العودة الى الصفحة السابقة
SPB3750A-Der_Herr_ist_unsere_gerechtigkeitRomans

الرب برنا

تفسير الرسالة إلى رومية

التمهيد لرسالة رومية

هذه الرسالة من أعظم الهبات التي قدمها الرب المسيح المقام من بين الأموات لكنيسته في كل زمان، وقد ألهم سفيره بولس أن يكتبها للمؤمنين الساكنين في العاصمة الرومانية.

غاية الرسالة

كان رسول الأمم قد أتمَّ تبشيره في آسيا الصغرى والمناطق اليونانية خلال سفراته التبشيرية الثلاث، وأسَّس أثناءها كنائس حية في المدن الرئيسية. وثبَّت هناك المؤمنين في خدمات المحبة، وعيَّن للكنائس شيوخاً وقسساً وأساقفة. وبعدئذ رأى أن خدمته في شرق حوض البحر المتوسط قد اكتملت، فاتَّجه غرباً ليقيم ملكوت المسيح في فرنسا وأسبانيا (رومية ١٥: ٢٢ - ٢٤).

وانسجاماً مع هذه الخُطَّة كتب رسالته الشهيرة إلى أعضاء الكنيسة في رومية، ليكسب ثقتهم به، موضحاً لهم أنه رسول المسيح لجميع الأمم. وذلك بواسطة الدراسة المنظمة الدقيقة للإنجيل المستودع بين يديه. وحاول إثارة قلوبهم ليشتركوا في رحلته التبشيرية إلى الغرب، كما ساندت كنيسة أنطاكية في سوريا سفراته وكرازته وآلامه بصلواتها الأمينة. فالرسالة إلى رومية تتضمن دراسة أساسية مبدئية تشجع الكنيسة لتثبيتها في الإيمان الحق، وإعدادها وتجهيزها لتبشير العالم، بواسطة فرق مشتركة.

من أسَّس كنيسة روما؟

لم يؤسس بولس كنيسة روما، ولا بطرس ولا رسول آخر. ولكن يهوداً من المهاجرين إلى روما حجّوا إلى القدس في عيد العنصرة، حيث سكب المسيح الروح القدس على المصلّين التائبين، ففاضت ألسنتهم بعظائم الله. ثم عادوا بعد ذلك إلى روما، وشهدوا للمصلوب في اجتماعاتهم، وتكلّموا عن خلاصه مع زملائهم اليهود والأمميين. وأنشأوا في البيوت حلقات لدراسة التوراة ليفهموا النبوات الدالة على المسيح.

وكان بولس أثناء تجولاته في آسيا واليونان، يلتقي عدة مرات بمؤمنين من رومية، خصوصاً بعد طرد اليهود من العاصمة، في عهد كلوديوس قبل سنة ٥٤م (أعمال ١٨: ٢). فأراد بولس أن يتعرف شخصياً على كنيسة رومية، ويعطيها من مواهب الروح القدس العامل فيه. ولم يفكر أنه سيبقى طويلاً في روما عاصمة المسكونة، لأنه قد وُجدت هناك كنيسة حية مستقلة، بل أراد أن يتابع طريقه في شركة هؤلاء الإخوة في الرب لينشر إنجيل الخلاص في المناطق التي لم يصل إليها الإنجيل بعد.

كاتب الرسالة، ومتى وأين كتبها؟

كتب الرسول بولس هذه الرسالة سنة ٥٨م لما نزل في بيت غايوس في مدينة كورنثوس، ولخَّص فيها اختباراته الروحية وتعاليمه الرسولية. ولا يقدر أحد آخر أن يكتب مثلما كتب بولس في هذه الرسالة، لأن المسيح الحي المجيد واجهه شخصياً وهو في طريقه إلى دمشق، لما جُرِّب مدفوعاً بغيرته للناموس أن ينقل الاضطهاد إلى المسيحيين الذين في دمشق. وحين أدركه النور الإلهي الساطع أدرك الحقيقة العظمى أن يسوع الناصري المحتقر حي، وهو رب المجد! فلم يَرَ جسده فساداً في القبر بعد صلبه، بل غلب الموت وقام حقاً، وبرهن أنه ضابط الكل. وعندئذ فهم بولس أن ابن الله لم يدن مُضْطهِدَه ولم يهلكه، بل رحمه وبرَّره مجاناً، ودعاه إلى خدمته التبشيرية، لا لاستحقاقه الخاص، إنما بمقتضى النعمة فقط. وهكذا انكسر بولس المتعصب وآمن بنعمة الله وجوهر البر الجديد. ولم يتكل على أعماله الصالحة حسب الناموس، بل انطلق إلى أنحاء العالم عبداً لمحبة المسيح الإلهية. ودعا جميع الضالين والفاسدين لقبول المصالحة مع الله.

مميّزات هذه الرسالة

قصد بولس أن يوضح هذا التغيير الديني لكل عضو في كنيسة رومية. لكنه لم يؤلف لذلك كتاباً باللغة الفصيحة الجذابة، ولم يكتب بحثاً مُقارِناً طويلاً، بل تكلم ببساطة وبكل طلاقة ووضوح. وجاوب على الأسئلة التي توقَّع أن يوجِّهها له اليهود والرومان. وأمْلى بولس رسالته هذه على أخيه في الرب «ترتيوس». فوجَّه كلماته مرة إلى المبتدئين في الإيمان معالجاً سطحيتهم. بعدئذ جذب المنكسرين إلى الإيمان الحي بالتبرير الكامل في المسيح، الذي هو الرجاء الوحيد للبشر. ومرة أخرى زعزع الناموسيين المنتفخين وكسر برهم الذاتي، مبيّناً فسادهم وفشلهم المطلق وأوضح لهم كيف يتقدَّسون بالإيمان المتواضع في طاعة الروح القدس. وعلى هذا النمط ربط الرسول في رسالته التبشير الفعال بالتعليم المنظم الرصين. فلم يوجّه في هذه الرسالة كلماته إلى هيئة معينة، بل إلى كل أنواع المستمعين، أمميين ويهوداً، شيوخاً وأحداثاً، بسطاء ومثقفين، أحراراً وعبيداً، رجالاً ونساءً. فالرسالة إلى رومية هي حتى اليوم، المعلم الأول للمسيحية جمعاء، كما شهد بذلك الدكتور مارتن لوثر حين قال: «هذا الكتاب هو الجزء الرئيسي من العهد الجديد، وأصفى إنجيل، ويستحق أن يحفظه كل مسيحي غيباً، وأن يتأمله يومياً ككنز روحي للنفس. لأننا نجد في هذه الرسالة بغنى غزير، ما ينبغي أن يعرفه المؤمن: الناموس والإنجيل، الخطية والدينونة، النعمة والإيمان، البر والحق، المسيح والله، الأعمال الصالحة والمحبة، الرجاء والصليب. ونعرف كيف يجب أن نتصرف مع كل إنسان مهما كان تقياً أو خاطئاً، قوياً أو ضعيفاً، صديقاً أو عدواً، وحتى نعالج أنفسنا. فأقترح على كل مسيحي أن يقيس نفسه عليها، ويضبط سلوكه بحسب تعاليمها».

فإن أردت الدرس العميق والتدريب لإيمانك، فتأمل في الرسالة إلى رومية بدقة، لأنها تشبه «جامعة الله» الممتلئة بالمعارف والقوة والروح. وعندئذ يحررك المسيح من اتكالك على نفسك ويثبتك بالبر الكامل، لتصبح عبداً مقتدراً في ممارسة المحبة الإلهية، وتنمو بالإيمان إلى الإيمان يوماً فيوماً.

محتويات رسالة رومية

مقدمة: ١: ١ - ١٧ بولس يعرّف كنيسة رومية بنفسه، ويحيّيهم، ويعلن برّ الله في المسيح.

الجزء الأول: برّ الله في المسيح

١: ١٨ - ٣: ٢٠ كلنا خطاة. والله يديننا، حسب الناموس.

٣: ٢١ - ٤: ٢٥ الله يبرر جميع الناس مجاناً بموت المسيح الكفاري، إن آمنوا به.

٥: ١ - ٨: ٣٩ روح الرب يحل في المؤمنين ويعطيهم الرجاء والغلبة على الخطية، فيسلكون في قوة الروح متحررين من الناموس.

الجزء الثاني: بر الله في التاريخ

٩: ١ - ١١: ٢٦ الله يبقى باراً رغم رفض شعب العهد القديم لنعمته.

الجزء الثالث: بر الله في الحياة العملية

١٢: ١ - ١٦: ٢٧ الإيمان الحق يغيّر سلوكنا وحياتنا إلى أعمال المحبة والخضوع المتبادل.

دراسة هذه الرسالة ليست سهلة، بل تتطلب منك تفكيراً وصلوات وتأملات عميقة لتتمتع ببركاتها، فتتوب وتتجدد في ذهنك، وترى أفقاً جديداً للحياة في المسيح. وكما أن هذه الرسالة لم تحمل أهل رومية على الاسترخاء الروحي، والاكتفاء ببرّهم الجديد، بل بالحري جهّزتهم لخدمة التبشير في محيطهم وفي بلدان أخرى، هكذا يدعوك المسيح لتمتلئ من نعمته، ليرسلك مع إخوتك الأبرار إلى الجماهير الخالية من المحبة والرجاء. فاسمع وصلِّ واذهب.

الأسئلة:

  1. ما هي غاية رسالة رومية؟
  2. من أسس الكنيسة في رومية؟
  3. من هو الذي كتب هذه الرسالة وأين ومتى؟
  4. ما هي مميزات هذه الرسالة؟
  5. ما هي محتويات هذه الرسالة؟

    المقدمة: تعريف وتحية وإبراز «برّ الله»

    (رومية ١: ١ - ١٧)

    أ - بولس يعرّف القراء بنفسه، ويحيّيهم (١: ١ - ٧)

    ١ بُولُسُ، عَبْدٌ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلْمَدْعُّوُ رَسُولاً، ٱلْمُفْرَزُ لِإِنْجِيلِ ٱللهِ.

    لما وُلد بولس كان اسمه شاول، على اسم أول ملك لبني إسرائيل، وكان (مثله) من سبط بنيامين. ولكن بعدما عاين بولس، مضطهدُ الكنيسة، مجدَ المسيح، أدرك أنه لا شيء. فقبل اسم «بولس» ومعناه «الصغير». وابتدأ رسالته الشهيرة بالكلمات: أنا «الصغير» عبدٌ ليسوع المسيح. فوافق على أنه قد فقد حريته وخضع لسيده، لأنه أخلى نفسه طوعاً واتضع جداً، ومات عن استكباره وعاش لدوافع روح المسيح في نفسه، وكمل مشيئة ربه بفرح عظيم. وهذا يعني أن المسيح الحي نفسه هو كاتب هذه الرسالة إلى أهل رومية، إذ أوحى بها لعبده السامع. ولكن هذا الإلهام لم يتم رغماً عن بولس، بل طواعية وفي انسجام لطيف، لأن المسيح لا يستعبد مؤمنيه، بل يعطيهم الحرية للإيمان والمحبة. لكنهم لا يريدون الانفصال عنه لأنه مصدر المحبة.

    وبلغ بولس مركزاً سامياً جداً باتضاعه كعبد المسيح، لأن ربه دعاه كرسول خاص له، لينشر ملكوته بين الأمم. وأعطاه سلطاناً وحقوقاً كما يُعطى التفويض للسفير، بشرط بقائه على اتصال دائم وتفاهم مستمر مع رئيس بلاده. وهكذا يدعوك المسيح اليوم إلى خدمته، ويرسلك كما أرسله أبوه السماوي. فافتح نفسك لدعوة يسوع وسلّم حياتك له بدون تأخير في خضوع وتواضع تام. فتجري قوته منك إلى الآخرين. واستطاع بولس سفير المسيح إلى الأمم برسائله تغيير العالم. ولا توجد بعد المسيح شخصية أعظم من بولس الصغير هذا!

    وماذا كانت بشارة بولس عبد المسيح؟ إنها «إنجيل الله» المجيد. فلم يأت بولس بأفكار خاصة، بل وضّح الإنجيل الوحيد للعالم الشقي. والكلمة «إنجيل» كانت معروفة في رومية، وتعني إعلاناً رسمياً من القيصر إلى حاشيته، إذا وُلد له مولود، أو إن انتصرت جيوشه، فيعظم الفرح في العاصمة. وقدم بولس البشرى من الله إلى الناس، شاهداً بوجود المسيح وانتصاره على القوى المضادة له ونتائج خلاصه، ليتقدس المستمعون ويقبلوا البر الإلهي.

    وأفرز الله القدوس بولس الناموسي، وحرره من عبوديته للشرير، ليحرر هو المثقَّلين بنير الناموس من تمسكهم بالأعمال الصالحة الموهومة، إلى عصر النعمة، لكيلا يَفْدوا أنفسهم بأنفسهم، بل يدخلون إلى السماء، بواسطة المسيح الذي هو الباب الوحيد المؤدي إلى أبيه.

    الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح، نشكرك لأنك دعوت عبدك بولس وأرسلته إلى العالم، لنسمع كلمتك بلسانه. اغفر لنا استكبارنا واكتفاءنا، وساعدنا لنتواضع، فنصبح عبيد محبتك، ونتمم مشيئة لطفك مع كل مؤمني العالم.

    السؤال:

  6. ما معنى اسم بولس؟

    ١: ٢ٱلَّذِي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي ٱلْكُتُبِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، ٣عَنِ ٱبْنِهِ. ٱلَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ، ٤وَتَعَيَّنَ ٱبْنَ ٱللهِ بِقُّوَةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ، بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ: يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ رَبِّنَا.

    كما أن نهر النيل يُنعش الصحاري ويوجد فيها حياة بعد موت، هكذا إنجيل الله يهب قوةً لكل إنسان فانٍ، إذا آمن بالبشارة المفرحة. والسر المضمون في الإنجيل هو إتيان يسوع المسيح وأعماله. فأنت مدعوٌّ للإيمان ليس بمجرد كتاب، بل بشخص تاريخي أزلي. ومنذ ألوف السنين أعلن الله بواسطة أنبيائه أنه سيُولد إنسان من روح الله وعذراء بريئة، يُسمَّى «ابن الله الوحيد». فالتوراة ممتلئة بنبوات مختصة بهذا الحادث. وكل نبي صحيح يعترف أن المسيح هو ابن الله. ومَنْ يقدر أن يعارض الله القدوس، إن أعلن ذاته بوحدته كالثالوث الأقدس؟ فمنذ إتيان المسيح، نعرف أن الله هو أب محب حنون. فصورة الابن الرحيم أعطتنا فكراً جديداً عن الله: إنه المحبة!

    وصار ابن الله إنساناً حقاً، مولوداً من نسل الملك داود، النبي المرنم، الذي نال وعداً من الله، أن أحداً من أنساله سيكون ابناً للعلي بنفس الوقت (٢صموئيل ٧: ١٤). فبهذا التجسّد لبس المسيح الأزلي ضَعْفَ أجسادنا، وأصبح مجرَّباً مثلنا ما عدا الخطية.

    إنما الموت لم يجد سلطةً عليه، لأن الروح القدس الذي حل بملئه في جسده، غلب جسد الخطية دائماً. وبرهن يسوع سلطانه عندما قام من القبر فائزاً على عدو البشر. وأثبت الله بنوّة يسوع، وعيَّنه عن يمينه رباً يملك، كما قال: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ» (متّى ٢٨: ١٨). ويحيا مع الآب والروح القدس إلهاً واحداً إلى الأبد.

    وتعمل قوة يسوع حتى اليوم في الذين يعترفون بأن المولود من العذراء، هو ربنا الحي بالذات. فالعبارة: «يسوع المسيح ربنا» هي خلاصة إيماننا منذ بداية المسيحية. وتتضمن كل المعاني عن سر الثالوث الأقدس، وقوة الخلاص والرجاء من عربون الروح.

    الصلاة: نسجد لك يا ابن الله، لأنك تجسّدت في المحبة وغلبت الخطية والموت في جسدك. اقبل حياتنا الفانية شكراً لك. وطهرنا بروحك القدوس لنصبح أهلاً لملكوت محبتك. ونلتمس منك أن تهيمن على أفكارنا وأقوالنا وأعمالنا، لنكون شهوداً أمناء لك.

    السؤال:

  7. ما معنى أن المسيح هو ابن الله؟

    ١: ٥ٱلَّذِي بِهِ، لِأَجْلِ ٱسْمِهِ، قَبِلْنَا نِعْمَةً وَرِسَالَةً، لِإِطَاعَةِ ٱلْإِيمَانِ فِي جَمِيعِ ٱلْأُمَمِ، ٦ٱلَّذِينَ بَيْنَهُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً مَدْعُّوُو يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. ٧إِلَى جَمِيعِ ٱلْمَوْجُودِينَ فِي رُومِيَةَ، أَحِبَّاءَ ٱللهِ، مَدْعُّوِينَ قِدِّيسِينَ.

    المفتاح لكل مواهب الله هو يسوع المسيح وحده، فليس نبي ولا قديس ولا مريم العذراء، يستطيع أن يتوسط وساطة فدائية لك عند الله. فالآب السماوي يستجيب صلواتنا لأجل يسوع المسيح، لأنه الوحيد عند الله الذي يشفع فينا. فباسمه تصعد صلواتنا إلى الله، وتنزل منه لنا كل المواهب الروحية. فليس أحد صالحنا مع القدوس إلا هو. وهكذا ننال منه ملء النعمة التي تمنح الغفران والصلح والخلاص والبر. وكل البركات الإلهية الأخرى، ليست إلا نعمة لا نستحقها.

    «النعمة» هي خلاصة رسالة بولس. قد اختبرها في نفسه، لأنه كان مضطهِد الكنيسة. فلم تخلّصه غيرته ولا صلواته ولا أعماله الحسنة، إلا رحمة الله المنْعِمة عليه في المسيح.

    وحالما تدرك مبدأ النعمة وتقرّ به، تصبح حاملاً للنعمة ومبشراً بمحبة الله، ورسولاً للتبرير المجاني. فهل وضع الروح القدس رسالته في قلبك؟

    وكل من أدرك رسالة النعمة يحب الله ومسيحه، ويطيع وصاياه. فطاعة الإيمان تعني عند بولس: جواب الإنسان على هذه النعمة. فالله لم يطلب منا طاعة رغماً عنا، بل تكريساً كاملاً وكلياً كشكرٍ وتسليمٍ من الذي نال الخلاص لفاديه الذي خلَّصه. وسمى بولس نفسه «عبد يسوع المسيح» وهذا أفضل تفسير «لطاعة الإيمان». فهل أنت عبد للمسيح؟

    كان أعضاء كنيسة روما مدعوين من المسيح مباشرة، وليس من بولس أو إنسان آخر. وأعلن بولس وغيره دعوة المسيح للإيمان الصحيح. فيسوع يختار وينادي أتباعه، وصوته يدخل إلى أعماق القلوب، لأنه صوت مقيم الأموات. فالكنيسة هي شركة المدعوين، الذين تركوا موت الخطية وحملوا مسؤولية المحبة في خدمة الله. إن ديننا هو دين الدعوة. وكل من يقبل هذه الدعوة الإلهية ويتممها، هو من أحباء الله.

    دعانا المسيح إلى الغفران والطاعة والاتِّباع. وقمة هذه الصفات هي القداسة. فليس أحد قديساً من تلقاء نفسه. ولكن بواسطة ارتباطنا بالمخلّص الفادي، صرنا مستحقين لنَيْل الروح القدس. فبواسطة النعمة وحدها نصبح قديسين وبلا لوم قدام الله في المحبة. وكل القديسين هم مفرَزون من العالم، ومعيَّنون لخدمة الله. فلا يخصّون أنفسهم ولا أقرباءهم فيما بعد، إذ صاروا خاصَّة الله، لأعمال القداسة. فهل أنت منهم؟

    الصلاة: أيها الله القدوس، دَعَوْتنا بيسوع المسيح لنصبح قديسين كما أنت قدوس. نلتمس منك غفران جميع خطايانا المعروفة والغير المعروفة. ونشكرك لأنك تحبنا وتطهّرنا بدم المسيح، وتقدسنا بروحك القدوس. غيِّرْ حياتنا كلها لنخصك بكل قوتنا ووقتنا، ونحبك كما تحبنا.

    السؤال:

  8. ما هي النعمة، وما هو جواب الإنسان عليها؟

    ١: ٧ نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلَامٌ مِنَ ٱللهِ أَبِينَا وَٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.

    التحية التي يبتدئ بولس بها أكثر رسائله، هي خلاصة معرفته اللاهوتية، وتركيز قوته الرسولية، وشمول البركات المتعددة التي يقدمها لقرّائه. فضع نفسك تحت مطر النعمة في هذه الكلمات، وراعِها في قلبك، فتغنَى في الله. احفظها غيباً واستلذّ بها كلمة كلمة.

    وأول ما يقدمه لك الرسول: النعمة الكاملة، لأنك ضال هالك. وأما الله فيحبك ولا يريد إبادتك. ولأجل موت ابنه الوحيد لا يقاضيك فيما بعد، بل يبررك. فالنعمة هي القالب الشرعي لمحبة الله. فالقدوس يثبت باراً، ويبررك أنت الغير المستحق للتبرير. فكل مواهب الله لك، وكل استجابات صلواتك، ليست إلا نعمة. لأنك لا تستحق شيئاً آخر إلا الغضب - هذا بالطبع إذا جئت إليه تائباً محتمياً في كفارة المسيح.

    وكل من يدرك نعمة المسيح الشاملة ويعيش في سلام مع الله، يدرك الأعجوبة العظمى، أن الخالق وضابط الكل هو أبونا، ويحبنا ويعتني بنا ولا يتركنا، بل يصبر علينا بدون نهاية. فلا توجد كلمة أجمل في العهد الجديد من عبارة «الله أبونا». وهذا العلم اللاهوتي قد أتى به المسيح بالذات. وفكرة أبوّة الله هي الشيء الجديد في ديننا. كما أن هدف الصليب ليس إلا تطهيرنا لنستحق التبني والولادة الثانية، وحلول الحياة الأبدية فينا، ليكون الله حقاً أبانا ونحن أولاده.

    هل عرفت يسوع المسيح. هل أدركت عظمته وتواضعه؟ إنه إنسان وإله معاً. أخلى مجده وتواضع ليفدينا. وبعدما أكمل الكفارة عن كل البشر، صعد إلى أبيه، ويجلس عن يمينه مكرَّماً كل الإكرام، لأنه هو الوحيد الذي قدر على مصالحة العالم مع الله. إنه يشاء أن يملك ويدير كل نواحي حياتك، ليطهرك ويقدسك ويرسلك كما يشاء.

    الصلاة: أيها الآب السماوي، أنت اخترتني وأنا ضال لأكون ابناً لك. فأرتمي إلى الغبار وأسجد لك وأحبك، وأسلم لك حياتي ومالي وقوتي ووقتي. اجعلني كما تريد، لأمجّد أبوّتك بسلوكٍ يليق باسمك.

    السؤال:

  9. أي عبارة في تحية الرسول بولس تعتبرها أهم وأكثر فعالية بالنسبة لحياتك؟

    ب - الرسول يشتاق للسفر إلى روما (١: ٨ - ١٥)

    ١: ٨أَوَّلاً، أَشْكُرُ إِلٰهِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مِنْ جِهَةِ جَمِيعِكُمْ، أَنَّ إِيمَانَكُمْ يُنَادَى بِهِ فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ. ٩فَإِنَّ ٱللهَ ٱلَّذِي أَعْبُدُهُ بِرُوحِي، فِي إِنْجِيلِ ٱبْنِهِ، شَاهِدٌ لِي كَيْفَ بِلَا ٱنْقِطَاعٍ أَذْكُرُكُمْ، ١٠مُتَضَرِّعاً دَائِماً فِي صَلَوَاتِي عَسَى ٱلْآنَ أَنْ يَتَيَسَّرَ لِي مَرَّةً بِمَشِيئَةِ ٱللهِ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ. ١١لِأَنِّي مُشْتَاقٌ أَنْ أَرَاكُمْ، لِكَيْ أَمْنَحَكُمْ هِبَةً رُوحِيَّةً لِثَبَاتِكُمْ، ١٢أَيْ لِنَتَعَّزَى بَيْنَكُمْ بِٱلْإِيمَانِ ٱلَّذِي فِينَا جَمِيعاً، إِيمَانِكُمْ وَإِيمَانِي.

    سمع بولس عن الكنيسة في روما كثيراً، والتقى ببعض أعضائها مراراً في رحلاته التبشيرية، فوجد أن إيمانهم صحيح وحيوي وناضج، فشكر الله لأن كل مسيحي حي هو أعجوبة المصالحة.

    وسمى بولس الله «إلهي» كأنه ملكه. فنفسه مرتبطة به بعهد جديد، وأحبه. ولكن رغم هذه العلاقة القريبة، فإنه لا يصلي باسم نفسه بل باسم المسيح وحده، عالماً أن كل دعواتنا البشرية، وحتى شكرنا، غير مستحق ليصعد إلى الله. فكل انسكابات قلوبنا تحتاج إلى قوة دم يسوع المسيح المطهرة. فبواسطة هذا التطهير وحده نستطيع الصلاة للذي يمنحنا روحه لنقدس اسمه الأبوي ونعبده بفرح.

    ومضمون خدمتنا هو الإنجيل، الذي سمّاه بولس «إنجيل الله» (١: ١) و«إنجيل ابنه» (١: ٩) ويقصد بهذا أن بشرى الخلاص الإلهية تتوقف على ابن الله. فطموح بولس كله يدور حول بنوَّة المسيح وأبوَّة الله. وكل من ينكر هذا الإنجيل ويرفضه هو ملعون.

    عاش بولس في شركة قريبة مع الآب والابن والروح القدس. ويدعو وحدة الثالوث الأقدس لتشهد على أنه يفكر دائماً في كنيسة روما ويصلي لأجلها. فرسول الأمم مشغول بالكنائس، ويصلي لأجل الأفراد بأمانة وإخلاص. فكل واعظ بسلطان الروح القدس وكل راعٍ مخلص، يواظب على الصلاة لأجل الذين يخدمهم.

    كان بولس متشوّقاً للسفر إلى روما قبل ذلك بزمان طويل، وخاصة في الفترة التي يسميها «الآن» (أي زمن انتهاء خدمته في الأناضول ومكدونية واليونان). فرأى أن الساعة قد حانت ليحقق أشواقه، بحسب إرادة أبيه، عالماً أن كل عمل خاص بدون انسجام كامل مع إرادة الآب يسبب فشلاً وبؤساً وضيقاً.

    لكن بولس لم يرد أن يأتي إلى روما كالمانح العظيم، بل في تواضع كتب أنه لم يأت فقط للإعطاء، بل للأخذ بواسطة السمع والبصر، ليختبر ما عمل الله بدونه، مباشرة في مؤمني العاصمة، ليتعزى هو وكل الرسل بواسطة شهادة المعزي الإلهي في قديسي روما.

