من أسلحة وحنكة حربية، لم يكن في مقدور أي قوة أن تخترق أسوار نينوى بسهولة، تلك الأسوار الشاهقة وما عليها من أبراج قوية يتحصن داخلها جيش قوي، علاوة على الخندق الذي بلغ اتساعه 150 قدماً. لا يمكن أن يسقط كل هذا في خلال ثلاثة شهور من الحصار. وفي نهاية حكم أشور بانيبال اتفق الماديون مع القبائل المجاورة وهاجموا نينوى فسقطت عام 612 ق.م بعد حصار ثلاثة شهور فقط. وهذه فترة حصار قصيرة جداً لو عرفنا أن بسماتيك حاصر أشدود تسعة وعشرين عاماً، وهي مدينة أصغر وأقل تحصيناً من نينوى. وكان النبي ناحوم قد تنبأ أنها ستسقط بسهولة، كما تسقط ثمرات التين من الشجرة (ناحوم 3: 12).

ويقول ناحوم 2: 6 إن هلاك نينوى سيكون بفيضان أنهار. وقد أظهرت الحفريات أن هذا هو ما جرى لنينوى، فقط أسقط فيضان النهر الأسوار، فاستطاع الماديون والكلدانيون أن يستولوا على المدينة بسهولة. وقد كتب ديودور الصقلي وصفاً لسقوط نينوى، قال فيه أن الأعداء كانوا يحيطون بنينوى، ولكن الملك لم يهتم لثقته بانتصاراته السابقة، فأقام الحفلات لجنوده وسكروا. وعرف أرباسس قائد العدو هذه الحقائق من الفارين من المدينة، فهاجمها ليلاً بنجاح عظيم. وكانت خسائر الأشوريين هائلة بسبب السّكر وعدم النظام. وحاول القائد الأشوري جمع الشمل، وكانت ثمة نبوة عند أهل نينوى: «لا يستطيع عدو أن يأخذ نينوى أبداً إلا إذا أصبح النهر عدواً للمدينة أولاً». وفعلاً لم يستطع العدو أن يخترق الأسوار لما كانت المئونة متوفرة بالمدينة. وظلت المدينة تقاوم ثلاث سنوات، ولكن المطر نزل بشدة ففاض النهر، وتهدمت أجزاء من الأسوار المنيعة، فخاف الملك ظاناً أن النبوة قد تحققت، فجمع ممتلكاته ونساءه داخل قصره وأغلقه ثم أحرقه. واقتحم الأعداء المدينة من الجزء الذي تحطم من السور ودخلوها عنوة، وتُّوج أرباسس - قائد الجيش المهاجم - ملكاً عليها.

وانهارت نينوى، حتى أن العلماء الذين أرادوا استكشاف مكانها، ساروا فوقه ذهاباً وجيئه دون أن يعرفوا أنهم فوق المكان الذي يفتشون عليه! لقد تحققت نبوة ناحوم 3: 11!

ولقد ظل مكان نينوى مجهولاً حتى اكتشفه السير أوستن لايارد في القرن التاسع عشر، وهو رحالة بريطاني وعالم آثار. ولقد كان كل ما لدينا من معلومات عن نينوى قبل ذلك مستمداً من الكتاب المقدس، حتى قال الشكّاكون إنه لم يكن لأشور ولا نينوى ولا بابل وجود! ولكن الحفريات - التي وصلت إلى عمق 30-45 قدماً - كشفت موقع نينوى وأظهرت صحة التاريخ الكتابي، وفوق ذلك أظهرت صحة النبوة الكتابية! (38).

ويقدم العالم ملاوان وصفاً لنينوى نقول فيه: «الحالة التي وجدنا فيها حجرة العرش في قلعة شلمنأصر تُظهر الكارثة التي حلّت بها، فطلاء الحوائط محترق ومسّور بالهباب الذي تخلل طوب الحوائط. وقد أدت الحرارة الشديدة إلى ميل الحائط الجنوبي للداخل في وضع خطير، ودُفنت الغرفة نفسها تحت أكوام الأنقاض التي ارتفعت متراً ونصف، مغطاة بالرماد والفحم والقطع الأثرية. ووجدت مئات القطع العاجية محترقة، وفي القصر وجدنا الأنقاض مختلطة بأطعمة مصنوعة من الحبوب مثل الشعير والقمح. ولقد رأيت مدناً كثيرة محترقة، ولكني لم أر مثل هذا الحريق الإنتقامي الذي لا يزال رماده باقياً. ولقد ظلّت أطلال القصر باقية كما هي تحت الأنقاض حتى كشفنا عنها سنة 1958» (55).

لقد ذكر ناحوم ثلاث مرات أن نينوى ستُخرب بالماء، في 1: 8، 2: 6، 2: 8 - وليست هذه الكلمات شعرية أو تصويرية، فهو يصف «بطوفان عابر يصنع هلاكاً تاماً» و «أبواب الأنهار انفتحت» و «نينوى كبركة ماء». وقد حدث هذا فعلاً، إذ فاض النهر فانهارت بعض دفاعات نينوى، وسهل على الأعداء اقتحامها وتدميرها.

ولقد كان سقوط نينوى في شهر آب (أغسطس)، وينزل المطر عادة في شهر مارس (آذار)، وتعلو مياه النهر في شهري أبريل ومايو (نيسان وأيار)، فيكون سقوط الأسوار في شهر آب (أغسطس) معقولاً.

ولقد هاجم البعض هذه الفكرة بحجة أن نهر دجلة لا يمرّ بنينوى، كما هو الحال اليوم. ولكن معظم العلماء اليوم يقولون أن دجلة كان يمر بغرب نينوى، وذلك من الحفريات التي جرت في المنطقة.

وهاجم البعض الفكرة مرة أخرى، وقالوا أن النهر لا يمكن أن يهدم السدود ويسقط سور المدينة. ولكن نهر الدجلة قادر على ذلك، علاوة على أن هناك احتمالين آخرين:

الإحتمال الأول هو أن هناك نهراً ثانياً كان يمكن أن يسبب الفيضان، وهو نهر الخسر. وكان الأشوريون قد أقاموا سداً للتحكم في المياه، وأقاموا بوابة يمرّ منها الماء للمدينة بحساب. ويمكن للأعداء أن يحولوا ماء نهر الخسر بعيداً عن المدينة، فيقطعوا عنها ماء الشرب (ماء الدجلة لا يُشرب) ثم يطلقون الماء الموجود خلف السد ليغرقوا المدينة! ومجرى نهر الخسر يتسع قرب نينوى حتى يشبه «بركة الماء» (ناحوم 2: 8).

وهناك نهر ثالث هو «الزاب» أو «تبلتو» (تبلتو كلمة أشورية معناها يمزق أو يجرف) وهو يمكن أن يفيض فيمزق نينوى ويحملها معه!

