العودة الى الصفحة السابقة
كيف انتشرت المسيحيّة؟

كيف انتشرت المسيحيّة؟

دروس من سفر أعمال الرسل (الجزء الثالث)

القس يوسف عبد النور


List of Tables

1.

Bibliography

كيف انتشرت المسيحيّة؟. القس يوسف عبد النور. Copyright © 2006 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 2002. SPB 3707ARA. English title: How did Christianity spread? Part 3. German title: Wie hat sich das Christentum ausgebreitet? Teil 3. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

مفتاح سفر أعمال الرسل

«لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أعمال الرسل 1: 8)

الجزء الثالث: شهادة الكنيسة إلى أقصى الأرض (الأصحاحات من 13 - 28)

«وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً .. إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أعمال 1: 8)

الفصل الثامن: الرحلة التبشيريّة الأولى (أعمال 13 - 14)

رأينا في الجزئين الأوّل والثاني من سفر الأعمال كيف عمل المسيح بواسطة الروح القدس في الكنيسة فنَمَت وانتشرت في أورشليم واليهودية والسامرة، بحسب وعد المسيح لتلاميذه قبل صعوده، أنّه سيمنحهم قوّة الروح القدس، فيكونون له شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض. وقد تحقّق وعد المسيح، فتأسّست الكنيسة (كما رأينا) في أورشليم واليهودية والسامرة.

بقي على الرّسُل أن يتمّموا وصيّة المسيح بأن يشهدوا له في أقصى حدود الإمبراطورية الرومانية، فتكمل طاعتهم لوصيّته: «وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً... إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ».

فرز برنابا وشاول

1 وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي الْكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ وَمُعَلِّمُونَ: بَرْنَابَا وَسِمْعَانُ الَّذِي يُدْعَى نِيجَرَ، وَلُوكِيُوسُ الْقَيْرَوَانِي، وَمَنَايِنُ الَّذِي تَرَبَّى مَعَ هِيرُودُسَ رَئِيسِ الرُّبْعِ، وَشَاوُلُ. 2 وَبَيْنَمَا هُمْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ وَيَصُومُونَ قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ». 3 فَصَامُوا حِينَئِذٍ وَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا الأَيَادِيَ ثُمَّ أَطْلَقُوهُمَا (أعمال 13: 1-3).

رأينا في سفر الأعمال 1-12 أعمال الرّوح القدس بواسطة الرسول بطرس، ونموّ الكنيسة من أنطاكية باعتبارها مركز البشارة في سوريا وآسيا الصغرى حتّى روما، وكان معظم هذا النموّ بين الأمم. وقد كانت كنيسة أنطاكية قويّة في شهادتها للمسيح، فاتسعت دائرة التّبشير بالإنجيل. وأنطاكية هي المدينة الأولى التي دُعي فيها التلاميذ «مسيحيّين» (أعمال 11: 26).

ولعل برنابا كان راعياً لتلك الكنيسة، كما كان فيها بعض الأنبياء الذين يًكلّمون الناس «بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ» (1كورنثوس 14: 3) كما أنهم يتنبّأون عن مستقبل الكنيسة. وكان بها أيضاً بعض المعلّمين الذين يفسِّرون كلمة الله، أمثال برنابا وسمعان الذي دُعي نيجر (لأنه كان أسود اللون)، ولوكيوس القيراوني، ومناين الذي أرضعت أمُّه هيرودسَ معه عندما كان طفلاً - وهيرودس هذا هو الذي قتل يوحنّا المعمدان.. وقد حُسب شاول من الأنبياء والمعلّمين بعد أن عيَّنه الله رسولاً.

اجتمع أعضاء كنيسة أنطاكية للصلاة والتَّعليم والعبادة الجمهورية حسب عادتهم، وصاموا تضرُّعاً إلى الله لينتشر الإنجيل في العالم، وليطلبوا إرشاده في ذلك، فأعلن لهم الروح القدس: «أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ» للتّبشير في أماكن أخرى غير أنطاكية. واستمرَّ أعضاء كنيسة أنطاكية في صلاتهم يشكرون الله على إرشاده، ثم وضعوا الأيادي على برنابا وشاول، علامة فرزهما للخدمة، ثم أطلقوهما للقيام بخدمتهما في أماكن جديدة.

آية للحفظ

«أَفْرِزُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لِلْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ» (أعمال 13: 2)

صلاة

يا أبي السّماوي، أشكرك لأنك قد رسمت خطة لحياتي وعملاً خاصاً لأقوم به. أرشدني للعمل، وأيِّدني بالقوّة لأكون مطيعاً لصوتك.

سؤال

1 - ما هو العمل الذي دعا الله برنابا وشاول ليقوما به؟

برنابا وشاول يشهدان في قبرس

4 فَهَذَانِ إِذْ أُرْسِلاَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ انْحَدَرَا إِلَى سَلُوكِيَةَ، وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ. 5 وَلَمَّا صَارَا فِي سَلاَمِيسَ نَادَيَا بِكَلِمَةِ اللهِ فِي مَجَامِعِ الْيَهُودِ. وَكَانَ مَعَهُمَا يُوحَنَّا خَادِماً. 6 وَلَمَّا اجْتَازَا الْجَزِيرَةَ إِلَى بَافُوسَ وَجَدَا رَجُلاً سَاحِراً نَبِيّاً كَذَّاباً يَهُودِيّاً اسْمُهُ «بَارْيَشُوعُ» 7 كَانَ مَعَ الْوَالِي سَرْجِيُوسَ بُولُسَ، وَهُوَ رَجُلٌ فَهِيمٌ. فَهَذَا دَعَا بَرْنَابَا وَشَاوُلَ وَالْتَمَسَ أَنْ يَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ. 8 فَقَاوَمَهُمَا «عَلِيمٌ السَّاحِرُ» لأَنْ هَكَذَا يُتَرْجَمُ اسْمُهُ، طَالِباً أَنْ يُفْسِدَ الْوَالِيَ عَنِ الإِيمَانِ.

9 وَأَمَّا شَاوُلُ الَّذِي هُوَ بُولُسُ أَيْضاً فَامْتَلأَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَشَخَصَ إِلَيْهِ 10 وَقَالَ: «أَيُّهَا الْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ابْنَ إِبْلِيسَ! يَا عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ! أَلاَ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ الْمُسْتَقِيمَةَ؟ 11 فَالآنَ هُوَذَا يَدُ الرَّبِّ عَلَيْكَ فَتَكُونُ أَعْمَى لاَ تُبْصِرُ الشَّمْسَ إِلَى حِينٍ». فَفِي الْحَالِ سَقَطَ عَلَيْهِ ضَبَابٌ وَظُلْمَةٌ فَجَعَلَ يَدُورُ مُلْتَمِساً مَنْ يَقُودُهُ بِيَدِهِ. 12 فَالْوَالِي حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى مَا جَرَى آمَنَ مُنْدَهِشاً مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ (أعمال 13: 4-12).

حالما أفرزت كنيسة أنطاكية برنابا وشاول حسب أوامر الرّوح القدس وأرسلتهما للتّبشير، سافرا من أنطاكية إلى ميناء سلوكية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. وسلوكية مدينة قديمة اسمها اليوم «السويدية» وكانت ميناءً لأنطاكية، تبعد عنها بنحو ستة عشر ميلاً إلى الغرب. ومن سلوكية سافرا بحراً إلى جزيرة قبرس التي وُلد فيها برنابا، ولعلّه أراد تبشير أهله أوّلاً.

وفي قبرس ذهب برنابا وشاول أوّلاً إلى مدينة سلاميس (واسمها الآن «فماغوستا»). وكان فيها مجامع لليهود، فذهبا لتبشير اليهود أوّلاً طاعةً لأمر المسيح بأن يُبشَّر اليهود أوّلاً، لأن عندهم الشريعة والتوراة وكتب الأنبياء التي تنبّأت بمجيء المسيح، فتكون قلوبهم أكثر استعداداً لقبول الرسالة.

وصحب يوحنّا مرقس برنابا وشاول في هذه الرحلة التّبشيرّية الأولى ليخدمهما. ومرقس هذا هو ابن أخت برنابا، والذي صار بعد ذلك الكارز بالإنجيل في مصر، وكتب الإنجيل الذي يحمل اسمه.

بشَّر برنابا وشاول في سلاميس وبعض القرى الصغيرة في قبرس، ثم ذهبا إلى مدينة بافوس في قبرس أيضاً، حيث يوجد هيكل الزهرة الذي مارس فيه الوثنيون عبادتهم. وكان في بافوس ساحر يهودي كذاب اسمه العبريّ «بار يشوع» واسمه اليوناني «عليم» لأنه كان يدَّعي أنه يعرف أمور السّحر، مع أنّ الشريعة اليهودية حرّمته (تثنية 18: 9-12). وكان «بار يشوع» هذا صديقاً لسرجيوس بولس، والي بافوس، وهو رجل فهيم. فلمّا سمع الوالي عن الرسوليْن برنابا وشاول دعاهما إليه ليسمع منهما كلمة الله.

وعندما عرف «بار يشوع» بذلك خاف على مركزه عند الوالي، وقاوم الرسوليْن بالجدال والاستهزاء حتى لا يؤمن الوالي بكلامهما عن المسيح.

لكن الرّوح القدس الذي أرسل برنابا وشاول للتَّبشير، كان لا بدَّ أن يُجري عمله على أيديهما، لذلك حلَّ على شاول (الذي هو بولس) بقوّة خاصة ليكشف خداع الساحر «بار يشوع» الذي ادَّعى أنَّه عليم بالأمور، فقال له: «أَيُّهَا الْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ خُبْثٍ! يَا ابْنَ إِبْلِيسَ! يَا عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ! أَلاَ تَزَالُ تُفْسِدُ سُبُلَ اللهِ الْمُسْتَقِيمَةَ؟».

كان عليم السّاحر ابناً للشيطان فامتلأ قلبه وعقله بالخداع والمكر، وحاول أن يقاوم طرق الخلاص التي هي سبُل الله المستقيمة، فكان يقول عن الشّر خيراً وعن الخير شرّاً، وجعل الظلام نوراً والنور ظلاماً. ولمّا كان عليم الساحر يقاوم عمل الله، طلب بولس أن تمتدّ يد الله القادرة لتصيبه بالعمى المؤقّت حتى يتحوّل عن شرّ قلبه. وفي الحال ضعف بصره ثم صار أعمى، وطلب أن يقودوه حتى لا يتخبّط في سيره.

رأى الوالي سرجيوس قوّة الله بواسطة بولس فاندهش، ولمس الرّب قلبه عن طريق هذه المعجزة فآمن بالمسيح.

إنّ الله لا يُسرُّ بموت الخاطئ، وهو يحب أنّ جميع الناس يتوبون عن خطاياهم. لكن إذا قسَّى الإنسان قلبه ولم يسمع كلمة الرب فإنه يجلب العقاب على نفسه، كما حدث مع عليم الساحر.

ويلاحظ قارئ سفر الأعمال أنّ اسم شاول قد تغيَّر في بافوس إلى «بولس». ولهذا سببان: أوّلهما أنّ العادة جرت أن يحمل اليهودي اسمين، أحدهما عبرانيّ والآخر يونانيّ، فكان اسم شاول اليونانيّ «بولس»، واسمه العبرانيّ «شاول». ولمّا كان الله قد اختار شاول رسولاً للأمم، صار اسمه «بولس» وهو الأكثر استخداماً.

أمّا السبب الثاني فهو أنّ اسم «بولس» أُطلق عليه تذكاراً لربح الوالي سرجيوس بولس للإيمان بالمسيح، وقد جرت العادة أن يُكرم القائد الروماني بأن يلقِّبوه باسم المعركة الأولى التي انتصر فيها.

فهل آمنت أنت بقوّة المسيح الفادي والمخلِّص؟

آية للحفظ

«فَالْوَالِي حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى مَا جَرَى آمَنَ مُنْدَهِشاً مِنْ تَعْلِيمِ الرَّبِّ» (أعمال 13: 12)

صلاة

ساعدني يا رب لأنير عيناً مظلمة لتبصر الحق، وأذناً صمّاء لتسمع الحق.

سؤال

2 - اذكر سبباً لتغيير اسم شاول إلى بولس.

بولس يذهب إلى أنطاكية

13 ثُمَّ أَقْلَعَ بُولُسُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَافُوسَ وَأَتَوْا إِلَى بَرْجَةَ بَمْفِيلِيَّةَ. وَأَمَّا يُوحَنَّا فَفَارَقَهُمْ وَرَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 14 وَأَمَّا هُمْ فَجَازُوا مِنْ بَرْجَةَ وَأَتَوْا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ بِيسِيدِيَّةَ وَدَخَلُوا الْمَجْمَعَ يَوْمَ السَّبْتِ وَجَلَسُوا. 15 وَبَعْدَ قِرَاءةِ النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُؤَسَاءُ الْمَجْمَعِ قَائِلِينَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ إِنْ كَانَتْ عِنْدَكُمْ كَلِمَةُ وَعْظٍ لِلشَّعْبِ فَقُولُوا». 16 فَقَامَ بُولُسُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ وَالَّذِينَ يَتَّقُونَ اللهَ اسْمَعُوا. 17 إِلَهُ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ هَذَا اخْتَارَ آبَاءَنَا وَرَفَعَ الشَّعْبَ فِي الْغُرْبَةِ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَبِذِرَاعٍ مُرْتَفِعَةٍ أَخْرَجَهُمْ مِنْهَا. 18 وَنَحْوَ مُدَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً احْتَمَلَ عَوَائِدَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ. 19 ثُمَّ أَهْلَكَ سَبْعَ أُمَمٍ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَقَسَمَ لَهُمْ أَرْضَهُمْ بِالْقُرْعَةِ. 20 وَبَعْدَ ذَلِكَ فِي نَحْوِ أَرْبَعِمِئَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً أَعْطَاهُمْ قُضَاةً حَتَّى صَمُوئِيلَ النَّبِيِّ. 21 وَمِنْ ثَمَّ طَلَبُوا مَلِكاً فَأَعْطَاهُمُ اللهُ شَاوُلَ بْنَ قَيْسٍ رَجُلاً مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. 22 ثُمَّ عَزَلَهُ وَأَقَامَ لَهُمْ دَاوُدَ مَلِكاً الَّذِي شَهِدَ لَهُ أَيْضاً إِذْ قَالَ: وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي. 23 مِنْ نَسْلِ هَذَا حَسَبَ الْوَعْدِ أَقَامَ اللهُ لإِسْرَائِيلَ مُخَلِّصاً يَسُوعَ. 24 إِذْ سَبَقَ يُوحَنَّا فَكَرَزَ قَبْلَ مَجِيئِهِ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ لِجَمِيعِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ. 25 وَلَمَّا صَارَ يُوحَنَّا يُكَمِّلُ سَعْيَهُ جَعَلَ يَقُولُ: «مَنْ تَظُنُّونَ أَنِّي أَنَا؟ لَسْتُ أَنَا إِيَّاهُ لَكِنْ هُوَذَا يَأْتِي بَعْدِي الَّذِي لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ أَحُلَّ حِذَاءَ قَدَمَيْهِ».

26 «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ بَنِي جِنْسِ إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ بَيْنَكُمْ يَتَّقُونَ اللهَ، إِلَيْكُمْ أُرْسِلَتْ كَلِمَةُ هَذَا الْخَلاَصِ. 27 لأَنَّ السَّاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَرُؤَسَاءهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا هَذَا. وَأَقْوَالُ الأَنْبِيَاءِ الَّتِي تُقْرَأُ كُلَّ سَبْتٍ تَمَّمُوهَا إِذْ حَكَمُوا عَلَيْهِ. 28 وَمَعْ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا عِلَّةً وَاحِدَةً لِلْمَوْتِ طَلَبُوا مِنْ بِيلاَطُسَ أَنْ يُقْتَلَ. 29 وَلَمَّا تَمَّمُوا كُلَّ مَا كُتِبَ عَنْهُ أَنْزَلُوهُ عَنِ الْخَشَبَةِ وَوَضَعُوهُ فِي قَبْرٍ. 30 وَلَكِنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. 31 وَظَهَرَ أَيَّاماً كَثِيرَةً لِلَّذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى أُورُشَلِيمَ الَّذِينَ هُمْ شُهُودُهُ عِنْدَ الشَّعْبِ. 32 وَنَحْنُ نُبَشِّرُكُمْ بِالْمَوْعِدِ الَّذِي صَارَ لآبَائِنَا 33 إِنَّ اللهَ قَدْ أَكْمَلَ هَذَا لَنَا نَحْنُ أَوْلاَدَهُمْ إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضاً فِي الْمَزْمُورِ الثَّانِي: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. 34 إِنَّهُ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ غَيْرَ عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضاً إِلَى فَسَادٍ فَهَكَذَا قَالَ: إِنِّي سَأُعْطِيكُمْ مَرَاحِمَ دَاوُدَ الصَّادِقَةَ. 35 وَلِذَلِكَ قَالَ أَيْضاً فِي مَزْمُورٍ آخَرَ: لَنْ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً. 36 لأَنَّ دَاوُدَ بَعْدَ مَا خَدَمَ جِيلَهُ بِمَشُورَةِ اللهِ رَقَدَ وَانْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ وَرَأَى فَسَاداً. 37 وَأَمَّا الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ فَلَمْ يَرَ فَسَاداً. 38 فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ أَنَّهُ بِهَذَا يُنَادَى لَكُمْ بِغُفْرَانِ الْخَطَايَا 39 وَبِهَذَا يَتَبَرَّرُ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَقْدِرُوا أَنْ تَتَبَرَّرُوا مِنْهُ بِنَامُوسِ مُوسَى. 40 فَانْظُرُوا لِئَلاَّ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ مَا قِيلَ فِي الأَنْبِيَاءِ: 41 اُنْظُرُوا أَيُّهَا الْمُتَهَاوِنُونَ وَتَعَجَّبُوا وَاهْلِكُوا لأَنَّنِي عَمَلاً أَعْمَلُ فِي أَيَّامِكُمْ عَمَلاً لاَ تُصَدِّقُونَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ أَحَدٌ بِهِ» (أعمال 13: 13-41).

ترك بولس وبرنابا ويوحنّا مرقس ومن معهم بافوس في جزيرة قبرس، وسافروا بالبحر إلى الشّرق إلى «برجة» بولاية بمفيليّة. وبمفيليّة ولاية صغيرة في آسيا الصغرى كان فيها هيكل الإلهة الوثنية أرطاميس (إلهة القمر - الإلهة الأم عند اليونانيين، واسمها عند الرومان ديانا). وكانت خدمة التّبشير في «برجة» أصعب مما توقَّع يوحنّا مرقس، مع أنَّ عدد الذين آمنوا بالمسيح فيها لم يكن قليلاً، ورأى خطورة الخدمة وصعوبتها، كما أنّه اشتاق إلى أهله في أورشليم، فترك بولس وبرنابا ورجع إلى أورشليم.

وبعد رجوع يوحنّا مرقس إلى أورشليم تابع الرسولان بولس وبرنابا سفرهما إلى مدينة «أنطاكية» بولاية بيسيديّة (وهي غير أنطاكية الواقعة في ولاية سلوكية، والتي بدأت منها الرحلة التبشيريّة الأولى). وتبعد أنطاكية بيسيديّة عن «برجة» مسافة طويلة، والطريق إليها طريق صعب، ومع هذا سافر الرسولان إليها.

كان في أنطاكية بيسديّة مجمع لليهود، فذهب الرسولان إليه وجلسا في مكان المعلّمين. وقد اعتاد اليهود في مجامعهم أن يقرأوا من الناموس الذي هو أسفار موسى، ثمّ من أسفار الأنبياء. ولمّا رأى رؤساء المجمع بولس وبرنابا في مكان المعلّمين وعرفوا أنهما ضيفان، طلبوا منهما أن يعظا الشعب، فقام بولس ليعظ. ومع أنّ برنابا كان واعظاً مشهوراً، إلا أنّه أعطى الكلمة لبولس عملاً بالمبدأ «مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فِي اٰلْكَرَامَةِ» (رومية 12: 10). وفي أنطاكية بيسيدية ألقى بولس أوّل عظة سجّلها له سفر الأعمال.

بدأ بولس عظته بتذكير اليهود بتاريخهم القديم من وقت اختيار الله لإبراهيم حتى وقت داود النبي، ثمّ قال إنّ الله أقام يسوع المسيح المخلّص من نسل داود، مولوداً من مريم العذراء، وشهد له يوحنّا المعمدان الذي كان نبيّاً في نظر اليهود، وهيّأ الطريق للإيمان به، واعترف أنّه ليس مستحقاً أن يحلَّ سيور حذائه كعبدٍ له. فكم يكون سموّ يسوع وعظمته!

ثمّ حدَّث بولس سامعيه في المجمع عن كلمة الخلاص التي أرسلها الله إليهم في المسيح، وكيف صُلب المسيح إتماماً لنبوّات العهد القديم، بحسب الوعد الذي أعطاه الله للآباء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فقد أرسل الله «كلمته» إلى العالم متجسّداً، تحقيقاً لنبوَّة داود في سفر المزامير، ونبوّة إشعياء في سفره، وأظهر أنّ تلك النبوّات تمَّت في يسوع الذي مات وقام وغفر خطايا كلّ من يتوب مؤمناً بكفّارته وصليبه، وأوضح أنّ الناموس عاجز عن تبرير الخاطئ، أمّا يسوع فقد حمل في صليبه خطايا العالم، فصار برُّه كافياً ليستر كلّ آثام من يؤمن بفدائه.

واستخدم الرّوح القدس ما تعلّمه بولس قديماً من الشّريعة اليهودية بطريقة فعّالة، ففسّر كلّ شيء بإخلاص حسب كلمة الإنجيل غير خائف من أحد، بل مؤمناً بقوّة كلمة الله.

آية للحفظ

«وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي» (أعمال 13: 22)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأجل داود النبيّ صاحب المزامير. أشكرك لأجل مزاميره ونبوّاته، كما أشكرك لأنّك تعلّمني من مثاله أن أكون حسب قلبك، أفعل كلّ مشيئتك.

سؤال

3 - لماذا رجع يوحنّا مرقس إلى أورشليم؟

اليهود يقاومون بولس

42 وَبَعْدَمَا خَرَجَ الْيَهُودُ مِنَ الْمَجْمَعِ جَعَلَ الأُمَمُ يَطْلُبُونَ إِلَيْهِمَا أَنْ يُكَلِّمَاهُمْ بِهَذَا الْكَلاَمِ فِي السَّبْتِ الْقَادِمِ. 43 وَلَمَّا انْفَضَّتِ الْجَمَاعَةُ تَبِعَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ وَالدُّخَلاَءِ الْمُتَعَبِّدِينَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا اللَّذَيْنِ كَانَا يُكَلِّمَانِهِمْ وَيُقْنِعَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي نِعْمَةِ اللهِ. 44 وَفِي السَّبْتِ التَّالِي اجْتَمَعَتْ كُلُّ الْمَدِينَةِ تَقْرِيباً لِتَسْمَعَ كَلِمَةَ اللهِ. 45 فَلَمَّا رَأَى الْيَهُودُ الْجُمُوعَ امْتَلأُوا غَيْرَةً وَجَعَلُوا يُقَاوِمُونَ مَا قَالَهُ بُولُسُ مُنَاقِضِينَ وَمُجَدِّفِينَ. 46 فَجَاهَرَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَقَالاَ: «كَانَ يَجِبُ أَنْ تُكَلَّمُوا أَنْتُمْ أَوَّلاً بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكِنْ إِذْ دَفَعْتُمُوهَا عَنْكُمْ وَحَكَمْتُمْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ هُوَذَا نَتَوَجَّهُ إِلَى الأُمَمِ. 47 لأَنْ هَكَذَا أَوْصَانَا الرَّبُّ: قَدْ أَقَمْتُكَ نُوراً للأُمَمِ لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاَصاً إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ». 48 فَلَمَّا سَمِعَ الأُمَمُ ذَلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ الرَّبِّ، وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ 49 وَانْتَشَرَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ فِي كُلِّ الْكُورَةِ. 50 وَلَكِنَّ الْيَهُودَ حَرَّكُوا النِّسَاءَ الْمُتَعَبِّدَاتِ الشَّرِيفَاتِ وَوُجُوهَ الْمَدِينَةِ وَأَثَارُوا اضْطِهَاداً عَلَى بُولُسَ وَبَرْنَابَا وَأَخْرَجُوهُمَا مِنْ تُخُومِهِمْ. 51 أَمَّا هُمَا فَنَفَضَا غُبَارَ أَرْجُلِهِمَا عَلَيْهِمْ وَأَتَيَا إِلَى إِيقُونِيَةَ. 52 وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مِنَ الْفَرَحِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ (أعمال 13: 42-52).

كان اليهود الذين اجتمعوا في المجمع يوم السبت يعرفون تاريخهم جيداً، ويعرفون أنّ الله اختارهم وأعطاهم الشريعة والنبوات، لكنّهم لم يسمعوا إنساناً قبل بولس الرسول يوضح لهم أنّ الشريعة والنبوّات تمَّت وتحقّقت في يسوع الناصري. وكان بولس يعلّم ذلك، وأراد أن يوصِّل هذا الحق لسامعيه. فإنّ قمّة هدفه وغاية وعظه أن يؤمنوا بالمسيح الربّ والمخلّص.

وسمع بعض الدّخلاء وعظ بولس، وهم الوثنيون الذين تهوَّدوا، ففرحوا لأنهم بدأوا يفهمون شيئاً عن المسيح، وفتح الربّ قلوبهم للكلمة، فطلبوا من بولس وبرنابا أن يحضُرا إلى المجمع في السبت القادم ليعظا بهذا الكلام المُشبع والمُفرح عن المسيح الفادي والمخلِّص. وانتشر خبر الرسوليْن في أنطاكية بيسدية، فلمّا جاء السبت التالي اجتمع عدد كبير جداً في المجمع للاستماع.

وفرح الرسولان عندما شاهدا عدداً كبيراً جاءوا ليسمعوا كلمة الخلاص. لكنّ الشيطان الذي لا يُسرّ بنجاح كلمة الله عمل في قلوب بعض اليهود وملأهم بالكبرياء والتّعصُّب الأعمى، فخافوا على مركزهم كمعلّمين ورؤساء لليهود، كما لم يوافقوا أن يتساوى اليهود مع الأمم في بركات مجيء المسيح. واشتعلت في قلوبهم نيران الحسد والتعصّب، فبدأوا يقاومون ما قاله بولس، مجدّفين ومعلّمين أنّ يسوع الناصري ليس هو المسيح المنتظر.

ولم يخف بولس ولا برنابا من هذا الهجوم، ولم يسكتا عن الوعظ، فأخبراهم أنّ المسيح لا يعطي الخلاص لليهود فقط، لكنّه أمر بتبشير اليهود أوّلاً حتى يؤمنوا ويكونوا وسيلة لتبشير الأمم. وإذ رفض اليهود قبول المسيح فإنّ النتيجة السّيئة تقع عليهم، لأنهم يكونون غير مستحقين للحياة الأبدية، وعلى الرّسوليْن أن يحملا رسالة الخلاص إلى الأمم. واستشهد بولس الرسول بآية من الكتاب المقدس ليؤيّد كلامه (إشعياء 49: 6) فقد أقام الله المسيح نوراً للأمم. وفرح بعض الأمميين عندما سمعوا كلمة الله التي تقول إنّ لهم نصيباً في المسيح، فقبلوا المسيح. وهكذا آمن بعض أهل أنطاكية الوثنيّون بالمسيح، وسبب ذلك أنّ الله الذي جهّز الخلاص جهّز أيضاً قلوب بعض أهل تلك المدينة لقبوله بتأثير الروح القدس. واستمرَّ الذين آمنوا في استعمال وسائط الخلاص لأنهم كانوا معيَّنين للحياة الأبدية.

أمّا الذين لم ينالوا الخلاص لأنهم رفضوا الرسالة التي سمعوها فقد حكموا على أنفسهم أنهم غير مستحقين للحياة الأبدية. لأنّ: «اٰللّٰهِ يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ اٰلنَّاسِ يَخْلُصُونَ وَإِلَى مَعْرِفَةِ اٰلْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (1تيموثاوس 2: 4). وانتشرت بشارة الخلاص في أنطاكية وبعض المدن المجاورة لها بالرغم من مقاومة شيوخ مجمع اليهود لكلمة الله، وبالرغم من تحريفهم كلام الرسوليْن. وطلب شيوخ اليهود من الرجال والنساء الذين تركوا الوثنيّة وصاروا يهوداً أن يثيروا الفتن والشّغب ضد بولس وبرنابا. ولا نستبعد أن يكون اليهود قد دفعوا رشوة لهم حتى يطردوا الرّسوليْن.

ونتيجةً لهذه المؤامرة وقع اضطهاد عظيم على بولس وبرنابا، فنفضا غبار أرجلهما، لأنّ الذنب يقع على أولئك القُساة الذين رفضوا الإيمان بالمسيح، (وهذا موافق لأمر المسيح في متّى 10: 14). وترك بولس وبرنابا أنطاكية بيسيديّة وذهبا إلى إيقونيّة، وهي مدينة في آسيا الصغرى، اسمها الآن «قونية».

وأمّا الذين آمنوا بالمسيح من اليهود ومن الأمم فقد امتلأوا فرحاً لأنّ الروح القدس كان في قلوبهم، وكان يعمل لإرشادهم.

هل شعرت بتأثير قوّة الرّوح القدس في قلبك؟ اطلب من الله أن يمنحك بركة عطية الروح القدس.

آية للحفظ

«قَدْ أَقَمْتُكَ نُوراً للأُمَمِ لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاَصاً إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ» (أعمال 13: 47)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأنّ المسيح نور العالم قد أنار قلبي بمعرفة أخبار الخلاص المفرحة. ساعدني لأكون نوراً للعالم، أشارك الآخرين في ما متّعتني به.

سؤال

4 - لماذا بشّر برنابا وبولس اليهود أوّلاً؟

بولس وبرنابا يشهدان في إيقونية

1 وَحَدَثَ فِي إِيقُونِيَةَ أَنَّهُمَا دَخَلاَ مَعاً إِلَى مَجْمَعِ الْيَهُودِ وَتَكَلَّمَا حَتَّى آمَنَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ. 2 وَلَكِنَّ الْيَهُودَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ غَرُّوا وَأَفْسَدُوا نُفُوسَ الأُمَمِ عَلَى الإِخْوَةِ. 3 فَأَقَامَا زَمَاناً طَوِيلاً يُجَاهِرَانِ بِالرَّبِّ الَّذِي كَانَ يَشْهَدُ لِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ وَيُعْطِي أَنْ تُجْرَى آيَاتٌ وَعَجَائِبُ عَلَى أَيْدِيهِمَا. 4 فَانْشَقَّ جُمْهُورُ الْمَدِينَةِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ مَعَ الْيَهُودِ وَبَعْضُهُمْ مَعَ الرَّسُولَيْنِ. 5 فَلَمَّا حَصَلَ مِنَ الأُمَمِ وَالْيَهُودِ مَعَ رُؤَسَائِهِمْ هُجُومٌ لِيَبْغُوا عَلَيْهِمَا وَيَرْجُمُوهُمَا 6 شَعَرَا بِهِ فَهَرَبَا إِلَى مَدِينَتَيْ لِيكَأُونِيَّةَ: لِسْتِرَةَ وَدَرْبَةَ، وَإِلَى الْكُورَةِ الْمُحِيطَةِ. 7 وَكَانَا هُنَاكَ يُبَشِّرَانِ (أعمال 14: 1-7).

عمل شيوخ اليهود على طرد بولس وبرنابا من أنطاكية بيسيدية، فذهب الرسولان إلى إيقونية ودخلا مجمع اليهود حسب عادتهما لتبشير اليهود والمتعبّدين من الأمم. غير أنّ كبرياء اليهود وتعصّبهم ظهرا في مقاومة تبشير الرسوليْن. ومع هذا فقد أقام بولس وبرنابا زمناً كافياً لتوصيل رسالة المسيح لأهل إيقونية. وكان الربّ يعمل بقوّة الروح القدس لنشر الرسالة بالآيات والمعجزات الكثيرة التي حدثت على أيدي الرسوليْن. ورأى بعض الذين سمعوا الرسالة بأنّ ديانة المسيح هي ديانة السَّلام، ولكنّ اليهود قاوموا رسالة المسيح، فانقسم سكان المدينة، وتبع قسم منهم رسالة بولس وبرنابا، بينما تبع قسم آخر تعصّب اليهود وجهلهم.

وهيَّج اليهود أتباعهم ليرجموا الرسوليْن لأنهما قالا إنّ المسيح هو ابن الله. وشعر بولس وبرنابا بقصد اليهود وشرِّهم فهربا إلى ولاية ليكأونية، وكانا يبشّران بالمسيح وبخلاصه في مدينتي لسترة ودربة، وكان الربّ معهما وأعطى نجاحاً لكلمته.

لم يترك بولس وبرنابا التبشير باسم المسيح رغم تكرار اضطهاد اليهود لهما، فإنّ كلمة الله يجب أن تصل إلى الجميع مهما كانت الظروف.

آية للحفظ

«الرَّبُّ الَّذِي كَانَ يَشْهَدُ لِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ وَيُعْطِي أَنْ تُجْرَى آيَاتٌ وَعَجَائِبُ عَلَى أَيْدِيهِمَا» (أعمال 14: 3)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأجل معجزات كثيرة أجريتها في حياتي، من استجابة صلاة، وغفران خطايا، ونجاة من مآزق. ثبِّت إيماني وقوِّني في خدمتك.

سؤال

5 - كيف عمل الربّ بقوّة الروح القدس لينشر الإنجيل في إيقونية؟

شفاء المُقعَد في لسترة

8 وَكَانَ يَجْلِسُ فِي لِسْتِرَةَ رَجُلٌ عَاجِزُ الرِّجْلَيْنِ مُقْعَدٌ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَلَمْ يَمْشِ قَطُّ. 9 هَذَا كَانَ يَسْمَعُ بُولُسَ يَتَكَلَّمُ فَشَخَصَ إِلَيْهِ، وَإِذْ رَأَى أَنَّ لَهُ إِيمَاناً لِيُشْفَى 10 قَالَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «قُمْ عَلَى رِجْلَيْكَ مُنْتَصِباً». فَوَثَبَ وَصَارَ يَمْشِي. 11 فَالْجُمُوعُ لَمَّا رَأَوْا مَا فَعَلَ بُولُسُ رَفَعُوا صَوْتَهُمْ بِلُغَةِ لِيكَأُونِيَّةَ قَائِلِينَ: «إِنَّ الآلِهَةَ تَشَبَّهُوا بِالنَّاسِ وَنَزَلُوا إِلَيْنَا». 12 فَكَانُوا يَدْعُونَ بَرْنَابَا «زَفْسَ» وَبُولُسَ «هَرْمَسَ» إِذْ كَانَ هُوَ الْمُتَقَدِّمَ فِي الْكَلاَمِ. 13 فَأَتَى كَاهِنُ زَفْسَ الَّذِي كَانَ قُدَّامَ الْمَدِينَةِ بِثِيرَانٍ وَأَكَالِيلَ عِنْدَ الأَبْوَابِ مَعَ الْجُمُوعِ وَكَانَ يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَ. 14 فَلَمَّا سَمِعَ الرَّسُولاَنِ بَرْنَابَا وَبُولُسُ مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا وَانْدَفَعَا إِلَى الْجَمْعِ صَارِخَيْنِ: 15 «أَيُّهَا الرِّجَالُ لِمَاذَا تَفْعَلُونَ هَذَا؟ نَحْنُ أَيْضاً بَشَرٌ تَحْتَ آلاَمٍ مِثْلُكُمْ، نُبَشِّرُكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا مِنْ هَذِهِ الأَبَاطِيلِ إِلَى الإِلَهِ الْحَيِّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا، 16 الَّذِي فِي الأَجْيَالِ الْمَاضِيَةِ تَرَكَ جَمِيعَ الأُمَمِ يَسْلُكُونَ فِي طُرُقِهِمْ - 17 مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ نَفْسَهُ بِلاَ شَاهِدٍ - وَهُوَ يَفْعَلُ خَيْراً يُعْطِينَا مِنَ السَّمَاءِ أَمْطَاراً وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً وَيَمْلأُ قُلُوبَنَا طَعَاماً وَسُرُوراً». 18 وَبِقَوْلِهِمَا هَذَا كَفَّا الْجُمُوعَ بِالْجَهْدِ عَنْ أَنْ يَذْبَحُوا لَهُمَا (أعمال 14: 8-18).

ذهب بولس وبرنابا إلى لسترة هروباً من اضطهاد اليهود لهما في إيقونية، وكان الرب قد جهّز طريقة تدفع أهل لسترة إلى الإيمان. فقد كان فيها رجل مُقعد، عاجز الرّجلين، يجلس في مكان معروف يطلب إحساناً من الناس، ولم يكن له أمل في الشفاء. وسمع هذا المُقعد بولس الرسول يتكلّم عن ديانة المسيح، وتأثّر من الكلام عن معجزات المسيح ووثق أنّه يقدر أن يشفيه. ولاحظ بولس ذلك على وجه المُقعَد، فامتلأ حماساً وصرخ بصوت عظيم قائلاً: «قُم على رجليك منتصباً». ففي الحال قام المُقعد وقفز فرحاً وأخذ يمشي. واندهش الحاضرون الذين كانوا يسمعون بولس وهم يرون المُقعَد يمشي، فنطقوا بلغتهم الأصلية (وهي لغة ولاية ليكأونية) وظنّوا أنّ آلهتهم الوثنية أخذت هيئة إنسان وحلّت في بولس وبرنابا. ولم يكن هذا غريباً على أهل لسترة لأنّ كتبهم الوثنية علّمتهم أنّ الإلهين «زفس وهرمس» ظهرا بهيئة رجُلين، وأنّ أهل تلك المدينة رفضوا ضيافتهما. ولكنّ فقيرَيْن قبِلاهما في كوخهما في الصحراء، فسخط الإلهان على أهل تلك المدينة، وأغرقهم زفس بالطوفان وكافأ الفقيرَيْن بأن حوَّل كوخهما إلى هيكل عظيم لعبادته، وجعلهما كاهنيْن فيه.

وظنَّ أهل لسترة أنَّ الإله زفس قد زارهم مرة أخرى كما زار الفقيرَيْن في كوخهما من قبل. وقال أهل لسترة إنَّ برنابا هو زفس، وهو المعروف عند الرومان باسم «جوبيتر» وهو ملك الآلهة، وأبو الآلهة والناس. كما قالوا عن بولس إنه «هرمس» وهو الكوكب «عطارد» وقد ظنّه الوثنيون خادم «زفس» ورسوله الذي يرسله ليزور البشر، واعتبروه إله الفصاحة وصاحب القدرة في الكلام. ولمّا كان بولس هو المتقدّم في الكلام، لذلك قالوا إنه «هرمس» واحد من كبار آلهة اليونانيين. وكان غاية الفصاحة والحذق في التجارة والمعاملات.

وعندما سمع كاهن «زفس» عن عمل بولس وبرنابا أحضر ذبائح من الثيران ليقدّمها ذبيحة لزفس. وسمع بولس وبرنابا هتافات الناس للوثن، وشاهدوا الكهنة والثيران، وعرفا قصد الناس في تكريم الوثن، فمزَّق بولس وبرنابا ثيابهما علامة الحزن على جهل الناس، واندفعا يطلبان منهم أن يمتنعوا عن تقديم الذبائح، وقالا إنهما ليسا إلهيْن بل هما بشر مثلهم، وأنهما عُرضة للآلام والجوع والعطش والمرض والموت، وطلبا منهم رفض الأوثان الباطلة والرجوع إلى الإله الحيّ الواحد الذي خلق كل شيء، لأنّه الإله الحيّ الذي لم يترك نفسه بلا شاهد، فأظهر لجميع الناس صلاحه بفعل الخير معهم، إذ يعطي جميع الناس الأمطار لإرواء الزرع، ويُخرج لهم نباتاً من الأرض ويعطيهم طعاماً، ويفرّح قلوبهم بعنايته بجميع الناس.

سمع الناس كلام بولس وبرنابا، وامتنعوا عن تقديم الذبائح للوثن، وإن كان البعض لم يقتنع بكلامهما.

آية للحفظ

«وَهُوَ يَفْعَلُ خَيْراً يُعْطِينَا مِنَ السَّمَاءِ أَمْطَاراً وَأَزْمِنَةً مُثْمِرَةً وَيَمْلأُ قُلُوبَنَا طَعَاماً وَسُرُوراً» (أعمال 14: 17)

صلاة

أنت الإله السّخي في العطاء والكريم في التوزيع، فأشكرك على محبّتك وعطاياك. ساعدني لأعطي كما أعطيتني.

سؤال

6 - ما هي الطريقة التي جهَّزها الرب ليدفع أهل لسترة إلى الإيمان؟

رجم بولس في لسترة

19 ثُمَّ أَتَى يَهُودٌ مِنْ أَنْطَاكِيَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَقْنَعُوا الْجُمُوعَ فَرَجَمُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ ظَانِّينَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ. 20 وَلَكِنْ إِذْ أَحَاطَ بِهِ التَّلاَمِيذُ قَامَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ وَفِي الْغَدِ خَرَجَ مَعَ بَرْنَابَا إِلَى دَرْبَةَ. 21 فَبَشَّرَا فِي تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَتَلْمَذَا كَثِيرِينَ، ثُمَّ رَجَعَا إِلَى لِسْتِرَةَ وَإِيقُونِيَةَ وَأَنْطَاكِيَةَ 22 يُشَدِّدَانِ أَنْفُسَ التَّلاَمِيذِ وَيَعِظَانِهِمْ أَنْ يَثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ وَأَنَّهُ بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ. 23 وَانْتَخَبَا لَهُمْ قُسُوساً فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ، ثُمَّ صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ وَاسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ الَّذِي كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ (أعمال 14: 19-23).

كان بولس وبرنابا في أنطاكية وإيقونية قبل مجيئهما إلى لسترة، وقد هاج اليهود ضدّهما وطردوهما، كما تبعهما بعض اليهود لشدّة غيظهم وحسدهم حتى يُفسدوا أفكار الناس ويهيجوهم عليهما.