    وشهد بولس أيضاً أنه لم يأت بإيمان جديد، بل أن نفس الاعتقاد والمعرفة والقوة تعمل في جميع المسيحيين الحقيقيين، الذين هم أعضاء في جسد المسيح الروحي. فكاذب من يقول إنه توجد «كنائس» مختلفة، لأن الروح القدس واحد، والمسيح واحد، والآب واحد. فحيث يجتمع المؤمنون المخلصون، فهناك يلتقون كأولاد لأب واحد، وإن كانوا لم يعرفوا بعضهم بعضاً سابقاً، فيفرحون فرحاً كبيراً لأنهم مولودون من روح واحد، وينسجمون في نفس المباديء.

    الصلاة: نسجد لك أيها الآب لأنك تجمع كنيستك في كل العالم، وتثبتها وتملأها بصفاتك. علّمنا الابتهال الأخوي والشكر لك لأجل جميع أولادك المخلصين. لأن كل مولود من روحك القدوس أعجوبة. افتح أعيننا لنعرف بعضنا بعضاً، ونحب ونفرح بحضورك. وامنحنا الحكمة والمسامحة لتزداد الشركة بيننا معك ومع الابن والروح القدس.

    السؤال:

  10. لماذا شكر بولس الله دائماً؟

    ١: ١٣ثُمَّ لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ أَنَّنِي مِرَاراً كَثِيرَةً قَصَدْتُ أَنْ آتِيَ إِلَيْكُمْ، وَمُنِعْتُ حَتَّى ٱلْآنَ، لِيَكُونَ لِي ثَمَرٌ فِيكُمْ أَيْضاً كَمَا فِي سَائِرِ ٱلْأُمَمِ. ١٤إِنِّي مَدْيُونٌ لِلْيُونَانِيِّينَ وَٱلْبَرَابِرَةِ، لِلْحُكَمَاءِ وَٱلْجُهَلَاءِ. ١٥فَهٰكَذَا مَا هُوَ لِي مُسْتَعَدٌّ لِتَبْشِيرِكُمْ أَنْتُمُ ٱلَّذِينَ فِي رُومِيَةَ أَيْضاً.

    فتح بولس في هذه الرسالة قلبه لأهل كنيسة روما، وأظهر لهم كيف تمنَّى أن يزورهم، بل قصد مراراً ذلك بتصميم، ولكن الله كان يمانع تخطيطه. فكان على الرسول العظيم أن يتعلم أن أفكار الله ليست كأفكاره، وطرق الله أعلى من طرقه، كما تعلو السماء عن الأرض.

    كانت في قلب بولس خطة لتبشير العالم، فأراد أن يبني في روما وفي سائر الشعوب ملكوت الله. ولم يفكر في بنيان الأفراد فقط، بل كان تخطيطه على مستوى الشعوب، لأنه كان متيقناً ببركة المسيح العاملة معه.

    وسمَّى رسول الأمم نفسه مديوناً لكل الناس، ليس لأنه أخذ منهم مالاً، بل لأن الله استودع فيه سلطانه وقوته، فينبغي أن يسلمها لجميع المختارين في المسيح. وحقاً كلنا عائشون حتى اليوم من المواهب التي منحها الله لبولس، لأنه برسائله يشركنا بقوته. وبهذا المعنى أصبحنا مديونين لكم، كما أنتم مديونون لكل السكان من حولكم. حيث أن الروح العامل فينا مستعد ليحل في قلوب الكثيرين.

    وقد عمل بولس في صفوف اليونانيين المثقفين. وثبَّت الرب خدمته رغم ضعفه، فأنشأ كنائس في حوض البحر المتوسط. ثم في فترة كتابته هذه الرسالة، كان قد عزم على العمل بين البرابرة في فرنسا وأسبانيا وألمانيا. فأراد أن يخبر كل الناس بأن المسيح فدانا على الصليب. وهكذا أراد تبشير المؤمنين في رومية، ليصبحوا مبشِّرين أيضاً.

    واستجاب الله صلاة بولس بطريقة أخرى، فلم يرسله إلى روما مباشرة، بل أرجعه أولاً إلى أورشليم ليُقبَض عليه ويُسجن. وبعد سنوات طويلة مؤلمة وصل إلى العاصمة مقيَّداً وأسيراً لأجل المسيح، ولكن قوة الله لم تنطفئ فيه. وانتصر حتى وهو في القيود. كما أن رسالته إلى رومية تبشر الشعوب حتى اليوم.

    وها نحن اليوم ننشر إنجيل الله بفرح، كما فعل بولس. وربما لم يخطر على باله، أن رسالته إلى رومية كانت في ذاتها إتمام أمنيته بتبشير الأمم.

    الصلاة: أيها الرب، أنت الملك وتهدي عبيدك حسب إرادتك. اغفر لنا إذا صممنا على شيء لا ينسجم مع مشيئتك. اخضع أنفسنا لهُداك بالتمام، لكيلا نركض خارج خطة محبتك، بل نطيع أوامر روحك، ونتمم أمنياتك بفرح، حتى إذا كانت مضادةً لتصوُّراتنا.

    السؤال:

  11. كيف منع الله مخططات بولس؟

    ج - إعلان برّ الله (١: ١٦، ١٧)

    ١: ١٦لِأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ، لِأَنَّهُ قُّوَةُ ٱللهِ لِلْخَلَاصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَّوَلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ.

    كانت كلمة «إنجيل» مشهورة ومحترمة في روما. لأنه وُجدت هناك «أناجيل كثيرة» أي إعلانات سارة من دائرة القيصر، كان أهل العاصمة يتشوَّقون لسماعها. فرفع بولس بشرى الخلاص إلى مستوى إعلانات القيصر، كأنه يقول: لست أستحي من رسالتي الصادرة من المستعمرة الصغيرة فلسطين لأعلنها وسط العاصمة روما، لأني أبشركم بأن لله الوحيد ابناً فريداً، تجسد ليقترب منا بألوهيته وليفدي كل البشر بموته وقيامته. فرسالتي لا تتضمن بشرى ميلاد مولود لقيصر الزائل، بل إني أعلن لكم ميلاد ابن الآب الأزلي الأبدي. وإذا أخبرتكم «الأناجيل القيصرية» بعض المرات بانتصار الجيوش في المعارك، أو أنبأتكم بألعاب وطعام لإرضاء الجماهير، فأؤكد لكم أن الله فدى البشر كلهم من الخطية والموت والشيطان وغضب الله والدينونة. فإنجيلي أعظم من كل «الأناجيل الرومانية» لأنه دولي وسامٍ وأبدي وقوي وعظيم ومجيد.

    وهذا الإنجيل ليس مبنياً على فلسفات أو رجاء فارغ، ولا يدور حول القيصر الذي يظن أنه وحَّد في شخصه المسؤوليات السياسية والعسكرية والشرعية، مع الخدمات الروحية المختصة بمصالحة الجماهير بالآلهة والأرواح، كأن القيصر هو الوسيط لكل بركة وسلام. ولكن أساس الإنجيل الحقيقي هو المسيح رب الأرباب، الذي دُفع إليه كل سلطان في السماء وعلى الأرض. كما أنه رئيس الكهنة، فهو الوحيد عند الله الوسيط والشفيع فينا.

    وبهذا البلاغ، لم يوضح بولس منذ بداية إنجيله بنوّة المسيح لله، وطبيعته الإلهية فقط، بل وضَّح أيضاً وظيفته كالرب والقاضي، وكملكٍ حاكمٍ ومصالح. فيستحق لقب «مخلّص العالم» وهو اللقب الذي كان آنذاك للقياصرة فقط.

    وهذه البشرى عن ابن الله وخدماته ليست مجرد فكر، بل هي قوة تتفجَّر في القلوب المتحجرة، لأن في الإنجيل قوة الله كلها. والرب نفسه حاضر في الإنجيل يتكلم بواسطته، لينشئ حياة جديدة في المستمعين ويجدد المدعوين. فلا تضع كتاب الكتب هذا على نفس المستوى كسائر الكتب في رفوفك. بل ارفعه مكاناً لائقاً، لأن هذا الكتاب يدين كل الكتب الأخرى. والإنجيل كامل في ذاته كما أن الله كامل، ممتلئ القدرة لخلق كون جديد.

    وقوة الله جاءت إلى العالم بواسطة إنجيل المسيح لتخلّصه، فالله «يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (١تيموثاوس ٢: ٤). ولكن أبانا السماوي لا يجبر أحداً لقبول إنجيل ابنه، بل يقدم للجميع حقه مجاناً. فمن يفتح فؤاده لكلام المسيح ويتكل عليه، يختبر قوة الله الداخلة فيه. فبدون إيمان لا خلاص. وكل من يؤمن يتحد بابن الله، حتى تحل ألوهيته في المؤمن فيطهره ويقدسه وينعشه.

    فالإيمان بالمسيح ينشئ خلاصاً أبدياً في كل من ينفتح له، والثقة بابن الله هي الطريقة الوحيدة للخلاص. وبواسطة الإيمان يحصل الغفران والعفو من غضب الله والقيامة من بين الأموات. لذلك فإن الإيمان هو الفعل القاطع في الرسالة إلى رومية، لأن بدون إيمان لا تعرف إلهك ولا تشعر بقوته. ولكن من يؤمن يتبرر ويحيا حقاً.

    وهذه الحقيقة المفرحة اختبرها اليهود أولاً، رغم أن أكثريتهم رفضوا المسيح وأبغضوه وصلبوه. إنما النخبة المتواضعة عرفته وآمنت به، وامتلأت من الروح القدس وثبتت في محبة الله، حتى تحل قوة الثالوث الأقدس إلى اليوم في البشر بواسطة شهادة الرسل الأولين.

    وبعدما قبل قليلون من اليهود خلاص المسيح، تبعتهم جماهير اليونان وسائر الأمم، الذين انفتحوا لإنجيل الخلاص. واختبروا أن هذه الرسالة ممتلئة بقوة الله، التي تربط المؤمنين بالمسيح الحي في عهد أبدي.

    الصلاة: نعظمك أيها الآب والابن والروح القدس، لأنك أعلنت نفسك في إنجيل المسيح وتطهرنا بالإيمان، وتحل فينا بملئك. ونعظمك لأن قوتك الكاملة، تعمل في أحرف الرسالة إلى رومية، وتنبع من كل أسفار العهد الجديد. افتح أعيننا وأذهاننا، لنسمع صوتك ونثق بك. ونسلم حياتنا لعنايتك وإرشادك.

    السؤال:

  12. أيَّة كلمة في عدد ١٦ تعتبرها الأهم، ولماذا؟

    ١: ١٧لِأَنْ فِيهِ مُعْلَنٌ بِرُّ ٱللهِ بِإِيمَانٍ، لِإِيمَانٍ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ «أَمَّا ٱلْبَارُّ فَبِٱلْإِيمَانِ يَحْيَا».

    توجد في العلم اللاهوتي مشكلة كبيرة، هي «بر الله». فنحن نعلم أن قداسة الله تتطلب قتل كل خاطئ، وبما أنه لا إنسان قدامه بار، نحزن لأن كل البشرية تستحق الموت المباشر. ولكن الله ليس قاضياً عادلاً وحسب، بل هو أبٌ رحيم أيضاً، ممتلئ بالمحبة والجودة وطول الأناة. فلا يشاء موت الخاطئ بل خلاصه.

    وحلاً لهذه المشكلة أوجد الله حق النيابة في الذبيحة، التي تموت عوضاً عن الخاطئ. ولكن لا توجد ذبيحة دنيوية حيوانية أو بشرية، تُرضي كل متطلبات قداسة الله. ولهذا تجسد المسيح في ملء الزمان ليموت عوضاً عنا، ويكفر عن ذنوبنا، ويبررنا. وموضوع الرسالة إلى رومية هو بر الله، فالقدوس يثبت باراً، ويريد تبريرنا نحن الخطاة. فالمسيح هو الجواب الوحيد على هذا السؤال.

    إنما أهل الناموس جدفوا على الصليب قائلين: «إذا استطاع كل إنسان أن يتبرَّر بواسطة الإيمان بموت المسيح، فتعالوا نخطئ بلا مبالاة، لأن نعمة المصلوب ستبررنا تلقائياً». فبولس دان هؤلاء المجدفين قائلاً إن الإيمان المسيحي ليس مجرد تصديق، أو إسكات صوت الضمير، بل هو رابطة الحياة مع المسيح، فتعمل قوته في عجزنا. وهو يخلق فينا ثمار روحه، فتشبه حياة أتباع يسوع سلسلة إيمانٍ تتعلّق فيها الأعمال الصالحة الممتلئة بالشكر والمحبة للمسيح، الذي يبررنا ويقدسنا ويكملنا. فالمتبررون يعيشون من الإيمان وحده، ويأتون من إيمان إلى إيمان، ولا يعتبرون أنفسهم أبراراً في ذواتهم، بل المسيح بررهم ويحفظهم ويقدسهم يومياً بأعمال روحه. وهكذا يثبت الله باراً، لأنه يغفر لنا يومياً ويقدسنا في كل ثانية. فنحن خاصته مقدسون له.

    انتشرت بين أهل العهد القديم مسألة أخرى، وضعت بر الله تحت علامة التساؤل، هي رفض اليهود من النعمة، لأن أكثريتهم صلبوا المسيح، ولم يدركوا هدف تاريخ خلاصهم، وعارضوا صوت الروح القدس الذي حاول جذبهم للتوبة والإيمان. فنظراً لهذه الحقيقة المؤلمة تساءل بولس وسائر الرسل: كيف يثبت برّ الله وقد اختار آل إبراهيم وارتبط معهم بعهد أبدي؟ ولكننا نرى في أيامنا أن الله يقسّيهم ويرفضهم، لأنهم لم ينفتحوا لروحه القدوس. هل فشل الله؟ «لا» يقولها بولس في رسالته. وأوضح جواب الوحي في رومية ٩: ١١، ليس لتبرير اليهود، بل ليبرز برَّ الله وحده. فقد غار رسول الأمم على ألوهية وقداسة وبر أبي ربنا يسوع المسيح.

    وكل من يحصل على الإيمان الحق ويستسلم لقيادة الروح القدس، يتجدد ذهنه، ويحيا في القداسة مع كل المتبررين في العهد الجديد. فعلم الأخلاق المسيحية لا يتوقف على تربية الإنسان أو قوته البشرية، بل يعتمد على طاعة محبة الله. فسلوك المسيحيين يقدس اسم الآب، لأن إظهار بره هو موضوع الرسالة إلى أهل رومية.

    الصلاة: أيها الله الثالوث القدوس، نسجد لك لأنك أدخلتنا إلى الإيمان الحق، وبررتنا مجاناً وتقدسنا يومياً وترشدنا الى الصواب. أنت البار وتبقى باراً. قدسنا إلى التمام، وانزع رواسب الخطية من أخلاقنا لتصبح حمداً ورائحة طيبة بين جميع الناس.

    السؤال:

  13. كيف يتعلق بر الله بإيماننا؟

    الجزء الأول: بر الله في المسيح

    (رومية ١: ١٨ - ٨: ٣٩)

    أولاً: العالم كله شرير

    ١ - غضب الله مُعْلَن على الأمم (١: ١٨ - ٣٢)

    ١: ١٨لِأَنَّ غَضَبَ ٱللهِ مُعْلَنٌ مِنَ ٱلسَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ ٱلنَّاسِ وَإِثْمِهِمِ، ٱلَّذِينَ يَحْجِزُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْإِثْمِ. ١٩إِذْ مَعْرِفَةُ ٱللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لِأَنَّ ٱللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ، ٢٠لِأَنَّ مُنْذُ خَلْقِ ٱلْعَالَمِ تُرَى أُمُورُهُ غَيْرُ ٱلْمَنْظُورَةِ وَقُدْرَتُهُ ٱلسَّرْمَدِيَّةُ وَلَاهُوتُهُ مُدْرَكَةً بِٱلْمَصْنُوعَاتِ، حَتَّى إِنَّهُمْ بِلَا عُذْرٍ. ٢١لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَرَفُوا ٱللهَ لَمْ يُمَجِّدُوهُ أَوْ يَشْكُرُوهُ كَإِلٰهٍ، بَلْ حَمِقُوا فِي أَفْكَارِهِمْ، وَأَظْلَمَ قَلْبُهُمُ ٱلْغَبِيُّ.

    بعدما حيَّا بولس كنيسة رومية بالتواضع والمحبة والاشتياق، وأعلن لهم شعار وموضوع الإنجيل في بر الله بالمسيح، ابتدأ بالجزء الأول من بحثه العميق، وأعلن أن غضب الله العادل واقع على فجور الناس وإثمهم. فنحن اليوم لا نعيش في فترة النعمة فقط، بل أيضاً في عصر غضب الله. فاشمئزاز الله من الفواحش وانتقامه العادل من خطايا البشر يحدث في أيامنا.

    لقد خلق الله الناس على صورته، ولكنهم في استكبارهم الخبيث اختاروا الاستقلال الغبي عنه. لكنه في صبره لم يُهلك العصاة، بل انتظر رجوعهم وخضوعهم. وأما هم فأحبوا أنفسهم أكثر من الله، وكملوا ابتعادهم، فأصبحوا عُمياً روحياً. لم يشعروا بمجد القدوس، بل ثبتوا في الشر مفسدين أنفسهم بأنفسهم. ومنعوا الآخرين من قبول الخلاص!

    ورغم هذا السقوط في الخطية، لا يزال الإنسان يقدر أن يدرك وجود الله من عجائبه في الطبيعة. فادرس تركيب النبات، وقوة الذرات، وعظمة المجرَّات، فتسجد للخالق، لأنه حكيم وقدير وسرمدي. هل تسمع دقات قلبك، الذي يدق مائة ألف مرة يومياً، ليوصّل دمك إلى أطراف جسدك؟ ليست هذه العجائب تلقائية، فهي هبة الخالق لك.

    فكل من لا يدرك مجد الله في الطبيعة، ولا يريد التأمل في عظمة الله بالهدوء هو جاهل، لأن شهادات مجده تتكلم بلا انقضاء. إلا أن الإنسان المتحضّر لا يجد الوقت ليقرأ في كتاب الطبيعة المفتوح المكتوب بخط الله الواضح!

    وكل من لا يكرم الخالق ولا يشكره ولا يستسلم له يصبح غبياً، ويفقد حكمة الروح ويعمى في عقله، ويصير مادياً حيوانياً. فيا أيها الأخ سبِّح الله بالمحبة واحمده لأنه خلقك على صورته ونفخ فيك نسمة الحياة. فأنت خاصته، ولا تقدر على العيش بدونه.

    كل الناس بدون عبادة الله الحقة ضالون خطاة، لأنهم فقدوا قِبْلتهم وخنقوا ضمائرهم وأظلم جوهرهم. فاطلب من ربك إيماناً حياً، وارشد الآخرين للإيمان بوجود الله، لأن بدون ثقة بمجده وتسبيح لرحمته، يهلك البشر في غضب الله.

    الصلاة: أيها الإله القدوس القادر على كل شيء، أشكرك لأنك خلقتنا وأوجدتنا بأحسن تكوين. اغفر لنا سطحيتنا وإهمالنا تسبيحك. وساعدنا وكل الناس للرجوع إليك لنثبت في محبتك، ونعظمك ونعلن غضبك العادل على كل فجور الناس وإثمهم، لعلهم يتوبون ويرجعون إليك.

    السؤال:

  14. لماذا يعلن الله غضبه؟

    ١: ٢٢وَبَيْنَمَا هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ حُكَمَاءُ صَارُوا جُهَلَاءَ، ٢٣وَأَبْدَلُوا مَجْدَ ٱللهِ ٱلَّذِي لَا يَفْنَى بِشِبْهِ صُورَةِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَفْنَى، وَٱلطُّيُورِ، وَٱلدَّوَابِّ، وَٱلّزَحَّافَاتِ.

    لا يقدر إنسان فانٍ أن يعيش بدون الله. وإن أنكر ربه يستسلم لآلهة أخرى باطلة، لأن الإنسان مخلوق للإيمان. فكل الملحدين يعبدون أصناماً صغيرة، يستندون عليها ويحبونها ويمجدونها، وكل أفكارهم تدور حولها، ولأجلها يضحّون. فالجماهير تؤلِّه الزعماء متمنِّين منهم الفلاح. والكل يجمع المال المحبوب لضمان مستقبله. والمثقفون مخدَّرون بكتبهم وفلسفاتهم، ويظنون أنهم يعرفون كل شيء. والمسؤولون في حقل السياسة يرجون الفوز بأسلحتهم الفتاكة. والطلبة يتكلون على المدنية والثقافة، والنشيطون يستسلمون لروح الثورة. والخوف يخيّم على الجميع، لأنه لا سلام مع الله في قلوبهم.

    فسائق التاكسي يضع تعويذةً في السيارة حفظاً من العين الشريرة، وهو بهذا ينكر قدرة الله الحامية. وبعض المسافرين يطلبون حرز كتابة. وكثيرون يركضون إلى العرَّافين للاتصال بالأموات والأرواح، لمعرفة خفايا العالم. فالبشر يخطئون يومياً ضد الوصية الأولى: «أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ... لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي» (خروج ٢٠: ٢ و٣).

    الصلاة: أيها الآب، نشكرك لأنك خلقتنا على صورتك، وأعلنت جوهرك في ابنك. فنطلب إليك أن تعلن محبتك لكل الناس، ليتلاشى الكفر في كل الأماكن، ويتقدس اسمك الأبوي. اغفر لنا إن كانت لدينا آلهة صغرى، وامْحُها من تفكيرنا ليملك ابنك وحده فينا إلى الأبد.

    السؤال:

  15. لماذا يصنع الإنسان العائش بدون الله لنفسه آلهة دنيوية؟

    ١: ٢٤لِذٰلِكَ أَسْلَمَهُمُ ٱللهُ أَيْضاً فِي شَهَوَاتِ قُلُوبِهِمْ إِلَى ٱلنَّجَاسَةِ، لِإِهَانَةِ أَجْسَادِهِمْ بَيْنَ ذَوَاتِهِمِ. ٢٥ٱلَّذِينَ ٱسْتَبْدَلُوا حَقَّ ٱللهِ بِٱلْكَذِبِ، وَاتَّقَوْا وَعَبَدُوا ٱلْمَخْلُوقَ دُونَ ٱلْخَالِقِ، ٱلَّذِي هُوَ مُبَارَكٌ إِلَى ٱلْأَبَدِ. آمِينَ.

    يرينا العدد ٢٤ الدرجة الأولى لإعلان غضب الله، الذي يترك كل الذين يعرفون ولا يكرمونه، فيسقطون إلى شهوات قلوبهم. قد عموا روحياً بسبب عصيانهم. فلم يروا الله محوراً للكون، وابتدأوا يدورون حول الذات. فالأنانية تبتدئ في كل الذين لا يحبون الله. وهكذا ينعكس اتجاه الحياة. فليس الله هو هدف الملحدين، بل هدفهم هو أنفسهم ورفاهيتهم وشهواتهم وأماني قلوبهم.

    وعندما يصبح الإنسان عبداً لشهوته تسيطر الخطية على شعوره الباطني. فأكثرية الخطايا تحدث خارج جسد الإنسان، ولكن النجاسة تحدث فيه. فضميرك يثور لأن جسدك مخلوق ليكون هيكلاً للروح القدس.

    والنجاسة درجات. فالإنسان بدون الله يسقط من النظام الطبيعي إلى الطرق غير الطبيعية، ويسمى الحرام حلالاً، فالملتوي والشاذ لا يبالي بشيء، ويخرب أناساً آخرين خاصة الفتيان والفتيات، لأنه مستَعْبَد لشهواته. في البداية تظهر الشهوة لذيذة جميلة، ولكن بعدئذ يشمئز الإنسان من نفسه، ويبغض الذي أضلَّه، والدنيا! وفي الدينونة الأخيرة سيحمرّ وجه كثيرين من كشف فواحشهم.

    واحد هو المستحق تقديرنا. وهو القادر على كل شيء. وبدونه لا يحدث أي أمر. إنه عليم وحكيم ورؤوف بمخلوقاته. فليكن حمده دائماً في فمنا.

    وختم بولس تفسيره بالكلمة «آمين» كأن محاضرته صلاة وشهادة. والكلمة «آمين» تعني «هكذا يكون». «إنه صِدْق ويقين».

    ١: ٢٦لِذٰلِكَ أَسْلَمَهُمُ ٱللهُ إِلَى أَهْوَاءِ ٱلْهَوَانِ، لِأَنَّ إِنَاثَهُمُ ٱسْتَبْدَلْنَ ٱلاِسْتِعْمَالَ ٱلطَّبِيعِيَّ بِٱلَّذِي عَلَى خِلَافِ ٱلطَّبِيعَةِ، ٢٧وَكَذٰلِكَ ٱلذُّكُورُ أَيْضاً تَارِكِينَ ٱسْتِعْمَالَ ٱلْأُنْثَى ٱلطَّبِيعِيَّ ٱشْتَعَلُوا بِشَهْوَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، فَاعِلِينَ ٱلْفَحْشَاءَ ذُكُوراً بِذُكُورٍ، وَنَائِلِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ جَزَاءَ ضَلَالِهِمِ ٱلْمُحِقَّ. ٢٨وَكَمَا لَمْ يَسْتَحْسِنُوا أَنْ يُبْقُوا ٱللهَ فِي مَعْرِفَتِهِمْ، أَسْلَمَهُمُ ٱللهُ إِلَى ذِهْنٍ مَرْفُوضٍ لِيَفْعَلُوا مَا لَا يَلِيقُ.

    كتب بولس ثلاث مرات في الأصحاح الأول الكلمة المرعبة: «أسلمهم الله». فهذه العبارة تعني انفصالاً عن الله ودرجة أولى في الدينونة. وويل للذين أسلمهم الله إلى سلطة الشر! فقد سقطوا من عنايته وحماية ضابط الكل.

    وهذا الانفصال عن الله، يظهر في اشتعال الشهوات الدنسة، وامتلاء الأفكار بالأهواء الملحدة. وحيث يسكن الروح القدس في قلب الإنسان يضبط جسده وشعوره الباطني باستمرار، فيتغيَّر إلى ما هو أفضل. ولكن الذي أسلم نفسه للشر يفجر ويصبح شاذاً.

    إن من يبقى عمداً بعيداً عن الله، ويعارض جذب الروح القدس للتوبة والفداء، يحصل على ذهن مرفوض. لا يوجد حكم أثقل على إنسان من الكلمة التي يكتبها الله فوق حياته: «مرفوض». ففي حالته كما هو، لا يقدر أن يرجع إلى الله. فالرجوع يحتاج إلى تغيير الذهن، وهذا هو معنى كلمة التوبة. فالله يريد انقلاباً فكرياً في كل إنسان ليقبله ويجدده.

    هل ذهنك مفتوح لروح الله وخلاصه وطهارته؟ أو هل تعيش بلا مبالاة بعيداً عن الله؟ ارجع واطلب من ربك تنقية شعورك الباطني وتغيير قلبك، لأن ربك هو شافيك.