ومن هذا نرى بوضوح:

  1. ستُخرب نينوى وهي مخمورة، وربما كان سقوطها راجعاً لتفكير أهلها في أن بلدهم لا تُهزم، فسكروا.

  2. أُخربت نينوى بطوفان ماء.

  3. احترقت نينوى وصارت خربة تماماً، لم تبن.

  4. صارت نينوى خافية.

9 - بابل

كانت مدينة بابل عاصمة المملكة البابلية للعالم في وقتها، ومركزاً للتجارة والثقافة والعلم. وكانت أيضاً موضوع بعض النبوات.

إشعياء 13: (783-704 ق.م).

19 «وَتَصِيرُ بَابِلُ بَهَاءُ ٱلْمَمَالِكِ وَزِينَةُ فَخْرِ ٱلْكِلْدَانِيِّينَ كَتَقْلِيبِ ٱللّٰهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ».

20 «لاَ تُعْمَرُ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ تُسْكَنُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ، وَلاَ يُخَيِّمُ هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ، وَلاَ يُرْبِضُ هُنَاكَ رُعَاةٌ».

21 «بَلْ تَرْبُضُ هُنَاكَ وُحُوشُ ٱلْقَفْرِ، وَيَمْلأُ ٱلْبُومُ بُيُوتَهُمْ، وَتَسْكُنُ هُنَاكَ بَنَاتُ ٱلنَّعَامِ، وَتَرْقُصُ هُنَاكَ مَعْزُ ٱلْوَحْشِ».

22 «وَتَصِيحُ بَنَاتُ آوَى فِي قُصُورِهِمْ، وَٱلذِّئَابُ فِي هَيَاكِلِ ٱلتَّنَعُّمِ، وَوَقْتُهَا قَرِيبُ ٱلْمَجِيءِ وَأَيَّامُهَا لاَ تَطُولُ».

إشعياء 14:

23 «وَأَجْعَلُهَا مِيرَاثاً لِلْقُنْفُذِ، وَآجَامَ مِيَاهٍ، وَأُكَنِّسُهَا بِمِكْنَسَةِ ٱلْهَلاَكِ، يَقُولُ رَبُّ ٱلْجُنُودِ».

أرميا 51: (626 - 586 ق.م).

26 «فَلاَ يَأْخُذُونَ مِنْكَ حَجَراً لِزَاوِيَةٍ وَلاَ حَجَراً لأُسُسٍ، بَلْ تَكُونُ خَرَاباً إِلَى ٱلأَبَدِ يَقُولُ ٱلرَّبُّ».

43 «صَارَتْ مُدُنُهَا خَرَاباً، أَرْضاً نَاشِفَةً وَقَفْراً، أَرْضاً لاَ يَسْكُنُ فِيهَا إِنْسَانٌ وَلاَ يَعْبُرُ فِيهَا ٱبْنُ آدَمَ».

في هذه النبوات نرى الحقائق التالية:

  1. تصير بابل خراباً مثل سدوم وعمورة (إشعياء 13: 19).

  2. لا تُسكَن أبداً (إرميا 51: 26، إشعياء 13: 20).

  3. لا يقيم فيها الأعراب خيامهم (إشعياء 13: 20).

  4. لا يرعى هناك رعاة (إشعياء 13: 20).

  5. تسكنها الحيوانات البرية (إشعياء 13: 21).

  6. لا تؤخذ حجارتها لمباني أخرى (إرميا 51: 26).

  7. أرضها لا يعبر فيها إنسان (إرميا 51: 43).

  8. تصبح برك مياه (إشعياء 14: 23).

تقول دائرة المعارف البريطانية إنه «حتى القرن التاسع عشر كانت كل المعلومات التي عندنا عن بابل وأشور مستقاة من الكتاب المقدس، ومن عدد قليل من كتاب اليونان. ولم تتضح لنا تواريخ بابل وأشور إلا بعد اكتشاف الآثار والكتابات القديمة لهما، وفك رموز الخط المسماري الذي كانوا يكتبون به وقتها» (37).

كانت بابل مدينة غنية قبل أن تهزم غريمتها نينوى، مشهورة بتجارتها مع كل دول العالم القديم، بسبب موقعها على مجرى مائي صالح للملاحة، يبعد - في جزء منه - مائة ميل عن البحر الأبيض المتوسط، ويصب في خليج متصل بالمحيط الهندي، وكان يوازيه نهر دجلة، الذي يكاد يضارعه في الأهمية «والذي كان يمرّ بربوع أشور الخصيبة يحمل خيراتها إلى بابل. لقد كانت بابل حلقة الوصل التجاري بين الشرق والغرب» (56).

وكانت بابل مشهورة بمبانيها، ولقد أظهرت الحفريات الكثير من النقوش التي تبيّن نشاط نبوخذ نصر العظيم في البناء. وهناك ستة أعمدة منقوشة - هي من بقايا قصور بابل، وموجودة حالياً في لندن - تُظهر تعدد المباني التي أقامها لتجميل بابل (40)،. وقد بدأ نبوبولاسار، وتبعه إبنه نبوخذ نصر في أواخر القرن السابع وأوائل القرن السادس ق.م ببناء بابل حيث بلغت أوج شهرتها!

كان نهر الفرات يقسم المدينة قسمين، وقد بقي أكثر الآثار في الجانب الشرقي من النهر. ولعل هذا يرجع إلى أن النهر يغيّر مجراه، مخلِّفاً وراءه بعض المستنقعات إلى جهة الغرب. وقد أقامت سميراميس جسوراً لكبح جماح النهر، كما أن ملكة أخرى استغلَّت ذلك في عمل بحيرة عظيمة خارج الأسوار. كان الجزء الغربي من المدينة محاطاً بمستنقعات كثيرة تغذّيها مياه نهر الفرات، مما منع وصول الأعداء إليها من هذا الجانب (56).

وكانت مساحة مدينة بابل 196 ميلاً مربعاً، أي أن كل ضلع من جوانبها 14 ميلاً، ومحيطها 56 ميلاً، محاطة بخندق عرضه عشرة أمتار، وحولها سوران، الخارجي ارتفاعه أكثر من مائة متر (ارتفاع ثلاثين طابقاً) وعرضه نحو ثلاثين متراً (يتسع لثماني مركبات حربية متجاورة) وبه مائة بوابة من النحاس، و 250 برج مراقبة، إرتفاع كل منها أكثر من ثلاثين متراً فوق السور.