ولمّا شاهد اليهود شفاء الرجل المُقعَد ورغبة الوثنيين في تكريم أوثانهم، ومنع بولس وبرنابا لهم، ثار حقدهم وقالوا لأهل لسترة إنّ بولس وبرنابا يحتقران آلهتكم ويقولان إنها أباطيل. ومع أنّ اليهود لا يؤمنون بالوثن، إلا أنهم اختاروا الطرق الدنيئة لتعطيل رسالة المسيح. وهاج الوثنيون في لسترة وغضبوا عندما سمعوا هذا الكلام، فرجموا بولس لأنّه كان المتقدِّم في الكلام. ولمّا ظنّوا أنه مات، سحبوه إلى خارج المدينة حتى يطرحوه للوحوش لتلتهم جثّته. ولكنّ الحقيقة أنّه لم يكن قد مات.

وأحاط بعض المسيحيين ببولس بعد رجمه وإلقائه خارج المدينة لينوحوا عليه إن كان قد مات، وليكرموه إن كان لا يزال حيّاً. ولم يترك الله بولس، بل حفظه بعنايته وقوّاه فاستطاع أن يمشي ويسافر أيضاً، فذهب مع برنابا إلى دربة. ولم تقابلهما صعوبات هناك، لأنّ الأعداء ظنّوا أنّ بولس قد مات، فأقاما فترة في دربة وبشّرا باسم المسيح وتلمذا كثيرين ممَّن آمنوا هناك.

كان بولس وبرنابا في لسترة وإيقونية وأنطاكية من قبل، وأسّسا فيها كنائس، فأرادا أن يزوراها مرة أخرى حتى يسقيا ما زرعاه من كلمة الله في القلوب، ويبنيا بعد أن وضعا الأساس، فقد كان المسيحيون في حاجة شديدة لمعرفة العقائد والواجبات المسيحية، فنصحهم الرسولان وعلّماهم أن لا يفشلوا بسبب الاضطهاد والضيق، فإنّ الذي يرى أنّ حمل الصليب ثقيلاً وهو على الأرض لا يتمكّن من لبس إكليل الحياة في السماء، وإن كانت الصعوبات تحيط بحياة المؤمن على الأرض فإنّ حياته في السماء ستكون حياة الثواب والراحة.

رأى بولس وبرنابا ضرورة تنظيم الكنائس في لِسترة وإيقونية وأنطاكية، لأنّ الروح القدس أرشدهما إلى ذلك لتثبيت المؤمنين وتقدّمهم في حياة الإيمان، فانتخبا لهم قسوساً. والقس هو الشيخ المعلّم، ويُسمّى أيضاً الأسقف، والراعي، والسّفير، والكارز، والخادم، ووكيل سرائر الله.

وانتظمت الكنائس المسيحية الأولى باختيار رُعاة أو قُسوس لها لإجراء المعموديّة، وكسر الخبز في العشاء الربّاني، والتّعليم، والتعزية، وسياسة الكنيسة، ودفن الموتى. وكان الرسولان يصومان ويصلّيان وهما يرسمان القسوس.

آية للحفظ

«بِضِيقَاتٍ كَثِيرَةٍ يَنْبَغِي أَنْ نَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ» (أعمال 14: 22)

صلاة

علِّمني يا أبي السّماوي أن لا أفشل بسبب الاضطهاد والضيق، فإنّ الذي يرى أنّ حمل الصليب ثقيلاً وهو على الأرض لا يتمكّن من لِبس إكليل الحياة في السّماء.

سؤال

7 - لماذا أحاط بعض المؤمنين ببولس بعد رجمه وإلقائه خارج لسترة؟

بولس وبرنابا يرجعان إلى أنطاكية

24 وَلَمَّا اجْتَازَا فِي بِيسِيدِيَّةَ أَتَيَا إِلَى بَمْفِيلِيَّةَ 25 وَتَكَلَّمَا بِالْكَلِمَةِ فِي بَرْجَةَ ثُمَّ نَزَلاَ إِلَى أَتَّالِيَةَ 26 وَمِنْ هُنَاكَ سَافَرَا فِي الْبَحْرِ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ حَيْثُ كَانَا قَدْ أُسْلِمَا إِلَى نِعْمَةِ اللهِ لِلْعَمَلِ الَّذِي أَكْمَلاَهُ. 27 وَلَمَّا حَضَرَا وَجَمَعَا الْكَنِيسَةَ أَخْبَرَا بِكُلِّ مَا صَنَعَ اللهُ مَعَهُمَا، وَأَنَّهُ فَتَحَ لِلأُمَمِ بَابَ الإِيمَانِ. 28 وَأَقَامَا هُنَاكَ زَمَاناً لَيْسَ بِقَلِيلٍ مَعَ التَّلاَمِيذِ (أعمال 14: 24-28).

استودع بولس وبرنابا الكنائس للربّ ليحفظها ويقوّيها، ثم ذهبا إلى بيسيديّة وبرجة وأتّالية، ومن هناك أخذا سفينة وأبحرا إلى أنطاكية (في ولاية سلوكية) من حيث بدأت الرحلة، وحيث دعاهما الروح القدس وأفرزتهما الكنيسة. وأخبر الرسولان قادة وأعضاء كنيسة أنطاكية بقوّة الله التي جرت بواسطتهما، وكيف فتح الله باب الإيمان أمام الأمم لينالوا الخلاص بالمسيح. وأقاما في أنطاكية نحو سنتين لتشجيع المؤمنين والاستعداد للعمل القادم بين الأمم.

إنَّ الخدمة المقدسة تحتاج إلى الاستعداد الرّوحي والعيشة بين المؤمنين لنوال القوّة الرّوحية. فهل تصلّي طالباً من الله انتشار ونجاح عمل الكنيسة؟

الفصل التاسع: اقتناع الكنيسة الجامعة الرسولية بتبشير الأمم (أعمال 15: 1 - 25)

كان المسيح مع كنيسته، وعمل بفاعليّة الرّوح القدس في قلوب الذين سمعوا كلمة الخلاص، فآمن عدد كبير من اليهود، كما فتح الرب باب الإيمان أمام الأمم. وكان بطرس قد سبق وأخبر قادة الكنيسة وأعضاءها كيف أرشده الربّ ليبشّر الأمم وكيف حلَّ الروح القدس في قيصرية على كرنيليوس وأهل بيته وأصدقائه، الأمر الذي يبرهن ضرورة قبول المؤمنين من الأمم في الكنيسة المسيحية من غير أن يخضعوا لطقوس شريعة موسى.

بولس وبرنابا في أورشليم

1 وَانْحَدَرَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَجَعَلُوا يُعَلِّمُونَ الإِخْوَةَ أَنَّهُ «إِنْ لَمْ تَخْتَتِنُوا حَسَبَ عَادَةِ مُوسَى لاَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَخْلُصُوا». 2 فَلَمَّا حَصَلَ لِبُولُسَ وَبَرْنَابَا مُنَازَعَةٌ وَمُبَاحَثَةٌ لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ مَعَهُمْ رَتَّبُوا أَنْ يَصْعَدَ بُولُسُ وَبَرْنَابَا وَأُنَاسٌ آخَرُونَ مِنْهُمْ إِلَى الرُّسُلِ وَالْمَشَايِخِ إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. 3 فَهَؤُلاَءِ بَعْدَ مَا شَيَّعَتْهُمُ الْكَنِيسَةُ اجْتَازُوا فِي فِينِيقِيَةَ وَالسَّامِرَةِ يُخْبِرُونَهُمْ بِرُجُوعِ الأُمَمِ، وَكَانُوا يُسَبِّبُونَ سُرُوراً عَظِيماً لِجَمِيعِ الإِخْوَةِ. 4 وَلَمَّا حَضَرُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبِلَتْهُمُ الْكَنِيسَةُ وَالرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِكُلِّ مَا صَنَعَ اللهُ مَعَهُمْ. 5 وَلَكِنْ قَامَ أُنَاسٌ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا مِنْ مَذْهَبِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَقَالُوا: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَنُوا وَيُوصَوْا بِأَنْ يَحْفَظُوا نَامُوسَ مُوسَى» (أعمال 15: 1-5).

سبق أن أوضح بطرس للكنيسة إمكانية قبول المؤمنين من الأمم من غير أن يتقيَّدوا أو يخضعوا لطقوس شريعة موسى. غير أنّ بعض اليهود غاروا على شريعتهم، وسافروا إلى أنطاكية ليعلِّموا الإخوة هناك أنّه يجب على المؤمنين من الأمم أن يحفظوا أيضاً طقوس شريعة موسى، وقالوا إنّ الله لا يقبلهم إلاّ إذا اختتنوا كعلامة على دخولهم في العهد مع الله، وحفظوا باقي مطالب وصايا ناموس موسى. كما قالوا إنهم جاءوا نيابة عن كنيسة أورشليم لأنها أمّ الكنائس التي تعتني بسلامة باقي الكنائس في العقائد والأعمال.

ولم يوافق بولس ولا برنابا على هذا التعليم الخاطئ، فحدثت مناقشات كثيرة بين هؤلاء الإخوة وبين بولس وبرنابا، لأنهما اعتقدا غير اعتقادهم، وحكما بأنّ تعليمهم يضرّ الكنيسة ويمنع تقدّمها، كما أنّه ضدّ روح الإنجيل.

ونتيجةً لتلك المباحثات انقسم الإخوة إلى فريقين: فريق يرى ضرورة المحافظة على الشريعة اليهودية، وفريق آخر اقتنع بكلام بولس وبرنابا. ولم تستطع كنيسة أنطاكية أن تصدر حكماً جازماً يقنع الجميع، كما أنها رأت أنّ إطالة المباحثات ضارّة، فقرّر الفريقان أن يذهب بولس وبرنابا إلى أورشليم لدراسة الأمر مع الرسل والمشايخ (الذين هم القسوس) في أورشليم ليضعوا حداً للجدال، لأنّ كنيسة أورشليم أمّ الكنائس المسيحية، ومنها انتشرت المسيحية، كما أنّ الرسل في أورشليم كانوا أصحاب الخبرة، لأنهم شاهدوا المسيح نفسه وتعلّموا منه مباشرة.

ووافق بولس وبرنابا على الذهاب إلى أورشليم لأداء هذه المهمّة. وأظهرت كنيسة أنطاكية لهما كل إكرام، فكلّفت بعض أعضائها ليصحبوهما بالنيابة عنها، وودَّعتهم بكل إكرام.

وفي طريقهم إلى أورشليم مرّوا بكنائس فينيقية والسّامرة، وأخبروا الإخوة كيف رجع كثيرون من الأمم عن عبادة الأوثان وعبدوا الله الحيّ الحقيقيّ، ففرح الجميع بذلك.

وعندما وصل بولس وبرنابا والإخوة إلى أورشليم استقبلتهم الكنيسة بسرور، وسمع الرّسل ومؤمنو أورشليم بفرح عن قبول المؤمنين من الأمم ومعموديتهم بدون إجبارهم على حفظ ناموس موسى. وكان بعض الحاضرين من مذهب الفريسيين الذين يتمسّكون بطقوس وتقاليد الشريعة الموسوية، قد قبلوا المسيح وبعضهم بقي متمسّكاً بتلك الطقوس بعد قبولهم الإيمان المسيحي. هؤلاء قالوا إنّه يجب أن يختتن الأمم ويحافظوا على شريعة موسى بالإضافة إلى إيمانهم بالمسيح.

وقرّر الرّسل أن يعقدوا مجمعاً كنسيّاً لدرس هذا الموضوع، ولم يحاولوا أن يحكموا في هذا الأمر وحدهم، فدعوا قسوس سائر الكنائس للنظر فيه لراحة الكنيسة كلّها حاضراً ومستقبلاً. وكان هذا أوّل مجمع في تاريخ الكنيسة المسيحية، جمع أكثر رؤساء الكنائس في أورشليم وما حولها في ذلك الوقت.

آية للحفظ

«وَلَمَّا حَضَرُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبِلَتْهُمُ الْكَنِيسَةُ وَالرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِكُلِّ مَا صَنَعَ اللهُ مَعَهُمْ» (أعمال 15: 4)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأنّ بابك مفتوح لكلّ صارخ إليك تائباً وراجعاً عن خطاياه، فكلّ من يأتي إليك لا تُخرجه خارجاً.

سؤال

8 - لماذا قرَّر مؤمنو أنطاكية أن يرفعوا خلافاتهم العقائدية إلى كنيسة أورشليم؟

شهادة بطرس

6 فَاجْتَمَعَ الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ لِيَنْظُرُوا فِي هَذَا الأَمْرِ. 7 فَبَعْدَ مَا حَصَلَتْ مُبَاحَثَةٌ كَثِيرَةٌ قَامَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنْذُ أَيَّامٍ قَدِيمَةٍ اخْتَارَ اللهُ بَيْنَنَا أَنَّهُ بِفَمِي يَسْمَعُ الأُمَمُ كَلِمَةَ الإِنْجِيلِ وَيُؤْمِنُونَ. 8 وَاللهُ الْعَارِفُ الْقُلُوبَ شَهِدَ لَهُمْ مُعْطِياً لَهُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ كَمَا لَنَا أَيْضاً. 9 وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ بِشَيْءٍ إِذْ طَهَّرَ بِالإِيمَانِ قُلُوبَهُمْ. 10 فَالآنَ لِمَاذَا تُجَرِّبُونَ اللهَ بِوَضْعِ نِيرٍ عَلَى عُنُقِ التَّلاَمِيذِ لَمْ يَسْتَطِعْ آبَاؤُنَا وَلاَ نَحْنُ أَنْ نَحْمِلَهُ؟ 11 لَكِنْ بِنِعْمَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنْ نَخْلُصَ كَمَا أُولَئِكَ أَيْضاً». 12 فَسَكَتَ الْجُمْهُورُ كُلُّهُ. وَكَانُوا يَسْمَعُونَ بَرْنَابَا وَبُولُسَ يُحَدِّثَانِ بِجَمِيعِ مَا صَنَعَ اللهُ مِنَ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبِ فِي الأُمَمِ بِوَاسِطَتِهِمْ (أعمال 15: 6-12).

ترجع أهميّة هذا المجمع إلى أنّ فيه تقرّر مستقبل الكنيسة المسيحية: هل تكون فرعاً من الكنيسة الناموسية الموسوية، محصورة في دائرتها الصغيرة؟ أم تكون كنيسة جامعة رسولية تفتح أبوابها لكلّ أمم الأرض.

حدثت مناقشات كثيرة بين المتمسّكين بالناموس اليهودي القديم الذين أرادوا وضع نير الشريعة اليهوديّة على أعناق المؤمنين من الأمم، وبين أصحاب المعتقد الجديد الذين رغبوا في الحريّة التي أعطاها المسيح للكنيسة. وكان موضوع البحث: علاقة الناموس بالإنجيل.

كان بطرس بين الحاضرين، وكان يذكر جيداً ما جرى معه منذ نحو عشرين سنة، والرؤيا التي رآها في يافا، واختباره في قيصرية عندما سكب الله روحه القدوس على كرنيليوس وأهل بيته وأصدقائه. وكان يذكر أنّه دافع عن ذلك أمام كنيسة أورشليم عندما اختلف معه أهل الختان من اليهود. ولا شكّ أنّ كلام بطرس كان له تأثير قويّ في المجمع. ودافع بطرس عن فكر بولس وبرنابا، لأنّه هو الذي دخل بيت كرنيليوس وعمَّدهم دون أن يطالبهم بالختان أو ممارسة الطقوس الموسوية، ووضّح بطرس أنّه لم يقبل كرنيليوس وأصدقاءه من نفسه، لكنّ الله هو الذي ظهر له وأمره بما فعل، لأنّ الله يعرف القلوب ولا يمكن أن يخفى عليه المؤمن الحقيقي، سواء شهد له الناس أو لم يشهدوا.

أعلن بطرس للجميع أنّ الله لم يميّز بين اليهود أهل الختان المؤمنين بالمسيح وبين الوثنيين أهل الغرلة الذين آمنوا بالمسيح، رغم أنّ اليهود اعتبروا الأمم نجسين لأنهم غير مختونين واعتقدوا أنهم يتطهّرون بالختان. وقال بطرس إنّ الله يطهّر الجميع بالإيمان، الذي هو ختان القلب الحقيقي. وقد برهن الله على ذلك إذ سكب روحه القدوس على المؤمنين من الأمم كما سكبه على اليهود الذين آمنوا بالمسيح.

وكأنّ بطرس يقول: إن كان الأمر كذلك، فلماذا نجرّب الله بطلب براهين أخرى، خصوصاً وأنّه أعلن أنّ الإيمان هو الشرط الوحيد لدخول الكنيسة؟ ولماذا نطلب من الأمم أن يحفظوا الطقوس اليهودية وممارستها، مع أنّ اليهود أنفسهم يشعرون بثقل الذي يطلبونه من الأمم؟ ثم قال فإنّنا نخلص بالنعمة وليس بأعمال الناموس.

إنّ تعليم الخلاص بالنعمة هو محور تعليم الإنجيل، وهذا الخلاص عطيّة مجانية لكلّ من يقبله. ويمكننا تلخيص شهادة بطرس في النقاط التالية:

  1. أصدر الله حكمه في مسألة قبول المؤمنين من الأمم دون التزامهم بمطالب الناموس. وكلّ من يطلب دليلاً آخر يجرّب الله.

  2. الشريعة الموسوية حمل ثقيل ونير، وليس فيها شيء من راحة الضمير ولا من خلاص نفس الخاطئ.

  3. نعمة المسيح وحدها هي الكافية للخلاص لكلّ من يؤمن، من اليهود أو من الأمم.

ولمّا سمع المجمع كلام بطرس وشهادته سكت الجميع، وأعطوا مجالاً لبولس وبرنابا أن يتكلّما عن الآيات والعجائب التي عملها الله بواسطتهما، دليلاً على أنّ الله أرسلهما لتبشير الأمم وتنظيم كنائسهم بعد إيمانهم، دون التزامهم بشريعة موسى. وهذه هي آخر مرة يُذكر فيها شيء عن بطرس في سفر الأعمال.

آية للحفظ

«بِنِعْمَةِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ نُؤْمِنُ أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال 15: 11)

صلاة

أشكرك يا الله لأنّ خلاصك لي هو بالنّعمة، وليس بأعمالي، إذ أكمل المسيح الخلاص على الصليب. ولا يوجد في خلاص نفسي ما يبرّر أن افتخر به إلا بالرب يسوع المسيح.

سؤال

9 - لماذا طلب بطرس إعفاء الراجعين للمسيح من خلفيّة وثنيّة من الاختتان؟

شهادة يعقوب

13 وَبَعْدَمَا سَكَتَا قَالَ يَعْقُوبُ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، اسْمَعُونِي: 14 سِمْعَانُ قَدْ أَخْبَرَ كَيْفَ افْتَقَدَ اللهُ أَوَّلاً الأُمَمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَعْباً عَلَى اسْمِهِ. 15 وَهَذَا تُوافِقُهُ أَقْوَالُ الأَنْبِيَاءِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: 16 سَأَرْجِعُ بَعْدَ هَذَا وَأَبْنِي أَيْضاً خَيْمَةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ، وَأَبْنِي أَيْضاً رَدْمَهَا وَأُقِيمُهَا ثَانِيَةً 17 لِكَيْ يَطْلُبَ الْبَاقُونَ مِنَ النَّاسِ الرَّبَّ وَجَمِيعُ الأُمَمِ الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ الصَّانِعُ هَذَا كُلَّهُ. 18 مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ. 19 لِذَلِكَ أَنَا أَرَى أَنْ لاَ يُثَقَّلَ عَلَى الرَّاجِعِينَ إِلَى اللهِ مِنَ الأُمَمِ 20 بَلْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ الأَصْنَامِ وَالزِّنَا وَالْمَخْنُوقِ وَالدَّمِ. 21 لأَنَّ مُوسَى مُنْذُ أَجْيَالٍ قَدِيمَةٍ لَهُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مَنْ يَكْرِزُ بِهِ إِذْ يُقْرَأُ فِي الْمَجَامِعِ كُلَّ سَبْتٍ» (أعمال 15: 13-21).

لاقى كلام بطرس استحساناً من الجميع، وأعطى الرُّسل المجال لبولس وبرنابا للكلام. وبعد ذلك ابتدأ يعقوب في الكلام موافقاً مع ما قاله الذين سبقوه.

ويعقوب هذا هو أخو الرب (اقرأ غلاطية 1: 19 و2: 9) وهو كاتب رسالة يعقوب. ويعتقد البعض أنّه كان رئيس المجمع. والأغلب أنّه أقام بأورشليم أكثر من باقي الرُّسل واعتنى بالكنيسة فيها. وأيَّد يعقوب ما قاله بطرس، واستشهد بكلمة الله بفم الأنبياء والتي تمّت في حادثة معموديّة كرنيليوس. كما استشهد بقول النبيّ عاموس (9: 11، 12) الذي تنبّأ بدعوة الأمم ليشتركوا في فوائد مجيء المسيح بدون ذكر الختان أو غيره من أمور الشريعة الموسوية، فقد سقطت الكنيسة اليهودية، وتأسّست مملكة روحية هي الكنيسة المسيحية. ثم قال يعقوب إنه بناءً على إعلان الله الذي شهد به الأنبياء، يرى عدم التثقيل على الأمم الراجعين إلى الله بطلب حفظ شريعة موسى.

واقترح يعقوب أن يكتب المجمع إلى مؤمني الأمم أن يمتنعوا عن أربعة أمور: اثنان منهما يتعلّقان بالديانة الوثنية، واثنان يتعلّقان بالديانة اليهودية.

أمّا ما يتعلق بالوثنية فهو أن يمتنع المؤمنون عن مشاركة الوثنيين في ولائمهم الوثنية، فلا يأكلون من الذبائح المقدّمة للأوثان. ثمّ أن يمتنعوا عن الزنا، لأنّ الديانات الوثنية كانت تصرّح بالزنا في الهياكل مع الكاهنات، كجزءٍ من العبادة الوثنية.

أمّا ما يتعلق بالديانة اليهودية فهو الامتناع عن أكل المخنوق أي المقتول بلا سفك دم، وعن أكل الدم (اقرأ تكوين 9: 4، 5 ولاويين 3: 17 و7: 26 وتثنية 12: 16). واقترح يعقوب أن يكتبوا للمؤمنين من الأمم فقط، لأنّ اليهود لا يحتاجون إلى سماع هذه الأمور، لأنهم كانوا يسمعونها في مجامعهم باستمرار.

آية للحفظ

«مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ» (أعمال 15: 18)

صلاة

أشكرك يا رب لأنّك تعلم كل شيء، وقد دبّرت لي الخلاص بفضل كفّارة المسيح على الصليب، كما دبّرته بنعمتك لكل من يؤمن.

سؤال

10 - ماذا كان موقف يعقوب من طلب بولس وبرنابا؟

قرار المجمع

22 حِينَئِذٍ رَأَى الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ مَعَ كُلِّ الْكَنِيسَةِ أَنْ يَخْتَارُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ فَيُرْسِلُوهُمَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ مَعَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا: يَهُوذَا الْمُلَقَّبَ بَرْسَابَا وَسِيلاَ، رَجُلَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الإِخْوَةِ. 23 وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ هَكَذَا: «اَلرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ وَالإِخْوَةُ يُهْدُونَ سَلاَماً إِلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ مِنَ الأُمَمِ فِي أَنْطَاكِيَةَ وَسُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ: 24 إِذْ قَدْ سَمِعْنَا أَنَّ أُنَاساً خَارِجِينَ مِنْ عِنْدِنَا أَزْعَجُوكُمْ بِأَقْوَالٍ مُقَلِّبِينَ أَنْفُسَكُمْ وَقَائِلِينَ أَنْ تَخْتَتِنُوا وَتَحْفَظُوا النَّامُوسَ - الَّذِينَ نَحْنُ لَمْ نَأْمُرْهُمْ. 25 رَأَيْنَا وَقَدْ صِرْنَا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَنْ نَخْتَارَ رَجُلَيْنِ وَنُرْسِلَهُمَا إِلَيْكُمْ مَعَ حَبِيبَيْنَا بَرْنَابَا وَبُولُسَ 26 رَجُلَيْنِ قَدْ بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا لأَجْلِ اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ - 27 فَقَدْ أَرْسَلْنَا يَهُوذَا وَسِيلاَ وَهُمَا يُخْبِرَانِكُمْ بِنَفْسِ الأُمُورِ شِفَاهاً. 28 لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ غَيْرَ هَذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ: 29 أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبِحَ لِلأَصْنَامِ وَعَنِ الدَّمِ وَالْمَخْنُوقِ وَالزِّنَا، الَّتِي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ» (أعمال 15: 22-29).

سمع أعضاء المجمع كل الكلام الذي قيل بخصوص قبول المؤمنين من الأمم دون ممارستهم لشريعة موسى، واستراح جميع أعضاء المجمع من الرسل وقسوس الكنائس لكل ما سمعوا، لأنّ الرّوح القدس عمل في قلوبهم وأرشدهم، فقرّروا إرسال رجُلَين من أعضاء كنيسة أورشليم ليحملا الأخبار، مكتوبةً، إلى كنيسة أنطاكية. ولعلّ هذين الرجلين كانا من قسوس الكنيسة. فقرّر المجمع إرسالهما إلى أنطاكية، لأنّ الدعوة جاءت منها. كما أرسل المجمع معهما بولس وبرنابا احتراماً لهما، وحتى لا يُقال إنهما زوَّرا قرارات مجمع أورشليم.

كان هذان الرَّجلان هما يهوذا الملقَّب «برسابا» وهو من الأنبياء الذين كانوا يعظون ويتنبّأون بمستقبل الكنيسة، و «سيلا» وهو سلوانس الذي صار رفيق بولس الرّسول في رحلته التّبشيرية الثانية، وسُجن مع بولس بعد ذلك في فيلبّي.

بدأ الخطاب كالمعتاد بالتّحية، وهي إهداء السّلام للمؤمنين من الأمم في أنطاكية وسوريا وكيليكية. ثم جاء صُلب الخطاب، وهو سبب اجتماع مجمع أورشليم: سماع المجمع عن بعض المعلّمين الذين ادَّعوا أنّهم رُسل وأنّهم تكلّموا نيابة عن كنيسة أورشليم. وقد نفت الكنيسة أنّها أعطتهم سلطان التّعليم بوجوب حفظ الشريعة اليهودية، وأنّ الذين حضروا المجمع اتّفقوا جميعاً بعد مناقشة الموضوع على إرسال هؤلاء الأربعة ليعلنوا لهم قرار المجمع.

وختم المجمع خطابه حسب عادة اليونانيين بالقول: «كُونُوا مُعَافَيْنَ» وهو تمنّي دوام النجاح نفساً وجسداً.

آية للحفظ

«(يَهُوذَا الْمُلَقَّبَ بَرْسَابَا وَسِيلاَ) نُرْسِلَهُمَا.. رَجُلَيْنِ قَدْ بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا لأَجْلِ اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (أعمال 15: 26)

صلاة

يا ربّ، نشكرك من أجل قرار مجمع أورشليم الذي رأى فيه الروح القدس ورُسل المسيح أن يعفوا مؤمني الأمم من الختان كعلامة عهد مع الله، ومن حفظ شريعة موسى.

سؤال

11 - ما معنى «كُونُوا مُعَافَيْنَ»؟

فرح الأمم بقرار المجمع

30 فَهَؤُلاَءِ لَمَّا أُطْلِقُوا جَاءُوا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ وَجَمَعُوا الْجُمْهُورَ وَدَفَعُوا الرِّسَالَةَ. 31 فَلَمَّا قَرَأُوهَا فَرِحُوا لِسَبَبِ التَّعْزِيَةِ. 32 وَيَهُوذَا وَسِيلاَ إِذْ كَانَا هُمَا أَيْضاً نَبِيَّيْنِ وَعَظَا الإِخْوَةَ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ وَشَدَّدَاهُمْ. 33 ثُمَّ بَعْدَ مَا صَرَفَا زَمَاناً أُطْلِقَا بِسَلاَمٍ مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى الرُّسُلِ. 34 وَلَكِنَّ سِيلاَ رَأَى أَنْ يَلْبَثَ هُنَاكَ. 35 أَمَّا بُولُسُ وَبَرْنَابَا فَأَقَامَا فِي أَنْطَاكِيَةَ يُعَلِّمَانِ وَيُبَشِّرَانِ مَعَ آخَرِينَ كَثِيرِينَ أَيْضاً بِكَلِمَةِ الرَّبِّ (أعمال 15: 30-35).

ذهب الرّجال الأربعة مُرسَلين من كنيسة أورشليم إلى كنيسة أنطاكية يحملون الرد المطلوب، وقرأوا الرسالة على الكنيسة كلها، ففرح الجميع بانتهاء الجدال، ولأنهم تحققوا أنّ إيمانهم لم يكن باطلاً، وأنّ الكنيسة لم تحمِّلهم ثقل الختان والنّاموس.

ولم يكتفِ يهوذا وسيلا وبولس وبرنابا بقراءة الخطاب على مسامع الكنيسة، بل وعظوا الكنيسة لتقويتها وتثبيتها في الإيمان بالمسيح، ومكثوا زماناً كافياً للتّشجيع والتّعليم. وبعد ذلك صلَّت الكنيسة شاكرة الله على غيرة يهوذا وسيلا المقدّسة، وسمحت لهما بالرّجوع إلى كنيسة أورشليم. لكنّ سيلا طلب أن يبقى مع الإخوة في أنطاكية، كما أقام فيها بولس وبرنابا مواظبين على التبشير والتعليم بكلمة الرب، العمل الذي قاما به قبل ذهابهما إلى أورشليم.

فهل تعمل على انتشار كلمة الخلاص لمن حولك؟

آية للحفظ

«فَلَمَّا قَرَأُوهَا (الرِّسَالَةَ) فَرِحُوا لِسَبَبِ التَّعْزِيَةِ» (أعمال 15: 31)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأنّ كلّ رسالة تصلني من عندك هي مصدر عزاء وتشجيع لي. باركني لأكون رسالة عزاء وتشجيع لإخوتي.

سؤال

12 - لماذا فرح المؤمنون عندما قرأوا قرار مجمع أورشليم؟

الفصل العاشر: رحلة بولس الرسول التبشيريّة الثانية (أعمال 15: 36 - 18: 22)

رأينا في الدرس السابق رجوع بولس وبرنابا من أورشليم إلى كنيسة أنطاكية يحملان رسالة من مجمع أورشليم توصي بقبول المؤمنين من الأمم من غير أن يخضعوا لشريعة موسى، لأنّ نعمة المسيح وحدها كافية للخلاص. كما رأينا فرح كنيسة أنطاكية بقرار المجمع، وترحيبها ببولس وبرنابا ومن معهما. وفي هذا الدّرس سنرى غيرة بولس الرّسول على انتشار كلمة الله بين الأمم، ونبدأ بدرس رحلته التبشيريّة الثانية.

بولس وبرنابا يفترقان

36 ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ قَالَ بُولُسُ لِبَرْنَابَا: «لِنَرْجِعْ وَنَفْتَقِدْ إِخْوَتَنَا فِي كُلِّ مَدِينَةٍ نَادَيْنَا فِيهَا بِكَلِمَةِ الرَّبِّ كَيْفَ هُمْ». 37 فَأَشَارَ بَرْنَابَا أَنْ يَأْخُذَا مَعَهُمَا أَيْضاً يُوحَنَّا الَّذِي يُدْعَى مَرْقُسَ 38 وَأَمَّا بُولُسُ فَكَانَ يَسْتَحْسِنُ أَنَّ الَّذِي فَارَقَهُمَا مِنْ بَمْفِيلِيَّةَ وَلَمْ يَذْهَبْ مَعَهُمَا لِلْعَمَلِ لاَ يَأْخُذَانِهِ مَعَهُمَا. 39 فَحَصَلَ بَيْنَهُمَا مُشَاجَرَةٌ حَتَّى فَارَقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ. وَبَرْنَابَا أَخَذَ مَرْقُسَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى قُبْرُسَ. 40 وَأَمَّا بُولُسُ فَاخْتَارَ سِيلاَ وَخَرَجَ مُسْتَوْدَعاً مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى نِعْمَةِ اللهِ. 41 فَاجْتَازَ فِي سُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ يُشَدِّدُ الْكَنَائِسَ (أعمال 15: 36-41).

مكث بولس وبرنابا وقتاً في كنيسة أنطاكية. وبعد ذلك أعلن بولس لبرنابا رغبته في زيارة الكنائس التي سبق وأنشآها في آسيا الصغرى، ليعرفا إن كان عدد الأعضاء قد زاد أم لا، وليطمئنّا على تقدّم المؤمنين في النّعمة ومعرفة المسيح المخلّص. ورحَّب برنابا بفكرة بولس، ورغب أن يأخذا معهما مرقس، ابن أخته (وهو كاتب إنجيل مرقس)، وكان قد صاحبهما في الرّحلة التبشيريّة الأولى خادماً لهما (أعمال 12: 25، 13: 5). ولكن عند وصولهم إلى مدينة برجة بولاية بمفيلية تركهما ورجع إلى أورشليم (أعمال 13: 13). لذلك خاف بولس أن يتركهما مرقس مرّة أخرى في وقت يكونان فيه في شديد الحاجة إلى خدمته، كما فعل من قبل. ولهذا اقترح بولس عدم سفر مرقس معهما. واختلف برنابا مع بولس، فافترقا.

وقد أخرج الله من هذه المشاجرة شيئاً صالحاً، فقد تكوَّنت فرقتان للتّبشير بدلاً من فرقة واحدة، سافرتا إلى اتجاهين، فوصلت رسالة الإنجيل إلى بلاد أكثر. وفي نهاية خدمة بولس الرّسول كتب إلى تلميذه تيموثاوس يقول: «خُذ مرقس وأَحضِره معك لأنه نافع لي للخدمة» (2تيموثاوس 4: 11)، فقد نجح يوحنّا مرقس في خدمته أيضاً بفضل عمل الرّوح القدس فيه.

أخذ برنابا ابن أخته يوحنّا مرقس معه، وسافر بحراً إلى قبرس لتشجيع الكنيسة هناك. وأخذ بولس سيلا معه في رحلة تبشيريّة جديدة. وظلّ سيلا يرافق بولس في رحلاته (1بطرس 5: 12).

ويبدو أنّ كنيسة أنطاكية ساندت بولس في موقفه، وباركت سفره مع سيلا، لأنّ بولس «خَرَجَ مُسْتَوْدَعاً مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى نِعْمَةِ اللهِ». وبدأ بولس وسيلا رحلة تبشيريّة ثانية استغرقت نحو ثلاث سنوات ونصف، وقد كانت الفترة بين الرّحلة التبشيريّة الأولى والثانية نحو خمس سنوات.

وذهب بولس وسيلا أوّلاً إلى سوريا وكيليكية لتشجيع الكنائس هناك وتثبيتها في الإيمان، وليعلنا لأعضائها قرار مجمع أورشليم بشأن مؤمني الأمم.

ومن مشاجرة بولس وبرنابا وافتراقهما نلاحظ أنّ الرّسل كانوا بشراً لم ينسبوا لأنفسهم العصمة، وكانوا أمناء في تسجيل ما حدث، كما نلاحظ أنّهم لم يبغضوا الذين اختلفوا معهم في وجهات نظرهم.

آية للحفظ

«وَأَمَّا بُولُسُ فَاخْتَارَ سِيلاَ وَخَرَجَ مُسْتَوْدَعاً مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى نِعْمَةِ اللهِ» (أعمال 15: 40)

صلاة

أنت وحدك يا الله القادر أن تُخرج من الآكل أكلاً ومن الجافي حلاوة. علِّمني أن أدرك أنَّ كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبّون الله.

سؤال

13 - لماذا سجَّل الوحي لنا خبر مشاجرة بولس وبرنابا؟

بولس يصطحب تيموثاوس

1 ثُمَّ وَصَلَ إِلَى دَرْبَةَ وَلِسْتِرَةَ وَإِذَا تِلْمِيذٌ كَانَ هُنَاكَ اسْمُهُ تِيمُوثَاوُسُ ابْنُ امْرَأَةٍ يَهُودِيَّةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلَكِنَّ أَبَاهُ يُونَانِيٌّ 2 وَكَانَ مَشْهُوداً لَهُ مِنَ الإِخْوَةِ الَّذِينَ فِي لِسْتِرَةَ وَإِيقُونِيَةَ. 3 فَأَرَادَ بُولُسُ أَنْ يَخْرُجَ هَذَا مَعَهُ، فَأَخَذَهُ وَخَتَنَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي تِلْكَ الأَمَاكِنِ، لأَنَّ الْجَمِيعَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَبَاهُ أَنَّهُ يُونَانِيٌّ. 4 وَإِذْ كَانُوا يَجْتَازُونَ فِي الْمُدُنِ كَانُوا يُسَلِّمُونَهُمُ الْقَضَايَا الَّتِي حَكَمَ بِهَا الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ لِيَحْفَظُوهَا. 5 فَكَانَتِ الْكَنَائِسُ تَتَشَدَّدُ فِي الإِيمَانِ وَتَزْدَادُ فِي الْعَدَدِ كُلَّ يَوْمٍ (أعمال 16 1-5).

ذهب بولس مع سيلا إلى دربة ولسترة وقد سبق أن زاراهما من قبل (أعمال 14: 6). ويقول الوحي إنّ بولس وصل إلى دربة أوّلاً قبل لسترة، لأنّه أتى إليها من جهة الشّرق. وفي لسترة قابل بولس «تيموثاوس» وكان قد عمَّده وعلَّمه عندما التقى به في رحلته التّبشيرية الأولى. وكانت أمّ تيموثاوس يهودية تقيّة اسمها أفنيكي، وكذلك كانت جدَّته لوئيس (2 تيموثاوس 1: 5) مع أنَّ أباه كان وثنياً يونانياً.

وكان تيموثاوس حديث السّن، لكنّه كان تقياً عارفاً بالكتب المقدسة، مشهوداً له بالتّقوى من أعضاء الكنيسة وقسوسها، فأراد بولس أن يأخذه معه للتّبشير باسم المسيح. ولم يكن تيموثاوس مختوناً لأنّ أباه يونانيّ وثنيّ، فقرّر بولس أن يُختَتن حتى لا يعترض اليهود عليه إذا وقف بينهم مبشّراً بالمسيح، مع أنّ الختان ليس ضرورياً للخلاص، كما قرّر مجمع أورشليم. وهذا يعني أننا يجب أن نتساهل في الأمور الثانوية العرضية متى كان هذا التساهل وسيلة لربح النفوس للمسيح، لأنّ «رَابِحُ النُّفُوسِ حَكِيمٌ» (أمثال 11: 30). وكان بولس يقول: «صِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ اٰلْيَهُودَ، وَلِلَّذِينَ تَحْتَ اٰلنَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ اٰلنَّامُوسِ لأَرْبَحَ اٰلَّذِينَ تَحْتَ اٰلنَّامُوسِ» (1كورنثوس 9: 20). وكان لبولس تلميذ آخر هو «تيطس» لم يُختَن (غلاطية 2: 3) لأنّ خدمته كانت بين الأمم.

ذهب بولس ومعه تيموثاوس وسيلا إلى الكنائس التي تأسّست في دربة ولسترة وإيقونية وأنطاكية بيسيدية وغيرها ليخبروهم بقرار مجمع أورشليم، وذلك لراحة الكنائس. وفرحت الكنائس وتعمَّقت ثقتها بحقائق الإنجيل، لأنّها عرفت أنّ المسيح هو المخلّص الوحيد، فازداد عدد المؤمنين في الكنائس.

آية للحفظ

«فَكَانَتِ الْكَنَائِسُ تَتَشَدَّدُ فِي الإِيمَانِ وَتَزْدَادُ فِي الْعَدَدِ كُلَّ يَوْمٍ» (أعمال 16: 5)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأجل الحرّية التي حرّرني المسيح بها. شدّد إيماني ليكون قوياً أمام العواصف، وباركني وبارك كنيستي لتنمو في العدد كل يوم.

سؤال

14 - لماذا ختن بولس تيموثاوس، بالرغم من قرار مجمع أورشليم؟

رؤيا بولس

6 وَبَعْدَ مَا اجْتَازُوا فِي فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ مَنَعَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا. 7 فَلَمَّا أَتَوْا إِلَى مِيسِيَّا حَاوَلُوا أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى بِثِينِيَّةَ فَلَمْ يَدَعْهُمُ الرُّوحُ. 8 فَمَرُّوا عَلَى مِيسِيَّا وَانْحَدَرُوا إِلَى تَرُوَاسَ. 9 وَظَهَرَتْ لِبُولُسَ رُؤْيَا فِي اللَّيْلِ: رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ قَائِمٌ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «اعْبُرْ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ وَأَعِنَّا!». 10 فَلَمَّا رَأَى الرُّؤْيَا لِلْوَقْتِ طَلَبْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ مُتَحَقِّقِينَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَانَا لِنُبَشِّرَهُمْ (أعمال 16: 6-10).

ذهب بولس إلى فريجية وهي القسم الأكبر من وسط آسيا الصغرى، وفيها ثلاث مدن عظيمة هي كولوسي وهيرابوليس ولاودكية. كما ذهب إلى منطقة غلاطية، وهي قسم آخر من آسيا الصغرى كان أكثر سكّانها من الوثنيين، وكان فيها كثير من اليهود. ومنع الروح القدس بولس من التّبشير في الجزء الغربي من آسيا الصغرى، وكان للرّوح القدس قصد في ذلك الوقت، لأنّ بولس رجع إليها بعد ذلك وأسّس فيها كنائس قويّة.

وذهب بولس إلى ميسيّا، وهي القسم الشمالي من آسيا الصغرى، ثمّ إلى بثينيّة شرق ميسيّا، فمنعه الروح أيضاً من التّبشير فيها، لأنّه أراد أن يذهب بولس ومن معه إلى أوروبا تحقيقاً لقول المسيح: «َتَكُونُونَ لِي شُهُوداً... َإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ».

ثمّ ذهب بولس إلى ترواس القريبة من آثار مدينة «طروادة» التي حاربها اليونانيون قديماً.

وذات ليلة بينما كان بولس نائماً رأى في رؤيا رجلاً تدلّ ملابسه ولهجته أنّه من مقاطعة مكدونية يصرخ طالباً منه أن يساعد أهل مكدونية وباقي بلاد أوروبا على الشّيطان والجهل والخطيّة والهلاك، وذلك بالتّبشير برسالة الخلاص بواسطة المسيح. وبهذا أعلن الله إرادته لبولس ليُدخِل المسيحية إلى أوروبا. واستجاب بولس ومعه سيلا لصوت الربّ عن طريق هذه الرؤيا، وجهّزا وسائل السّفر إلى مكدونية. ومن المرجّح أنّ لوقا الطبيب كاتب سفر الأعمال ذهب مع بولس وسيلا إلى مكدونية بدليل قوله: «لِلْوَقْتِ طَلَبْنَا أَنْ نَخْرُجَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ».