    الصلاة: أيها الله القدوس، أنت تعرفني. وكل فكر من أفكاري مكشوف لك. اغفر لي شهواتي وطهّر شعوري الباطني. اجذبني إلى كلمتك لأحبك. لا أريد أن أخطئ فيما بعد أبداً. خلصني من ذهني المرفوض وجسدي الفاسد. أنت طبيبي ومخلّصي. عليك اتكالي.

    السؤال:

  16. كيف رسم بولس ظهور غضب الله؟

    ١: ٢٩مَمْلُوئِينَ مِنْ كُلِّ إِثْمٍ وَزِناً وَشَرٍّ وَطَمَعٍ وَخُبْثٍ، مَشْحُونِينَ حَسَداً وَقَتْلاً وَخِصَاماً وَمَكْراً وَسُوءاً، ٣٠نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ لِلّٰهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُوراً، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ، ٣١بِلَا فَهْمٍ وَلَا عَهْدٍ وَلَا حُنُّوٍ وَلَا رِضىً وَلَا رَحْمَةٍ. ٣٢ٱلَّذِينَ إِذْ عَرَفُوا حُكْمَ ٱللهِ أَنَّ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هٰذِهِ يَسْتَوْجِبُونَ ٱلْمَوْتَ، لَا يَفْعَلُونَهَا فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً يُسَرُّونَ بِٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ!

    يضع بولس لنا جدول الشراسة قدام أعيننا، ليس لنتحدث عن العبارات بطريقة حيادية كفلاسفة، أو لنقيس الآخرين بهذه المقاييس وندينهم، بل لندرك أنفسنا بفزع، ونرى كل إمكانيات الخطية في دمنا. فمن يعش بدون الخالق يمتلئ إثماً وظلماً. فإما يعيش الإنسان في المسيح، أو في الشرير. لا توجد منطقة محايدة.

    هل أدركت أن الإنسان بدون الله ليس صالحاً بل شريراً؟ فلماذا يتكلم المؤدبون عن الإنسانية والتربية وخدمة المجتمع، إذا كانت البشرية في ذاتها شريرة وفاسدة؟ فلا نحتاج إلى إصلاح الأوضاع ولا تهذيب الأخلاق، بل إلى خَلْق جديد وتجديد الأذهان والقلوب.

    وكل من لا يعرف الله يحب المال، ويبني حياته على المُلك الفاني ورصيده في البنك. وقد أصبح الإنسان صياداً للنقود، وكل أفكاره وطموحه تمتد نحو جمع المال، ويكون مستعداً للمشي على الجثث، لأنه يرى في غِناه ضمان نفسه فيحبه كإله، ويضحي من أجله بكل قواه ووقته. ما أشد استعباد الطمع!

    وكل الذين يملك فيهم الذهن المرفوض، يمتلئون من الخبث والحيلة والانتقام والرياء والكذب والخداع والمكر. والخبيث يتربص بأعدائه وأصدقائه ويُسقِطهم إلى فخاخه، مع أنه يتظاهر أمامهم أنه إنسان صالح.

    والدافع في الخبيث عادة هو الحسد، لأنه لم يفرح ببركات الله على الآخرين، بل يريد نفس المستوى في الغِنى وأكثر، ليكون هو الأغنى والأجمل والأذكى والمكرَّم فوق الكل. فالبخل والحسد أصل أكثرية الأعمال السيئة.

    ومن مثل هذه الأفكار ينشب القتل والكلمات الجارحة وتخريب السمعة والبغضة. وقد علَّمنا المسيح أن رفض الآخرين واحتقارهم وكراهيتهم مثل القتل، لأن نيَّتنا تتمنى إبادة الآخرين.

    وهذا الروح المخرب يظهر سريعاً في كلماتنا وأعمالنا إذا سبَّبنا انشقاقات وتحزباً في جمعياتنا وعائلاتنا. وأما الروح القدس فيدفعنا إلى الصلح لنكون صانعي السلام. فهل تكون سبب اضطراب وتحزّب، أو هل تأتي بفكر التسامح والغفران؟

    والمكر من صفات إبليس. فمن ينفذ تخطيطاته ويصطاد البسطاء بكلمات لطيفة فهو ابن الشرير. وأما ثمر الروح الإلهي فهو الحق والصراحة والاستقامة والصدق.

    إن خطايانا كرمال البحر. اعرف الله فتعرف نفسك. فكل من ينفصل عن صفات مصدره الإلهي يستحق الموت والدينونة. إن كل الناس أشرار منذ حداثتهم. وينبغي أن تموت اليوم لأجل تعدياتك وإثمك.

    وإن لم تتب كاملاً تشترك في قمة كل الذنوب، وهي الفرح إذا عمل الآخرون الحرام مثلك. فانظر إلى نفسك. هل تكون سعيداً في خطاياك، وترضى بخشونة الآخرين، أو تبكي دموعاً حارة لأجل نفسك وشعبك؟ هل أرشدك روح الله إلى ندامة حقة أو هل ما زلت متكبراً؟

    الصلاة: اللهم ارحمني أنا الخاطئ. أنا هالك في غضبك وحكمك عادل. غيّرني مع كل أصدقائي وأقربائي لكيلا نسقط معاً إلى جهنم. امنحني معرفة الخطية لتبتدئ فينا بخليقة جديدة. ارحمنا حسب رحمتك، وروحك القدوس لا تنزعه منا.

    السؤال:

  17. ما هي الخطايا الخمس من جدول الخطايا في رسالة رومية، التي تعتبرها أكثر انتشاراً في أيامنا؟

    ٢ - غضب الله مُعلَن على اليهود

    (٢: ١ - ٣: ٢٠)

    أ - الذي يدين الآخرين يُدان

    (٢: ١ - ١١)

    ٢: ١لِذٰلِكَ أَنْتَ بِلَا عُذْرٍ أَيُّهَا ٱلْإِنْسَانُ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لِأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لِأَنَّكَ أَنْتَ ٱلَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ ٱلْأُمُورَ بِعَيْنِهَا! ٢وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ دَيْنُونَةَ ٱللهِ هِيَ حَسَبُ ٱلْحَقِّ عَلَى ٱلَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هٰذِهِ.

    تاج الإثم هو الرياء. ورغم أن الناس يعرفون أنهم أمام قداسة الله أشرار جداً، يُظهرون كأنهم صالحون حكماء أتقياء. وبزيادة على هذا النفاق يدينون زملاءهم بكراهية ويتكلمون عنهم باحتقار. كأنما غيرهم نفاية وهم المكرَّمون!

    وأما بولس فيكسر كبرياءك، ويلقي تاج كذبك عن رأسك.

    إن الله لا يدينك حسب أعمالك فقط، إنما لنواياك أيضاً وأفكارك وأمنياتك، وأحلامك الشريرة منذ حداثتك. وأنت في نيتك أناني وثائر ضد الله تعارض مقاصده. وتتعدى وصاياه، وتحتقر أخاك، ومن قلبك تخرج أفكار شريرة. وستعرف في الدينونة الأخيرة كلماتك وأعمالك ونواياك، فترتجف من الفزع وتصمت من الارتعاب. اعترف بخبثك جهراً ولا تحتقر خاطئاً آخر. ربما كان جارك شريراً جداً، ولكن شرَّه لا يخلصك. بل أنت تموت في خطاياك لأنك مسؤول عن ذاتك أمام الله. فاعرف نفسك المجرمة في قداسة الله الطاهرة.

    الصلاة: أيها الله القدوس، أنت أزلي وبار، ولكني مذنب هالك. اغفر لي كل نفاقي، وافتح قلبي لتخرج كل قذارة أمام نورك. اعترف بكل خطاياي أمامك ملتمساً منك أن تمنحني روح محبتك لكيلا أرفض إنساناً ما، ولا أدينه ولا أكرهه، بل أميّز بقوة روحك أني أول الخطاة.

    السؤال:

  18. لماذا يحسبنا الله مرائين، عندما نرتكب ما ندين الناس على عمله؟

    ٢: ٣أَفَتَظُنُّ هٰذَا أَيُّهَا ٱلْإِنْسَانُ ٱلَّذِي تَدِينُ ٱلَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هٰذِهِ، وَأَنْتَ تَفْعَلُهَا، أَنَّكَ تَنْجُو مِنْ دَيْنُونَةِ ٱللهِ؟ ٤أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ ٱللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ؟ ٥وَلٰكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ ٱلتَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَباً فِي يَوْمِ ٱلْغَضَبِ وَٱسْتِعْلَانِ دَيْنُونَةِ ٱللهِ ٱلْعَادِلَةِ.

    هل أدركت أن أنجس الخطية ليست الزنا أو الكبرياء أو البغضة بل الرياء، إذ يُظهِر الإنسان كأنه صالح مستقيم وتقي، ولكنه مليء بالكذب والرجاسة والخداع. والقدوس سينزع من وجهك قناعك، ويكشف أمام كل الناس والملائكة القديسين حقيقة ذنوبك، لأنك تظاهرت أمامهم كأنك قديس!

    وفي يوم الدينونة العظيم سيجتمع أمام الله كل الشعوب واللغات، سوداً وصُفراً وحُمراً وسُمراً وبيضاً، مع الأغنياء والفقراء، الأذكياء والأغبياء، الشيوخ والأحداث، الرجال والنساء، الأحرار والعبيد. وعندئذ ستُفتح كتب وتبرز الأعمال والأقوال والأفكار. وبما أننا عائشون في عصر المسجلات والأفلام أصبح واضحاً أن ليس صعباً على الله أن يجمع ويحفظ كل حوادث الدنيا. وحتى ضميرك الصغير لا ينسى ما عملت، بل سجَّل عليك كل شيء. وليس في الأبدية وقت أو عَجَلة، فلله المتسع الكافي ليدقق في أمورك. وليس ضرورياً أن تنطق بكلمة واحدة للمدافعة عن نفسك. وباطل أن تتهم الآخرين، وتلقي ذنبك على والديك أو معلميك أو الغرباء. أنت المذنب والله يدينك. فاستعد للوقوف أمامه ولا تهرب من ساعة الحق.

    الصلاة: أيها الرب القدوس، امنحني توبة مستمرة حقة بعمل روحك القدوس. أرجعني إليك وساعدني لأدرك قداستك ومحبتك، بل أدرك في صبرك عدم صبري. يا رب كسِّر فيَّ الكبرياء وشبه الكبرياء لأموت لنفسي وأعيش من لطفك. حررني من كل أنواع الرياء ولا تسلِّمني إلى قساوة القلب. أنت قاضيَّ ومخلّصي وعليك اتكالي.

    السؤال:

  19. ما هي الأسرار التي يعلنها لنا بولس عن دينونة الله؟

    ٢: ٦ٱلَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. ٧أَمَّا ٱلَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي ٱلْعَمَلِ ٱلصَّالِحِ يَطْلُبُونَ ٱلْمَجْدَ وَٱلْكَرَامَةَ وَٱلْبَقَاءَ، فَبِٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ. ٨وَأَمَّا ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ ٱلتَّحَّزُبِ، وَلَا يُطَاوِعُونَ لِلْحَقِّ بَلْ يُطَاوِعُونَ لِلْإِثْمِ، فَسَخَطٌ وَغَضَبٌ، ٩شِدَّةٌ وَضِيقٌ، عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ ٱلشَّرَّ، ٱلْيَهُودِيِّ أَّوَلاً ثُمَّ ٱلْيُونَانِيِّ. ١٠وَمَجْدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلَامٌ لِكُلِّ مَنْ يَفْعَلُ ٱلصَّلَاحَ، ٱلْيَهُودِيِّ أَّوَلاً ثُمَّ ٱلْيُونَانِيِّ. ١١لِأَنْ لَيْسَ عِنْدَ ٱللهِ مُحَابَاةٌ.

    هل تعرف مبادئ دينونة الله؟ كل الناس يسرعون للساعة الفاصلة، فالحكماء يستعدون. وأعلن لنا بولس أنه في الدينونة الأخيرة ستُفحص أعمال الإنسان الصالحة والشريرة أساساً للحكم علينا. وقد أوضح المسيح لنا في إنجيل متّى ٢٥، أن ممارسة المحبة مع الأصاغر والمحتقَرين والفقراء والمساكين هي الأعمال المرضيَّة عند الله.

    وبأعمال محبتك المخفية يظهر إن كان قلبك قاسياً أو ليناً، فخوراً أو رحيماً. فهل أنت متكبّر على البسطاء والجهال، أو هل تدفعك محبة المسيح إلى المرفوضين والمتروكين والأرامل والأيتام؟ إن أعمال محبتك فقط هي التي ستلاقي في الدينونة جزاءً حسناً، وليس تعبداتك وتمسّكك بالعقائد.

    وكل من يعمل الشر لا يعمله لأنه مولود كآنيةٍ للغضب، ومكتوبٌ عليه الإثم كالقَدَر، بل لأنه لا يريد طاعة الحق. فالأعمال الرديئة لا تتم عادة فجأة، بل هي نتائج لتطورات خاطئة طويلة. وضميرنا يعارض كل عمل لا يليق، ويحذرنا ويعذبنا لكيلا نُحزن روحَ الله. ولكن من يرفض صوت الله ويستسلم لروح المعصية يرتكب جريمة شنيعة خانقاً ضميره. فأعمالنا السيئة هي نتيجة استسلامنا للتجارب من محيطنا والأفلام والكتب والمعاشرة الردية.

    وقال بولس إن الدينونة تسقط أولاً على اليهود، لأن عندهم التوراة، وهذه بركة عظيمة، كما أنها مسؤولية ضخمة، لذلك سيحاسبهم الله أولاً. فكل من يعمل أعمال الروح القدس من بين اليهود سيلمع مُتجاوِباً بمجد الله. ولكن كل من يبقى عنيداً منهم في قساوة قلبه يسرع إلى الجحيم قبل غيره، لأنه لم يسمح لروح الله أن يكسر العصيان في نفسه. وسيكون لكل الشعوب والألسنة حق التقدم إلى الله، لأنه خالق كل الشعوب ولا يقبل العنصرية، فالجميع أمامه سواء.

    هل عرفت ما هي مكافأة الذين يثبتون في أعمال المحبة بصبر طويل؟ فكل المنفتحين لروح النعمة يُلبسهم الله مجده الخاص. فليس الهدف الإلهي للبشر أقل من قصده الأول. فلقد خلق الإنسان على صورته، وأراد أن يسكب في هذه الآنية الفخارية كل أمجاده وصفاته. فالعلي يكرم الذين رحموا المطرودين، وسلامه يحل في قلوب المرفوضين لأجله.

    فالدينونة تفرّق بين مُحبيّ الله، والذين قسّوا أنفسهم لجذب الروح القدس، الساقطين إلى غضب العذاب الأبدي. «لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا» (غلاطية ٦: ٧).

    الصلاة: يا رب، محبتي ضئيلة وأنانيتي كبيرة. اغفر لي ذنوبي، وافتح عينيَّ لأعمال محبتك، وارشدني لحياة التضحية، واغلبني إلى أعمال صالحة، لأن ليس فيّ شيءٌ صالح. خلّصني من نفسي لتملأ محبتك قلبي، فأطلب المحتقرين، وأجلس مع الغوغاء وأحبهم وأباركهم. كما أنك أنت طلبت الضالين لتخلصهم.

    السؤال:

  20. ما هي المبادئ الإلهية في الدينونة الأخيرة؟

    ب - الناموس والضمير يدينان الإنسان

    (٢: ١٢- ١٦)

    ٢: ١٢لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ بِدُونِ ٱلنَّامُوسِ فَبِدُونِ ٱلنَّامُوسِ يَهْلِكُ، وَكُلُّ مَنْ أَخْطَأَ فِي ٱلنَّامُوسِ فَبِٱلنَّامُوسِ يُدَانُ. ١٣لِأَنْ لَيْسَ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ٱلنَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ ٱللهِ، بَلِ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِٱلنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ. ١٤لِأَنَّهُ ٱلْأُمَمُ ٱلَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ ٱلنَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِٱلطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي ٱلنَّامُوسِ، فَهٰؤُلَاءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ ٱلنَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لِأَنْفُسِهِمِ، ١٥ٱلَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ ٱلنَّامُوسِ مَكْتُوباً فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِداً أَيْضاً ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً، ١٦فِي ٱلْيَوْمِ ٱلَّذِي فِيهِ يَدِينُ ٱللهُ سَرَائِرَ ٱلنَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.

    تألفت الكنيسة في روما من فرقتين: مسيحيين من أصل يهودي، ومؤمنين من العالم الروماني اليوناني. فالأولون لهم معرفة بالوعود والناموس، وعاشوا حسب العهد القديم. بينما المسيحيون من الأمم لم يكونوا يعرفون نظاماً إلهياً لحياتهم، إلا أنهم يسلكون في قوة روح المسيح.

    فأكد بولس للمسيحيين من الأصل اليهودي أن الله سيدينهم حسب الناموس القديم، الذي يعلّم عن قداسته. فالاستماع لكلمة الله لا يخلّص التقي، والأفكار الروحية والصلوات الطويلة لا تكفي، لأن الله يطلب منا تنفيذ أوامره، ويريد أن كلمته تتجسَّد فينا لتصطبغ حياتنا كلها بكلمته. فكل يهودي يتجاوز شعرةً من الشريعة يُدان لأجل هذا التعدي، لأن كل تجاوزٍ عداوةٌ لله.

    وعندما سطر بولس لليهود هذه الحقائق، سمع بروحه مجادلة المسيحيين من الأصل الوثني قائلين: ليس لنا ناموس ولا نعرف الوصايا العشر، فكيف يديننا الله؟

    فجاوبهم بولس أن بر الله ثابت في كل حال، يدين الذين لا يعرفون الناموس ولم يسمعوا الوصايا والوعود من قبل، ولم يعرفوا محبة الله وقداسته. لأن الخالق قد وضع في كل إنسان ضميراً حساساً واعياً يراقب ويحذّر ويردع شاكياً. وقد يسكت الضمير أحياناً كالمخنوق، ولكنه يقوم مرة أخرى حتماً ويعرّفك بخطاياك. ولربما نشب صراع في داخلك، وجرَّبْتَ إخراس ضميرك. ولكن هذه البقية المستترة من صورة الله فيك لا يمكنك إسكاتها على الدوام، فضميرك يدينك، ولا تجد راحة إلا في نعمة الله. هل تشكر الله لأجل ضميرك، وللدستور الأخلاقي المطبوع فيه؟ درِّب ضميرك في الإنجيل واصبغْهُ بأفكار محبة الله، فيصبح أكثر دقة وتنبيهاً، ويرشدك حسب مشورة الله لتصير إنساناً مقبولاً متأهّباً لكل عمل صالح. عندئذ لا تسقط في الدينونة الأخيرة، لأنك عشت في انسجام مع صوت الله في فؤادك.

    وهل أدركت أن القاضي الوحيد في دينونة الله الأخيرة، اسمه ليس المسيح فقط، بل يسوع أيضاً. والفرق بين هذين الاسمين هو أن كلمة «يسوع» هي الاسم العَلَم، بينما كلمة «المسيح» هي وصفٌ لوظيفته. فيسوع هو الممسوح الممتلئ بالمواهب وصفات الله، وذو السلطان الكلي، والمفوَّض للدينونة والخلاص.

    وهكذا سيدين الله العالم مع كل أسراره حسب الإنجيل الذي نشره بولس عن يسوع. فمن الضروري أن تعرف إنجيل بولس المدوَّن في الرسالة إلى رومية، لأنه أساس الدينونة الأخيرة.

    الصلاة: أيها القدوس، أنت تعرفني أكثر من معرفتي لنفسي. كل أعمالي مكشوفة لك. أعترف بإثمي، وأطلب إليك أن تُظهر أمامي كل سيئاتي المخبأة، لأجلبها إلى نور ابنك قبل أن يأتي اليوم المخيف. واغفر لي إن لم أُطع صوت ضميري فوراً، أو جاوزتُ صوتك عمداً. امنحني العزم والقوة لأتمّم أوامر محبتك.

    السؤال:

  21. كيف يدين الله الأمم؟

    ج - المعرفة لا تخلّص بل العمل

    (٢: ١٧ - ٢٤)

    ٢: ١٧هُوَذَا أَنْتَ تُسَمَّى يَهُودِيّاً، وَتَتَّكِلُ عَلَى ٱلنَّامُوسِ، وَتَفْتَخِرُ بِٱللهِ، ١٨وَتَعْرِفُ مَشِيئَتَهُ، وَتُمَيِّزُ ٱلْأُمُورَ ٱلْمُتَخَالِفَةَ، مُتَعَلِّماً مِنَ ٱلنَّامُوسِ. ١٩وَتَثِقُ أَنَّكَ قَائِدٌ لِلْعُمْيَانِ، وَنُورٌ لِلَّذِينَ فِي ٱلظُّلْمَةِ، ٢٠وَمُهَذِّبٌ لِلْأَغْبِيَاءِ، وَمُعَلِّمٌ لِلْأَطْفَالِ، وَلَكَ صُورَةُ ٱلْعِلْمِ وَٱلْحَقِّ فِي ٱلنَّامُوسِ. ٢١فَأَنْتَ إِذاً ٱلَّذِي تُعَلِّمُ غَيْرَكَ، أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ ٱلَّذِي تَكْرِزُ أَنْ لَا يُسْرَقَ، أَتَسْرِقُ؟ ٢٢ٱلَّذِي تَقُولُ أَنْ لَا يُزْنَى، أَتَزْنِي؟ ٱلَّذِي تَسْتَكْرِهُ ٱلْأَوْثَانَ، أَتَسْرِقُ ٱلْهَيَاكِلَ؟ ٢٣ٱلَّذِي تَفْتَخِرُ بِٱلنَّامُوسِ، أَبِتَعَدِّي ٱلنَّامُوسِ تُهِينُ ٱللهَ؟ ٢٤لِأَنَّ ٱسْمَ ٱللهِ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ بِسَبَبِكُمْ بَيْنَ ٱلْأُمَمِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ.

    وهب الله ذرية إبراهيم امتياز الناموس، وهو الشريعة المقدسة التي تشهد بعظمة الله ومجده القدوس. فأدرك اليهود قيمة الناموس واتكلوا عليه، مفكرين أن الشريعة تؤدي بهم إلى السماء. ولكن الناموس صار لهم سبباً للغضب والدينونة.

    وعدَّد بولس مزايا اليهود وعيوبهم. فالوحي الإلهي أعطاهم اطمئناناً وثقةً وفخراً، لأنهم عرفوا الله ومشيئته، وميَّزوا الطريق الأفضل في الحياة، فأصبحوا معلِّمي الشعوب ونور الأمم.

    ولكن من جهة أخرى برهن بولس لهم أن ليس في الناموس قوةٌ لإصلاح البشر. صحيح أن اليهود عرفوا به ما توجَّب عليهم، ولكنهم لم يعملوا الواجب. فأدركوا أسرار الله لكن لم يسيروا فيها. وكثيرون منهم بلغوا درجات عالية في التقوى الشكلية الناموسية بإرادة حديدية، ولكن محبة الله لم تنسكب في قلوبهم.

    وربما لم يسرقوا عملياً، ولكن قلوبهم كانت ملتهبة طمعاً كسائر الناس. ولم يَزْنوا جهاراً، ولكن فاضت نفوسهم بأفكار نجسة، كما فينا. فتجاوزوا ناموس الله ألف مرة. فكل هذه الآثام إهانةٌ لله وتجديف على اسمه القدوس.

    وبولس، بصفته مسيحياً من أصل يهودي، أثبت (بدون عقدة نفسية) كل امتيازات وبهاء شعبه. ولأجل هذا كان له الحق والقوة أن يطعن في خطايا أمته. ولم توجد شكوى أثقل ضد شعبٍ، من أن اسم الله يُجدَّف عليه بسبب سلوكه. فعوضاً عن دعوتهم الأصلية لإنارة الشعوب بالناموس، طلع العكس في حياتهم. ليت في أمتنا هذه الأيام شهوداً كبولس، لا ينكرون امتيازاتنا، ولكن بنفس الوقت ينزعون عن المجتمع الفاسد القناع التَّقويّ، لكيلا يبقى إلا التوبة والانكسار.

    هل تدين أهل إبراهيم؟ انتبه! إنهم مذنبون مثلك! وقد قال الله: «كونوا قديسين لأني أنا قدوس».

    الصلاة: أيها الله القدوس العظيم، ذنبنا أعظم مما نعلم. وقد أصبحنا بعصياننا وريائنا سبباً لكفر كثيرين. اغفر لي إن جدَّف أحدٌ بسببي على اسمك، لأني لم أسلك كاملاً أمامك. اغفر لي نقص المحبة والطهارة والحق والصبر.

    السؤال:

  22. ما هي امتيازات الناموس وأثقاله على اليهود؟

    د - الختان الذي ينفع

    (٢: ٢٥ - ٢٩)

    ٢: ٢٥فَإِنَّ ٱلْخِتَانَ يَنْفَعُ إِنْ عَمِلْتَ بِٱلنَّامُوسِ. وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتَ مُتَعَدِّياً ٱلنَّامُوسَ، فَقَدْ صَارَ خِتَانُكَ غُرْلَةً! ٢٦إِذاً إِنْ كَانَ ٱلْأَغْرَلُ يَحْفَظُ أَحْكَامَ ٱلنَّامُوسِ، أَفَمَا تُحْسَبُ غُرْلَتُهُ خِتَاناً؟ ٢٧وَتَكُونُ ٱلْغُرْلَةُ ٱلَّتِي مِنَ ٱلطَّبِيعَةِ، وَهِيَ تُكَمِّلُ ٱلنَّامُوسَ، تَدِينُكَ أَنْتَ ٱلَّذِي فِي ٱلْكِتَابِ وَٱلْخِتَانِ تَتَعَدَّى ٱلنَّامُوسَ؟ ٢٨لِأَنَّ ٱلْيَهُودِيَّ فِي ٱلظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيّاً، وَلَا ٱلْخِتَانُ ٱلَّذِي فِي ٱلظَّاهِرِ فِي ٱللَّحْمِ خِتَاناً، ٢٩بَلِ ٱلْيَهُودِيُّ فِي ٱلْخَفَاءِ هُوَ ٱلْيَهُودِيُّ، وَخِتَانُ ٱلْقَلْبِ بِٱلرُّوحِ لَا بِٱلْكِتَابِ هُوَ ٱلْخِتَانُ، ٱلَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ ٱلنَّاسِ بَلْ مِنَ ٱللهِ.

    كسر بولس للمؤمنين من أصل يهودي فخرهم كأصحاب الناموس ومعلِّمي الشعوب، فسمع بروحه بعضهم يردّون عليه: «نعم نحن مخطئون، لأن ليس أحد كامل إلا الله. ولكن لنا وعد الختان، لأن الله ارتبط برمزه مع أبينا إبراهيم وكل أنساله. فالله معنا، ليس لأننا صالحون، بل لأنه اختارنا».

