العودة الى الصفحة السابقة
احفظوا أنفسكم في محبة الله

احفظوا أنفسكم في محبة الله

دراسة في رسالة يهوذا

عبد السلام لوديي


Bibliography

احفظوا أنفسكم في محبة الله. عبد السلام لوديي. Copyright © 2005 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى. 1987. SPB 3870 ARA. English title: Keep Yourself in the Love of God (Jude). German title: Bewahrt euch in der Liebe Gottes (Judas). Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

تمهيد لرسالة يهوذا

رسالة يهوذا من الرسائل القصيرة في العهد الجديد، والتي تتكون من أصحاح واحد فقط. شأنها في ذلك شأن الرسائل إلى فيلمون، ورسالتي يوحنا الثانية والثالثة. ورسالة يهوذا من الرسائل التي عالجت خطر الهرطقات وتفشي روح البدع داخل كنيسة المسيح، كرسالة بطرس الثانية ورسائل يوحنا الثلاثة. فهي تنذر المؤمنين من خطر الهرطقات والمهرطقين كي يكونوا على حذر من سمهم المميت.

ومع أن الرسالة قصيرة للغاية إلا أنها غنية بالأفكار والتعليم، لذا فهي جديرة بالدرس والتأمل، خاصة وأنها تعالج موضوعاً خطيراً، كان ولا يزال يهدد كيان الكنيسة. والمعلمون الكذبة في كل عصر ومصر يتسللون طمعاً بإحباط وإفساد روح الكنيسة الطاهرة والتي لن تقوى عليها أبواب الجحيم.

كاتب الرسالة:

عند استلام أية رسالة نبدأ أولاً بالبحث عن كاتبها، ثم من أين كُتبت ومتى، وأخيراً عن مضمون الرسالة ومحتواها.

تبدأ رسالة يهوذا هذه بالعبارة: «يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ». هذا كل ما يقدمه كاتب الرسالة للتعريف عن شخصه. فمن يكون يهوذا هذا؟ وهل اسمه هذا مستعار؟ وإن كان كذلك فالشخص إذا مجهول وغير معروف. إلا أنه يعرّف شخصه أكثر بكونه أخا يعقوب.

نعرف أن اسم يهوذا اسم شائع ودارج في الأوساط اليهودية. ففي العهد الجديد نجد خمسة أشخاص يحملون هذا الاسم:

  1. يهوذا الدمشقي: (أعمال الرسل 9: 11) نزل شاول في بيته في بداية اهتدائه، حيث كان شاول يصلي هناك.

  2. يهوذا برسابا: (أعمال الرسل 15: 22 و27 و32) حمل هذا مع سيلا قرار مجمع أورشليم عندما فتحت الكنيسة أبوابها للأمم.

  3. يهوذا الاسخريوطي: وهذا غني عن التعريف، فخيانته ليسوع جعلته مضرب مثل في الخيانة.

    وليس بين هؤلاء الأشخاص الثلاثة من يعتبر جديراً بانتساب الرسالة إليه. فيبقى المجال إذاً مفتوحاً أمامنا في البحث في الشخصين الباقيين وهما:

  4. يهوذا، واحد من بين الاثني عشر تلميذاً: وقد ميّزه الرسول يوحنا بيهوذا ليس الاسخريوطي (يوحنا 14: 22)، كما نجده أيضاً في (إنجيل لوقا 6: 16) وفي (أعمال الرسل 1: 13) يُعرف بيهوذا أخي يعقوب حسب ترجمة فاندايك العربية. إلا أن كلمة أخ حسب الأصل اليوناني تأتي بهذا الشكل: يهوذا يعقوب أو يهوذا بن يعقوب أو يهوذا الذي ليعقوب. وهذا يعني أن يهوذا الذي جاء ذكره في قائمة الرسل الاثني عشر هو ابن يعقوب وليس أخاه، وبهذا لا يوجد شخص اسمه يهوذا وله أخ اسمه يعقوب غير صاحب هذه الرسالة. أما ترتوليانوس وأرويجانس فقد اعتبرا أن مؤلف هذا السفر هو يهوذا أحد الاثني عشر تلميذاً.

  5. يهوذا أخو الرب: (متى 13: 55) «أَلَيْسَ هٰذَا (يسوع) ٱبْنَ ٱلنَّجَّارِ؟ أَلَيْسَتْ أُمُّهُ تُدْعَى مَرْيَمَ، وَإِخْوَتُهُ يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَسِمْعَانَ وَيَهُوذَا؟» وأغلب الظن أن هذا الأخير هو صاحب الرسالة. لكن لماذا لم يذكر بأنه أخو يسوع؟

أ. بعد اهتدائه وإيمانه بدعوة المسيح اختبر الفرق الشاسع بينه وبين يسوع، وعرف حقاً من هو يسوع، خاصة وأنه منذ البداية لم يقبل دعوة المسيح له ورفض الإيمان به، إذ نقرأ: «إِخْوَتَهُ أَيْضاً لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ» (يوحنا 7: 5).

ب. عدم وجود يسوع بالجسد، وبالتالي فيعقوب كان له مركز مرموق في كنيسة المسيح. وكان هذا كافياً بالتعريف به. ثم ربما كونه أصغر من يعقوب اكتفى بالإشارة إلى انتسابه ليعقوب.

ج. بدافع التواضع لم يشأ أن يشير إلى نفسه بهذا اللقب العظيم. ففضل أن يكون عبداً وخادماً ليسوع، وهذا أعظم شرف اعتبره. إذاً كاتب الرسالة هو يهوذا أخو يسوع في الجسد. وهذا هو الرأي السائد عند علماء الكتاب المقدس.

زمن كتابة الرسالة:

يعتقد البعض أن رسالة يهوذا كتبت في زمن متأخر. وهذا الرأي مبني على ما جاء في العدد 17 من هذه الرسالة: «وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ فَٱذْكُرُوا ٱلأَقْوَالَ ٱلَّتِي قَالَهَا سَابِقاً رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ». وهنا يشير على أن الرسالة كتبت في زمن رقد فيه الرسل. إلا أننا نجد في الأصحاح الثاني من رسالة بطرس الثانية ارتباطاً وثيقاً بينهما مما يؤكد على أن واحداً من الاثنين كانت في حوزته رسالة رفيقه ونقل عنها. ويؤكد باحثو الكتاب المقدس بأنّ رسالة يهوذا كانت في حوزة بطرس الرسول، وإذا كان هذا الاعتقاد صحيحاً فمن المرجح أن تكون قد كتبت بين سنة 65 و67 م. أما إذا كان يهوذا هو الذي أخذ عن بطرس (مع أن علماء الكتاب المقدس يرفضون هذا الاستنتاج) فالرسالة كتبت في وقت متأخر. مع العلم، أنّ جميع هذه الأمور هي مجرد استنتاجات غير مؤكدة.

كما أن الاعتقاد السائد بين أوساط باحثي الكتاب المقدس هو أن الرسالة كتبت في المكان ذاته الذي كتبت فيه رسالة بطرس الثانية، أي من رومية إلى المؤمنين في آسيا الصغرى. هذه الرسالة تعتبر من الرسائل العامة، بمعنى أنها موجهة إلى كل الكنائس وليس إلى كنيسة واحدة.

أسباب كتابة الرسالة:

يتضح لنا سبب كتابة الرسالة من خلال الرسالة ذاتها، وذلك بسبب الخطر الذي كان يهدّد كنيسة المسيح بتسرب التعليم المنحرف عن جادة الإنجيل، وانحطاط السلوك المسيحي بسبب دخول ذئاب في شكل حملان. والحقيقة أننا لا نستطيع أن نسمّيهم مسيحيين لأنه لم يكن فيهم أية سمة مسيحية تجعلهم مستحقين لحمل هذا اللقب الجليل. فهم مثلما وصفهم يهوذا بقوله: «أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ لِهٰذِهِ ٱلدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَّوِلُونَ نِعْمَةَ إِلٰهِنَا إِلَى ٱلدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ ٱلسَّيِّدَ ٱلْوَحِيدَ: ٱللّٰهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ» (عدد 4).