واليوم يوجد كثيرون في العالم يحتاجون إلى الخلاص، من جيراننا ومن البعيدين عنّا، وهم يصرخون صرخة المكدوني لنُعينهم. وعلينا كمسيحيين حقيقيين أن نبشّرهم برسالة الخلاص. فهل أنت مستعدّ لخدمة المسيح؟ قل: «هَئَنَذَا أَرْسِلْنِي» (إشعياء 6: 8).

ليدية تعتمد

11 فَأَقْلَعْنَا مِنْ تَرُوَاسَ وَتَوَجَّهْنَا بِالاِسْتِقَامَةِ إِلَى سَامُوثْرَاكِي، وَفِي الْغَدِ إِلَى نِيَابُولِيسَ. 12 وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى فِيلِبِّي الَّتِي هِيَ أَوَّلُ مَدِينَةٍ مِنْ مُقَاطَعَةِ مَكِدُونِيَّةَ، وَهِيَ كُولُونِيَّةُ. فَأَقَمْنَا فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ أَيَّاماً. 13 وَفِي يَوْمِ السَّبْتِ خَرَجْنَا إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ نَهْرٍ حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنْ تَكُونَ صَلاَةٌ، فَجَلَسْنَا وَكُنَّا نُكَلِّمُ النِّسَاءَ اللَّوَاتِي اجْتَمَعْنَ. 14 فَكَانَتْ تَسْمَعُ امْرَأَةٌ اسْمُهَا لِيدِيَّةُ بَيَّاعَةُ أُرْجُوانٍ مِنْ مَدِينَةِ ثَيَاتِيرَا مُتَعَبِّدَةٌ لله، فَفَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتُصْغِيَ إِلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ بُولُسُ. 15 فَلَمَّا اعْتَمَدَتْ هِيَ وَأَهْلُ بَيْتِهَا طَلَبَتْ قَائِلَةً: «إِنْ كُنْتُمْ قَدْ حَكَمْتُمْ أَنِّي مُؤْمِنَةٌ بِالرَّبِّ فَادْخُلُوا بَيْتِي وَامْكُثُوا». فَأَلْزَمَتْنَا (أعمال 16: 11-15).

رأى بولس وهو في ترواس الرؤيا التي أرشدته للذهاب إلى مكدونية، فأخذ مركباً شراعياً مع رفاقه وتوجّه إلى ساموثراكي، وهي جزيرة في منتصف الطريق بين ترواس ونيابوليس، ووصل نيابوليس بعد يومين، ومنها إلى مدينة فيلبّي، وهي «كولونية» بمعنى أنّ سكانها يتمتّعون بما يتمتّع به الرومان من حقوق. وهي أوّل مدينة يصل إليها المسافر من الشّرق إلى الغرب.

ومكث بولس في فيلبّي حتى يوم السبت. ولم يكن فيها مجمع لليهود لقلَّة عددهم، فكانوا يتعبَّدون عند نهر اسمه «كنجس» لأنّ العبادة اليهودية تتطلَّب الكثير من الاغتسال. وذهب بولس ورفاقه إلى النّهر فوجدوا بعض النّساء، فبشّروهنَّ بإنجيل المسيح. وكانت بينهنَّ سيدة اسمها «ليدية» من مدينة ثياتيرا التي تقع بين برغامس وساردس. وكانت ثياتيرا قديماً مشهورة بوجود نوع من صبغة الثياب حمراء اللون، تُستخرج من أصداف البحر الأبيض المتوسط، فكانت ليدية تحمل الثياب المصبوغة بهذه الصبغة الحمراء المعروفة باسم «الأرجوان» من ثياتيرا إلى فيلبّي لتبيعها فيها. وعمل الروح القدس في قلب ليدية وهي تسمع وعظ بولس، فآمنت وطلبت أن تعتمد هي وأهل بيتها.

ولما رأى بولس قوّة إيمانها واعترافها العلني بقبول المسيح مخلّصاً لها عمّدها مع أهل بيتها. ومن هذا نتعلّم جواز معمودية أطفال المؤمنين. وطلبت ليدية من بولس ورفاقه أن يقضوا وقتاً في بيتها للصلاة والعبادة. ولمّا علمت أنهم غرباء طلبت منهم أن يمكثوا في بيتها. والمسيحية تشجّع على إضافة الغرباء. وقَبِل بولس ورفاقه دعوة ليدية. وهكذا بدأ تأسيس أوّل كنيسة في أوروبا.

آية للحفظ

«فَفَتَحَ الرَّبُّ قَلْبَهَا لِتُصْغِيَ إِلَى مَا كَانَ يَقُولُهُ بُولُسُ» (أعمال 16: 14)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأجل عمل نعمتك التي تفتح القلوب لتسمع كلمتك وتقبلها وتفهمها، فتأتي بثمر يدوم ويكثر. عمِّق نعمتك فيَّ وافتح قلبي لمزيد منها.

سؤال

15 - لماذا كانت ليدية في فيلبّي مع أنّها من ثياتيرا؟

بولس يُخرج شيطاناً من جارية

16 وَحَدَثَ بَيْنَمَا كُنَّا ذَاهِبِينَ إِلَى الصَّلاَةِ أَنَّ جَارِيَةً بِهَا رُوحُ عِرَافَةٍ اسْتَقْبَلَتْنَا. وَكَانَتْ تُكْسِبُ مَوَالِيَهَا مَكْسَباً كَثِيراً بِعِرَافَتِهَا. 17 هَذِهِ اتَّبَعَتْ بُولُسَ وَإِيَّانَا وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: «هَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ». 18 وَكَانَتْ تَفْعَلُ هَذَا أَيَّاماً كَثِيرَةً. فَضَجِرَ بُولُسُ وَالْتَفَتَ إِلَى الرُّوحِ وَقَالَ: «أَنَا آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا». فَخَرَجَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ (أعمال 16: 16-18).

بينما كان بولس ورفاقه ذاهبين من بيت ليدية إلى نهر كنجس للصّلاة قابلتهم جارية بها شيطان سمَّاه أهل فيلبّي «روح عرافة» لأنّهم ظنّوا أنّ في هيكل «دلفي» (في اليونان) كاهنات يعرفن الأسرار بوحي من الإله «أبلو». وكان كثيرون من الوثنيّين يذهبون إلى هيكل «دلفي» ليعرفوا شيئاً عن الأسرار والمستقبل. وظنَّ سكان فيلبّي أنّ تلك الجارية كاهنة تعرف الأسرار، بينما كان الشيطان يعمل فيها. فكانت تكسب أموالاً كثيرة تعطيها لأسيادها الذين اشتروها ليربحوا من عرافتها.

سمعت تلك الجارية بولس يعظ عن الإله المقتدر وعن الخلاص بالمسيح، فتبعته وأصحابه عند ذهابهم للصلاة وهي تصرخ: «هَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ». وقد دفعها الشّيطان أو الروح النجس أن تشهد للمسيح، كما شهدت الشّياطين للمسيح من قبل (مرقس 5: 7 ولوقا 4: 34 و8: 24). ودفع الشّيطان تلك الجارية لتكرّر هذا الكلام، فتضايق بولس لأنّها تمنع الناس من سماع وعظه بصراخها المستمر، وشفق عليها لأنّ الشيطان استعبدها، فأمر الشيطان الساكن فيها: «أَنَا آمُرُكَ بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا». ففي الحال تركها وخرج، فاستراحت المسكينة منه.

آية للحفظ

«هَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ الَّذِينَ يُنَادُونَ لَكُمْ بِطَرِيقِ الْخَلاَصِ» (أعمال 16: 17)

صلاة

أشكرك يا الله لأجل القوّة السّماوية التي تحرّر الناس من الضّلال والسّحر والعِرَافَة، كما تحرّرهم من استعباد الناس. أطلق كثيرين في الحريّة بالمسيح.

سؤال

16 - لماذا طرد بولس روح العِرَافَة من الجارية؟

بولس وسيلا في السجن

19 فَلَمَّا رَأَى مَوَالِيهَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ رَجَاءُ مَكْسَبِهِمْ أَمْسَكُوا بُولُسَ وَسِيلاَ وَجَرُّوهُمَا إِلَى السُّوقِ إِلَى الْحُكَّامِ. 20 وَإِذْ أَتَوْا بِهِمَا إِلَى الْوُلاَةِ قَالُوا: «هَذَانِ الرَّجُلاَنِ يُبَلْبِلاَنِ مَدِينَتَنَا وَهُمَا يَهُودِيَّانِ 21 وَيُنَادِيَانِ بِعَوَائِدَ لاَ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقْبَلَهَا وَلاَ نَعْمَلَ بِهَا، إِذْ نَحْنُ رُومَانِيُّونَ». 22 فَقَامَ الْجَمْعُ مَعاً عَلَيْهِمَا وَمَزَّقَ الْوُلاَةُ ثِيَابَهُمَا وَأَمَرُوا أَنْ يُضْرَبَا بِالْعِصِيِّ. 23 فَوَضَعُوا عَلَيْهِمَا ضَرَبَاتٍ كَثِيرَةً وَأَلْقُوهُمَا فِي السِّجْنِ، وَأَوْصُوا حَافِظَ السِّجْنِ أَنْ يَحْرُسَهُمَا بِضَبْطٍ. 24 وَهُوَ إِذْ أَخَذَ وَصِيَّةً مِثْلَ هَذِهِ أَلْقَاهُمَا فِي السِّجْنِ الدَّاخِلِيِّ وَضَبَطَ أَرْجُلَهُمَا فِي الْمِقْطَرَةِ (أعمال 16: 19-24).

خرج الشّيطان من الجارية فهدأت وتغيّرت هيئتها لأنها شُفيت، فجُنَّ جنون أسيادها لأنّ الشّيطان الذي كان فيها كان مصدر مكسبهم الماديّ، وأرادوا الانتقام من بولس وسيلا لأنّهما المتقدّمان في الكلام، فأمسكوهما وجرّوهما إلى السّوق، حيث مبنى الحكومة، وحيث يجتمع الناس، وقالوا للحكّام إنّ هذين الرجلين يفسدان أفكار سكان المدينة، وهما يهوديّان يناديان بعقائد غير عقائدنا. وسمع جهلاء الشّعب هذا الكلام فانضمّوا إلى أولئك الرجال وطلبوا من الحُكّام معاقبة بولس وسيلا، فأمر الحُكّام الجلادين أن يُعرّواهما ليجلدوهما. فمزّقوا اثيابهما وضربوهما كثيراً بالعصي، ووضعوهما في السجن، وأوصوا مدير السجن أن يشدّد الحراسة عليهما. وكان السّجن ثلاثة أقسام: الأوّل يدخله النور والهواء، والثاني داخل باب من الحديد، والثالث تحت الأرض مثل الكهف، ولا يُسجَن فيه إلاّ من يستحقّ الموت. ولما سمع مدير السّجن بضرورة تشديد الحراسة على بولس وسيلا وضعهما في أردأ أقسام السّجن، ووضع أرجلهما في المقطرة، وهي قطعتا خشب ثقيلتان، في كل منهما خمس فتحات بشكل نصف دائرة، فتحة للرأس وفتحتان لليدين، وفتحتان للرِّجلين. وفتحتا الرجلين إحداهما بعيدة عن الأخرى لتسبِّب ألماً شديداً للمسجون. وكانوا يضعون إحدى الخشبتين فوق الأخرى وبينهما رأس السّجين ويداه ورجلاه.. على أنّ مدير سجن فيلبّي اكتفى بوضع أرجل الرسوليْن فقط في المقطرة.

مدير سجن فيلبّي يؤمن بالمسيح

25 وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا. 26 فَحَدَثَ بَغْتَةً زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى تَزَعْزَعَتْ أَسَاسَاتُ السِّجْنِ فَانْفَتَحَتْ فِي الْحَالِ الأَبْوَابُ كُلُّهَا وَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْجَمِيعِ. 27 وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ حَافِظُ السِّجْنِ وَرَأَى أَبْوَابَ السِّجْنِ مَفْتُوحَةً اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَكَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، ظَانّاً أَنَّ الْمَسْجُونِينَ قَدْ هَرَبُوا. 28 فَنَادَى بُولُسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «لاَ تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئاً رَدِيّاً لأَنَّ جَمِيعَنَا هَهُنَا». 29 فَطَلَبَ ضَوْءاً وَانْدَفَعَ إِلَى دَاخِلٍ وَخَرَّ لِبُولُسَ وَسِيلاَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ 30 ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ، مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟» 31 فَقَالاَ: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ». 32 وَكَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِي بَيْتِهِ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ. 33 فَأَخَذَهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَغَسَّلَهُمَا مِنَ الْجِرَاحَاتِ، وَاعْتَمَدَ فِي الْحَالِ هُوَ وَالَّذِينَ لَهُ أَجْمَعُونَ. 34 وَلَمَّا أَصْعَدَهُمَا إِلَى بَيْتِهِ قَدَّمَ لَهُمَا مَائِدَةً وَتَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللهِ (أعمال 16: 25-34).

كان بولس وسيلا في السّجن في شدّة الألم ولم يستطيعا النوم، لكنّهما كانا في سلام كامل لأنّ الله قوَّى إيمانهما، فكانا يصلّيان ويرنّمان لله بصوت مرتفع حتى سمعهما كل المسجونين. فما أعجب سلام الله الكامل الذي ينشئ فرحاً داخلياً مهما كانت قسوة الظروف المحيطة. ولا يستطيع أعداء المسيحي المؤمن أن يحرموه من سلام الله حتى وإن كان في السجن.

وفي منتصف الليل حدثت زلزلة عظيمة، شعر بها بولس وسيلا أكثر من الجميع لأنّهما كانا في السّجن الداخلي تحت الأرض! وانفتحت جميع أبواب أقسام السّجن وانفكَّت السّلاسل من أيدي وأرجل جميع المسجونين!

انزعج مدير السّجن جداً من الزلزلة، وارتعب وهو يرى أبواب السجن مفتوحة، واعتقد أنّ جميع المسجونين قد هربوا، فاستلّ سيفه وأراد أن يقتل نفسه أو ينتحر خوفاً من العار الذي يصيبه لو قتله الحكّام أمام الناس بسبب إهماله. ولم يكن الانتحار عيباً عند الرومان بل حسبوه شجاعة. فصرخ بولس بصوت عالٍ جداً وطلب من مدير السّجن أن لا يقتل نفسه لأنّ جميع المسجونين لم يهربوا.

لم يفرح بولس أو يشمت بمدير السّجن، بل منعه من الانتحار، وهذه هي روح المسيحيّ الحقيقيّ الذي يبارك حتّى أعداءه. وسمع مدير السّجن كلام بولس وكان السجن مظلماً، فأخذ معه ضوءاً ودخل إلى السجن الداخلي. وظنّ أنّ إله بولس وسيلا سيقتله، فسجد لهما كأنّه يطلب منهما الصفح، ثمّ أخرجهما وكلّمهما بكل احترام، وسأل عمّا يجب أن يفعله حتى يخلص. ولا بدّ أنّه سبق وسمع ما قالته العرّافة إنّهما عبيد الله العليّ الذين ينادون بطريق الخلاص، فأيقظ روح الله ضميره. فأجابه بولس أنّه إن أراد أن ينجو من الخطية ومن عقابها فعليه أن يؤمن بالمسيح ربّ الخلاص، وأنّه إن آمن هو وأهل بيته سيخلصون ويحصلون على سلام الله في المسيح.

وهكذا أعطى الرب بولس وسيلا فرصة طيّبة لتبشير مدير السجن وأهل بيته وباقي المسجونين، فأخبرا الجميع عن وجوب التوبة والإيمان بالمسيح. وآمن مدير السجن بالمسيح وبمحبته، وظهر ثمر إيمانه بأن اعتنى ببولس وسيلا وغسّلهما من دماء الجراح التي أصابتهما بسبب الضرب والتعذيب، وطلب أن يعتمد في الحال هو وأهل بيته.

ولم يترك مدير السجن بولس وسيلا في السجن بل أخذهما إلى بيته، وقدّم لهما طعاماً، وامتلأ قلبه فرحاً بخلاص المسيح هو وأهل بيته.

آية للحفظ

«آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ» (أعمال 16: 31)

صلاة

أشكرك يا ربّي لأجل كلّ ما يجري حولي، وأطلب مساعدتك لأحسبه كل فرح حينما أقع في تجارب متنوّعة، لأنّ كلّ الأشياء تعمل معاً لخيري.

سؤال

17 - لماذا تهلّلَ مدير سجن فيلبّي مع جميع بيته؟

بولس وسيلا يتركان فيلبّي

35 وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ أَرْسَلَ الْوُلاَةُ الْجَلاَّدِينَ قَائِلِينَ: «أَطْلِقْ ذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ». 36 فَأَخْبَرَ حَافِظُ السِّجْنِ بُولُسَ أَنَّ الْوُلاَةَ قَدْ أَرْسَلُوا أَنْ تُطْلَقَا، فَاخْرُجَا الآنَ وَاذْهَبَا بِسَلاَمٍ. 37 فَقَالَ لَهُمْ بُولُسُ: «ضَرَبُونَا جَهْراً غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْنَا، وَنَحْنُ رَجُلاَنِ رُومَانِيَّانِ، وَأَلْقَوْنَا فِي السِّجْنِ - أَفَالآنَ يَطْرُدُونَنَا سِرّاً؟ كَلاَّ! بَلْ لِيَأْتُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ وَيُخْرِجُونَا». 38 فَأَخْبَرَ الْجَلاَّدُونَ الْوُلاَةَ بِهَذَا الْكَلاَمِ، فَاخْتَشَوْا لَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُمَا رُومَانِيَّانِ. 39 فَجَاءُوا وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِمَا وَأَخْرَجُوهُمَا وَسَأَلُوهُمَا أَنْ يَخْرُجَا مِنَ الْمَدِينَةِ. 40 فَخَرَجَا مِنَ السِّجْنِ وَدَخَلاَ عِنْدَ لِيدِيَّةَ، فَأَبْصَرَا الإِخْوَةَ وَعَزَّيَاهُمْ ثُمَّ خَرَجَا (أعمال 16: 35-40).

قضى بولس وسيلا بقيّة الليل في بيت مدير السّجن، وفي الصّباح أرسل الحكام الجلاّدين يطلبون إطلاق سراحهما سرّاً، لأنّ الحكّام خالفوا الشّريعة الرومانية لمّا ضربوهما وحبسوهما بدون محاكمة. وفرح مدير السّجن بهذا الخبر، وظنّ أنّ بولس وسيلا سيغتنمان الفرصة للذهاب في الحال، فحيّاهما تحيّة الوداع قائلاً: «اذْهَبَا بِسَلاَمٍ». ولكنّ بولس اعترض على هذه المعاملة الظالمة، لأنّ الولاة ضربوهما أمام الجمهور بدون محاكمة، مما سبَّب لهما الآلام والعار، وهذا ضد الشريعة الرومانية التي لا تضرب رومانياً بغير محاكمة، وقد كان بولس وسيلا يتمتّعان بالجنسية الرومانية. ورفض بولس الذهاب حتى يحضر الحكّام ليطلقوا سراحهما جهراً كما ضربوهما جهراً. ونتعلم من هذا أنّ المسيحية لا تجبر المسيحيين على ترك حقوقهم المدنية.

وأبلغ الجلاّدون هذا الكلام للحكام، فخجلوا وخافوا لأنّهم خالفوا الشريعة الرومانية، وجاءوا إلى السّجن وتضرّعوا لهما أن يصفحا عن هذا الخطأ القانوني الفاضح، وطلبوا منهما الخروج من فيلبّي وقايةً لهما وحماية للمدينة. فذهب بولس وسيلا إلى بيت ليدية حيث شجّعا المؤمنين وأخبراهم بقوّة الله التي أخرجتهما من السّجن وغيَّرت قلب مدير السّجن وأهل بيته.

واستراح ضميرا بولس وسيلا لأنّهما أطاعا نداء الرب واستجابا لصرخة الرّجل المكدوني وأسّسا كنيسة في مدينة فيلبّي. وأرادا أن يذهبا إلى بلاد أخرى للتّبشير، فخرجا من فيلبّي بينما بقي لوقا فيها.

بولس وسيلا في تسالونيكي

1 فَاجْتَازَا فِي أَمْفِيبُولِيسَ وَأَبُولُونِيَّةَ وَأَتَيَا إِلَى تَسَالُونِيكِي حَيْثُ كَانَ مَجْمَعُ الْيَهُودِ. 2 فَدَخَلَ بُولُسُ إِلَيْهِمْ حَسَبَ عَادَتِهِ وَكَانَ يُحَاجُّهُمْ ثَلاَثَةَ سُبُوتٍ مِنَ الْكُتُبِ 3مُوَضِّحاً وَمُبَيِّناً أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ يَسُوعُ الَّذِي أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ. 4 فَاقْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْهُمْ وَانْحَازُوا إِلَى بُولُسَ وَسِيلاَ، وَمِنَ الْيُونَانِيِّينَ الْمُتَعَبِّدِينَ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ، وَمِنَ النِّسَاءِ الْمُتَقَدِّمَاتِ عَدَدٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ. 5 فَغَارَ الْيَهُودُ غَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَاتَّخَذُوا رِجَالاً أَشْرَاراً مِنْ أَهْلِ السُّوقِ وَتَجَمَّعُوا وَسَجَّسُوا الْمَدِينَةَ، وَقَامُوا عَلَى بَيْتِ يَاسُونَ طَالِبِينَ أَنْ يُحْضِرُوهُمَا إِلَى الشَّعْبِ. 6 وَلَمَّا لَمْ يَجِدُوهُمَا جَرُّوا يَاسُونَ وَأُنَاساً مِنَ الإِخْوَةِ إِلَى حُكَّامِ الْمَدِينَةِ صَارِخِينَ: «إِنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمَسْكُونَةَ حَضَرُوا إِلَى هَهُنَا أَيْضاً. 7 وَقَدْ قَبِلَهُمْ يَاسُونُ. وَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ يَعْمَلُونَ ضِدَّ أَحْكَامِ قَيْصَرَ قَائِلِينَ إِنَّهُ يُوجَدُ مَلِكٌ آخَرُ: يَسُوعُ!» 8 فَأَزْعَجُوا الْجَمْعَ وَحُكَّامَ الْمَدِينَةِ إِذْ سَمِعُوا هَذَا. 9 فَأَخَذُوا كَفَالَةً مِنْ يَاسُونَ وَمِنَ الْبَاقِينَ ثُمَّ أَطْلَقُوهُمْ (أعمال 17: 1-9).

ترك بولس وسيلا مدينة فيلبّي ومرَّا بمدينتي «أمفيبوليس» و «أبولونية» ثم أتيا إلى «تسالونيكي» عاصمة ولاية مكدونية، وهي تقع على بُعد مئة ميل من مدينة فيلبّي. وكان اسم تسالونيكي قبلاً «ثرما» ثم سُمِّيت «تسالونيكي» إكراماً لاسم أخت الإسكندر الأكبر، واسمها اليوم سالونيك في اليونان. وكان في تسالونيكي مجمع لليهود، وجده بولس فرصة عظيمة للتّبشير باسم المسيح.

وفي يوم السبت ذهب بولس وسيلا إلى مجمع اليهود، وتردّدا عليه ثلاثة سبوت، شرح أثناءها بولس لليهود نبوّات العهد القديم التي تحقَّقت في يسوع الناصري، كما تكلّم عن حياة المسيح وتعاليمه وصلبه وقيامته، وأعلن أنّ كل من يؤمن به يحصل على الخلاص. والأغلب أنّ اليهود لم يسمحوا له بالوعظ أكثر من ثلاثة سبوت.

ولمّا سمع اليهود وبعض اليونانيين المتعبّدين تبشير بولس، اقتنع بعضهم واعترفوا بإيمانهم بالمسيح وطلبوا المعموديّة، بينما اغتاظ البعض الآخر من نجاح الإنجيل. وحسب عادة اليهود أن يستخدموا كل طريقة شرّيرة لمقاومة الإنجيل، سجَّسوا (أي هيَّجوا) سكان تسالونيكي واندفعوا إلى بيت «ياسون» (وهو من أقرباء بولس - انظر رومية 16: 21) حيث كان بولس وسيلا يقيمان ليقبضوا عليهما، فلم يجدوهما، فقبضوا على ياسون ومن معه من الذين آمنوا بالمسيح وأتوا بهم إلى حكّام المدينة، وقالوا إنّ ياسون قَبِل بولس ومن معه من الغرباء الخطرين على البلد وعلى الدولة الرومانية، لأنّهم ينادون بملك آخر اسمه «يسوع»!

انزعج حُكّام تسالونيكي، وأخذوا كفالة مالية من ياسون ومن معه، ثمّ أطلقوهم. وهكذا أظهر اليهود شرّ قلوبهم، فمن الواضح لهم ولنا أنّ ملكوت الله الذي بشّر به بولس ليس مُلكاً أرضياً من هذا العالم، بل هو مُلك روحي، وأنّ المسيح لا يملك على الأجساد بل على القلوب.

آية للحفظ

«هَؤُلاَءِ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمَسْكُونَةَ حَضَرُوا إِلَى هَهُنَا أَيْضاً» (أعمال 17: 6)

صلاة

يا ربّ، ساعد المؤمنين أن يعيشوا بتقوى وينادوا باسم المسيح بقوّة ليفتنوا المسكونة بتقواهم وشهادتهم. واعطني أنا أن أكون سبب اندهاش المحيطين بي بسبب حياتي التقيّة.

سؤال

18 - ماذا تعرف عن ياسون؟

بولس وسيلا في بيرية

10 وَأَمَّا الإِخْوَةُ فَلِلْوَقْتِ أَرْسَلُوا بُولُسَ وَسِيلاَ لَيْلاً إِلَى بِيرِيَّةَ. وَهُمَا لَمَّا وَصَلاَ مَضَيَا إِلَى مَجْمَعِ الْيَهُودِ. 11 وَكَانَ هَؤُلاَءِ أَشْرَفَ مِنَ الَّذِينَ فِي تَسَالُونِيكِي، فَقَبِلُوا الْكَلِمَةَ بِكُلِّ نَشَاطٍ فَاحِصِينَ الْكُتُبَ كُلَّ يَوْمٍ: هَلْ هَذِهِ الأُمُورُ هَكَذَا؟ 12 فَآمَنَ مِنْهُمْ كَثِيرُونَ، وَمِنَ النِّسَاءِ الْيُونَانِيَّاتِ الشَّرِيفَاتِ وَمِنَ الرِّجَالِ عَدَدٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ. 13 فَلَمَّا عَلِمَ الْيَهُودُ الَّذِينَ مِنْ تَسَالُونِيكِي أَنَّهُ فِي بِيرِيَّةَ أَيْضاً نَادَى بُولُسُ بِكَلِمَةِ اللهِ جَاءُوا يُهَيِّجُونَ الْجُمُوعَ هُنَاكَ أَيْضاً. 14 فَحِينَئِذٍ أَرْسَلَ الإِخْوَةُ بُولُسَ لِلْوَقْتِ لِيَذْهَبَ كَمَا إِلَى الْبَحْرِ، وَأَمَّا سِيلاَ وَتِيمُوثَاوُسُ فَبَقِيَا هُنَاكَ. 15 وَالَّذِينَ صَاحَبُوا بُولُسَ جَاءُوا بِهِ إِلَى أَثِينَا. وَلَمَّا أَخَذُوا وَصِيَّةً إِلَى سِيلاَ وَتِيمُوثَاوُسَ أَنْ يَأْتِيَا إِلَيْهِ بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ مَضَوْا (أعمال 17: 10-15).

عرف المؤمنون أنّ بولس وسيلا في خطر، فأرسلوهما في مساء اليوم ذاته إلى بيرية التي تقع غرب تسالونيكي. وذهب الرسولان إلى مجمع اليهود. وكان يهود بيريّة أشرف وأعقل من يهود تسالونيكي، فأظهروا استعدادهم لسماع كلمة الإنجيل وتفسير النبوّات عن المسيح، وآمنوا وأظهروا نشاطاً روحياًّ حتى أنّهم كانوا يجتمعون للصّلاة كلّ يومٍ وليس في أيام السّبت فقط. ومن ذلك الوقت أصبح أهل بيريّة مثالاً في البحث عن الحق والإيمان به.

ولم يؤمن اليهود فقط في بيريّة بل آمن كثيرون من الوثنيّين، رجالاً ونساءً.

وعندما عرف يهود تسالونيكي بما حدث من تبشيرٍ ناجحٍ في بيريّة جاءوا إليها بقلوب مملوءة بالحقد، وأزعجوا أفكار الناس وحاولوا إفساد إيمانهم. ورأى المؤمنون في بيريّة شرّ يهود تسالونيكي وعزمهم على قتل بولس، فأرسلوه بحراً إلى أثينا، وأرسلوا بعض رفقائه إلى أثينا بَرّاً. أمّا سيلا وتيموثاوس فبقيا بعض الوقت في بيريّة، ثم ذهبا إلى بولس عندما طلبهما فيما بعد إلى أثينا وكورنثوس.

وهكذا حقّق بولس طلبة الرجل المكدوني الذي ظهر له في الرؤيا، وأسّس في ولاية مكدونية ثلاث كنائس هامّة: في فيلبّي، وتسالونيكي، وبيريّة.

بولس يكرز في أثينا

16 وَبَيْنَمَا بُولُسُ يَنْتَظِرُهُمَا فِي أَثِينَا احْتَدَّتْ رُوحُهُ فِيهِ إِذْ رَأَى الْمَدِينَةَ مَمْلُوءةً أَصْنَاماً، 17 فَكَانَ يُكَلِّمُ فِي الْمَجْمَعِ الْيَهُودَ الْمُتَعَبِّدِينَ وَالَّذِينَ يُصَادِفُونَهُ فِي السُّوقِ كُلَّ يَوْمٍ. 18 فَقَابَلَهُ قَوْمٌ مِنَ الْفَلاَسِفَةِ الأَبِيكُورِيِّينَ وَالرِّوَاقِيِّينَ. وَقَالَ بَعْضٌ: «تُرَى مَاذَا يُرِيدُ هَذَا الْمِهْذَارُ أَنْ يَقُولَ؟» وَبَعْضٌ: «إِنَّهُ يَظْهَرُ مُنَادِياً بِآلِهَةٍ غَرِيبَةٍ» - لأَنَّهُ كَانَ يُبَشِّرُهُمْ بِيَسُوعَ وَالْقِيَامَةِ. 19 فَأَخَذُوهُ وَذَهَبُوا بِهِ إِلَى أَرِيُوسَ بَاغُوسَ قَائِلِينَ: «هَلْ يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ مَا هُوَ هَذَا التَّعْلِيمُ الْجَدِيدُ الَّذِي تَتَكَلَّمُ بِهِ، 20 لأَنَّكَ تَأْتِي إِلَى مَسَامِعِنَا بِأُمُورٍ غَرِيبَةٍ. فَنُرِيدُ أَنْ نَعْلَمَ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ». 21 أَمَّا الأَثِينِيُّونَ أَجْمَعُونَ وَالْغُرَبَاءُ الْمُسْتَوْطِنُونَ فَلاَ يَتَفَرَّغُونَ لِشَيْءٍ آخَرَ إِلاَّ لأَنْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَسْمَعُوا شَيْئاً حَديثاً.

22 فَوَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الأَثِينِيُّونَ، أَرَاكُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَنَّكُمْ مُتَدَيِّنُونَ كَثِيراً 23 لأَنَّنِي بَيْنَمَا كُنْتُ أَجْتَازُ وَأَنْظُرُ إِلَى مَعْبُودَاتِكُمْ وَجَدْتُ أَيْضاً مَذْبَحاً مَكْتُوباً عَلَيْهِ: «لإِلَهٍ مَجْهُولٍ». فَالَّذِي تَتَّقُونَهُ وَأَنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ هَذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ. 24 الإِلَهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ، هَذَا إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي 25 وَلاَ يُخْدَمُ بِأَيَادِي النَّاسِ كَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ، إِذْ هُوَ يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْساً وَكُلَّ شَيْءٍ. 26 وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ 27 لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ، مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً. 28 لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً: لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ. 29 فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ اللهِ لاَ يَنْبَغِي أَنْ نَظُنَّ أَنَّ اللاَّهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ نَقْشِ صِنَاعَةِ وَاخْتِرَاعِ إِنْسَانٍ. 30 فَاللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ. 31 لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ» .

32 وَلَمَّا سَمِعُوا بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ كَانَ الْبَعْضُ يَسْتَهْزِئُونَ وَالْبَعْضُ يَقُولُونَ: «سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هَذَا أَيْضاً!». 33 وَهَكَذَا خَرَجَ بُولُسُ مِنْ وَسَطِهِمْ. 34 وَلَكِنَّ أُنَاساً الْتَصَقُوا بِهِ وَآمَنُوا مِنْهُمْ دِيُونِيسْيُوسُ الأَرِيُوبَاغِيُّ وَامْرَأَةٌ اسْمُهَا دَامَرِسُ، وَآخَرُونَ مَعَهُمَا (أعمال 17: 16-34).

ذهب بولس الرسول إلى أثينا في انتظار سيلا وتيموثاوس. وكانت أثينا عاصمة لإقليم «أخائية»، مركزاً للعلم والحكمة والفلسفة والصناعة والقوّة السياسيّة، وكانت بها مدارس عظيمة، كما كان فيها مذابح وهياكل كثيرة للأوثان. وعندما شاهد بولس كثرة أوثان أثينا تألّم جداً لأنّ في ذلك إهانة للإله الواحد الحقيقي، وكانت عبادة الأوثان تشجّع على الفساد والفجور. فذهب كعادته إلى مجمع اليهود ليبشّرهم بالمسيح الذي قام من الأموات، وأنّ قيامته برهان على أنّه الله الذي ظهر في الجسد. ولم يكتفِ بالكلام في مجمع اليهود، لكنّه تكلّم أيضاً في السّوق وهو محل التجارة والتنزّه واجتماع الناس لسماع المناظرات بين الفلاسفة والمعلّمين.

وكانت في أثينا مذاهب فلسفية كثيرة، مثل الأبيقوريّة والرواقية. والأبيقوريّون هم أتباع فيلسوف يوناني اسمه «أبيقور» قال إنّ في العالم آلهة كثيرة، لكنّها بعيدة عن العالم ولا تهتم بأحزان الناس ولا بخطاياهم، فلا تحتاج إلى صلوات الناس ولا تسمع دعاءهم، ولذلك فالإنسان حرٌّ أن يتبع كل الشّهوات التي يريدها طالما لا تسبِّب له الألم، لأنّه لا يوجد حساب أو عقاب في الآخرة، فإنّ النفس تموت كما يموت الجسد أيضاً.

أمّا الرواقيون فهم أتباع الفيلسوف اليوناني «زينو» الذي كان يعلّم تلاميذه في مكان مزيّن بالصّور اسمه «رواق» فصار اسم أتباعه «الرواقيون». وقد علَّم هذا المذهب أنّ الإنسان لا يجب أن يتأثر بأيّ شيء من الحوادث، سواء أكانت مفرحة أم محزنة، لأنّ الإنسان يسود على الحوادث، والحوادث لا تسود عليه. وكان الفلاسفة الرواقيون يؤمنون بالله، لكنّهم كانوا يؤمنون بألوهيّة الكائنات (أي أنّ الله والعالم شيء واحد) لأنّه موجود في النّبات والإنسان والحيوان والجماد. وكانوا يقولون إنّ النفوس ترجع أخيراً إلى الله الذي هو الأصل، وتفنى فيه.

إلى هؤلاء وإلى غيرهم جاء الرسول بولس يعظ بالمسيح المخلِّص الذي ينقذ الناس من سلطان شهواتهم. فلم يعجب وعظه الأبيقوريين لأنّ إنجيل المسيح يُقاوم شهواتهم. وكان بولس يعظ عن التواضع. ولم يعجب وعظه هذا الرواقيين لأنّهم اعتمدوا على برّهم الذاتي وافتخروا بحكمتهم الباطلة. ولمّا وعظ بولس عن «يسوع والقيامة» قال البعض إنّه مهذار، بمعنى أنّه يجمع قليلاً من الأفكار المختلفة ويُنادي بها.

وأخذ أهل أثينا بولس إلى «أريوس باغوس» (أي تل مارس إله الحرب عندهم) وهو مكان مرتفع كانوا يعقدون فيه احتفالاتهم العظيمة، وكان يجلس فيه قضاتهم على مقاعد منحوتة في الصخر. وطلبوا من بولس أن يخاطبهم بدينه الجديد، فقد كانوا يحبّون سماع كلّ فكر جديد، خصوصاً وأنّ كثيرين من طلاب العلم والفلسفة كانوا يجتمعون هناك.

ورأى بولس اهتمام أهل أثينا بالأمور الدينيّة، ولو أنّ اعتقاداتهم كانت خاطئة، وأراد أن يحوِّلهم عن خطئهم إلى عبادة الإله الواحد القدوس غير المنظور، فقال لهم إنّه عندما كان يمرُّ بين هياكل أوثانهم وجد مذبحاً مكتوباً عليه «لإلَهٍ مَجْهُولٍ».

وقصّة مذبح «الإله المجهول» قصّة طريفة، فقد حدث أن انتشر بين سكان أثينا مرض خطير، قالوا إنّه بسبب غضب أحد الآلهة عليهم. وأرادوا أن يعرفوا من يكون ذلك الإله حتى يُرضوه، فأطلقوا الأغنام في المدينة، وعندما كانت إحداها ترقد عند مذبح أحد الآلهة كانوا يذبحونها حتى يرضى ذلك الإله عليهم. لكنّ بعض الأغنام رقدت حيث لا صنم ولا هيكل، فأقاموا في تلك الأماكن مذابح كتبوا عليها «لإِلَهٍ مَجْهُولٍ».

وانطلق بولس من هذه الفكرة يبشّرهم بالمسيح، فقال إنّهم يعترفون بوجود إله يستحق العبادة ولو أنّهم يجهلون اسمه وصفاته. وهو الإله الذي ينادي لهم به، فهو الإله الواحد الحق الذي خلق العالم كله، لا يحدُّه هيكل بناه الناس، ولا يحتاج إلى ذبائح لأنّه واهب الحياة لجميع الكائنات، وقد خلق جميع سكان الأرض من أصل واحد، وقضى بكل الأحوال التي تؤثّر في أخلاقهم، وهم يشاهدون أعماله في عالمهم فيرجعون إليه، وهو قريب من كلّ من يحاول الوصول إليه، وقد أوجد وسائط كافية لمعرفته، لأنّنا به نحيا ونتحرّك ونوجد. ولمّا كان الإنسان نفساً حيّة عاقلة، يلزم أن يكون خالق الإنسان روحاً وحيّاً وعاقلاً. لذلك لا يجب أن نفتكر أنّ هذا الجوهر الإلهي الحيّ جماد مثل الفضة أو الذهب أو الحجر.

ثمّ قال بولس إنّ الله يأمر كل الناس في كل مكان أن يرجعوا عن أفكارهم الباطلة وعبادة الوثن، ويؤمنوا بالله الحيّ الحقيقي لأنّه عيّن وقتاً يدين فيه جميع الناس من يهود وأمم، وسيكون المسيح هو الديّان، وبقيامته جاء بالبراهين المقنعة لكل من يسمع له ويؤمن به، لأنّه الحيّ المُقام.

وما أن سمع الأثينيون أنّ الله أقام المسيح من الأموات حتى بدأوا يستهزئون ببولس ويقولون له: «سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هَذَا أَيْضاً!». وكان اليونانيون القدماء لا يؤمنون بالقيامة، وقال «إستبولوس» أحد شعرائهم: «من مات فليس له قيامة». لذلك سخروا وقالوا إنّ بولس مجنون. ولكنّ عدداً قليلاً تأثّر بكلامه وقتياً ولو أنّهم لم يسمحوا له أن يكمّل كلامه. على أنّ بعضهم آمنوا بالمسيح، ومنهم ديونيسيوس الأريوباغي وامرأة اسمها «دامرس» وآخرون معهما.

وأهمّ ما نلمسه في خطاب بولس أنّه ردَّ على أفكار كثيرة كانت منتشرة بين اليهود والوثنيين في ذلك الوقت، فقد أوضح أنّ العالم لا يمكن أن يعرف الله بالحكمة، ولا يستطيع الإنسان مهما كانت حكمته أن يعرف كلّ شيء عن الله (1كورنثوس 1: 21). ونادى بوحدانية الله لتصحيح فكر الوثنيين. واعتبر اليهود أنّ مسكن الله هو في هيكلهم في أورشليم، لكنّ بولس أوضح أنّ الله ليس محدوداً بمكان.

ومن موعظة بولس في أثينا نرى أنّ كلمة الله لا ترجع إليه بدون ثمر، فحتّى بين المستهزئين يختار الله الذين له ليؤمنوا به.

آية للحفظ

«فَاللهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ» (أعمال 17: 30)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأنّك توضّح الحق للجميع، حتى لو قاومه البعض. وأشكرك لأجل الذين يقبلون الحق حتى لو كانوا قليلين، فهؤلاء هم ملح الأرض ونور العالم.