    وهنا يجاوبهم بولس من التوراة (في آية ٢٥): إن العهد مع إبراهيم لا ينسخ الناموس، لأن العهد يتوقف على العمل بالشريعة، كما أن العمل بالشريعة يتوقف على العهد، فقد قال الرب لإبراهيم: «أَنَا اللهُ الْقَدِيرُ. سِرْ أَمَامِي وَكُنْ كَامِلاً» (تكوين ١٧: ١). فكان السير بكمال أمام الله شرطاً لتثبيت العهد.

    وهكذا برهن بولس للمسيحيين من أصل يهودي ألاّ عهد بدون الناموس، ولا قيمة للختان بدون حفظ الوصايا. فمبدئياً رأى في الختان رمزاً صالحاً أن الله يطهّر الخاطئ، فيطيع المؤمن وأنساله الله.

    ولكن هذا المبدأ يسري فقط ما دام شريك العهد يعمل إرادة الله. فإنْ جاوز المؤمن الوصايا وتعدَّى على الله، يُحسب (رغم ختانه) كسائر الأمم غير المختونين الذين يسمّيهم «الغرلة» بعيداً وغريباً عن الله.

    (آية ٢٦) ولكن إذا تعلَّم أمميٌّ الناموس وحفظه في قوة الروح القدس، يُحسَب (وهو غير مختون بالجسد) مختوناً أمام الله، ومندمجاً في الناموس، ومختاراً منذ الأزل، لأن العهد والاختيار ليسا لذاتهما، بل للتجديد وتربية المختارين. فإن وصل إنسان إلى الهدف الأدبي في سلوكه بدون ناموس العهد القديم، يُحسب داخل العهد.

    (آية ٢٧) إن حفظ وثنيٌّ غير مختون أحكام العهد، تعمل فيه قوة الله ليعمل ما يريد ربه، ويصبح غير المختون مقياساً وقاضياً للمختون الذي لا يطيع الوصايا، لأن رمز الختان لا يخلِّص الإنسان، بل عمله وسلوكه المقدس.

    (آية ٢٨) ليس اليهودي أمام الله هو الذي وُلد من الشعب اليهودي، أو تكلم اللغة العبرانية. وليس هو الذي يؤمن بالناموس أو يختتن أو يصلي يوم السبت. بل اليهودي المقبول عند الله هو الذي يبرهن علاقته بالله في المحبة والتواضع والقداسة والكمال. فحسب هذا الوصف الروحي كان يسوع هو اليهودي الوحيد المثالي. ولأنه كان عكس كل اليهود العنيدين، الذين صلبوه. ولأجل روحه الوديع يضطهده اليهود حتى اليوم!

    (آية ٢٩) ليس الختان برهاناً أن الله مع أمة أو مع مؤمن، لأن الله لا يريد شركاء كسالى في عهده، بل أحباء أصحاب قلوب متجددة ممتلئة بروحه القدوس. فالمولود ثانية هو وحده يُحسب أمام الله شريك العهد. وكل الذين يأتون بثمار روحه يباركهم ببركات متزايدة. ولكن كل الذين يسمُّون أنفسهم «يهوداً» أو «مسيحيين» ويعارضون روح محبة المسيح، لا يقبلهم الله رغم عقائدهم الصافية، بل يعتبرهم أعداءه وهو قاضيهم.

    الصلاة: أيها الله القدوس نشكرك لأنك ارتبطت في الماضي بخليلك إبراهيم وأولاده برمز الختان. ونشكرك لأنك قبلتنا في عهدك الجديد. اغفر لنا إذا لم نسلك قديسين تماماً، أو إذا تصرَّفنا كأن قلوبنا غير مختتنة ولا متجددة. طهرنا من كل روح غريب، وامنحنا تواضع المسيح ومحبته لنتبعه في كل حين.

    السؤال:

  23. ماذا يعني الختان في العهد القديم والعهد الجديد؟

    هـ - امتياز اليهود لا يخلصهم من الغضب

    (٣: ١ - ٨)

    ٣: ١إِذاً مَا هُوَ فَضْلُ ٱلْيَهُودِيِّ، أَوْ مَا هُوَ نَفْعُ ٱلْخِتَانِ؟ ٢كَثِيرٌ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ! أَمَّا أَّوَلاً فَلِأَنَّهُمُ ٱسْتُؤْمِنُوا عَلَى أَقْوَالِ ٱللهِ. ٣فَمَاذَا إِنْ كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَكُونُوا أُمَنَاءَ؟ أَفَلَعَلَّ عَدَمَ أَمَانَتِهِمْ يُبْطِلُ أَمَانَةَ ٱللهِ؟ ٤حَاشَا! بَلْ لِيَكُنِ ٱللهُ صَادِقاً وَكُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِباً. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «لِكَيْ تَتَبَرَّرَ فِي كَلَامِكَ، وَتَغْلِبَ مَتَى حُوكِمْتَ».

    قبل أن يكتب بولس رسالته لكنيسة روما كان بين أعضائها تساؤل، لأن المؤمنين من الأصل الأممي لا يعتبرون امتياز اليهود امتيازاً حقاً. ففرحوا لما برهن بولس أن الناموس والختان سيدينان أهل العهد القديم.

    وتمسَّك المسيحيون من أصل يهودي بأهداب الناموس، ووضعوا موضوع البر النابع من الإيمان تحت التساؤل، واستاؤوا من توضيحات بولس لما كسر امتيازاتهم في الشريعة والعهد.

    وعلم بولس هذين الموقفين المختلفين من رحلاته التبشيرية في المدن المتعددة. وجاوب هنا على أسئلتهم مسبَّقاً. وكأنه يسمع صوتاً من شاب يقول: «بصوابٍ يا بولس برهنْتَ أن اليهود ليسوا أفضل منا». فجاوبه بولس بابتسام قائلاً: «أيها الأخ، أنت مخطئ، فلا زال امتياز اليهود عظيماً، ليس في جنسهم ولا عبقريتهم ولا قوميتهم. إنما امتيازهم في كلام الله وحده المودع بين أيديهم. فهذا الوحي يظل إلى الأبد فخرهم ومسؤوليتهم».

    عندئذ سمع بولس معارضاً آخر يقول: «ولكنهم لم يكونوا أمناء على ناموس العهد». فجاوب الرسول: «هل تظن أن ذنب الإنسان يُبطل مواعيد الرب وأمانته؟ ليس الله متردداً ولا كاذباً. إن كلمته حق أبدي. فحيال عدم أمانة الناس تظهر نعمة الرب أمينة وثابتة إلى الأبد. ولا يكون لعهدنا الجديد بقاء لو أبطل الله العهد القديم لسبب خطايا أهله. نحن في العهد الجديد نخطئ أكثر من القدماء بنسبة الهبات الفائقة الممنوحة لنا. لهذا لا نبني رجاءنا على فشلنا الظاهر، أو نجاحنا الموهوم، بل على نعمة الله وحدها. ونعترف بأننا خطاة مقصِّرون مثل كل الناس. ونشهد أن الله هو الصادق والأمين وحده. فأمانته وعهوده لن تسقط أبداً».

    ٣: ٥وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ إِثْمُنَا يُبَيِّنُ بِرَّ ٱللهِ، فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَلَعَلَّ ٱللهَ ٱلَّذِي يَجْلِبُ ٱلْغَضَبَ ظَالِمٌ؟ أَتَكَلَّمُ بِحَسَبِ ٱلْإِنْسَانِ. ٦حَاشَا! فَكَيْفَ يَدِينُ ٱللهُ ٱلْعَالَمَ إِذْ ذَاكَ؟ ٧فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ ٱللهِ قَدِ ٱزْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟ ٨أَمَا كَمَا يُفْتَرَى عَلَيْنَا، وَكَمَا يَزْعُمُ قَوْمٌ أَنَّنَا نَقُولُ: «لِنَفْعَلِ ٱلسَّيِّآتِ لِكَيْ تَأْتِيَ ٱلْخَيْرَاتُ». ٱلَّذِينَ دَيْنُونَتُهُمْ عَادِلَةٌ.

    لما أبرز بولس رجاءنا المبني على أمانة الله فقط، سمع أصواتاً تهاجمه: كيف يبقى الله باراً إذا ظهرت أمانته بواسطة خطايانا؟ إن ذنوبنا تُظهر نعمته بطريقة أوضح! كيف يحقّ لله أن يدين الناس إن ساعدت خطاياهم على إظهار عظمة أمانته؟! هل شرورنا خدمةٌ وعبادةٌ لله؟ إن كان الأمر كذلك، فتعالوا إذاً نخطئ، لنمجده!

    لم يصمت بولس على هذا الاتهام الخطير بل وضحه بأسئلة يطرحها. قائلاً: «لو ظهرت أمانة الله بواسطة ظلمنا، فلن يستطيع أن يكون الله ديان العالمين! ولو سندت أكاذيبنا حقه، فليس له حق أن يدين العالم! وعندئذ يكون الأفضل أن نخطئ ليتمجد الخير!».

    ولم يعط بولس بهذه الإجابات السلبية جواباً على السؤال الأصلي، بل أبرز الروح الشرير في السائلين وأوضحه. وبعدئذ لخَّص جوابه في كلمتين:

  1. «حاشا!» ومعناها في النص اليوناني: «ليت هذه الفكرة لم تولد فيَّ. لا أوافق عليها ثانية بتاتاً. والله هو شاهدي أني لا أرْعَى تجديفاً مثل هذا في قلبي».
  2. إن حكم الله سينزل على هؤلاء المجدفين. فلا مفرَّ لهم من غضبه، وسيبيدهم في الحال. ونجد من هذا الأسلوب الرسولي، أننا نصل بعض المرات في أبحاثنا مع أعداء المسيح إلى مرحلة نضطر فيها أن نقطع كل الحجج والأسئلة، لكيلا ندخل إلى التجديف. عندئذ علينا الجرأة لننهي البحث ونضع الناس في مواجهة مع الله وعدله المبين.

    الصلاة: أيها الله القدوس، اغفر لنا كل الأسئلة العاصية والمتمردة. نشكرك لصبرك لأنك لم تُبِدْنا لأجل معصيتنا وجهلنا، بل تعلّمنا التعقّل لنسمع كلمتك ونتجاوب بجذب روحك القدوس. انزع منا كل أسئلة المعارضة ضد محبتك، واجعلنا منسجمين مع إرادتك.

    السؤال:

  1. ما هي الأسئلة المتناقضة في رسالة رومية، وما هي أجوبتها؟

    ٣ - كل الناس أخطأوا

    (٣: ٩ - ٢٠)

    ٣: ٩فَمَاذَا إِذاً؟ أَنَحْنُ أَفْضَلُ؟ كَلَّا ٱلْبَتَّةَ! لِأَنَّنَا قَدْ شَكَوْنَا أَنَّ ٱلْيَهُودَ وَٱلْيُونَانِيِّينَ أَجْمَعِينَ تَحْتَ ٱلْخَطِيَّةِ، ١٠كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «أَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ».

    لخَّص بولس شكوى الله على اليهود والأمم، وبرهن أن ليس أحد أفضل من الثاني، فالجميع أخطأوا وتركوا طريق الله المستقيم، وأصبحوا عبيد الشر مقيدين بشهواتهم وغرورهم. ويُدخِل بولس نفسه في شكواه معترفاً معنا أنه خاطئ.

    الخطية قبيحة وفظيعة وتجعل روحك ونفسك تقشعر من ذاتك.

    ٣: ١١لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ ٱللهَ. ١٢ٱلْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحاً لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ.

    كلنا نجسون رجسون أمام قداسة الله الساطعة. لا صالح إلا المسيح. وعقولنا في ضباب كثيف لا تبصر الله، الذي هو مقياسنا العظيم. ولا نعرف فظاعة خطيتنا. ليت الناس يطلبون مجد الله، ليصبحوا أذكياء. ولكن كل واحد ينظر إلى طريقه، ويتمسك بشهوته. كلنا في طبيعتنا أشرار، وضميرك يعرف ذلك.

    ٣: ١٣حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ ٱلْأَصْلَالِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ.

    يظهر فساد الناس من كلامهم لأننا بألسنتنا الحادة نُمِيت صيتَ زملائنا، ونسمِّم الجوَّ بأكاذيب واتهامات وإهانات ومزاحٍ سفيه، ونتذمر ضد إرشادات الله.

    ٣: ١٤وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً. ١٥أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ ٱلدَّمِ. ١٦فِي طُرُقِهِمِ ٱغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. ١٧وَطَرِيقُ ٱلسَّلَامِ لَمْ يَعْرِفُوهُ.

    نحن لا نحب أعداءنا، بل نتمنى إزالتهم. والشعوب الحاقدة على عدوها تسفك أنهر الدماء، لأن الإنسان يتحول إلى وحشٍ في غضبه. فلا سلام فينا، رغم أن أفواهنا تدَّعيه. كل الناس مجرمون، والقلوب ممتلئة بالأحقاد والاستكبار، لأنهم لا يعلمون أن الله محبة وحق وطهارة.

    ٣: ١٨لَيْسَ خَوْفُ ٱللهِ قُدَّامَ عُيُونِهِمْ.

    كل الذين لا يعرفون الله أغبياء، ومن لا يخافه يفقد الحكمة، لأن مخافة الرب هي بدء الحكمة، ومعرفة القدوس فهم. والإلحاد في أيامنا يزداد، والناس يتصرفون كأن لا إله، فلماذا تتعجب بأن الخطية تزداد، وترفع رأسها بوقاحة في الشوارع والجرائد والقلوب؟

    ٣: ١٩وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا يَقُولُهُ ٱلنَّامُوسُ فَهُوَ يُكَلِّمُ بِهِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّامُوسِ، لِكَيْ يَسْتَدَّ كُلُّ فَمٍ، وَيَصِيرَ كُلُّ ٱلْعَالَمِ تَحْتَ قِصَاصٍ مِنَ ٱللهِ. ٢٠لِأَنَّهُ بِأَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لَا يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لِأَنَّ بِٱلنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ ٱلْخَطِيَّةِ.

    أتقياء العهد القديم أيضاً خطاة لأن الناموس يكشف خطاياهم. والشريعة تعد بكل بركات السماء إذا حفظنا الوصايا. ولكن ليس إنسان يتمم هذا الشرط كاملاً، بل كلما نحاول بمجهوداتنا الخاصة نفشل ونخطئ. فكلنا نستحق قصاص الله. وجميع أعمالنا الخيرية ملوثة بالأنانية، وليس لنا فضل فيها.

    الصلاة: نشكرك لأنك منحتنا رجاءً في المسيح، فلا نيأس ونتشاءم. كلنا أشرار بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا وأرجلنا وأعيننا. اغفر لي ذنبي، وارسم قدَّام بصري قداستك لتتحطم فيَّ رواسب كبريائي، واسجد لك وحدك.

    السؤال:

  2. كيف أوضح الرسول أن خطايانا تُظهر فساد البشر المطلق؟

    ثانياً - البر بالإيمان للجميع

    (٣: ٢١ - ٤: ٢٢)

    ١ - كفّارة المسيح هي أساس البر

    (٣: ٢١ - ٢٦)

    ٣: ٢١وَأَمَّا ٱلْآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ ٱللهِ بِدُونِ ٱلنَّامُوسِ، مَشْهُوداً لَهُ مِنَ ٱلنَّامُوسِ وَٱلْأَنْبِيَاءِ، ٢٢بِرُّ ٱللهِ بِٱلْإِيمَانِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ. لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ. ٢٣إِذِ ٱلْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ ٱللهِ، ٢٤مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِٱلْفِدَاءِ ٱلَّذِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.

    برهن بولس أن كل الناس: أتقياء ومذنبين، مختارين وضالين، مهذبين وبسطاء، كباراً وصغاراً، باسم الناموس الطبيعي والإلهي، خطاة بذهن مرفوض.

    طوبى لك إن أدركت أنك ناقص ويعوزك مجد الله، مثل كل الناس الذين فقدوا صورة الله الموهوبة لهم في الخلق. هل تبكي على فساد نفسك؟

    فبماذا يجيب الله على شكوى ناموس قداسته؟ ما هو الحكم الإلهي على جماهير العصاة الأشرار؟ وما هي دينونته العادلة عليَّ وعليك؟

    كما أن الجميع أشرار محكوم عليهم بالموت والهلاك، هكذا بررهم الله أجمعين، مانحاً لهم فرصة الحياة الأبدية. وهذه النعمة لا توجد إلا في الإنجيل، فمحبة الله تخلّص كل من يؤمن. لقد بررهم الله كلهم معاً. فإلى متى تصمت عن هذه النعمة؟ أسرع ادع أصدقاءك، وأخبرهم أن باب سجنهم مفتوح على مصراعيه. إن لهم حق الانطلاق، مرسوماً في الإنجيل الشريف.

    أيها الأخ العزيز، هل قبلت المسيح وخلاصه؟ هل عرفته كمخلصك الحنون؟ فنهنئك ونقترح عليك أن تشكر يسوع الذي تألم ومات، ليخلِّصك ويطهِّرك ويبرِّرك. أكرمه بإيمانك ولا تبخل بشكرك. وليكن ما بقي من حياتك شكراً لنعمته المجيدة.

    الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح الحبيب، نسجد لك ونحبك لأنك مُتَّ على الصليب لأجلنا. ونسجد لك أيها الآب الحنون لأنك غفرت بموت الكفارة جميع خطايانا. ونشكرك أيها الروح القدس لأنك منحتنا نعمة المعرفة المجانية وثبتَّنا في التبرير المطلق، وأكَّدت لنا الغفران الأكيد. نعظمك أيها القدوس لأنك أعطيت لحياتنا معنى. علِّمنا الشكر إلى الأبد وقدّس حياتنا، ليصبح سلوكنا حمداً لنعمتك العظيمة.

    السؤال:

  3. ما هي الأفكار الأساسية في تبريرنا بواسطة الإيمان؟

    ٣: ٢٥ٱلَّذِي قَدَّمَهُ ٱللهُ كَفَّارَةً بِٱلْإِيمَانِ بِدَمِهِ، لِإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ ٱلصَّفْحِ عَنِ ٱلْخَطَايَا ٱلسَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ ٱللهِ. ٢٦لِإِظْهَارِ بِرِّهِ فِي ٱلّزَمَانِ ٱلْحَاضِرِ، لِيَكُونَ بَارّاً وَيُبَرِّرَ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلْإِيمَانِ بِيَسُوعَ.

    ليست البشرية وحدها صلبت المسيح، بل الله أحب عالمنا الشرير هكذا، حتى أسلم ابنه الوحيد لأيدي الأثمة، عالماً أنهم سيقتلونه. ولكن في علمه السماوي قصد أن يموت المسيح ليكون ذبيحة وكفارة لأجل جميع الخطاة في كل زمان. فدم المسيح يطهرنا من كل إثم. ولا يوجد فداء آخر إلا بدم المسيح. فذبيحة المسيح النيابية عنا هي الطريق الوحيد لخلاصنا. ولهذه الغاية تجسَّد ابن الله، ليحترق على مذبح الصليب في لهيب غضب الله. فمن يدنو إليه مؤمناً يتبرر. وملايين من الناس، اختبروا أن في دم المسيح المسفوك تعمل قوى الله كلها. فلا تبق بعيداً عن المصلوب، بل ضع نفسك وبيتك وعملك وماضيك ومستقبلك وكنيستك تحت رش دم حمل الله، فتبقى باراً مقدساً ومحفوظاً في حق الله إلى الأبد. ولا توجد حماية أخرى من شكاوى الشيطان وضربات غضب الله إلا في دم يسوع المسيح.

    إحفظ الآيات ٢١ إلى ٢٨ غيباً، واقرأها كلمة كلمة بدقَّة. وخبِّيء معانيها في قلبك، فتدرك أن الأهمية في هذا الدرس، ليس تبرير الخاطئ، بل إبراز برّ الله. فثلاث مرات نقرأ «إظهار بر الله».

    فكل من يقول إن الله يغفر من تلقاء نفسه لمن يشاء وحيثما يريد، ينسى أن الله حدَّد نفسه بمعاني قداسته، فيموت كل خاطئ. كما أنه أوحى بألاّ غفران إلا بسفك الدم. فلولا حدوث ذبيحة المسيح لكان الله مُلاماً إن غفر من تلقاء نفسه، بدون إتمام متطلَّبات البر.

    وأما الآن فقد تمَّ في صليب المسيح شيئان: إن الله أعلن بره، وبرَّرنا بنفس الوقت كاملاً. فليس القدوس ظالماً إن سامحنا، لأن يسوع قد أكمل كل شروط البر، وعاش بدون خطية قدوساً متواضعاً، واستطاع كوحيد من الآب أن يحمل ثقل خطية العالم، لعظمة قدرة محبته. فنسجد ليسوع ونحبه ونعظم أباه، الذي فضَّل أن يموت ابنه الحبيب عوضاً عنا.

    وسمَّى يسوع الله في صلاته الكهنوتية «الآب القدوس» (يوحنا ١٧: ١١). وفي هاتين الكلمتين، تجد تفسيراً عميقاً لبر الله. فالخالق ممتلئ بالمحبة والحق، وهو يبني رحمته على العدل. ففي موت المسيح تتحد كل المتطلبات لصفات الله. وهذه المحبة الغير المحدودة المبنية على الحق نسمّيها «النعمة» لأنها تأتينا بتبرير مجاني، كما أن الله يثبت باراً وهو يحبنا ويعفو عنا.

    الصلاة: أيها الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس، نسجد لك، لأن محبتك فائقة الإدراك، وقداستك أعمق من البحور. قد فديتنا من كل الخطايا، من الموت وسلطان الشيطان، ليس بفضة أو ذهب، بل بواسطة آلام المسيح المريرة وموته على خشبة اللعنة. فدمه الثمين الغالي طهّرنا من كل خطايانا، فأصبحنا أبراراً وقديسين بالنعمة. نعظّم ذبيحة يسوع ونكرّس حياتنا شكراً لك لأجل فدائك في تبريرنا.

    السؤال:

  4. ما معنى: «إظهار بر الله»؟

    ٢ - بالإيمان ننال البر

    (٣: ٢٧ - ٣١)

    ٣: ٢٧فَأَيْنَ ٱلافْتِخَارُ؟ قَدِ ٱنْتَفَى! بِأَيِّ نَامُوسٍ؟ أَبِنَامُوسِ ٱلْأَعْمَالِ؟ كَلَّا! بَلْ بِنَامُوسِ ٱلْإِيمَانِ. ٢٨إِذاً نَحْسِبُ أَنَّ ٱلْإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِٱلْإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ ٱلنَّامُوسِ.

    تمَّ تبرير العالم ومصالحته مع الله بالصليب. ولكن التبرير لا يتحقق للإنسان إلا بالإيمان. فتتكرر كلمة «الإيمان» تسع مرات في الأعداد ٢١ - ٣١، لأن الرسول يشهد لك أن تبريرك لا يتمّ إلا بإيمانك الحي.

    وهذا المبدأ يختلف مع اعتقادات كل الأديان والفلسفات، لأن الله يغفر للجميع كل خطاياهم بدون عمل منهم. وهكذا تسقط مبادئ العالم عن الاجتهاد والمكافئات والأعمال الحسنة وحفظ الناموس، لأن الله فدانا مجاناً، ونقلنا إلى عصر نعمته، وحررنا من لعنة الناموس. فليس المهمّ صيامك أو تقدماتك أو تقواك، لأنك رغم هذه المجهودات تبقى خاطئاً إن لم تقبل دم المسيح وبرَّه، مؤمناً شاكراً. وليس لك يد في هذا البر المقدس، بل يأتي إليك هبة من الله الذي يبررك، ليس لاستقامتك وصلاحك، بل لأن دم المسيح قد طهّرك. وما أعظم النعمة!

    وقبول هذه الرحمة، وشكرك لأجلها، واتحادك بواهبها، يعني إيماناً. فالمصلوب عطية الله لنا نحن المجرمين. وفيه يأتي الخالق إليك ويطهّرك، واهباً ذاته لك أيها المذنب المتبرر. فالتصق بالمسيح مصلياً ومؤمناً. فتتقوى قدرة بره فيك. سلّم حياتك له شكراً لمحبته.

    ٣: ٢٩أَمِ ٱللهُ لِلْيَهُودِ فَقَطْ؟ أَلَيْسَ لِلْأُمَمِ أَيْضاً؟ بَلَى لِلْأُمَمِ أَيْضاً؟ ٣٠لِأَنَّ ٱللهَ وَاحِدٌ، هُوَ ٱلَّذِي سَيُبَرِّرُ ٱلْخِتَانَ بِٱلْإِيمَانِ وَٱلْغُرْلَةَ بِٱلْإِيمَانِ. ٣١أَفَنُبْطِلُ ٱلنَّامُوسَ بِٱلْإِيمَانِ؟ حَاشَا! بَلْ نُثَبِّتُ ٱلنَّامُوسَ.

    وصف بولس التبرير وصفاً موجزاً قوياً، كأنه سمع في روحه صراخاً ومعارضات:

  1. فاليونان قالوا: إذا أظهر موتُ المسيح برَّ الله في غفرانه الخطايا التي ارتكبها أهل الناموس، فيكون الصليب خاصاً بهم فقط. ونحن نصير خارجاً.
  2. فجاوبهم بولس: نعم غفر الله لكل الشعوب ذنوبهم أيضاً. لا يوجد إله لليهود وإله للشعوب، لأن الله واحد. وقد برر بموت يسوع على الصليب المختونين والغير المختونين، إن هم آمنوا.
  3. عندئذ صرخ بعض اليهود: مستحيل، لأن الأمم تصير بذلك مبرَّرة بدون ختان ولا ناموس! فهذا كفر بالله. يا بولس، أنت تقلب وحي الله رأساً على عقب!
  4. فجاوب بولس المتعصبين: حاشا، فالفكر أني أغيِّر وحي الناموس، لا أساس له من الصحة. بل بالعكس، نثبت الناموس ببشارتنا عن الصليب، ونوضح أن الشريعة هي التمهيد لذبيحة الله. فالصليب يحقق جميع مطاليب الناموس فينا.

    الصلاة: أيها الآب نشكرك لأنك حررتنا من برنا الذاتي، وبررتنا بقدرة المسيح. نحن خطاة إن نظرنا لأنفسنا. لكن إن نظرنا إلى ابنك المصلوب نجد برَّنا الموهوب لنا. فشكراً للتبرير الكامل، وتسبيحاً لك نقدم ذواتنا إلى أبد الآبدين.