أما سقوط بابل العظيمة فيصفه كل من هيرودوت وزينوفون بالقول: «إن الفرس حاصروها، ولكنهم وجدوا استحالة كسر أسوارها، أو اختراق أبوابها. وعرف القائد الفارسي أن نهر الفرات يجري تحت هذه الأسوار الضخمة باتساع كافٍ لمرور جيش. وكان رجلان من بابل قد هجرا مدينتهما وانضما إلى جيش فارس، فطلب كورش الفارسي من جيشه أن يحفر خنادق كبيرة لتحويل مجرى النهر، وطلب من الخائنَينْ وضع خطط الهجوم من داخل الأسوار. وكان البابليون يضحكون على أعدائهم «العاجزين» خارج الأسوار، فأقاموا حفلاً لآلهتهم شكراً لانتصارهم على فارس! (كما هو مسجل في سفر دانيال أصحاح 8) دون أن يتنبهوا إلى أن كورش الفارسي قد حّوَل مجرى نهر الفرات من تحت أسوار بابل، وأنه يسير في مجرى النهر الجاف ليدخل مدينتهم. ولقد سقطت بابل بغير حرب بفضل الخائنَينْ وسُكْر أهل بابل! إقرأ إشعياء 21: 5، 44: 27، إرميا 51: 36. عن موت بيلشاصر إقرأ إشعياء 14: 18-20، إرميا 51: 57.

ويصف مرل أنجر سقوط بابل الهادئ فيقول: «في 13 أكتوبر (ت 1) 539 ق.م سقطت بابل في يد كورش الفارسي، ومنذ ذلك الوقت بدأ اضمحلال المدينة، فنهبها زركسيس. وحاول الإسكندر الأكبر إعادة بناء هيكلها العظيم، لكن النفقات الباهظة جعلته يتقاعس. وفي عهد خلفاء الإِسكندر اضمحلت المدينة بسرعة حتى أصبحت صحراء» (38).

والذي حدث أن خلفاء الإسكندر اختلفوا وتصارعوا، وجرت المعارك على أرض بابل ونهبتها الجيوش المتحاربة فأُخربت، وأخيراً صارت من نصيب السلوقيين. وكان إعادة بناء المدينة مكلّفاً جداً حتى قرر السلوقيون بناء مدينة جديدة، دعوها سلوقية، على بعد أربعين ميلاً شمال بابل، على نهر دجلة، فانتقلت المؤسسات والتجارة تباعاً إلى المدينة الجديدة فاضمحلت بابل شيئاً فشيئاً حتى ماتت. وقد زار سترابو بابل في أثناء حكم أغسطس (27 ق.م - 14 م) وقال: «لقد صارت المدينة العظيمة صحراء». وفي عام 116 زار تراجان بابل في أثناء حملته على البارثيانيين ووجد المدينة ركاماً فوق ركام!

وفي عام 363 م حارب الإمبراطور جوليان الساسانيين حكام فارس، وأخرب أسوار بابل التي كان الساسانيون قد أعادوا بناءها. واليوم، على مسافة 44 ميلاً جنوبي بغداد تجد الحطام المغطاة بالرمال، التي كانت يوماً «بابل العظيمة»! (57).

وقد قال أحد علماء الآثار: «شتان ما بين عظمة الحضارة الماضية والخراب الحالي (نبوة رقم 1) الذي تجول فيه الحيوانات المتوحّشة من بنات آوى والضباع والذئاب وأحياناً الأسود» (نبوة 5) (50). وقارن رجال الحفريات بين أسوار المدن القديمة وأسوار بابل، ففي مدن أخرى يتراوح سُمك الأسوار بين ثلاثة وسبعة أمتار، أما في حالة بابل فسُمك الأسوار بين 17 و 22 متراً! ويبلغ ارتفاع الأتربة التي تغطي حطام الأسوار ما بين مترين وستة أمتار، أما في حالة بابل فهو من 12 إلى 24 متراً! (57).

أما هيكل مردوخ على الفرات فكان على رجال الحفريات أن يزيحوا ملايين الأقدام المكعبة من الأنقاض قبل الكشف عن جزء منه. وكان نبوخذ نصر قد بناه 500 متراً ضرب 600 متراً. ومقابل الهيكل كان «الزيجورات» برج هيكل مردوخ. ويبلغ طول الهيكل ستة ملاعب كرة قدم، ويبلغ عرضه طول خمسة ملاعب كرة قدم!

لقد أخربت بابل كما أخربت سدوم وعمورة، ولو أن ذلك لم يكن بنفس الطريقة! (إشعياء 13: 19) لم تعد هناك خيمة أعرابي ولا مكان رعي. إن موقع بابل صحراء جرداء فيها يصرخ البوم، فتُرجع الذئاب صدى صرخاته! لقد حدث حرفياً أن بنات آوى تصيح في قصورهم، والذئاب تعوي في هياكلهم وينعق البوم في خرائبها! (56) ولعل سبب هَجْر الناس للمدينة كثرة الخرافات بصددها، كما أن نوعية التربة تجعل الزراعة مستحيلة فلا توجد مراع (56). وقد ذكر ستونر أن سبب عدم إعادة استعمال أحجار بابل في البناء مرة أخرى أنها كانت ضخمة، تكلّف الكثير في نقلها (42) لقد تنبأ إرميا (51: 26) أن أحجار بابل لا تؤخذ، وقد حدث هذا. ولكن الطوب أخذ، وأعيد بناؤه في أماكن أخرى! فيالصدق النبوة!

ولقد تحققت نبوة إرميا (51: 43) أن لا يعبر فيها إنسان. ومع أن السياح يزورون كل المدن القديمة، إلا أن بابل قلما يزورها أحد (42). وتوضح دائرة المعارف البريطانية كيف أن بابل صارت برك مياه، إذ أن معظم المدينة يقع فعلاً تحت مستوى سطح البحر (37). إن الأنهار التي أُهملت أغرقت أرضاً كثيرة (أنظر إشعياء 21: 1) (56).

لقد تحققت النبوات الثماني كلها. لاحظ الفرق بين النبوات عن بابل وتلك التي درسناها عن مصر. بابل انتهت، لكن مصر استمرت كدولة، ولكن ليس في عظمتها القديمة (51) تماماً كما ذكرت النبوات!!. ولم تكن بابل مدينة تجارة وحسب، بل مدينة دين أيضاً، كان بها 53 معبداً لآلهة مختلفة، 55 مكاناً لعبادة مردوخ، 300 مكان عبادة لآلهة أخرى أرضية، 600 سماوية، 180 مذبحاً لعشتاروث، 180 للإله نرجل وهدد، 12 مذبحاً لآلهة أخرى. ولقد كانت هناك مراكز عالمية للعبادة في العالم القديم مثل ممفيس وطيبة وبابل ونينوى وأورشليم، ولم يبق مركز من هذه التي دعت لعبادة وثنية، إلا أورشليم التي دعت لعبادة الإله الواحد.