سؤال

19 - لماذا دعا بولس الإله الذي ينادي به أنّه إله مجهول؟

بولس يكرز في كورنثوس

1 وَبَعْدَ هَذَا مَضَى بُولُسُ مِنْ أَثِينَا وَجَاءَ إِلَى كُورِنْثُوسَ 2فَوَجَدَ يَهُودِيّاً اسْمُهُ أَكِيلاَ بُنْطِيَّ الْجِنْسِ كَانَ قَدْ جَاءَ حَدِيثاً مِنْ إِيطَالِيَا وَبِرِيسْكِلاَّ امْرَأَتَهُ - لأَنَّ كُلُودِيُوسَ كَانَ قَدْ أَمَرَ أَنْ يَمْضِيَ جَمِيعُ الْيَهُودِ مِنْ رُومِيَةَ. فَجَاءَ إِلَيْهِمَا. 3 وَلِكَوْنِهِ مِنْ صِنَاعَتِهِمَا أَقَامَ عِنْدَهُمَا وَكَانَ يَعْمَلُ، لأَنَّهُمَا كَانَا فِي صِنَاعَتِهِمَا خِيَامِيَّيْنِ. 4 وَكَانَ يُحَاجُّ فِي الْمَجْمَعِ كُلَّ سَبْتٍ وَيُقْنِعُ يَهُوداً وَيُونَانِيِّينَ. 5 وَلَمَّا انْحَدَرَ سِيلاَ وَتِيمُوثَاوُسُ مِنْ مَكِدُونِيَّةَ كَانَ بُولُسُ مُنْحَصِراً بِالرُّوحِ وَهُوَ يَشْهَدُ لِلْيَهُودِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. 6 وَإِذْ كَانُوا يُقَاوِمُونَ وَيُجَدِّفُونَ نَفَضَ ثِيَابَهُ وَقَالَ لَهُمْ: «دَمُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ. أَنَا بَرِيءٌ. مِنَ الآنَ أَذْهَبُ إِلَى الأُمَمِ». 7 فَانْتَقَلَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ رَجُلٍ اسْمُهُ يُوسْتُسُ كَانَ مُتَعَبِّداً للهِ، وَكَانَ بَيْتُهُ مُلاَصِقاً لِلْمَجْمَعِ. 8 وَكِرِيسْبُسُ رَئِيسُ الْمَجْمَعِ آمَنَ بِالرَّبِّ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ، وَكَثِيرُونَ مِنَ الْكُورِنْثِيِّينَ إِذْ سَمِعُوا آمَنُوا وَاعْتَمَدُوا. 9 فَقَالَ الرَّبُّ لِبُولُسَ بِرُؤْيَا فِي اللَّيْلِ: «لاَ تَخَفْ بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، 10 لأَنِّي أَنَا مَعَكَ وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ». 11 فَأَقَامَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ يُعَلِّمُ بَيْنَهُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ (أعمال 18: 1 - 11).

وعظ بولس في أثينا ولاقى نجاحاً قليلاً، فتركها وذهب إلى كورنثوس، وهي مدينة كبيرة تقع على بُعد خمسين ميلاً غرب أثينا، وهي من بلاد اليونان، واشتهرت بعظمة متاجرها وكثرة هياكلها الوثنية التي كان أهمها «هيكل الزهرة» الذي كانت تخدمه ألف كاهنة زانية، كما كان في كورنثوس يهود كثيرون. وبقي بولس يعظ ويعلّم في كورنثوس سنة ونصف.

وجد بولس في كورنثوس رجلاً يهوديَّ الأصل، وُلد في مدينة بنطس، اسمه «أكيلا» كان قد آمن بالمسيح، وكانت زوجته «بريسكلا» رومانية الأصل تعرف الكتاب المقدس جيداً. وقد جاء كلاهما من إيطاليا إلى كورنثوس، لأنّ الإمبراطور كلوديوس قيصر كان قد طرد جميع اليهود من رومية بسبب مشاغباتهم وفتنهم. وأقام بولس في منزلهما. وكانت عادة اليهود أن يعلّموا أولادهم حرفةً ليكسبوا منها رزقهم إن ضاقت بهم السّبل، وكان صُنع الخيام حرفة أكيلا وبريسكلا، وبولس.

وفي كل يوم سبت كان بولس يذهب حسب عادته إلى مجمع اليهود ليبشّر اليهود واليونانيين المتهوّدين بأنّ المسيّا المخلِّص المنتظَر قد جاء. واقتنع بعضهم بصدق رسالته.

ولحق سيلا وتيموثاوس ببولس في كورنثوس، بعد أن كانا في مدينة تسالونيكي حيث تركهما بولس. ووجدا بولس مملوءاً من الرّوح القدس والغيرة ينادي بأنّ يسوع هو المسيح الموعود به في العهد القديم، حتى سمع كل من كان في مجمع اليهود في كورنثوس. لكنّ بعض الذين سمعوا شتموا بولس وأنكروا لاهوت المسيح، فنفض بولس ثيابه إشارة إلى أنّ الله رفضهم لأنهم رفضوا الحق، وقال لهم: «دَمُكُمْ عَلَى رُؤُوسِكُمْ». أي أنّ اللوم عليكم في هلاككم لأنّكم رفضتم المسيح. وهو قول معروف عند اليهود الذين طالبوا بصلب المسيح قائلين: «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا» (متّى 27: 25). ثمّ تركهم وذهب ليبشّر الأمم، فجاء إلى بيت رجل روماني اسمه «يوستس» كان قد آمن بالمسيح. وكان بيت يوستس ملاصقاً لمجمع اليهود.

وفتح الرب قلب «كريسبس» أحد قادة اليهود، كان رئيساً لمجمعهم، فآمن هو وكل بيته أنّ يسوع هو المسيح المنتظَر وأنّه الرب والمخلّص، واعتمدوا. وبلغ هذا الخبر كثيرين من أهل كورنثوس فآمنوا واعتمدوا أيضاً.

وشجَّع الله رسوله بولس في رؤيا في الليل وقال له: «لاَ تَخَفْ بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ.. لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ». ولعلّ بولس كان خائفاً من مقاومة اليهود الشّديدة ومن شرور المدينة، فأكَّد الله له أنّه موجود معه يقف بجانبه فلا يؤذيه أحد، ولا يعطّل أحدٌ انتشار رسالته في كورنثوس.

وتشدّد بولس وتشجّع وأقام في كورنثوس سنة وستة أشهر يبشّر بكلمة الله. ومن هذا نتعلّم أنّه يجب ألاّ نيأس من التبشير باسم المسيح، حتى في الأماكن التي تقاومه «لأنّ كَلِمَةَ اٰللّٰهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ» (عبرانيين 4: 12).

آية للحفظ

«لاَ تَخَفْ بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْباً كَثِيراً فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ» (أعمال 18: 9، 10)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأجل وعودك الصّالحة لكل من يشهد لك في بيته وكنيسته وبلده، لأنّك معه، ولأنّ لك شعباً كثيراً، حيث يسكن وإلى حيث يذهب.

سؤال

20 - ماذا تعرف عن يوستس وكريسبس؟

بولس أمام غاليون الوالي

12 وَلَمَّا كَانَ غَالِيُونُ يَتَوَلَّى أَخَائِيَةَ قَامَ الْيَهُودُ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى بُولُسَ وَأَتَوْا بِهِ إِلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ 13 قَائِلِينَ: «إِنَّ هَذَا يَسْتَمِيلُ النَّاسَ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ بِخِلاَفِ النَّامُوسِ». 14 وَإِذْ كَانَ بُولُسُ مُزْمِعاً أَنْ يَتَكَلَّمَ قَالَ غَالِيُونُ لِلْيَهُودِ: «لَوْ كَانَ ظُلْماً أَوْ خُبْثاً رَدِيّاً أَيُّهَا الْيَهُودُ لَكُنْتُ بِالْحَقِّ قَدِ احْتَمَلْتُكُمْ. 15 وَلَكِنْ إِذَا كَانَ مَسْأَلَةً عَنْ كَلِمَةٍ وَأَسْمَاءٍ وَنَامُوسِكُمْ فَتُبْصِرُونَ أَنْتُمْ، لأَنِّي لَسْتُ أَشَاءُ أَنْ أَكُونَ قَاضِياً لِهَذِهِ الأُمُورِ». 16 فَطَرَدَهُمْ مِنَ الْكُرْسِيِّ. 17 فَأَخَذَ جَمِيعُ الْيُونَانِيِّينَ سُوسْتَانِيسَ رَئِيسَ الْمَجْمَعِ وَضَرَبُوهُ قُدَّامَ الْكُرْسِيِّ وَلَمْ يَهُمَّ غَالِيُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ (أعمال 18: 12-17).

أقام بولس في كورنثوس سنةً ونصف إقامة مستريحة، وكانت هذه أطول مدة قضاها في مكان واحد منذ بدأ رحلاته التبشيريّة وحتى ذلك الوقت، فأسّس كنائس في ثلاث بلاد من مقاطعة أخائية هي كورنثوس (العاصمة)، وكنخريا، وأخائية. واغتاظ اليهود من نجاح كرازة بولس فاشتكوه لغَالِيُون والي إقليم أخائية. وغَالِيُون هذا شقيق الفيلسوف الروماني «سنيكا» الذي علَّم الإمبراطور نيرون. وكان غَالِيُون حسن الأخلاق محبوباً من جميع الناس. وكان من عادة الولاة الرومان أن يذهبوا في أيام معيّنة إلى ساحة المدن التي يحكمونها للنظر في شكاوى السكان. فنقل عساكر غاليون كرسي الحكم ليجلس عليه الوالي وسط ساحة المدينة. وانتهز اليهود هذه الفرصة وأحضروا بولس أمام الحاكم واشتكوا عليه قائلين إنّه يستميل الناس ويخدع اليهود حتى يعبدوا الله بطريقة تخالف شريعة موسى.

وعندما حاول بولس أن يتكلّم دفاعاً عن نفسه قاطعه غَالِيُون، فقد كان والياً حكيماً، سمع عن بولس وعن تبشيره من قبل، كما كان يعرف تعصُّب اليهود وميلهم إلى المباحثات الكلامية في الشريعة. فلم يترك بولس يدافع عن نفسه ودافع هو عنه، وقال لليهود إنّ شكواهم باطلة وإنّه لا حاجة لبولس أن يدافع عن نفسه لأنّ الشريعة الرومانية لا تدينه، فهي تحترم حقوق الإنسان. وقال إنّه سمع كلامهم الطويل وشكواهم ضد بولس لأنّه يقول عن يسوع الناصري إنّه المسيح، وهذا يخالف ناموس اليهود. فعلى اليهود أن يحكموا في هذه القضية بموجب شريعتهم. ثمّ طردهم من محضره!

وكان «سوستانيس» رئيس مجمع اليهود زعيم المشتكين على بولس. وكان الوثنيون يبغضون اليهود، فأخذ اليونانيون الوثنيون سوستانيس من أمام غَالِيُون الوالي وضربوه، فلم يمنعهم الوالي من ضربه!

لقد قصد اليهود أن يؤذوا بولس، فحقَّق الله له ما رآه في الرؤيا وأنقذه من يدهم، وحلَّت الإهانة بسوستانيس رئيس اليهود بدلاً منه. بل إنّ الرؤيا تحقّقت أكثر لأنّ سوستانيس آمن بالمسيح بعد ذلك، واشترك مع بولس في إرسال رسالة إلى كورنثوس (1كورنثوس 1:1).

بولس يرجع إلى أنطاكية

18 وَأَمَّا بُولُسُ فَلَبِثَ أَيْضاً أَيَّاماً كَثِيرَةً ثُمَّ وَدَّعَ الإِخْوَةَ وَسَافَرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى سُورِيَّةَ وَمَعَهُ بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ بَعْدَمَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي كَنْخَرِيَا - لأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ. 19 فَأَقْبَلَ إِلَى أَفَسُسَ وَتَرَكَهُمَا هُنَاكَ. وَأَمَّا هُوَ فَدَخَلَ الْمَجْمَعَ وَحَاجَّ الْيَهُودَ. 20 وَإِذْ كَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ زَمَاناً أَطْوَلَ لَمْ يُجِبْ. 21 بَلْ وَدَّعَهُمْ قَائِلاً: «يَنْبَغِي عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ أَعْمَلَ الْعِيدَ الْقَادِمَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَلَكِنْ سَأَرْجِعُ إِلَيْكُمْ أَيْضاً إِنْ شَاءَ اللهُ». فَأَقْلَعَ مِنْ أَفَسُسَ. 22 وَلَمَّا نَزَلَ فِي قَيْصَرِيَّةَ صَعِدَ وَسَلَّمَ عَلَى الْكَنِيسَةِ ثُمَّ انْحَدَرَ إِلَى أَنْطَاكِيَةَ (أعمال 18: 18-22).

رفض غَالِيُون الوالي أن يعاقب بولس، ولم يسمع لشكوى اليهود عليه، فسكّت هياجهم ولم يعارضوه، وبقي بولس بعد ذلك في كورنثوس أياماً كثيرة، ثمّ ودّع أعضاء الكنيسة وسافر في البحر الأبيض المتوسط قاصداً أنطاكية في سوريا التي بدأ منها رحلته التبشيريّة الثانية. وكان في عزمه أن يزور أورشليم ويعيِّد فيها عيد الخمسين. وأخذ بولس معه من كورنثوس أكيلا وزوجته بريسكلا.

وفي الطريق توقّف بولس في «كنخريا» حيث كانت توجد كنيسة (رومية 16: 1). وفيها حلق شعره وفاءً لنذر شخصي لا نعرف سببه. ربّما كان قد نذر نذره إن نجا من خطر، أو إن نجح في تبشيره، أو ليُظهر لليهود أنّه لا يكره الديانة اليهودية كما اتَّهموه. والنذور الشخصية كثيرة في الكتاب المقدس، وكان حلق الشعر عند انتهاء مدة النذور من الطقوس اليهودية (عدد 6: 1-21 وأعمال 21: 24).

ومن كنخريا سافر بولس إلى أفسس ومعه أكيلا وبريسكلا. وأفسس مدينة كبيرة في آسيا الصغرى، كانت ميناءً هاماً يسكنها يهود كثيرون، فبشّرهم بالمسيح موضّحاً لهم ذلك من العهد القديم. وقد استحسن يهود أفسس وعظ بولس فطلبوا منه أن يمكث معهم مدة أطول للوعظ، لكنّه اعتذر لأنّه يرغب أن يذهب إلى أورشليم ليعيِّد عيد الخمسين فيها، وكان يجب أن يسافر بدون تأخير لأنّ حالة البحر في ذلك الوقت من السنة كانت مناسبةً لسفر السفن الشراعية، وكان بولس قد قدَّر مدة السفر، ولم يكن يريد أن يتأخر عن موعد العيد حتى يبشّر اليهود القادمين من كلّ أنحاء الدنيا إلى أورشليم ليحتفلوا بعيد الخمسين. ووعد بولس يهود أفسس أن يرجع إليهم مرّة أخرى إن كانت هذه إرادة الله.

وأبحر بولس من أفسس إلى قيصريّة في طريقه إلى أورشليم. وكانت قيصريّة ميناءً هاماً نزل فيها بولس من السفينة وذهب بطريق البر إلى أورشليم. وفي أورشليم ذهب إلى الكنيسة وسلّم على الإخوة واجتمع بالرسل بعد غيابه الطويل عنهم. وكانت هذه زيارته الرابعة لأورشليم بعد أن أصبح مسيحياً.

ثم سافر من أورشليم إلى أنطاكية في سوريا. وبوصوله إليها انتهت رحلته التبشيريّة الثانية التي استغرقت حوالي ثلاث سنوات ونصف السنة (من سنة 51 - 54م). وكانت زيارته لأنطاكية هي آخر زياراته لها.

ومن رحلة بولس الرسول الثانية نلاحظ أنّه انتهز كل فرصة لتبشير اليهود والأمم، وأنّه لم يكن يخاف من الاضطهاد لأنّ الروح القدس ملأ قلبه غيرة على توصيل رسالة الإنجيل لجميع الناس الذين قابلهم.

والرب يطلبك لتشهد له. فهل أنت مستعد أن تخبر الآخرين ببركة اختبارك لخلاص المسيح؟

المسابقة الثالثة في سفر أعمال الرسل

أيها القارئ العزيز

إن تعمّقت في دراسة هذا الكتاب تقدر أن تجاوب هذه الأسئلة بسهولة. وتقديراً لاشتراكك نرسل لك أحد كتبنا كجائزة. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملين عند إرسال إجابتك إلينا.

  1. ما هو العمل الذي دعا الله برنابا وشاول ليقوما به؟

  2. اذكر سبباً لتغيير اسم شاول إلى بولس.

  3. لماذا رجع يوحنّا مرقس إلى أورشليم؟

  4. لماذا بشّر برنابا وبولس اليهود أوّلاً؟

  5. كيف عمل الرب بقوّة الروح القدس لينشر الإنجيل في إيقونية؟

  6. ما هي الطريقة التي جهَّزها الرب ليدفع أهل لسترة إلى الإيمان؟

  7. لماذا أحاط بعض المؤمنين ببولس بعد رجمه وإلقائه خارج لسترة؟

  8. لماذا قرّر مؤمنو أنطاكية أن يرفعوا خلافاتهم العقائدية إلى كنيسة أورشليم؟

  9. لماذا طلب بطرس إعفاء الراجعين للمسيح من خلفية وثنية من الاختتان؟

  10. ماذا كان موقف يعقوب من طلب بولس وبرنابا؟

  11. ما معنى «كونوا معافين»؟

  12. لماذا فرح المؤمنون عندما قرأوا قرار مجمع أورشليم؟

  13. لماذا سجَّل الوحي لنا خبر مشاجرة بولس وبرنابا؟

  14. لماذا ختن بولس تيموثاوس، بالرغم من قرار مجمع أورشليم؟

  15. لماذا كانت ليدية في فيلبّي مع أنها من ثياتيرا؟

  16. لماذا طرد بولس روح العرافة من الجارية؟

  17. لماذا تهلّل مدير سجن فيلبّي مع جميع بيته؟

  18. ماذا تعرف عن ياسون؟

  19. لماذا دعا بولس الإله الذي ينادي به أنّه إله مجهول؟

  20. ماذا تعرف عن يوستس وكريسبس؟

عنواننا:


Call of Hope  P.O.Box 10 08 27 
70007
Stuttgart
Germany

الفصل الحادي عشر: الرّحلة التبشيريّة الثالثة (أعمال 18: 23 - 21: 16)

أنهى بولس الرّسول رحلته التّبشيرية الثانية بوصوله إلى أورشليم. وأثناءها أعطى الربّ بولس ورفاقه نجاحاً فتأسّست كنائس كثيرة رغم اضطهاد اليهود وغيرهم للمسيحيين. لكنّ هذا كلّه لم يوقف بولس ورفاقه عن التّبشير، فلا بدّ أن يتمْ قصد المسيح في أن يكون بولس رسولاً للأمم يكرز لهم بالإنجيل. لذلك قرّر أن يقوم برحلة تبشيريّة ثالثة، يثبِّت أثناءها الكنائس القديمة، ويؤسّس بعمل الروح القدس كنائس جديدة.

أبلّوس يفهم طريق الرب

23 وَبَعْدَمَا صَرَفَ زَمَاناً خَرَجَ وَاجْتَازَ بِالتَّتَابُعِ فِي كُورَةِ غَلاَطِيَّةَ وَفِرِيجِيَّةَ يُشَدِّدُ جَمِيعَ التَّلاَمِيذِ. 24 ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى أَفَسُسَ يَهُودِيٌّ اسْمُهُ أَبُلُّوسُ إِسْكَنْدَرِيُّ الْجِنْسِ رَجُلٌ فَصِيحٌ مُقْتَدِرٌ فِي الْكُتُبِ. 25 كَانَ هَذَا خَبِيراً فِي طَرِيقِ الرَّبِّ. وَكَانَ وَهُوَ حَارٌّ بِالرُّوحِ يَتَكَلَّمُ وَيُعَلِّمُ بِتَدْقِيقٍ مَا يَخْتَصُّ بِالرَّبِّ، عَارِفاً مَعْمُودِيَّةَ يُوحَنَّا فَقَطْ. 26 وَابْتَدَأَ هَذَا يُجَاهِرُ فِي الْمَجْمَعِ. فَلَمَّا سَمِعَهُ أَكِيلاَ وَبِرِيسْكِلاَّ أَخَذَاهُ إِلَيْهِمَا وَشَرَحَا لَهُ طَرِيقَ الرَّبِّ بِأَكْثَرِ تَدْقِيقٍ. 27 وَإِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَجْتَازَ إِلَى أَخَائِيَةَ كَتَبَ الإِخْوَةُ إِلَى التَّلاَمِيذِ يَحُضُّونَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوهُ. فَلَمَّا جَاءَ سَاعَدَ كَثِيراً بِالنِّعْمَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَدْ آمَنُوا 28 لأَنَّهُ كَانَ بِاشْتِدَادٍ يُفْحِمُ الْيَهُودَ جَهْراً مُبَيِّناً بِالْكُتُبِ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ (أعمال 18: 23-28).

صرف بولس زماناً في أورشليم ثمّ سافر ليزور بعض الكنائس، فذهب إلى إقليمي غلاطية وفريجية في أسيا الصغرى، وكان قد أسّس فيهما كنائس في الرحلة التبشيريّة الثانية (أعمال 16: 6). وكان ذهابه إليهما ليشدّد أعضاء الكنائس فيهما، فحصلت الكنائس على بركة ومساعدة روحيّة. ثمّ وصل إلى أفسس.

وكان قد جاء إلى أفسس يهودي اسمه «أبلّوس» من الإسكندرية في مصر، كان مقتدراً في الكلام لأنّه تعلّم في أشهر مدارس الإسكندرية، وكان عارفاً بكلمة الله قادراً على تفسيرها، غيوراً على تعليم الناس أفراداً وجماعات. غير أنّ معرفته الدينية عن المسيح كانت قاصرةً على تعليم يوحنّا المعمدان. وربما يكون قد سمع عن صَلب المسيح وقيامته، ولكنّه لم يكن قد سمع عن حلول الرّوح القدس يوم الخمسين، ولم يكن يعرف أنّ في موت المسيح غفراناً لخطايا كل من يؤمن به، وبه يستغني العالم عن طقوس شريعة موسى وذبائحها.

وحضر أبلّوس مجمع اليهود في أفسس يوم السبت، وبقدر ما كان يعرف وعظ ما نادى به يوحنّا المعمدان، ودعا المستمعين إلى معمودية التوبة. وكان أكيلا وزوجته بريسكلا من بين سامعيه، فأخذاه وشرحا له طريق الرب، وأوضحا له التّعليم عن المسيح الذي أكمل ناموس موسى كلّه، وأنّ موته فداءٌ للعالم، فلم تبقَ حاجة إلى ذبائح الهيكل، ثم أخبراه بموهبة الروح القدس. وسمع أبلّوس كلام أكيلا وبريسكلا بكل فرح وتواضع، وفتح الرب قلبه للإيمان.

وأراد أبلوس أن يذهب إلى كنيسة كورنثوس (عاصمة إقليم أخائية) بعد أن سمع من أكيلا وبريسكلا عن أخبار نجاح تلك الكنيسة، فكتب له الإخوة في أفسس خطاب توصية إلى الإخوة في كورنثوس. وهذه أوّل مرّة يُذكر فيها في سفر الأعمال «خطاب توصية» صارت الكنائس تكتبه بعد ذلك لتعرِّف غيرها بالمؤمنين الصادقين (2كورنثوس 3: 1) حرصاً منها على سلامة العقيدة من خطر المعلِّمين المنحرفين، وحفظاً لسلامة أعضائها من الجواسيس والمندسِّين. فالذي يحمل رسالة توصية من كنيسة ترحِّب به الكنائس الأخرى.

وهكذا جاء أبلّوس إلى كنيسة كورنثوس، ووهبه الروح القدس نعمة خاصة استطاع بها أن ينفع الكنيسة ويخدمها، فساعد المؤمنين بتقويتهم في الإيمان والمعرفة، وبشَّر اليهود الذين لم يؤمنوا، وقدَّم لهم البراهين القويّة حتى عجزوا عن مجادلته.

ومن حياة أبلّوس نتعلّم أنّ المبشّر المسيحي يجب أن تكون له القدرة على إفادة المؤمنين، والقوّة الحكيمة على إقناع غير المؤمنين.

بولس يعظ في أفسس

1 فَحَدَثَ فِيمَا كَانَ أَبُلُّوسُ فِي كُورِنْثُوسَ أَنَّ بُولُسَ بَعْدَ مَا اجْتَازَ فِي النَّوَاحِي الْعَالِيَةِ جَاءَ إِلَى أَفَسُسَ. فَإِذْ وَجَدَ تَلاَمِيذَ 2 سَأَلَهُمْ: «هَلْ قَبِلْتُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟» قَالُوا لَهُ: «وَلاَ سَمِعْنَا أَنَّهُ يُوجَدُ الرُّوحُ الْقُدُسُ». 3 فَسَأَلَهُمْ: «فَبِمَاذَا اعْتَمَدْتُمْ؟» فَقَالُوا: «بِمَعْمُودِيَّةِ يُوحَنَّا». 4 فَقَالَ بُولُسُ: «إِنَّ يُوحَنَّا عَمَّدَ بِمَعْمُودِيَّةِ التَّوْبَةِ قَائِلاً لِلشَّعْبِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِالَّذِي يَأْتِي بَعْدَهُ أَيْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ». 5 فَلَمَّا سَمِعُوا اعْتَمَدُوا بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ. 6 وَلَمَّا وَضَعَ بُولُسُ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْهِمْ فَطَفِقُوا يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتٍ وَيَتَنَبَّأُونَ. 7 وَكَانَ جَمِيعُ الرِّجَالِ نَحْوَ اثْنَيْ عَشَرَ (أعمال 19: 1-7).

كان أبلّوس يعمل في كورنثوس (عاصمة إقليم أخائية) قبل أن يصل بولس إلى أفسس، لأنّ بولس كان يجول في إقليمي غلاطية وفريجية، وهما مرتفعتان عن ساحل أفسس. وكان بولس قد وعد بزيارة كنيسة أفسس (أعمال 18: 21) فوفى بوعده، وجعل أفسس مركزاً للرّحلة التّبشيريّة الثالثة. وقصد أن يجعلها حصن الدين المسيحي في أسيّا، كما سبق أن جعل كورنثوس حصن الدين المسيحي في بلاد اليونان.

وأفسس مدينة كبيرة في أسيّا الصغرى اشتهرت بتجارتها وغناها، وعبد أهلها الأوثان ومارسوا السّحر، وكان فيها ملعب يسع ثلاثين ألف مشاهد، كما كان فيها هيكل أرطاميس (ديانا) العظيم الذي كان واحداً من عجائب الدنيا السبع.

وكان في أفسس بعض اليهود الذين صاروا تلاميذ ليوحنّا المعمدان، ثم اعترفوا بالمسيح على قدر ما عرفه يوحنّا المعمدان. فجاء بولس إليهم وسألهم إن كانوا قد قبلوا الرّوح القدس وقت معموديّتهم، فأجابوه أنهم لم يسمعوا بوجوده، وكانوا في ذلك مثل أبلّوس. فبدأ بولس يشرح لهم أنّ رسالة المعمدان لم تكن سوى تجهيز لطريق المسيح، وأنها لم تكن كافية لتوضِّح حقيقة الديانة المسيحية ولا طريق الخلاص، لكنّها دلّت الناس على أنّ المسيح هو «حَمَلُ اٰللّٰهِ اٰلَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ اٰلْعَالَمِ» (يوحنّا 1: 29).

تأثّر السّامعون من كلام بولس الرسول فآمنوا، وأظهروا إيمانهم بقبول المعمودية باسم المسيح، ثم وضع بولس يديه عليهم ليحلّ الروح القدس عليهم، كما حدث مع مؤمني السّامرة (أعمال 8: 17) ففي الحال ابتدأوا يتكلّمون بألسنة أي بلغات مختلفة، ويتنبّأون أي يعظون ببنيان وتسلية وتشجيع (أعمال 8: 16، 17 و9: 17، 18 و10: 46، 48 و1كورنثوس 14: 3). وكان عدد أولئك التلاميذ اثني عشر شخصاً.

وهنا نلاحظ الفرق بين معمودية يوحنّا المعمدان ومعمودية المسيح: معمودية يوحنّا كانت إعلاناً للمسيح الذي سيأتي، ومعمودية المسيح كانت للإيمان أنّه أتى. وكانت معمودية يوحنّا تجهيزاً للنظام المسيحي وليست بديلاً للختان، أما معمودية المسيح فكانت سراً وعهداً أعطاه المسيح للكنيسة كما كان الختان في العهد القديم. ولم تكن معمودية يوحنّا باسم أقانيم اللاهوت الثلاثة الآب والابن والروح القدس، أمّا معمودية المسيح فهي باسم الإله الواحد المثلّث الأقانيم.

آية للحفظ

«هَلْ قَبِلْتُمُ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمَّا آمَنْتُمْ؟» (أعمال 19: 2)

صلاة

أشكرك يا أبي السّماوي لأنّ الروح القدس يسكن فيَّ منذ قبلت المسيح مخلِّصاً لي. املأني دائماً من روحك لأعيش حياة الطاعة والشهادة لك.

سؤال

1 - ما هو الفرق بين معمودية يوحنّا المعمدان ومعمودية المسيح؟

بولس يعظ في مدرسة تيرانس

8 ثُمَّ دَخَلَ الْمَجْمَعَ وَكَانَ يُجَاهِرُ مُدَّةَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ مُحَاجّاً وَمُقْنِعاً فِي مَا يَخْتَصُّ بِمَلَكُوتِ اللهِ. 9 وَلَمَّا كَانَ قَوْمٌ يَتَقَسُّونَ وَلاَ يَقْنَعُونَ شَاتِمِينَ الطَّرِيقَ أَمَامَ الْجُمْهُورِ اعْتَزَلَ عَنْهُمْ وَأَفْرَزَ التَّلاَمِيذَ مُحَاجّاً كُلَّ يَوْمٍ فِي مَدْرَسَةِ إِنْسَانٍ اسْمُهُ تِيرَانُّسُ - 10 وَكَانَ ذَلِكَ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ حَتَّى سَمِعَ كَلِمَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ جَمِيعُ السَّاكِنِينَ فِي أَسِيَّا مِنْ يَهُودٍ وَيُونَانِيِّينَ. 11 وَكَانَ اللهُ يَصْنَعُ عَلَى يَدَيْ بُولُسَ قُوَّاتٍ غَيْرَ الْمُعْتَادَةِ 12 حَتَّى كَانَ يُؤْتَى عَنْ جَسَدِهِ بِمَنَادِيلَ أَوْ مَآزِرَ إِلَى الْمَرْضَى فَتَزُولُ عَنْهُمُ الأَمْرَاضُ وَتَخْرُجُ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ مِنْهُمْ (أعمال 19: 8-12).

قضى بولس ثلاثة شهور يعظ ويعلِّم في مجمع اليهود في أفسس لأنّ عندهم الوحي الذي تنبّأ بمجيء المسيح، فيكونون أقرب لفهم رسالة المسيح، وكان يبشّرهم بملكوت الله، ويوضّح لهم صدق الإيمان المسيحي بالبراهين المقنعة من التوراة، ويطلب منهم أن يؤمنوا بالمسيح.

على أنّ أولئك السّامعين كانوا قُساة القلوب، فرفضوا قبول رسالة الإنجيل، وكانوا يجدّفون على اسم المسيح ويشتمون بولس، وحاولوا إثارة الوثنيين عليه. فأخذ بولس الذين آمنوا وأسّس منهم كنيسة أفسس ونظّمها، وأخذ يعقد اجتماعاته في مدرسة شخص اسمه «تيرانس» (ولعله فيلسوف يوناني كان يعلّم الفلسفة، ثم قَبِل المسيح). وظلّ بولس يقيم اجتماعاته في تلك المدرسة مدة سنتين، فأعطى فرصة لجميع الساكنين في أسيّا من يهود ويونانيين ليسمعوا كلمة الخلاص.

وكان الله يصنع معجزات على يديّ بولس، فكان الناس يضعون مناديل أو مآزر على جسده ثمّ يضعونها على مرضاهم فينالون الشفاء. وبالطبع لم تكن لتلك المناديل أو المآزر قوّة في ذاتها، لكنّها كانت براهين على قوّة الله التي وهبها لرسوله بولس، ليؤمن الناس بتعليمه وليتأكد أهل أفسس من قوّة الإيمان. وليعرفوا أنّ كل شيء مستطاع عند الله للمؤمن بما يفوق قوّة كل السحر الذي كانوا يمارسونه.

لم تكن المعجزات التي عملها الله بواسطة بولس لشفاء المرضى فقط، بل كانت لإخراج الشياطين أيضاً. وكان إخراجها من جسم الإنسان من أعظم الأدلّة على القوّة الإلهية التي تقهر قُوى إبليس. وهكذا كان الرب يتعظّم في كنيسته بواسطة الرسول بولس.

أولاد سكاوا والأرواح الشريرة

13 فَشَرَعَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ الطَّوَّافِينَ الْمُعَزِّمِينَ أَنْ يُسَمُّوا عَلَى الَّذِينَ بِهِمِ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ قَائِلِينَ: «نُقْسِمُ عَلَيْكَ بِيَسُوعَ الَّذِي يَكْرِزُ بِهِ بُولُسُ!» 14 وَكَانَ الَّذِينَ فَعَلُوا هَذَا سَبْعَةَ بَنِينَ لِسَكَاوَا رَجُلٍ يَهُودِيٍّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ. 15 فَقَالَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ لَهُمْ: «أَمَّا يَسُوعُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ، وَبُولُسُ أَنَا أَعْلَمُهُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ، فَمَنْ أَنْتُمْ؟» 16 فَوَثَبَ عَلَيْهِمُ الإِنْسَانُ الَّذِي كَانَ فِيهِ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ وَغَلَبَهُمْ وَقَوِيَ عَلَيْهِمْ حَتَّى هَرَبُوا مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ عُرَاةً وَمُجَرَّحِينَ. 17 وَصَارَ هَذَا مَعْلُوماً عِنْدَ جَمِيعِ الْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ السَّاكِنِينَ فِي أَفَسُسَ. فَوَقَعَ خَوْفٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَكَانَ اسْمُ الرَّبِّ يَسُوعَ يَتَعَظَّمُ. 18 وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَأْتُونَ مُقِرِّينَ وَمُخْبِرِينَ بِأَفْعَالِهِمْ 19 وَكَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ السِّحْرَ يَجْمَعُونَ الْكُتُبَ وَيُحَرِّقُونَهَا أَمَامَ الْجَمِيعِ. وَحَسَبُوا أَثْمَانَهَا فَوَجَدُوهَا خَمْسِينَ أَلْفاً مِنَ الْفِضَّةِ. 20 هَكَذَا كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ تَنْمُو وَتَقْوَى بِشِدَّةٍ (أعمال 19: 13-20).

اشتهرت أفسس في تلك الأيام بكثرة الذين ادَّعوا السّحر والعرافة والقدرة على إخراج الشياطين بالتعاويذ، وكان منهم أولاد سكاوا. ومن أمثالهم سيمون السّاحر في السّامرة (أعمال 8: 9) وعليم السّاحر في قبرس (أعمال 13: 6). وكانت تعاليم موسى والأنبياء تنهى عن هذا (لاويين 19: 31 وإشعياء 8: 19).

كان سكاوا وأولاده من هؤلاء السّحرة الكذابين الذين يجولون من مدينة لأخرى لإخراج الشياطين من المرضى. وسكاوا يهودي من مجمع أفسس ادَّعى كذباً أنّه رئيس كهنة ليروِّج سحره، وكان يشاركه في ذلك سبعة من أولاده. ولمّا سمعوا بولس يُخرج الشياطين بقوّة المسيح، أخذوا اسم المسيح وسيلة ليخرجوا بها الشياطين وليكسبوا أموالاً كثيرة. وظنّوا أنهم بقولهم للشيطان: «نُقْسِمُ عَلَيْكَ بِيَسُوعَ الَّذِي يَكْرِزُ بِهِ بُولُسُ» أنهم يجبرونه أن يطيعهم.

وذهب أولاد سكاوا إلى مريض أمروا الروح الشرير الذي فيه أن يخرج باسم يسوع، فقال لهم الشيطان إنّه يعرف يسوع ويسلِّم بسلطانه الإلهي، وإنّه يعرف أنّ بولس خادم يسوع، وأنّ له سلطاناً ليُخرج الشياطين. ثمّ سألهم ساخراً: «وَأَمَّا أَنْتُمْ، فَمَنْ أَنْتُمْ؟» وكأنّه قال: أيّ سلطان لكم؟ أنتم لستم من أتباع يسوع، ولا تعرفون تعليم بولس، فأيّ حق لكم أن تُقسِموا علينا باسم يسوع الذي نخاف منه (يعقوب 2: 19)؟ وحرَّك الروح النجس الرجل المريض فقام وضربهم ومزّق ثيابهم وجرّحهم وطردهم عرايا.

سمع اليهود واليونانيون في أفسس ما حدث لأبناء سكاوا فخافوا كثيراً، وعلموا أنّ أعمال بولس الرسول أقوى من كل سحر، لأنهم لم يشاهدوا في كلّ أفسس المشهورة بسحرها قوّة تعادل قوّة الله العاملة بواسطة بولس، وبذلك كان اسم المسيح يتعظّم.

وكان بعض الذين آمنوا بالمسيح قد مارسوا السّحر سراً حتى بعد إيمانهم، فاستيقظت ضمائرهم بعد أن عرفوا ما حدث لأولاد سكاوا، وعزموا أن يتركوا السّحر، واعترفوا بسوء ما فعلوه، وطلبوا المغفرة من الله، وأحرقوا كتب السحر الخاصة بهم، وكان ثمنها نحو ألفي جنيهاً ذهباً.

ونلاحظ أنّ الذين يعرفون المسيح ويؤمنون به يحرقون كتب السحر. فيجب أن نلتفت إلى يسوع وحده، لأنّ اسمه يعمل المعجزات!

آية للحفظ

«َأمَّا يَسُوعُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ، وَبُولُسُ أَنَا أَعْلَمُهُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ، فَمَنْ أَنْتُمْ؟» (أعمال 19: 15)

صلاة

أشكرك يا أبي السّماوي لأجل اسم يسوع الذي هو فوق كل اسم، والذي تسجد له الملائكة والمؤمنون. وسيأتي اليوم الذي تنحني له كلّ ركبة مِمَّن في السّماء ومَن على الأرض.

سؤال

2 - لماذا جرح الروح الشرير أولاد سكاوا؟

ديمتريوس يقاوم عمل الله

21 وَلَمَّا كَمِلَتْ هَذِهِ الأُمُورُ وَضَعَ بُولُسُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ بَعْدَمَا يَجْتَازُ فِي مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ يَذْهَبُ إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلاً: «إِنِّي بَعْدَ مَا أَصِيرُ هُنَاكَ يَنْبَغِي أَنْ أَرَى رُومِيَةَ أَيْضاً». 22 فَأَرْسَلَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ اثْنَيْنِ مِنَ الَّذِينَ كَانُوا يَخْدِمُونَهُ: تِيمُوثَاوُسَ وَأَرَسْطُوسَ، وَلَبِثَ هُوَ زَمَاناً فِي أَسِيَّا. 23 وَحَدَثَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَغَبٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ بِسَبَبِ هَذَا الطَّرِيقِ 24 لأَنَّ إِنْسَاناً اسْمُهُ دِيمِتْرِيُوسُ صَائِغٌ صَانِعُ هَيَاكِلِ فِضَّةٍ لأَرْطَامِيسَ كَانَ يُكَسِّبُ الصُّنَّاعَ مَكْسَباً لَيْسَ بِقَلِيلٍ. 25 فَجَمَعَهُمْ وَالْفَعَلَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ سِعَتَنَا إِنَّمَا هِيَ مِنْ هَذِهِ الصِّنَاعَةِ. 26 وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وَتَسْمَعُونَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفَسُسَ فَقَطْ بَلْ مِنْ جَمِيعِ أَسِيَّا تَقْرِيباً اسْتَمَالَ وَأَزَاغَ بُولُسُ هَذَا جَمْعاً كَثِيراً قَائِلاً: إِنَّ الَّتِي تُصْنَعُ بِالأَيَادِي لَيْسَتْ آلِهَةً. 27 فَلَيْسَ نَصِيبُنَا هَذَا وَحْدَهُ فِي خَطَرٍ مِنْ أَنْ يَحْصُلَ فِي إِهَانَةٍ بَلْ أَيْضاً هَيْكَلُ أَرْطَامِيسَ - الإِلَهَةِ الْعَظِيمَةِ - أَنْ يُحْسَبَ لاَ شَيْءَ، وَأَنْ سَوْفَ تُهْدَمُ عَظَمَتُهَا هِيَ الَّتِي يَعْبُدُهَا جَمِيعُ أَسِيَّا وَالْمَسْكُونَةِ». 28 فَلَمَّا سَمِعُوا امْتَلأُوا غَضَباً وَطَفِقُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ الأَفَسُسِيِّينَ». 29 فَامْتَلأَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا اضْطِرَاباً وَانْدَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى الْمَشْهَدِ خَاطِفِينَ مَعَهُمْ غَايُوسَ وَأَرِسْتَرْخُسَ الْمَكِدُونِيَّيْنِ رَفِيقَيْ بُولُسَ فِي السَّفَرِ.

30 وَلَمَّا كَانَ بُولُسُ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَ الشَّعْبِ لَمْ يَدَعْهُ التَّلاَمِيذُ. 31 وَأُنَاسٌ مِنْ وُجُوهِ أَسِيَّا - كَانُوا أَصْدِقَاءهُ - أَرْسَلُوا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ لاَ يُسَلِّمَ نَفْسَهُ إِلَى الْمَشْهَدِ. 32 وَكَانَ الْبَعْضُ يَصْرُخُونَ بِشَيْءٍ وَالْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخَرَ لأَنَّ الْمَحْفَلَ كَانَ مُضْطَرِباً وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَدْرُونَ لأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا قَدِ اجْتَمَعُوا! 33 فَاجْتَذَبُوا إِسْكَنْدَرَ مِنَ الْجَمْعِ وَكَانَ الْيَهُودُ يَدْفَعُونَهُ. فَأَشَارَ إِسْكَنْدَرُ بِيَدِهِ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَجَّ لِلشَّعْبِ. 34 فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ يَهُودِيٌّ صَارَ صَوْتٌ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمِيعِ صَارِخِينَ نَحْوَ مُدَّةِ سَاعَتَيْنِ: «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ الأَفَسُسِيِّينَ!».

35 ثُمَّ سَكَّنَ الْكَاتِبُ الْجَمْعَ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الأَفَسُسِيُّونَ، مَنْ هُوَ الإِنْسَانُ الَّذِي لاَ يَعْلَمُ أَنَّ مَدِينَةَ الأَفَسُسِيِّينَ مُتَعَبِّدَةٌ لأَرْطَامِيسَ الإِلَهَةِ الْعَظِيمَةِ وَالتِّمْثَالِ الَّذِي هَبَطَ مِنْ زَفْسَ؟ 36 فَإِذْ كَانَتْ هَذِهِ الأَشْيَاءُ لاَ تُقَاوَمُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا هَادِئِينَ وَلاَ تَفْعَلُوا شَيْئاً اقْتِحَاماً. 37 لأَنَّكُمْ أَتَيْتُمْ بِهَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَهُمَا لَيْسَا سَارِقَيْ هَيَاكِلَ وَلاَ مُجَدِّفَيْنِ عَلَى إِلَهتِكُمْ. 38 فَإِنْ كَانَ دِيمِتْرِيُوسُ وَالصُّنَّاعُ الَّذِينَ مَعَهُ لَهُمْ دَعْوَى عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّهُ تُقَامُ أَيَّامٌ لِلْقَضَاءِ، وَيُوجَدُ وُلاَةٌ فَلْيُرَافِعُوا بَعْضُهُمْ بَعْضاً. 39 وَإِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ شَيْئاً مِنْ جِهَةِ أُمُورٍ أُخَرَ فَإِنَّهُ يُقْضَى فِي مَحْفِلٍ شَرْعِيٍّ. 40 لأَنَّنَا فِي خَطَرٍ أَنْ نُحَاكَمَ مِنْ أَجْلِ فِتْنَةِ هَذَا الْيَوْمِ. وَلَيْسَ عِلَّةٌ يُمْكِنُنَا مِنْ أَجْلِهَا أَنْ نُقَدِّمَ حِسَاباً عَنْ هَذَا التَّجَمُّعِ». 41 وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَفَ الْمَحْفَلَ (أعمال 19: 21-41).