لا نجد في الرسالة رداً على هؤلاء المنحرفين ولا على المضلين الزنادقة، بل نجده يكتب بأسلوب رادع لاذع، وبلهجة تدين أولئك الذين تسللوا خلسة لينفثوا سمومهم بين قطيع المسيح، فيحذر الذين انخدعوا بزيف المزيفين وأكاذيب الكذابين.

إنّ أكبر خطر واجهته الكنيسة هو خطر التعاليم الفاسدة التي كانت تتسرب من خلال بعض المعلمين الكذبة، وبسبب انخداع بعض البسطاء. ولا بدّ لي هنا من الإشارة إلى أنّ المسيحية واجهت منذ ظهورها خطرين وهما:

1 - خطر الديانة اليهودية:

ظهرت المسيحية في وسط يهودي. أو بكلمة أدق، تعود جذور المسيحية إلى ما جاء في أسفار العهد القديم. كما لا ننسى أن تلاميذ المسيح كانوا من اليهود، والمسيح ذاته كان يهودي المنشأ. فلا غرابة إذا قام اليهود بمحاولة محق هذا البرعم الذي خرج من وسطهم. وقد تجلّى هذا الخطر في مظهرين:

أولهما: محاربة رجال الدين اليهودي لكل من له صلة بالمسيحية والمسيحيين.

ثانيهما: دخول بعض اليهود إلى المسيحية، ومحاولتهم إدخال بعض التعاليم اليهودية إليها. واعتبروا أن الدخول للمسيحية يستوجب أولاً العبور على اليهودية. فتمسكوا ببعض الطقوس اليهودية كأمور مسلم بها لا رجعة عنها، كحفظ السبت والختان، والامتناع عن بعض الأطعمة المحرمة في التوراة.

2 - خطر الفلسفة اليونانية:

بسبب انتشار الدعوة المسيحية في مناطق متعددة، خاصة العالم اليوناني والروماني، حيث كانت الفلسفة اليونانية قد بلغت أوجها. فاصطدمت المسيحية بالمذاهب الفلسفية الكبرى آنذاك وهي: الأفلاطونية والرواقية والأرسطوطالية والأبيقورية، وهذه الأخيرة هي المشار إليها في رسالة يهوذا.

انطلقت الفلسفة الأبيقورية من أساس تحرير الإنسان من مخاوفه المتعددة: الخوف من الله ومن العقاب على أعماله، والخوف من الموت لسبب ما قيل له عن الحياة بعد الموت. وضيعت هذه المخاوف عليه سعادته، وكان عليه أن يعمل لإزالتها لأنها أكبر عائق يعوق سعادته. كما أنهم كانوا لا يرون في الوجود سوى المادة. فكل شيء مكوّن من ذرات، والنفس ذاتها ليست إلا مجموعة ذرات تتفرق عند الموت. وعليه ألا يخاف الموت وأن لا يفكر في الآخرة، لأن الإنسان يضمحل بعد الموت. لذا فعليه أن يبحث كيف يعيش سعيداً في أيامه التي يعيشها هنا والآن، فشددوا على اللذة، وجعلوها وحدها غاية الإنسان، فانطلقوا يسرفون في هذا الطلب حتى صار لفظ «أبيقوري» عنواناً للإلحاد والاستهتار والفسق والدعارة بكل أشكالها. فتسرب أصحاب هذا الفكر في بعض الأوساط المسيحية، مما دفع يهوذا بالكتابة ليحذرهم من أهل البدع والضلال.

أسئلة:

1 - من هو يهوذا كاتب هذه الرسالة؟

2 - ما هو الدافع لكتابة الرسالة؟

3 - من هم الأبيقوريون؟

ملخص رسالة يهوذا

  1. الافتتاحية عدد 1-2

  2. التحية المسيحية عدد 2

  3. الجهاد في سبيل الإيمان عدد 3

  4. الدافع إلى كتابة الرسالة عدد 4

  5. مجازاة الضالين عدد 5-7

  6. المعلمون الكذبة عدد 8-10

  7. ضلال الكذبة عدد 11-16

  8. عظة للمؤمنين عدد 17-19

  9. بناء النفوس عدد 20-23

  10. خاتمة الرسالة عدد 24-25

1 - الافتتاحية

1 يَهُوذَا، عَبْدُ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَأَخُو يَعْقُوبَ، إِلَى ٱلْمَدْعُّوِينَ ٱلْمُقَدَّسِينَ فِي ٱللّٰهِ ٱلآبِ، وَٱلْمَحْفُوظِينَ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. 2 لِتَكْثُرْ لَكُمُ ٱلرَّحْمَةُ وَٱلسَّلامُ وَٱلْمَحَبَّةُ.

يفتتح يهوذا رسالته بالتعريف عن نفسه ليس كأخ ليسوع وإنما كعبد. ودور العبد هو خدمة سيده. فيشير بهذا إلى سيادة يسوع عليه. فهو عبد بمعنى خادم له، وخدمته ليسوع تتجلى في حمله رسالة المسيح والكرازة بها. فيهوذا أظهر بهذا تواضعه ومساواته كأي مؤمن خادم للمسيح، فلم يستغل شرف نسبه إلى يسوع من الناحية الإنسانية الجسدية، ولم يجسر أن يتقدم إلى جماعة المسيح حاملاً لقباً يتسلط به عليهم، بل كخادم وعبد للمسيح خاطب أولئك المدعوين والمقدسين في المسيح واكتفى بالإشارة إلى نفسه فقط بأنه أخو يعقوب للدلالة على قرابته بيسوع. كما لا ننسى المكانة التي كان يحظى بها يعقوب في كنيسة المسيح ودوره المرموق في قيادة الكنيسة في أورشليم، وهذا كان يكفي للتعريف عن يهوذا. كما أن هذه الطريقة من التعريف معروفة وشائعة في الشرق، حيث يُتخذ اسم الأخ المعروف والمرموق للتعريف بالإخوة الآخرين.

ثم يتحول يهوذا من التعريف بنفسه إلى وصف رائع ودقيق لمن وجهت إليهم رسالته. فأول لقب يطلقه عليهم هو «المدعوين». وهي كلمة تحمل معاني عدة في اللغة اليونانية، منها:

  1. معنى دعوة للقيام بالواجب، وهذا ما دُعيت إليه جماعة المسيح لحمل المسؤولية التي وكلت إليها من المسيح وهي الكرازة بالإنجيل حسب وصية المسيح لأتباعه القائلة: «ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مرقس 16: 15).

  2. وتعني أيضاً دعوة لحفل أو لوليمة. وبهذا فكل مؤمن مدعو للحياة الأبدية مركز السعادة الأزلية. حيث محضر الله، هناك ينعم أتقياؤه بالفرح الدائم، ويا له من حفل ويا لها من وليمة أن يحظى الإنسان بالحضور في مسكن الله.

  3. كما تعني أيضاً دعوة للمثول أمام القضاء من أجل الدينونة. فكل إنسان سيقف أمام العدالة الإلهية ليقدم حساباً عما فعله وعن قبوله أو رفضه لدعوة الله له في الخلاص الذي أعدّه لجميع بني البشر دون استثناء.

ولهذا فالمؤمن المسيحي مدعو لكل هذه الأنواع الثلاثة. فهو مدعو لخدمة سيده وفاديه، مدعو للوليمة الإلهية التي أعدها في المحبوب يسوع حمل الله، وهو مدعو ليقدم حساباً عن الوزنات المقدمة له، وعن الحقل الذي سلم له لخدمته والإتيان بثمر لسيده، وهي بالحقيقة دعوة لنوال الإكليل المعدّ لخائفيه والعاملين مرضاته وتكريم المؤمنين الأتقياء، ودينونة للعصاة المستكبرين على الله.