ويقول بيتر ستونر إن احتمالات تحقيق النبوات السبع الأولى هي فرصة واحدة من خمسة بلايين فرصة هي: (1) 1 ضرب 10 (أنها تُخرب)، (2) 1 ضرب 100 (أنها لا تُسكن أبداً)، (3) 1 ضرب 200 (الأعراب لا يقيمون فيها خيامهم)، (4) 1 ضرب 4 (أن الرعاة لا يرعون فيها)، (5) 1 ضرب 5 (تسكنها الوحوش)، (6) 1 ضرب 100 (أحجارها لا تؤخذ لمباني أخرى)، (7) 1 ضرب 10 (أرضها لا يعبر فيها إنسان). وهذا يعني أن هناك فرصة واحدة من خمسة آلاف مليون فرصة، أن هذه النبوات السبع عن بابل تتحقق (42).

ونسوق هنا ملاحظتين بخصوص النبوات عن نينوى وبابل، أولاهما عن أساليب الدفاع: لم يحدث أن وجدت وسيلة حربية للتغلب على الأسوار الضخمة إلا بعد الحرب العالمية الأولى، بعد اختراع الطائرات والمدفعية الحديثة! ولكن لا توجد أسوار سميكة أو عالية، ولا توجد خنادق عميقة تقدر أن تمنع عقاب الله. لا يستطيع البشر أن يتجاهلوا الله محتمين خلف سواتر مادية أو عقلية.

والملاحظة الثانية هي عن احتمال سقوط مدينتين. لقد كانت هناك نواحي شَبَه بين نينوى وبابل، كما كانت هناك نواحي اختلاف، كأي مدينتين في العالم. فلو سألنا أحداً اليوم: هل تسقط نيويورك أو لوس أنجلوس؟ لما عرف، أو لقال إنهما لن تسقطا، أو لاختار إحداهما فقط! لكن بابل ونينوى سقطتا، ولم يسكنهما أحد ذلك الوقت!!

Table 2. 

بابلنينوى    
14 ميل مربععرض الخندق 50 متراً    
خنادق تحيط بها أسوار مزدوجةً إرتفاع برج الحراسة 20 طابقاً    
إرتفاع السور 30 طابقاًإرتفاع السور 10 طوابق    
وبعرض 30 متراًسمكه يكفي مرور ست سيارات    
مائة بوابة نحاسيةأو ثلاث مركبات حربية معاً    
أرض كافية للزراعة داخل الأسوار     

من هذا نرى

نقدم هنا بعض ما كتبه أحد رجال الحفريات لزوجته في أثناء قيامه بحفرياته في قيش، على بعد ثمانية أميال شرقي بابل، يسجّل إنطباعاته الشخصية، قال: «هذا المساء قمت بزيارتي المعتادة إلى التلال التي تغطي برج الهيكل القديم.. لا يظهر البرج عالياً عندما أنظر إليه من أسفل، ولكن الحال تغيّر عندما صعدته. إن ارتفاعه أكثر من 150 متراً. ومن أعلاه ترى العين مساحات شاسعة، فيرى الناظر خرائب بابل. ويحيط بالبرج خرائب قيش التي كانت أعظم مدن ما بين النهرين! لقد استحالت شبكة الري الرائعة القديمة إلى حُفر مملوءة بالقاذورات، بعد أن غيّر نهر الفرات مجراه وهجر المكان!»

إنها مدينة ميتة! لقد زرت بومبي وأوستيا وبالاتين، لكنها ليست مدناً ميتة، إذ لا نزال نسمع فيها همهمة الحياة، وتتألق الحياة من حوله.. ولكن بابل وقيش قامتا بنصيبهما في خدمة الحضارة، ثم غابتا عن العيون!

هنا موت حقيقي. لا يوجد عمود قائم واحد للدلالة على مهارة الإنسان، لقد سقط كل شيء في التراب. أن برج الهيكل الرائع فقد شكله الأصلي. أين مدارجه السبعة؟ أين الدرج الذي كانوا يصعدون به قمته؟ أين التماثيل التي زيَّنته؟. ليس هناك إلا تلال التراب! بقايا ملايين طوب البناء، لكنها بلا شكل، وقد قام الزمن والإهمال بتكملة هدم ما بقي!! وتحت قدمي حُفر تسكن فيها بنات آوى والذئاب، التي تهجر جحورها كل ليلة بحثاً عن طعامها. لقد شعرَت الليلة بوجودي، فظلت في أوجارها. ولعلها تتطلع بعين الإستغراب إلى الذي جاء يعكّر سكون المكان. وتتغطَّى التلة بعظام بيضاء هي بقايا طعامهم. لا شيء يعكّر سكون الموت!

الآن ارتفع صوت ذئب، جاوبت عليه الكلاب في القرى القريبة، فانتهى الصمت للحظات خاطفة!!

«ولكن سؤالاً يحيرني: لماذا اختفت مثل تلك المدينة الزاهرة، عاصمة الأمبراطورية العظيمة؟ لماذا اختفت تماماً؟ هل هي تحقيق لنبوة تقول إن الذئاب ستعوي في هياكلها؟ هل كان ما عمله الناس في هذا المكان سبب هذا الخراب الذي جاء عليهم؟ أم هو مصير كل حضارة بشرية أن تنهار عندما تبلغ أوج عظمتها. ولعل ما نعمله نحن الآن من محاولة التنقيب عن أسرار الماضي، هو ما ستفعله أجيال قادمة تنقيباً عن تاريخنا وحضارتنا!!».

10 - كورزين وبيت صيدا وكفر ناحوم

نقرأ في العهد الجديد عن أربعة مدن كانت على شواطئ بحر الجليل هي كفر ناحوم وكورزين وبيت صيدا وطبرية، اندثرت ثلاث منها، وبقيت الرابعة (14). وهاك النبوة عن الثلاث مدن المندثرة:

متى 11 (50 م)

20 «حِينَئِذٍ ٱبْتَدَأَ (المسيح) يُوَبِّخُ ٱلْمُدُنَ ٱلَّتِي صُنِعَتْ فِيهَا أَكْثَرُ قُّوَاتِهِ لأَنَّهَا لَمْ تَتُب»:

21 «وَيْلٌ لَكِ يَا كُورَزِينُ! وَيْلٌ لَكِ يَا بَيْتَ صَيْدَا! لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي صُورَ وَصَيْدَاءَ ٱلْقُّوَاتُ ٱلْمَصْنُوعَةُ فِيكُمَا، لَتَابَتَا قَدِيماً فِي ٱلْمُسُوحِ وَٱلرَّمَادِ».

22 «وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ صُورَ وَصَيْدَاءَ تَكُونُ لَهُمَا حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالاً يَوْمَ ٱلدِّينِ مِمَّا لَكُمَا».

23 «وَأَنْتِ يَا كَفْرَنَاحُومَ ٱلْمُرْتَفِعَةَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، سَتُهْبَطِينَ إِلَى ٱلْهَاوِيَةِ. لأَنَّهُ لَوْ صُنِعَتْ فِي سَدُومَ ٱلْقُّوَاتُ ٱلْمَصْنُوعَةُ فِيكِ لَبَقِيَتْ إِلَى ٱلْيَوْمِ.