صرف بولس ثلاثة أشهر يعظ في مجمع اليهود، وصرف سنتين يعظ ويعلِّم في مدرسة تيرانس، وتسعة أشهر بعد ذلك يبشّر بالمسيح المخلِّص. وفكّر أن يذهب إلى إقليمي مكدونية وأخائية ليشجّع الكنائس هناك، ثمّ يذهب إلى أورشليم ليقدّم لكنيستها المساعدة المالية التي جمعها. وقال بولس لأصدقائه المؤمنين إنّه يريد أن يذهب أيضاً إلى روما ليبشّر فيها بالإنجيل، لأنها مركز القوّة العظمى في ذلك الوقت. وأرسل اثنين من مساعديه هما تيموثاوس وأرَسطوس إلى فيلبّي وتسالونيكي، على أن يبقى هو في أسيّا بعض الوقت.

وكانت كرازة بولس في أفسس ناجحة ومؤثّرة، فقلّلت من أرباح صانعي التماثيل الوثنية. فبينما كان بولس يبشّر بالإيمان والقداسة والخلاص والسّعادة والسّماء، قام ضدّه صائغٌ اسمه «ديمتريوس» كان يصنع تماثيل فضيَّة لهيكل الإلهة أرطاميس (ديانا) ويربح هو وزملاؤه وعُمّالهم أموالا كثيرة. (ديانا هي إلهة الصيد عند الرومان وأرطاميس عند اليونان - وهي ابنة جوبيتر ولاتونا. جوبيتر كبير آلهة الرومان وهو زفس اليونان). فجمع «ديمتريوس» أصحابه الصيّاغ وقال لهم إنّ بولس ينادي بديانة خطيرة في كل أجزاء أسيّا، تهدّد عبادة «أرطاميس» التي نزل تمثالها من السّماء، كما أنها ستقضي على أرباح كل الصُيّاغ أيضاً. وكان ديمتريوس حزيناً على ربحه المادي، إلاّ أنّه أخذ من الدّفاع عن أرطاميس ستاراً لذلك.

وعندما سمع الصيّاغ كلام ديمتريوس خافوا على أرباحهم، وخرجوا في مظاهرة غاضبة يصرخون بأعلى أصواتهم: «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ الأَفَسُسِيِّينَ!». وانتشر الهياج بين كلّ شعب أفسس، فذهبوا جميعاً إلى الملعب الذي كان يسع ثلاثين ألف مشاهد، وأخذوا معهم اثنين من المؤمنين كانا يرافقان بولس في السَّفر، هما غايوس وأرسترخس. حاول بولس أن يدخل بين الجمع ليساعد زميليه ويوقف الشّغب، فمنعه المؤمنون في أفسس خوفاً على حياته، كما أرسل إليه بعض أصدقائه المؤمنين من أغنياء أسيّا يطلبون منه ألاّ يسلّم نفسه لأتباع ديمتريوس.

وعندما رأى اليهود هياج الشّعب خافوا على أنفسهم، وطلبوا من يهوديّ اسمه إسكندر أن يوضح للجمهور أنّ اليهود ليسوا مسيحيين، وعلى هذا الأساس فإنهم ليسوا شركاء بولس وزميليه فيما فعلوه. ولكن لمّا شاهد الوثنيون الثائرون إسكندر يشير بيده ليخطب فيهم، وعرفوا من ثيابه أنّه يهودي، ظنّوا أنّه سيهين أرطاميس، فازدادوا صراخاً: «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ الأَفَسُسِيِّينَ!» واستمرّ صراخهم ساعتين. وأخيراً جاء موظف ذو وظيفة محترمة من عند الحاكم الروماني، هو «الكاتب» الذي يحفظ أوراق المحكمة، وقال للشّعب إنّ كلّ إنسان يعرف عظمة تمثال أرطاميس الذي هبط من السّماء، فلا يوجد خطر على أرطاميس. ثمّ قال إنّ القبض على غايوس وأرسترخس ليس قانونياً لأنهما لم يسرقا الهيكل، ولا جدّفا على أرطاميس. وطلب أن يقدّم ديمتريوس وأصحابه شكوى للحكام، إن كانوا قد ظنّوا أنّ أحداً اعتدى عليهم، وسيحكم القضاة بعد المرافعة على المخطئ حسب القانون. وطمأنهم بأنّه إن لم يرضوا بحكم المحكمة الإبتدائية، فإنهم يقدرون أن يستأنفوا القضية أمام محكمة أعلى، اسمها «المحفل الشرعي» الذي يُقام كلّ ثلاثة أشهر في المدن الكبيرة، ويحضره قضاة مختصّون للحكم في الدعاوى المستأنفة من المحاكم الإبتدائية. وقال إنّ تصرّفهم هذا غير قانوني، وبذلك يعرّضون أفسس إلى خطر عظيم، وهو أن تحرم الحكومة الرومانية مدينة أفسس من الحقوق السياسية. ثمّ قال إنّه لا توجد أسباب كافية تبرّر كل هذا الهياج. وبهذا صرف الجمع الذي سمع كلامه وأطاعه.

كان خطاب الكاتب حكيماً، فقد مدح غيرتهم الدينية، وشرح لهم الطريق القانوني لإقامة الشّكوى. وهكذا استخدم الله هذا الكاتب لينقذ بولس وأصدقاءه والكنيسة في أفسس.

بولس يعظ في كنائس مكدونية واليونان

1 وَبَعْدَمَا انْتَهَى الشَّغَبُ دَعَا بُولُسُ التَّلاَمِيذَ وَوَدَّعَهُمْ وَخَرَجَ لِيَذْهَبَ إِلَى مَكِدُونِيَّةَ. 2 وَلَمَّا كَانَ قَدِ اجْتَازَ فِي تِلْكَ النَّوَاحِي وَوَعَظَهُمْ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ جَاءَ إِلَى هَلاَّسَ 3 فَصَرَفَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ إِذْ حَصَلَتْ مَكِيدَةٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَيْهِ - وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى سُورِيَّةَ - صَارَ رَأْيٌ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى طَرِيقِ مَكِدُونِيَّةَ. 4 فَرَافَقَهُ إِلَى أَسِيَّا سُوبَاتَرُسُ الْبِيرِيُّ، وَمِنْ أَهْلِ تَسَالُونِيكِي: أَرِسْتَرْخُسُ وَسَكُونْدُسُ وَغَايُسُ الدَّرْبِيُّ وَتِيمُوثَاوُسُ، وَمِنْ أَهْلِ أَسِيَّا: تِيخِيكُسُ وَتُرُوفِيمُسُ. 5 هَؤُلاَءِ سَبَقُوا وَانْتَظَرُونَا فِي تَرُواسَ. 6 وَأَمَّا نَحْنُ فَسَافَرْنَا فِي الْبَحْرِ بَعْدَ أَيَّامِ الْفَطِيرِ مِنْ فِيلِبِّي وَوَافَيْنَاهُمْ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ إِلَى تَرُواسَ حَيْثُ صَرَفْنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ (أعمال 20: 1-6).

هدَّأ الكاتب الحكيم الشعب في أفسس، وكان بولس قد أرسل تيموثاوس وأرسطوس من قبل إلى مقاطعة مكدونية، فذهب إليهم وزار مدينة فيلبّي وتسالونيكي وبيرية وبلاد الليريكون، بلاد موقعها غربي مكدونية، ووعظ في الكنائس وشجّع المؤمنين، ثمّ ذهب إلى شبه جزيرة هلاس (من اليونان) وصرف فيها ثلاثة أشهر.

وفي «هلاس» اتّفق اليهود سراً أن يقتلوا بولس، خصوصاً وأنّ غاليون الوالي كان قد رفض محاكمة بولس بعد أن اشتكوا عليه. وعرف بولس بهذه المكيدة، فعدل عن عزمه وسافر في طريق مكدونية شمالاً ومنها إلى ميناء «ترواس» وبعض بلاد سوريا، ورافقه بعض المؤمنين ليساعدوه في التّبشير، وفي توصيل المساعدات المالية التي جمعوها من كنائس الأمم ليقدّموها لفقراء كنيسة أورشليم.

ومن المؤمنين الذين رافقوا بولس سبعة أشخاص هم «سوباترس» من أنسباء بولس، وهو من مدينة بيرية، وأرسترخس، وسكوندس، وغايوس الذي من دربة (في إقليم ليكاؤنية) وتيموثاوس، وتيخيكس، وتروفيمس الذي من أفسس. ذهب الرّجال السّبعة إلى ترواس في انتظار بولس ولوقا الطبيب اللذين سافرا بحراً بعد أسبوع الفصح من فيلبّي إلى ترواس.

بولس يودّع كنيسة ترواس

7 وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ إِذْ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِيَكْسِرُوا خُبْزاً خَاطَبَهُمْ بُولُسُ وَهُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمْضِيَ فِي الْغَدِ وَأَطَالَ الْكَلاَمَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ. 8 وَكَانَتْ مَصَابِيحُ كَثِيرَةٌ فِي الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا مُجْتَمِعِينَ فِيهَا. 9 وَكَانَ شَابٌّ اسْمُهُ أَفْتِيخُوسُ جَالِساً فِي الطَّاقَةِ مُتَثَقِّلاً بِنَوْمٍ عَمِيقٍ. وَإِذْ كَانَ بُولُسُ يُخَاطِبُ خِطَاباً طَوِيلاً غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ فَسَقَطَ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ إِلَى أَسْفَلُ وَحُمِلَ مَيِّتاً. 10 فَنَزَلَ بُولُسُ وَوَقَعَ عَلَيْهِ وَاعْتَنَقَهُ قَائِلاً: «لاَ تَضْطَرِبُوا لأَنَّ نَفْسَهُ فِيهِ». 11 ثُمَّ صَعِدَ وَكَسَّرَ خُبْزاً وَأَكَلَ وَتَكَلَّمَ كَثِيراً إِلَى الْفَجْرِ. وَهَكَذَا خَرَجَ. 12 وَأَتُوا بِالْفَتَى حَيّاً وَتَعَزُّوا تَعْزِيَةً لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ (أعمال 20: 7-12).

وصل بولس ورفاقه إلى ترواس وتوجَّه يوم الأحد إلى الكنيسة. ونفهم من هذا أنّ الكنيسة الأولى اعتبرت يوم الأحد يوماً مقدّساً للرب، لأنّه اليوم الذي فيه قام المسيح.

وكان من عادة الكنيسة الأولى أن يتناول أعضاؤها طعام العشاء معاً (وسمّوه وليمة المحبة). وبعد ذلك يتناولون العشاء الرباني المقدّس طاعةً لأمر المسيح (متّى 26: 26). وكانت تلك آخر فرصة لبولس أن يزور كنيسة ترواس. ولما كان الاجتماع في المساء أطال بولس وعظه حتى منتصف الليل، لأنّه كان يريد السّفر يوم الإثنين.

كان مكان الاجتماع في الدوْر الثالث من المبنى الذي ازدحم بالمتعبّدين، وكثُرت المصابيح التي أنارته. ومن شدّة الزحام جلس البعض في النوافذ التي فُتحت لتجديد الهواء. وجلس شاب اسمه أفتيخوس في الطاقة. وعند منتصف الليل غلبه النوم فسقط إلى الأرض ومات، فنزل بولس إلى حيث سقط أفتيخوس، ورقَّ قلبه عليه فاحتضنه وقال للذين نزلوا معه أن لا يصرخوا لأنّ نَفْسه فيه، وحملوه إلى فوق. واستمر الاجتماع حيث شكروا الله وتناولوا طعاماً. ولما رغب المؤمنون في الاستماع أكثر إلى كلمة الله تكلّم بولس حتى الفجر. وتعزّى الجميع كثيراً لأنّ أفتيخوس حي.

آية للحفظ

«وَأَتُوا بِالْفَتَى حَيّاً وَتَعَزُّوا تَعْزِيَةً لَيْسَتْ بِقَلِيلَةٍ» (أعمال 20: 12)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأجل المسيح الذي فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس. هو الذي يقيم موتى الخطية. فأقم يا ربّ كثيرين من موت خطاياهم باسم يسوع.

سؤال

3 - ماذا فعل الربّ لأفتيخوس؟

بولس يستدعي قسوس أفسس

13 وَأَمَّا نَحْنُ فَسَبَقْنَا إِلَى السَّفِينَةِ وَأَقْلَعْنَا إِلَى أَسُّوسَ مُزْمِعِينَ أَنْ نَأْخُذَ بُولُسَ مِنْ هُنَاكَ لأَنَّهُ كَانَ قَدْ رَتَّبَ هَكَذَا مُزْمِعاً أَنْ يَمْشِيَ. 14 فَلَمَّا وَافَانَا إِلَى أَسُّوسَ أَخَذْنَاهُ وَأَتَيْنَا إِلَى مِيتِيلِينِي. 15 ثُمَّ سَافَرْنَا مِنْ هُنَاكَ فِي الْبَحْرِ وَأَقْبَلْنَا فِي الْغَدِ إِلَى مُقَابِلِ خِيُوسَ. وَفِي الْيَوْمِ الآخَرِ وَصَلْنَا إِلَى سَامُوسَ وَأَقَمْنَا فِي تُرُوجِيلِيُّونَ، ثُمَّ فِي الْيَوْمِ التَّالِي جِئْنَا إِلَى مِيلِيتُسَ 16 لأَنَّ بُولُسَ عَزَمَ أَنْ يَتَجَاوَزَ أَفَسُسَ فِي الْبَحْرِ لِئَلاَّ يَعْرِضَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ وَقْتاً فِي أَسِيَّا، لأَنَّهُ كَانَ يُسْرِعُ حَتَّى إِذَا أَمْكَنَهُ يَكُونُ فِي أُورُشَلِيمَ فِي يَوْمِ الْخَمْسِينَ. 17 وَمِنْ مِيلِيتُسَ أَرْسَلَ إِلَى أَفَسُسَ وَاسْتَدْعَى قُسُوسَ الْكَنِيسَة (أعمال 20: 13-17).

ترك بولس مدينة ترواس في اليوم التالي، وسافر جنوباً إلى مدينة «أسّوس» التي تبعد عن ترواس بنحو 24 ميلاً. أمّا لوقا الطبيب وباقي المسافرين معه فكانوا قد سافروا قبل بولس في السفينة إلى مدينة أسّوس، فقابلوا بولس هناك. وسافر الجميع إلى مدينة اسمها «ميتيليني» تبعد عن أسّوس نحو ثلاثين ميلاً. ثمّ سافروا إلى جزيرة اسمها «خيوس» وفي اليوم التالي وصلوا إلى جزيرة «ساموس» ثمّ إلى مدينة «تروجيليون» ثمّ إلى مدينة «ميليتس» التي تبعد عن أفسس بثلاثين ميلاً، لأنّ بولس كان يريد أن يصل إلى أورشليم يوم عيد الخمسين.

ومن ميليتس أرسل بولس إلى أفسس يستدعي قسوسها كنوّاب عن أعضائها ليرشدهم ويشجّعهم، فحضر القسوس إليه، فأرشدهم إلى واجباتهم كرعاة للكنيسة.

بولس ينصح قسوس أفسس

1 - قدوة بولس الكرازيّة

18 فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ قَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ دَخَلْتُ أَسِيَّا كَيْفَ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ الزَّمَانِ 19 أَخْدِمُ الرَّبَّ بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَدُمُوعٍ كَثِيرَةٍ وَبِتَجَارِبَ أَصَابَتْنِي بِمَكَايِدِ الْيَهُودِ. 20 كَيْفَ لَمْ أُؤَخِّرْ شَيْئاً مِنَ الْفَوَائِدِ إِلاَّ وَأَخْبَرْتُكُمْ وَعَلَّمْتُكُمْ بِهِ جَهْراً وَفِي كُلِّ بَيْتٍ 21 شَاهِداً لِلْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللهِ وَالإِيمَانِ الَّذِي بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. 22 وَالآنَ هَا أَنَا أَذْهَبُ إِلَى أُورُشَلِيمَ مُقَيَّداً بِالرُّوحِ لاَ أَعْلَمُ مَاذَا يُصَادِفُنِي هُنَاكَ. 23 غَيْرَ أَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ يَشْهَدُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ قَائِلاً: إِنَّ وُثُقاً وَشَدَائِدَ تَنْتَظِرُنِي. 24 وَلَكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَالْخِدْمَةَ الَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ اللهِ (أعمال 20: 18-24).

تحدّث بولس عن أمانته وحُسن سيرته ومحبّته الخالصة لهم. وكان لهم أن يحكموا على صدق ذلك لأنّه صرف ثلاث سنوات بينهم لم يكن فيها متكبّراً، ولا رغب في مدحٍ من الناس أو التّسلّط على رعيّة المسيح. وبالرغم من اضطهاد اليهود له بسبب غيرته على إيمانه الجديد لم يترك وسيلة من وسائل النعمة لنفع الكنيسة الروحي إلاّ واستخدمها، فأعلن حقّ الله جهراً، سواء في مجامع اليهود أو في مدرسة «تيرانس» أو في بيوت الأعضاء. ثمّ أخبرهم عن عزمه على الذهاب إلى أورشليم لأنّه سلَّم نفسه لقيادة الرّوح القدس، غير خائف من الاضطهاد الذي ينتظره لأجل الشهادة باسم المسيح، فإنّ تلك الشدائد لن تغيّر عزمه على الذهاب إلى أورشليم، لأنّه مستعد أن يبذل نفسه لأجل المسيح الذي بذل نفسه للعالم.

وشرح بولس شعاره في الكرازة (في آية 24) مستخدماً تشبيهاً من السّباق، فكلّ المتسابقين يَجْرون في الميدان ليصِلوا إلى الهدف غير هيّابين من تعب الجري. ولمّا كان بولس قد أخذ الدعوة من المسيح للتبشير، فإنّ عليه أن يشهد ببشارة نعمة الله مهما كانت التّكلفة.

وعلى كلّ مسيحيّ حقيقيّ أن يجعل خدمة المسيح هدف حياته الأوّل، فلا يمتنع عن القيام بتلك الخدمة مهما كانت الشدائد. وعليه أن يجتهد في طاعة الرب لأنّ في ذلك كلّ السّلام لنفسه.

آية للحفظ

«وَلَكِنَّنِي لَسْتُ أَحْتَسِبُ لِشَيْءٍ وَلاَ نَفْسِي ثَمِينَةٌ عِنْدِي، حَتَّى أُتَمِّمَ بِفَرَحٍ سَعْيِي وَالْخِدْمَةَ الَّتِي أَخَذْتُهَا مِنَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لأَشْهَدَ بِبِشَارَةِ نِعْمَةِ اللهِ» (أعمال 20: 24)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأنك تستأمنُني على توصيل أخبار الخلاص المفرحة للمحيطين بي. ساعدني لأتمّم بفرحٍ سعيي، ولأشهد ببشارة نعمة الله.

سؤال

4 - ماذا كان شعار بولس في الكرازة؟

بولس ينصح قسوس أفسس

2 - تشجيع وتحذير

25 وَالآنَ هَا أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكُمْ لاَ تَرَوْنَ وَجْهِي أَيْضاً أَنْتُمْ جَمِيعاً الَّذِينَ مَرَرْتُ بَيْنَكُمْ كَارِزاً بِمَلَكُوتِ اللهِ. 26 لِذَلِكَ أُشْهِدُكُمُ الْيَوْمَ هَذَا أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ الْجَمِيعِ 27 لأَنِّي لَمْ أُؤَخِّرْ أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِكُلِّ مَشُورَةِ اللهِ. 28 اِحْتَرِزُوا إذاً لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً لِتَرْعُوا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ. 29 لأَنِّي أَعْلَمُ هَذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ. 30 وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءهُمْ. 31 لِذَلِكَ اسْهَرُوا مُتَذَكِّرِينَ أَنِّي ثَلاَثَ سِنِينَ لَيْلاً وَنَهَاراً لَمْ أَفْتُرْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ بِدُمُوعٍ كُلَّ وَاحِدٍ (أعمال 20: 25-31).

يظهر أنّ بولس لم يكن يتوقّع أن يرجع إلى أفسس مرة أخرى، فودَّع القسوس قائلاً إنّه إن هلك أحد منهم أو من أعضاء الكنيسة فلا ذنب عليه، لأنّه لم يقصِّر في تعليمهم وإرشادهم. فعليهم أن يهتمّوا بتوصيل أخبار الإنجيل المفرحة إلى الكنيسة التي هي الرعيّة، التي كلّفهم الرّوح القدس برعايتها قسوساً وأساقفة، كما يقود الراعي أغنامه بكل إخلاص، لأنّ الكنيسة مِلكُ المسيح الذي اشتراها بدمه. والقسّيس هو الشيخ المتقدّم في المعرفة، والأسقف هو الناظر أو المشرف.

ولا بدّ أنّ الرّوح القدس أعلن لبولس شيئاً من مستقبل الكنيسة، فقال إنّه سيقوم في أفسس معلّمون كَذَبة مِن خارج هؤلاء القسوس ومن خارجهم أيضاً، يفسدون التّعليم الصحيح. وهؤلاء يشبهون الذئاب الخاطفة في هيئة حملان، يتأثّر البعض بخداعهم ويخالفون كلمة الله ويخدعون المؤمنين البسطاء.

وشجّع بولس قسوس الكنيسة، وطلب منهم أن يسهروا على التّعليم بالإنجيل، ويحذَروا التعاليم الباطلة. ووضع أمامهم مثالاً من حياته بينهم، فهو لم يترك فرصة للتّعليم والإنذار إلاّ وانتهزها، وقد وعظهم بدموع.

بولس ينصح قسوس أفسس

3 - قدوة بولس المالية

32 وَالآنَ أَسْتَوْدِعُكُمْ يَا إِخْوَتِي لِلهِ وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ الْقَادِرَةِ أَنْ تَبْنِيَكُمْ وَتُعْطِيَكُمْ مِيرَاثاً مَعَ جَمِيعِ الْمُقَدَّسِينَ. 33 فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ. 34 أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ الَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ الْيَدَانِ. 35 فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 20: 32-35).

أنهى بولس كلامه مع قسوس كنيسة أفسس بأن استودعهم لقوّة الله ولكلمة المسيح التي يحفظ الله بها كل مؤمن فينمو في الإيمان، لأنّ كلمة الله فعّالة وكافية أن تنمّي المؤمن وتبنيه في التّقوى، وتمنحه نصيبه من المواهب الرّوحية، لأنّه ابن لله ووارث لنعمته.

كان بعض أعداء بولس قد اتهموه بأنّه جعل الديانة ستراً لجمع المال، فقال لقسوس أفسس إنّه لم يأخذ فضة أو ذهباً من أحد، بل كانت غايته ربح النّفوس لا الربح المادي. ومع أنّه كان يرعى الكنيسة وله الحق أن يعيش بمساعدة الذين يخدمهم، إلا أنّه لم يثقل على كنيسة أفسس بشيء، فكان يصنع الخيام بيديه ليكسب قوته وقوت العاملين معه. ورفع بولس يديه أمام القسوس قائلاً إنّ يديه هما اللتان صنعتا الخيام ووفّرتا المال الذي عاش به وأنفق منه على بعض أصحابه الفقراء. وبقوله هذا أعطى القسوس قدوة في العطاء ومساعدة الغير، لأنّه أطاع قول المسيح إنّ الذي يعطي يفرح أكثر من الذي يأخذ، وقد أعطى المسيح نفسه لأجل أحبّائه.

آية للحفظ

«مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أعمال 20: 35)

صلاة

أبي السّماوي، لقد أعطيتني الكثير، فعلِّمني أن أسير في خطواتك فأعطي أكثر مما آخذ.

سؤال

5 - كيف مارس بولس مبدأ «العطاء أفضل من الأخذ»؟

بولس يودِّع قسوس أفسس

36 وَلَمَّا قَالَ هَذَا جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ مَعَ جَمِيعِهِمْ وَصَلَّى. 37 وَكَانَ بُكَاءٌ عَظِيمٌ مِنَ الْجَمِيعِ وَوَقَعُوا عَلَى عُنُقِ بُولُسَ يُقَبِّلُونَهُ 38 مُتَوَجِّعِينَ وَلاَ سِيَّمَا مِنَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا: إِنَّهُمْ لَنْ يَرَوْا وَجْهَهُ أَيْضاً. ثُمَّ شَيَّعُوهُ إِلَى السَّفِينَةِ (أعمال 20: 36-38).

كان بولس ممتلئاً من الرّوح القدس وهو يتكلّم. وعندما أنهى كلامه جثا على ركبتيه وصلّى. وتأثّر القسوس من كلامه ومن محبّته لهم ولباقي المؤمنين، وتألّموا لفراقه، فبكوا واحتضنوه وقبَّلوه، وأظهروا إكرامهم له بأن ودَّعوه إلى السفينة.

أيها القارئ العزيز، هل تساعد راعي كنيستك على إتمام واجباته الرّوحية، وهل تصلّي لأجل نجاح عمله وعملك معه؟

بولس يودِّع كنيسة صور

1 وَلَمَّا انْفَصَلْنَا عَنْهُمْ أَقْلَعْنَا وَجِئْنَا مُتَوَجِّهِينَ بِالاِسْتِقَامَةِ إِلَى كُوسَ، وَفِي الْيَوْمِ التَّالِي إِلَى رُودُسَ وَمِنْ هُنَاكَ إِلَى بَاتَرَا. 2 فَإِذْ وَجَدْنَا سَفِينَةً عَابِرَةً إِلَى فِينِيقِيَةَ صَعِدْنَا إِلَيْهَا وَأَقْلَعْنَا. 3 ثُمَّ اطَّلَعْنَا عَلَى قُبْرُسَ، وَتَرَكْنَاهَا يَسْرَةً وَسَافَرْنَا إِلَى سُورِيَّةَ، وَأَقْبَلْنَا إِلَى صُورَ لأَنَّ هُنَاكَ كَانَتِ السَّفِينَةُ تَضَعُ وَسْقَهَا. 4 وَإِذْ وَجَدْنَا التَّلاَمِيذَ مَكَثْنَا هُنَاكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَكَانُوا يَقُولُونَ لِبُولُسَ بِالرُّوحِ أَنْ لاَ يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 5 وَلَكِنْ لَمَّا اسْتَكْمَلْنَا الأَيَّامَ خَرَجْنَا ذَاهِبِينَ وَهُمْ جَمِيعاً يُشَيِّعُونَنَا مَعَ النِّسَاءِ وَالأَوْلاَدِ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ. فَجَثَوْنَا عَلَى رُكَبِنَا عَلَى الشَّاطِئِ وَصَلَّيْنَا. 6 وَلَمَّا وَدَّعْنَا بَعْضُنَا بَعْضاً صَعِدْنَا إِلَى السَّفِينَةِ. وَأَمَّا هُمْ فَرَجَعُوا إِلَى خَاصَّتِهِمْ (أعمال 21: 1-6).

ودّع بولس قسوس أفسس وذهب مع رفاقه ولوقا الطبيب إلى جزيرة صغيرة اسمها «كوس». وفي اليوم التالي ذهبوا إلى «رودس» وهي جزيرة كبيرة، ثمّ إلى مدينة «باترا» وهي ميناء في مقاطعة ليكية. وترك بولس وأصدقاؤه السفينة في باترا، وأخذوا سفينة أخرى كانت في طريقها إلى صور، أكبر موانئ فينيقية. وتمكّنوا من رؤية قبرس وهم في البحر، وأخيراً وصلوا إلى «صور» التي كانت كلمة الله قد وصلتها، ولو أنّ عدد المسيحيين فيها كان أقلّ من عدد الوثنيين. وقضى بولس سبعة أيام مع مؤمني صور، حتى انتهت السفينة من تفريغ شحنتها هناك.

فرح الإخوة في صور بوجود بولس معهم، وطلبوا منه أن يمكث بينهم ولا يذهب إلى أورشليم. لكنّه أخبرهم عن قصده، فخرجوا جميعاً مع نسائهم وأولادهم ليودّعوه. ولمّا وصلوا إلى شاطئ البحر ركع الجميع وصلّوا. ثم ركب بولس ورفقاؤه السفينة في طريقهم إلى أورشليم.

بولس ورفقاؤه يذهبون إلى أورشليم

7 وَلَمَّا أَكْمَلْنَا السَّفَرَ فِي الْبَحْرِ مِنْ صُورَ أَقْبَلْنَا إِلَى بُتُولِمَايِسَ فَسَلَّمْنَا عَلَى الإِخْوَةِ وَمَكَثْنَا عِنْدَهُمْ يَوْماً وَاحِداً. 8 ثُمَّ خَرَجْنَا فِي الْغَدِ نَحْنُ رُفَقَاءَ بُولُسَ وَجِئْنَا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ فَدَخَلْنَا بَيْتَ فِيلُبُّسَ الْمُبَشِّرِ إِذْ كَانَ وَاحِداً مِنَ السَّبْعَةِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ. 9 وَكَانَ لِهَذَا أَرْبَعُ بَنَاتٍ عَذَارَى كُنَّ يَتَنَبَّأْنَ. 10 وَبَيْنَمَا نَحْنُ مُقِيمُونَ أَيَّاماً كَثِيرَةً انْحَدَرَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ نَبِيٌّ اسْمُهُ أَغَابُوسُ. 11 فَجَاءَ إِلَيْنَا وَأَخَذَ مِنْطَقَةَ بُولُسَ وَرَبَطَ يَدَيْ نَفْسِهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَ: «هَذَا يَقُولُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ: الرَّجُلُ الَّذِي لَهُ هَذِهِ الْمِنْطَقَةُ هَكَذَا سَيَرْبُطُهُ الْيَهُودُ فِي أُورُشَلِيمَ وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى أَيْدِي الأُمَمِ». 12 فَلَمَّا سَمِعْنَا هَذَا طَلَبْنَا إِلَيْهِ نَحْنُ وَالَّذِينَ مِنَ الْمَكَانِ أَنْ لاَ يَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 13 فَأَجَابَ بُولُسُ: «مَاذَا تَفْعَلُونَ؟ تَبْكُونَ وَتَكْسِرُونَ قَلْبِي. لأَنِّي مُسْتَعِدٌّ لَيْسَ أَنْ أُرْبَطَ فَقَطْ بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضاً فِي أُورُشَلِيمَ لأَجْلِ اسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ». 14 وَلَمَّا لَمْ يُقْنَعْ سَكَتْنَا قَائِلِينَ: «لِتَكُنْ مَشِيئَةُ الرَّبِّ». 15 وَبَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ تَأَهَّبْنَا وَصَعِدْنَا إِلَى أُورُشَلِيمَ. 16 وَجَاءَ أَيْضاً مَعَنَا مِنْ قَيْصَرِيَّةَ أُنَاسٌ مِنَ التَّلاَمِيذِ ذَاهِبِينَ بِنَا إِلَى مَنَاسُونَ، وَهُوَ رَجُلٌ قُبْرُسِيٌّ تِلْمِيذٌ قَدِيمٌ لِنَنْزِلَ عِنْدَهُ (أعمال 21: 7-16 ).

انتهت رحلة بولس البحرية في ميناء صور، فسافر براً إلى مدينة «بتولمايس» المعروفة اليوم باسم «عكا». وفيها ذهب إلى الكنيسة وصرف يوماً مع الإخوة. وفي اليوم التالي سافر مع رفقائه إلى قيصرية التي تبعد عن أورشليم نحو سبعين ميلاً، فدخلوا بيت فيلبّس، أحد الشمامسة السبعة الذين اختارتهم الكنيسة للخدمة (أعمال 6: 5، 6).

وكان فيلبّس بالإضافة إلى شموسيّته مبشّراً بالإنجيل، بشّر أهل السّامرة (أعمال 8: 5)، والخصيّ الحبشي (أعمال 8: 27) ثم بشّر جميع المدن من أشدود إلى قيصرية (أعمال 8: 40)، وغالباً بقي في قيصرية راعياً لكنيستها. وكان لفيلبّس أربع بنات عذارى كنّ يتنبّأن إتماماً للنبوّة القائلة: «فيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ» (يوئيل 2: 28).

كان بولس يريد الذّهاب إلى أورشليم في أيام العيد، ولم يكن وقت العيد قد حلّ بعد، لذلك مكث في قيصرية أياماً كثيرة. وأثناء وجوده فيها جاء من أورشليم نبيّ اسمه «أغابوس» كان قد سبق وتنبّأ بحدوث مجاعة (أعمال 11: 28). وأخذ منطقة بولس وربط يديه ورجليه كما كان يفعل أنبياء العهد القديم لتوضيح وتأكيد نبوّاتهم، وأنبأ أنّ اليهود في أورشليم سيربطون يديْ ورجليْ صاحب هذه المنطقة. فلمّا سمع مؤمنو قيصرية ورفقاء بولس هذه النبوّة طلبوا من بولس أن لا يذهب إلى أورشليم حرصاً على سلامته. ولكنّه أخبرهم أنّ الروح أرشده بالذهاب إليها، وأنّه مستعد لا أن يُربط فقط من أجل المسيح بل أن يموت أيضاً لأجله. ولمّا لم يقتنع بما قالوه، عرفوا أنّ هذه إرادة الرب وقالوا: «لِتَكُنْ مَشِيئَةُ الرَّبِّ».

انتهت أيام إقامة بولس في قيصرية وبدأ رحلته إلى أورشليم، فرافقه بعض مؤمني قيصرية وهم يحملون ما جمعوه من مساعدات مالية من كنائس الأمم إلى فقراء كنيسة أورشليم. وفي أورشليم أقاموا في بيت «مناسون» أحد المؤمنين الأوائل، وهو من مواليد قبرس. ومن هذا نتعلّم أنّه يجب أن نطيع إرشاد الروح القدس مهما كانت الصعوبات التي تقابلنا أو تنتظرنا، فلا شيء يُفرّح قلب المؤمن أكثر من انتشار رسالة محبة المسيح. كما نتعلّم أن نشترك في سدّ احتياجات بعضنا، فنساعد المحتاج وقت حاجته.

آية للحفظ

«لأَنِّي مُسْتَعِدٌّ لَيْسَ أَنْ أُرْبَطَ فَقَطْ بَلْ أَنْ أَمُوتَ أَيْضاً فِي أُورُشَلِيمَ لأَجْلِ اسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ» (أعمال 21: 13)

صلاة

أيها الآب السّماوي، لقد بذل الراعي الصالح ذاته لأجلي، فأعطني أنا أيضاً أن أبذل كلّ شيء في سبيل طاعته والشهادة له.

سؤال

6 - ماذا فعلت بنات فيلبّس الأربع لخدمة المسيح؟

الفصل الثاني عشر: بولس أمام مجمع اليهود (أعمال 21: 17 - 23: 25)

أوضحنا في الدروس السابقة سيْر ونتيجة الرحلات التبشيريّة الثلاث، وكيف عمل الروح القدس في تأسيس كنائس كثيرة في آسيا الصغرى. وانتهت الرّحلة الثالثة في أورشليم بتعرّض بولس للكثير من اضطهاد اليهود له.

بولس يدخل الهيكل

17 وَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَبِلَنَا الإِخْوَةُ بِفَرَحٍ. 18 وَفِي الْغَدِ دَخَلَ بُولُسُ مَعَنَا إِلَى يَعْقُوبَ وَحَضَرَ جَمِيعُ الْمَشَايِخِ. 19 فَبَعْدَ مَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ طَفِقَ يُحَدِّثُهُمْ شَيْئاً فَشَيْئاً بِكُلِّ مَا فَعَلَهُ اللهُ بَيْنَ الأُمَمِ بِوَاسِطَةِ خِدْمَتِهِ. 20 فَلَمَّا سَمِعُوا كَانُوا يُمَجِّدُونَ الرَّبَّ، وَقَالُوا لَهُ: «أَنْتَ تَرَى أَيُّهَا الأَخُ كَمْ يُوجَدُ رَبْوَةً مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُمْ جَمِيعاً غَيُورُونَ لِلنَّامُوسِ. 21 وَقَدْ أُخْبِرُوا عَنْكَ أَنَّكَ تُعَلِّمُ جَمِيعَ الْيَهُودِ الَّذِينَ بَيْنَ الأُمَمِ الاِرْتِدَادَ عَنْ مُوسَى قَائِلاً أَنْ لاَ يَخْتِنُوا أَوْلاَدَهُمْ وَلاَ يَسْلُكُوا حَسَبَ الْعَوَائِدِ. 22 فَإِذاً مَاذَا يَكُونُ؟ لاَ بُدَّ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يَجْتَمِعَ الْجُمْهُورُ لأَنَّهُمْ سَيَسْمَعُونَ أَنَّكَ قَدْ جِئْتَ. 23 فَافْعَلْ هَذَا الَّذِي نَقُولُ لَكَ: عِنْدَنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عَلَيْهِمْ نَذْرٌ. 24 خُذْ هَؤُلاَءِ وَتَطهَّرْ مَعَهُمْ وَأَنْفِقْ عَلَيْهِمْ لِيَحْلِقُوا رُؤُوسَهُمْ فَيَعْلَمَ الْجَمِيعُ أَنْ لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا أُخْبِرُوا عَنْكَ بَلْ تَسْلُكُ أَنْتَ أَيْضاً حَافِظاً لِلنَّامُوسِ. 25 وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الأُمَمِ فَأَرْسَلْنَا نَحْنُ إِلَيْهِمْ وَحَكَمْنَا أَنْ لاَ يَحْفَظُوا شَيْئاً مِثْلَ ذَلِكَ سِوَى أَنْ يُحَافِظُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِمَّا ذُبِحَ لِلأَصْنَامِ وَمِنَ الدَّمِ وَالْمَخْنُوقِ وَالزِّنَا». 26 حِينَئِذٍ أَخَذَ بُولُسُ الرِّجَالَ فِي الْغَدِ وَتَطَهَّرَ مَعَهُمْ وَدَخَلَ الْهَيْكَلَ مُخْبِراً بِكَمَالِ أَيَّامِ التَّطْهِيرِ إِلَى أَنْ يُقَرَّبَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْقُرْبَانُ (أعمال 21: 17-26).

وصل بولس مع أصدقائه إلى أورشليم، وكانت هذه خامس زياراته لها بعد إيمانه بالمسيح (أعمال 9: 2). وأقام بولس ورفاقه في بيت مناسون، واستقبله بعض اللذين آمنوا بالمسيح من الأمم بفرح. وفي اليوم التالي ذهب إلى يعقوب، حيث حضر كلّ قادة الكنيسة، فتبادلوا السّلام، وحدَّثهم بولس عن نجاح عمل الرب بين الأمم، وأخبرهم بما جمعه من مساعدة مالية من كنائسهم لفقراء كنيسة أورشليم. فمجَّد الجميع الرب.

وقال الحاضرون لبولس إنّ هناك عدداً كبيراً من اليهود الذين قبلوا المسيح لا يزالون متمسّكين بطقوس شريعة موسى، وقد سمعوا عن بولس أنّه يعلِّم اليهود الساكنين في أوروبا وأسيّا أن يمتنعوا عن طاعة ناموس موسى، وأنهم سيحضرون لتهييج يهود أورشليم ضدّه. واقترحوا عليه أن يقوم بما ينفي عنه هذه التّهمة الكاذبة، فيأخذ أربعة رجال من اليهود الذين آمنوا بالمسيح، عليهم نذر، ويذهب بهم إلى الهيكل حيث يُجري الكهنة لهم طقوس التّطهير، ويدفع بولس عنهم ثمن الذبائح والتقدمات ونفقات حلق شعرهم. وكانت فروض النذر أن يطلق الشخص شعره يوم النذر، ويبقى بدون حلاقة ثلاثين يوماً. بعدها يطلب من الكاهن أن يحلق له شعره، ثم يقدّم نذره. وقال قادة كنيسة أورشليم لبولس إنّه إن فعل هذا في الهيكل، يقتنع الجميع أنّه ما زال يمارس طقوس شريعة موسى، ويكذِّبون الشكاوى المنتشرة ضده. وأكَّد يعقوب لبولس أنّ هذا لن يؤثّر على قرار مجمع أورشليم (أعمال 15) الذي أذاع بين كنائس الأمم أنّ المطلوب منهم فقط هو أن يمتنعوا عن أكل ما ذُبح للأوثان، والدم والمخنوق، والزنا.

قَبِل بولس نصيحة يعقوب والقادة، وذهب مع الرجال الأربعة إلى الهيكل، وأخبر الكهنة بما بقي من أيام النذر وهي سبعة أيام حتى يجهّزوا الحيوانات للذبيحة في وقتها، وأخبرهم أنّه صار شريكاً للذين عليهم النذر، وأنّه مستعد لدفع نفقات التّطهير حسب طقوس الشريعة.

اليهود يضربون بولس

27 وَلَمَّا قَارَبَتِ الأَيَّامُ السَّبْعَةُ أَنْ تَتِمَّ رَآهُ الْيَهُودُ الَّذِينَ مِنْ أَسِيَّا فِي الْهَيْكَلِ فَأَهَاجُوا كُلَّ الْجَمْعِ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ الأَيَادِيَ 28 صَارِخِينَ: «يَا أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِسْرَائِيلِيُّونَ أَعِينُوا! هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يُعَلِّمُ الْجَمِيعَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ضِدّاً لِلشَّعْبِ وَالنَّامُوسِ وَهَذَا الْمَوْضِعِ حَتَّى أَدْخَلَ يُونَانِيِّينَ أَيْضاً إِلَى الْهَيْكَلِ وَدَنَّسَ هَذَا الْمَوْضِعَ الْمُقَدَّسَ». 29 لأَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ رَأَوْا مَعَهُ فِي الْمَدِينَةِ تُرُوفِيمُسَ الأَفَسُسِيَّ فَكَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ بُولُسَ أَدْخَلَهُ إِلَى الْهَيْكَلِ. 30 فَهَاجَتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا وَتَرَاكَضَ الشَّعْبُ وَأَمْسَكُوا بُولُسَ وَجَرُّوهُ خَارِجَ الْهَيْكَلِ. وَلِلْوَقْتِ أُغْلِقَتِ الأَبْوَابُ. 31 وَبَيْنَمَا هُمْ يَطْلُبُونَ أَنْ يَقْتُلُوهُ نَمَا خَبَرٌ إِلَى أَمِيرِ الْكَتِيبَةِ أَنَّ أُورُشَلِيمَ كُلَّهَا قَدِ اضْطَرَبَتْ 32 فَلِلْوَقْتِ أَخَذَ عَسْكَراً وَقُوَّادَ مِئَاتٍ وَرَكَضَ إِلَيْهِمْ. فَلَمَّا رَأُوا الأَمِيرَ وَالْعَسْكَرَ كَفُّوا عَنْ ضَرْبِ بُولُسَ.

33 حِينَئِذٍ اقْتَرَبَ الأَمِيرُ وَأَمْسَكَهُ وَأَمَرَ أَنْ يُقَيَّدَ بِسِلْسِلَتَيْنِ وَطَفِقَ يَسْتَخْبِرُ: تُرَى مَنْ يَكُونُ وَمَاذَا فَعَلَ؟ 34 وَكَانَ الْبَعْضُ يَصْرُخُونَ بِشَيْءٍ وَالْبَعْضُ بِشَيْءٍ آخَرَ فِي الْجَمْعِ. وَلَمَّا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَعْلَمَ الْيَقِينَ لِسَبَبِ الشَّغَبِ أَمَرَ أَنْ يُذْهَبَ بِهِ إِلَى الْمُعَسْكَرِ. 35 وَلَمَّا صَارَ عَلَى الدَّرَجِ اتَّفَقَ أَنَّ الْعَسْكَرَ حَمَلَهُ بِسَبَبِ عُنْفِ الْجَمْعِ 36 لأَنَّ جُمْهُورَ الشَّعْبِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ صَارِخِينَ: «خُذْهُ!» (أعمال 21: 27-36).

كان بولس قد قابل الكهنة وأخبرهم برغبته. ولمّا قاربت الأيام السبعة أن تنتهي رآه بعض اليهود الذين أتوا للعيد من أسيّا، ومعه «تروفيمس» الأفسسي (وهو أحد المؤمنين من الأمم) فظنّوا أنّ تروفيمس دخل الهيكل مع بولس، وتذكّروا مجادلات بولس معهم في أسيّا، فامتلأوا غضباً وهيّجوا الشّعب ضدّه وقبضوا عليه كأنّه مجرم، وقالوا إنّه شجّع الأمم ليدخلوا المكان المقدّس في الهيكل، الذي لا يجب أن يدخله إلاّ اليهود.

ولمّا سمع جمهور المعيِّدين هذا الكلام، وكان عددهم كبيراً، اندفعوا إلى الهيكل، وأمسكوا بولس بعنف وجرّوه إلى خارج الهيكل، وأخذوا يضربونه ضرباً شديداً، ليقتلوه.

ولمّا شاهد جنود الرومان المسؤولون بحراسة الهيكل ما جرى منعوا الشّغب بين الشعب، وأخبروا «كلوديوس ليسياس» أمير الكتيبة بما جرى، فأسرع ومعه ثلاث مائة جنديّ لتهدئة الشّعب. ولمّا رأى اليهود الأمير الروماني خافوا وكفّوا عن ضرب بولس، فأمر الأمير أن يقيّدوا بولس بسلسلتين لتهدئة اليهود، ولحفظ بولس سليماً للمحاكمة. وبهذا تحقّقت نبوّة أغابوس عن تقييد بولس (أعمال 21: 11).

واجتمع اليهود حول الأمير وهم يصرخون صراخاً عالياً ضدّ بولس، فلم يقدر أن يفهم شكواهم، وأمر الجنود أن يأخذوا بولس إلى المعسكر حيث يحقِّق معه. وكان هياج اليهود شديداً، فحمل الجنود بولس من الدّرج الموصل لساحة الهيكل والقلعة ليوصلوه إلى المعسكر!

بولس يكلم الشّعب

37 وَإِذْ قَارَبَ بُولُسُ أَنْ يَدْخُلَ الْمُعَسْكَرَ قَالَ لِلأَمِيرِ: «أَيَجُوزُ لِي أَنْ أَقُولَ لَكَ شَيْئاً؟» فَقَالَ: «أَتَعْرِفُ الْيُونَانِيَّةَ؟ 38 أَفَلَسْتَ أَنْتَ الْمِصْرِيَّ الَّذِي صَنَعَ قَبْلَ هَذِهِ الأَيَّامِ فِتْنَةً وَأَخْرَجَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعَةَ الآلاَفِ الرَّجُلِ مِنَ الْقَتَلَةِ؟». 39 فَقَالَ بُولُسُ: «أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ طَرْسُوسِيٌّ مِنْ أَهْلِ مَدِينَةٍ غَيْرِ دَنِيَّةٍ مِنْ كِيلِيكِيَّةَ. وَأَلْتَمِسُ مِنْكَ أَنْ تَأْذَنَ لِي أَنْ أُكَلِّمَ الشَّعْبَ». 40 فَلَمَّا أَذِنَ لَهُ وَقَفَ بُولُسُ عَلَى الدَّرَجِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّعْبِ فَصَارَ سُكُوتٌ عَظِيمٌ. فَنَادَى بِاللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ قَائلاً: (أعمال 21: 37-40).

قبل أن يصل بولس إلى المعسكر سأل الأمير باللغة اليونانية إن كان يسمح له بالحديث معه، فاندهش الأمير لأنّه ظنّ أنّ بولس لا يعرف اليونانية، وأنّه المصري الذي أثار فتنة. فقد أقلق راحة الشّعب وقتها رجل مصري كان زعيماً لفرقة قتَلَة عددهم أربعة آلاف، ادَّعى أنّه نبيّ، وقال لأتباعه إنّه إن وقف معهم على جبل الزيتون وأمر أسوار أورشليم بالسقوط فإنها تطيع أمره، وبعدها يستطيعون أن ينهبوا المدينة. وسأل الأمير بولس إن كان هو ذلك المصريّ الهارب، فأجابه بأنّه يهودي من مدينة طرسوس، وطلب منه أن يسمح له أن يكلّم الجمهور ليقنعهم ببراءته، فسمح الأمير له وأمر الجنود أن يفكّوا قيوده فاستطاع أن يشير بيده للشّعب ليصغوا إليه.

بولس يؤكد احترامه لشريعة موسى

1 «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ وَالآبَاءُ اسْمَعُوا احْتِجَاجِي الآنَ لَدَيْكُمْ». 2 فَلَمَّا سَمِعُوا أَنَّهُ يُنَادِي لَهُمْ بِاللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ أَعْطُوا سُكُوتاً أَحْرَى. فَقَالَ: 3 «أَنَا رَجُلٌ يَهُودِيٌّ وُلِدْتُ فِي طَرْسُوسَ كِيلِيكِيَّةَ وَلَكِنْ رَبَيْتُ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ مُؤَدَّباً عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ عَلَى تَحْقِيقِ النَّامُوسِ الأَبَوِيِّ. وَكُنْتُ غَيُوراً لِلَّهِ كَمَا أَنْتُمْ جَمِيعُكُمُ الْيَوْمَ. 4وَاضْطَهَدْتُ هَذَا الطَّرِيقَ حَتَّى الْمَوْتِ مُقَيِّداً وَمُسَلِّماً إِلَى السُّجُونِ رِجَالاً وَنِسَاءً 5كَمَا يَشْهَدُ لِي أَيْضاً رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَجَمِيعُ الْمَشْيَخَةِ الَّذِينَ إِذْ أَخَذْتُ أَيْضاً مِنْهُمْ رَسَائِلَ لِلإِخْوَةِ إِلَى دِمَشْقَ ذَهَبْتُ لآتِيَ بِالَّذِينَ هُنَاكَ إِلَى أُورُشَلِيمَ مُقَيَّدِينَ لِكَيْ يُعَاقَبُوا (أعمال 22: 1-5).

لا بدّ أنّ الشّعب اندهش عندما سمح الأمير لبولس أن يتكلّم، فسكتوا. ووقف بولس على الدّرج وتكلّم باللغة العبرانية. فلمّا سمعوه يتكلّم بلغتهم سكتوا أكثر واستمعوا له.

بدأ بولس حديثه بأن أظهر احترامه لليهود ودعاهم «إخوة وآباء»، وهو ما سبق أن فعله استفانوس الشّهيد المسيحي الأوّل قبل رجمه (أعمال 7: 2). وأوضح بولس أنّه ليس عدوّاً لليهود ولا للهيكل ولا للشريعة، لأنّه هو نفسه يهوديّ وُلد في مدينة طرسوس، وتربّى في المدينة المقدسة أورشليم، وتعلّم الشريعة «عِنْدَ رِجْلَيْ غَمَالاَئِيلَ» الفرّيسيّ المشهور، وعضو مجلس السبعين. وكان معلّمو اليهود في ذلك الوقت يجلسون على كراسي عالية، ويجلس تلاميذهم على الأرض أمامهم، لذلك قال بولس إنّه تعلّم «عند رجلي غمالائيل». ثمّ قال إنّه كان متمسّكاً بالناموس حرفياً، وقد واظب على ممارسة كل تقليد، وكان غيوراً على اسم الله بقدر ما عرف من الناموس. ومن شدّة غيرته للناموس اضطهد المسيحيين، فقتل بعضهم وقيَّد البعض الآخر ووضعهم في السجون، وأثبت صدق أقواله من أنّ رئيس الكهنة أعطاه خطاباً إلى شيوخ اليهود في دمشق ليضطهد أتباع يسوع، كما أخذ موافقة أعضاء مجلس السبعين في ذلك أيضاً.

بولس يروي اختبار إيمانه بالمسيح

6 فَحَدَثَ لِي وَأَنَا ذَاهِبٌ وَمُتَقَرِّبٌ إِلَى دِمَشْقَ أَنَّهُ نَحْوَ نِصْفِ النَّهَارِ بَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلِي مِنَ السَّمَاءِ نُورٌ عَظِيمٌ. 7 فَسَقَطْتُ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعْتُ صَوْتاً قَائِلاً لِي: شَاوُلُ شَاوُلُ لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ 8 فَأَجَبْتُ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ لِي: أَنَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. 9 وَالَّذِينَ كَانُوا مَعِي نَظَرُوا النُّورَ وَارْتَعَبُوا، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا صَوْتَ الَّذِي كَلَّمَنِي. 10 فَقُلْتُ: مَاذَا أَفْعَلُ يَا رَبُّ؟ فَقَالَ لِي الرَّبُّ: قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى دِمَشْقَ وَهُنَاكَ يُقَالُ لَكَ عَنْ جَمِيعِ مَا تَرَتَّبَ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ. 11 وَإِذْ كُنْتُ لاَ أُبْصِرُ مِنْ أَجْلِ بَهَاءِ ذَلِكَ النُّورِ اقْتَادَنِي بِيَدِي الَّذِينَ كَانُوا مَعِي فَجِئْتُ إِلَى دِمَشْقَ.

12 «ثُمَّ إِنَّ حَنَانِيَّا رَجُلاً تَقِيّاً حَسَبَ النَّامُوسِ وَمَشْهُوداً لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْيَهُودِ السُّكَّانِ 13 أَتَى إِلَيَّ وَوَقَفَ وَقَالَ لِي: أَيُّهَا الأَخُ شَاوُلُ أَبْصِرْ! فَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ نَظَرْتُ إِلَيْهِ 14 فَقَالَ: إِلَهُ آبَائِنَا انْتَخَبَكَ لِتَعْلَمَ مَشِيئَتَهُ وَتُبْصِرَ الْبَارَّ وَتَسْمَعَ صَوْتاً مِنْ فَمِهِ. 15 لأَنَّكَ سَتَكُونُ لَهُ شَاهِداً لِجَمِيعِ النَّاسِ بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ. 16 وَالآنَ لِمَاذَا تَتَوَانَى؟ قُمْ وَاعْتَمِدْ وَاغْسِلْ خَطَايَاكَ دَاعِياً بِاسْمِ الرَّبِّ.

17 وَحَدَثَ لِي بَعْدَ مَا رَجَعْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَكُنْتُ أُصَلِّي فِي الْهَيْكَلِ أَنِّي حَصَلْتُ فِي غَيْبَةٍ 18 فَرَأَيْتُهُ قَائِلاً لِي: أَسْرِعْ وَاخْرُجْ عَاجِلاً مِنْ أُورُشَلِيمَ لأَنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ شَهَادَتَكَ عَنِّي. 19 فَقُلْتُ: يَا رَبُّ هُمْ يَعْلَمُونَ أَنِّي كُنْتُ أَحْبِسُ وَأَضْرِبُ فِي كُلِّ مَجْمَعٍ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِكَ. 20 وَحِينَ سُفِكَ دَمُ اسْتِفَانُوسَ شَهِيدِكَ كُنْتُ أَنَا وَاقِفاً وَرَاضِياً بِقَتْلِهِ وَحَافِظاً ثِيَابَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ. 21 فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَإِنِّي سَأُرْسِلُكَ إِلَى الأُمَمِ بَعِيداً» (أعمال 22: 6-21).

قال بولس إنّ تغييراً حدث في حياته لم يكن يتوقعه (وهو المذكور في أعمال 9، وأعاد بولس روايته للملك أغريباس في أعمال 26). فقد أعلن الله له إعلاناً سماوياً لم يعانده. ففي طريقه إلى دمشق ظهر له نور عظيم في منتصف النهار، فسقط على الأرض وسمع صوتاً من السّماء قائلاً: «شَاوُلُ شَاوُلُ لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟» وعلم أنّ يسوع الناصري هو الذي كلّمه وطلب منه أن يذهب إلى دمشق حيث يقابل حنانيّا الذي كان مشهوراً بين يهود دمشق. وقد أرشده حنانيّا إلى طريق المسيح، وأعلمه أنّه سيكون شاهداً لليهود والأمم بما حدث معه.

ثمّ أخبر بولس سامعيه أنّه رأى رؤيا طلب فيها الرب منه أن يخرج من أورشليم لأنّ سكانها لا يقبلون شهادته عن المسيح، وأمره أن يذهب بعيداً ليكرز للأمم.

آية للحفظ

«أَنَا يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ» (أعمال 22: 8)

صلاة

Table 1. 

ما أبهج اليومَ الذيآمنتُ فيه بالمسيح    
أضحى سروري كاملاًورنَّ صوتي بالمديح    
حُبّي لفاديَّ المجيديوماً فيوماً سيزيد    

سؤال

7 - ما معنى قول المسيح إنّ بولس اضطهده هو شخصياً؟

بولس يعلن أنّه روماني

22 فَسَمِعُوا لَهُ حَتَّى هَذِهِ الْكَلِمَةَ ثُمَّ صَرَخُوا قَائِلِينَ: «خُذْ مِثْلَ هَذَا مِنَ الأَرْضِ لأَنَّهُ كَانَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَعِيشَ». 23 وَإِذْ كَانُوا يَصِيحُونَ وَيَطْرَحُونَ ثِيَابَهُمْ وَيَرْمُونَ غُبَاراً إِلَى الْجَوِّ 24 أَمَرَ الأَمِيرُ أَنْ يُذْهَبَ بِهِ إِلَى الْمُعَسْكَرِ قَائِلاً أَنْ يُفْحَصَ بِضَرَبَاتٍ لِيَعْلَمَ لأَيِّ سَبَبٍ كَانُوا يَصْرُخُونَ عَلَيْهِ هَكَذَا.

25 فَلَمَّا مَدُّوهُ لِلسِّيَاطِ قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ الْوَاقِفِ: «أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَاناً رُومَانِيّاً غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟» 26 فَإِذْ سَمِعَ قَائِدُ الْمِئَةِ ذَهَبَ إِلَى الأَمِيرِ وَأَخْبَرَهُ قَائِلاً: «انْظُرْ مَاذَا أَنْتَ مُزْمِعٌ أَنْ تَفْعَلَ! لأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ رُومَانِيٌّ». 27 فَجَاءَ الأَمِيرُ وَقَالَ لَهُ: «قُلْ لِي. أَأَنْتَ رُومَانِيٌّ؟» فَقَالَ: «نَعَمْ». 28 فَأَجَابَ الأَمِيرُ: «أَمَّا أَنَا فَبِمَبْلَغٍ كَبِيرٍ اقْتَنَيْتُ هَذِهِ الرَّعَوِيَّةَ». فَقَالَ بُولُسُ: «أَمَّا أَنَا فَقَدْ وُلِدْتُ فِيهَا». 29وَلِلْوَقْتِ تَنَحَّى عَنْهُ الَّذِينَ كَانُوا مُزْمِعِينَ أَنْ يَفْحَصُوهُ. وَاخْتَشَى الأَمِيرُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ رُومَانِيٌّ وَلأَنَّهُ قَدْ قَيَّدَهُ (أعمال 22: 22-29).

وما أن سمع اليهود بولس يقول إنّ الله أرسله للأمم حتى قاطعوه وصرخوا يطالبون بموته، لأنّه ساوى بينهم وهم أبناء إبراهيم وبين الأمم، وطرحوا عنهم ثيابهم إظهاراً لشدّة غيظهم وأذروا الغبار إلى الجو، فلم يستطع أن يواصل كلامه. ولولا وجود الأمير والجنود لقتلوه.

ولم يكن الأمير يفهم كلام بولس لأنّه كان يتكلّم بالعبرانية، فلم يعرف دفاع بولس عن نفسه، ولا سبب الشكوى عليه. فأمر جنوده أن يأخذوا بولس إلى المعسكر ويجلدوه حسب عادة الرومان حتى يقرّ بذنبه ليستريح من ألم الضرب. وأطاع الجنود الأمر واستعدّوا لجلد بولس بالسّياط. فقال بولس لقائد المئة الذي كان على وشك أن ينفّذ أمر الأمير إنّه رومانيّ، والقانون يمنع جلد الروماني الذي لم يرتكب ذنباً معروفاً، كما يمنع الجلد قبل المحاكمة. وفي الحال أخبر قائد المئة الأمير أنّ بولس روماني، فذهب الأمير إليه وسأله إن كان حقّاً رومانياً، لأنّه إن كان كاذباً يعرِّض نفسه للموت. فأجابه أنّه رومانيّ أباً عن جدّ. فقال الأمير عن ذاته إنّه اشترى الجنسية الرومانية بثمن كبير.

ولما عرف الجميع أنّ بولس رومانيّ الجنسية، تركوه. وخجل الأمير لأنّه أمر بتقييده وأراد جلده. وهكذا أرشد الله بولس ليدافع عن نفسه أمام اليهود وأمام الرومان أيضاً. كما أرشده أن يستخدم حقوقه السياسية في مكانها المناسب.

آية للحفظ

«أَيَجُوزُ لَكُمْ أَنْ تَجْلِدُوا إِنْسَاناً رُومَانِيّاً غَيْرَ مَقْضِيٍّ عَلَيْهِ؟» (أعمال 22: 25)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأجل الوطن الذي أعيش فيه، وأشكرك لأجل الحرية المتاحة لي. ساعدني لأطلق المأسورين في الحرية ببشارة نعمتك.

سؤال

8 - ماذا كان امتياز الجنسيّة الرومانية؟

دفاع بولس أمام مجمع اليهود

30 وَفِي الْغَدِ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ الْيَقِينَ: لِمَاذَا يَشْتَكِي الْيَهُودُ عَلَيْهِ؟ حَلَّهُ مِنَ الرِّبَاطِ وَأَمَرَ أَنْ يَحْضُرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَكُلُّ مَجْمَعِهِمْ. فَأَحْضَرَ بُولُسَ وَأَقَامَهُ لَدَيْهِمْ.

1 فَتَفَرَّسَ بُولُسُ فِي الْمَجْمَعِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ إِنِّي بِكُلِّ ضَمِيرٍ صَالِحٍ قَدْ عِشْتُ لِلَّهِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ». 2 فَأَمَرَ حَنَانِيَّا رَئِيسُ الْكَهَنَةِ الْوَاقِفِينَ عِنْدَهُ أَنْ يَضْرِبُوهُ عَلَى فَمِهِ. 3 حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ بُولُسُ: «سَيَضْرِبُكَ اللهُ أَيُّهَا الْحَائِطُ الْمُبَيَّضُ! أَفَأَنْتَ جَالِسٌ تَحْكُمُ عَلَيَّ حَسَبَ النَّامُوسِ وَأَنْتَ تَأْمُرُ بِضَرْبِي مُخَالِفاً لِلنَّامُوسِ؟» 4 فَقَالَ الْوَاقِفُونَ: «أَتَشْتِمُ رَئِيسَ كَهَنَةِ اللهِ؟» 5 فَقَالَ بُولُسُ: «لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنَّهُ رَئِيسُ كَهَنَةٍ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: رَئِيسُ شَعْبِكَ لاَ تَقُلْ فِيهِ سُوءاً» (أعمال 22: 30-23: 5).

ولمّا جاء اليوم التالي، أراد الأمير أن يعرف سبب شكوى اليهود على بولس، فحلّه من قيوده، واستدعى رؤساء الكهنة وباقي مجمع السبعين، وهم أصحاب الحق في الحكم في أمور اليهود الدينية والسياسية، وأوقف بولس أمامهم. ولم يكن بولس غريباً على هذا المجمع، فقد كان عضواً فيه منذ خمس وعشرين سنة عندما اشتكوا على استفانوس، فتأمّل وجوههم ليعرف من منهم صدّوقيّ ومن فرّيسيّ، وإن كان أحد منهم يعرفه. ثمّ بدأ يتكلّم باللغة اليونانية حتى يفهمه الأمير.

بدأ حديثه بتوجيه كلامه إلى «الرِّجَالُ الإِخْوَةُ» ليوضح لهم أنّه مساوٍ لهم، ولم يفقد شيئاً من حقوقه التي كان يتمتّع بها عندما كان عضواً في المجمع. وكان يريدهم أن يستمعوا إليه ولا يقاطعوه، لأنّه لم يرتدّ عن ناموس موسى، وأنه سبق واضطهد المسيحيين، ولأنّه بريء من التّهمة الموجّهة إليه. أمّا إيمانه بالمسيح فقد جاء حسب قصد الله، لذلك قال لهم: «إِنِّي بِكُلِّ ضَمِيرٍ صَالِحٍ قَدْ عِشْتُ لِلَّهِ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ». فاغتاظ حنانيّا رئيس الكهنة من قوله هذا، وأمر أتباعه أن يضربوه على فمه. فقال له بولس: «سَيَضْرِبُكَ اللهُ أَيُّهَا الْحَائِطُ الْمُبَيَّضُ»، لأنّ الله عادل ولا بدّ أن يعاقب من يعوِّج القضاء، وقد خالف حنانيّا الناموس فأمر بضرب بولس قبل أن يسمع دفاعه، كما أنّه كان منافقاً مثل الحائط الجميل من جهة الخارج وهو يخفي القبيح من الداخل.

وسمع أنصار حنانيّا قول بولس فاحتجّوا بأنّه شتم رئيس الكهنة. ربّما لم يكن بولس يعرف أنّه يكلّم رئيس الكهنة لأنّ رئيس الكهنة لم يكن وقتها لابساً ملابسه الكهنوتية التي كان يرتديها في الهيكل فقط .. كما أنّ حنانيّا لم يكن من نسل هارون، فلم يكن من حقّه أن يرأس الكهنة.. ويجوز أنّ عينيْ بولس الضعيفتين منعتاه من معرفة رئيس الكهنة .. ولهذا اعتذر بولس عمّا قاله، ثمّ اقتبس القول: «رَئِيسُ شَعْبِكَ لاَ تَقُلْ فِيهِ سُوءاً» (خروج 22: 28) ليعرف الجميع أنّه عارف بالناموس.

آية للحفظ

«رَئِيسُ شَعْبِكَ لاَ تَقُلْ فِيهِ سُوءاً» (أعمال 23: 5)

صلاة

يا ربّ، بارك رئيس بلادنا، وارشد المسؤولين فيها ليقودوا دفّة سفينة البلاد للرخاء والعدالة والأمن، فنقضي حياة مطمئنة هادئة في كلّ تقوى ووقار.

سؤال

9 - لماذا قال بولس إنّ رئيس الكهنة حائط مبيَّض؟

منازعة بين الفرّيسيّين والصدّوقيّين

6 وَلَمَّا عَلِمَ بُولُسُ أَنَّ قِسْماً مِنْهُمْ صَدُّوقِيُّونَ وَالآخَرَ فَرِّيسِيُّونَ صَرَخَ فِي الْمَجْمَعِ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ أَنَا فَرِّيسِيٌّ ابْنُ فَرِّيسِيٍّ. عَلَى رَجَاءِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ أَنَا أُحَاكَمُ». 7 وَلَمَّا قَالَ هَذَا حَدَثَتْ مُنَازَعَةٌ بَيْنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ وَانْشَقَّتِ الْجَمَاعَةُ 8 لأَنَّ الصَّدُّوقِيِّينَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَيْسَ قِيَامَةٌ وَلاَ مَلاَكٌ وَلاَ رُوحٌ، وَأَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَيُقِرُّونَ بِكُلِّ ذَلِكَ. 9 فَحَدَثَ صِيَاحٌ عَظِيمٌ وَنَهَضَ كَتَبَةُ قِسْمِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَطَفِقُوا يُخَاصِمُونَ قَائِلِينَ: «لَسْنَا نَجِدُ شَيْئاً رَدِيّاً فِي هَذَا الإِنْسَانِ! وَإِنْ كَانَ رُوحٌ أَوْ مَلاَكٌ قَدْ كَلَّمَهُ فَلاَ نُحَارِبَنَّ اللهَ».

10 وَلَمَّا حَدَثَتْ مُنَازَعَةٌ كَثِيرَةٌ اخْتَشَى الأَمِيرُ أَنْ يَفْسَخُوا بُولُسَ فَأَمَرَ الْعَسْكَرَ أَنْ يَنْزِلُوا وَيَخْتَطِفُوهُ مِنْ وَسَطِهِمْ وَيَأْتُوا بِهِ إِلَى الْمُعَسْكَرِ. 11 وَفِي اللَّيْلَةِ التَّالِيَةِ وَقَفَ بِهِ الرَّبُّ وَقَالَ: «ثِقْ يَا بُولُسُ، لأَنَّكَ كَمَا شَهِدْتَ بِمَا لِي فِي أُورُشَلِيمَ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَشْهَدَ فِي رُومِيَةَ أَيْضاً» (أعمال 23: 6-11).

وكان بولس يعرف أنّ مجلس السّبعين يضم فرّيسيّين وصدّوقيّين، وهما فريقان مختلفان في بعض العقائد، فقال إنّه فرّيسي ابن فرّيسي وأنّه يؤمن بقيامة الأموات، وهو يُحاكم على هذا الرجاء، وكان الفرّيسيون يؤمنون بالقيامة بينما ينكرها الصّدّوقيون. فانشقّ أعضاء المجمع، وهاج الفرّيسيون قائلين إنّ بولس لم يخالف شريعة موسى، فإن كان قد كلّمه ملاك أو روح فلا نقاوم الله.. بينما طالب الصّدّوقيون بمحاكمته. فحدثت منازعة بينهم، وخاف الأمير أن يمزّقوا بولس بينهما، فأمر جنوده أن ينزلوا من القلعة ويضعوا بولس في المعسكر حتى يحفظه من الخطر.

في تلك الليلة ظهر الرب لبولس في السّجن ليشجّعه ويؤكّد له الحماية، وقال له إنّه سيحفظه ليشهد له في العاصمة السياسية روما كما شهد له في العاصمة الدينية أورشليم.

آية للحفظ

«ثِقْ يَا بُولُسُ، لأَنَّكَ كَمَا شَهِدْتَ بِمَا لِي فِي أُورُشَلِيمَ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَشْهَدَ فِي رُومِيَةَ أَيْضاً» (أعمال 23: 11)

صلاة

يا ربّ، أعطني الشّجاعة لأقف إلى جوار الحق، فأبارك ولا ألعن، وأحيي ولا أُميت، وأشجّع ولا أدمِّر، فأعيش على مثال سيّدي المسيح.

سؤال

10 - ما هو الفرق بين الفرّيسيّين والصّدوقيّين ؟

مؤامرة فاشلة ضدّ بولس

12 وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ صَنَعَ بَعْضُ الْيَهُودِ اتِّفَاقاً وَحَرَمُوا أَنْفُسَهُمْ قَائِلِينَ إِنَّهُمْ لاَ يَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْرَبُونَ حَتَّى يَقْتُلُوا بُولُسَ. 13 وَكَانَ الَّذِينَ صَنَعُوا هَذَا التَّحَالُفَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ. 14 فَتَقَدَّمُوا إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالشُّيُوخِ وَقَالُوا: «قَدْ حَرَمْنَا أَنْفُسَنَا حِرْماً أَنْ لاَ نَذُوقَ شَيْئاً حَتَّى نَقْتُلَ بُولُسَ. 15 وَالآنَ أَعْلِمُوا الأَمِيرَ أَنْتُمْ مَعَ الْمَجْمَعِ لِكَيْ يُنْزِلَهُ إِلَيْكُمْ غَداً كَأَنَّكُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ تَفْحَصُوا بِأَكْثَرِ تَدْقِيقٍ عَمَّا لَهُ. وَنَحْنُ قَبْلَ أَنْ يَقْتَرِبَ مُسْتَعِدُّونَ لِقَتْلِهِ». 16 وَلَكِنَّ ابْنَ أُخْتِ بُولُسَ سَمِعَ بِالْكَمِينِ فَجَاءَ وَدَخَلَ الْمُعَسْكَرَ وَأَخْبَرَ بُولُسَ. 17 فَاسْتَدْعَى بُولُسُ وَاحِداً مِنْ قُوَّادِ الْمِئَاتِ وَقَالَ: «اذْهَبْ بِهَذَا الشَّابِّ إِلَى الأَمِيرِ لأَنَّ عِنْدَهُ شَيْئاً يُخْبِرُهُ بِهِ». 18 فَأَخَذَهُ وَأَحْضَرَهُ إِلَى الأَمِيرِ وَقَالَ: «اسْتَدْعَانِي الأَسِيرُ بُولُسُ وَطَلَبَ أَنْ أُحْضِرَ هَذَا الشَّابَّ إِلَيْكَ وَهُوَ عِنْدَهُ شَيْءٌ لِيَقُولَهُ لَكَ». 19 فَأَخَذَ الأَمِيرُ بِيَدِهِ وَتَنَحَّى بِهِ مُنْفَرِداً وَاسْتَخْبَرَهُ: «مَا هُوَ الَّذِي عِنْدَكَ لِتُخْبِرَنِي بِهِ؟» 20 فَقَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ تَعَاهَدُوا أَنْ يَطْلُبُوا مِنْكَ أَنْ تُنْزِلَ بُولُسَ غَداً إِلَى الْمَجْمَعِ كَأَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَسْتَخْبِرُوا عَنْهُ بِأَكْثَرِ تَدْقِيقٍ. 21 فَلاَ تَنْقَدْ إِلَيْهِمْ لأَنَّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَامِنُونَ لَهُ قَدْ حَرَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ لاَ يَأْكُلُوا وَلاَ يَشْرَبُوا حَتَّى يَقْتُلُوهُ. وَهُمُ الآنَ مُسْتَعِدُّونَ مُنْتَظِرُونَ الْوَعْدَ مِنْكَ».

22 فَأَطْلَقَ الأَمِيرُ الشَّابَّ مُوصِياً إِيَّاهُ أَنْ: «لاَ تَقُلْ لأَحَدٍ إِنَّكَ أَعْلَمْتَنِي بِهَذَا». 23 ثُمَّ دَعَا اثْنَيْنِ مِنْ قُوَّادِ الْمِئَاتِ وَقَالَ: «أَعِدَّا مِئَتَيْ عَسْكَرِيٍّ لِيَذْهَبُوا إِلَى قَيْصَرِيَّةَ وَسَبْعِينَ فَارِساً وَمِئَتَيْ رَامِحٍ مِنَ السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ اللَّيْلِ. 24 وَأَنْ يُقَدِّمَا دَوَابَّ لِيُرْكِبَا بُولُسَ وَيُوصِلاَهُ سَالِماً إِلَى فِيلِكْسَ الْوَالِي» (أعمال 23: 12-24).

شجّع الربّ بولس وأخبره أنّ خدمته انتهت في أورشليم، وأنّ عليه أن يذهب إلى روما ليبشِّر فيها. وكان هذا التّشجيع لازماً لأنّ اليهود بدأوا مكيدة جديدة ضدّ بولس، إذ اجتمع أربعون شخصاً من الصّدوقيّين أتباع حنانيّا رئيس الكهنة، وحلفوا أن لا يأكلوا أو يشربوا حتى يقتلوا بولس، وأخبروا رؤساء الكهنة والشيوخ بذلك، واقترحوا عليهم أن يطلبوا من الأمير أن يسمح لهم بمحاكمة جديدة لبولس، وهم يقتلونه في طريقه للمحكمة.

وسمع ابن أخت بولس بهذا الكلام، فدخل المعسكر واستطاع أن يقابل بولس، وأخبره بكل شيء. فاستدعى بولس قائد مئة من الذين كانوا يحرسونه وطلب منه أن يذهب مع ابن أخته إلى الأمير ليخبره بالمكيدة. وسمع الأمير الكلام وطلب من ابن أخت بولس أن يحفظ ما قاله سرّاً، وأمر بتجهيز مئتي جندي وسبعين فارساً ومئتي حامل رمح، وليكونوا مستعدين من الساعة الثالثة من الليل (أي بعد الغروب بثلاث ساعات) ليأخذوا بولس محروساً إلى قيصرية، ليوصلوه بسلام إلى كرسي فيلكس والي سوريا في ذلك الوقت.

وهكذا استخدم الله ابن أخت بولس لينقذ حياته.

الأمير يرسل بولس إلى قيصرية

25 وَكَتَبَ رِسَالَةً حَاوِيَةً هَذِهِ الصُّورَةَ:

26 «كُلُودِيُوسُ لِيسِيَاسُ يُهْدِي سَلاَماً إِلَى الْعَزِيزِ فِيلِكْسَ الْوَالِي. 27 هَذَا الرَّجُلُ لَمَّا أَمْسَكَهُ الْيَهُودُ وَكَانُوا مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ أَقْبَلْتُ مَعَ الْعَسْكَرِ وَأَنْقَذْتُهُ إِذْ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ رُومَانِيٌّ. 28 وَكُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَعْلَمَ الْعِلَّةَ الَّتِي لأَجْلِهَا كَانُوا يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ فَأَنْزَلْتُهُ إِلَى مَجْمَعِهِمْ 29 فَوَجَدْتُهُ مَشْكُوّاً عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مَسَائِلِ نَامُوسِهِمْ. وَلَكِنَّ شَكْوَى تَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ أَوِ الْقُيُودَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ. 30 ثُمَّ لَمَّا أُعْلِمْتُ بِمَكِيدَةٍ عَتِيدَةٍ أَنْ تَصِيرَ عَلَى الرَّجُلِ مِنَ الْيَهُودِ أَرْسَلْتُهُ لِلْوَقْتِ إِلَيْكَ آمِراً الْمُشْتَكِينَ أَيْضاً أَنْ يَقُولُوا لَدَيْكَ مَا عَلَيْهِ. كُنْ مُعَافىً».

31 فَالْعَسْكَرُ أَخَذُوا بُولُسَ كَمَا أُمِرُوا وَذَهَبُوا بِهِ لَيْلاً إِلَى أَنْتِيبَاتْرِيسَ. 32 وَفِي الْغَدِ تَرَكُوا الْفُرْسَانَ يَذْهَبُونَ مَعَهُ وَرَجَعُوا إِلَى الْمُعَسْكَرِ. 33 وَأُولَئِكَ لَمَّا دَخَلُوا قَيْصَرِيَّةَ وَدَفَعُوا الرِّسَالَةَ إِلَى الْوَالِي أَحْضَرُوا بُولُسَ أَيْضاً إِلَيْهِ. 34 فَلَمَّا قَرَأَ الْوَالِي الرِّسَالَةَ وَسَأَلَ مِنْ أَيَّةِ وِلاَيَةٍ هُوَ وَوَجَدَ أَنَّهُ مِنْ كِيلِيكِيَّةَ 35 قَالَ: «سَأَسْمَعُكَ مَتَى حَضَرَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكَ أَيْضاً». وَأَمَرَ أَنْ يُحْرَسَ فِي قَصْرِ هِيرُودُسَ (أعمال 23: 25-35).

كتب الأمير كلوديوس رسالة إلى فيلكس الوالي أرسلها مع الجنود، حيّاه فيها، ثمّ شرح له ما حدث مع بولس، وأخبره بمكيدة اليهود الذين حاولوا قتله. وأخذ الجنود بولس ليلاً وذهبوا به إلى مدينة «أنتيباتريس» الواقعة على الطريق من أورشليم إلى قيصرية. وفي اليوم التالي ذهب الفرسان فقط مع بولس إلى الوالي في قيصرية وسلّموه الرّسالة.

ولمّا قرأ الوالي فيلكس رسالة الأمير، وعلم أنّ بولس من كيليكية، قال لبولس إنّه سيسمعه في محاكمة قانونية عند حضور اليهود المشتكون عليه، وأمر أن يحرسوه كأنّه أسير في قصر هيرودس.

الفصل الثالث عشر: بولس يدافع عن نفسه أمام الولاة (أعمال 24 - 26)

لم يترك اليهود بولس يبشّر بالمسيح وأرادوا قتله، فاستعملوا كلّ الوسائل الخاطئة لتحقيق غرضهم، وهيَّجوا عليه الشّعب واشتكوه إلى الحكّام الرومان.

وفي هذا الدرس سنقرأ دفاع بولس عن نفسه أمام الولاة.

محامي اليهود يشتكي ضدّ بولس

1 وَبَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ انْحَدَرَ حَنَانِيَّا رَئِيسُ الْكَهَنَةِ مَعَ الشُّيُوخِ وَخَطِيبٍ اسْمُهُ تَرْتُلُّسُ. فَعَرَضُوا لِلْوَالِي ضِدَّ بُولُسَ. 2 فَلَمَّا دُعِيَ ابْتَدَأَ تَرْتُلُّسُ فِي الشِّكَايَةِ قَائِلاً: 3 «إِنَّنَا حَاصِلُونَ بِوَاسِطَتِكَ عَلَى سَلاَمٍ جَزِيلٍ وَقَدْ صَارَتْ لِهَذِهِ الأُمَّةِ مَصَالِحُ بِتَدْبِيرِكَ. فَنَقْبَلُ ذَلِكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ فِيلِكْسُ بِكُلِّ شُكْرٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَكُلِّ مَكَانٍ. 4 وَلَكِنْ لِئَلاَّ أُعَوِّقَكَ أَكْثَرَ أَلْتَمِسُ أَنْ تَسْمَعَنَا بِالاِخْتِصَارِ بِحِلْمِكَ. 5 فَإِنَّنَا إِذْ وَجَدْنَا هَذَا الرَّجُلَ مُفْسِداً وَمُهَيِّجَ فِتْنَةٍ بَيْنَ جَمِيعِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي الْمَسْكُونَةِ وَمِقْدَامَ شِيعَةِ النَّاصِرِيِّينَ 6 وَقَدْ شَرَعَ أَنْ يُنَجِّسَ الْهَيْكَلَ أَيْضاً أَمْسَكْنَاهُ وَأَرَدْنَا أَنْ نَحْكُمَ عَلَيْهِ حَسَبَ نَامُوسِنَا. 7 فَأَقْبَلَ لِيسِيَاسُ الأَمِيرُ بِعُنْفٍ شَدِيدٍ وَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا 8 وَأَمَرَ الْمُشْتَكِينَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتُوا إِلَيْكَ. وَمِنْهُ يُمْكِنُكَ إِذَا فَحَصْتَ أَنْ تَعْلَمَ جَمِيعَ هَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي نَشْتَكِي بِهَا عَلَيْهِ». 9 ثُمَّ وَافَقَهُ الْيَهُودُ أَيْضاً قَائِلِينَ: «إِنَّ هَذِهِ الأُمُورَ هَكَذَا» (أعمال 24: 1-9).

أمر فيلكس والي قيصرية أن يُحرَس بولس في قصر هيرودس حتى يحضر اليهود الذين اشتكوا عليه. وبعد خمسة أيام حضر حنانيّا رئيس الكهنة مع بعض أعضاء مجلس السبعين من أورشليم إلى قيصرية، وأحضروا معهم محامياً رومانياً اسمه «ترتلس» ليشرح شكواهم أمام ولاة الرومان، لأنّه كان مقتدراً في الكلام.

واستدعى فيلكس بولس ليسمع الشكاوى المقدَّمة ضده لتكون له فرصة الدّفاع عن نفسه. وبدأ ترتلس في الكلام، فمدح الوالي لكي يستميله إلى صفّ اليهود، وقال إنّ اليهود يشعرون بالسّلام والطمأنينة في ظلّ حكمه، وإنهم يقدِّرون ذلك ويشكرونه عليه. ثمّ قال إنّه سيختصر في الكلام عن فضائل فيلكس لأنّ الوقت ضيّق.. ثمّ قدّم ثلاث شكاوى:

  1. أنّ بولس يهيّج فتنة بين طوائف اليهود ستُسبِّب فتنة في المملكة الرومانية كلّها.

  2. أنّه ترأّس عصابة اسمها «شيعة الناصريين» أي أتباع يسوع الناصري، فلم يكتفِ أن يكون وحده سبب الفتنة، بل جمع حوله جماعة من المشاغبين.

  3. أنّه أساء إلى شريعة اليهود ودينهم، ودنَّس هيكلهم المقدّس (وهو يقصد قولهم إنّ بولس أدخل تروفيمُس الأفسسي وهو أممي، إلى قسم من أقسام الهيكل لا يحلّ دخوله إلا لليهود).

وقال ترتلس إنّه بسبب تلك الدعاوى أراد اليهود أن يحاكموا بولس بالعدل حسب الشريعة اليهودية، لكنّ الأمير كلوديوس ليسياس عارضهم وأخذ بولس من أيديهم وأمرهم أن يأتوا إلى فيلكس لمحاكمته. وصدَّق اليهود على كل ما قاله ترتلس.