    السؤال:

  1. لماذا نتبرر بالإيمان وحده وليس أيضاً بأعمالنا الصالحة؟

    ٣ - إبراهيم وداود تبرَّرا بالإيمان

    (٤: ١ - ٢٤)

    أ - حُسب لإبراهيم إيمانه براً

    (٤: ١ - ٨)

    ٤: ١فَمَاذَا نَقُولُ إِنَّ أَبَانَا إِبْرَاهِيمَ قَدْ وَجَدَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ؟ ٢لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ قَدْ تَبَرَّرَ بِٱلْأَعْمَالِ فَلَهُ فَخْرٌ - وَلٰكِنْ لَيْسَ لَدَى ٱللهِ. ٣لِأَنَّهُ مَاذَا يَقُولُ ٱلْكِتَابُ؟ «فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِٱللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرّاً». ٤أَمَّا ٱلَّذِي يَعْمَلُ فَلَا تُحْسَبُ لَهُ ٱلْأُجْرَةُ عَلَى سَبِيلِ نِعْمَةٍ، بَلْ عَلَى سَبِيلِ دَيْنٍ. ٥وَأَمَّا ٱلَّذِي لَا يَعْمَلُ، وَلٰكِنْ يُؤْمِنُ بِٱلَّذِي يُبَرِّرُ ٱلْفَاجِرَ، فَإِيمَانُهُ يُحْسَبُ لَهُ بِرّاً. ٦كَمَا يَقُولُ دَاوُدُ أَيْضاً فِي تَطْوِيبِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَحْسِبُ لَهُ ٱللهُ بِرّاً بِدُونِ أَعْمَالٍ: ٧«طُوبَى لِلَّذِينَ غُفِرَتْ آثَامُهُمْ وَسُتِرَتْ خَطَايَاهُمْ. ٨طُوبَى لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي لَا يَحْسِبُ لَهُ ٱلرَّبُّ خَطِيَّةً.

    أراد بولس أن يساعد المؤمنين من أصل يهودي في روما، ليفهموا الإيمان الحق، على مستوى العهد الجديد. فاتَّخذ أباهم إبراهيم والنبي داود مَثَلين لهم، ليبرهن أنهما قد نالا الغفران والبر بواسطة إيمانهما، وليس لأجل أعمالهما الصالحة.

    عاش إبراهيم كأي إنسان آخر، ولم يكن أفضل من غيره أو أكثر شراً. وعرف الرب آثامه العديدة وقلبه الفاسد. ووجد الله في شوق عبده إليه استعداداً للطاعة، فكلَّمه مباشرةً ودعاه خاصةً له. فآمن إبراهيم بالله دون أن يفهم مواعيد الله بكل أعماقها ومعانيها. ولكنه وثق بالله نفسه، وبأن كلمته صادقة، وأنه أمين لوعده. وبهذا الإيمان أكرم الله، ومجَّد اسم الرب. لم يفكر إبراهيم بقدرته الشخصية، بل اتكل على قوة الله وإمكانياته الغير المحدودة. فاتكاله وارتباطه الإيماني بالله روى شوق قلبه.

    وهذا الإيمان الواثق المطلق صار سبب بره. ولم يكن إبراهيم باراً في نفسه، بل إيمانه حُسب له براً. فكان خاطئاً مثلنا، لكنه تجاوب مع اختيار الله، وأصغى إلى كلمته بانتباه، وقبل وعده مسلِّماً، وحفظه في نفسه المشتاقة.

    وفي رومية ٤ نقرأ عدة مرات أن هذا النوع من الإيمان حُسب براً للمؤمن. فمن يكرم الله بإيمانه ويقبل بشارة الصليب بدون قيد وشرط، ويبني حياته على المسيح، يتبرر بدون أعمال الناموس، وبدون المجتهدات الشخصية، تبريراً مطلقاً.

    واختبر الملك داود المرنم الملهم سرَّ التبرير الإلهي في نفسه. فلم يتكبر بمزاميره، ولم يتبرر بانتصاراته، ولم يفتخر بصلواته ولا بتبرعاته. بل طوَّب الإنسان الذي ينال غفران خطاياه من نعمة ربه. فالبر الموهوب لك في المسيح، أعظم هبة من الله (مزمور ٣٢: ١، ٢).

    الصلاة: أيها الإله العظيم القدوس، نحمدك لأنك وهبت لنا كلمتك متجسّداً في ابنك، وعرَّفتنا نعمتك المبرِّرة في صليبه. افتح آذاننا لنسمع مواعيدك ونؤمن بك ونشكرك لأنك بررتنا مجاناً مع كل المتكلين عليك، وفي كل أنحاء العالم. فساعد زملاءنا أن يقبلوا هذه الدعوة ليختبروا قوة صليب ابنك.

    السؤال:

  2. كيف تبرَّر إبراهيم وداود؟

    ب - بر الإنسان غير متعلِّق بالختان

    (٤: ٩ - ١٢)

    ٤: ٩أَفَهٰذَا ٱلتَّطْوِيبُ هُوَ عَلَى ٱلْخِتَانِ فَقَطْ أَمْ عَلَى ٱلْغُرْلَةِ أَيْضاً؟ لِأَنَّنَا نَقُولُ إِنَّهُ حُسِبَ لِإِبْرَاهِيمَ ٱلْإِيمَانُ بِرّاً. ١٠فَكَيْفَ حُسِبَ؟ أَوَهُوَ فِي ٱلْخِتَانِ أَمْ فِي ٱلْغُرْلَةِ؟ لَيْسَ فِي ٱلْخِتَانِ، بَلْ فِي ٱلْغُرْلَةِ! ١١وَأَخَذَ عَلَامَةَ ٱلْخِتَانِ خَتْماً لِبِرِّ ٱلْإِيمَانِ ٱلَّذِي كَانَ فِي ٱلْغُرْلَةِ، لِيَكُونَ أَباً لِجَمِيعِ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ وَهُمْ فِي ٱلْغُرْلَةِ، كَيْ يُحْسَبَ لَهُمْ أَيْضاً ٱلْبِرُّ.

    هاجم بولس اعتقادات اليهود وحطَّم أحد مبادئهم المقدسة، وهو الختان، الذي كانوا يعتبرونه من أهم رموز العهد القديم. فمن خُتن يخص الله، ومن لم يُختَن يُعتبر كافراً. فلهذا طلب اليهود ختان كل مؤمن جديد، كرمزٍ لتطهيره الذي يؤهله للدخول في العهد مع الله.

    وبرهن بولس أن الختان لا يبرر الإنسان، لأن إبراهيم سمع دعوة ربه وآمن بها قبل ختانه. وهذا الإيمان كان سبباً وأساساً لبره. فالختان عنده يشبه ختماً وليس هو حقاً لرجوعه إلى الله. ولم يساعده لأنه تعاهد مع ربه بالإيمان قبل ختانه.

    وهكذا وضّح بولس أن إبراهيم صار أولاً أباً لكل المؤمنين من أصل الأمم قبل أن يصبح أباً للمختونين، لأنه تبرر وهو أممي وليس كمختون. وبرهن بهذه الحجة أن كل أممي مؤمن يكون أقرب إلى الله من المختونين الذين لا يؤمنون بالمسيح. فإيمان القلب وتغيير الذهن يمجد الله، وليس الرموز الجسدية والطقوس التقليدية.

    وهكذا أوضح بولس لليهود أنهم يربحون إبراهيم أباً لهم إن آمنوا بإنجيل النعمة. فلا العائلة ولا الختان باب يؤدي إلى الله، بل الاتكال على المصلوب. وهذا يعني أنه ليس كل مسيحي متعمِّد باراً لأجل معموديته، إلا إذا آمن إيماناً فعلياً، لأن إيمان القلب وحده هو الذي يبرر الإنسان أمام الله.

    الصلاة: أيها الآب القدوس، لا نستحق التقدم إليك بسبب فسادنا. ولكن ابنك الحبيب أعلن محبتك لنا وبررنا على الصليب. فنؤمن بكلمته ونتعلق بشخصه، ونبني أملنا على خلاصه، ونتبع قدوته، لأنك قد بررتنا وقدستنا مجاناً مع كل الذين يحبونك، في كل أنحاء كرتنا الأرضية.

    السؤال:

  3. لماذا يبررنا الإيمان وحده لا الختان؟

    ج - النعمة تبرِّرنا، لا الناموس

    (٤: ١٣ - ١٨)

    ٤: ١٣فَإِنَّهُ لَيْسَ بِٱلنَّامُوسِ كَانَ ٱلْوَعْدُ لِإِبْرَاهِيمَ أَوْ لِنَسْلِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثاً لِلْعَالَمِ، بَلْ بِبِرِّ ٱلْإِيمَانِ. ١٤لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ ٱلَّذِينَ مِنَ ٱلنَّامُوسِ هُمْ وَرَثَةً، فَقَدْ تَعَطَّلَ ٱلْإِيمَانُ وَبَطَلَ ٱلْوَعْدُ! ١٥لِأَنَّ ٱلنَّامُوسَ يُنْشِئُ غَضَباً، إِذْ حَيْثُ لَيْسَ نَامُوسٌ لَيْسَ أَيْضاً تَعَدٍّ. ١٦لِهٰذَا هُوَ مِنَ ٱلْإِيمَانِ، كَيْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ ٱلنِّعْمَةِ، لِيَكُونَ ٱلْوَعْدُ وَطِيداً لِجَمِيعِ ٱلنَّسْلِ. لَيْسَ لِمَنْ هُوَ مِنَ ٱلنَّامُوسِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضاً لِمَنْ هُوَ مِنْ إِيمَانِ إِبْرَاهِيمَ، ٱلَّذِي هُوَ أَبٌ لِجَمِيعِنَا. ١٧كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «إِنِّي قَدْ جَعَلْتُكَ أَباً لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ». أَمَامَ ٱللهِ ٱلَّذِي آمَنَ بِهِ، ٱلَّذِي يُحْيِي ٱلْمَوْتَى، وَيَدْعُو ٱلْأَشْيَاءَ غَيْرَ ٱلْمَوْجُودَةِ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ. ١٨فَهُوَ عَلَى خِلَافِ ٱلرَّجَاءِ آمَنَ عَلَى ٱلرَّجَاءِ، لِكَيْ يَصِيرَ أَباً لِأُمَمٍ كَثِيرَةٍ، كَمَا قِيلَ: «هٰكَذَا يَكُونُ نَسْلُكَ».

    بعدما حطم بولس ثقة اليهود الخاطئة في الختان، يدمر الركن الثاني لبرِّهم الوهمي، وهو اتكالهم على الناموس.

    ظن اليهود أن الله يعلن عن ذاته من لوحي العهد ويملك من عرشه العالمين، فرجوا بقاء الله معهم ما داموا يحفظون الناموس بأحكامه الكثيرة. ولكنهم لم يدركوا فظاعة خطيتهم ولم يشعروا بمحبة الله العظيمة لكل الناس، فأصبحوا عبيد الناموس والشريعة. وتحجَّرت قلوبهم وتكبَّروا، ولم يروا غضب الله الساقط عليهم، ولم يدركوا المسيح المتجول بينهم.

    ويل للجماعة التي تهتم بحفظ التقاليد والأحكام أكثر من الإيمان البسيط بالمسيح الحي. فالضعيف في الإيمان خير من الناموسي اللامحب. إن القوانين والشرائع تسبّب الغضب، وتحرّض للتجاوز، وتأتي بالعقوبات. لهذا فالمربون الحكماء يضعون أحكاماً قليلة في بيوتهم ومدارسهم، لأن المسيح حرَّرنا إلى المحبة والثقة والصبر والغفران، لا لعبودية الأنظمة والتدقيق في تفسيرها، والعقوبات الصارمة عليها.

    وبرهن بولس للناموسيين مرة أخرى أن إبراهيم تبرر بواسطة الإيمان قبل أن يأتي موسى بالناموس بمدة طويلة. ولما وثق إبراهيم بالله لم يكن الناموس موجوداً بعد. فالوصايا أتت متأخرة، هدايةً للمؤمنين وتحطيماً لكبريائهم. فالإيمان برحمة الله هو القوة الحقَّة التي تبني الحياة الروحية، وتشجع المؤمن لخدمة الله، وتدفعه إلى الأعمال الحسنة. وأما القانون والنواميس والشرائع، فتضيِّق علينا وتقاصصنا وتميتنا.

    فلم ينظر إبراهيم آنذاك لسلوكه وسيرته وحفظه الناموس، بل نظر لوعد الله وحده ووثق بربه، فأصبح قدوةً لجميع المؤمنين، وأباهم الروحي. وآمن إبراهيم بالوعد أن فيه تتبارك جميع الأمم، مع أنه لم يكن له ولد بعد. فبإيمانه ربح إبراهيم الشعوب، حتى سمَّاه بولس «وارث العالم».

    وهكذا ابتدأ الروح القدس في إبراهيم خطة البركة، واجتذب إليه كل الذين يتبررون بالإيمان. ووعده الله أنه سيبارك جميع الأمم بنسله، وقصد بذلك المسيح بالذات. وكلمة «بنسله» مكتوبة بصيغة المفرد لا الجمع. فهكذا يرث المتبررون بالمصلوب السماء بجميع كنوزها، لأن ثقتهم بالمسيح وحَّدتهم بحياة الله وقوته وبركاته.

    الصلاة: أيها الآب السماوي، تفكيرنا ضيق وناموسي يدين الآخرين. وسِّع قلوبنا لثقة الإيمان المطلق وليحررنا روحك القدوس للمحبة والجرأة والإنعاش، ليقوم الأموات في الخطايا ويعظم حمدك في أمتنا. اخلق فينا إيمانك لتعمل بواسطتنا أعمالك المخلصة.

    السؤال:

  4. لماذا ينال المؤمن البركة بإيمانه، وليس باتّباعه للناموس؟

    د - إيمان إبراهيم قدوتنا

    (٤: ١٩ - ٢٢)

    ٤: ١٩وَإِذْ لَمْ يَكُنْ ضَعِيفاً فِي ٱلْإِيمَانِ لَمْ يَعْتَبِرْ جَسَدَهُ - وَهُوَ قَدْ صَارَ مُمَاتاً، إِذْ كَانَ ٱبْنَ نَحْوِ مِئَةِ سَنَةٍ - وَلَا مُمَاتِيَّةَ مُسْتَوْدَعِ سَارَةَ. ٢٠وَلَا بِعَدَمِ إِيمَانٍ ٱرْتَابَ فِي وَعْدِ ٱللهِ، بَلْ تَقَّوَى بِٱلْإِيمَانِ مُعْطِياً مَجْداً لِلّٰهِ. ٢١وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضاً. ٢٢لِذٰلِكَ أَيْضاً حُسِبَ لَهُ بِرّاً.

    سمع إبراهيم كلمة الله عن المستقبل، أنه مختار ليكون أباً لكثير من الشعوب، في الوقت الذي لم يكن له ابن! فلم يسخر من ذلك وهو في التاسعة والتسعين من عمره عندما سمع كلمات الوحي هذه، بل آمن أن الله يمنح رجاءً حيث يكون قد انتهى كل رجاء بشري. وعندما بان مستحيلاً أن تأتي امرأته العجوز بولد، لم ينظر إبراهيم للحقائق الطبيعية، بل إلى الله صانع كل قوانين الطبيعة، فلم يسمح إبراهيم أن يخدعه فكر استحالة إتيانه بولد من امرأته سارة، بل تقوَّى في الإيمان، وتمسَّك بكلمة الله واتكل على حقها السرمدي أكثر فأكثر، وتيقَّن أن رب المجد لا يكذب. إنه وعده، حتى وإن لم يَرَ العقل البشري سبيلاً لتحقيق الوعد!

    والتمسك بوفاء الله في هذا الكفاح الإيماني حُسب لإبراهيم براً (تكوين ١٥: ١ - ٦، ١٧: ١ - ٨).

    ويدعوك المسيح اليوم إلى كفاح إيماني كإبراهيم، فإذ ننظر لأنفسنا ونتأمل حال كنائسنا، يبدو أن هيئاتنا متعَبة عاجزة مماتَة، بلا حياة. ولكن المسيح يعطي الحياة الأبدية للملايين بواسطة إيمانك وإيماني. فيريد أن يبارك شهاداتنا لتتجسد محبته، ويزيد عدد أتباعه كعدد نجوم السماء. فهل تؤمن بوعد يسوع ودعوته، لتلد للرب أولاداً روحانيين بكلمة إيمانك؟ هل تثق فيه أنه يغلب عدم قدرتك، وينعش فتور كنيستك، وينشئ لنفسه من القلوب الغليظة أولاداً كما قال المعمدان: «إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ» (متّى ٣: ٩). تيقَّن أن إله إبراهيم ورب بولس، لا يزال حتى اليوم هو هو. فهو ينتظر إيمانك، لأن هذه هي «الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا» (١يوحنا ٥: ٤). فلا تيأس ولو طال انتظارك سنوات وعشرات السنوات، كما حدث مع إبراهيم، حتى أثمر ثمرة واحدة ضئيلة، هي إسحق الوديع. ولكن الرب قوَّاه في روحه، وجعله أبا الأنبياء. فربك حي، ويريد تبريرك بإيمانك.

    ٤: ٢٣وَلٰكِنْ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ أَجْلِهِ وَحْدَهُ أَنَّهُ حُسِبَ لَهُ، ٢٤بَلْ مِنْ أَجْلِنَا نَحْنُ أَيْضاً، ٱلَّذِينَ سَيُحْسَبُ لَنَا، ٱلَّذِينَ نُؤْمِنُ بِمَنْ أَقَامَ يَسُوعَ رَبَّنَا مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ. ٢٥ٱلَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لِأَجْلِ تَبْرِيرِنَا.

    معرفتنا بالوحي اليوم أكثر من معرفة إبراهيم، فالله أرسل إلينا ابنه يسوع لندرك محبته الأبوية. وقد حدث الأمر المستحيل: أن ابن الله الوحيد مات ليمحو خطايانا. فلم يُهلِك الله الخطاة بل مات المسيح نفسه لنتخلص نحن الأشرار. فهذا هو إلهنا، الرحوم المحب المضحّي بذاته المُنعم علينا.

    وبعدما قام المسيح من بين الأموات، ظهر انتصار ذبيحته. فلم يتركه أبوه بل أقامه، وأثبت أن قربانه الفريد تمَّ في انسجام مع مشيئته الإلهية. وهكذا تؤكد لنا قيامة المسيح حقيقة تبريرنا. الله أقامه من موته، لنراه ونتأكد أن في الصليب تمَّت المصالحة بين الله والعالم.

    واليوم يجلس شفيعنا الوحيد عن يمين الله، ويتوسط بيننا وبين القدوس ويحقق نتائج ذبيحته، لكيلا نتقلقل في إيماننا بل نثبت ونؤمن أن المسيح يقدر أن يخلص إلى التمام، الذين يتقدمون إلى الله بواسطته، لأنه حي ويشفع فينا في كل حين (عبرانيين ٧: ٢٥).

    لقد صالحنا المسيح مع الله. وهو اليوم عائش ليثبت تبريرنا بشفاعته. فآمن أن من إيمانك تجري مياهٌ حية إلى صحراء القلوب الميتة. آمن ولا تشك لأن المسيح حي.

    الصلاة: أيها الرب الإله، أنت حي وترسلنا لنبشّر العالم. لقد آمن عبدك إبراهيم أن جسده الميت وجسد سارة العجوز يستطيعان أن يأتيا بابن من رحمتك، لتتبارك كل الشعوب بواسطته. إغلب قلّة إيماننا وقوِّ ثقتنا، لنتكل عليك ضد اختباراتنا، ورغم حالة الكنيسة المؤلمة، فتكمل قوتك في ضعفنا. ونشكرك لأنك أكدت لنا أن في أيامنا يولد ملايين روحياً، إذ أنت حي وتملك إلى الأبد.

    السؤال:

  5. ماذا نتعلم من الكفاح الإيماني في إبراهيم؟

    ثالثاً: بركات التبرير

    (٥: ١ - ٢١)

    أ - السلام والرجاء والمحبة

    (٥: ١ - ٥)

    ٥: ١فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِٱلْإِيمَانِ لَنَا سَلَامٌ مَعَ ٱللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٢ٱلَّذِي بِهِ أَيْضاً قَدْ صَارَ لَنَا ٱلدُّخُولُ بِٱلْإِيمَانِ، إِلَى هٰذِهِ ٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ ٱللهِ.

    الإنسان الطبيعي يعيش مع الله في الخصام. وكل البشر يتعدُّون على شريعته، لأن خطايانا محسوبة تعدياً، فغضب الله مُعلَن على كل فجور الناس وإثمهم.

    أما الآن فقد مات المسيح على الصليب، وصالح البشر بربهم. فقد دخلنا عصر السلام لأن الابن رفع الخطية الفاصلة، وقد ظهرت نعمة الله المخلِّصة لجميع الناس. ما أعظم البركة والفرح والاطمئنان في الذين يؤمنون بالله، عن طريق المسيح المخلِّص! ليس سلام للأشرار، وليس راحة للقلوب إلا بواسطة الإيمان بالمصلوب.

    وفي ساعة موت المسيح انشقَّ الحجاب أمام قدس الأقداس، فصار لنا حق المثول في حضرة القدوس الذي يدعونا أن نتقدم إليه بثقة، فندرك أنه ليس مخيفاً بعيداً، بل هو الآب المخلّص الفائض بالمحبة والرأفة. وهو ينتظر صلواتنا، ويستجيب ابتهالاتنا، ويستخدمنا لنشر إنجيل ابنه، لتحل بركة ذبيحة الصليب على جميع الذين يطلبونه.

    فالمسيح بعدما قام من بين الأموات، قال لتلاميذه عدة مرات «سلام لكم». وهذا يعني شيئين:

  1. غفر الله لكم ذنوبكم جميعها، لأجل كفارة يسوع.
  2. اذهبوا وانشروا السلام الإلهي. لأن يسوع يأمرك: «كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا» (يوحنا ٢٠: ٢١). فالمؤمن بيسوع مشحون بسلام، ليس لنفسه فقط، بل ليكون من صانعي السلام المطوَّبين من المسيح، الذين هم أبناء الله بالحقيقة.

    ويؤكد لنا بولس أن لنا رجاءً يفوق كل عقل. قد خلقنا الله على صورته، ولكن فقدنا المجد الموهوب لنا بسبب خطايانا. أما الآن فقد حلّ الرجاء بواسطة الروح القدس في قلوبنا بأن الله يعيد نفس المجد إلينا. إن مستقبلنا ليس مجرد فكر وظن وأمنية، بل قد تحقق بواسطة قوة الروح القدس فينا، الذي هو عربون المجد العتيد.

    ٥: ٣وَلَيْسَ ذٰلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً فِي ٱلضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ ٱلضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْراً، ٤وَٱلصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَٱلتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، ٥وَٱلرَّجَاءُ لَا يُخْزِي، لِأَنَّ مَحَبَّةَ ٱللهِ قَدِ ٱنْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلْمُعْطَى لَنَا.

    نحن لا نعيش في السماء بل على الأرض. وكما أن يسوع كان يمرّ باستمرار في ضيق واضطهادات، هكذا سنختبر أن الناس يهاجموننا، والأمراض تضعفنا، ووسوسات الشيطان تلحقنا. ولكن بولس لم يكتب عن هذه الحقائق بدموع وأنات، بل يقول: نفتخر أيضاً في ضيقاتنا، لأنها رموز لاتِّباعنا المسيح. فكما نتبعه في ضيقاته سنتبعه أيضاً إلى المجد. فافعل كل شيء بدون دمدمة، لأن ربك حي ولا يسمح ضدك بشيء إن لم يمرّ قبلاً أمام عرش نعمته.

    واحتمال الأحمال يقودنا إلى إنكار أنانيتنا، وتنقية مقاصدنا، وإخضاع إرادتنا لهدى يسوع، فينمو الصبر فينا، ونمتد في الرجاء نحو يسوع. وفي مدرسة الآلام نتعلم تحويل نظرنا من عدم قدرتنا، متأكدين كإبراهيم أن الله ينصرنا رغم ضيقتنا.

    ولكن لنا امتياز أكثر من إبراهيم، لأننا في عصر النعمة قد انسكبت محبة الله في قلوبنا بالروح القدس. وآية ٥: ٥ عظيمة وجميلة فاحفَظْها غيباً لأنها من جواهر الكتاب المقدس، فمحبة الله انسكبت فينا، ليس لأجل صلاحنا، بل لأن دم المسيح طهَّرنا. ولهذا السبب حلَّ الروح القدس وسكن فينا، جاعلاً من أجسادنا الفانية هيكلاً لله. وحلول الروح الإلهي فينا، لا يعطي سلام أنفسنا فقط، بل يقوِّي صبرنا لنستطيع احتمال المصاعب بفرح، ونحب أعداءنا عملياً، ولا نفشل في المشاكل المتراكمة علينا. فالمسيح لم يتركنا يتامى، بل وهبنا قوته ومحبته وعربون المجد الآتي في آن واحد.

    الصلاة: نسجد لك أيها الآب والابن والروح القدس لأنك لم ترفضنا، بل سكبت فينا محبتك القدوسة لنحب في قوة روحك. نشكرك ونحمدك ونفرح لحضورك في قلوبنا. ساعدنا لنعمل عمل محبتك بحكمة.

    السؤال:

  1. كيف يتحقق سلام الله في حياتنا؟

    ب - تكميل البر

    (٥: ٦ - ١١)

    ٥: ٦لِأَنَّ ٱلْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ، مَاتَ فِي ٱلْوَقْتِ ٱلْمُعَيَّنِ لِأَجْلِ ٱلْفُجَّارِ. ٧فَإِنَّهُ بِٱلْجَهْدِ يَمُوتُ أَحَدٌ لِأَجْلِ بَارٍّ. رُبَّمَا لِأَجْلِ ٱلصَّالِحِ يَجْسُرُ أَحَدٌ أَيْضاً أَنْ يَمُوتَ. ٨وَلٰكِنَّ ٱللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لِأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ ٱلْمَسِيحُ لِأَجْلِنَا.

    ما أندر أن يضحي الإنسان بالوقت والمال والقوة لأجل أخيه المريض، ولكنه لا يضحي بحياته. ولو بذل أحدٌ نفسه في سبيل بطولة حربية أو بذلت أمٌّ نفسها في سبيل أولادها، لكن ليس أحد مستعداً أن يضحي بنفسه لأجل المجرمين والأعداء المرفوضين - إلا الله!

    وبهذا المبدأ، تظهر قمة ديننا، لأنه ونحن أعداء الله العصاة، أحبنا القدوس وفدى الخطاة بابنه ومات كفارة عن قاتليه. فلا توجد محبة أعظم من أن يبذل أحد حياته عن أصدقائه (يوحنا ١٥: ١٣). ومن هذه الكلمة التي قالها المسيح يتبين أنه سمَّى أعداءه أصدقاءه، لأنه أحب الجميع إلى الموت.

    ومحبة الله لنا عظيمة، بمقدار أنه غفر جميع ذنوبنا على الصليب. فلا نحتاج لمجهودات لتبرير أنفسنا، إلا قبول النعمة الإلهية، والإيمان أننا قد تبررنا. فتتحقق قوة خلاص يسوع فينا.

    ٥: ٩فَبِٱلْأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ ٱلْآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ ٱلْغَضَبِ. ١٠لِأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ ٱللهِ بِمَوْتِ ٱبْنِهِ، فَبِٱلْأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ. ١١وَلَيْسَ ذٰلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضاً بِٱللهِ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي نِلْنَا بِهِ ٱلْآنَ ٱلْمُصَالَحَ.