24 «وَلٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ أَرْضَ سَدُومَ تَكُونُ لَهَا حَالَةٌ أَكْثَرُ ٱحْتِمَالاً يَوْمَ ٱلدِّينِ مِمَّا لَكِ».

ولا توضح هذه النبوات كيفية محددة لخراب هذه المدن، ولكنها توضح الخراب الآتي عليها كلها. ويقدم لنا التاريخ قصة خاصة لهذه المدن الثلاث. تقول دائرة المعارف البريطانية عن كفر ناحوم إنها «مدينة قديمة على الشاطئ الشمالي الغربي لبحر الجليل. يقولون إن موقعها اليوم هو تل حوم. ولم تمنع شهرتها قديماً من اختفاء اسمها ومن الجدل حول موقعها» (37). ويقول جورج ديفس: إن زلزالاً دمرَّ كفر ناحوم عام 400 م وهلكت كورزين وبيت صيدا معها في الوقت ذاته. (50). ويمضي ديفس ليقول: إن موقع بيت صيدا على بحر الجليل كان جميلاً جداً حتى قرر الملك الوليد الأول عام 700 م أن يبني قصراً شتوياً على موقع خرائبها، ولكنه مات قبل إكمال القصر. ومرت القرون واندثر القصر، ولا يبقى اليوم هناك إلا بعض أحجار الأساس وبعض البلاط والموزاييك في الأرضيات. وقد غطى رجال الآثار هذا البلاط بالرمل حتى لا يسرقه اللصوص ويضيع كل أثر لمكان القصر (50).

ويقول ديفس في وصف كفر ناحوم أن المجمع الموجود فيها ظل قروناً طويلة مدفوناً تحت التراب مثل بقية المدينة الخربة. وقد حاول أحدهم أن ينقب عن المجمع بين الخرائب، فأعاد إقامة بعض حوائطه، كما أعاد إقامة بعض أعمدته في مكانها. ولكن ما لم يتوقعه حدث، فقد مات مهندس المشروع فجأة، كما مات قبله الملك الوليد قبل أن يكمل قصره في بيت صيدا (50).

ويذكر مرت مرل أنجر في قاموسه أن الخراب المعلَن على كفر ناحوم وزميلتيها غير المؤمنتين (متى 11: 23) قد تحقق تماماً، فإن تل حوم هو مجموعة من الخرائب مثل بيت صيدا وكورزين. وقد وجد بكفر ناحوم مجمع اكتشفوه بعد التنقيب، يرجع للقرن الثالث الميلادي (38).

ويعلق ديفس على طبرية فيقول إن المسيح لم يقل كلمة واحدة ضد هذه المدينة. وقد أُخربت عدة مرات. ولكن أُعيد بناؤها في كل مرة. ويقول: «في كل مرة زرنا فيها هذه المنطقة انذهلنا من تحقيق نبوة المسيح. لقد أُخربت المدن الثلاث. وبقيت طبرية قائمة طيلة تسعة عشر قرناً» (50).

11 - توسيع أورشليم

إرميا 31: (626 - 586 ق.م).

38 «هَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ ٱلرَّبُّ وَتُبْنَى ٱلْمَدِينَةُ لِلرَّبِّ مِنْ بُرْجِ حَنَنْئِيلَ إِلَى بَابِ ٱلّزَاوِيَةِ».

39 «وَيَخْرُجُ بَعْدُ خَيْطُ ٱلْقِيَاسِ مُقَابِلَهُ عَلَى أَكَمَةِ جَارِبَ وَيَسْتَدِيرُ إِلَى جَوْعَةَ».

40 «وَيَكُونُ كُلُّ وَادِي ٱلْجُثَثِ وَٱلرَّمَادِ وَكُلُّ ٱلْحُقُولِ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ إِلَى زَاوِيَةِ بَابِ ٱلْخَيْلِ شَرْقاً قُدْساً لِلرَّبِّ. لاَ تُقْلَعُ وَلاَ تُهْدَمُ إِلَى ٱلأَبَد».

تبدو هذه النبوة غامضة حتى ترى الخريطة المرفقة، لأورشليم. وما نقدمه هنا اقتباس من كتاب جورج ديفس (مرجع رقم 48).

يقدم إرميا علامات واضحة لنمّو المدينة، وقد بقيت هذه العلامات قروناً طويلة إلى أن لاشاها اتّساع المدينة، الذي هو تحقيقٌ للنبوة. وقد قدَّم النبي زكريا نبوة مشابهة، قال: «وتتحّوَل الأرض كلُّها كالعربة، من جَبْع إلى رَمُّون جنوب أورشليم. وترتفع وتُعَمر في مكانها، من باب بنيامين إلى مكان الباب الأول إلى باب الزاوية، ومن برج حننئيل إلى معاصر الملك» (زكريا 14: 10).

وسنحاول هنا أن نعطي الأسماء الحديثة، مع الإشارة إلى الإسم القديم. كانت أُورشليم كما يصفها إرميا إلى جنوب المدينة الحديثة. وتُظهر الخرائط الحديثة أن المدينة قد امتدت شمالاً.

الركن الشمالي الغربي في نواحي جامع عمر هو موضع برج حننئيل. أما باب يافا الحالي فهو موقع باب الزاوية. أما المباني بين هذين الموقعين فقد بُنيت قبل جيلنا الحاضر، وبعد زمن إرميا. ولننتقل إلى أكمة جَارِب إلى الشمال الشرقي من باب الزاوية حيث توجد المساكن الروسية. وقد حدث الإتساع طبقاً للنبوة. أما ملجأ شنلر، وهو مدرسة ألمانية، نهر في موقع تل جَوْعة، وهي نهاية اتساع المدينة للشمال (موقع 4 على الخريطة) حسب النبوة، ولو أن المدينة اتَّسعت ضواحيها في هذا الإتجاه بسبب وجود طريق يافا (موقع 3 على الخريطة).

أما وادي الجثث فقد كان مقبرة من قبل (موقع 5 على الخريطة)، وهو المقصود في نبوة زكريا، حيث أن مَعَاصر الملك تقع إلى شمال هذا الوادي. وفي عام 1925 امتدَّ سكن اليهود اليمنيين إلى هذا القسم. أما تل الرماد (جنوب شرق جَوْعة) الذي يتكلم عنه إرميا، فقد اختفى بسبب المباني بين عامي 1900 و 1930. وكان رماداً فعلاً ناتجاً عن ذبائح الهيكل. ولما كان الرماد نافعاً لإِضافته لمواد عمل الطوب، فقد اختفى تدريجياً. وهكذا تم الإتساع والسكن فيه (موقع 6 على الخريطة).