ثم اللقب الثاني الذي يطلقه على المؤمنين هو «المقدسين». فالمؤمن بالمسيح شخص مقدس، والقداسة في معناها الأصلي تفوق الطهارة والعفة.

1 - مقدس تعني مخصص، مفرز لعمل خاص. والمؤمن بالمسيح أصبح بهذا المعنى من خاصة الله وحده، ملكاً له. والملكية هنا لا تعني التسلط والتعسف من قبل المالك على المملوك، بل ملكية المحبة. والإنسان يصبح عبداً لربه بمحض إرادته وطوعاً منه.

وقف مرة سيد يبيع عبده في السوق. وكان العبد يرتجف من شدة الخوف والهلع من أن يشتريه سيد آخر يبطش به كما كان يفعل سيده الأول. فتقدم أحد الأثرياء ودفع ثمن العبد. وهنا ازداد رعب العبد من هذا الثري معتقداً أن الشر الذي يعرفه أفضل من شر لا يعرف. ولكن الرجل الثري كان من الذين يسعون لتحرير العبيد. وفي هذه الأثناء نظر السيد الثري إلى العبد المسكين المرتعب وقال له: «لقد دفعت ثمناً لحريتك لا لاستعبادك، فأنت من الآن حر طليق، فاذهب حيث تشاء». لكن العبد لم يصدق ما سمعته أذناه واتسعت عيناه من العجب ولم يستطع أن يكتم انفعاله من شدة الفرح، فتلعثم لسانه ولم يعرف إن كان ما سمعه حلماً أم يقظة، وقال للسيد بكلمات متقطعة والدمع يسيل من مآقيه: «هل تسمح لي يا سيد بأن أكون عبداً لك؟ فها أنا بمحض إرادتي أريد أن أخدمك. فهل تقبل ذلك؟».

وهكذا هو الحال مع المؤمن، فهو عبد دُفع ثمن حريته، فأصبح عبداً بمحض إرادته، «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 16).

2 - مقدس تعني أيضاً مختلفاً عن غيره، وذلك بالطهارة وصفاء الروح، وعدم السلوك في نجاسة العالم. والدعوة من الله للمؤمن هي: «لا تُشَاكِلُوا هٰذَا ٱلدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ ٱللّٰهِ ٱلصَّالِحَةُ ٱلْمَرْضِيَّةُ ٱلْكَامِلَةُ» (رومية 12: 2).

وبهذا فالمؤمن مختلف عن غيره، بمعنى أنه مميّز بميزات خاصة: «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ ٱقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ ٱلظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ ٱلْعَجِيبِ. ٱلَّذِينَ قَبْلاً لَمْ تَكُونُوا شَعْباً، وَأَمَّا ٱلآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ ٱللّٰهِ» (1بطرس 2: 9 و10).

والمؤمن مقدس ليكون هيكل الله ومسكنه، ومفروز لعمل مميّز وهو خدمة ربه وسيده الذي اشتراه بثمن ثمين لا للعبودية بل للحرية.

ولم يتوقف يهوذا عند هذا الحد من أنّ المؤمن مدعو ومقدس، بل محفوظ أيضاً ليسوع المسيح. وهذا هو سر دعوة المؤمن وقداسته، أنه محفوظ في المسيح يسوع. فهو منذ الوهلة الأولى التي سلّم فيها دفة حياته للمسيح أصبح المسيح هو القائد. ويا له من قائد ماهر. وهذا يشبه إلى حدّ بعيد ما كان يحدث مع إحدى البواخر القديمة، التي كانت كلما تدخل الميناء تصطدم بشيء أو بآخر محدثة خسائر فادحة. وذات مرة دخلت الميناء بكل دقة ويسر، فصاح أحد البحارة الواقفين على الرصيف مبتهجاً ومتهللاً: «ماذا حدث لك أيتها الباخرة العجوز؟» فردّ عليه آخر قائلاً: «لقد جاءها قبطان جديد». نعم هذا هو سر دخولها آمنة. وهذا عينه سر المؤمن في كونه محفوظاً لأن دفة حياته استلمها قائد ماهر هو الروح القدس الساكن في المؤمنين. فهو في وحدة مع المسيح الذي يحفظ المؤمنين ويشفع فيهم. كيف لا وهو الذي صلّى إلى أبيه السماوي قائلاً: «أَيُّهَا ٱلآبُ ٱلْقُدُّوسُ، ٱحْفَظْهُمْ فِي ٱسْمِكَ. ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا نَحْنُ» (يوحنا 17: 11). فالمسيحي المؤمن هو في وحدة مع سيده. إنه في أمان. وكما يعتني الراعي الصالح بخرافه ويحفظها من الشر والأذى هكذا يعتني يسوع برعيته ويحفظها من الشرير لتكون معه في الأمجاد السماوية: «أَيُّهَا ٱلآبُ أُرِيدُ أَنَّ هٰؤُلاءِ ٱلَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا، لِيَنْظُرُوا مَجْدِي ٱلَّذِي أَعْطَيْتَنِي» (يوحنا 17: 24). فالمؤمن محفوظ للحياة الأبدية ولأمجاد يسوع وليكون دوماً وأبداً في محضر الله ومسكنه.

صلاة:

أبي السماوي، أشكرك لأنك تقودني إلى الأمان والسلام وتحفظني من الخطر والهلاك، لأنك تريدني أن أكون حيث تكون أنت، لأن معك وحدك السلام والاطمئنان. آمين.

أسئلة:

4 - ما هي المعاني التي تحملها كلمة دعوة؟

2 - التحية المسيحية

2 لِتَكْثُرْ لَكُمُ ٱلرَّحْمَةُ وَٱلسَّلامُ وَٱلْمَحَبَّةُ.

كان بولس يشدد باستمرار على النعمة، أما يهوذا فقد ركز في رسالته على الرحمة. والرحمة والسلام والمحبة هم أكثر من مجرد تحية عابرة، إنهم دعاء لقراء الرسالة نابع من قلب صاف صادق ينبض بالمحبة.

لا يمكن أن تصدر الرحمة من شخص ضعيف، إذ لا بد أن تكون صادرة من شخص قوي. واسم الله في اللغات السامية، كالعبرانية «إيل»، يعني القوة والجبروت. فالله هو القوي الجبار الذي يقدر أن يرحم، والمؤمن المسيحي يعيش من رحمة الله له. فرحمته هي التي تقود الإنسان إلى التوبة. وقد تجلت رحمة الله في المسيح يسوع، الكلمة الأزلي، الذي أخذ صورة عبد ليحرر المستعبدين لسلطان الظلام والشر.

أما السلام فهو نتيجة للرحمة. فبعد أن ينال الإنسان الرحمة يسري في عروقه السلام ويطمئن قلبه المضطرب. والسلام هو هبة من الله للمؤمنين به. فالله هو مصدر السلام الحقيقي وهو معطي السلام. ونجد اليوم المنظمات والحركات المتعددة التي تصرخ طالبة استتباب الاستقرار واطمئنان النفوس، وكأن سلام العالم مرهون بتنفيذ أديولوجياتهم وحفظ شعاراتهم. وهم يعبرون عن سلامهم بالتظاهرات ورفع الشعارات، وأحياناً أخرى بالعنف والاستهتار بحق القانون.