    يعمقنا بولس في يقين الخلاص بالمعاني التالية:

  1. صولحنا مع الله في الوقت الذي عشنا فيه بالعداوة والثورة ضده. لم نطلب الصلح ولا دفعنا الثمن، لأننا لا نقدر ولا نستحق أن نبادر بهذه المصالحة! فهي هبة من النعمة فقط. وابن الله الذي تجسد ومات لأجلنا، أصبحت بواسطته أعجوبة المصالحة حقيقة ممكنة.
  2. وإذا أنتج موت المسيح نتائج مغيِّرة بهذا المقدار، فكم بالحري ستجري حياة المسيح الحي في تحقيق الخلاص! وقد صولحنا الآن مع الله ونريد أن نعمل إرادته من كل قلوبنا، ونحب يسوع لتعمل قوته عملها فينا. وهكذا صارت الحياة الأبدية فينا، التي هي حياة المسيح. وهذه الآيات الإلهية تنشئ سلاماً وفرحاً واطمئناناً وحمداً في قلوبنا، كما أن روح الرب هو عربون مستقبلنا المجيد، لأن من يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه.
  3. وهكذا كانت لبولس الجرأة أن يرتقي على سلم درجات المجد إلى أعلى قمة، فقال: «ونفتخر أيضاً بالله». بمعنى أن الله نفسه يحل فينا، ونحن نثبت فيه. لأننا لم نتصالح معه فقط، بل الروح القدس الذي هو الله، جعل أجسادنا هيكلاً له. فهل تفتخر بحضور الله فيك؟

    الصلاة: يا رب، نسجد لقدرة المحبة المعلنة في يسوع المصلوب ونسلم أجسادنا لدوافع المحبة الإلهية التي تشملنا. لا نريد أن نفكر بأنفسنا، بل نغرق في بحر المحبة الإلهية.

    السؤال:

  1. كيف ظهرت محبة الله؟

    ج - الانتصار على الخطية والناموس والموت

    (٥: ١٢ - ٢١)

    ٥: ١٢مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ. ١٣فَإِنَّهُ حَتَّى ٱلنَّامُوسِ كَانَتِ ٱلْخَطِيَّةُ فِي ٱلْعَالَمِ. عَلَى أَنَّ ٱلْخَطِيَّةَ لَا تُحْسَبُ إِنْ لَمْ يَكُنْ نَامُوسٌ. ١٤لٰكِنْ قَدْ مَلَكَ ٱلْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذٰلِكَ عَلَى ٱلَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ، ٱلَّذِي هُوَ مِثَالُ ٱلْآتِي.

    يوضح بولس لنا سر الموت، مبيّناً أن خطيتنا هي سبب فنائنا. بدأ الأبوان الأولان بثورتهما ضد الله، فجنيا حكم الموت، واجتذبا كل المخلوقات إلى فسادهما، لأننا من جنسهما. ومن ذلك التاريخ يحكم شبح الموت على جميع المخلوقات، حتى على الناموسيين والأتقياء في العهد القديم. لأنه منذ ظهور الناموس ظهرت الخطية والحكم بالموت شرعياً.

    كلنا سنموت لأننا خطاة، لا حياة أبدية فينا، لذلك نتدرج نحو الموت، لأننا نحمل بذور الموت فينا. إنما الله يعطينا وقتاً للتوبة، لنقبل المخلّص وندخل الحياة الجديدة بإيماننا المسيحي.

    ٥: ١٥وَلٰكِنْ لَيْسَ كَٱلْخَطِيَّةِ هٰكَذَا أَيْضاً ٱلْهِبَةُ. لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ وَاحِدٍ مَاتَ ٱلْكَثِيرُونَ، فَبِٱلْأَوْلَى كَثِيراً نِعْمَةُ ٱللهِ، وَٱلْعَطِيَّةُ بِٱلنِّعْمَةِ ٱلَّتِي بِٱلْإِنْسَانِ ٱلْوَاحِدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، قَدِ ٱزْدَادَتْ لِلْكَثِيرِينَ. ١٦وَلَيْسَ كَمَا بِوَاحِدٍ قَدْ أَخْطَأَ هٰكَذَا ٱلْعَطِيَّةُ. لِأَنَّ ٱلْحُكْمَ مِنْ وَاحِدٍ لِلدَّيْنُونَةِ، وَأَمَّا ٱلْهِبَةُ فَمِنْ جَرَّى خَطَايَا كَثِيرَةٍ لِلتَّبْرِيرِ. ١٧لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ ٱلْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ ٱلْمَوْتُ بِٱلْوَاحِدِ، فَبِٱلْأَوْلَى كَثِيراً ٱلَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ ٱلنِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ ٱلْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي ٱلْحَيَاةِ بِٱلْوَاحِدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ.

    رأى بولس بين الخطية الأصلية من أبينا آدم ونتائجها، وبين فداء المسيح ونتائجه موازنة عظيمة، حتى سمَّى آدم مثالاً للمسيح الآتي (١٤).

    لكن لم يقل بولس إنه كما دخلت الخطية والموت بواسطة آدم للكثيرين، هكذا أتت نعمة الله وهبة الحياة الأبدية بالإنسان يسوع إلى الكثيرين أيضاً، لأن المسيح هو أعظم من آدم ومختلف عنه. فربنا لا يهبنا قليلاً من النعمة والهبة السماوية، بل ملء الفيضان. كما أن النعمة تزداد في الكثيرين. فليست هي كالموت، بل تنشئ حياة منتعشة مثمرة نامية قوية.

    بدأ حكم الله على الخطية في الإنسان الأول، وانتقل تلقائياً مع الدينونة إلى الجميع. ولكن الأمر لم يكن هكذا مع التبرير، لأنه لم يبتدئ بخاطئ واحد، بل بجميع الخطاة. لأن يسوع بررهم دفعة واحدة. فمن يؤمن به يتبرر.

    وإذ أصبح الموت بسبب الخطية سيداً مهلكاً للبشر كلهم، فتح يسوع بنعمته العظمى ينبوعاً من الفرج والخير، تفيض الحياة الأبدية منه إلى كل المؤمنين. ولكن حياة الله لم تملك على قلوب المؤمنين إرغاماً كما ملك الموت، بل المطهَّرون يملكون إلى الأبد مع المسيح مخلصهم وربهم. فلا مجال لمقارنة عظمة المسيح بآدم من كل النواحي، لأن نعمة الله والحياة التي يمنحها مختلفة كل الاختلاف عن الموت والدينونة.

    ٥: ١٨فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ ٱلْحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، هٰكَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ ٱلْهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، لِتَبْرِيرِ ٱلْحَيَاةِ. ١٩لِأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلْوَاحِدِ جُعِلَ ٱلْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هٰكَذَا أَيْضاً بِإِطَاعَةِ ٱلْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ ٱلْكَثِيرُونَ أَبْرَاراً.

    يعود بولس لمقارنته الشرعية بين آدم والمسيح، ولكن في هذه الفقرة لم يقارن أولاً الأشخاص، بل أعمالهم ونتائجها. فبخطيةٍ واحدةٍ ملكت الدينونة على جميع الناس، ولكن بفعلةِ برٍ واحدةٍ تمَّ التبرير والحق في الحياة الأبدية لجميع الناس. ما أعظم عرض السماوات! نعم كلنا أصبحنا بعصيان الإنسان الأول أسرى الخطية. ولكن بطاعة المسيح الكاملة أصبحنا متحررين أبراراً.

    وأخيراً أدخل بولس مشكلة الناموس في مقارنته بين آدم وخطيته، والمسيح وبره. فالناموس يُظهر تعدّي الإنسان واضحاً، ويحرِّض الإنسان للعصيان الكامل! ولكن المسيح قرَّبنا من مصدر كل النعمة، ويقدم لنا ملء القوة والبر الدائم، حتى تجري أنهر النعمة إلى كل صحارى العالم. فتهلل بولس وقال: إن كانت الخطية قد ملكت بواسطة الموت على جميع الناس في الماضي، فقد صارت الآن نهاية لذلك التسلط الشرير، لأن النعمة جاءت كملكة على عصرنا، فهي مبنيَّة على برّ الله المثبَّت في صليب يسوع.

    فلكل إنسان سبب للشكر، لأن موت المسيح وقيامته فتحا لنا مرحلة تاريخية جديدة، انغلبت فيها سلطة الخطية والموت. فنرى تطورات النعمة بثمارها وحياتها الأبدية. وملء قوة الله تعمل بواسطة الإنجيل في جميع المؤمنين بالمسيح.

    الصلاة: نسجد لك أيها الرب يسوع لأنك المنتصر على الخطية والموت والشيطان، وقد نقلتنا إلى عصر النعمة وأشركتنا بلذائذ حياتك. قوّ إيماننا لكيلا ننحرف إلى السلطات الماضية التي انغلبت، بل ثبتنا في نعمتك وأنشئ فينا جميع ثمار روحك، برهاناً أن نعمتك تملك حقاً وأنها أقوى من الموت. ونشكرك لأنك أنعمت علينا بملئك وتحفظنا بأمانتك القديرة.

    السؤال:

  2. ماذا أراد بولس أن يرينا في مقارنته بين آدم ويسوع؟

    مسابقة رسالة رومية: القسم الأول

    أجب على خمسة وعشرين من هذه الأسئلة تحصل على التعمق في كلمة الله وتنال جائزة أحد كتبنا.

  1. ما هو سبب وغاية رسالة رومية؟
  2. من أسس الكنيسة في رومية؟
  3. من هو الذي كتب هذه الرسالة وأين ومتى؟
  4. ما هي مميزات هذه الرسالة؟
  5. ما هي محتويات هذه الرسالة؟
  6. ما معنى اسم بولس؟
  7. ما معنى أن المسيح هو ابن الله؟
  8. ما هي النعمة وما هو جواب الإنسان عليها؟
  9. أي عبارة في تحية الرسول بولس تعتبرها أهم وأكثر فعالية بالنسبة لحياتك؟
  10. لماذا شكر بولس الله دائماً؟
  11. كيف منع الله مخططات بولس؟
  12. أيّة كلمة في عدد ١٦ تعتبرها الأهم، ولماذا؟
  13. كيف يتعلق بر الله بإيماننا؟
  14. لماذا يعلن الله غضبه؟
  15. لماذا يصنع الإنسان العائش بدون الله لنفسه آلهة دنيوية؟
  16. ما هي نتيجة عدم عبادة الله الحقة؟
  17. كيف رسم بولس ظهور غضب الله؟
  18. ما هي الخطايا الخمس من جدول الخطايا في رسالة رومية، التي تعتبرها أكثر انتشاراً في أيامنا؟
  19. لماذا يحسبنا الله مرائين عندما نرتكب ما ندين الناس على عمله؟
  20. ما هي الأسرار التي يعلنها لنا بولس عن دينونة الله؟
  21. ما هي المبادئ الإلهية في الدينونة الأخيرة؟
  22. كيف يدين الله الأمم؟
  23. ما هي امتيازات الناموس وأثقاله على اليهود؟
  24. ماذا يعني الختان في العهد القديم والعهد الجديد؟
  25. ما هي الأسئلة المتناقضة في رسالة رومية وما هي أجوبتها؟
  26. كيف أوضح الرسول أن خطايانا تُظهر فساد البشر المطلق؟
  27. ما هي الأفكار الأساسية في تبريرنا بواسطة الإيمان؟
  28. ما معنى: «إظهار بر الله»؟
  29. لماذا نتبرر بالإيمان وحده وليس أيضاً بأعمالنا الصالحة؟
  30. كيف تبرر إبراهيم وداود؟
  31. لماذا يبررنا الإيمان وحده لا الختان؟
  32. لماذا ينال المؤمن البركة بإيمانه وليس باتّباعه للناموس؟
  33. ماذا نتعلم من الكفاح الإيماني في إبراهيم؟
  34. كيف يتحقق سلام الله في حياتنا؟
  35. كيف ظهرت محبة الله؟
  36. ماذا أراد بولس أن يرينا في مقارنته بين آدم ويسوع؟

    رابعاً: قوة الله تحررنا من سلطة الخطية

    (٦: ١ - ٨: ٣٩)

    ١ - المؤمن مات للخطية

    (٦: ١ - ١٤)

    ٦: ١فَمَاذَا نَقُولُ؟ أَنَبْقَى فِي ٱلْخَطِيَّةِ لِكَيْ تَكْثُرَ ٱلنِّعْمَةُ؟ ٢حَاشَا! نَحْنُ ٱلَّذِينَ مُتْنَا عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ، كَيْفَ نَعِيشُ بَعْدُ فِيهَا؟ ٣أَمْ تَجْهَلُونَ أَنَّنَا كُلَّ مَنِ ٱعْتَمَدَ لِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱعْتَمَدْنَا لِمَوْتِهِ، ٤فَدُفِنَّا مَعَهُ بِٱلْمَعْمُودِيَّةِ لِلْمَوْتِ، حَتَّى كَمَا أُقِيمَ ٱلْمَسِيحُ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ ٱلْآبِ، هٰكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ ٱلْحَيَاةِ.

    أرانا الرسول بولس في أصحاحات ٣ - ٥ أن المؤمن بالمسيح تبرر حقاً، وتحرر من غضب الله ودينونته شرعاً، ووضَّح أن هذا التبرير جعلنا في حالة سلام مع الله ومحبة للعالم.

    وبعد هذا العرض المبدئي، جاوب الرسول على السؤال المهم، الذي قدمه أعداء البر المجاني: هل نستمر في الخطية لتكثر النعمة وتظهر أمانة الله؟!

    وفي الجواب على هذا السؤال، رسم بولس لنا الطريق المؤدي إلى الغلبة النهائية على سلطة الخطية في حياتنا حتى أنه لا يُشفى مؤمن، إلا إذا قرأ الفقرة التالية، ومارسها في حياته. فليس بحثنا درساً فكرياً، بل إرشاداً للحياة في القداسة.

    وللعجب لم يقل الرسول: كافح ضد خطاياك واغلبها، لأنه علم أن ليس إنسان قادراً أن ينتصر على خطيته الخاصة بقوته الذاتية. فلا يدعوك أن تجاهد ضد نفسك، بل يقول إنه لا يوجد حل آخر لحياتك القديمة إلا أن تموت عنها موتاً معنوياً.

    فكيف نموت لسلطة الخطية فينا؟ فيجيبنا بولس أن معموديتنا تعني دفن الإنسان الشرير وموت الأنانية. فليست ممارسة العماد حفلة فرح فقط، بل حكمٌ وموتٌ ودَفْنٌ أيضاً، لأنك تشهد بمعموديتك أن ربك قد حكم عليك بالموت الذي تنفّذه في غرقك وغطسك. فإماتة الإنسان الطبيعي لم تتم عملياً في الجسد، بل روحياً، لأننا قد قبلنا موت المسيح النيابي عنا. فمعموديتنا تعني اتحاداً بالمسيح في عهد الإيمان، وانفتاح محبتنا له، والثبات في قدوته الأمينة.

    فلما حمل المسيح خطايانا، مُتْنا معه لكبريائنا، فالصليب طعنة في الإنسان الفاسد. ومن يؤمن ينكر نفسه ويحمل الصليب، معترفاً أن كل إنسان يستحق الموت. فلا يتم موتنا بواسطة الصراع النفساني، بل قد تم في الماضي، لما صرخ المسيح على خشبة اللعنة: قد أُكمل. فإن آمنت خلصت وتحررت من سلطة الخطية.

    ولم يمت المسيح ويُدفَن لتوحيدنا بموته ودفنه فقط، بل قد قام أيضاً ظافراً من بين الأموات، ويجتذبنا إلى قيامته، مانحاً لنا الحياة الأبدية. فإيماننا هو قوة نامية فينا، لأن المسيح وُلد في قلوبنا، فننمو ونعمل وننتصر ونغلب الشر. فلسنا نحن، بل هو المنتصر فينا.

    وجِدَّة الحياة الإلهية تعمل في المؤمنين المرتبطين بالمسيح بالإيمان. فالمسيحية ليست دين الخوف والموت، بل دين الرجاء والحياة والقوة. فالمسيح ساكن فينا بملء قدرته، ويبقى معنا كل الأيام، ويقودنا إلى سلوك مقدس. فمعموديتك إذاً اتحاد بالمسيح، وموت وحياة. وإيمانك هو عهد جديد. فمن يتعلق بالمسيح يعترف أنه قد مات معه على الصليب، وقام فيه إلى الحياة الجديدة.

    الصلاة: أيها الرب المسيح، قد أكملت موتي على الصليب وأعلنت حياتي بقيامتك. فأسجد لك مع كل المؤمنين بك، المائتين معك في الإيمان، والمقامين معك أيضاً في الروح. ساعدنا لنثبت في نعمته ونسلك حسب أمره في الطهارة والعفة والصدق والمحبة والصبر، لتظهر حياتك في كل المؤمنين.

    السؤال:

  1. ما معنى المعمودية؟

    ٦: ٥لِأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضاً بِقِيَامَتِهِ. ٦عَالِمِينَ هٰذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا ٱلْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ ٱلْخَطِيَّةِ، كَيْ لَا نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضاً لِلْخَطِيَّةِ. ٧لِأَنَّ ٱلَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ ٱلْخَطِيَّةِ. ٨فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ ٱلْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضاً مَعَهُ. ٩عَالِمِينَ أَنَّ ٱلْمَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ لَا يَمُوتُ أَيْضاً. لَا يَسُودُ عَلَيْهِ ٱلْمَوْتُ بَعْدُ. ١٠لِأَنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي مَاتَهُ قَدْ مَاتَهُ لِلْخَطِيَّةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَٱلْحَيَاةُ ٱلَّتِي يَحْيَاهَا فَيَحْيَاهَا لِلّٰهِ. ١١كَذٰلِكَ أَنْتُمْ أَيْضاً ٱحْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتاً عَنِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَلٰكِنْ أَحْيَاءً لِلّٰهِ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.

    إن قبلت محبة يسوع المخلِّصة مؤمناً، ستخجل لأجل خطاياك بالدموع، ولا تريد عمل شر، ولا أن تفكر فكرة سيئة فيما بعد. وبذلك تنكر نفسك، فتعتبرها ميتة، لأننا مع المسيح صُلبنا، وقمنا لنعيش معه في انسجام، علماً أن المؤمن المصلوب لا يقدر أن يتحرك كما يريد (غلاطية ٢: ٢٠).

    ويشهد بولس أن هذا الموت تمَّ عندما ابتدأنا نؤمن بالمصلوب. في تلك اللحظة اتحدنا بموته، واعترفنا أن موته موتنا. فقد متنا شرعياً وليس لنا حقوق ولا رغبات في هذه الحياة فيما بعد.

    وكما أن الشريعة المدنية لا تطلب طلبات من الميت، ولا تعطيه امتيازات، هكذا لا يجد الناموس فينا حقاً بعد. ولا تجد التجربة نقطة انطلاق من أجسادنا الشريرة، لأننا نعتبرها ميتة.

    إنما يوجد أناس ماتوا شبه الموت أو نصفه. وهم لم يزل فيهم قليل من الحياة. والآن تصوَّر لو قام ميت وتجوَّل في شوارع مدينتك! ألا يهرب الجميع منه؟! فلا يوجد شيء أقبح من مسيحي يرتد إلى خطاياه القديمة، ويلبس مرة أخرى جسده الفاسد.

    واتحادنا بالمسيح في المحبة يشركنا في قيامته وانتصاره وقوته. والمسيح لن يموت. إنه الحي، الذي يمجد أباه في كل حين، ليولد له أبناء وبنات كثيرون، يقدسون اسمه الأبدي بواسطة سلوكهم الحسن.

    هل أدركت شعار إيماننا؟ قد أنكرنا أنفسنا تماماً عندما اعترفنا بخطايانا واتحدنا بالصليب. ولهذا السبب غرس يسوع قوة حياته فينا، لنقوم روحياً، ونعيش لله في بر أبدي، أبرياء وسعداء. كما أنه هو قد قام من الموت، يحيا ويملك إلى الأبد.

    لكن يوجد فرق قاطع بيننا وبين المسيح. فهو قدوس في ذاته منذ الأزل. أما نحن فلم نحصل على القداسة إلا باتحادنا الإيماني به. وماتت أنانيتنا في محبته، وثبتنا فيه، فتعمل قوته ولطفه وفرحه فينا، ليعظم انتصارنا على ضعفاتنا في الذي أحبنا.

    الصلاة: أيها الرب المسيح القدوس، أنت نائبي على الصليب وقد حملت ذنوبي ودينونتي. أكمل فيَّ إنكار نفسي لأحيا لك ولتمجيد أبيك، وأتحد معك مؤمناً.

    السؤال:

  2. كيف صُلبنا مع المسيح وقمنا في حياته؟

    ٦: ١٢إِذاً لَا تَمْلِكَنَّ ٱلْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ ٱلْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ، ١٣وَلَا تُقَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ آلَاتِ إِثْمٍ لِلْخَطِيَّةِ، بَلْ قَدِّمُوا ذَوَاتِكُمْ لِلّٰهِ كَأَحْيَاءٍ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ وَأَعْضَاءَكُمْ آلَاتِ بِرٍّ لِلّٰهِ. ١٤فَإِنَّ ٱلْخَطِيَّةَ لَنْ تَسُودَكُمْ، لِأَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ ٱلنِّعْمَةِ.

    المتحرر من سلطة الخطية، والثابت في الشركة مع المسيح، يبغض الإثم ويقشعر منه ولا يشاء ارتكابه. فالشهوات قوية، ولكن المحبة للمسيح أقوى. ومن يثبت في الإنجيل، ويواظب على الصلاة، يجد القوة لمقاومة كل رغبات جسده ونفسه. لقد ثبتَّ في الشركة مع المنتصر يسوع، وقوته أقوى من دوافع الموت في جسدك. والروح القدس ينشئ فيك معارف أكثر حكمة من كل فلسفات العالم.

    فامتنع عن كل تأثير رديء، سواء كان كتباً أو أفلاماً أو معاشرة فاسدة. لا تسمح لها أن تفصلك عن شركتك مع المسيح. ولا تؤمن بقدرة خطيتك، بل ثق في المسيح وقدرة خلاصه.

    ولا تنس الشكر، لأنك كنت ميتاً في الخطايا، وأما الآن فأنت حي في المسيح. فأرجع مواهبك لله ليستخدمها آلات لخلاص كثيرين. والقدوس يؤهلك لأجل المسيح، ويرسلك لتعظم قدرة بره في ضعفك.

    وكل الذين يخدمون كبولس في شركة محبة الله يختبرون قدرة الروح القدس يومياً، ويدركون أن التغيير المبدئي قد تم فيهم، فلم تعد الخطية تجلس على عرش قلوبهم، بل المسيح استولى عليهم. وبحلوله ابتدأ معهم عصراً جديداً.

    الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح، علمنا السلوك الحكيم لنحمدك بكل عقولنا وقدرتنا وأموالنا. ولنكن مع كل المؤمنين عبيد محبتك.

    السؤال:

  3. كيف نقدم أنفسنا وأعضاء أجسادنا آلات بر لله؟

    ٢ - المؤمن مات للناموس

    (٦: ١٥ - ٢٣)

    ٦: ١٥فَمَاذَا إِذاً؟ أَنُخْطِئُ لِأَنَّنَا لَسْنَا تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ بَلْ تَحْتَ ٱلنِّعْمَةِ؟ حَاشَا! ١٦أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلَّذِي تُقَدِّمُونَ ذَوَاتِكُمْ لَهُ عَبِيداً لِلطَّاعَةِ، أَنْتُمْ عَبِيدٌ لِلَّذِي تُطِيعُونَهُ، إِمَّا لِلْخَطِيَّةِ لِلْمَوْتِ أَوْ لِلطَّاعَةِ لِلْبِرِّ؟ ١٧فَشُكْراً لِلّٰهِ، أَنَّكُمْ كُنْتُمْ عَبِيداً لِلْخَطِيَّةِ، وَلٰكِنَّكُمْ أَطَعْتُمْ مِنَ ٱلْقَلْبِ صُورَةَ ٱلتَّعْلِيمِ ٱلَّتِي تَسَلَّمْتُمُوهَا. ١٨وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ ٱلْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيداً لِلْبِرِّ. ١٩أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيّاً مِنْ أَجْلِ ضُعْفِ جَسَدِكُمْ. لِأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيداً لِلنَّجَاسَةِ وَٱلْإِثْمِ لِلْإِثْمِ، هٰكَذَا ٱلْآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيداً لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ. ٢٠لِأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ ٱلْخَطِيَّةِ كُنْتُمْ أَحْرَاراً مِنَ ٱلْبِرِّ. ٢١فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ ٱلْأُمُورِ ٱلَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا ٱلْآنَ؟ لِأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ ٱلْأُمُورِ هِيَ ٱلْمَوْتُ. ٢٢وَأَمَّا ٱلْآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ ٱلْخَطِيَّةِ، وَصِرْتُمْ عَبِيداً لِلّٰهِ، فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ، وَٱلنِّهَايَةُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ.

    تردد صدى أسئلة اليهود مرة أخرى في ذهن بولس، فسأل: أنخطئ لأننا لسنا تحت الناموس، بل متحررون بالنعمة؟

    ورفض بولس نهائياً هذا السؤال، وشهد للمؤمنين أنهم قد وضعوا أنفسهم تحت تصرف المسيح طوعاً ومطلقاً لأجل محبته. وبهذا صاروا أحراراً من سلطة الخطية وشكاوى الناموس، حاملين حياة الله وبره في أنفسهم. فكاذب كل من يدعي حرية الإنسان بدون مخافة الله. وقد شبَّه الدكتور لوثر كل إنسان بحمار، وقال: لا يقدر الفرد أن يعيش بلا سيد، لأنه لا بدَّ له من قائد يمتلك زمامه: الشيطان أو الله! وعندما يصبح الله ربك، وتخدمه باستمرار واجتهاد، عندئذ ينتهي اليأس والخطية وسلطة الموت فيك، ويبتدئ الرجاء والسلام والحرية.

    والمسيح نفسه شهد بأنه حامل نير، خضع لنير أبيه بفرح، وأصبح مطيعاً حتى الموت موت الصليب. فالمحبة الإلهية جعلته عبداً، ليحمل خطية العالم. فلماذا لا تتبعه؟

    والحياة مع المسيح ترشدك لخدمة الكثيرين، ليس نظرياً أو عاطفياً، بل بإرادة وعزم وتضحية وبكل قواك. وكما صرفت سابقاً - للأسف - وقتك ومالك ومواهبك في اللهو الباطل، فالآن ضع إمكانياتك لخدمة المسيح ولخلاص الآخرين. عزِّ الحزانى، وزُر المرضى، وساعد الجياع، وادرس مع الضعفاء في المدرسة، وأَنِرْ طالبي البر بالإنجيل.

    ٦: ٢٣لِأَنَّ أُجْرَةَ ٱلْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ ٱللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.