أما المواقع 7، 8، 9 على الخريطة فقد كانت حقول وادي قدرون، وقد امتد الإتساع إليها منذ عام 1931 وبعده. وقد اختفى باب الخيل شرق سور المدينة القديمة بسبب امتداد العمران، ولكنه غير بعيد من باب الذهب.

ولم يمتد اتساع المدينة عشوائياً، ولكنه تبع خط نبوة إرميا! إن إرميا أوضح تدرُّج الإتساع، وهذا ما حدث فعلاً. لقد لخَّص إرميا الإتساع الذي جرى من 1880 إلى 1935 حين قال: «قدساً للرب. لا تُقلع ولا تُهدم للأبد» (إرميا 31: 40). لقد بدأ اتساع المدينة بالقسمين 1، 2 من الخريطة، وهذا داخل أسوار سليمان. ومنذ خمسين سنة امتدت أورشليم إلى ما خارج أسوارها نحو القسم (3) حتى شملت الأجزاء التسعة بنفس الترتيب المذكور في نبوة إرميا.

ويقول بيتر ستونر: «لمدينة أورشليم ستة أركان، وكان يمكن أن الإتساع يبدأ من أيٍّ من هذه الأركان، ويمتد إلى أيّ اتجاه كان! وفرصة تحقيق نبوة إرميا هي فرصة واحدة من 8 ضرب 1010 من الفرص، هذا لو أن نبوة إرميا كانت بحكمة إنسانية!» (42). إنها فرصة واحدة من 80 ألف مليون فرصة!

12 - فلسطين

اللاويين 26: (1520 - 1400 ق.م).

31 «أُصَيِّرُ مُدُنَكُمْ خَرِبَةً وَمَقَادِسَكُمْ مُوحِشَةً، وَلاَ أَشْتَمُّ رَائِحَةَ سُرُورِكُمْ».

32 «وَأُوحِشُ ٱلأَرْضَ فَيَسْتَوْحِشُ مِنْهَا أَعْدَاؤُكُمُ ٱلسَّاكِنُونَ فِيهَا».

33 «وَأُذَرِّيكُمْ بَيْنَ ٱلأُمَمِ، وَأُجَرِّدُ وَرَاءَكُمُ ٱلسَّيْفَ فَتَصِيرُ أَرْضُكُمْ مُوحِشَةً، وَمُدُنُكُمْ تَصِيرُ خَرِبَةً».

حزقيال 36: (592 - 570 ق.م).

33 «هَكَذَا قَالَ ٱلسَّيِّدُ ٱلرَّبُّ: فِي يَوْمِ تَطْهِيرِي إِيَّاكُمْ مِنْ كُلِّ آثَامِكُمْ أُسْكِنُكُمْ فِي ٱلْمُدُنِ، فَتُبْنَى ٱلْخِرَبُ».

34 «وَتُفْلَحُ ٱلأَرْضُ ٱلْخَرِبَةُ عِوَضاً عَنْ كَوْنِهَا خَرِبَةً أَمَامَ عَيْنَيْ كُلِّ عَابِرٍ».

35 «فَيَقُولُونَ: هَذِهِ ٱلأَرْضُ ٱلْخَرِبَةُ صَارَتْ كَجَنَّةِ عَدْنٍ، وَٱلْمُدُنُ ٱلْخَرِبَةُ وَٱلْمُقْفِرَةُ وَٱلْمُنْهَدِمَةُ مُحَصَّنَةً مَعْمُورَةً».

في هاتين النبوتين نرى الحقائق التالية:

  1. تصير مدن فلسطين خربة (لاويين 26: 31،33).

  2. ستكون مقادسها موحشة (لاويين 26: 31).

  3. تُخرب البلاد (لاويين 26: 32، 33).

  4. يسكنها الأعداء (لاويين 26: 33).

  5. يتشتت سكانها (لاويين 26: 33).

  6. يلقى اليهود الإضطهاد (لاويين 26: 33).

  7. يعود السكان وتبنى المدن وتُزرع الأرض (حزقيال 36: 33 - 35).

درس جون أُركهارت تاريخ فلسطين بدقَّة، ودرس النبوات عنها. ولقد حذر الله اليهود منذ دخلوا أرض الميعاد أنهم لو قاوموا خطته لحلَّ بهم الخراب (لاويين 26: 31 - 33). وقد تحقق هذا عام 70 م عندما دمر الرومان البلاد وأهلكوا أهلها وأحرقوا الهيكل، وعلَّقوا صورة الخنزير على مدخل بيت لحم. ومنذ ذلك الوقت لم يقدم اليهود ذبيحة ليهوه! (النبوة 2). على أن السكان اليهود لم يُطرَدوا من فلسطين تماماً إلا سنة 135 م عندما صادر هادريان كل الأراضي وباعها لغير اليهود. وتغيَّر السكان بعد ذلك، لكنهم كانوا على الدوام من غير اليهود، معادين لليهود. (تحققت نبوتا 4 و 5).

على أن ترك اليهود للبلاد لم يتركها خربة، فقد عمرها الملاَّك الجدد. وعندما اعتلى الإمبراطور قسطنطين العرش بُنيت كنائس مسيحية على المواقع التي جاء ذكرها في الإنجيل، وسكن البلاد كثيرون حتى تعطل الغزو الفارسي بقيادة كسرى في القرن السابع، وحتى استغرق الحصار العربي لأورشليم أربعة شهور، كما أن أورشليم قاومت الغزاة الصليبيين في القرن الحادي عشر (49).

ولم يجد رجال الآثار أيَّ أثر لليهود في فلسطين بعد عام 70 م، ولا حتى شاهد قبر يحمل كتابة عبرية. حتى مجمع كفر ناحوم صار حطاماً تحت الأنقاض (وهكذا تحققت نبوات 1، 2، 5).

وقد وصف مارك تواين فلسطين عام 1869 يقول: «لا توجد قرية واحدة على امتداد 30 ميلاً من كل الإتجاهات. هناك تجمُّعات قليلة لخيام البدو، ولكن لا يوجد سكن دائم مبني. وقد يسافر الإِنسان عشرة أميال دون أن يلاقي أكثر من عشرة أشخاص!» (وهكذا تحققت نبوة 3). وقد تحدث مارك تواين عن الجمال الرائع لتلك البلاد، وما توحيه من ذكريات خالدة، ولكنها مهجورة. ثم اقتبس تواين اللاويين 26: 32 - 34 وقال إن كل من يزور عين الملاحة عام 1869 لا يقدر أن ينكر أن هذه النبوة قد تحققت (58).

وحتى في عام 1927 وصف أحدهم فلسطين أنها «أرض خراب» قاحلة (51).

غير أن نبوة حزقيال التي قالها منذ 2500 سنة تحققت (النبوة رقم 7). وكمثال نرى صحراء النقب اليوم مزروعة خصبة (14) ونرى مدناً كثيرة مأهولة وعامرة بالناس.