أما عمالقة المجتمع الدولي فقد نهجوا نهجاً آخر في بناء صرح السلام، الذي هو بالحقيقة لا يمت للسلام بصلة. فراحوا يسرعون في السباق من أجل استحداث أكثر الأسلحة فتكاً بالإنسان وأقواها دماراً لزرع الرعب في صدور أعدائهم. ولكن ما أبعد الفرق بين سلام الأرض وسلام السماء. فسلام الأرض نابع عن ضعف، أما سلام السماء فهو نابع من أقوى قوة وهي قوة المحبة التي يضعها في قلب مطيعيه.

والمحبة في المسيحية هي الرباط الذي يربطنا بالسماء، (أي بالله) وبالأرض (أي الإنسان). فالمحبة أسمى عطية من الله للإنسان: «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (يوحنا 3: 16). ثم أن الله المحبة يدعونا لنحب الآخرين. فالإنسان بدون محبة أشرس خلق الله.

عزيزي القارئ، إن الله المحب يدعوك الآن لقبول خلاصه الذي أعده على الصليب من أجلك، لكي تسعد بالحياة معه في الأبدية. هو يريد أن يقدسك لتكون خاصته لتتحرر من عبودية الشر، فيحل فيك بروحه الطاهر لتحيا في الطهارة والعفة والقداسة الحقة، وتنال السلام الذي ما بعده سلام، وتختبر المحبة الإلهية لك. فلما لا تصرخ لله الخالق اليوم قائلاً له: «اللهم ارحمني أنا الخاطئ؟».

صلاة:

يا رب إليك وحدك أرفع صلاتي وتضرعاتي. ارفع عني حجب الظلام لأرى نورك فيمتلئ قلبي ولساني بالشكر والثناء لك عما قدمته لي من غفران وخلاص في شخص يسوع وحيدك. آمين.

سؤال:

5 - ما هو الفرق بين سلام الأرض وسلام السماء؟

3 - الجهاد في سبيل الإيمان

3أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ، إِذْ كُنْتُ أَصْنَعُ كُلَّ ٱلْجَهْدِ لأَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنِ ٱلْخَلاصِ ٱلْمُشْتَرَكِ، ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ وَاعِظاً أَنْ تَجْتَهِدُوا لأَجْلِ ٱلإِيمَانِ ٱلْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ.

أطلق المسيح على أتباعه «أحباء» وقد أوصاهم بالمحبة. فالحب هو الذي يجمع المؤمنين ويضعهم في ميزان واحد وعلى كفة واحدة. ويهوذا يكلم هنا أحباء له في المسيح، وبدافع المحبة يوجه كلامه لهم. لقد كان مزمعاً أن يكتب لهم عن الخلاص المشترك، أي الإيمان الواحد الذي يجمع المؤمنين جميعاً، فلا يبقى فيما بعد اليهودي يهودياً ولا اليوناني يونانياً ولا البربري بربرياً، بل الجميع ينصهرون في بوتقة واحدة هي بوتقة الإيمان. وتضمحل كل الفروقات وتزول أمام الإيمان الحق القويم الذي في المسيح يسوع. فكل اختلاف حضاري أو ثقافي أو عرقي يزول لأن الأشياء العتيقة قد مضت والكل أصبح في المسيح يسوع جديداً.

لكن يهوذا تحول إلى موضوع اضطر أن يكتب لهم عنه وفيه، هو موضع الاجتهاد. فكل مؤمن مطالب بالاجتهاد والسعي للنمو في حياة الإيمان. إنما الخطر الذي يهدد كل مؤمن هو التهاون في حياته المسيحية. فكثيراً ما يفتر المؤمن لسبب أو لغيره فيصبح مع الوقت غير مكترث ومع مرور الزمن يتساهل مع الخطية ويفقد روح التمييز. فعلى المؤمن أن يجتهد ويجاهد في الروح حتى لا يقع عرضة للضياع والابتعاد عن صواب الإنجيل. عليه أن يجتهد من أجل الإيمان المسلم مرة للقديسين، المعلن كاملاً في المسيح يسوع لهم. لأن المؤمن معرّض أكثر من غيره لسهام إبليس وهجمات عدو النفوس، كما يصفه الوحي المقدس بأنه: «كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (1بطرس 5: 8). والوحي المقدس ينبّر دوماً على الاجتهاد والمثابرة والصحو كي لا يباغت رئيس مملكة الشر المؤمن، الذي يجب أن يكون باستمرار متأهباً ومستنفراً لمقاومته بسلطان الروح القدس، كما جاء في الكتاب المقدس: «تَقَّوُوا فِي ٱلرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُّوَتِهِ. ٱلْبَسُوا سِلاحَ ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. ٱحْمِلُوا سِلاحَ ٱللّٰهِ ٱلْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي ٱلْيَوْمِ ٱلشِّرِّيرِ» (أفسس 6: 10، 11، 13).

صلاة:

الحمد والشكر لك يا الله، لأنك وحدك تستحق المدح والثناء. كم هي شديدة العواصف التي تهاجمني، لولاك لكنت من الهالكين. امنحني اللهم القوة والعون كي أثبت فيك وفي حقك. آمين.

سؤال:

6 - لماذا يجب على المؤمن أن يجتهد؟

4 - الدافع إلى كتابة الرسالة

4لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُنَاسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ لِهٰذِهِ ٱلدَّيْنُونَةِ، فُجَّارٌ، يُحَّوِلُونَ نِعْمَةَ إِلٰهِنَا إِلَى ٱلدَّعَارَةِ، وَيُنْكِرُونَ ٱلسَّيِّدَ ٱلْوَحِيدَ: ٱللّٰهَ وَرَبَّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ.

التسلل إمارة على نوايا غير صالحة، فالدخول خلسة بين قطيع المسيح يبرهن عن خبث ومكر وسوء نية، فالذين دخلوا خلسة يريدون أن يمحقوا ويشدخوا إيمان الكنيسة وينثروا فيها الفساد. فبعدما أحس يهوذا بمكر الماكرين المرائين انطلق فوراً يكتب لأهل الإيمان يحضهم على الجهاد في الروح ومقاومة أولئك المتسللين الذي يذكروننا بقول المسيح: «اِحْتَرِزُوا مِنَ ٱلأَنْبِيَاءِ ٱلْكَذَبَةِ ٱلَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ ٱلْحُمْلانِ، وَلٰكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ!» (متى 7: 15). وهؤلاء اللصوص قد اختاروا لأنفسهم الهلاك بادعانهم وإصرارهم على حياة الفجور والفسق والتختل على البسطاء، فكان لا بد من فضح رياء المرائين وخطة الفاسدين، لأن غاية هؤلاء إحباط عمل الفداء بالمسيح يسوع، وذلك بإنكارهم المسيح رباً وفادياً لهم، وتعسفهم على النعمة في جعلها رخيصة إلى أبعد الحدود. لقد حولوا الحرية إلى إباحية، ودعوا إلى الدعارة والفجور، وهكذا باعوا النعمة بأبخس الأثمان. والنعمة الرخيصة كما عبر عنها خادم الله «بونهوفر» تعني: «تبرير الخطية بدون تبرير الخاطئ». وهكذا برروا الخطية وسهلوا أمر ممارستها.

ما أصعب حال الإنسان الذي يفقد الإحساس بذل الخطية ومرارتها في حياته. فهو كمن فقد إحدى حواسه، كالذوق مثلاً، فكل المأكولات لا طعم لها. أو حاسة اللمس، فكل الأجسام واحدة عنده، حتى النار لا يحس بها وهي تحرق جلده. هذا هو الحال مع من لا يعرف سم الخطية.

وقف مرة واعظ يتحدث إلى جماعة من الناس عن ثقل الخطية في حياة الإنسان، فقام شاب يهزأ بالواعظ وبتعاليمه قائلاً له: «أخبرنا من فضلك كم كيلو غراماً تزن الخطية، فإني حتى الآن لم أعرف وزنها حتى أقرر إن كانت ثقيلة أم خفيفة». فرفع الواعظ صلاة قصيرة صامتة ثم رد عليه: «يا بني لو أتينا بجثة إنسان ميت هنا ووضعنا فوقها حملاً يزن مائة كيلو غرام، هل تعتقد أن الجثة تحس أو تئن؟ بالتأكيد لا. هكذا الحال مع الإنسان الميت روحياً، لقد فقد الحس بالخطية ولن يعرف تأثيرها عليه والضرر الذي تسببه له».