    هذه الآية الذهبية هي خُلاصة الإنجيل، تخبرنا بكل وضوح ما هي ثمرة الحياة للإنسان الطبيعي، وما هو الشيء العظيم الذي يمنحه المسيح يسوع.

  1. إننا نموت لأننا نخطئ. فلا بد من الموت لأننا خطاة. وبما أن جميع الناس خطاة، فيموت الجميع.
  2. من يؤمن بالمسيح ينال عطية الله - لا بفضةٍ أو بذهبٍ، ولكنها من قلب الله مباشرة، وتحلّ في قلوبنا. فهو يمنح كل الذين صُلبوا مع ابنه حياته الخاصة. ليشتركوا في حكمه إلى الأبد، لأنه رب الأرباب ويملك مع أبيه وروحه القدوس إلهاً واحداً إلى أبد الآبدين.

    الصلاة: نسجد لك أيها الآب والابن والروح القدس، لأنك نزعتنا من تورّطنا في الذنوب والخطايا، وحررتنا من حبائل الموت، ونقلتنا إلى رحاب المسيح. فلن نموت إلى الأبد بل نعيش معك وفيك.

    السؤال:

  1. ما الفرق بين العبودية للخطية والموت من جهة، ومحبة المسيح من جهة أخرى؟

    ٣ - المؤمن تحرر لخدمة المسيح

    (٧: ١ - ٦)

    ٧: ١أَمْ تَجْهَلُونَ أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ - لِأَنِّي أُكَلِّمُ ٱلْعَارِفِينَ بِٱلنَّامُوسِ - أَنَّ ٱلنَّامُوسَ يَسُودُ عَلَى ٱلْإِنْسَانِ مَا دَامَ حَيّاً. ٢فَإِنَّ ٱلْمَرْأَةَ ٱلَّتِي تَحْتَ رَجُلٍ هِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِٱلنَّامُوسِ بِٱلرَّجُلِ ٱلْحَيِّ. وَلٰكِنْ إِنْ مَاتَ ٱلرَّجُلُ فَقَدْ تَحَرَّرَتْ مِنْ نَامُوسِ ٱلرَّجُلِ. ٣فَإِذاً مَا دَامَ ٱلرَّجُلُ حَيّاً تُدْعَى زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ. وَلٰكِنْ إِنْ مَاتَ ٱلرَّجُلُ فَهِيَ حُرَّةٌ مِنَ ٱلنَّامُوسِ، حَتَّى إِنَّهَا لَيْسَتْ زَانِيَةً إِنْ صَارَتْ لِرَجُلٍ آخَرَ. ٤إِذاً يَا إِخْوَتِي أَنْتُمْ أَيْضاً قَدْ مُتُّمْ لِلنَّامُوسِ بِجَسَدِ ٱلْمَسِيحِ، لِكَيْ تَصِيرُوا لِآخَرَ، لِلَّذِي قَدْ أُقِيمَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ لِنُثْمِرَ لِلّٰهِ. ٥لِأَنَّهُ لَمَّا كُنَّا فِي ٱلْجَسَدِ كَانَتْ أَهْوَاءُ ٱلْخَطَايَا ٱلَّتِي بِٱلنَّامُوسِ تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا، لِكَيْ نُثْمِرَ لِلْمَوْتِ. ٦وَأَمَّا ٱلْآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ ٱلنَّامُوسِ، إِذْ مَاتَ ٱلَّذِي كُنَّا مُمْسَكِينَ فِيهِ، حَتَّى نَعْبُدَ بِجِدَّةِ ٱلرُّوحِ لَا بِعِتْقِ ٱلْحَرْفِ.

    تمنى الرسول أن إخوته المؤمنين من الأصل اليهودي في روما يقبلون تعليمه عن موتهم المعنوي وقيامتهم في المسيح. إنما بولس علم أيضاً أن عليه أن يشرح موقفه بالنسبة للناموس، لأنهم رأوا فيه وحي الله وقمة الإعلانات، وملء الإرادة الإلهية المُعطاة لموسى.

    فقال بولس لهم: أنتم الذين تعلمون الناموس وتحبونه، مرتبطون به ارتباط الزوجين بعهد الزواج. ولكن كما أن المتزوج يصبح حراً من رباط الزواج إن مات شريكه، هكذا تحررتم من الناموس لأنكم قد متُّم في موت المسيح.

    ولكن المسيح أيضاً قام من بين الأموات، وأنتم الأحرار اخترتم رئيس الحياة لتقطعوا عهداً جديداً مع ابن الله. فالعهد القديم كان ميثاقاً للموت لأجل الحكم المبرم من الناموس. أما الآن فقد دخلتم إلى شركة رئيس الحياة، فتظهر فيكم ثمار روحه، وهي المحبة والفرح والسلام والصبر والصلاح والعفة والإيمان والوداعة والتواضع، كما أن كل صفات يسوع تظهر فيكم، الشكر والحق والطهارة والقناعة.

    إن الله ينتظر ثمار ابنه في حياتكم، لأن المسيح مات وقام وسكب روحه في البشر، ليأتي كثيرون بملء ثماره. ومثلما يتعب الكرَّام منتظراً الثمار، هكذا لله حقٌّ فيكم.

    قبل المسيح كان الإنسان عبداً للناموس وقد ازدهرت في الجسد كل الشهوات، وأما مع المسيح فقد مُتْنا لكل طلبات الناموس، كما أن المسيح أكمل بموته الشريعة كاملاً. وبما أننا مُتْنا لأنفسنا بإيماننا في المصلوب، هكذا نعتبر أنفسنا أمواتاً وغير مربوطين بحرف الوحي السابق.

    وبنفس الوقت دعانا ابن الله إلى عهدٍ جديدٍ حتى لا نعثر بحرف الناموس، بل نخدم الله في قوة روحه. فليست حياتنا محاطة بممانعات، بل قد انتعشنا بدعوة المحبة لحياة الفرح في قوة السلام الإلهي. ولنا إمكانيات غير محدودة من الحكمة والجودة واللطف والرجاء. فاستسلم تماماً لهدى روح الله في إنجيله، تكسب غِنى روحياً وقوة إلهية، وتنمو في تواضع المسيح ووداعته، لأنك مُتَّ وها هو المسيح حي فيك.

    الصلاة: أيها الله القدوس، نشكرك لأنك دعوتنا من عبودية الناموس، بواسطة موت المسيح، الذي أكمل المحبة والحق في حياته وصليبه. ونعظمك لأنك تجذبنا إلى العهد الجديد وتحل بروحك المعزّي في قلوبنا لنأتي بثماره بقوة نعمتك.

    السؤال:

  2. كيف تحرَّر كل المؤمنين من متطلبات العهد القديم؟

    ٤ - بالناموس معرفة الخطية

    (٧ - ٧ - ١٣)

    ٧: ٧فَمَاذَا نَقُولُ؟ هَلِ ٱلنَّامُوسُ خَطِيَّةٌ؟ حَاشَا! بَلْ لَمْ أَعْرِفِ ٱلْخَطِيَّةَ إِلَّا بِٱلنَّامُوسِ. فَإِنَّنِي لَمْ أَعْرِفِ ٱلشَّهْوَةَ لَوْ لَمْ يَقُلِ ٱلنَّامُوسُ «لَا تَشْتَهِ». ٨وَلٰكِنَّ ٱلْخَطِيَّةَ وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِٱلْوَصِيَّةِ أَنْشَأَتْ فِيَّ كُلَّ شَهْوَةٍ. لِأَنْ بِدُونِ ٱلنَّامُوسِ ٱلْخَطِيَّةُ مَيِّتَةٌ.

    سمع بولس في روحه اعتراضاً: هل تعتبر الناموس ناقصاً أو ضعيفاً أو مخطئاً؟ فلخَّص بولس كل حججهم، وسأل بالمبالغة: هل الناموس الإلهي خطية؟ وجاوب: مستحيل أن تكون وصايا الله شريرة، إذ هي ترينا طريق الحياة.

    ولكن بولس يحدد كلامه بحرف (بل) قائلاً: لم أكن واعياً للخطية بدون وجود الناموس. فبدونه كنت عائشاً في الخطية بلا مبالاة، كما يأكل ولد ثماراً محرَّمة من شجرة جاره بلا وعي، لأنه لم يعرف أن الأخذ ممنوع، فيشتهي ويخطف. وهكذا تظهر الخطية عادة في البداية لذيذة جميلة اعتيادية. وهذه هي حالة خطايانا الملتوية: أن نعتبر الشيء الشرير اعتيادياً صالحاً. وأما الصالح والمنظم فيظهر لنا غريباً ومؤذياً.

    ٧: ٩أَمَّا أَنَا فَكُنْتُ بِدُونِ ٱلنَّامُوسِ عَائِشاً قَبْلاً. وَلٰكِنْ لَمَّا جَاءَتِ ٱلْوَصِيَّةُ عَاشَتِ ٱلْخَطِيَّةُ، فَمُتُّ أَنَا، ١٠فَوُجِدَتِ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلَّتِي لِلْحَيَاةِ هِيَ نَفْسُهَا لِي لِلْمَوْتِ. ١١لِأَنَّ ٱلْخَطِيَّةَ، وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِٱلْوَصِيَّةِ، خَدَعَتْنِي بِهَا وَقَتَلَتْنِي.

    لما نعلن وصيةً نسبِّب عصياناً في قلب الإنسان. والاشتهاء للتعدِّي يزداد على الدوام. وقد كتب بولس الآيات من ٧ فصاعداً في صيغة «أنا» لأنه اختبر في ذاته أن الإنسان بدون معرفة الناموس يظن أنه صالح، كأن لا خطية فيه. ولكن عندما دخلت وصية الله إلى حياته عرف خطاياه، وسمع في ذهنه الطلب لإنكار وإماتة الشهوة. لأن الناموس يعني هجوم الله على «أنا الإنساني» حيث أن نفسنا ليست إلا اشتهاء وحب استطلاع. فكل التقاء بكلمة الله ووصيته، يعني موت الذات.

    وهكذا مرة أخرى، يفسر لنا الرسول بولس أنه لا يوجد حل آخر لفسادنا إلا موت «الأنا».

    فالخطية قادتني إلى عصيان ضد قداسة الله وأنظمته الطبيعية. وبلباس مزركش أدخلتني مباشرة إلى جهنم. فهذه هي كذبة الشيطان ورياؤه منذ البدء. إنه بكلمات براقة وتسهيلات خادعة يدعونا للموت!

    ٧: ١٢إِذاً ٱلنَّامُوسُ مُقَدَّسٌ، وَٱلْوَصِيَّةُ مُقَدَّسَةٌ وَعَادِلَةٌ وَصَالِحَةٌ. ١٣فَهَلْ صَارَ لِي ٱلصَّالِحُ مَوْتاً؟ حَاشَا! بَلِ ٱلْخَطِيَّةُ. لِكَيْ تَظْهَرَ خَطِيَّةً مُنْشِئَةً لِي بِٱلصَّالِحِ مَوْتاً، لِكَيْ تَصِيرَ ٱلْخَطِيَّةُ خَاطِئَةً جِدّاً بِٱلْوَصِيَّةِ.

    لم يصلح وحي الله القدوس في العهد القديم الإنسان، بل قسَّاه وحرَّضه لفعل الشر، لأن المنع يخلق المعارضة، فيظهر أن الصالح ينشئ شراً يؤدي إلى الموت. فصرخ بولس قائلاً: لا، هذا التحليل غلط. بل الصالح يُظهِر الشرَّ شراً زائداً، ليكشف الناموس طبيعة الشر الكاملة. والخطية هي الخاطئة الفاسدة لأنها تجعل الصالح (وهو الشريعة) سبب موت الإنسان وهلاكه.

    الصلاة: أيها الرب، في قداستك وكمالك يظهر فسادي ونجاستي. اغفر لي سطحيتي في التقوى، وانزع بحدة ناموسك كل قناع مصنوع بريائنا، لنعرف ونعترف بأنه لا توجد طريقة أخرى لخلاصنا إلا قبول موتنا في صليبك، وأن نثبت في هذا الموت إلى الأبد. لأن ناموسك يديننا. فأيها الرب أسلِّم نفسي لك لتعالجها وتخلّصها وتحفظها في الموت بالنسبة للأنا وبالحياة بالنسبة لك أنت.

    السؤال:

  3. كيف يصبح الناموس الصالح لنا سبباً للشر والموت؟

    ٥ - الإنسان مبيع تحت الخطية

    (٧: ١٤ - ٢٥)

    ٧: ١٤فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ ٱلنَّامُوسَ رُوحِيٌّ، وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ ٱلْخَطِيَّةِ. ١٥لِأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. ١٦فَإِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ، فَإِنِّي أُصَادِقُ ٱلنَّامُوسَ أَنَّهُ حَسَنٌ. ١٧فَٱلْآنَ لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذٰلِكَ أَنَا، بَلِ ٱلْخَطِيَّةُ ٱلسَّاكِنَةُ فِيَّ. ١٨فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لِأَنَّ ٱلْإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ ٱلْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. ١٩لِأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ ٱلصَّالِحَ ٱلَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ ٱلشَّرَّ ٱلَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. ٢٠فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ ٱلْخَطِيَّةُ ٱلسَّاكِنَةُ فِيَّ. ٢١إِذاً أَجِدُ ٱلنَّامُوسَ لِي حِينَمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ ٱلْحُسْنَى أَنَّ ٱلشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي. ٢٢فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ ٱللهِ بِحَسَبِ ٱلْإِنْسَانِ ٱلْبَاطِنِ. ٢٣وَلٰكِنِّي أَرَى نَامُوساً آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ ٱلْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي. ٢٤وَيْحِي أَنَا ٱلْإِنْسَانُ ٱلشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هٰذَا ٱلْمَوْتِ؟ ٢٥أَشْكُرُ ٱللهَ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ رَبِّنَا! إِذاً أَنَا نَفْسِي بِذِهْنِي أَخْدِمُ نَامُوسَ ٱللهِ، وَلٰكِنْ بِٱلْجَسَدِ نَامُوسَ ٱلْخَطِيَّةِ.

    يرينا بولس كيف يعيش الإنسان الطبيعي بدون المسيح، تحت كابوس الناموس. ولا يوضّح لنا هذا بتخيلات فلسفية أو مُثل إنسانية، بل يكشف لنا الإنسان الطبيعي، باعتراف شخصي مثير. لأن الروح القدس رقَّق ضميره الرسولي، حتى شعر بأقل ابتعاد عن مشيئة الله كحادثة مميتة.

    فقال بولس: أنا جسدي ما دمت أنظر لإمكانيات ذاتي. وكل إنسان جسدي لأنه فقد صورة مجد الله الموهوبة له قبلاً. فالجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله، وفسدوا معاً. فيعترف بولس بألم نفسي أن الإنسان الطبيعي لن يستطيع أن يكمل إرادة الله بقوته الذاتية. ما أفظع الاعتراف بعدم القدرة البشرية!

    ومع ذلك فيوجد في كل إنسان اشتياق قوي لعمل الصالح والطهارة والسلوك المقدس. وهذا الشوق موجود في أحقر الناس، فلا يوجد إنسان شرير لا يريد أن يكون صالحاً. والمحزن الغريب أن الذي يحاول التجاوب مع هذا الشوق يفشل فشلاً مستمراً، ويعمل الشر ضد إرادته الصالحة. فهذا هو العجيب في الإنسان. إنه عدو نفسه، ويخون إرادته الحسنة، ويتحدَّى صوت ضميره. فنجد أن الخطية فينا أقوى من عقلنا، وأن ناموس الله يحكم على كل فرد، رغم نيته الطيبة.

    لماذا لا نقدر أن نعيش طاهرين، ونثبت في محبة الله؟ لأن الإنسان بدون المسيح تملكه الخطية. فكل من يعمل الخطية هو عبد لها. فليس في أجسادنا القوة لتنفيذ مشيئة الله. وهذا أعظم اعتراف بإفلاس الإنسان يمكننا الاعتراف به. وبولس نفسه اعترف بهذه الحقيقة إذ قال: إني أعلم أنه ليس ساكن فيَّ (أي في جسدي) شيء صالح. لأني لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل. هل تعترف مع بولس بهذا الواقع، وتسلم ذاتك الملوثة إلى نعمة القاضي الأزلي.

    يسمي الرسول كل إنسان عبداً للخطية، لأن سلطتها تطورت إلى نوع من الناموس، يسمّيه الرسول «ناموس الخطية». فصارت عبوديتنا للشر شرعاً! فنحن بأذهاننا نعرف واجباتنا ونريد إتمامها، ولكننا نعجز. وهذا يعني يأساً، لأن نفسك تهزّ قضبان سجن ذاتك، ولا تقدر أن تبارحه. كلنا أسرى أنانيتنا. مع العلم أن المسيح يدعوك إلى كمال الله. فهل أدركت الانفصام الشخصي في كل إنسان؟ إنه يريد الخير ولا يستطيع تنفيذه من تلقاء نفسه!

    ألا يوجد عون؟ أرشدنا بولس إلى معرفة النفس الملوثة، حتى أنك لا ترجو خلاصاً لنفسك بواسطة برك الذاتي أو استقامتك أو إمكانياتك، ولا بالناموس نفسه. هل حررتك شهادة الرسول من إيمانك السطحي، وطردتك إلى التشاؤم من كل أنواع الإنسانية. إن المؤدَّبين كاذبون والفلاسفة أغبياء، إن نقصتهم حكمة الروح القدس. ولكن طوبى للمؤمن الذي عرف أنه في ذاته خاطئ وهالك. وطوبى للذي أدرك حكم الناموس الصارم على نفسه المستعبَدة، فيتحرر من كل ميل إلى برٍّ بشري. ولا يؤمن ببطولة الإنسان، إنما يتكل على المسيح وحده.

    الحمد لله لأن يسوع المسيح هو المنتصر. فبدونه كلنا ضالون نخدع أنفسنا. أما هو فقد أعطانا حقاً وقوة جديدة. وروحه القدوس يحيينا ويعزّينا، مانحاً لنا رجاءً أكيداً بالمخلّص الوحيد.

    الصلاة: أيها الآب القدوس، نسجد لك ونعظمك من صميم قلوبنا لأنك لم تتركنا في اليأس، بل أرسلت لنا ابنك المسيح مخلّصاً وفادياً للجميع. وبواسطة بره أتى روحك إلينا. فنفتح أذهاننا له ليفتح سجن خطايانا، ويحررنا لسلوك مقدس مع كل المؤمنين في أمتنا وعالمنا.

    السؤال:

  4. بماذا اعترف بولس عن نفسه، وماذا يعني هذا الاعتراف لنا؟

    ٦ - روح المسيح يحرر

    (٨: ١ - ١٧)

    ٨: ١إِذاً لَا شَيْءَ مِنَ ٱلدَّيْنُونَةِ ٱلْآنَ عَلَى ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ، ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ.

    في أصحاحي ٦، ٧ برهن لنا الرسول بولس عجزنا عن تخليص أنفسنا من طبيعتنا الشريرة، وأوضح لنا أن الناموس لا يساعدنا، بل يثير فينا الشوق إلى الخطية، ثم يحكم علينا. فشبح الموت يملك علينا، والخطية تسيطر على إرادتنا. فبهذه البراهين، جرد الرسول بولس الإنسان من كل إمكانية للخلاص بقدرته الذاتية، ودمّر رجاءه الموهوم بحياة طاهرة مستقيمة بقوة إنسانية أو وسائل أدبية.

    وبعد هذا البرهان القاطع، يرينا الرسول الطريق الوحيد إلى الحياة مع الله. وذلك بما كتبه لنا في الأصحاح الثامن من مبادئ الحياة الجديدة، المسمَّاة «في المسيح».

    فالإنسان الذي اتحد مع يسوع دخل إلى رحاب الفادي منذ الآن، ولا يسلك منفرداً متروكاً ضعيفاً مذنباً، لأن ربه يرافقه ويحميه ويشمله برعايته. ليس لأن المؤمن صالح في ذاته، بل لأنه سلَّم نفسه لمخلِّصه الرحيم، فبرَّره وقدَّسه وجمَّله بالمحبة، ويحفظه إلى الأبد. فالمسيح نفسه يسكن في المؤمن، ويغيّره ويطوّره إلى ملئه، حتى يسمّي الرسول هذه الحالة الروحية «الكيان في المسيح». فلم يتكلم عن الثبات في الكنيسة، بل يطلب منا الاندماج في المسيح وفي محبته.

    فليس إيماننا مرتكزاً على عقائد فكرية فقط، بل يتحقق في سلوك مقدس. لأن المسيح أمات كبرياءنا على الصليب، وأقامنا بقيامته إلى حياة جديدة. فمن يؤمن به يتحد بربه ويستلم منه قوة سماوية. وليست هذه الكلمات فلسفة فارغة، بل اختبار ملايين المؤمنين الذين حلَّ فيهم الروح القدس. فالله نفسه يأتي ويحل في الإنسان الذي يقبل المسيح وخلاصه.

    والروح القدس يعزي ضميرك كالمحامي الإلهي الفريد ضد شكاوي الشيطان، ويؤكد لك باسم الله القدوس أنك أصبحت باراً في المسيح وحصلت على قوة السماء لتستطيع الحياة الطاهرة وسط الدنيا الفاسدة. فحلول الروح القدس يغيّر حالة الإنسان، كما وصفه بولس في الأصحاح السابع، فلا يبقى طبيعياً جسدياً ضعيفاً، بل يستطيع في قوة الروح عمل ما يريده الله، ويرتاح قلبه في قدرته.

    هذا الروح يؤكد لك أن المقام من بين الأموات الظافر، سيرافقك أيضاً في ساعات الدينونة، وسيحملك على ذراعيه لتنجو من لهيب غضب الله، لأنه لا شيء من الدينونة على الذين هم في المسيح يسوع.

    وكذلك يساعدك لتعيش الحياة المسيحية في صبر المحبة وفرح التواضع وحق الطهارة، ليس لأنك تستطيع إنشاء هذه الفضائل من نفسك، بل لثباتك في المسيح، كالغصن الثابت في الكرمة. ولهذا يقول ربك لك: اثبت فيَّ وأنا فيك، فتأتي بثمر كثير.

    الصلاة: أيها الإله القدوس، نسجد لك ونتهلل لأنك فديتنا من استكبارنا، وخلّصتنا من سلوكنا النجس، وبررتنا من كل ذنوبنا، وطهرتنا من رجاستنا، لنثبت في شركتك الأبدية مع كل المدعوين في العالم.

    السؤال:

  5. ماذا تعني الآية الأولى في الأصحاح الثامن؟

    ٨: ٢لِأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ ٱلْحَيَاةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ وَٱلْمَوْتِ.

    إيماننا مفعم بالحياة لأن الروح القدس ينسكب في قلوب المؤمنين، إن فتحوا أنفسهم للمسيح. وهذا الروح المحيي المنعش هو قوة الله الخالقة والعاملة في المتكلين على المصلوب.

    ففي بدء الخلق كان الروح الإلهي يرف على الكون الخرب. واليوم يخلق هذا الروح المبارك حياة الرجاء في الملايين، فلا نعيش نحن المؤمنين من أنفسنا بل من إلهامه ودوافعه وقوته. فكل من يوافق ويفتح نفسه لعمل روح المسيح يمتلئ بقدرة الله. فليست إرادتك وتفكيرك وقوتك تخلصك ولا تقدسك، بل روح الله القدوس وحده. فهو خالق إيمانك ومنشئ محبتك، وينبوع سرورك ومصدر إحسانك. وهو الله العامل فينا يدفعنا إلى أعمال الرحمة، ويثبت فينا، ويقودنا إلى الكمال في المحبة.

    وهذه الحياة من الروح الإلهي ليست كالرياح المتقلبة، بل هي منظمة ومرتبة وشرعية، حتى سمَّاها الرسول «ناموس روح الحياة». وناموس الروح هو حياة المسيح في المؤمنين به.

    الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح، نشكرك لأنك نقلتنا من الموت إلى الحياة لنعظم محبة أبينا ونسلك في ناموس الروح. ثبتنا فيك لتتجسد محبتك فينا ونمجدك بسلوكنا، ليشم الناس فينا رائحة الحياة.

    السؤال:

  6. ما هما الناموسان اللذان قارنهما الرسول معاً وما معانيهما؟

    ٨: ٣لِأَنَّهُ مَا كَانَ ٱلنَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِٱلْجَسَدِ، فَٱللهُ إِذْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَلِأَجْلِ ٱلْخَطِيَّةِ، دَانَ ٱلْخَطِيَّةَ فِي ٱلْجَسَدِ، ٤لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ ٱلنَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ ٱلسَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ ٱلرُّوحِ. ٥فَإِنَّ ٱلَّذِينَ هُمْ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ فَبِمَا لِلْجَسَدِ يَهْتَمُّونَ، وَلٰكِنَّ ٱلَّذِينَ حَسَبَ ٱلرُّوحِ فَبِمَا لِلرُّوحِ. ٦لِأَنَّ ٱهْتِمَامَ ٱلْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلٰكِنَّ ٱهْتِمَامَ ٱلرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلَامٌ. ٧لِأَنَّ ٱهْتِمَامَ ٱلْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ لِلّٰهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعاً لِنَامُوسِ ٱللهِ، لِأَنَّهُ أَيْضاً لَا يَسْتَطِيعُ. ٨فَٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْجَسَدِ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا ٱللهَ.

    وضع المسيح عهداً جديداً لأن العهد القديم كان عاجزاً لم يقدر أن يتغلب على الشهوات والخطية في جسدنا. وتجسّد ابن الله هو بداية العهد الجديد، وأول مرحلة في الانتصار الإلهي على جسد البشر الضعيف. وهذا الانتصار الإلهي لا يتم فينا بواسطة إيمان نظري تقليدي، بل يتحقق في الحياة العملية، بفضل بر الله الذي هو محبته الشرعية المؤسسة على الحق. وهذه المحبة العظيمة انسكبت في قلوب المؤمنين ليستطيعوا القول: المسيح يسكن فينا، ويقودنا ويدفعنا إلى إتمام الناموس. فالمسيحي لا يسلك بحسب الجسد وشهواته المفسدة، بل حسب الروح ومقاصده، في الشكر والفرح والانتصار.

    والإنسان الروحي يظهر باهتمامه، لأنه يهتم بالمسامحة والسلام. ولكن من يعيش بدون روح الله، يبقى جسدياً ضعيفاً عابداً شهواته وأمنياته الدنيوية. ويرث في نهايته الموت وغضب الله والدينونة العادلة.

    وأما الروحاني فهو واع، ويحترز لسلام الله الموهوب له، ويحب أعداءه، ويلتمس يومياً من الله قوته وحمايته، ويريد من كل قلبه جذب جميع الناس إلى يسوع منبع الحياة والسلام لكيلا يهلكوا، بل تكون لهم الحياة الأبدية. فهل أصبحت ممتلئاً بروح الله، ومدفوعاً منه؟

    الصلاة: عقولنا صغيرة ولا ندرك محبتك من تلقاء أنفسنا. وأما بفرط نعمتك فقد ملأتنا بصبرك وصفاتك لنسبّحك مع الآب والروح القدس، ونتمم مشيئتك بفرح ومودة. احفظنا بسلامك لنتبعك بقوة روحك. وامنحنا الحكمة والإرادة لندعو كل الجسديين للخضوع لك، ليَخْلصوا ويتغيّروا ويتقدسوا.