ويقول بيتر ستونر أن فرصة تحقيق هذه النبوات هي واحدة من مائتي ألف فرصة (42).

أما عن نبوة «وأُجرّد ورائكم السيف» (لاويين 26: 33) فقد تحققت أيضاً. ففي القرن الثاني الميلادي ثار اليهود في كل من قبرص ومصر وبابل والقيروان، لكنهم مُحقوا تماماً، ومُنعوا منعاً باتاً من الإِقامة في قبرص. وكان تصرُّفهم السيء مجلبة للنار على رؤوسهم، فقد ساعدوا الفرس على احتلال أورشليم في القرن السابع الميلادي، وقتلوا الأهالي المسيحيين والأسرى الفرس المسيحيين أيضاً. ونتيجة لذلك قتل بطرس الناسك الصليبي اليهود في ألمانيا لحماية «الوطن المسيحي الأم». ولم يكن حالهم في إنجلترا أفضل، ففي مقاطعة يورك سنة 1200 قُتل منهم نحو 1500 يهودياً، وأُخذت ثروتهم وطُردوا من البلاد حتى حكم تشارلس الثاني. ولقد عوملوا معاملة طيبة في فرنسا، ولكن المعاملة تغيَّرت، فقُتلوا وأُلغيت الديون التي كانت لهم على الناس، كما جعلهم لويس الثامن عبيداً. وقامت ثورة ضدهم في باريس عام 1239. وحرموا من البقاء في فرنسا ما بين أعوام 1400 و 1749 (49)، ولاقوا في إسبانيا ما هو أسوأ من ذلك.

ولنذكر ما جاء في الكتاب: «الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله» (رومية 3: 23). ولقد دفعوا ثمن رفضهم لمجد الله!

ثالثاً - الإحتمالات النبوية

ومن وجهة نظر الرياضيات، لو أن كلمات الأنبياء عن المستقبل كانت بحكمة بشرية، فما هي احتمالات تحقيقها؟.

يقدم العالم بيتر ستونر الأرقام الآتية:

وقد يقول قائل أن هناك متكررات كثيرة ومتشابهات في هذه النبوات. وإنني أرجو من هذا الشخص أن يُنقص العدد بحسب تقديره، وسيجد أن هناك معجزة في ما تحقَّق من نبوات، بالنسبة للإحتمالات الرياضية. وعلى هذا الشخص أن يضيف نبوات أخرى جاءت في الكتاب عن كل من هذه الأماكن، فعلى سبيل المثال عن صيدون (حزقيال 28: 20 - 23)، عن كفر ناحوم وبيت صيدا (لوقا 10: 13 و 15) وعن الطريق لمصر (إشعياء 19: 23) الخ.

وقد يعترض البعض بأن هذه النبوات كُتبت بعد حدوث ما أنبأت به، ولكن هذا لغو فارغ، لأن هذه كل النبوات تقريباً تحققت بعد الميلاد، وقد كُتبت قبل الميلاد! (نبوة واحدة فقط تحققت قبل الميلاد، وجزء من نبوتين).

هل تعلم ما معنى احتمال واحد من5،76 ضرب 10 اس 59 إنّ حجم الشمس قدر حجم الأرض مليون مرة، ولكن 5 ضرب 10اس 59 من الريالات الفضية يعمل عدداً من الكرات الفضية بحجم الشمس، يبلغ 10اس28 كرة! إنّ عدد النجوم في مجرتنا هو مائة ألف مليون نجم، بعضها بحجم الشمس. (وهناك مجرات أخرى مثل مجرتنا).

فلو أُحصي عدد نجوم مجرتنا بواقع 250 نجماً في الدقيقة، نهاراً وليلاً، لاستغرق ذلك العدّ 750 سنة. وتكون قد عددْتَ نجوم مجرة واحدة! ويقولون إن في الكون 2 ترليون مجرة، في كل مجرة منها مائة ألف مليون نجمة. إن ريالاتنا الفضية 5 ضرب 10اس59 تصنع في كل المجرات بنفس الحجم الذي عليه النجوم فعلاً، مرات مضاعفة عددها 2 ضرب 10اس 5 من المرات!

فلو أننا وضعنا علامة على أحد هذه الريالات، وخلطناه وسط كل هذه الأعداد، وطلبنا من شخص معصوب العينين أن ينتقي الريال ذا العلامة، فكيف يتصرف؟! إنه يحتاج إلى خمس سنوات ليدور حول نجم واحد، لو أنه سافر بسرعة مائة كيلو متر في الساعة، نهاراً وليلاً! هذا يحتاج إلى 500 بليون سنة لزيارة كل مجرة. ولو أن صاحبنا المعصوب العينين بلغ من السرعة حتى أنه يستطيع أن يفتش وسط كل الريالات الموجودة في مائة ألف مليون نجم، كل ثانية (بدلاً من 500 بليون سنة) لاستغرق 3 ضرب 10 اس 9 سنوات لينظر إلى كل الريالات!

إن الفرصة للعثور على الريال ذي العلامة في الكون كله، تشبه الفرصة التي كانت أمام تحقيق كل هذه النبوات لو أنها كانت صادرة عن حكمة بشرية وليست من الله!!

ولكن جميع هذه النبوات قد تحققت، وهي تقول لنا إن الله هو الذي أوحى للأنبياء ليقولوا ما قالوه: «أخبروا بالآتيات فيما بعد، فنعرف أنكم آلهة» (إشعياء 41: 23). لقد ظهرت حكمة الله العظيمة في كلمته، في الكتاب المقدس.

إن يد الله تعمل في التاريخ. لم يكن للأنبياء سلطان ليحققوا نبّوَاتهم، كما لم يتكلموا بسلطان نفوسهم. لقد قالوا أنهم أنبياء الله العليّ، والله الحي هو المسؤول عن تحقيق قضائه.

مسابقة الكتاب

إن جاوبت عشرة أسئلة إجابة صحيحة، من الأسئلة الخمسة عشر التالية، وأرسلت الإجابة لنا، نرسل لك جائزة قيمة. لا تنس كتابة اسمك بوضوح وعنوانك كاملا داخل الرسالة، وليس على المظروف فقط.

  1. اذكر ستة أشياء يتفرد بها الكتاب المقدس.

  2. اذكر خمسة أشياء كانوا يقيسون بها قانونية السفر الذي يوضع ضمن الكتاب المقدس.

  3. من أول من استعمل كلمة «أبو كريفا»؟ ولماذا رُفضت هذه الكتابات؟

  4. اذكر أسماء أقدم خمس مخطوطات للكتاب المقدس، وتاريخ كل منها.

  5. اذكر خمسة من الشروط الستة عشر التي كان الناسخون يتبعونها.