صلاة:

يا رب إليك وحدك أضرع وإياك أسأل غفرانك. امنحني الإحساس بهول الخطية ولا تدعني أسرح في برية المجون والاستهتار بحقك. اجذبني إلى حظيرتك كي أعيش في بهاء نورك. آمين.

سؤال:

7 - ما هي غاية أولئك الذين دخلوا خلسة بين المؤمنين؟

5 - مجازاة الضالين

5فَأُرِيدُ أَنْ أُذَكِّرَكُمْ، وَلَوْ عَلِمْتُمْ هٰذَا مَرَّةً، أَنَّ ٱلرَّبَّ بَعْدَمَا خَلَّصَ ٱلشَّعْبَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، أَهْلَكَ أَيْضاً ٱلَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا. 6 وَٱلْمَلائِكَةُ ٱلَّذِينَ لَمْ يَحْفَظُوا رِيَاسَتَهُمْ، بَلْ تَرَكُوا مَسْكَنَهُمْ حَفِظَهُمْ إِلَى دَيْنُونَةِ ٱلْيَوْمِ ٱلْعَظِيمِ بِقُيُودٍ أَبَدِيَّةٍ تَحْتَ ٱلظَّلامِ. 7 كَمَا أَنَّ سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَٱلْمُدُنَ ٱلَّتِي حَوْلَهُمَا، إِذْ زَنَتْ عَلَى طَرِيقٍ مِثْلِهِمَا وَمَضَتْ وَرَاءَ جَسَدٍ آخَرَ، جُعِلَتْ عِبْرَةً مُكَابِدَةً عِقَابَ نَارٍ أَبَدِيَّةٍ.

يقدم يهوذا ثلاثة أمثلة عن الضلال والجنوح عن الحق والسقوط في الكفر، وعقاب الله الصارم ضد كل عات حاد عن الهداية وسقط في الغواية.

1 - عقاب الشعب القديم:

نجد رواية عقاب الشعب القديم المتذمر في توراة موسى في سفر العدد من العهد القديم، ونصه: «وَقَالَ ٱلرَّبُّ لِمُوسَى وَهَارُونَ: حَتَّى مَتَى أَغْفِرُ لِهٰذِهِ ٱلْجَمَاعَةِ ٱلشِّرِّيرَةِ ٱلْمُتَذَمِّرَةِ عَلَيَّ؟ قَدْ سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلَّذِي يَتَذَمَّرُونَهُ عَلَيَّ. قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ ٱلرَّبُّ، لَأَفْعَلَنَّ بِكُمْ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ فِي أُذُنَيَّ. فِي هٰذَا ٱلْقَفْرِ تَسْقُطُ جُثَثُكُمْ، جَمِيعُ ٱلْمَعْدُودِينَ مِنْكُمْ حَسَبَ عَدَدِكُمْ مِنِ ٱبْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِداً ٱلَّذِينَ تَذَمَّرُوا عَلَيَّ» (العدد 14: 26-29).

بعد أن حرر الرب بني إسرائيل من عبودية المصريين بآيات عجيبة وسلطان يظهر جلال الله وقوته وعنايته بهم، قاموا من وقت لآخر يتذمرون على الله وعلى نبيه موسى وخلقه يشوع بن نون. مما جعل الله يغتاظ على أولئك المتغطرسين. والنتيجة أنه كان يسلط عقابه الشديد على كل من ضل وحاد عن الصواب وعاث الفساد في وسط شعب الله. ويهوذا هنا يُذكّر المؤمنين بأن الله ليس فقط رؤوفاً وشديد الرحمة، بل وكذلك شديد العقاب والهلاك بالكافرين.

2 - سقوط الملائكة:

من المرجح أن سقوط الملائكة ناتج عن كبريائهم وعدم اكتفائهم بما هم عليه من مكانة رفيعة، وهي خدمة الله سبحانه. وبسبب شموخهم وتطاولهم أهبطهم الله إلى أسفل الجحيم في قيود أبدية. وهذا يعني، خروجهم من مسكنهم الأول وهو القرب من الله. فهم في تجوال مستمر بين الناس لغوايتهم وصدهم عن الحق الإلهي واستمالتهم إلى ارتكاب الفجور.

إن الكبرياء هو باب لأكثر الشرور. فاحذر عزيزي القاريء من السقوط في فخ الكبرياء، لأن منه تتفرع جل الخطايا. والخطية كيفما كان نوعها، هي مكرهة عند الله وتجديف على اسمه المبارك.

3 - دمار سدوم وعمورة والمدن المجاورة:

والمثل الثالث الذي يقدمه يهوذا هو دمار سدوم وعمورة والمدن التي حولهما. إذ أنزل الله عليهم وابل غضبه، فحولهم إلى رماد جاعلاً منهم عبرة لمن يعتبر. أما عقاب المدن المجاورة، ليس لكونها مجاورة لسدوم وعمورة، بل لأنها شاركت في الدعارة والفحشاء، فكان جزاؤها ناراً من السماء.

عزيزي القارئ، إن الله لا يكلمنا بواسطة الرسل والأنبياء والملائكة فقط، بل أنه يخاطبنا بنار وكبريت من السماء وبزلازل وفواجع. فلنرتم بين ذراعي الأزلي سائلين إياه رحمته وغفرانه.

صلاة:

يا رب قد أخطأت إليك بالفكر والقول والفعل، في السريرة والعلن. فامح دجى خطيتي واهدني سبيلك القويم وسيج حولي بسياج حبك. آمين.

سؤال:

8 - اذكر الأمثلة الثلاثة التي ذكرها يهوذا عن الضلال والسقوط في الخطيئة.

6 - المعلمون الكذبة

8وَلٰكِنْ كَذٰلِكَ هٰؤُلاءِ أَيْضاً، ٱلْمُحْتَلِمُونَ، يُنَجِّسُونَ ٱلْجَسَدَ، وَيَتَهَاوَنُونَ بِٱلسِّيَادَةِ، وَيَفْتَرُونَ عَلَى ذَوِي ٱلأَمْجَادِ. 9 وَأَمَّا مِيخَائِيلُ رَئِيسُ ٱلْمَلائِكَةِ، فَلَمَّا خَاصَمَ إِبْلِيسَ مُحَاجّاً عَنْ جَسَدِ مُوسَى، لَمْ يَجْسُرْ أَنْ يُورِدَ حُكْمَ ٱفْتِرَاءٍ، بَلْ قَالَ: «لِيَنْتَهِرْكَ ٱلرَّبُّ». 10وَلٰكِنَّ هٰؤُلاءِ يَفْتَرُونَ عَلَى مَا لا يَعْلَمُونَ. وَأَمَّا مَا يَفْهَمُونَهُ بِٱلطَّبِيعَةِ، كَٱلْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ ٱلنَّاطِقَةِ، فَفِي ذٰلِكَ يَفْسُدُونَ.