آية للحفظ

«أَلْتَمِسُ أَنْ تَسْمَعَنَا بِالاِخْتِصَارِ بِحِلْمِكَ» (أعمال 24: 4)

صلاة

يا ربّ، عندما أشكو ساعدني لأتأكّد من صدق شكواي. وعندما يشكوني أحدٌ ساعدني لأجتهد أن أكون صادقاً وبريئاً.

سؤال

11 - اذكر شكوييْن من شكاوى اليهود على بولس.

بولس يدافع عن نفسه أمام فيلكس

10 فَأَجَابَ بُولُسُ إِذْ أَوْمَأَ إِلَيْهِ الْوَالِي أَنْ يَتَكَلَّمَ: «إِنِّي إِذْ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ قَاضٍ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أَحْتَجُّ عَمَّا فِي أَمْرِي بِأَكْثَرِ سُرُورٍ. 11 وَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهُ لَيْسَ لِي أَكْثَرُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْماً مُنْذُ صَعِدْتُ لأَسْجُدَ فِي أُورُشَلِيمَ. 12 وَلَمْ يَجِدُونِي فِي الْهَيْكَلِ أُحَاجُّ أَحَداً أَوْ أَصْنَعُ تَجَمُّعاً مِنَ الشَّعْبِ وَلاَ فِي الْمَجَامِعِ وَلاَ فِي الْمَدِينَةِ. 13 وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُثْبِتُوا مَا يَشْتَكُونَ بِهِ الآنَ عَلَيَّ. 14 وَلَكِنَّنِي أُقِرُّ لَكَ بِهَذَا: أَنَّنِي حَسَبَ الطَّرِيقِ الَّذِي يَقُولُونَ لَهُ «شِيعَةٌ» هَكَذَا أَعْبُدُ إِلَهَ آبَائِي مُؤْمِناً بِكُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءِ. 15 وَلِي رَجَاءٌ بِاللَّهِ فِي مَا هُمْ أَيْضاً يَنْتَظِرُونَهُ: أَنَّهُ سَوْفَ تَكُونُ قِيَامَةٌ لِلأَمْوَاتِ الأَبْرَارِ وَالأَثَمَةِ. 16 لِذَلِكَ أَنَا أَيْضاً أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِماً ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ. 17 وَبَعْدَ سِنِينَ كَثِيرَةٍ جِئْتُ أَصْنَعُ صَدَقَاتٍ لأُمَّتِي وَقَرَابِينَ. 18 وَفِي ذَلِكَ وَجَدَنِي مُتَطَهِّراً فِي الْهَيْكَلِ - لَيْسَ مَعَ جَمْعٍ وَلاَ مَعَ شَغَبٍ - قَوْمٌ هُمْ يَهُودٌ مِنْ أَسِيَّا 19 كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرُوا لَدَيْكَ وَيَشْتَكُوا إِنْ كَانَ لَهُمْ عَلَيَّ شَيْءٌ. 20 أَوْ لِيَقُلْ هَؤُلاَءِ أَنْفُسُهُمْ مَاذَا وَجَدُوا فِيَّ مِنَ الذَّنْبِ وَأَنَا قَائِمٌ أَمَامَ الْمَجْمَعِ 21 إِلاَّ مِنْ جِهَةِ هَذَا الْقَوْلِ الْوَاحِدِ الَّذِي صَرَخْتُ بِهِ وَاقِفاً بَيْنَهُمْ: أَنِّي مِنْ أَجْلِ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ أُحَاكَمُ مِنْكُمُ الْيَوْمَ».

22 فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا فِيلِكْسُ أَمْهَلَهُمْ إِذْ كَانَ يَعْلَمُ بِأَكْثَرِ تَحْقِيقٍ أُمُورَ هَذَا الطَّرِيقِ قَائِلاً: «مَتَى انْحَدَرَ لِيسِيَاسُ الأَمِيرُ أَفْحَصُ عَنْ أُمُورِكُمْ». 23 وَأَمَرَ قَائِدَ الْمِئَةِ أَنْ يُحْرَسَ بُولُسُ وَتَكُونَ لَهُ رُخْصَةٌ وَأَنْ لاَ يَمْنَعَ أَحَداً مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يَخْدِمَهُ أَوْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ (أعمال 24: 10-23).

بعد أن سمع فيلكس الوالي شكوى اليهود على بولس أراد أن يسمع دفاع بولس عن نفسه، فأشار إليه أن يتكلّم. فبدأ بولس بقوله إنّه علم أنّ فيلكس كان يقضي في أمور الأمّة اليهودية من سنين كثيرة، فهو يعرف طبيعة اليهود. وقد كان فيلكس والياً على سوريا مدّة ست سنوات.

ثمّ قال إنّه لم يقضِ في أورشليم إلاّ اثني عشر يوماً، سبعة منها في أورشليم وخمسة في قيصرية في انتظار الحكم، وفيلكس يعرف ذلك، فليس من المعقول أن يُحدِث بولس كل هذه الفتن التي اتَّهمه بها اليهود في مدّة قصيرة كهذه. وقال إنّه جاء إلى أورشليم ليسجد في الهيكل، لا ليهيّج فتنة. فهو أوّلاً: ليس مُهيّج فتنة; وثانياً: هو لم يترأّس جماعة للشّغب كما اشتكوا; وثالثاً: لم يمسكوه في الهيكل الذي قالوا إنّه دنَّسه. وعلى هذا فالشكوى ضدّه باطلة من أساسها.

ولم يكن بولس جباناً، فشهد للمسيح، وأقرَّ أنّه مسيحيّ. ولا يعني هذا أنّه خرج عن كونه يهودياً، لأنّه يعبد الإله الواحد الذي يعبده اليهود أيضاً. كما أنّه يؤمن بأقوال الناموس والأنبياء وقيامة الأموات، ويجتهد أن لا يخالف ضميره فيعصى الله ويُعثر اليهود، وقد جاء إلى أورشليم ليقدّم المساعدات التي جمعها لفقراء كنيسة أورشليم، وليقدّم القرابين في يوم الخمسين إتماماً لفرائض الشريعة اليهودية التي اتَّهموه باحتقارها، وقد أحضر معه يهوداً من أسيّا لكنّهم لم يدخلوا الهيكل، فلم ينجّس الهيكل.

ثمّ طلب بولس من المشتكين عليه أن يثبّتوا اتهاماتهم. أمّا إن كانت شكواهم أنّه يؤمن بقيامة الأموات فهو لا يستطيع أن يتراجع عن هذا الإيمان. وبهذا شهد بولس بإيمانه بقيامة المسيح التي هي أساس تبشيره. ولم يستطع اليهود أن يعترضوا على القيامة لأنّ الفرّيسيّين آمنوا بها، ولا يمكنهم الانقسام على الصّدوقيّين أمام فيلكس.

واقتنع فيلكس بدفاع بولس وبكذب اليهود، فقال لهم إنّه سينتظر حضور الأمير كلوديوس ليسياس ليسمع شهادته قبل أن يحكم في القضيّة. وأمر قائد المئة أن يأخذ بولس إلى نوع من السجون يوضع فيه السجين بدون قيود، وفيه يكون حراً يقابله من يريد من أصحابه.

آية للحفظ

«أُدَرِّبُ نَفْسِي لِيَكُونَ لِي دَائِماً ضَمِيرٌ بِلاَ عَثْرَةٍ مِنْ نَحْوِ اللهِ وَالنَّاسِ» (أعمال 24: 16)

صلاة

يا ربّ، أشكرك لأنّك تملأ ضميري بكلماتك المقدّسة، فيكون ضميري طاهراً بلا عثرة من نحوك ومن نحو الناس.

سؤال

12 - كيف كان ضمير بولس بلا عثرة؟

فيلكس ينتظر رشوة من بولس

24 ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ جَاءَ فِيلِكْسُ مَعَ دُرُوسِلاَّ امْرَأَتِهِ، وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ. فَاسْتَحْضَرَ بُولُسَ وَسَمِعَ مِنْهُ عَنِ الإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ. 25 وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنِ الْبِرِّ وَالتَّعَفُّفِ وَالدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَكُونَ ارْتَعَبَ فِيلِكْسُ وَأَجَابَ: «أَمَّا الآنَ فَاذْهَبْ، وَمَتَى حَصَلْتُ عَلَى وَقْتٍ أَسْتَدْعِيكَ». 26 وَكَانَ أَيْضاً يَرْجُو أَنْ يُعْطِيَهُ بُولُسُ دَرَاهِمَ لِيُطْلِقَهُ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَسْتَحْضِرُهُ مِرَاراً أَكْثَرَ وَيَتَكَلَّمُ مَعَهُ. 27 وَلَكِنْ لَمَّا كَمِلَتْ سَنَتَانِ قَبِلَ فِيلِكْسُ بُورْكِيُوسَ فَسْتُوسَ خَلِيفَةً لَهُ. وَإِذْ كَانَ فِيلِكْسُ يُرِيدُ أَنْ يُودِعَ الْيَهُودَ مِنَّةً تَرَكَ بُولُسَ مُقَيَّداً (أعمال 24: 24-24).

بقي بولس في السجن الخاص الذي تمتّع فيه ببعض الحرية. وذات يوم جاء الوالي فيلكس مع زوجته اليهودية «دروسلا» وهي ابنة هيرودس أغريباس الأوّل، لأنها أرادت أن تسمع بولس الذي قيل عنه إنّه ضدّ الديانة اليهودية. وأراد فيلكس أن يُرضي زوجته، فاستدعى بولس وطلب منه أن يتحدّث عن دين المسيح.

وانتهز بولس الفرصة ليشهد للمسيح، فتكلّم عن البرّ أي العدل، وعن التعفّف أي الترفُّع عن شهوات الجسد، ثمّ عن الدينونة لأنّ كلّ إنسان سيقف أمام عرش الله الديّان العادل. فارتعب فيلكس من الله الديّان، لأنّ حياته كانت خالية من البرّ والتعفّف. ارتعب وهو الذي تربّى في الجيش الروماني فلم يرتعب قط من إنسان، لكنّه ارتعب من سلطان الله وعقاب الخاطئ وقت الدينونة، وتأثّر من كلام بولس. وكنّا ننتظر أن يقوده رعبه إلى التوبة، لكنّ الشيطان أعمى قلبه وقسّاه، فرفض أن يستمع أكثر لبولس، وقال له: «أَمَّا الآنَ فَاذْهَبْ، وَمَتَى حَصَلْتُ عَلَى وَقْتٍ أَسْتَدْعِيكَ» مع أنّ وقت التوبة كان بين يديه!

وكان فيلكس مشهوراً بالطّمع ومحبة المال، ولا بدّ أنّه سمع عن التبرّعات التي جمعها بولس من كنائس الأمم لفقراء كنيسة أورشليم، كما سمع عن المساعدات التي يقدّمها المؤمنون لبولس السجين، فظنّ أنّ بولس يقدر أن يدفع له رشوة ليحصل على حريته. ولهذا السبب كان يستدعيه مراراً كثيرة ويتكلّم معه.

قضى بولس سنتين كاملتين في هذا السجن، بعدهما اشتكى اليهود فيلكس للإمبراطور فعزله من الحكم، وعيَّن بدله والياً آخر اسمه «بوركيوس فستوس». على أنّ فيلكس أراد أن يُرضي اليهود فترك بولس مقيداً.

آية للحفظ

«وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنِ الْبِرِّ وَالتَّعَفُّفِ وَالدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَكُونَ ارْتَعَبَ فِيلِكْسُ» (أعمال 24: 25)

صلاة

يا ربّ، املأ قلبي بالطمأنينة أنّي في المسيح قد تبرّرت من خطاياي، واملأني بالروح القدس لأعيش حياة التعفّف، واثقاً أنّه لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح.

سؤال

13 - ماذا كانت مشاعر فيلكس وهو يسمع عن الدينونة العتيدة، وماذا فعل تجاه ذلك؟

بولس يرفع دعواه إلى قيصر

1 فَلَمَّا قَدِمَ فَسْتُوسُ إِلَى الْوِلاَيَةِ صَعِدَ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ قَيْصَرِيَّةَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 2 فَعَرَضَ لَهُ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ وَوُجُوهُ الْيَهُودِ ضِدَّ بُولُسَ، وَالْتَمَسُوا مِنْهُ 3 طَالِبِينَ عَلَيْهِ مِنَّةً أَنْ يَسْتَحْضِرَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَهُمْ صَانِعُونَ كَمِيناً لِيَقْتُلُوهُ فِي الطَّرِيقِ. 4 فَأَجَابَ فَسْتُوسُ أَنْ يُحْرَسَ بُولُسُ فِي قَيْصَرِيَّةَ وَأَنَّهُ هُوَ مُزْمِعٌ أَنْ يَنْطَلِقَ عَاجِلاً. 5 وَقَالَ: «فَلْيَنْزِلْ مَعِي الَّذِينَ هُمْ بَيْنَكُمْ مُقْتَدِرُونَ. وَإِنْ كَانَ فِي هَذَا الرَّجُلِ شَيْءٌ فَلْيَشْتَكُوا عَلَيْهِ».

6 وَبَعْدَ مَا صَرَفَ عِنْدَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ انْحَدَرَ إِلَى قَيْصَرِيَّةَ. وَفِي الْغَدِ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِبُولُسَ. 7 فَلَمَّا حَضَرَ وَقَفَ حَوْلَهُ الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ انْحَدَرُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ وَقَدَّمُوا عَلَى بُولُسَ دَعَاوِيَ كَثِيرَةً وَثَقِيلَةً لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُبَرْهِنُوهَا. 8 إِذْ كَانَ هُوَ يَحْتَجُّ: «أَنِّي مَا أَخْطَأْتُ بِشَيْءٍ لاَ إِلَى نَامُوسِ الْيَهُودِ وَلاَ إِلَى الْهَيْكَلِ وَلاَ إِلَى قَيْصَرَ». 9 وَلَكِنَّ فَسْتُوسَ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُودِعَ الْيَهُودَ مِنَّةً قَالَ لِبُولُسَ: «أَتَشَاءُ أَنْ تَصْعَدَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِتُحَاكَمَ هُنَاكَ لَدَيَّ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ الأُمُورِ؟» 10 فَقَالَ بُولُسُ: «أَنَا وَاقِفٌ لَدَى كُرْسِيِّ وِلاَيَةِ قَيْصَرَ حَيْثُ يَنْبَغِي أَنْ أُحَاكَمَ. أَنَا لَمْ أَظْلِمِ الْيَهُودَ بِشَيْءٍ كَمَا تَعْلَمُ أَنْتَ أَيْضاً جَيِّداً. 11 لأَنِّي إِنْ كُنْتُ آثِماً أَوْ صَنَعْتُ شَيْئاً يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ فَلَسْتُ أَسْتَعْفِي مِنَ الْمَوْتِ. وَلَكِنْ إِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا يَشْتَكِي عَلَيَّ بِهِ هَؤُلاَءِ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُسَلِّمَنِي لَهُمْ. إِلَى قَيْصَرَ أَنَا رَافِعٌ دَعْوَايَ». 12 حِينَئِذٍ تَكَلَّمَ فَسْتُوسُ مَعَ أَرْبَابِ الْمَشُورَةِ فَأَجَابَ: «إِلَى قَيْصَرَ رَفَعْتَ دَعْوَاكَ. إِلَى قَيْصَرَ تَذْهَبُ» (أعمال 25: 1-12).

تعيَّن بوركيوس فستوس والياً على قيصرية. وبعد ثلاثة أيام من وصوله ذهب إلى أورشليم ليجتمع برؤساء أمّة اليهود ليعرف أحوال ولايته. وانتهز رئيس الكهنة وأعضاء مجمع اليهود وجود الوالي الجديد في أورشليم فطلبوا منه أن يحضر بولس للمحاكمة في أورشليم. ولم يكن قصدهم أن يحاكموه، بل أن يدبّروا له كميناً لقتله في الطريق بين قيصرية وأورشليم كما فعلوا من قبل (أعمال 23: 12).

ولم يوافق فستوس على طلب اليهود، لكنّه لم يرفضه، واقترح أن تتمّ المحاكمة في قيصرية عندما يعود إليها من أورشليم. وطلب منهم أن يرسلوا معه نواباً عنهم ليقدّموا شكواهم ضد بولس. وبعد عشرة أيام رجع إلى قيصرية واستمع إلى الشكاوى المرفوعة ضدّ بولس ووجد أنها بلا دليل، كما أنّ بولس أظهر بطلانها، وأقنع فستوس بذلك.

على أنّ فستوس أراد أن يكسب محبّة اليهود، فسأل بولس إن كان يريد الذهاب إلى أورشليم للمحاكمة فيها حسب رغبة اليهود، فرفض بولس ذلك بدعوى أنّه روماني، ولأنّه لم يخطئ في شيء. ولمّا كان من حق كلّ من يحمل الجنسية الرومانية أن يستأنف دعواه إلى قيصر إمبراطور الرومان فقد فعل بولس هكذا، مما يعني أن يسافر إلى روما يحرسه جنود الرومان ليعرض قضيّته أمام الإمبراطور. واستشار فستوس مساعديه الرومانيين، فوافقوا على إجابة طلب بولس.

الملك أغريباس يستمع إلى بولس

13 وَبَعْدَمَا مَضَتْ أَيَّامٌ أَقْبَلَ أَغْرِيبَاسُ الْمَلِكُ وَبَرْنِيكِي إِلَى قَيْصَرِيَّةَ لِيُسَلِّمَا عَلَى فَسْتُوسَ. 14 وَلَمَّا كَانَا يَصْرِفَانِ هُنَاكَ أَيَّاماً كَثِيرَةً عَرَضَ فَسْتُوسُ عَلَى الْمَلِكِ أَمْرَ بُولُسَ قَائِلاً: «يُوجَدُ رَجُلٌ تَرَكَهُ فِيلِكْسُ أَسِيراً 15 وَعَرَضَ لِي عَنْهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَمَشَايِخُ الْيَهُودِ لَمَّا كُنْتُ فِي أُورُشَلِيمَ طَالِبِينَ حُكْماً عَلَيْهِ. 16 فَأَجَبْتُهُمْ أَنْ لَيْسَ لِلرُّومَانِ عَادَةٌ أَنْ يُسَلِّمُوا أَحَداً لِلْمَوْتِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ الْمَشْكُوُّ عَلَيْهِ مُواجَهَةً مَعَ الْمُشْتَكِينَ فَيَحْصُلُ عَلَى فُرْصَةٍ لِلاِحْتِجَاجِ عَنِ الشَّكْوَى. 17 فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَى هُنَا جَلَسْتُ مِنْ دُونِ إِمْهَالٍ فِي الْغَدِ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ وَأَمَرْتُ أَنْ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ. 18 فَلَمَّا وَقَفَ الْمُشْتَكُونَ حَوْلَهُ لَمْ يَأْتُوا بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ مِمَّا كُنْتُ أَظُنُّ. 19 لَكِنْ كَانَ لَهُمْ عَلَيْهِ مَسَائِلُ مِنْ جِهَةِ دِيَانَتِهِمْ، وَعَنْ وَاحِدٍ اسْمُهُ يَسُوعُ قَدْ مَاتَ وَكَانَ بُولُسُ يَقُولُ إِنَّهُ حَيٌّ. 20 وَإِذْ كُنْتُ مُرْتَاباً فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ هَذَا قُلْتُ: أَلَعَلَّهُ يَشَاءُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيُحَاكَمَ هُنَاكَ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ الأُمُورِ؟ 21 وَلَكِنْ لَمَّا رَفَعَ بُولُسُ دَعْوَاهُ لِكَيْ يُحْفَظَ لِفَحْصِ أُوغُسْطُسَ أَمَرْتُ بِحِفْظِهِ إِلَى أَنْ أُرْسِلَهُ إِلَى قَيْصَرَ». 22 فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِفَسْتُوسَ: «كُنْتُ أُرِيدُ أَنَا أَيْضاً أَنْ أَسْمَعَ الرَّجُلَ». فَقَالَ: «غَداً تَسْمَعُهُ».

23 فَفِي الْغَدِ لَمَّا جَاءَ أَغْرِيبَاسُ وَبَرْنِيكِي فِي احْتِفَالٍ عَظِيمٍ وَدَخَلاَ إِلَى دَارِ الاِسْتِمَاعِ مَعَ الأُمَرَاءِ وَرِجَالِ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّمِينَ أَمَرَ فَسْتُوسُ فَأُتِيَ بِبُولُسَ. 24 فَقَالَ فَسْتُوسُ: «أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ وَالرِّجَالُ الْحَاضِرُونَ مَعَنَا أَجْمَعُونَ، أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ هَذَا الَّذِي تَوَسَّلَ إِلَيَّ مِنْ جِهَتِهِ كُلُّ جُمْهُورِ الْيَهُودِ فِي أُورُشَلِيمَ وَهُنَا صَارِخِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَعِيشَ بَعْدُ. 25 وَأَمَّا أَنَا فَلَمَّا وَجَدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئاً يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ، وَهُوَ قَدْ رَفَعَ دَعْوَاهُ إِلَى أُوغُسْطُسَ عَزَمْتُ أَنْ أُرْسِلَهُ. 26 وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ يَقِينٌ مِنْ جِهَتِهِ لأَكْتُبَ إِلَى السَّيِّدِ. لِذَلِكَ أَتَيْتُ بِهِ لَدَيْكُمْ، وَلاَ سِيَّمَا لَدَيْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، حَتَّى إِذَا صَارَ الْفَحْصُ يَكُونُ لِي شَيْءٌ لأَكْتُبَ. 27 لأَنِّي أَرَى حَمَاقَةً أَنْ أُرْسِلَ أَسِيراً وَلاَ أُشِيرَ إِلَى الدَّعَاوِي الَّتِي عَلَيْهِ» (أعمال 25: 13-27).

بمناسبة تولّي بوركيوس فستوس الحكم زاره الملك أغريباس الثاني وزوجته برنيكي للتهنئة والسلام. وكان أغريباس ملكاً على بلاد كثيرة، منها مدن الجليل وبيرية، وقد كلّفه الإمبراطور نيرون بحراسة هيكل اليهود. وكان أغريباس شرّيراً يعيش مع أخته برنيكي عيشة غير شرعيّة. وأخبر فستوسُ أغريباسَ بأمر بولس، وكيف طلب اليهود محاكمته في أورشليم، لكنّ بولس رفع أمره إلى قيصر لأنّه رومانيّ.

وكان أغريباس قد سمع بفصاحة بولس وبلاغته والمشاكل التي قامت بسببه، فأراد أن يراه ويسمعه، وطلب ذلك من فستوس الذي جهّز كلّ شيء في الغد. وفي اليوم التالي جاء عدد كبير من الناس إلى النادي في قصر هيرودس ليسمعوا بولس.

وشرح فستوس للحاضرين سبب استدعاء بولس للدّفاع عن نفسه، مع أنّه سبق ورفع دعواه إلى قيصر. وقال فستوس إنّ من عادة الولاة الرومان إذا أرسلوا أسيراً من إحدى الولايات إلى روما للمحاكمة أن يرسلوا معه شرحاً لقضيّته، ودفاعه عن نفسه، وإجراءات المحاكمة الأولى .. ولكن لم يجد فستوس شيئاً يذكره عن بولس للقيصر، فطلب من الملك أغريباس أن يساعده فيما يكتبه، لأنّه من الحماقة أن يرسل أسيراً إلى الإمبراطور دون إقامة الأدلّة الكافية على ذنبه وحقّه في الاستئناف. ولمّا كان أغريباس يهوديّاً فإنّه يقدر أن يصيغ الشكوى ضد بولس.

وهكذا سنحت الفرصة لبولس أن يشهد للمسيح أمام الملوك كما قال الرب لحنانيّا الذي عمَّده: «هَذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ» (أعمال 9: 15).

آية للحفظ

«... وَاحِدٍ اسْمُهُ يَسُوعُ قَدْ مَاتَ وَكَانَ بُولُسُ يَقُولُ إِنَّهُ حَيٌّ» (أعمال 25: 19)

صلاة

أشكرك يا الله لأنّ المسيح مات من أجل خطاياي فوفى ديوني كلّها على صليبه، وأشكرك لأنّه قام من بين الأموات وصعد إلى السّماء ليشفع فيَّ، وسيجيء مرة ثانية ليأخذني لأكون معه إلى الأبد.

سؤال

14 - لماذا أراد الملك أغريباس أن يسمع بولس؟

بولس يبدأ دفاعه

1 فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: «مَأْذُونٌ لَكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ لأَجْلِ نَفْسِكَ». حِينَئِذٍ بَسَطَ بُولُسُ يَدَهُ وَجَعَلَ يَحْتَجُّ: 2 «إِنِّي أَحْسِبُ نَفْسِي سَعِيداً أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ إِذْ أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَحْتَجَّ الْيَوْمَ لَدَيْكَ عَنْ كُلِّ مَا يُحَاكِمُنِي بِهِ الْيَهُودُ. 3 لاَ سِيَّمَا وَأَنْتَ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْعَوَائِدِ وَالْمَسَائِلِ الَّتِي بَيْنَ الْيَهُودِ. لِذَلِكَ أَلْتَمِسُ مِنْكَ أَنْ تَسْمَعَنِي بِطُولِ الأَنَاةِ. 4 فَسِيرَتِي مُنْذُ حَدَاثَتِي الَّتِي مِنَ الْبُدَاءةِ كَانَتْ بَيْنَ أُمَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ يَعْرِفُهَا جَمِيعُ الْيَهُودِ 5 عَالِمِينَ بِي مِنَ الأَوَّلِ - إِنْ أَرَادُوا أَنْ يَشْهَدُوا - أَنِّي حَسَبَ مَذْهَبِ عِبَادَتِنَا الأَضْيَقِ عِشْتُ فَرِّيسِيّاً. 6 وَالآنَ أَنَا وَاقِفٌ أُحَاكَمُ عَلَى رَجَاءِ الْوَعْدِ الَّذِي صَارَ مِنَ اللهِ لآبَائِنَا 7 الَّذِي أَسْبَاطُنَا الاِثْنَا عَشَرَ يَرْجُونَ نَوَالَهُ عَابِدِينَ بِالْجَهْدِ لَيْلاً وَنَهَاراً. فَمِنْ أَجْلِ هَذَا الرَّجَاءِ أَنَا أُحَاكَمُ مِنَ الْيَهُودِ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ. 8 لِمَاذَا يُعَدُّ عِنْدَكُمْ أَمْراً لاَ يُصَدَّقُ إِنْ أَقَامَ اللهُ أَمْوَاتاً؟ (أعمال 26: 1-8).

استعدَّ الجميع والملك أغريباس لسماع بولس، وقال له أغريباس: «مَأْذُونٌ لَكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ لأَجْلِ نَفْسِكَ». فبسط بولس يده كعادته عند الكلام ليثبّت براءته للملك، وليوضّح لهم ما يكتبونه عنه إلى نيرون، وفوق الكل ليُبشّر الجميع بالمسيح المخلِّص.

قال بولس إنّه سعيد أن يقف أمام الملك أغريباس لينفي عن نفسه ما قاله اليهود عنه ظلماً، خصوصاً وأنّ أغريباس يهوديّ يقدر أن يحكم في أمور الديانة اليهوديّة، وهو الحارس القانوني للهيكل وحامي الدين اليهوديّ، ويمكنه أن يستمع إلى بولس بصبرٍ وفهمٍ.

ومضى بولس يقول إنّه تربّى في أورشليم حيث تعلّم الشريعة اليهودية، واشتهر بين اليهود بمعرفته الواسعة لأمور الدين، وإنّه من مذهب الفرّيسيّين المتمسّكين بكل الفرائض والطقوس، ومع ذلك فقد اشتكى عليه اليهود لأنّه يؤمن بالنبوّات التي تتعلّق بالمسيح من حيث مجيئه وقيامته من الأموات، مع أنّ كل أسباط بني إسرائيل كانوا يعيشون على رجاء مجيء المسيح، ومارسوا رسوم الشريعة في الهيكل ليلاً ونهاراً استعداداً لهذا المجيء. وقال إنّ هذا هو سبب محاكمته، مع أنّه يتّفق مع رجاء اليهود في مجيء المسيح الموعود به، وفي قيامته من الأموات. وقال إنّه ينادي بالقيامة مع وجود البراهين الواضحة المعروفة للجميع أنّ المسيح قام من الأموات. ثمّ تساءل: «لِمَاذَا يُعَدُّ عِنْدَكُمْ أَمْراً لاَ يُصَدَّقُ إِنْ أَقَامَ اللهُ أَمْوَاتاً؟».

آية للحفظ

«لِمَاذَا يُعَدُّ عِنْدَكُمْ أَمْراً لاَ يُصَدَّقُ إِنْ أَقَامَ اللهُ أَمْوَاتاً؟» (أعمال 26: 8)

صلاة

أشكرك يا الله لأنّ المسيح مات وقام. وأشكرك لأنّه أقامني من موت خطاياي، وسيقيمني في القيامة في اليوم الأخير.

سؤال

15 - لماذا تؤمن أنّ الله يقيم الموتى؟

بولس يشرح اختباره

9 فَأَنَا ارْتَأَيْتُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَصْنَعَ أُمُوراً كَثِيرَةً مُضَادَّةً لاِسْمِ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ. 10 وَفَعَلْتُ ذَلِكَ أَيْضاً فِي أُورُشَلِيمَ فَحَبَسْتُ فِي سُجُونٍ كَثِيرِينَ مِنَ الْقِدِّيسِينَ آخِذاً السُّلْطَانَ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. وَلَمَّا كَانُوا يُقْتَلُونَ أَلْقَيْتُ قُرْعَةً بِذَلِكَ. 11 وَفِي كُلِّ الْمَجَامِعِ كُنْتُ أُعَاقِبُهُمْ مِرَاراً كَثِيرَةً وَأَضْطَرُّهُمْ إِلَى التَّجْدِيفِ. وَإِذْ أَفْرَطَ حَنَقِي عَلَيْهِمْ كُنْتُ أَطْرُدُهُمْ إِلَى الْمُدُنِ الَّتِي فِي الْخَارِجِ.

12 «وَلَمَّا كُنْتُ ذَاهِباً فِي ذَلِكَ إِلَى دِمَشْقَ بِسُلْطَانٍ وَوَصِيَّةٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ 13 رَأَيْتُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ فِي الطَّرِيقِ أَيُّهَا الْمَلِكُ نُوراً مِنَ السَّمَاءِ أَفْضَلَ مِنْ لَمَعَانِ الشَّمْسِ قَدْ أَبْرَقَ حَوْلِي وَحَوْلَ الذَّاهِبِينَ مَعِي. 14 فَلَمَّا سَقَطْنَا جَمِيعُنَا عَلَى الأَرْضِ سَمِعْتُ صَوْتاً يُكَلِّمُنِي بِاللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ: شَاوُلُ شَاوُلُ لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ 15فَقُلْتُ أَنَا: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ: أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. 16 وَلَكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهَذَا ظَهَرْتُ لَكَ لأَنْتَخِبَكَ خَادِماً وَشَاهِداً بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ 17 مُنْقِذاً إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ 18 لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيباً مَعَ الْمُقَدَّسِينَ (أعمال 26: 9-18).

وتابع بولس يقول كيف كان من المتقدّمين في مقاومة اسم المسيح حتى أنّه عذّب كثيرين من المسيحيين في أورشليم، وكعضوٍ في مجلس السبعين اليهوديّ كان يلقي مع بقية الأعضاء القرعة على المسيحيين لمعرفة الأبرياء منهم. وفوق هذا كلّه فإنّه كان يذهب إلى مجامع أورشليم ليضطهد المسيحيّين ويجبرهم على إنكار اسم المسيح، أو ينفيهم من البلاد.

ثمّ روى اختباره (المذكور في أعمال 9، والذي رواه هو نفسه لليهود في أعمال 22) وشرح كيف كان يحمل رسائل تَوْصِيَة من رؤساء الكهنة ليذهب إلى دمشق ليواصل أعمال قمع المسيحيين، وفي طريقه إليها أضاء حوله نور أقوى من نور الشمس فسقط على الأرض هو ورفاقه، وسمع صوتاً يُكلّمه باللغة العبرانية ويقول إنّه يضرّ نفسه بهذا الاضطهاد، لأنّه لا يستطيع منع الإنجيل من الانتشار، وإنّ الذي يكلّمه هو يسوع، الذي يدعوه ليكون خادماً له وشاهداً بما حدث معه، وإنّه سينقذه من كلّ الصعوبات التي سيتعرّض لها، من اليهود أو من الأمم، فيرجع الكثيرون من ظلمات الجهل والخطية إلى نور إنجيل المسيح، ومن سلطان الشيطان إلى خدمة الله، وبذلك تُغفر خطاياهم، وبواسطة الإيمان بالمسيح يكون لهم نصيب مع المقدّسين.

بولس يشرح كرازته

19 «مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ لَمْ أَكُنْ مُعَانِداً لِلرُّؤْيَا السَّمَاوِيَّةِ 20 بَلْ أَخْبَرْتُ أَوَّلاً الَّذِينَ فِي دِمَشْقَ وَفِي أُورُشَلِيمَ حَتَّى جَمِيعِ كُورَةِ الْيَهُودِيَّةِ ثُمَّ الأُمَمَ أَنْ يَتُوبُوا وَيَرْجِعُوا إِلَى اللهِ عَامِلِينَ أَعْمَالاً تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. 21 مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَمْسَكَنِي الْيَهُودُ فِي الْهَيْكَلِ وَشَرَعُوا فِي قَتْلِي. 22 فَإِذْ حَصَلْتُ عَلَى مَعُونَةٍ مِنَ اللهِ بَقِيتُ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ شَاهِداً لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَأَنَا لاَ أَقُولُ شَيْئاً غَيْرَ مَا تَكَلَّمَ الأَنْبِيَاءُ وَمُوسَى أَنَّهُ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ: 23 إِنْ يُؤَلَّمِ الْمَسِيحُ يَكُنْ هُوَ أَوَّلَ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ مُزْمِعاً أَنْ يُنَادِيَ بِنُورٍ لِلشَّعْبِ وَلِلأُمَمِ» (أعمال 26: 19-23).

وبناءً على ما سمعه ورآه لم يعاند الرؤيا التي ظهرت له من السماء، فبشرّ بالإنجيل في دمشق وأورشليم وبلاد اليهودية وبين الأمم، ودعا الجميع للتّوبة عن الخطايا الماضية والرجوع إلى الله بالتوبة والإيمان والمحبّة، وإظهار أثمار التّوبة بالأعمال المقدّسة الصالحة.

ثمّ قال إنّ سبب شكوى اليهود عليه أنّه نادى بما سمعه من المسيح في الرؤيا، فأمسكوه في هيكل أورشليم وأرادوا قتله، لكنّ الله حفظه لينادي للجميع بكلّ ما أنبأ به موسى والأنبياء عن آلام المسيح وموته وقيامته. وأنّه ينبغي أن يبشّر الأمم أيضاً بالمسيح. من أجل هذا يقول اليهود إنّه يعلّم تعليماً جديداً ينافي شريعة موسى، مع أنّ ما ينادي به هو ما تنبّأت به الأنبياء: أنّ المسيح يتألّم ويقوم من الموت، ويُنادَى بخلاصه لكلّ العالم.

آية للحفظ

«مِنْ ثَمَّ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ لَمْ أَكُنْ مُعَانِداً لِلرُّؤْيَا السَّمَاوِيَّةِ» (أعمال 26: 19)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأجل محبّتك التي تتّصل بي وتعلن لي مشيئتك الصالحة. أعطني نعمة الطاعة لأتبعك في ثقة ومحبة وخضوع.

سؤال

16 - ما هي تكلفة طاعة الرؤيا السماوية؟

السّامعون يقتنعون بدفاع بولس

24 وَبَيْنَمَا هُوَ يَحْتَجُّ بِهَذَا قَالَ فَسْتُوسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «أَنْتَ تَهْذِي يَا بُولُسُ! الْكُتُبُ الْكَثِيرَةُ تُحَوِّلُكَ إِلَى الْهَذَيَانِ». 25 فَقَالَ: «لَسْتُ أَهْذِي أَيُّهَا الْعَزِيزُ فَسْتُوسُ بَلْ أَنْطِقُ بِكَلِمَاتِ الصِّدْقِ وَالصَّحْوِ. 26 لأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ هَذِهِ الأُمُورِ عَالِمٌ الْمَلِكُ الَّذِي أُكَلِّمُهُ جِهَاراً إِذْ أَنَا لَسْتُ أُصَدِّقُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لأَنَّ هَذَا لَمْ يُفْعَلْ فِي زَاوِيَةٍ. 27 أَتُؤْمِنُ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ بِالأَنْبِيَاءِ؟ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تُؤْمِنُ». 28 فَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِبُولُسَ: «بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً». 29 فَقَالَ بُولُسُ: «كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى اللهِ أَنَّهُ بِقَلِيلٍ وَبِكَثِيرٍ لَيْسَ أَنْتَ فَقَطْ بَلْ أَيْضاً جَمِيعُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَنِي الْيَوْمَ يَصِيرُونَ هَكَذَا كَمَا أَنَا، مَا خَلاَ هَذِهِ الْقُيُودَ».

30 فَلَمَّا قَالَ هَذَا قَامَ الْمَلِكُ وَالْوَالِي وَبَرْنِيكِي وَالْجَالِسُونَ مَعَهُمْ 31 وَانْصَرَفُوا وَهُمْ يُكَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: «إِنَّ هَذَا الإِنْسَانَ لَيْسَ يَفْعَلُ شَيْئاً يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ أَوِ الْقُيُودَ». 32 وَقَالَ أَغْرِيبَاسُ لِفَسْتُوسَ: «كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَقَ هَذَا الإِنْسَانُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ رَفَعَ دَعْوَاهُ إِلَى قَيْصَرَ» (أعمال 26: 24-32).

كان أغريباس يهوديّاً فاستطاع أن يفهم ما قاله بولس عن المسيح من النبوّات، أمّا فَسْتوس الوثني فقد ظهر له الكلام عن صلب المسيح وموته وقيامته وَهْماً وهذياناً، فقاطع بولس صارخاً: «أَنْتَ تَهْذِي يَا بُولُسُ! الْكُتُبُ الْكَثِيرَةُ تُحَوِّلُكَ إِلَى الْهَذَيَانِ!».

ولم يخَف بولس من الوالي، وبحكمة أنكر أنّه يَهذي لأنّه سليم العقل. ووجَّه كلامه إلى الملك أغريباس اليهودي الذي يفهم النبوّات ويعلم أنّ قيامة المسيح لم تحدث في زاوية، بل حدثت في العاصمة أورشليم. وسأل بولس الملك أغريباس أن يشهد لصحَّة كلامه حسب أقوال أنبياء العهد القديم، كما أراد تنبيه ضمير الملك فقال له: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ تُؤْمِنُ».

لكنّ أغريباس الذي كان يعلم صدق ما سمعه أراد أن يتخلّص من قوّة البرهان، فقال لبولس: «بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً» وهو قول يحتمل معنيين: أوّلهما أنّه بقي القليل من التوضيح ليؤمن الملك، والثاني: هل بالقليل الذي قلتَهُ تريدني أن أصير مسيحياً؟

وبلباقة قال بولس إنّه يريد أن يكون الملك وسائر السّامعين مثله، لكن بغير القيود التي في يديه!

وبهذا انتهى كلام بولس، فقام أغريباس وبرنيكي وفستوس وهم يؤكّدون أنّ بولس بريء من اتهامات اليهود له، ولا يستحق الموت، وإنّه لو لم يكن (بولس) قد رفع دعواه إلى قيصر لأطلقوه حراً. وهكذا انصرف الجميع.

آية للحفظ

«بِقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً» (أعمال 26: 28)

صلاة

يا ربّ، أعطني بالقليل من التوجيه أن أقبل طاعتك والسّير في طريقك. أعطني الأذن المرهفة لسماع صوتك.

سؤال

17 - ما معنى قول الملك أغريباس: ِبقَلِيلٍ تُقْنِعُنِي أَنْ أَصِيرَ مَسِيحِيّاً؟

الفصل الرابع عشر: رحلة بولس الرسول إلى روما (أعمال 27، 28)

رأينا في الفصل الماضي كيف اقتنع الملك أغريباس والوالي فستوس ببراءة بولس، وكان من الممكن إطلاقه.. لولا أنّ بولس كان قد رفع دعواه إلى قيصر، فلم يَعُد للوالي سلطان أن يطلقه.

ولعلّ أصدقاء بولس لمّا سمعوا قول أغريباس أسفوا على أنّ بولس رفع دعواه إلى قيصر، لكنّ ذلك كان بترتيب من الله، حتى يذهب بولس إلى روما ليبشِّر فيها بالإنجيل.

بولس يسافر بحراً إلى الموانىء الحسنة

1 فَلَمَّا اسْتَقَرَّ الرَّأْيُ أَنْ نُسَافِرَ فِي الْبَحْرِ إِلَى إِيطَالِيَا سَلَّمُوا بُولُسَ وَأَسْرَى آخَرِينَ إِلَى قَائِدِ مِئَةٍ مِنْ كَتِيبَةِ أُوغُسْطُسَ اسْمُهُ يُولِيُوسُ. 2 فَصَعِدْنَا إِلَى سَفِينَةٍ أَدْرَامِيتِينِيَّةٍ وَأَقْلَعْنَا مُزْمِعِينَ أَنْ نُسَافِرَ مَارِّينَ بِالْمَوَاضِعِ الَّتِي فِي أَسِيَّا. وَكَانَ مَعَنَا أَرِسْتَرْخُسُ رَجُلٌ مَكِدُونِيٌّ مِنْ تَسَالُونِيكِي. 3 وَفِي الْيَوْمِ الآخَرِ أَقْبَلْنَا إِلَى صَيْدَاءَ فَعَامَلَ يُولِيُوسُ بُولُسَ بِالرِّفْقِ وَأَذِنَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَصْدِقَائِهِ لِيَحْصُلَ عَلَى عِنَايَةٍ مِنْهُمْ. 4 ثُمَّ أَقْلَعْنَا مِنْ هُنَاكَ وَسَافَرْنَا فِي الْبَحْرِ مِنْ تَحْتِ قُبْرُسَ لأَنَّ الرِّيَاحَ كَانَتْ مُضَادَّةً. 5 وَبَعْدَ مَا عَبَرْنَا الْبَحْرَ الَّذِي بِجَانِبِ كِيلِيكِيَّةَ وَبَمْفِيلِيَّةَ نَزَلْنَا إِلَى مِيرَا لِيكِيَّةَ. 6 فَإِذْ وَجَدَ قَائِدُ الْمِئَةِ هُنَاكَ سَفِينَةً إِسْكَنْدَرِيَّةً مُسَافِرَةً إِلَى إِيطَالِيَا أَدْخَلَنَا فِيهَا. 7 وَلَمَّا كُنَّا نُسَافِرُ رُوَيْداً أَيَّاماً كَثِيرَةً وَبِالْجَهْدِ صِرْنَا بِقُرْبِ كِنِيدُسَ، وَلَمْ تُمَكِّنَّا الرِّيحُ أَكْثَرَ سَافَرْنَا مِنْ تَحْتِ كِرِيتَ بِقُرْبِ سَلْمُونِي. 8 وَلَمَّا تَجَاوَزْنَاهَا بِالْجَهْدِ جِئْنَا إِلَى مَكَانٍ يُقَالُ لَهُ «الْمَوَانِي الْحَسَنَةُ» الَّتِي بِقُرْبِهَا مَدِينَةُ لَسَائِيَةَ.

9 وَلَمَّا مَضَى زَمَانٌ طَوِيلٌ وَصَارَ السَّفَرُ فِي الْبَحْرِ خَطِراً إِذْ كَانَ الصَّوْمُ أَيْضاً قَدْ مَضَى جَعَلَ بُولُسُ يُنْذِرُهُمْ 10 قَائِلاً: «أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنَا أَرَى أَنَّ هَذَا السَّفَرَ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ بِضَرَرٍ وَخَسَارَةٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَ لِلشَّحْنِ وَالسَّفِينَةِ فَقَطْ بَلْ لأَنْفُسِنَا أَيْضاً». 11 وَلَكِنْ كَانَ قَائِدُ الْمِئَةِ يَنْقَادُ إِلَى رُبَّانِ السَّفِينَةِ وَإِلَى صَاحِبِهَا أَكْثَرَ مِمَّا إِلَى قَوْلِ بُولُسَ. 12 وَلأَنَّ مَوْقِعَ الْمِينَا لَمْ يَكُنْ صَالِحاً لِلْمَشْتَى اسْتَقَرَّ رَأْيُ أَكْثَرِهِمْ أَنْ يُقْلِعُوا مِنْ هُنَاكَ أَيْضاً عَسَى أَنْ يُمْكِنَهُمُ الإِقْبَالُ إِلَى فِينِكْسَ لِيَشْتُوا فِيهَا. وَهِيَ مِينَا فِي كِرِيتَ تَنْظُرُ نَحْوَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ الْغَرْبِيَّيْنِ. 13 فَلَمَّا نَسَّمَتْ رِيحٌ جَنُوبٌ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ مَلَكُوا مَقْصَدَهُمْ فَرَفَعُوا الْمِرْسَاةَ وَطَفِقُوا يَتَجَاوَزُونَ كِرِيتَ عَلَى أَكْثَرِ قُرْبٍ.

14 وَلَكِنْ بَعْدَ قَلِيلٍ هَاجَتْ عَلَيْهَا رِيحٌ زَوْبَعِيَّةٌ يُقَالُ لَهَا «أُورُوكْلِيدُونُ». 15 فَلَمَّا خُطِفَتِ السَّفِينَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُقَابِلَ الرِّيحَ سَلَّمْنَا فَصِرْنَا نُحْمَلُ. 16 فَجَرَيْنَا تَحْتَ جَزِيرَةٍ يُقَالُ لَهَا «كَلَوْدِي» وَبِالْجَهْدِ قَدِرْنَا أَنْ نَمْلِكَ الْقَارِبَ. 17 وَلَمَّا رَفَعُوهُ طَفِقُوا يَسْتَعْمِلُونَ مَعُونَاتٍ حَازِمِينَ السَّفِينَةَ وَإِذْ كَانُوا خَائِفِينَ أَنْ يَقَعُوا فِي السِّيرْتِسِ أَنْزَلُوا الْقُلُوعَ وَهَكَذَا كَانُوا يُحْمَلُونَ. 18 وَإِذْ كُنَّا فِي نَوْءٍ عَنِيفٍ جَعَلُوا يُفَرِّغُونَ فِي الْغَدِ. 19 وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَمَيْنَا بِأَيْدِينَا أَثَاثَ السَّفِينَةِ. 20 وَإِذْ لَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ وَلاَ النُّجُومُ تَظْهَرُ أَيَّاماً كَثِيرَةً وَاشْتَدَّ عَلَيْنَا نَوْءٌ لَيْسَ بِقَلِيلٍ انْتُزِعَ أَخِيراً كُلُّ رَجَاءٍ فِي نَجَاتِنَا (أعمال 27: 1-20).

قضى بولس سنتين في سجن قيصرية، وهو بريء. واستقرّ رأي فستوس الوالي أن يرسله إلى قيصر حسب رغبته، فسافر بولس بالبحر من قيصرية إلى إيطاليا، يصحبه بعض أصدقائه ومعهم لوقا الطبيب، كاتب سفر الأعمال.. وأرسل فستوس معهم أسرى آخرين تحت حراسة كتيبةٍ من الجنود برئاسة قائد اسمه «يوليوس».

سافر الجميع في سفينة «أدراميتينية» الجنسيّة، ومرّوا ببعض الأماكن في أسيّا، وكان معهم رجل مكدونيّ من مدينة تسالونيكي اسمه «أرسترخس». وصلت السفينة إلى مدينة صيدا شمال قيصرية. وكان يوليوس رقيقاً في معاملته لبولس بسبب ما لاحظه فيه من الأخلاق الرّفيعة، فسمح له بالذّهاب إلى أصدقائه المسيحيين في صيدا ليأخذ منهم بعض الهدايا التي يحتاج إليها في السفر. ومن ثمّ أقلعت السفينة من صيدا إلى صور وأبحرت إلى الشرق من قبرس لتنجو من شدّة الرّياح الغربيّة، ثم مرّت بجانب ولايتين في جنوب أسيّا هما ولايتا كيليكية وبمفيلية، ووصلت إلى ميرا بولاية ليكية حيث نزل الركاب، وركبوا سفينة قادمة من الإسكندرية كانت في طريقها إلى إيطاليا.

كانت الرّياح شديدة، فكانت السفينة تسير ببطء إلى أن وصلت إلى مدينة قريبة من جزيرة رودس اسمها «كنيدس». واشتدت الرّياح حتّى مرّوا شرق جزيرة كريت بالقرب من مدينة «سلموني» ثم وصلوا إلى مدينة «المواني الحسنة» على الشاطئ الجنوبي من جزيرة كريت، قريبة من مدينة «لسائية».

مضى وقت طويل عليهم في البحر، وكانت الرّياح تشتد ضدّهم، فأصبح السفر بسفينتهم الشراعية صعباً وخطراً. ولمّا انتهى صوم يوم الكفارة اشتدّت الرّياح، فخاف الملاحون، وأنذرهم بولس بالخسارة التي ستلحق بالمسافرين والبضائع إذا استمروا في طريقهم. ولعلّ بولس كان خبيراً بأمور البحر لكثرة أسفاره فيه، أو لأنّ الله أعلن له هذا. غير أنّ قائد المئة لم يسمع نصيحة بولس، وانقاد إلى رأي رئيس الملاّحين وصاحب السفينة، فاستقرّ رأيهم على أن يواصلوا السفر حتى يصلوا إلى مدينة غرب «المواني الحسنة» اسمها «فينكس» وهي ميناء في جزيرة كريت حتى يقضوا فصل الشتاء هناك.

وهبَّت ريح هادئة موافقة لجهة سفرهم فظنّوا أنهم سيصلون إلى وُجهتهم، فسافروا بالقرب من كريت ظانين أنهم سيصلون إلى فينكس بعد ثلاث ساعات. ولكنّ الريح الهادئة لم تستمر طويلاً، إذ هاجت عليهم عاصفة شديدة اسمها «أوروكليدون» أمسكت بالسفينة وحملتها بقوّة لا تُقاوم، أفشلت كل مجهودات الملاّحين، فتركوا السفينة إلى حيث تسوقها الرياح التي وصلت بها إلى جزيرة «كلودي»، فرفعوا قارب النجاة الصغير الذي كانت تجرّه السفينة، وربطوها بالحبال حتى لا تتفكّك ألواحها، وأنزلوا القلوع حتى لا يصلوا إلى خليج «السيرتس» الشديد الخطر على السفن. وفي اليوم الثاني اشتدّت الرياح فخفّفوا حمولة السفينة وطرحوا بعض البضائع في الماء. وفي اليوم الثالث اشترك المسافرون مع الملاّحين في طرح كل ما استطاعوا الاستغناء عنه من أثاث السفينة حتى لا تغطّيها الأمواج. واشتدّت الرياح وكثرت الغيوم التي منعت ظهور الشمس والنجوم، فخاف الجميع وفقدوا كل رجاء في النجاة.

بولس يشجّع المسافرين

21 فَلَمَّا حَصَلَ صَوْمٌ كَثِيرٌ حِينَئِذٍ وَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِهِمْ وَقَالَ: «كَانَ يَنْبَغِي أَيُّهَا الرِّجَالُ أَنْ تُذْعِنُوا لِي وَلاَ تُقْلِعُوا مِنْ كِرِيتَ فَتَسْلَمُوا مِنْ هَذَا الضَّرَرِ وَالْخَسَارَةِ. 22 وَالآنَ أُنْذِرُكُمْ أَنْ تُسَرُّوا، لأَنَّهُ لاَ تَكُونُ خَسَارَةُ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْكُمْ إِلاَّ السَّفِينَةَ. 23 لأَنَّهُ وَقَفَ بِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ مَلاَكُ الإِلَهِ الَّذِي أَنَا لَهُ وَالَّذِي أَعْبُدُهُ 24 قَائِلاً: لاَ تَخَفْ يَا بُولُسُ. يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَقِفَ أَمَامَ قَيْصَرَ. وَهُوَذَا قَدْ وَهَبَكَ اللهُ جَمِيعَ الْمُسَافِرِينَ مَعَكَ. 25 لِذَلِكَ سُرُّوا أَيُّهَا الرِّجَالُ لأَنِّي أُومِنُ بِاللهِ أَنَّهُ يَكُونُ هَكَذَا كَمَا قِيلَ لِي. 26 وَلَكِنْ لاَ بُدَّ أَنْ نَقَعَ عَلَى جَزِيرَةٍ» (أعمال 27: 21-26).

لم يستطع المسافرون أن يأكلوا من شدّة الخوف، ولأنّ دوار البحر أصابهم، كما أنّ تجهيز الطعام كان مستحيلاً. عندئذٍ وقف بولس ليشجّع الجميع وقال: كان ينبغي أن تستمعوا لتحذيري لكم من قبل ولا تقلعوا من «المواني الحسنة» حتى نتجنّب هذه الخسارة وهذا الضرر، وعليكم الآن أن تقبلوا النصح، وأن تفرحوا لأنّ السفينة وحدها ستتدمَّر، لكن لن يغرق راكبٌ واحد، لأنّ ملاك الرب الذي أعبده جاءني ليلاً وقال لي: لا تخف لأنّك يجب أن تقف أمام الإمبراطور نيرون. فلا بدّ أن ننجو من خطر البحر. وأكّد لهم بولس رضى الله عليه بإنقاذ نفوس كل من معه في السفينة. وقال إنه يثق في وعد الله له أنّ الجميع سيصلون بسلام إلى جزيرة.

وما أكثر ما يحصل الأشرار على بركات بسبب وجود الأبرار بينهم. فهل أنت سبب بركة لمن حولك؟

آية للحفظ

«وَقَفَ بِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ مَلاَكُ الإِلَهِ الَّذِي أَنَا لَهُ وَالَّذِي أَعْبُدُهُ» (أعمال 27: 23)

صلاة

أشكرك يا ربّ لأنك تعطيني شرف اتِّباعك فأقول إنّي لك. وأشكرك لأنّك تعطيني شرف عبادتك فأسبّح لك وأتهلّل بك.

سؤال

18 - كيف شجّع الله رسوله بولس في وسط كل هذه الصُّعوبات؟

بولس يشكر ويتشجّع

27 فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةُ وَنَحْنُ نُحْمَلُ تَائِهِينَ فِي بَحْرِ أَدْرِيَا ظَنَّ النُّوتِيَّةُ نَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَنَّهُمُ اقْتَرَبُوا إِلَى بَرٍّ. 28 فَقَاسُوا وَوَجَدُوا عِشْرِينَ قَامَةً. وَلَمَّا مَضَوْا قَلِيلاً قَاسُوا أَيْضاً فَوَجَدُوا خَمْسَ عَشْرَةَ قَامَةً. 29 وَإِذْ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَقَعُوا عَلَى مَوَاضِعَ صَعْبَةٍ رَمَوْا مِنَ الْمُؤَخَّرِ أَرْبَعَ مَرَاسٍ وَكَانُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَصِيرَ النَّهَارُ. 30 وَلَمَّا كَانَ النُّوتِيَّةُ يَطْلُبُونَ أَنْ يَهْرُبُوا مِنَ السَّفِينَةِ وَأَنْزَلُوا الْقَارِبَ إِلَى الْبَحْرِ بِعِلَّةِ أَنَّهُمْ مُزْمِعُونَ أَنْ يَمُدُّوا مَرَاسِيَ مِنَ الْمُقَدَّمِ 31 قَالَ بُولُسُ لِقَائِدِ الْمِئَةِ وَالْعَسْكَرِ: «إِنْ لَمْ يَبْقَ هَؤُلاَءِ فِي السَّفِينَةِ فَأَنْتُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَنْجُوا». 32 حِينَئِذٍ قَطَعَ الْعَسْكَرُ حِبَالَ الْقَارِبِ وَتَرَكُوهُ يَسْقُطُ. 33 وَحَتَّى قَارَبَ أَنْ يَصِيرَ النَّهَارُ كَانَ بُولُسُ يَطْلُبُ إِلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَتَنَاوَلُوا طَعَاماً قَائِلاً: «هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ عَشَرَ وَأَنْتُمْ مُنْتَظِرُونَ لاَ تَزَالُونَ صَائِمِينَ وَلَمْ تَأْخُذُوا شَيْئاً. 34 لِذَلِكَ أَلْتَمِسُ مِنْكُمْ أَنْ تَتَنَاوَلُوا طَعَاماً لأَنَّ هَذَا يَكُونُ مُفِيداً لِنَجَاتِكُمْ لأَنَّهُ لاَ تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ رَأْسِ وَاحِدٍ مِنْكُمْ». 35 وَلَمَّا قَالَ هَذَا أَخَذَ خُبْزاً وَشَكَرَ اللهَ أَمَامَ الْجَمِيعِ وَكَسَّرَ وَابْتَدَأَ يَأْكُلُ. 36 فَصَارَ الْجَمِيعُ مَسْرُورِينَ وَأَخَذُوا هُمْ أَيْضاً طَعَاماً. 37 وَكُنَّا فِي السَّفِينَةِ جَمِيعُ الأَنْفُسِ مِئَتَيْنِ وَسِتَّةً وَسَبْعِينَ. 38 وَلَمَّا شَبِعُوا مِنَ الطَّعَامِ طَفِقُوا يُخَفِّفُونَ السَّفِينَةَ طَارِحِينَ الْحِنْطَةَ فِي الْبَحْرِ (أعمال 27: 27-38).

بقيت السفينة مدّة أربعة عشر يوماً منذ أن تركت كريت وهي ضائعة في بحر أدريا، وهو الجزء المتوسّط من بحر الروم، البحر الأبيص المتوسط، بين جزيرة صقلية وبلاد اليونان. وفي منتصف الليل سمع الملاّحون صوت الأمواج تصدم صخور شاطئ، فظنّوا أنهم اقتربوا من البر، ولما قاسوا العمق وجدوا المسافة تعادل طول الإنسان عشرين مرّة. وبعد فترة وجدوها خمس عشرة مرّة، فعرفوا أنهم يقتربون من البر، وخافوا أن تصطدم السفينة بالصخور، فألقوا أربع مراسٍ وانتظروا حتى طلوع النهار ليحدّدوا موقعهم.

وحاول البحّارة أن يأخذوا قارب النجاة ويهربوا به، وتعلّلوا بأنهم يريدون مدّ المراسي، وعلم بولس قصدهم، فقال لقائد المئة وجنوده إنّه إن هرب البحّارة فلا يمكنهم أن ينجوا، لأنّ الربّ سيستخدم البحّارة وسيلةً للنجاة. فوافق قائد المئة على كلام بولس، وقطع الجنود حبال القارب وتركوه يسقط في البحر حتى لا يهرب الملاّحون.

صرف بولس كل الوقت من منتصف الليل حتى طلوع النهار يشجّع الجميع ويطلب منهم أن يأكلوا لأنهم لم يتناولوا قدراً كافياً من الطعام مدّة أربعة عشر يوماً، وهذا يُضعف أجسادهم فيعجزون عن مقاومة الأمواج أو السّباحة إذا اضطرّوا إليها، وأكّد لهم سلامتهم، فلن تسقط شعرة من رأس واحد منهم، وأكل أمامهم ليفعلوا مثله.

وتشجّع الجميع من سرور بولس وشكره لإلهه، ووثقوا في كلامه فقد كان حكيماً في كل نصائحه منذ ركب السفينة معهم، فأخذوا يأكلون، وكان عددهم مئتين وستة وسبعين شخصاً.

الجميع ينجون إلى البر

39 وَلَمَّا صَارَ النَّهَارُ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الأَرْضَ وَلَكِنَّهُمْ أَبْصَرُوا خَلِيجاً لَهُ شَاطِئٌ فَأَجْمَعُوا أَنْ يَدْفَعُوا إِلَيْهِ السَّفِينَةَ إِنْ أَمْكَنَهُمْ. 40 فَلَمَّا نَزَعُوا الْمَرَاسِيَ تَارِكِينَ إِيَّاهَا فِي الْبَحْرِ وَحَلُّوا رُبُطَ الدَّفَّةِ أَيْضاً رَفَعُوا قِلْعاً لِلرِّيحِ الْهَابَّةِ وَأَقْبَلُوا إِلَى الشَّاطِئِ. 41 وَإِذْ وَقَعُوا عَلَى مَوْضِعٍ بَيْنَ بَحْرَيْنِ شَطَّطُوا السَّفِينَةَ فَارْتَكَزَ الْمُقَدَّمُ وَلَبِثَ لاَ يَتَحَرَّكُ. وَأَمَّا الْمؤَخَّرُ فَكَانَ يَنْحَلُّ مِنْ عُنْفِ الأَمْوَاجِ. 42 فَكَانَ رَأْيُ الْعَسْكَرِ أَنْ يَقْتُلُوا الأَسْرَى لِئَلاَّ يَسْبَحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَيَهْرُبَ. 43 وَلَكِنَّ قَائِدَ الْمِئَةِ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُخَلِّصَ بُولُسَ مَنَعَهُمْ مِنْ هَذَا الرَّأْيِ وَأَمَرَ أَنَّ الْقَادِرِينَ عَلَى السِّبَاحَةِ يَرْمُونَ أَنْفُسَهُمْ أَوَّلاً فَيَخْرُجُونَ إِلَى الْبَرِّ 44 وَالْبَاقِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى أَلْوَاحٍ وَبَعْضُهُمْ عَلَى قِطَعٍ مِنَ السَّفِينَةِ. فَهَكَذَا حَدَثَ أَنَّ الْجَمِيعَ نَجَوْا إِلَى الْبَرِّ (أعمال 27: 39-44).

طلعت الشمس واستطاع البحّارة أن يبصروا خليجاً له شاطئ رمليّ، لكنّهم لم يستطيعوا تحديد موقع المكان، فاتّفقوا على دفع السفينة إلى الشاطئ بعد قطع حبال المراسي وحلّ ربط الدفّة، ورفعوا قلعاً لأنّ الرياح كانت متّجهة إلى البر فوصلوا قريباً من الشاطئ. ولكنّهم بعد ذلك دخلوا في لسان من الرمل في وسط البحر، فأصبح مؤخر السفينة عرضة للأمواج التي كسرته. وخاف الجنود أن يهرب الأسرى فأرادوا قتلهم، لأنّ القانون الروماني كان يقضي بموت الجندي إذا هرب منه أسير. لكنّ قائد المئة الذي كان يحب بولس وأراد أن يخلّصه من القتل رفض فكرة جنوده، وأمر الذين يستطيعون السباحة أن يسبحوا إلى الشاطئ، والذين لا يعرفون السباحة أن يستخدموا أخشاب السفينة التي كسّرتها الأمواج حتى يصلوا إليه. وهكذا تمّم الله وعده لبولس الذي قاله له الملاك. فهل تثق أنت في عناية الله ومحبته؟!

المالطيون يقولون إنّ بولس إله

1 وَلَمَّا نَجَوْا وَجَدُوا أَنَّ الْجَزِيرَةَ تُدْعَى مَلِيطَةَ. 2 فَقَدَّمَ أَهْلُهَا الْبَرَابِرَةُ لَنَا إِحْسَاناً غَيْرَ الْمُعْتَادِ لأَنَّهُمْ أَوْقَدُوا نَاراً وَقَبِلُوا جَمِيعَنَا مِنْ أَجْلِ الْمَطَرِ الَّذِي أَصَابَنَا وَمِنْ أَجْلِ الْبَرْدِ. 3 فَجَمَعَ بُولُسُ كَثِيراً مِنَ الْقُضْبَانِ وَوَضَعَهَا عَلَى النَّارِ فَخَرَجَتْ مِنَ الْحَرَارَةِ أَفْعَى وَنَشِبَتْ فِي يَدِهِ. 4 فَلَمَّا رَأَى الْبَرَابِرَةُ الْوَحْشَ مُعَلَّقاً بِيَدِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لاَ بُدَّ أَنَّ هَذَا الإِنْسَانَ قَاتِلٌ لَمْ يَدَعْهُ الْعَدْلُ يَحْيَا وَلَوْ نَجَا مِنَ الْبَحْرِ». 5 فَنَفَضَ هُوَ الْوَحْشَ إِلَى النَّارِ وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِشَيْءٍ رَدِيءٍ. 6 وَأَمَّا هُمْ فَكَانُوا يَنْتَظِرُونَ أَنَّهُ عَتِيدٌ أَنْ يَنْتَفِخَ أَوْ يَسْقُطَ بَغْتَةً مَيْتاً. فَإِذِ انْتَظَرُوا كَثِيراً وَرَأَوْا أَنَّهُ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ شَيْءٌ مُضِرٌّ تَغَيَّرُوا وَقَالُوا: «هُوَ إِلَهٌ!» (أعمال 28: 1-6).

نجا الجميع ووصلوا إلى البرّ، ووجدوا أنفسهم في جزيرة «مليطة» (اسمها اليوم مالطة) وسكّانها من أصل فينيقي، لا يعرفون اللغتين اليونانية ولا الرومانية لذلك سمّوهم «برابرة».

وكان أهل مالطة كُرماء رُحماء، فلمّا شاهدوا ركّاب السفينة المحطّمة في غاية التّعب أكرموهم واستضافوهم. ولمّا كان الجو بارداً لأنهم كانوا في أوائل الشّتاء أوقدوا ناراً للتدفئة. وأراد بولس أن يساعدهم في جمع الأحطاب للنار، فخرجت أفعى سامّة من بين الأحطاب لدغته في يده. وشاهد المالطيون الحيّة عالقة بيد بولس فقالوا إنّه لا شك مجرم لم تدعه العدالة الإلهية ينجو، فسلَّط عليه تلك الحيّة السامّة لتقتله. ولكنّ الله كان أميناً لوعده بحفظ بولس، فنفض بولس الحيّة من يده ودفعها إلى النار، ولم يُصبه أي ضرر.

وانتظر المالطيون الذين يعرفون خطورة لدغة هذا النّوع من الثعابين أن يموت بولس فوراً، ولكن مضى وقت طويل دون أن يحدث لبولس ضرر، فتغيّر تفكيرهم وقالوا إنّه إله! وهكذا تحقّق فيه قول المسيح: «يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لاَ يَضُرُّهُمْ،» (مرقس 16:18).

بولس يشفي المرضى المالطيين

7 وَكَانَ فِي مَا حَوْلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ضِيَاعٌ لِمُقَدَّمِ الْجَزِيرَةِ الَّذِي اسْمُهُ بُوبْلِيُوسُ. فَهَذَا قَبِلَنَا وَأَضَافَنَا بِمُلاَطَفَةٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. 8 فَحَدَثَ أَنَّ أَبَا بُوبْلِيُوسَ كَانَ مُضْطَجِعاً مُعْتَرًى بِحُمَّى وَسَحْجٍ. فَدَخَلَ إِلَيْهِ بُولُسُ وَصَلَّى وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ فَشَفَاهُ. 9 فَلَمَّا صَارَ هَذَا كَانَ الْبَاقُونَ الَّذِينَ بِهِمْ أَمْرَاضٌ فِي الْجَزِيرَةِ يَأْتُونَ وَيُشْفَوْنَ. 10 فَأَكْرَمَنَا هَؤُلاَءِ إِكْرَامَاتٍ كَثِيرَةً. وَلَمَّا أَقْلَعْنَا زَوَّدُونَا بِمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ (أعمال 28: 7-10).

كان حاكم جزيرة مالطة رومانياً واسمه «بوبليوس» رجلاً لطيفاً، فاستضاف يوليوس القائد ومن معه لمدّة ثلاثة أيام. وكان أبوه مريضاً بالحُمّى والسحج (الدوسنتاريا) فدخل بولس منزله وصلّى من أجل شفائه، ثم وضع يديه عليه، فشُفي الرجل تحقيقاً لقول المسيح: «ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون» (مرقس 16: 18).

ولمّا سمع المالطيون بشفاء والد بوبليوس أحضروا مرضاهم للشفاء، فشفاهم الرب على يدي بولس. وأقام بولس وسائر الرّكاب نحو ثلاثة أشهر في مالطة. وعند سفرهم أعطوهم هدايا كثيرة لأنهم كانوا قد فقدوا كلّ متاعهم في السفينة التي غرقت.

آية للحفظ

«فَلَمَّا صَارَ هَذَا كَانَ الْبَاقُونَ الَّذِينَ بِهِمْ أَمْرَاضٌ فِي الْجَزِيرَةِ يَأْتُونَ وَيُشْفَوْنَ» (أعمال 28: 9)

صلاة

قوَّتُكَ الشافية لا زالت تعمل يا ربّ، فأنت الحيّ القادر المحبّ، ونحن المرضى المحتاجين إلى لمسة نعمتك.

سؤال

19 - كيف ثبَّت الله وعظ بولس في مالطة؟

بولس يذهب إلى روما

11 وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ أَقْلَعْنَا فِي سَفِينَةٍ إِسْكَنْدَرِيَّةٍ مَوْسُومَةٍ بِعَلاَمَةِ الْجَوْزَاءِ كَانَتْ قَدْ شَتَتْ فِي الْجَزِيرَةِ. 12 فَنَزَلْنَا إِلَى سِيرَاكُوسَ وَمَكَثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. 13 ثُمَّ مِنْ هُنَاكَ دُرْنَا وَأَقْبَلْنَا إِلَى رِيغِيُونَ. وَبَعْدَ يَوْمٍ وَاحِدٍ حَدَثَتْ رِيحٌ جَنُوبٌ فَجِئْنَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي إِلَى بُوطِيُولِي 14 حَيْثُ وَجَدْنَا إِخْوَةً فَطَلَبُوا إِلَيْنَا أَنْ نَمْكُثَ عِنْدَهُمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَهَكَذَا أَتَيْنَا إِلَى رُومِيَةَ. 15 وَمِنْ هُنَاكَ لَمَّا سَمِعَ الإِخْوَةُ بِخَبَرِنَا خَرَجُوا لاِسْتِقْبَالِنَا إِلَى فُورُنِ أَبِّيُوسَ وَالثَّلاَثَةِ الْحَوَانِيتِ. فَلَمَّا رَآهُمْ بُولُسُ شَكَرَ اللهَ وَتَشَجَّعَ.

16 وَلَمَّا أَتَيْنَا إِلَى رُومِيَةَ سَلَّمَ قَائِدُ الْمِئَةِ الأَسْرَى إِلَى رَئِيسِ الْمُعَسْكَرِ، وَأَمَّا بُولُسُ فَأُذِنَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ وَحْدَهُ مَعَ الْعَسْكَرِيِّ الَّذِي كَانَ يَحْرُسُهُ (أعمال 28: 11-16).

أبحر بولس ومن معه في سفينة من الإسكندرية عليها علامة «الجوزاء» وهي برج في السّماء على صورة شخصين، كان الرومان يقولون إنهما أخوان توأمان ذهبا إلى السّماء وصارا إلهين، مسؤوليّتهما أن يحرسا التجّار.

واتجهت السفينة إلى مدينة «سراكوسا» على ساحل جزيرة صقلية الشرقي ومكثت هناك ثلاثة أيام. ولمّا منعتها الريح من السفر في طريق مستقيم ذهبوا إلى مدينة في الجنوب الغربي من إيطاليا اسمها «ريغيون». وبعد يوم واحد هبّت رياح جنوبية ساعدتهم ليصلوا إلى «بوطيولي» غرب إيطاليا حيث وجدوا بعض المسيحيين الذين طلبوا منهم أن يمكثوا معهم سبعة أيام. وأخيراً وصلوا إلى روما حيث سمع المسيحيون بوصول بولس فخرجوا لاستقباله مع رفقائه في «فورن أبيوس» و «الثلاثة الحوانيت». و «فورن أبيوس» سوق على الطريق السّلطاني، أمّا «الثلاثة الحوانيت» فمكانٌ كانت تكثر فيه الفنادق.

وعندما التقى بولس بمسيحيّي روما شكر الله الذي حفظه من أخطار البحر، وتشجّع بوجودهم لأنّه كان مشتاقاً إليهم. وفي روما انتهت مهمّة قائد المئة الذي سلّم الأسرى إلى رئيس المعسكر، الذي لمّا سمع عن حُسن أخلاق بولس سلّمه إلى جنديّ ليحرسه بمفرده.

وكم كان فرح بولس بوجود المؤمنين المسيحيين في روما، وكان هذا تعزية وتشجيعاً له. فهل تحرص على تكوين صداقات طاهرة مع المؤمنين؟

بولس يستدعي شيوخ اليهود

17 وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ اسْتَدْعَى بُولُسُ الَّذِينَ كَانُوا وُجُوهَ الْيَهُودِ. فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، مَعَ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ شَيْئاً ضِدَّ الشَّعْبِ أَوْ عَوَائِدِ الآبَاءِ أُسْلِمْتُ مُقَيَّداً مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَيْدِي الرُّومَانِ 18 الَّذِينَ لَمَّا فَحَصُوا كَانُوا يُرِيدُونَ أَنْ يُطْلِقُونِي لأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِيَّ عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ لِلْمَوْتِ. 19 وَلَكِنْ لَمَّا قَاوَمَ الْيَهُودُ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَرْفَعَ دَعْوَايَ إِلَى قَيْصَرَ - لَيْسَ كَأَنَّ لِي شَيْئاً لأَشْتَكِيَ بِهِ عَلَى أُمَّتِي. 20 فَلِهَذَا السَّبَبِ طَلَبْتُكُمْ لأَرَاكُمْ وَأُكَلِّمَكُمْ لأَنِّي مِنْ أَجْلِ رَجَاءِ إِسْرَائِيلَ مُوثَقٌ بِهَذِهِ السِّلْسِلَةِ». 21 فَقَالُوا لَهُ: «نَحْنُ لَمْ نَقْبَلْ كِتَابَاتٍ فِيكَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ وَلاَ أَحَدٌ مِنَ الإِخْوَةِ جَاءَ فَأَخْبَرَنَا أَوْ تَكَلَّمَ عَنْكَ بِشَيْءٍ رَدِيٍّ. 22 وَلَكِنَّنَا نَسْتَحْسِنُ أَنْ نَسْمَعَ مِنْكَ مَاذَا تَرَى لأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَنَا مِنْ جِهَةِ هَذَا الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَاوَمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ». (أعمال 28: 17-22).

بعد وصول بولس إلى روما بثلاثة أيام استأجر بيتاً ورتّبه، ثمّ استدعى شيوخ اليهود لهدفين: ليوضِّح لهم أنّه لم يخطئ إلى يهود أورشليم في شيء; وليبشّرهم أنّ يسوع هو المسيح. وأخبرهم بما فعله معه يهود أورشليم، وكيف اشتكوه للحكام الرومان وهو البريء فحكم الرومان ببراءته وأرادوا إطلاقه، ولكنّ يهود أورشليم لم يقبلوا إطلاق سراحه، فرفع دعواه إلى قيصر ليحامي عن حقوقه الشخصية، دون أن يقصد الشكوى ضدّهم.

وبهذا التوضيح أراد بولس أن يؤكّد لليهود أنّه لا يشكو شعبه إلى قيصر، بل هو يوضّح أمانته لدين آبائه، ويخبر شعبه برجائهم في المسيح الموعود به في النبوّات، والذي تمّت فيه جميع تلك النبوّات. وقال لهم إنّه مقيَّد بسبب إيمانه بالمسيح.

وعندما سمع يهود روما كلام بولس قالوا إنهم لم يستلموا أيّة معلومات أو شكاوى عليه من يهود أورشليم، وأظهروا ميلهم إلى سماع شيء عن المسيح الذي يقاومه اليهود ويضطهدونه في كل مكان.

بولس يعظ اليهود والأمم

23 فَعَيَّنُوا لَهُ يَوْماً فَجَاءَ إِلَيْهِ كَثِيرُونَ إِلَى الْمَنْزِلِ فَطَفِقَ يَشْرَحُ لَهُمْ شَاهِداً بِمَلَكُوتِ اللهِ وَمُقْنِعاً إِيَّاهُمْ مِنْ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ بِأَمْرِ يَسُوعَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ. 24 فَاقْتَنَعَ بَعْضُهُمْ بِمَا قِيلَ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا. 25 فَانْصَرَفُوا وَهُمْ غَيْرُ مُتَّفِقِينَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ لَمَّا قَالَ بُولُسُ كَلِمَةً وَاحِدَةً: «إِنَّهُ حَسَناً كَلَّمَ الرُّوحُ الْقُدُسُ آبَاءَنَا بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ 26 قَائِلاً: اذْهَبْ إِلَى هَذَا الشَّعْبِ وَقُلْ: سَتَسْمَعُونَ سَمْعاً وَلاَ تَفْهَمُونَ وَسَتَنْظُرُونَ نَظَراً وَلاَ تُبْصِرُونَ. 27 لأَنَّ قَلْبَ هَذَا الشَّعْبِ قَدْ غَلُظَ وَبِآذَانِهِمْ سَمِعُوا ثَقِيلاً وَأَعْيُنُهُمْ أَغْمَضُوهَا. لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِأَعْيُنِهِمْ وَيَسْمَعُوا بِآذَانِهِمْ وَيَفْهَمُوا بِقُلُوبِهِمْ وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ. 28 فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ أَنَّ خَلاَصَ اللهِ قَدْ أُرْسِلَ إِلَى الأُمَمِ وَهُمْ سَيَسْمَعُونَ». 29 وَلَمَّا قَالَ هَذَا مَضَى الْيَهُودُ وَلَهُمْ مُبَاحَثَةٌ كَثِيرَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ.

30 وَأَقَامَ بُولُسُ سَنَتَينِ كَامِلَتَينِ فِي بَيْتٍ اسْتَأْجَرَهُ لِنَفْسِهِ. وَكَانَ يَقْبَلُ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ إِلَيْهِ 31 كَارِزاً بِمَلَكُوتِ اللهِ وَمُعَلِّماً بِأَمْرِ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ بِكُلِّ مُجَاهَرَةٍ بِلاَ مَانِعٍ (أعمال 28: 23-31).

عيَّن اليهود يوماً يسمعون فيه بولس يتكلّم عن المسيح، وجاء عدد كبير منهم إلى البيت الذي استأجره بولس، فشرح لهم من الصباح إلى المساء عن ملكوت الله الذي هو مُلك المسيح الروحي الذي أنبأ به الأنبياء، وأقنعهم أنّ يسوع الناصري هو المسيح الموعود به، وهو الذي ينتظرونه، وطلب منهم أن يقبلوه ملكاً وكاهناً ومخلِّصاً.

وسمع بولس أسئلتهم وجاوب عليها في صبرٍ كاملٍ ورغبة أكيدة في إقناعهم، فاقتنع البعض منهم وآمن بالمسيح المخلِّص، بينما رفض البعض الآخر أن يؤمن. فانصرفوا غير متّفقين، فتحقّقت فيهم نبوّة إشعياء عندما أمره الرب: «اٰذْهَبْ وَقُلْ لِهٰذَا اٰلشَّعْبِ: اٰسْمَعُوا سَمْعاً وَلاَ تَفْهَمُوا، وَأَبْصِرُوا إِبْصَاراً وَلاَ تَعْرِفُوا. غَلِّظْ قَلْبَ هٰذَا اٰلشَّعْبِ وَثَقِّلْ أُذُنَيْهِ وَاٰطْمُسْ عَيْنَيْهِ، لِئَلاَّ يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ وَيَفْهَمْ بِقَلْبِهِ، وَيَرْجِعَ فَيُشْفَى» (إشعياء 6: 9، 10).

بقي الرسول بولس في روما سنتين (هما سنتا 61و62 للميلاد) في البيت الذي استأجره، وكان يبشّر باسم المسيح. لكن لم يكن يُسمح له بترك البيت وكان دائما تحت حراسة جنديّ. وكان طول تلك المدة ينتظر موعد مثوله أمام نيرون القيصر الروماني. وكان يبشّر باسم المسيح بكل مجاهرة، كما كان يرسل مبشّرين إلى جهات مختلفة. ومن سجنه كتب رسائل إلى الكنائس التي أسّسها في فيلبّي وكولوسي وأفسس، كما أرسل رسالة إلى فليمون، وبذلك جعل روما مركزاً لنشر نور الإنجيل بين الأمم. ومع أنّه كان أسيراً بلا مال ولا جيوش، لكنّ المسيح ساعده ليؤسّس مملكة روحية أعظم من كل ممالك العالم.

لم يذكر لوقا الطبيب كاتب سفر الأعمال شيئاً عن محاكمة بولس أمام قيصر، لأنّ لوقا اهتمّ بأخبار تأسيس الكنيسة المسيحية بين اليهود والأمم، وأثبت في هذا السفر قول المسيح لتلاميذه: «لكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ اٰلرُّوحُ اٰلْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ اٰلْيَهُودِيَّةِ وَاٰلسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى اٰلأَرْضِ».

ومن رسائل بولس الرسول نعلم أنه بعد سنتي السجن، وقف للمحاكمة أمام نيرون فحكم ببراءته وأطلق سراحه، فزار أسيّا وبلاد اليونان (فيلبّي 1: 25 وفليمون 22 و1تيموثاوس 1: 3).

ويقول التقليد الكنسي إنّه قُبض على بولس مرة أخرى وسُجن في روما، وتركه الجميع ما عدا لوقا، ثمّ مات شهيداً في صيف عام 68 للميلاد.

يلاحظ قارئ سفر الأعمال أنّ الوحي لم يضع خاتمة للسفر، بل ترك نهايته مفتوحة، لأنّ الروح القدس يريد من كل مؤمن أن يشهد في دائرته الأقرب (أورشليم) ودائرته القريبة (اليهودية والسامرة) ودائرته البعيدة (إلى أقصى الأرض). ويضيف الرب إلى أعمال الرسل الأوّلين أعمال رسل المسيح في كل العصور والأجيال حتى مجيئه ثانيةً.

آية للحفظ

«َطَفِقَ يَشْرَحُ لَهُمْ شَاهِداً بِمَلَكُوتِ اللهِ وَمُقْنِعاً إِيَّاهُمْ مِنْ نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ بِأَمْرِ يَسُوعَ» (أعمال 28: 23)

صلاة

يا ربّ، ساعدنا لننشر كلمتك في كلّ مكان. ساعد الكنيسة بمختلف طوائفها لتنشر رسالة السّلام للعالم اليائس، ورسالة الخلاص للعالم الهالك، ورسالة التوبة والغفران للعالم الخاطئ. استخدمنا يا رب كآلات مقدّسة مطيعة في يدك، حتى تنشر رسالة الإنجيل.

سؤال

20 - الآن وقد انتهيت من دراسة سفر أعمال الرسل، ما هي مسؤوليتك الأولى؟

المسابقة الرابعة في سفر أعمال الرسل

أيها القارئ العزيز

إن تعمّقت في دراسة هذا الكتاب تقدر أن تجاوب هذه الأسئلة بسهولة. وتقديراً لاشتراكك نرسل لك أحد كتبنا كجائزة. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملين عند إرسال إجابتك إلينا.

  1. ما هو الفرق بين معمودية يوحنّا المعمدان ومعمودية المسيح؟

  2. لماذا جرّح الروح الشرير أولاد سكاوا؟

  3. ماذا فعل الرب لأفتيخوس؟

  4. ماذا كان شعار بولس في الكرازة؟

  5. كيف مارس بولس مبدأ «العطاء أفضل من الأخذ»؟

  6. ماذا فعلت بنات فيلبّس الأربع لخدمة المسيح؟

  7. ما معنى قول المسيح إنّ بولس اضطهده هو شخصياً؟

  8. ماذا كان امتياز الجنسية الرومانية؟

  9. لماذا قال بولس إنّ رئيس الكهنة حائط مبيَّض؟

  10. ما هو الفرق بين الفرّيسيّين والصّدوقيّين؟

  11. اذكر شكوييْن من شكاوى اليهود على بولس.

  12. كيف كان ضمير بولس بلا عثرة؟

  13. ماذا كانت مشاعر فيلكس وهو يسمع عن الدينونة العتيدة، وماذا فعل تجاه ذلك؟

  14. لماذا أراد الملك أغريباس أن يسمع بولس؟

  15. لماذا تؤمن أن الله يقيم الموتى؟

  16. ما هي تكلفة طاعة الرؤيا السماوية؟

  17. ما معنى قول الملك أغريباس: بقليل تقنعني أن أصير مسيحياً؟

  18. كيف شجّع الله رسوله بولس في وسط كل هذه الصّعوبات؟

  19. كيف ثبَّت الله وعظ بولس في مالطة؟

  20. الآن وقد انتهيت من دراسة سفر أعمال الرسل، ما هي مسؤوليتك الأولى؟

عنواننا:


Call of Hope  P.O.Box 10 08 27 
70007
Stuttgart
Germany