    السؤال:

  7. ما هو اهتمام الإنسان الروحي، وما هو ميراث الجسديين؟

    ٨: ٩وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي ٱلْجَسَدِ بَلْ فِي ٱلرُّوحِ إِنْ كَانَ رُوحُ ٱللهِ سَاكِناً فِيكُمْ. وَلٰكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ ٱلْمَسِيحِ فَذٰلِكَ لَيْسَ لَهُ. ١٠وَإِنْ كَانَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ، فَٱلْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ ٱلْخَطِيَّةِ، وَأَمَّا ٱلرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ ٱلْبِرِّ. ١١وَإِنْ كَانَ رُوحُ ٱلَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ، فَٱلَّذِي أَقَامَ ٱلْمَسِيحَ مِنَ ٱلْأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ ٱلْمَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ ٱلسَّاكِنِ فِيكُمْ.

    شهد بولس للمؤمنين أن روح الله قد غلب تكاسل أجسادهم وخبث أنفسهم، لأن حياتهم تأسست على قوة الروح القدس ودوافعه. فخلقهم وولدهم ثانية وأنماهم وحفظهم وملأهم بمحبة الله ودفعهم لخدمات متنوعة، وقوَّاهم ليعملوا هذه الخدمات.

    وكل من لم يحل روح الله في قلبه ليس مسيحياً ولو وُلد من أب مسيحي، لأن هذا الاسم يعني الممسوح بروح الله. فكما أن المسيح نفسه كان ممسوحاً بملء روح أبيه، هكذا المؤمن أيضاً.

    ولكن لا تظن أن المسيح والخطية يسكنان معاً في جسدك. فلا تقدر أن تبغض إنساناً ما وتحب المسيح بنفس الوقت. ولا تستطيع الخضوع للنجاسة وتدَّعي بامتلائك الروح القدس، لأن هذا الروح غيور، وضميرك لا يجد راحةً إلا إذا اعترفت بكل خطية نطقها لسانك، وندمت بالدموع عليها، وكرهتها باشمئزاز. فروح الله يجاهد ضد خطاياك ويقدسك بالتمام، حيث أن يسوع قد دعاك للقداسة. والقدرة نفسها التي عملت في المسيح لما قام من القبر، موجودة وجارية في كل مؤمن حي. فالله يجري تيار حياته فينا.

    الصلاة: نسجد لك لأنك وهبتنا روحك القدوس، وعربون مجدك حال فينا، لنعيش كما عاش ابنك بين البشر.

    السؤال:

  8. ماذا يمنح الروح القدس للمؤمنين بالمسيح؟

    ٨: ١٢فَإِذاً أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ نَحْنُ مَدْيُونُونَ لَيْسَ لِلْجَسَدِ لِنَعِيشَ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ. ١٣لِأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ ٱلْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلٰكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِٱلرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ ٱلْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ. ١٤لِأَنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ ٱللهِ فَأُولٰئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ ٱللهِ.

    لا يهادن الروح القدس رواسب الأنانية الساكنة فيك، بل يكافح ضدها حتى يزيلها، فتموت عن كبريائك وغضبك ومبالغتك وجميع أنواع خطيتك وآثامك. فالقدوس عندئذ يعمل في نفسك، كما يعمل الجراح لشفاء الدمل في جسد الإنسان، عندما يشقه ويستأصل فساده. هكذا يدفعك روح الله من الظلمة إلى النور، ومن الكذب إلى الصدق، ومن اللهو إلى حضور الله. فحين يجري هذا الروح اللطيف في نفسك، فقد أصبحت ابناً لله، وكل الذين ينقادون بروح الله هم أبناؤه.

    ٨: ١٥إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ ٱلْعُبُودِيَّةِ أَيْضاً لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ ٱلتَّبَنِّي ٱلَّذِي بِهِ نَصْرُخُ: «يَا أَبَا ٱلْآبُ!». ١٦اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لِأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلَادُ ٱللهِ.

    يطرد الروح القدس منك الخوف واليأس والتشاؤم والاضطراب، ويمنحك الشجاعة والسرور والثقة بالله. حتى أن هذا الروح يفتح فمك لتنطق باسم الآب. وبهذا الاعتراف تقدس اسم الله، وهذه هي المعجزة الكبرى في العهد الجديد: إن الله أعلن نفسه بالمسيح أبانا السماوي. فالخالق البعيد الغاضب على الخطايا، يرينا محبته ويؤكد لنا جودته في هيئة أبوية.

    والعبارة «يا أبا الآب» تعني الدعاء «أيها الآب». فكلمة «أبا» عبرانية أرامية. ونُقلت لأجل الاحترام حرفياً إلى اليونانية. ولكن كلمة «الآب» كُتبت باليوناني وتُرجمت إلى العربية القريبة من العبرية. فظهرت الكلمتان قريبتان في الكتابة. فكلمة آب تفسر كلمة أبا، تأكيداً لها.

    والمسيح في محبته العظيمة بذل جسده لأجلنا وأشركنا في حقوقه ليتبنّانا الله. تصور أنه على أحد وجهي بطاقة الدخول إلى السماء كُتب اسمك بدم ابن الله، وعلى الجهة الثانية تقرأ بأحرف نار الروح القدس الكلمة: «متبنَّى لله». وتحتها مكتوب إمضاء الآب والابن والروح القدس. هل ستنسى هذه البطاقة الفريدة وتهملها وترميها، أو هل تقبلها بالفرح وتحفظها إلى الأبد؟

    لقد أصبحتَ ابن العلي شرعاً بالتبنّي، وجوهراً بولادتك من الروح. والرسول بولس يبشرك أنك سترث الله نفسه، لأن القدوس اقترب منك في يسوع، ويسكن فيك وفي كل القديسين. وسيظهر مجده فينا جميعاً.

    السؤال:

  9. ما هو الاسم الجديد لله الذي يعلّمه الروح القدس لنا، وما معناه؟

    ٧ - ثلاث أنَّات

    (٨: ١٨ - ٢٧)

    ٨: ١٨فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ آلَامَ ٱلّزَمَانِ ٱلْحَاضِرِ لَا تُقَاسُ بِٱلْمَجْدِ ٱلْعَتِيدِ أَنْ يُسْتَعْلَنَ فِينَا. ١٩لِأَنَّ ٱنْتِظَارَ ٱلْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ ٱسْتِعْلَانَ أَبْنَاءِ ٱللهِ. ٢٠إِذْ أُخْضِعَتِ ٱلْخَلِيقَةُ لِلْبُطْلِ - لَيْسَ طَوْعاً، بَلْ مِنْ أَجْلِ ٱلَّذِي أَخْضَعَهَا - عَلَى ٱلرَّجَاءِ. ٢١لِأَنَّ ٱلْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضاً سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ ٱلْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلَادِ ٱللهِ. ٢٢فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعاً إِلَى ٱلْآنَ.

    ١ - أنين الخليقة:

    لم يكتف بولس بإيمانه ومحبته لله، بل امتد إلى غنى رجائنا في الله. هل تترقب ظهور مجد الله؟ هل هو هدف حياتك؟ لا ترض بحل مشاكلك الصغيرة لأن قصد الله فداء العالم كله. فانتظر أعظم هدية من الله، أي تجديد الخليقة كلها!

    الحيوانات تتألم، والعشب يزول. فويل للإنسان الذي يسبّب آلاماً للبهائم. فكل الحيوانات تترقب ظهور مجد أبناء الله، لأنه إن أتى الرب، فسيتحرر أولاده المولودون من روحه من جسد تألمهم، وسيظهر مجده فيهم. عندئذ ستنجو المخلوقات أيضاً كلها. وفي ذلك العصر سوف لا يُضرب حمارٌ بالغيظ، والبعوض سوف لا يؤذي النيام. لقد وعدنا الله بسلامٍ تامٍ على الأرض، عند مجيء المسيح ثانية مع جميع قديسيه وملائكته. فهل تشتاق إليه؟

    تتألم الطبيعة منذ سقوط الإنسان إلى الخطية، لأنها بفساد الإنسان انفسدت. وهكذا فسر بولس لنا آلام الطبيعة كمخاضٍ.

    ٨: ٢٣وَلَيْسَ هٰكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ ٱلَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ ٱلرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضاً نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ ٱلتَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا. ٢٤لِأَنَّنَا بِٱلرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلٰكِنَّ ٱلرَّجَاءَ ٱلْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لِأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضاً؟

    ٢ - أنين أبناء الله:

    يئن أبناء الله في دنيانا بقوة روح الرب في شعورهم الباطني، طالبين أن تكمل فيهم بنوّتهم. لقد افتُدينا بالإيمان وسنُفتدَى كاملاً. فاليوم نحمل الكمال جزئياً في نفوسنا. لكن ننتظر الكمال التام.

    فالرجاء الأكيد والشكر لأجل المجد الآتي، هو من المظاهر الجوهرية للحياة الروحية فينا. فلا نشتاق إلى الذهب أو الشهوة، بل نريد معاينة الله الآب والابن والروح القدس.

    هل تشتاق إلى رؤية أبيك؟ هل تترقب شركة المسيح فاديك؟ تذكَّر أن جسدك الفاني سيتمجَّد بحضور بهاء الله وتصبح نوراً أبدياً في نوره. هذا هو شوق القديسين، لأن حياتهم المستترة في الله تظهر قريباً، ولا تملأ الفؤاد فقط، بل تغيِّر وتمجِّد أيضاً أجسادهم المعذَّبة والمريضة والفانية. وكلنا نحتاج إلى صبر وحفظٍ كثيرٍ على أرضنا. والروح القدس هو العربون للمجد العتيد.

    ٨: ٢٦وَكَذٰلِكَ ٱلرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لِأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لِأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلٰكِنَّ ٱلرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لَا يُنْطَقُ بِهَا. ٢٧وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي يَفْحَصُ ٱلْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ ٱهْتِمَامُ ٱلرُّوحِ، لِأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ ٱللهِ يَشْفَعُ فِي ٱلْقِدِّيسِينَ.

    ٣ - أنين الروح القدس:

    الروح القدس نفسه يتألم في أجسادنا الضعيفة ويتحسَّر لعجز كياننا، ويتعذَّب لصلواتنا البخيلة الضعيفة، ويئنّ لأجل معرفتنا الناقصة، ويحزن لمحبتنا الضئيلة، ويتعجب لقوَّتنا العليلة. فروح الله نفسه يصلي ويشفع في المؤمنين، حتى ولو لم يصلّوا، بل تطفو منهم أنات روحية، وفقاً للصلاة الربانية، التي هي صلاة الروح القدس. سلّم نفسك إلى مدرسة الصلاة هذه فتتحرر من دعوتك الأنانية وتنقاد إلى الشكر والابتهال في سبيل المحبة، وتصلي بحكمة ومسرة وقوة. لأن روح الرب هو الذي يصلي فيك ليلاً ونهاراً ليخلّص الكون كله. فمتى تشترك في ابتهاله إلى أبيك السماوي داعياً شاكراً، من كل قلبك؟

    الصلاة: أيها الآب القدوس اغفر لنا صلواتنا البطيئة والأنانية، وارشدنا لتقديس اسمك لنعظّم فداء المسيح بكل كياننا، ونعمل متواضعين بقوة روحك. علمنا أن نحقق رجاء الروح ونصلي كما يريد هو. نشتاق إلى حضورك ومجيء ابنك في مجد عظيم، لتنجو كل الخليقة مع الراجين في أمتنا.

    السؤال:

  10. من هم الذين يتألمون متوقعين مجيء المسيح، ولماذا؟

    ٨ - مجدنا الآتي رغم الضيقات

    (٨: ٢٨ - ٣٩)

    ٨: ٢٨وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ ٱلْأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعاً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ ٱللهَ، ٱلَّذِينَ هُمْ مَدْعُّوُونَ حَسَبَ قَصْدِهِ. ٢٩لِأَنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ٱبْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ.

    الله قادر على كل شيء، ولا يحدث شيء في الدنيا بدون معرفته وإرادته. هو ضابط الكل. إنما نعرف أن الله العظيم هو أبونا الحنون، الذي يهتم بنا بلا انقضاء، ولن يضرنا ولا يهملنا أو يتركنا. فنطلب إليه أن يقوّي ثقتنا في محبته فلا يتزعزع إيماننا في كل ضيقات واضطهادات. ولتثبيت ثقتنا في محبة الله لنا، كتب الرسول سلسلة تأكيدات لخلاصنا الشخصي لكيلا نشكّ ولا نتقلقل.

    وقد اختارك الله قبل أن تولد لأنك كنت فكراً في قلبه. وقد عرفك قبل تأسيس العالم. فإذاً هو يعرفك في صميمك ومزاجك ونواياك. فعلاقتك بالله أعمق مما تظن. لست غريباً عنه بل قريباً ومعروفاً له. فينتظرك كما ينتظر الأب عودة ابنه الضال. الله يشتاق إليك أكثر مما تشتاق إليه أنت.

    عرفك الله الأزلي قبل كل الدهور في الماضي. ووضع أمامك هدفاً مجيداً لمستقبلك، لأنه عيَّنك بملء إرادته الإلهية لتكون ابناً له بواسطة يسوع المسيح، الذي حمل خطاياك. وفي المسيح وحده يثبت اختيارك. فكل من يتمسك بمصالحة الابن لا يتزعزع، لأن القدوس أمين. فالله يريد أن يقود الجميع إلى الكمال في التواضع والوداعة، حتى تنكر نفسك لتسلك كما سلك المسيح على أرضنا.

    ٨: ٣٠وَٱلَّذِينَ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ فَهٰؤُلَاءِ دَعَاهُمْ أَيْضاً. وَٱلَّذِينَ دَعَاهُمْ فَهٰؤُلَاءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضاً. وَٱلَّذِينَ بَرَّرَهُمْ فَهٰؤُلَاءِ مَجَّدَهُمْ أَيْضاً.

    حقق الله أفكار محبته وكلَّمك شخصياً. فهل سمعت صوته؟ لا تنس أن الله اختارك وأنت خاطئ وعيَّنك لتكون ابناً له. فقصده أن يجددك أنت الميت في الكبرياء والشهوات، لتلمع في الطهارة والعفّة والصدق والاستقامة. وقوة كلمة الله فيك للحياة المقدسة إن قرأت الإنجيل المقدس بعمق وفهم.

    وقد عيَّن الله لك في قدرته أكثر من ذلك، لأنه منحك الروح القدس عربوناً لحياته المجيدة فيك. وكما ظهر المسيح لأعين المؤمنين فقط، فمحبته وحقه وطهارته وصبره يعمل فيك. وروح الله نفسه يثمر فيك بفضائله، إن ثبتَّ في مخلصك. ولم يقل بولس إن الله سيمجدكم في المستقبل، بل بالإيمان اعترف الرسول وقال: قد «مجَّدكم» في صيغة الماضي، لأن بولس كان متأكداً أن يسوع هو رئيس الإيمان ومكمّله. فالذي ابتدأ الخلاص في نفسك هو أمين، ويربّيك ويكمّلك لفضله وحده.

    هل عندك مشاكل في الحياة. هل تجوع أو تمرض؟ هل تطلب شغلاً أو هل رسبت في المدرسة؟ ثق أن الله معك ويحبك ويعتني بك كحدقة عينه، ولا ينساك، بل يكمل خطة محبته إلى المنتهى.

    الصلاة: نسجد لك لأنك اخترتنا وعرفتنا منذ القدم وعيَّنتنا في المسيح لنلبس مجد محبته. من نحن حتى تختارنا! اغفر لنا ذنوبنا وافتح آذاننا لنصغي لدعوتك في الإنجيل المقدس. فنقبل تبريرنا بدم ابنك ونتهلل ونشكر محبتك الأمينة. فنؤمن بهدايتك ونطلب أن تثبّتنا لكيلا نتزعزع، بل نختبر أن روحك القدوس ساكن فينا، عربون المجد العتيد.

    السؤال:

  11. لماذا تعمل كل الأشياء معاً للخير للذين يحبون الله؟

    ٨: ٣١فَمَاذَا نَقُولُ لِهٰذَا؟ إِنْ كَانَ ٱللهُ مَعَنَا فَمَنْ عَلَيْنَا! ٣٢اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ٱبْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لِأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لَا يَهَبُنَا أَيْضاً مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟

    بعدما أوضح بولس سلسلة أفكار الله الخلاصية وتعيينه لنا لنتأكد من اختيارنا، أبرز سلسلة حقائق فدائية لنعرف أن الله أسس خلاص العالم على حوادث تاريخية أكيدة.

    وكان بولس متأكداً ومطمئناً إلى أن الله ليس عدوَّه بل رفيقه الأمين، مهما يحدث في كل حين. وأكثر من ذلك كان مؤمناً بأن ضابط الكل وخالق السماوات والأرض هو أبونا. لقد ثبت الرسول في محبة الله، فاعتبر كل ما جاء عليه من محبة أبيه، واعتناء مخلّصه به. وبرهان ذلك هو صليب المسيح. وفي المصلوب أدرك أن لطف القدوس فاض علينا، لأنه بذل ابنه الوحيد كفارة عنا، لكي لا يهلك كل من يؤمن به.

    وهبنا الله نحن العصاة قلبه وسماءه ومجده في مجيء ابنه. فلا توجد بركة بعد في السموات إلا وقدمها الله لنا في المسيح. لأنه أعطانا به كل شيء. فأين تسليمك له كل شيء عندك!

    ٨: ٣٣مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى مُخْتَارِي ٱللهِ؟ اَللهُ هُوَ ٱلَّذِي يُبَرِّرُ! ٣٤مَنْ هُوَ ٱلَّذِي يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ ٱلَّذِي مَاتَ، بَلْ بِٱلْحَرِيِّ قَامَ أَيْضاً، ٱلَّذِي هُوَ أَيْضاً عَنْ يَمِينِ ٱللهِ، ٱلَّذِي أَيْضاً يَشْفَعُ فِينَا!

    ربما تظن أن الخلاص والوعود هي للقديسين والناضجين في الإيمان فقط! اسمع حكم الله عليك: إنه جعلك باراً مبرَّراً، ليس لصلاحك ونجاحك، بل لأنك آمنت بالمصلوب واتحدت معه، وتتوقع منه وحده قوة الخلاص.

    الروح القدس يعزّيك بتأني الله، ويرسم لك المسيح مصلوباً أمام عينيك، ويذكّرك بقيامته من بين الأموات لتتأكد أن المصالحة قد تمت، وأن الله قَبِلَ الصلح. وهذا المنتصر على الموت صعد إلى السماء، ويتوسط من أجلك أمام عرش النعمة، ويشركك في حق البر بدمه، فلك وسيط شفيع عند الله، ولست وحيداً لأن رحمة الله معك، وهدفها فداؤك والمسيح هو ضامن خلاصك.

    وربما تخاف من الموت. تذكَّر أن يسوع قهر الموت وقام، وأبرز حياة الله لأعيننا. وإنْ تجدَّدْتَ تصبح حياته الأبدية حياتك، وهي لا تنتهي لأن محبة الله لا تسقط أبداً.

    ٨: ٣٥مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ ٱلْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ ٱضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ ٣٦كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ ٱلنَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ».

    لم يكن بولس يكتب مجرد أشعار بليغة حين وصف لنا سلسلة الضيقات التي اجتازها بكل أنواعها، وشهد لنا أننا سنتألم في سبيل المسيح، لأن الإيمان بالآب والابن والروح القدس لا يضمن لنا أمناً دنيوياً ولا رفاهية، كما ترى ذلك في سيرة يسوع المولود من الروح القدس. وبولس اختبر الفقر والغِنى والمرض والضعف والخطر والاضطهاد، والإخوة الأعداء، والمشارفة على خطر الغرق في البحر. فكل هذا كان ثانوياً له، لأنه عرف محبة المسيح وعنايته واعتبرها أعظم من كل تجربة. وهكذا سيظهر إيمانك ظافراً حتى في أردأ الضيقات وفي ساعة موتك، لأن الروح القدس يبث فيك الإيمان، إلى أن تتغير عن شكلك، وتدخل إلى مدرسة الله لتتعلم الوداعة والاتكال والحمد في الضيقات. فتصير تابعاً المسيح تحتمل كل شيء بدون دمدمة، بل تفرح وتنتظر وتصبر في قوة ربك.

    كل التجارب والضيقات لا تستطيع أن تفصلنا عن يسوع، لأن الضيقات تعلّمنا الانتباه للكلمة. فعندئذ نشتاق إلى ربنا يسوع، الذي سبقنا إلى الآب. وهو يفهمنا ولا يتركنا، بل يرافقنا ويقوّينا. فنبصر محبته العظيمة ونكرمه بشكر. فمحبة المسيح تقودنا إلى الانتصار فنخدم مسرورين وسط الضيقات والدموع.

    الصلاة: أيها الله القدوس. أنت أبي وابنك شفيعي اليوم وفي الدينونة الأخيرة. وروحك القدوس ساكن فيَّ ويعزيني. تحيطني وتحفظني وتحميني. احفظني من كل تجربة لكيلا تفصلني خطية عنك، ولا تتزعزع محبتنا لك مع كل القديسين في العالم.

    السؤال:

  12. كيف يتفوَّق المسيحيون على الضيقات؟

    ٨: ٣٨فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لَا مَوْتَ وَلَا حَيَاةَ، وَلَا مَلَائِكَةَ وَلَا رُؤَسَاءَ، وَلَا قُّوَاتِ، وَلَا أُمُورَ حَاضِرَةً وَلَا مُسْتَقْبَلَةً، ٣٩وَلَا عُلْوَ وَلَا عُمْقَ، وَلَا خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ ٱللهِ ٱلَّتِي فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.

    كان بولس متيقناً ألا شيء دنيوي أو روح أخروي يقدر أن يفصله عن محبة الله الظاهرة في المسيح يسوع. فبهذه الجملة القاطعة العظيمة ختم الجزء العقائدي من رسالته إلى رومية. فيقينه ليس مجرد تفكير أو تحليل، بل اختبار عميق من آلام وكفاح كثير، مبني على شهادة الروح القدس في قلبه. ولم يقل بولس: إن شاء الله يكون الله معي، بل يعترف أن محبة الله في المسيح لا تسقط أبداً. فأمانة الله لا ريب فيها!

    ولم يتكلم بولس عن محبة إنسانية، ولم يتكلم عن الله الحنون الحبيب عامة، بل رأى الآب بواسطة الابن. فمنذ تجسّد ابن الله نعلم من هو أبونا القدوس، ولا نشك في رحمته، بل نتأكد أنه يدعونا إلى عهده وإلى التبني. فلأجل الصليب كان بولس متيقناً أن محبة الله لا تسقط أبداً.

    وأما الشيطان فهو حقيقة. ومن ينكر وجوده لا يكون عارفاً حالة الكون. فبولس أبصر قوى روحية متعددة مستعدة لخراب الدنيا. فلم يواجه شبح الموت مراراً فقط، بل صارع ملائكة الظلمة أيضاً، وكافح بصلواته ضد جنون جهنم. حتى قال: لو هاجمتني جهنم كلها، فلا تتركني محبة الله في المسيح. ولم تجد القوى المضادة لله على بولس سلطة، لأن دم المسيح الأزلي ستره.

    وكان لبولس موهبة النبوة، فرأى كيف يهاجم إبليس الكنيسة، ولكنه لن يقدر عليها، لأنها في المسيح. ولا يقدر أحد أن يخطفها من يده.

    استودع روحك وجسدك ونفسك كاملة لمحبة الله، وتمسّك بالثالوث الواحد. فيكون اسمك مكتوباً في سفر الحياة وتثبت في بنوة الله إلى الأبد.

    لم يكتب بولس نشيد الحمد على أمانة محبة الله في صيغة «أنا» فقط، بل ختم كلماته بصيغة «نحن». فشمل بيقينه كل المؤمنين في روما وكنائس حوض البحر المتوسط. وشهادة إيمانه تشملنا أيضاً، إن قبلنا خلاص المسيح. عندئذ نلتصق بمحبة الله الظاهرة في المسيح يسوع.

    والكلمة الأخيرة «ربنا» تختم هذا النشيد، وتؤكد لنا أن الظافر على الجلجثة هو رب الأرباب. وفي سلطانه نجد ضمان حمايتنا. هو يمدّ يده فوقنا ولا يتركنا لأنه يحبنا.

    الصلاة: يا يسوع، إن كلامي يعجز عن شكري. لكنك خلّصتني فصرتُ خاصتَك. املأني بمحبتك لتصبح حياتي رسالة الحمد لقوتك. وأسبّحك في يقين الإيمان مؤمناً ألا شيء سيفصلني عنك، لأنك أمين. وكما أنك جالس عن يمين الآب، وهو فيك وأنت فيه، هكذا ثبتني في بره.

    السؤال:

  13. لماذا ابتدأ بولس جملته الأخيرة بالأنا وختمها بنحن؟

    مسابقة سفر رومية: القسم الثاني

    إذا أحببت التعمق في كلمة الرب ونيل جائزة من كتبنا، فأجب على عشرة من هذه الأسئلة:

  1. ما معنى المعمودية؟
  2. كيف صُلبنا مع المسيح وقُمنا في حياته؟
  3. كيف نقدم أنفسنا وأعضاء أجسادنا آلات بر لله؟
  4. ما الفرق بين المعمودية للخطية والموت من جهة، ومحبة المسيح من جهة أخرى؟
  5. كيف تحرَّر كل المؤمنين من متطلبات العهد القديم؟
  6. كيف يصبح الناموس الصالح لنا سبباً للشر والموت؟
  7. بماذا اعترف بولس عن نفسه، وماذا يعني هذا الاعتراف لنا؟
  8. ماذا تعني الآية الأولى في الأصحاح الثامن؟
  9. ما هما الناموسان اللذان قارنهما الرسول وما معانيهما؟
  10. ما هو اهتمام الإنسان الروحي، وما هو ميراث الجسديين؟
  11. ماذا يمنح الروح القدس للمؤمنين بالمسيح؟
  12. ما هو الاسم الجديد لله الذي يعلمه الروح القدس لنا، وما معناه؟
  13. من هم الذين يتألمون متوقعين مجيء المسيح ولماذا؟
  14. لماذا تعمل كل الأشياء معاً للخير للذين يحبون الله؟
  15. كيف يتفوّق المسيحيون على الضيقات؟
  16. لماذا ابتدأ بولس جملته الأخيرة بالأنا وختمها بنحن؟

    أرسل إجابتك بخط وعنوان واضح إلى:

    Call of Hope . P.O.Box 10 08 27. 70007 Stuttgart . Germany