بدون شك أن هؤلاء المحتلمين كانوا متأثرين بمذهب أبيقور وتعليمه عن اللذة الرخيصة، فراحوا ينجسون الجسد في الإباحية والفسق، وأطلقوا العنان للشهوة الساقطة، وهكذا حاولوا أن يدوسوا على النعمة. ويضرب لهم يهوذا هنا مثلاً عن ميخائيل، رئيس الملائكة، وإبليس اللذين تخاصما عن جسد موسى. والظاهر أن رواية ميخائيل وإبليس كانت شائعة في الوسط اليهودي، ومفادها أن الله طلب من ميخائيل أن يدفن جثة موسى، لكن إبليس احتج قائلاً أنه هو وحده له الحق في دفنه، أو ربما أراد إبليس أن يجعل من قبر موسى مركز عبادة إسرائيل. إلا أن ميخائيل لم يجسر إن يورد حكم افتراء لأن ذلك لا يليق بمقامه، وهو بذلك لم يرد أن يختلس لنفسه ما يخص الله وحده، فاكتفى فقط بالرد على إبليس قائلاً له: لينتهرك الرب، أي ليجازك الله على ما اقترفته.

أما هؤلاء الكذبة المفترون فراحوا يسبحون بخيالاتهم ضد ذوي الأمجاد. والافتراءات غير واردة هنا، وإنما من المرجح أنهم أنكروا الملائكة وكل ما يتعلق بالروح، أو ربما أشاروا إليهم بأنهم خلائق أشراراً أو خدام الإله الخالق الشرير كما هو في تعليم الغنوصية الذين كانوا يفكرون في الماديات فقط، وكل شيء خارج عنها كانوا يزدرون به. ولما كانت اللذة هي مبتغاهم انطلقوا مثل الدواب في ممارستهم غرائزهم البهيمية كالحيوانات العجم.

على المؤمن أن يحذر دوماً من التساهل مع الخطيئة بأي شكل من الأشكال، لأنه لا توجد في المسيحية خطيئة بيضاء وأخرى سوداء. فالخطية بكل أشكالها وأنواعها هي تصرف ضد الله وازدراء بالعزة الإلهية وكفر بمجده. فاحذر أن يكون سلوكك تجديفاً على الله. بل ضع سلوك حياتك دوماً أمام النور الإلهي، لأن أبناء النور يسلكون في النور. فالإحساس بالأمور الروحية يتطلب العيش في حياة الروح وذلك بقراءة الكلمة والصلاة الفردية والجماعية.

صلاة:

يا رب امنحني القوة والعون الإلهي لأعيش كما يليق بشخصك المبارك. واجعل سلوك حياتي وتصرفاتي أهلاً لتمجيدك. آمين.

سؤال:

9 - كيف كانت سيرة أولئك الكذبة الذين تسللوا بين جماعة المسيح؟.

7 - ضلال الكاذبين

11وَيْلٌ لَهُمْ لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ، وَٱنْصَبُّوا إِلَى ضَلالَةِ بَلْعَامَ لأَجْلِ أُجْرَةٍ، وَهَلَكُوا فِي مُشَاجَرَةِ قُورَحَ. 12 هٰؤُلاءِ صُخُورٌ فِي وَلائِمِكُمُ ٱلْمَحَبِّيَّةِ، صَانِعِينَ وَلائِمَ مَعاً بِلا خَوْفٍ، رَاعِينَ أَنْفُسَهُمْ. غُيُومٌ بِلا مَاءٍ تَحْمِلُهَا ٱلرِّيَاحُ. أَشْجَارٌ خَرِيفِيَّةٌ بِلا ثَمَرٍ مَيِّتَةٌ مُضَاعَفاً، مُقْتَلَعَةٌ. 13 أَمْوَاجُ بَحْرٍ هَائِجَةٌ مُزْبِدَةٌ بِخِزْيِهِمْ. نُجُومٌ تَائِهَةٌ مَحْفُوظٌ لَهَا قَتَامُ ٱلظَّلامِ إِلَى ٱلأَبَدِ. 14 وَتَنَبَّأَ عَنْ هٰؤُلاءِ أَيْضاً أَخْنُوخُ ٱلسَّابِعُ مِنْ آدَمَ قَائِلاً: «هُوَذَا قَدْ جَاءَ ٱلرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ 15 لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى ٱلْجَمِيعِ، وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمُ ٱلَّتِي فَجَرُوا بِهَا، وَعَلَى جَمِيعِ ٱلْكَلِمَاتِ ٱلصَّعْبَةِ ٱلَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ خُطَاةٌ فُجَّارٌ». 16 هٰؤُلاءِ هُمْ مُدَمْدِمُونَ مُتَشَكُّونَ، سَالِكُونَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِهِمْ، وَفَمُهُمْ يَتَكَلَّمُ بِعَظَائِمَ، يُحَابُونَ بِٱلْوُجُوهِ مِنْ أَجْلِ ٱلْمَنْفَعَةِ.

يضرب يهوذا ثلاثة أمثلة معروفة لدى أهل الكتاب في الضلال والاستسلام إلى الجنوح عن الحق والتمادي في الباطل.

1 - طريق قايين

أول قاتل يذكره الكتاب المقدس هو قايين. فهو رمز القتل والإجرام. دفعته لذلك الغيرة والحسد والكبرياء ضد أخيه هابيل.

وقصة قايين القاتل نجدها في التوراة في سفر التكوين (4: 8) حيث نقرأ هناك: «وَكَلَّمَ قَايِينُ هَابِيلَ أَخَاهُ. وَحَدَثَ إِذْ كَانَا فِي ٱلْحَقْلِ أَنَّ قَايِينَ قَامَ عَلَى هَابِيلَ أَخِيهِ وَقَتَلَهُ». والعلاقة بين قايين قاتل أخيه وأولئك المخادعين هي أن المخادع المضل الذي يضل الآخرين بتعاليم كاذبة هو قاتل نفوس الناس. ولهذا السبب يعتبرونه من نسل قايين من الناحية الروحية.

2 - ضلالة بلعام

في التوراة وفي سفر العدد نجد روايتين عن بلعام. الرواية الأولى في الأصحاح 22 إلى الأصحاح 24 حيث نقرأ كيف أن بلعام رفض عرض «بالاق» الذي طلب منه أن يلعن شعب إسرائيل بعد أن عرض عليه مكافأة سخية. وفي كل مرة كانت المكافأة أكثر من سابقتها، وفي كل مرة كان بلعام يرفض أن يلعنهم. لكن سياق القصة يكشف لنا عن حب بلعام للمال. فلولا تخوفه من عقاب الله له لما امتنع عن قبول عرض «بالاق». إلا أن مجرى الأحداث يُبين لنا رغبته الدنسة وما يكنه صدره من شر بغيض إلى الضلال.

والرواية الثانية نجدها في الأصحاح 25 والأصحاح 31: 8 و16 حيث نقرأ كيف أن بلعام دفع بني إسرائيل إلى عبادة الوثن. وبهذا يصف يهوذا أولئك المتسللين بأنهم يشبهون بلعام في خداعهم الناس وجرهم إلى الوثنية، وذلك طمعاً في المكسب والجاه.

3 - هلاك قورح

قصة قورح نجدها أيضاً في سفر العدد 16: 1-35 مفادها أن قورح تمرد على رجل الله موسى عندما اختار هارون وأبناءه لتسلم مهمة خدمة الكهنوت. فلم يرض قورح بهذا القرار، وأراد أن يتزعم الشعب بعد أن جر حوله عدداً كبيراً من بني إسرائيل. إلا أن الله أهلكه ومن معه، حيث إنشقت الأرض وابتلعته هو وأصحابه وكل ما كان لهم.

وبهذا يريد يهوذا أن يقول أن الله لن يتوانى في قصاص الضالين والمضلين. فالمضل هو كمن قتل نفساً. وجزاء الساعين وراء المكسب الفاسد عقاب وخيم، والمتمرد العاصي لكلمة الله نصيبه الهلاك والاندثار.

ثم بعدما يقدم يهوذا عبراً من التاريخ عن الضالين، ينتقل إلى وصفهم وصفاً دقيقاً ويقدم أمثلة من الطبيعة كتشبيه لهؤلاء الكذبة المارقين. فهم كالصخور، أي بلا روح وإحساس. لا ضمير فيهم ليوخزهم عن أعمالهم الشنيعة الفاسدة. وهم كغيوم بلا ماء، وهذا وصف للتعليم الكاذب. فربما كانت لهم حجج دامغة وأسلوب جذاب في جلب الأفراد إليهم، إلا أن النتيجة هي سلبية كالغيوم بلا ماء. وهم كذلك كالأشجار الخريفية بلا ثمر. وهكذا كان هؤلاء المعلمون المضلون الكذبة، تعليمهم ميت يدفع الناس إلى الموت الروحي، عقيم لا حياة فيه. وهم كموج البحر في هيجانه، عاتية مزبدة بالخزي المدفون في نفوسهم. وهم كالكواكب التائهة الشاردة، يفتشون عن هلاك النفوس ودمارها، مصيرهم غياهب الظلمات مدى الأبد. وتشبيههم هنا بالنجوم التائهة يقتبسها يهوذا من سفر أخنوخ (أحد الكتب غير القانونية) وهذا السفر كان معروفاً عند اليهود، وبلا شك محبوباً لديهم. لذا فلا غرابة ان يقتبس يهوذا منه كي يخاطبهم بلغة الله على فجورهم ودناسة أخلاقهم. ومن خصائص هؤلاء الأشرار أنهم:

  1. مدمدمون مشتكون. والدمدمة وصف للجشع وعدم الاكتفاء. فهم باستمرار في تذمر على كل شيء. ثم أنهم يشكون من كل شيء وعلى كل شيء. فعدم الرضا وعدم الاكتفاء هو شعارهم الدائم.

  2. ثم أنهم شهوانيون فجار إباحيون عبيد أهوائهم الشهوانية.

  3. وهم أيضاً أنانيون نفعيون، إذ كانوا يتملقون الناس طلباً للمنفعة. كلام معسول على شفاههم من أجل التودد والتقرب كي يحصلوا على المنفعة الشخصية. والتودد والتقرب أساسهما الأنانية التي تطلب كل شيء لنفسها.

صلاة:

ربي، لا تدعني أنقاد وراء الضلال والكفر بل اهدني سبيلك المستقيم الذي أعلنته في إنجيلك القويم. اخلق فيّ روح الاتضاع والرضا عما أغدقته عليّ من نعم، وابعد عني كل ما يفسد صلتي بك يا أحب المحبين . إنك سميع الدعاء. آمين.

أسئلة:

10 - ما هي العلاقة التي تجمع بين قايين وأولئك المخادعين الأشرار؟

11 - ما هي العبر الثلاث التي قدمها يهوذا من التاريخ القديم؟

12 - أذكر الخصائص الثلاث لأولئك الأشرار.

8 - عظة للمؤمنين

17وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ فَٱذْكُرُوا ٱلأَقْوَالَ ٱلَّتِي قَالَهَا سَابِقاً رُسُلُ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. 18 فَإِنَّهُمْ قَالُوا لَكُمْ إِنَّهُ فِي ٱلّزَمَانِ ٱلأَخِيرِ سَيَكُونُ قَوْمٌ مُسْتَهْزِئُونَ، سَالِكِينَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ فُجُورِهِمْ. 19 هٰؤُلاءِ هُمُ ٱلْمُعْتَزِلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، نَفْسَانِيُّونَ لا رُوحَ لَهُمْ.

كان ظهور هؤلاء الأشرار متوقعاً لأن الرسل سبقوا وحذروا من ظهورهم. ولا ننسى أن المسيح ذاته حذر من الأنبياء الكذبة. ومن المحتمل أن يكون الرسل قد حذروا المؤمنين من ظهور أمثال هؤلاء الأشرار أثناء الوعظ والإرشاد. إنما الاقتباس الذي أشار إليه يهوذا هو غير وارد في كتابات الرسل التي بين أيدينا، فهو إذا منقول عن الرسل شفوياً، وكان معروفاً بين المؤمنين.

وقد تميز هؤلاء الأشرار بأنهم مستهزئون يسخرون بالأمور الروحية، لأنهم كانوا ماديين، يرفضون كل شيء لا تدركه عقولهم. وبما أنهم فاسقون شهوانيون، جاءت رسالة المسيح تتعارض مع ميولهم وأهوائهم الفاسدة. فرسالة المسيح تدعو إلى العفة والطهارة والتدقيق في السلوك وعدم التساهل مع الخطية بكل أشكالها، ورفع مستوى حياة الإنسان إلى أرقى درجة. إنما هؤلاء الأشرار كانوا يزرعون الانشقاقات والتحزب، وكونوا لأنفسهم جماعة من أمثالهم تتفق مع ميولهم. فروح الانشقاق والتحزب في كنيسة المسيح من عمل الشيطان. عاقبتها وخيمة ومزرية. وعليه أيضاً أن يسعى إلى الوحدة بين الإخوة وإصلاح ما قد أفسده عدو الناس بين شعب الله.

ثم أن هؤلاء الأشرار دفعتهم كبرياؤهم إلى تقسيم الناس إلى فئتين: الخاصة والعامة، كما عند الصوفية، العارفين بالله ومن سواهم، والنفسانيون الذين هم على مستوى يفوق الحيوانات أي البشر العاديون. والروحانيون الذين بلغوا من المعرفة ما لم يبلغها سواهم وذلك في ادعانهم إدراك الله، وهكذا اعتبروا أنفسهم أسمى خلائقه، وبوسعهم أن يفعلوا كل ما يطيب ويحلو لهم. فضربوا بالمبادئ الروحية المسيحية عرض الحائط. لأنه لا يوجد ما هو خطية حسب اعتقادهم.

لكن يهوذا يرد عليهم ويصفهم أنهم هم الجسديون النفسانيون الذين على مستوى البشر العاديين، بسبب ما هم عليه من انحطاط خلقي. وأما الفئة الأخرى فهي فئة الروحانيين الحقيقيين.

وللأسف الشديد، بالرغم من أن أصحاب هذه البدعة قد انقرضوا، إلا أننا نجد بعض الأشخاص الذين لهم نفس الروح، الذين يعتبرون أنفسهم أسمى من غيرهم من المسيحيين، وكأن السموات فتحت لهم وحدهم لا لغيرهم. أنهم يصنفون المؤمنين إلى أصناف وفئات متعددة ويزرعون الانشقاقات والانقسامات من أجل الزعامة والبروز والتصدر على حساب المتهورين الذين صدوا عن مقارنة الروحيات بالروحيات فأصابهم العمى الروحي.

احذر عزيزي القارئ من المعلمين الكذبة المتسللين في ثياب حملان وهم في الأصل ذئاب خاطفة، هدفهم النهب والسلب. كن متيقظاً في الروح لأن عدو النفوس متأهب وعلى استعداد في كل لحظة للهجوم على المؤمن متى سنحت له الفرصة للانقضاض عليه.

صلاة:

اللهم أسألك أن تسيّج حلوي بسياج محبتك لكي لا أسقط في فخ الكبرياء فأهلك. امنحني اليقظة الروحية والتمييز الروحي وزدني نمواً في معرفة شخصك القدوس. آمين.

سؤال:

13 - لماذا كان أولئك الأشرار يتساهلون مع الخطية؟

9 - بناء النفوس

20وَأَمَّا أَنْتُمْ أَيُّهَا ٱلأَحِبَّاءُ فَٱبْنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى إِيمَانِكُمُ ٱلأَقْدَسِ، مُصَلِّينَ فِي ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، 21وَٱحْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مَحَبَّةِ ٱللّٰهِ، مُنْتَظِرِينَ رَحْمَةَ رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِلْحَيَاةِ ٱلأَبَدِيَّةِ. 22وَٱرْحَمُوا ٱلْبَعْضَ مُمَيِّزِينَ، 23وَخَلِّصُوا ٱلْبَعْضَ بِٱلْخَوْفِ مُخْتَطِفِينَ مِنَ ٱلنَّارِ، مُبْغِضِينَ حَتَّى ٱلثَّوْبَ ٱلْمُدَنَّسَ مِنَ ٱلْجَسَدِ.

بعدما قدم يهوذا وصفاً دقيقاً لما كان يفعله أولئك الأشرار وبيّن مصيرهم المحتوم، ينتقل الآن إلى المؤمن ليعطيه درساً في النمو والثبات. والنمو لا يتمّ إلا بتمسك المؤمن بالإيمان الأقدس.

والإيمان بالمسيحية ليس مجرد أفكار وعقائد يسلم بها المرء عقلياً، ثم يعيش حياة مخالفة لها، بل الإيمان الحق هو العيش بموجب ما يعتقد. هو حياة يحياها المؤمن في خط يربطه بخالقه. «ٱلإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ» (يعقوب 2: 20).

ولكي ينمو المؤمن يجب أن يقيم علاقة متينة وحميمة مع الرب بالصلاة، لأن الصلاة هي الصلة التي تجمع المؤمن المسيحي مع ربه. والصلاة في الروح القدس هي أن يصلي المؤمن حسب مشيئة الله. والروح القدس هو الذي يعلم المؤمن كيف يصلي وماذا يقول في صلاته. إنه يعلمه أن تكون صلاته خالية من الأنانية، وبهذا يعلو صرح الإيمان، فيصير من الصعب على عدو النفوس أن يتخطى أسوراه المنيعة، وبالأخص عندما يكون المؤمن ساهراً باستمرار يترقب من برج الإيمان المجيء الثاني لسيده، وذلك بالعيش والسلوك الذي يليق. فحياة الانتظار هي حياة رجاء للمؤمن، فهو دوماً في انتظار وتوقع مجيء سيده، وهذا التوقع يدفعه للعيش والسير في نهج وصايا الرب.

ثم ينتقل يهوذا إلى الحديث عن الضعفاء السامدين الغفلة الذين استحوذ عليهم بريق الزيف واستهواهم الطريق المعوج وانخدعوا بخداع المخاتلين الماكرين وضيعتهم تعاليم الاشرار. ويوصي يهوذا المؤمنين أن يوجهوا إليهم الإنذار ويعرفوهم أنهم من دنس الكفار. والمطلوب من المؤمن ليس فقط التعليم بل الإنذار وتحذير الناس من خطر الهلاك والموت الأبدي. فإذا أصر الخاطئ على الاستمرار في فعل الخطيئة والتمادي في الكفر فمن الأفضل أن يتجنبه المؤمن. وكما أن الطبيب يكره المرض ويحب المريض، هكذا يجب أن يكون موقف المؤمن من الخاطئ، فهو يعادي الخطية ويحاربها بكل ما أوتي من سلطان من أجل هداية الخاطئ الضال. وفي حالات كثيرة يضطر الإنسان أن ينفصل عمن بهم عدوة معدية.

صلاة:

أشكرك يا أبي السماوي القدوس من أجل الإنذارات والإرشادات والتعاليم التي جاءت في كتابك المقدس والتي هي لأجل تعليمي وإرشادي كي أسير في نورك الوهاج ولكي أنمو في الإيمان القويم. آمين.

سؤال:

14 - ما معنى الصلاة في الروح القدس؟

10 - خاتمة الرسالة

24وَٱلْقَادِرُ أَنْ يَحْفَظَكُمْ غَيْرَ عَاثِرِينَ، وَيُوقِفَكُمْ أَمَامَ مَجْدِهِ بِلا عَيْبٍ فِي ٱلٱبْتِهَاجِ، 25 ٱلإِلٰهُ ٱلْحَكِيمُ ٱلْوَحِيدُ مُخَلِّصُنَا، لَهُ ٱلْمَجْدُ وَٱلْعَظَمَةُ وَٱلْقُدْرَةُ وَٱلسُّلْطَانُ، ٱلآنَ وَإِلَى كُلِّ ٱلدُّهُورِ. آمِينَ.

يختم يهوذا رسالته بالدعاء والصلاة والحمد والتسبيح لله الحكيم الوحيد مخلصنا. فهو يرفع صلاته لله القادر وحده على كل شيء أن يحفظهم من العثور والزلل.

والعثور هنا لا يعني السقوط عمداً، فالمؤمن لا يسعى للزلل، بل يتجنب المواضع التي يمكن أن تعثره وذلك بإرشاد الروح القدس الساكن فيه، والذي هو كالمنبه والمنذر من الخطر. فالأساس المتين الذي يرسخ عليه المؤمن هو الله. وقد أطلق يهوذا على الله اسم «المخلص» لأنه هو الذي خلصنا في ابنه يسوع المسيح، وهو الذي يصوننا ويحمينا من كل خطر محدق بنا. فعندما يختبر الإنسان هذا الخلاص، خلاص الماضي والحاضر والمستقبل، تعمه البهجة ويطرب قلبه لأن الله خلصه وأوقفه أمامه بلا عيب، وبهذا يعود المجد لصاحبه الذي هو الله. وكأني بيهوذا هنا يقول لأولئك الذين تحت عواصف خطر الأشرار أن يركضوا ويحتموا بالحصن الأمين القادر أن يحميهم من تلك الرياح العاتية.

إن إبليس المخاتل دوماً بالمرصاد للمؤمن ليصطاده ويوقعه في شباكه، فعلى المؤمن أن يسهر ويصحو كيلا تصيبه نبال العدو.

عزيزي القارئ، إن كانت هناك تعاليم تشكك في إيمانك بالمسيح وتضعف عزيمتك في السير مع ربك، فقم فوراً واقرأ كلمة الرب ليعطيك كشفاً جديداً وروية عميقة وبصيرة ثاقبة تميز بها الصالح من الطالح. لا تتوان في طلب الحكمة من رب الحكمة والفهم.

صلاة:

أبي السماوي أشكرك لأنك تحفظني من الزلل وتحميني من سهام عدو النفوس الذي يسعى لهلاكي. كرس حياتي أكثر لك كي يتمجد اسمك. آمين.

سؤال:

15 - ما هو الدافع للابتهاج عند المؤمن؟

المسابقة

أيها القارئ العزيز،

إن تعمقت في تفسير رسالة يهوذا تستطيع أن تجاوب على الأسئلة التالية بسهولة. ونحن مستعدون أن نرسل لك أحد كتبنا الروحية جائزة لاجتهادك. لا تنس أن تذكر اسمك وعنوانك كاملاً عند إرسال مسابقتك إلينا.

  1. من هو يهوذا كاتب هذه الرسالة؟

  2. ما هو الدافع لكتابة الرسالة؟

  3. من هم الأبيقوريون؟

  4. ما هي المعاني التي تحملها كلمة دعوة؟

  5. ما هو الفرق بين سلام الأرض وسلام السماء؟

  6. ما هي غاية أولئك الذين دخلوا خلسة بين المؤمنين؟

  7. اذكر الأمثلة الثلاثة التي ذكرها يهوذا عن الضلال والسقوط في الخطيئة.

  8. كيف كانت سيرة أولئك الكذبة الذين تسللوا بين جماعة المسيح؟

  9. ما هي العلاقة التي تجمع بين قايين وأولئك المخادعين الأشرار؟

  10. ما هي العبر الثلاث التي قدمها يهوذا من التاريخ القديم؟

  11. أذكر الخصائص الثلاث لأولئك الأشرار.

  12. لماذا كان أولئك الأشرار يتساهلون مع الخطية؟

  13. ما معنى الصلاة في الروح القدس؟

  14. ما هو الدافع للابتهاج عند المؤمن؟

عنواننا:


Call of Hope
P.O.Box 100827 
D-70007 
Stuttgart 
Germany