  6. ما هي فوائد الترجمة السبعينية للعهد القديم من اللغة العبرية الى اللغة اليونانية؟

  7. اذكر اكتشافين حفريين برهنا صحة ما جاء في العهد القديم.

  8. اذكر اكتشافين حفريين برهنا صحة ما جاء في العهد الجديد.

  9. ما هي صفات النبي الصادق؟

  10. اشرح باختصار كيف تحققت نبوة حزقيال عن صور.

  11. اشرح باختصار كيف تحققت نبوتا هوشع وميخا عن السامرة.

  12. اشرح باختصار كيف تحققت نبوات إشعياء وإرميا وحزقيال عن البتراء وآدوم.

  13. ما هو الفرق بين مصير طيبة ومصير وممفيس كما جاء في نبوة حزقيال 30 وكيف تحقق ذلك؟

  14. اشرح باختصار كيف تحققت نبوة ناحوم عن نينوى.

  15. ما هي فرصة احتمال تحقيق النبوة عن: صور - السامرة - غزة وأشقلون - اريحا - بابل.

مراجع الكتاب

  1. Sidney Collett, All About the Bible, Revell.

  2. Norman Geisler and William Nix , A General Introduction to the Bible, Moody Press, 1968.

  3. F. F. Bruce, The Books and the Parchments, Revell, 1963.

  4. Stanley L. Greenslade, Cambridge History of the Bible, Cambridge U. Press, 1963.

  5. Bernard Ramm, Protestant Christian Evidences, Moody Press, 1957.

  6. Merrill F. Unger’s Bible Dictionary, Moody Press, 1971.

  7. A. T. Robertson, An Introduction to the Textual Criticism of the New Testament, Macmillan, 1907.

  8. John W. Lea, The Greatest Book in the World, Philadelphia: n.p. 1929.

  9. Conversation with Dr. Earl Radmacher, Dallas, Texas, June 1972.

  10. Wilber M. Smith, The Incomparable Book, Beacon Publications, 1961.

  11. Kenneth Scott Latourette, A History of Christianity, Harper and Row, 1953.

  12. Philip Schaff, History of Christian Church, Vol. I, Eerdmans, 1960.

  13. Frederick G. Kenyon, Our Bible and the Ancient Manuscripts, Harper and Brothers, 1941.

  14. Frederick G. Kenyon, Handbook to the Textual Criticism of the New Testament, Macmillan, 1901.

  15. F. F. Bruce, The N.T. Documents, are they Reliable?, Intervarsity Press, 1964.

  16. Bruce Metzger, The Text of the New Testament, Oxford U. Press, 1968.

  17. Robert Dick Wilson, A Scientific Investigation of the New Testament. M.P, 1959.

  18. John Warwick Montgomery, History and Christianity, Intervaristy Press, 1971.

  19. Robert M. Horn, The Book that Speaks for Itself, Intervaristy Press, 1970.

  20. William Albright, Recent Discoveries in Bible Lands, Funk and Wagnalls, 1955.

  21. Elgin S. Moyer, Who Was Who in the Church History, M.P, 1068.

  22. W. F. Albright, The Archeology of Palestine, Pelican Books, 1960.

  23. Donald F. Wiseman, Archeological Confirmation of the Old Testament, Baker Book House, 1969.

  24. Merill F. Unger, Archeology and the New Tesament, Zondervan, 1962.

  25. Frederick G. Kenyon, The Bible and Archeology, Harper and Row, 1940.

  26. Bernard Ramm, Protestant Christian Evidences, M. P, 1957.

  27. William F. Albright. Old Testament and the Archeology of the Ancient East, Oxford U. Press, 1951.

  28. William F. Albright, The Biblical Period from Abraham to Ezra, Harper and Row, 1960.

  29. Joseph Free, Archeology and Bible History, Scripture Press, 1969.

  30. John Garstang, Joshua Judges, Constable, London, 1931.

  31. Miller Burrows, What Mean These Stones?, Meridian Books, 1956.

  32. Henry Morris, The Bible and Modern Science, M.P, 1956.

  33. Edward M. Blaiblock, Layman’s Answer: An Examination of the New Theology, Hodder and Stoughton, 1968.

  34. Sir W.M. Ramsay, The Bearing of Recent Discovery on the Trustworthiness of the New Testament, Hodder and Stoughton, 1915.

  35. John Elder, Prophets, Idolds and Diggers, Bobbs Merrill, 1960.

  36. F. F. Bruce, Revelation and the Bible, Baker Book House, 1969.

  37. Encyclopaedia Britannica, 1970.

  38. Merrill F. Unger, UNGER’S Bible Dictionary, Moody Press, 1966.

  39. J. D. Douglas (ed.) New Bible Dictionary, Eerdmans, 1962.

  40. Joseph P. Free, Archeology and Bible History, Scripture Press Publications, 1950.

  41. E. J. Young, Introduction to the Old Testament, Eerdmans, 1956.

  42. Peter W. Stoner, Science Speaks: An Evaluation of Certain Christian Evidences, Moody Press, 1963.

  43. Henry Morris, The Bible and Modern Science, Moody Press, 1956.

  44. Philip Van Ness Myers, General History for Colleges and High Scools, Ginn and Company, 1889.

  45. Nasiri-Khurran, Diary of A Journey Through Syria and Palestine in 1047 A.D., London, n.p., 1893.

  46. Joseph F. Michaud, History of the Crusades. 2 Vols. George Barrie, n.d.

  47. Nina Jidejian, Tyre through the Ages, Dar El-Mashreq Publishers, Beirut, 1969.

  48. George T. B. Davis, Fulfilled Prophecies that Prove the Bible, The Million Testaments Campaign, 1931.

  49. John Urquhart, The Wonders of Prophecy, C.C. Cook, n.d.

  50. George T. B. Davis, Bible Prophecies Fulfilled Today, Million Testaments Campaign, Inc., 1955.

  51. Floyd E. Hamilton, The Basis of Christian Faith, George Doran Company, 1927.

  52. Howard F. Vos, Fulfilled Prophecy in Isaiah, Jeremiah and Ezekiel, Unpublished Doctoral Dissertation, Dallas Theo. Seminary, 1950.

  53. George Smith, The Book of Prophecy, London, Longman Green, Reader and Dyer, 1865.

  54. Alexander Keith, Evidence of the Truth of the Christian Religion, T.O. Nelson and Sons, 1861.

  55. M.E.L. Mallowan, Numrud and its Remains, Collins, 1966.

  56. Austen H. Layard, Discoveries Among the Ruins of Ninevah and Babylon, Harper and Brothers, 1853.

  57. Gerald A. Larue, Babylon and the Bible, Baker Book House, 1919.

  58. Samuel L. Clemens (Mark Twain), Innocents Abroad on the new Pilgrim’s Progress, Harper and Brother, Vol II, 1869.


Call of Hope P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany