العودة الى الصفحة السابقة
من هو المسيح؟

من هو المسيح؟

تفسير لإنجيل مرقس

عبد المسيح وزملاؤه


Bibliography

من هو المسيح؟. عبد المسيح وزملاؤه. Copyright © 2005 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى. 1972. SPB 3550 ARA. English title: Who Is Christ? (Mark, combined volume). German title: Wer ist Christus? (Sammelband Markus) . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

من هو المسيح? تفسير إنجيل المسيح حسب البشير مرقس

المقدمة لإنجيل مرقس

أرشد المسيح بعضاً من أتباعه أن يدونوا أقواله وأعماله وسيرة حياته وموته وقيامته وصعوده، فكان منهم العشار متى شاهد العيان ومتقن اللغات، ويوحنا التلميذ المحبوب من العائلة الكهنوتية، ولوقا الطبيب اليوناني المرافق لبولس الرسول، ومرقس الشاب، الذي سجل عظات بطرس مقدام الرسل.

من هو مرقس

نؤيد إجماع الكنيسة بأن كاتب الإنجيل الثاني هو يوحنا مرقس، الذي رافق خاله برنابا والرسول بولس في الرحلة التبشيرية الأولى (أعمال الرسل 12: 12-25 و13: 5-13 و15: 37-39) ولكنه إذ لم يقدر أن يحتمل المشقات الجسدية والكفاح الروحي أثناء هذه الرحلة، لحداثته آنذاك، ترك الرسولين ورجع الى موطنه من أول الرحلة، الأمر الذي لم يَرُق لبولس الرسول.

لكن خاله برنابا رأي فيه بثاقب نظره وحكمته رجل المستقبل، فحاول تهوين الأمر على بولس اصطحاب مرقس ثانية، فاصطدم برفيقه بولس الذي لم يقبل اصطحاب شاب لين هارب. وهكذا حدث انفصال بين زعيمي التبشير بولس وبرنابا. إنما بعد بضع سنوات، نجد مرقس ثانية رفيقاً لبولس وعوناً له في سجنه بروما (كولوسي 4: 10 وفليمون 24 و2 تيموثاوس 4: 11).

ومن المسلم به أن مرقس هو ذلك الفتى الذي تبع يسوع من بعيد لابساً إزاراً على عريه. ولما قبض الجند على يسوع هرب عرياناً، إذ نزعوا عنه إزاره (مرقس 14: 51). فشهد مرقس في إنجيله بهذه الحادثة بمعنى أنه صار مكشوفاً عارياً في صلب المسيح، عبداً باطلاً غير مستحق لكتابة الإنجيل. ولكن المسيح رحمه وفوضه ليكتب سيرة حياته الإلهية.

كيف كُتب إنجيل مرقس؟

يقول المؤرخ الكنسي أوسابيوس: إن مرقس التحق بالرسول بطرس بعد موت الرسول بولس ولازمه في روما خادماً مخلصاً له. وسجل بكل دقة وعظات هذا الرسول الشيخ عن حياة المسيح، ليس حسب التسلسل التاريخي بل وفقاً للعظات والمحاضرات التي كان يلقيها بطرس في الكنائس والبيوت، ليرسم لمستمعيه صورة حياة المسيح، فيرونه واضحاً كأنه أمامهم.. وبالحقيقة ليس مرقس هو مصدر أخبار إنجيله، بل بطرس مقدام الرسل.

ونجد في هذا الإنجيل القليل من أقوال المسيح التي نقرأها في الأناجيل الأخرى، لكن تظهر أمام أذهاننا أعمال المسيح بطريقة مختصرة فعالة. وقد أوضح بطرس خاصة من بين هذه الأحداث فشله المر بصورة أوضح منها في الأناجيل الأخرى ليمجد نعمة المسيح المخلِّصة، الذي باركه رغم إنكاره ثلاث مرات.

لماذا كُتب هذا الإنجيل؟

تعلم مرقس أثناء اتباعه لبرنابا وبولس وبطرس أن يسوع الناصري هو المسيح المقتدر القوي المنتصر. فأظهره لمستمعيه الرومان أنه ابن الله الأوحد، لأن الرومان واليونان لم يجدوا في آلهتهم المتعددة المنصوبة في هياكلهم الكثيرة رجاءً حقاً للحياة والموت، فأبرز لهم ابن الله الوحيد رجاء العالمين.

وهكذا فسر لهؤلاء الوثنيين بعض العادات اليهودية بالوضوح ليفهموا خلفية حياة يسوع، وترك وصف الكفاح مع الفريسيين. واستخدم مفردات واصطلاحات رومانية باللغة اليونانية، مما يدل على أنه لم يكتب إنجيله لليهود العبرانيين، بل للمؤمنين من الأمم في روما، ليجتذبهم الى الإيمان الحي بالمسيح ملك الملوك ورب الأرباب، المؤسس الإلهي للملكوت الروحي في دنيانا الفاسدة.

متى كُتب إنجيل مرقس؟

نقرأ عن القديس إيرونيموس قوله إن بطرس طالع هذا الإنجيل قبل موته ووافق على محتوياته، مما يدل على أنه كُتب قبل سنة 64 ب م. لأنه في هذه السنة حدث الاضطهاد العظيم من القيصر نيرون، الذي تسبب على الأغلب في موت بطرس.

ونتعلم من أصغر الأناجيل هذا، أن سلطان الله كان عاملا في يسوع المسيح الرب. وندرك أثناء تأملنا في سيرته أن المقام من بين الأموات هو حاضر حتى اليوم بيننا، منشئاً ملكوت محبته بين الأمم. وهكذا يدعونا ابن الله بأوامره الموجزة لإطاعة الإيمان، لأن في رحابه لا توجد فوضى وخطية، إنما قوة الروح القدس، عاملة حسب تنظيمات رحمته، المبنية على انتصاره الخالد.

لا تقرأ انجيل مرقس بسرعة وسطحية، بل تأمل في كل كلمة من كلماته، ونفذها بإخلاص، فتتقوى في الحياة الروحية.

الأسئلة:

1 - من هو مرقس، ومع أي الرسل تعاون؟

2 - من هو مصدر انجيل مرقس؟

3 - الى من كتب انجيله، وفي أي زمن؟

الجزء الأول: التمهيدات لظهور المسيح (الأصحاح 1: 1-1: 13)

1 - عنوان وشعار إنجيل مرقس الأصحاح الأول

بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ ٱبْنِ ٱللّٰه ِ 1: 1

قد اختبر الرسل شخصية المسيح وحصلوا على تطهير لخطاياهم وتقووا بقوة الروح القدس المنيرة لأذهانهم. فعاشوا في العهد الجديد مع الله وأدخلوا على اللغات التي تكلموها معان جديدة، ليعبروا عن فرحهم وشكرهم، ويعلنوا للناس اختباراتهم التاريخية.

أ - ماذا تعني كلمة «الإنجيل»؟

كلمة «إنجيل» مستعملة قبل ولادة المسيح بعصور. ومعناها: الخبر السار والبشرى المفرحة.

والرومان آنذاك استخدموا هذه الكلمة خاصة لإعلان رسمي صادر عن دار القيصر، ليملأ دولته بفرح عام، مثل ولادة ابن للأمبراطور أو انتصار جيوشه في معارك فاصلة. عندئذ يُنشر هذا الخبر السارّ في كل مناطق الأمبراطورية بواسطة لافتات كبيرة وأبواق مثيرة. لكي يشترك الجميع في هذه المناسبات التاريخية ويحتفلوا بها.

فكلمة إنجيل لا تعني فلسفة للبحث، ولا ناموساً للحفظ، بل هو إعلان رسمي لحادثة واقعية، يستطيع كل واحد قبولها أو رفضها.

فالمسيح ورسله استخدموا هذه الكلمة المختصة بالقيصر وملأوها بمعان وقوى جديدة. لأن الله عمل عجائب ومنح للبشر بشرى فريدة، إذ أرسل مسيحه إلى العالم متجسداً، وقد انتصر في المعركة الحاسمة على أعداء الله: الخطية والموت والشيطان. وأسس مملكة محبته الروحية. وهكذا نادى يسوع مستمعيه: «قَدْ كَمَلَ ٱلزَّمَانُ وَٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِٱلإِنْجِيلِ» (مرقس 1: 15).

لم ينزل الله كتاباً جديداً بجانب الأسفار المقدسة الموجودة في العالم قبل المسيح، بل شاء بنفسه أن يتجسد وحيده كما اعترف الرسول يوحنا. «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً» (يوحنا 1: 14) فالإنجيل لا يعني بالدرجة الأولى كتاباً، إنما شخص حي، هو المسيح بسيرته ونتائج حياته. فكل ما نقرأه في الإنجيل يكون صادراً من يسوع نفسه. فلم يتكلم الناصري بكلمة الله فقط بل هو هي.. فالمسيح هو إنجيلنا.

لقد كتب كثيرون من شهود العيان عن التقاءاتهم مع المسيح. ويعتبر كل من هذه الأخبار التي سجلوها بشرى سارة أو إنجيلاً مقدساً.. فلا توجد أربعة أناجيل فقط، بل مئات. لأن كل شهادة صالحة عن سيرة المسيح وأقواله معناها «إنجيل». وأما آباء الإيمان، فاختاروا من إثباتات شهود العيان عن حياة يسوع، أربعة أناجيل بارزة. وسموها إنجيل متى، إنجيل مرقس، إنجيل لوقا، إنجيل يوحنا، وكلها تشهد منسجمة عن عظمة ابن مريم.

ولكن الرسول بولس سمى رسائله الصادرة والمكتوبة قبل هذه الأناجيل الأربعة ببضع سنين إنجيلاً أيضاً، كما كتب إلى أهل رومية: «لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ ٱلْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُّوَةُ ٱللّٰهِ لِلْخَلاصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ» (رومية 1: 16). فبولس اعتبر رسالته عن المسيح أهم من كل أناجيل القيصر. لأن المسيح لم يبق في القبر مثل جميع حكام العالم، بل قام حقاً.

والمسيح الحي ليس بعيداً عنا. إنما حاضر بيننا بواسطة كلمات إنجيله المتضمن قوى الله كلها. فالإنجيل يشبه الديناميت الروحي الكفيل لتغيير العالم.

الإنجيل هو المكان الذي يتكلم الله منه إليها.. فيسوع شخصياً حاضر في هذا الكتاب مع إمكانيات الخلاص كلها. ومن يفتح ذهنه للإنجيل مصلياً ويثق بالمسيح الحي يخلص حلاصاً أبدياً، لأن كلمات الإنجيل تربط المؤمنين بالمسيح الحي شخصياً. عندئذ تسري قوة الإنجيل في نفوس المخلصين وتغيرهم إلى صورة المسيح الحنون الوديع. عندئذ يصبحون في ذواتهم شهادة حية عن قدرة المسيح، ويمثلون إنجيلاً حديثاً في حياتهم. فنعترف أنه بجانب الأناجيل الأربعة، يوجد إنجيل بولس رسول الأمم في رسائله القوية، وإنجيل حياة المسيحيين المتواضعين. فهل أصبحت أنت إنجيلاً متجولاً، أو أي روح يتكلم منك؟

الصلاة: أيها الله القدوس نسجد لك، لأنك أرسلت المسيح الى عالمنا، لندرك في حياته جوهرك، ونسمع في كلماته مشيئتك. نشكرك لأنك لم ترسله الينا بناموس مميت، بل مخلّصاً محيياً. افتح أذهاننا لكي يتجسد انجيلك في أجسادنا. لتأتي قواه فينا بثمار كثيرة. آمين.

السؤال: 4 - ما معنى كلمة «الإنجيل»؟

ب - ما هو الاسم الشخصي للمسيح، ومعناه؟

الاسم الشخصي للمسيح هو يسوع باللغة العربية. وينطق بألفاظ مختلفة في اللغات المتعددة. فمثلاً اليونان كتبوا اسمه «جيزوس» والإنكليز يقولون «ياسوس» والألمان «ييسوس» بينما أبناء العرب اقتربوا إلى اللفظ السامي أكثر فينطقون «يسوع» مع العلم أن اسمه في القرآن «عيسى». أما في اللغة العبرانية فهو «يشوع» المصغر من الأصل «يهوشوع».

ويعني هذا الاسم: الله يعين ويتدخل ويخلص. فالقادر على كل شيء يرحم بصاحب هذا الاسم البشر ويعمل ويبارك ويخلص. فالاسم يسوع هو خلاصة عمل الله المنعم علينا، لأن العلي لم يأت للدينونة بل فتح بمجيء يسوع عهداً جديداً، عهد المحبة والفداء. كما أمر الملاك جبرائيل يوسف أبا يسوع بالتبني أن يسمي الطفل: «يسوع» لأنه يخلص شعبه من الخطايا (متى 1: 21). فالبشير متى اعترف رأساً بابتهاج وقال: الله معنا، في يسوع. وليس فيما بعد ضدنا لأجل خطايانا. فلا يهلكنا حسب حكم الناموس علينا. بل يخلصنا لأجل المولود من مريم. وهكذا يعني اسم يسوع نهاية عهد الناموس وبداية عهد النعمة.

ومن الضروري التمييز أن ليس اسم يسوع هو المسيح بل بالعكس الاسم الشخصي للمسيح هو يسوع. وأما كلمة «المسيح» فهي لقب وصفة حسب تعيين وظائفه الإلهية.

هل أدركت جوهر يسوع، إنه كا ن إنساناً حقاً من إنسان حق، وبنفس الوقت إلهاً حقاً من إله حق؟

وقد دلّت بشائر السماء إلى جانب النبوات على شخصيته الإلهية والناسوتية في نفس الوقت. لأنه قد وُلد من الروح القدس ومن مريم العذراء. فكان له جسد بشري كما لجميع الناس. ولكن أيضاً جوهر الله كان مستتراً فيه، لأنه روح منه تعالى. ولكن أيضاً جوهر الله كان مستتراً فيه، لأنه روح منه تعالى. وفي سلطان هذا الروح شفى يسوع جماهير المرضى، أقام الموتى وأخرج الشياطين. والأرواح النجسة عرفت اسمه وجوهره من قبل، وصرخت مرتعبة باقترابه إليها: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ، قُدُّوسُ ٱللّٰهِ!» (مرقس 1: 24). فأرواح جهنم تعلم بدون تفسير من هو يسوع. أما الناس فعمي لا يدركونه إلا نادراً، فيعرفون أنه الرب بالذات.

هذه هي العظمة والسرّ في اسم يسوع، أنه إنسان كامل ورب حق. فالكنيسة تعترف بهذا السر بفرح ويقين: الرب هو يسوع.

وقد ثبت هذا الاسم «يسوع» في السماء، كما كان على الأرض، إذ رأى الشهيد استفانوس السموات مفتوحة، وابن الإنسان قائماً عن يمين الله. فصلّى قبل موته: «أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱقْبَلْ رُوحِي» (أعمال 7: 56-59).

والناصري المجيد هذا اعترض سبيل شاول الطرسوسي على طريق دمشق وأوضح له بالصواب: «أَنَا يَسُوعُ ٱلَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ» (أعمال 9: 5). فتغيّر الفقيه المتزمت عن تعصبه وصار مؤمناً عبداً للمسيح. واعترف به في رسالته لفيلبي بهتاف: «رَفَّعَهُ ٱللّٰهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ» (فيلبي 1: 9-11).

ليس اسم يسوع سحراً، بل هو سر عجيب. وحيث ينطق به بالإيمان، يعني اسمه حضور الرب بالذات المتكلم بفم عبيده، والعامل بواسطة كلماتهم. وهكذا نبشر اليوم باسم يسوع، لكي يقبله كثيرون. فيتم الوعد الإلهي: «وَأَمَّا كُلُّ ٱلَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً أَنْ يَصِيرُوا أَوْلادَ ٱللّٰهِ، أَيِ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (يوحنا 1: 12). وبقوة هذا الاسم الفريد شفى بطرس الرسول أعرجاً في القدس (أعمال 3: 1-4-31). والرسل أخرجوا بسلطان هذا الاسم الشياطين. كما أن الكنيسة تترقب مجيئه الثاني منادية: «تعالى أيها الرب يسوع» (رؤيا).

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح نسجد لك لأنك كلمة الله المتجسد، وقد حل فيك ملء اللاهوت جسديا. أنت المولود من روح الله، وقد غلبت الأمراض والموت والخطايا وإبليس. أنت المنتصر الذي فتح لنا الباب الى مملكة محبة الله. نشكرك لمجيئك ملتمسين منك أن تغيرنا الى قدوتك، لكي تكمل قوتك في ضعفنا. آمين.

السؤال: 5 - ما هو معنى اسم «يسوع»؟

ج - ما هي معاني لقب وظيفة المسيح؟

إن كلمة «المسيح» هي عبرانية الأصل. ولا تقصد شخصاً، بل هي وصف لرتبة ووظيفة الملوك في العهد القديم، وحتى الملك الفارسي كورش يسمّى مسيحياً (إشعياء 45: 1). وليس الملوك فقط، إنما رؤساء الكهنة وأنبياء بارزون أيضاً هم مسحاء ممسوحون بزيت مقدس. وهذه المسحة كانت رمزاً لحلول مواهب إلهية على الممسوح، لكي يستلم الحق والحكمة والسلطان والرحمة مع جميع الصفات اللازمة، لكي يستطيع القيام بوظائفه منسجماً مع مشيئة الله.

وبواسطة المسحاء في العهد القديم، أعلن الروح القدس تدريجياً، أنه سيأتي مسيح فريد، يمكث فيه ملء مواهب الله. فإشعياء النبي أنبأ قبل 700 ق. م. عن ولادته: «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلامِ. لِنُمُّوِ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلامِ لا نِهَايَةَ» (إشعياء 9: 6 و7).

ويسوع نفسه أثبت نبوة أخرى من إشعياء، عندما جلس في مجمع الناصرة وقرأها وفسرها عن نفسه إذ قال: «رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلإِطْلاقِ ولِلْعُمْيِ بِٱلْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ، وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ ٱلرَّبِّ ٱلْمَقْبُولَةِ» (لوقا 4: 18 و19).

وأمام بيلاطس الوالي الروماني في القدس اعترف جهراً بملكوته الإلهي قائلاً: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لا أُسَلَّمَ إِلَى ٱلْيَهُودِ. وَلٰكِنِ ٱلآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا». فَقَالَ لَهُ بِيلاطُسُ: «أَفَأَنْتَ إِذاً مَلِكٌ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «أَنْتَ تَقُولُ إِنِّي مَلِكٌ. لِهٰذَا قَدْ وُلِدْتُ أَنَا، وَلِهٰذَا قَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ. كُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ ٱلْحَقِّ يَسْمَعُ صَوْتِي» (يوحنا 18: 36 و37).

من هذه الإثباتات نرى أن يسوع الناصري ليس أحد المسحاء، بل هو «المسيح» بالذات، مختار الله الفريد. لأنه فيه تجتمع صفات جميع الملوك والأنبياء والكهنة المرسلين من الله. فهو الملك المتواضع الذي دُفع إليه كل السلطان في السماء وعلى الأرض. وهو أعظم من جميع الأنبياء الذين كانوا ويكونون، لأنه كلمة الله المتجسد حاملاً في نفسه الوحي الكامل. وهو رئيس الكهنة الحقيقي حيث صالح بذبيحة نفسه جميع الناس مع الله. وهو الوسيط الوحيد يلتقي الله بالناس فيه.

يسوع هو الملك الكهنوتي الذي اشترى أهل ملكوته بدمه الخاص، ودعاهم إلى رعويته، وبررهم وقدسهم وغيّرهم إلى خليقة جديدة، ليصبحوا كهنوتاً ملوكياً مصلّين من أجل العالم العاصي.

وسوف يكون المسيح القاضي في يوم الدين، لأنه كان إلى جانب ألوهيته إنسانأً ويعلم ما هو في الإنسان. وهو القادر على إقامة الموتى كما برهن عملياً.

فعظمة يسوع المسيح تفجر كل مقياس بشري. لأنه هو الكلمة الذي به خلق الله الكل. وهو رب العالمين الذي ينتظر منا تسليماً كاملاً إليه. وله الحق في قبول السجود، كما قبل سجود المشفيين في الجليل. وإننا لنجد في اسم «المسيح» خلاصة سلطان الله والقدرة لتنفيذ خطة خلاصه.

وأما اليهود في زمن يسوع فقد عرفوا النبوات عن المسيح الآتي غيباً، وترقبوا ظهوره بشغف، راجين أن يحررهم من نير الاستعمار الروماني، الأمر الذي سبب سوء فهمهم مقاصد الله. فانتظروا فادياً سياسياً وبطلاً يعبئ طاقاتهم للبطش بأعدائهم، وليس مخلصاً خنوناً وديعاً. وعندما أتى يسوع المسيح متواضعاً بدون أسلحة ولا مال، وخالياً من أي سلطة دنيوية، ماشياً على قدميه، متجولاً في القرى والمدن، كارزاً بإنجيل الخلاص، اغتاظوا، ورفضوا الموعود به، وسلمنه متهمينه كثائر سياسي إلى الوالي الروماني ليحكم عليه بالموت في العار. فاليهود ينتظرون حتى اليوم مسيحاً يجعل بالقوة أورشليم محور العالم، ويقيم الموتى، ويرعى الشعوب بقضيب موسى، ولهذا سوف يستقبل كثيرون المسيح الكذاب، بفرح وهناف، الذي سيضلّ البشر بحيله الكاذبة، وبهائه الجذاب، وقدرته المميتة، ملقياً الأمم إلى البؤس والياس.

أما المسيح الحق يسوع اللطيف الرائي، فغلب جميع التجارب المؤدية للخطايا في جسده، وأنكر حب الذات وبذبيحة نفسه، أوجد غفران خطايانا عند الله. وغلب أيضاً شبح الموت عندما قام من القبر صاعداً إلى السماء، حيث يملك عن يمين الله في الوحدة الكاملة معه، وسيطاً وشفيعاً لجميع ا لمؤمنين به، الذي إذ طهّرهم أعطاهم قوة روحية هبة ونعمة. وهكذا ينشئ مملكة محبته وسط بغضة البشر. فالمسيح هو ملك السلام، والغالب على كا فة القوى المضادة لله.

وجميع المسيحيين المتواضعين يحملون اسم مسيحهم في قلوبهم. لأنهم بالإيمان فيه وبالمعمودية على اسمه، حلّ الروح القدس في كيانهم حتى أصبحوا ممسوحين بالمسحة الإلهية، كما نادى بطرس في عيد العنصر ة: «تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى ٱسْمِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ ٱلْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ» (أعمال 2: 38).

الصلاة: أيها الله القدوس، نحمدك لأنك أرسلت إلينا مسيحك الموعود، الذي حل فيه كل ملء لاهوتك جسدياً. وهو يفوق صفات جميع الملوك والكهنة والأنبياء. نسجد لك لأن المسيح لم يغلب العالم بالأسلحة والمعارك، بل بالمحبة والتواضع، مانحاً لأتباعه مسحة الروح القدس. امسحنا أيضاً، لكي نعيش في انسجام مع المسيح. آمين.

السؤال: 6 - ما هي أهم المعاني في لقب «المسيح».

د - ماذا تعني العبارة «ابن الله»؟

اعتبر اليهود الاعتراف بالبنوة لله تجديفاً. والمجتمع الأعلى عندهم حكم آنذاك على كل مجدف بهذه العبارة بالإعدام. فكانوا يخرجونه من الأمة، لكيلا يصيب غضب الله الجميع، ويرجمونه بعيداً عن العاصمة. فمنذ القدم تؤمن أكثرية الشعوب السامية، أن الله واحد. ولا شريك له. ولا آلهة أخرى أمامه (سفر الخروج 20: 2 وتثنية 6: 4 و5).

هذا مع العلم أن أعضاء العهد القديم، لم يرفضوا النبوات القائلة أن الأمة بالذات، أو الملك بعض المرات، أو المسيح الآتي هم أبناء الله مجازياً بمعنى التبين الشرعي. ولكنهم لم يعتبروا هذه العبارة بمعنى الولادة الروحية الحقيقية من الله. فأمنوا متمسكين بأن العلي واحد لا مثيل له (خروج 4: 22، هوشع 11: 1، مزمور 89: 28، 2 صموئيل 7: 14 و4 وعزرا 7: 28).

وعكس ذلك نجد عند اليونان والرومان الذين تصوروا وآمنوا بآلهة عديدة عديدة وأرواح متنوعة وبينهم آلهات شهيرة. والجميع يتزوجون بينهم، وينسلون أولاداً، ويتصارعون ويتحابون ويتباغضون. فحوض البحر الأبيض المتوسط قبل ألفي سنة كا ن ممتلئاً بهذه الآراء والعبارات. والهياكل الضخمة بمذابحها تشهد لتكريم الآلهات الميتة. ولم يميزوا آنذاك بين الأرواح النجسة والله القدوس. بل عبدوا كل روح بدون استثناء.

كان بطرس ومرقس جريئين بهذا المقدار حتى أنهما اعترضا على الاعتقاد بتعدد الآلهة في روما، معترفين بأن لأ إله إلا واحد. وليس له أبناء إلا واحد، وهو المولود من الآب قبل كل الدهور، كما تولد الكلمة من فم الإسنان ولا تزال جزءاً منه. فولادة ابن الله الأزلي هي ولادة روحية لا جسدية قبل كل الدهور. فمن يظن ويقول إن الله القدوس جانس مريم العذراء يكفر ويرتكب إثماً كبيراً. فولادة يسوع في بيت لحم ليست ميلاده الأصلي، بل تجسده في هيئة الإنسان لأجلنا. فولادته الحقيقية تمت روحياً من الآب قبل الخلق. لهذا تعترف المسيحية جمعاء، بأنه إله من إله. نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. ذو جوهر واحد مع الآب.

لا شيء يستحيل عند الله. فمن يستطيع منع الله عن أن يكون له ابن إن أراد ذلك؟ فالناس يحددون حرية الله، إذ يقرّون بوحدانيته فقط. الله أعظم من أفكار البشر.

أما ظهور ابن الله بالجسد فتم كما قال الملاك جبرائيل لمريم العذراء: «اَلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُّوَةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذٰلِكَ أَيْضاً ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللّٰهِ» (لوقا 1: 45). ومريم التي أوجست خيفة من هذا القول آمنت بكلمة ربها. فصار الجنين فيها وحدة مكونة من الروح القدس والدم البشري. وفيه غلب الروح الإلهي دائماً الطبيعة البشرية، وضبطها على الدوام. فثبت يسوع بلا خطية قدوساً.

إن وجود ابن الله لا يعني إطلاقاً تعدد الآلهة، لأننا نعترف مخلصين بالوحدة الكاملة بين الله الآب والابن والروح القدس. وأما السر بأن الثلاثة يساوون واحداً فلا يستطيع العقل البشري أن يدركه تلقائياً إلا بعد ولادة المؤمن ثانية من الروح القدس. عندئذ يعرف بلمحة العين أن الله محبة، وأن الوحدة بين الأقانيم الثلاثة حتمية كاملة. فالأشخاص الثلاثة المميزة والغير ممتزجة هي بالحقيقة وحدة أبدية برباط الكمال «المحبة». فكل من لا يحب لا يدرك الله.

المسيح نفسه أعلن وحدته مع الآب للمؤمنين بطرق مختلفة وتواضع فائق قائلاً: «ٱلْحَقَّ ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لا يَقْدِرُ ٱلابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاّ مَا يَنْظُرُ ٱلآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهٰذَا يَعْمَلُهُ ٱلابْنُ كَذٰلِكَ. لأَنَّ ٱلآبَ يُحِبُّ ٱلابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هٰذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلآبَ يُقِيمُ ٱلأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذٰلِكَ ٱلابْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. لأَنَّ ٱلآبَ لا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ٱلدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ، لِكَيْ يُكْرِمَ ٱلْجَمِيعُ ٱلابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ ٱلآبَ. مَنْ لا يُكْرِمُ ٱلابْنَ لا يُكْرِمُ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ» (يوحنا 5: 19-23).

وبعد هذا الإعلان عن وحدة المسيح مع الآب بنسبة الأعمال، نقرأ اعتراف يسوع عن وحدته مع الله بنسبة السلطان والجوهر أيضاق إذ قال: «كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلابْنَ إِلاّ ٱلآبُ، وَلا أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلآبَ إِلاّ ٱلابْنُ وَمَنْ أَرَادَ ٱلابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ. تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متى 11: 27 و28).

وفي حلقة تلاميذه صرح يسوع بوحدته المطلقة مع الآب قائلاً: «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ». وقال لأحد تلاميذه: «أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي ٱلآبِ وَٱلآبَ فِيَّ؟ ٱلْكَلامُ ٱلَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لٰكِنَّ ٱلآبَ ٱلْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ. صَدِّقُونِي أَنِّي فِي ٱلآبِ وَٱلآبَ فِيَّ، وَإِلاّ فَصَدِّقُونِي لِسَبَبِ ٱلأَعْمَالِ نَفْسِهَا» (يوحنا 10: 30، 14: 10 و11).

على أساس هذه الإثباتات الكتابية تستطيع الإدراك أن ليسوع الحق أن يقول: « اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يوحنا 14: 9).

أما قيافا رئيس مجلس اليهود الأعلى في زمن يسوع فقد انتصب في المحكمة الدينية أمام المقيد فألقى سؤاله المحتال إلى وجهه البديع قائلاً: «أَسْتَحْلِفُكَ بِٱللّٰهِ ٱلْحَيِّ أَنْ تَقُولَ لَنَا: هَلْ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ؟» (متى 26: 63). فلما لم ينكر يسوع هذه الحقيقة بل أثبتها، ووافق على طبيعتها الإلهية، اغتاظوا وسلموه للقتل فوراً. فالحكم على يسوع بالإعدام تم لأجل تصريحه بأنه ابن الله. فكيف يقول بعض الناس بعد 1900 سنة من هذه الحادثة التاريخية أن يسوع لم يعترف بأنه ابن الله؟ أن هؤلاء الشاكين لم يدركوا جوهر يسوع المسيح الذي هو حقاً الابن الوحيد لله القدوس.

الصلاة: نسجد لك أيها الابن الحنون ونحمدك أيها الآب القدوس، لأنك أنت كما أعلنت نفسك في ابنك يسوع. إن عقلنا المحدود غير قادر على إدراك حقيقتك. فنطلب إنارة أذهاننا بروحك القدوس، لكي نستنير، وندركك كما أنت: الآب والابن والروح القدس في وحدة كاملة برباط المحبة، التي تحيينا وتجعلنا أولاداً لك بالنعمة آمين.

السؤال: 7 - ما هي المبادئ الرئيسية لعبارة «ابن الله».

هـ - خلاصة عنوان إنجبل مرقس

فتح البشير مرقس ستار السماء بافتتاحه إنجيله فتحاً مبيناً، وقدم لنا بكلماته الخمس الأولى شعار رسالته وخلاصتها. فكل ما يليها في إنجيله ليس إلا توضحياً لهذا الشعار وبياناً لشخصية يسوع المسيح بواسطة وصف الحوادث، ليستنتج القارئ من الحقيقة التاريخية ألوهية المسيح.

لماذا افتتح مرقس إنجيله بهذه الكلمات المحرجة الجارحة للشعور اليهودي والروماني؟

إن البشير أراد أن يقول لليهود المهاجرين في روما ولعبدة الأصنام في الدول الرومانية: إن الحوادث التاريخية التي اختبرناها شخصياً ليست فلسفة ولا كذباً بل حقيقة واقعية. لا أستطيع أن أكتب شيئاً آخر إلا ما صار فعلاً. فيسوع ملأ أنفسنا بسلامه وسروره وصار محور تفكيرنا وأساس إيماننا وقوة شهادتنا.

فبافتتاحيته جاوب اليهود في روما: أن أباءكم لم يدركوا أن يسوع الناصري هو المسيح الموعود، بل قتلوه بدون معرفة. فتوبوا أنتم وآمنوا به لتخلصوا. ولأجل هذه الكلمات استحق بطرس ومرقس في نظر اليهود الرجم فوراً.

أما للجماهير الوثنية فقال البشير بافتتاحيته: كل أصنامكم وآلهتكم باطلة، وخداع لأنفسكم، وخيال كاذب. وحتى تكريمكم للقيصر كإله لا يجوز. فليس ابن الله إلا يسوع المسيح ربنا المقام من بين الأموات الحي المالك إلى الأبد. هذا حق ويقين.

لم يرد مرقس أن يفسر لمستمعيه الحقيقة الإلهية تدريجاً بالاحتيال المنطقي. بل عرف أن الذين من الحق يسمعون صوت الحق.

فادرس حياة يسوع بدقة تتيقن أنه الرب بالذات.

السؤال: 8 - لماذا افتتح البشير مرقس إنجيله بهذه الكلمات؟

2 - قيام يوحنا المعمدان في وادي الأردن (الأصحاح 1: 2-8)

2كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي ٱلأَنْبِيَاءِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاكِي، ٱلَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. 3صَوْتُ صَارِخٍ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ ٱلرَّبِّ، ٱصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً». 4كَانَ يُوحَنَّا يُعَمِّدُ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَيَكْرِزُ بِمَعْمُودِيَّةِ ٱلتَّوْبَةِ لِمَغْفِرَةِ ٱلْخَطَايَا. 5وَخَرَجَ إِلَيْهِ جَمِيعُ كُورَةِ ٱلْيَهُودِيَّةِ وَأَهْلُ أُورُشَلِيمَ وَٱعْتَمَدُوا جَمِيعُهُمْ مِنْهُ فِي نَهْرِ ٱلأُرْدُنِّ، مُعْتَرِفِينَ بِخَطَايَاهُمْ. 6وَكَانَ يُوحَنَّا يَلْبَسُ وَبَرَ ٱلإِبِلِ، وَمِنْطَقَةً مِنْ جِلْدٍ عَلَى حَقَوَيْهِ، وَيَأْكُلُ جَرَاداً وَعَسَلاً بَرِّيّاً. 7وَكَانَ يَكْرِزُ قَائِلاً: «يَأْتِي بَعْدِي مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنِّي، ٱلَّذِي لَسْتُ أَهْلاً أَنْ أَنْحَنِيَ وَأَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ. 8أَنَا عَمَّدْتُكُمْ بِٱلْمَاءِ، وَأَمَّا هُوَ فَسَيُعَمِّدُكُمْ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ».

يشق المهندسون في أيامنا طرقاً واسعة هائلة في الصحارى والمستنقعات، ويبنون جسوراً كبيرة فوق الأودية والأنهار. ولكن لا يستطيعون إنشاء طريق بين البشر والله. فهل تريد أن يبني الله بالذات صراطاً مستقيماً من عنده إلى قلبك وعائلتك وأصدقائك؟ هل أنت مستعد أن تخبر الآخرين بعمل الرب ومجيئه القريب ليستعدوا لقبوله.

كثير من الناس يبغون الكتابة والإذاعة ليصبحوا مشهورين ومرشدين للآخرين وزعماء في شعوبهم. ولكن قليلون منهم مدعوون من الله حقاً. فإن صوتهم فارغ ولا قيمة له. أما يوحنا المعمدان فكان ساعي المسيح وقام في قوة الروح القدس. ووضع ربه في فمه كلمات النبي إشعياء. فاخترق بكلماته قلوب كثيرين. وأعلن لهم ذنوبهم، ورأى في الصحراء مثلاً لحالة الأنفس الميتة روحياً والمحرومة من أمطار نعمة الله.

طلب يوحنا المعمدان من مستمعيه التوبة الصادقة وتغيير الفكر، مع الاعتراف الواضح بالخطايا المرتكبة. وكانت تابعة لإنكار النفس المعمودية في مياه نهر الأردن. فالاعتراف بالذنوب جهراً كسر الكبرياء. والمعمودية رمزت إلى تطهير الخاطئ وإلى موت الإنسان العتيق.

هل عرفت أن كل الناس يشتاقون إلى الغفران والتطهير الشامل بما فيهم أنت؟ فاعترف الآن بخطاياك أمام ربك. وافتح له نفسك صادقاً.

لقد أعلن يوحنا غفران الذنوب باسم الله بقوة روحه ليمهد الطريق للمسيح الآتي. فتاب الألوف منسحقين أمام القدوس. ولكن المعمدان أدرك في صميم قلبه أن التوبة والاعتراف ومياه المعمودية والقول عن الغفران لا يكفي للتغيير الجذري في الإنسان. لأن الروح القدس وحده يعزي القلوب ويصلح الإنسان قلباً جديداً، ويعمدهم بروحه القدوس. فيوحنا الشديد الزاهد، ارتجف بفكرة أنه سيلتقي بابن الله شخصياً، لأنه علم نفسه غير مستحق ليحل رباط حذاء الآتي. لأنه ليس أحد صالحاً إلا الله.

والهدف الإلهي هو أن التائبين يمتلئون بروح المحبة. ولكن ليس إنسان قادراً أن يحصل على هذا الروح إلا بالإيمان الملتصق بالمسيح الحي، الذي هو مع أبيه ينبوع هذا الروح المبارك. فتعال إلى يسوع عاجلاً معترفاً بخطاياك المرتكبة وبنية تركها نهائياً. فيغفر لك كل خطاياك، ويملأك بروحه اللطيف الطاهر. أمين هو الذي يدعوك، الذي سيكملك إن التجأت إليه.

الصلاة: أيها الأب السماوي. نشكرك لأنك أرسلت المعمدان ليعد طريق ابنك. قُدنا الى التوبة النصوحة بإرشاد روحك القدوس، لنعرف خطايانا في نورك، ونندم عليها في عمق أنفسنا. ونعترف بها بدون حيلة، ونتركها بقوتك ونبغضها فعلاً، وننال بالإيمان الغفران الشامل بدم ابنك الوحيد. فنطهر ونمتلئ بروحك القدوس، مع كل المشتاقين الى محبتك في كل أنحاء العالم. آمين.

السؤال: 9 - ما هو مضمون وهدف رسالة يوحنا المعمدان؟

3 - معمودية يسوع المسيح (الأصحاح 1: 9-11)

9وَفِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ جَاءَ يَسُوعُ مِنْ نَاصِرَةِ ٱلْجَلِيلِ وَٱعْتَمَدَ مِنْ يُوحَنَّا فِي ٱلأُرْدُنِّ. 10وَلِلْوَقْتِ وَهُوَ صَاعِدٌ مِنَ ٱلْمَاءِ رَأَى ٱلسَّمَاوَاتِ قَدِ ٱنْشَقَّتْ، وَٱلرُّوحَ مِثْلَ حَمَامَةٍ نَازِلاً عَلَيْهِ. 11وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ: «أَنْتَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ ٱلَّذِي بِهِ سُرِرْتُ!».

ترك يسوع بلدته واقترب من جماعة التائبين حول يوحنا المعمدان. وكانت بلدته الناصرة قرية جبلية آنذاك، بعيدة عن مراكز الدين والثقافة في أورشليم. وليست موضوعة على شاطئ البحر المتوسط. وكان جبال الناصرة وهضبتها الجميلة معروفة كمربض للصوص وقطاع الطرق والثائرين. وأما الشاب يسوع ابن مريم فقد ثبت بدون خطية رغم محيطه الشرس. ولم يكن محتاجاً إلى معمودية لمغفرة خطاياه، لأنه بريء وطاهر وقدوس. فلم يعترف بذنب ما، بل اعتمد عوضاً عن البشر. لأنه قد قبل دعوة الله ليرفع خطية العالم عن كواهلهم.

ولما وافق على تعيينه لهذه الدعوة، وابتدأ عمله لمصالحة الكون مع الله كان في الثلاثين من عمره تقريباً.

وعندما مارس المعمودية عوضاً عنّا انشقت السماوات، وظهرت أعجوبة الثالوث الأقدس. إذ نزل الروح القدس جلياً في هيئة حمامة، واستقرّ عليه رمزاً للسلام. فحلّ سلام الله في قلب رئيس السلام، ومكث فيه ثابتاً. لأنه أخضع طبيعته البشرية كاملاً لخدمة الله. وفي أثناء المعمودية سُمع صوت من السموات: «أنت ابني الحبيب الذي به سُررت».

ومما لا ريب فيه أن المسيح كان منذ الأزل ممتلئاً بالروح القدس. ولكن في هذه الساعة أثبت الله له بطريقة فائقة أنه قد انسجم تماماً بخضوعه مع إرادة أبيه.

وحيثما يحضر الروح القدس هناك يتكلم الله، ويعلن نفسه أباً. ويمجد المسيح ابنه له. لا يوجد إنسان قادر أن يؤلف كلمات المحبة مثل هذه، التي نطقها الآب عن ابنه كشهادة أبدية عن جوهره. ولا روح بشري يستطيع أن يسبر أغوار هذه العبارات. لأن الله ألغى استتاره، وأعلن نفسه محبة قريبة ومسرة خالدة. وشهد أن المسيح بالحقيقة ابنه. وحل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً.

وهذا اللاهوت ظهر في لطفه وحنانه وشفقته ورثائه وصبره. فيسوع هو الحبيب الوحيد الممتلئ بمحبة الله، لأنه صالح العالم العاصي المتمرد مع الله القدوس. وفتح لنا الإمكانية لنصبح أولاداً لله، ونشترك في مسرته. فهل الله مسرور من سلوكك؟

الصلاة: أيها الآب السماوي، نسجد لك سجود الحمد والشكر. لأنك أعلنت لنا أبوتك السرمدية في بنوة المسيح الحبيب. وجعلتنا نتأكد بقوة روحك القدوس من محبتك المواظبة، إذ غفرت لنا ذنوبنا، وجعلت حياتنا حمداً لنعمتك. آمين.

السؤال: 6 - كيف ظهر الثالوث الأقدس وقت معمودية المسيح؟

4 - تجربة يسوع المسيح (الأصحاح 1: 12-13)

12وَلِلْوَقْتِ أَخْرَجَهُ ٱلرُّوحُ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ، 13وَكَانَ هُنَاكَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْماً يُجَرَّبُ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ. وَكَانَ مَعَ ٱلْوُحُوشِ. وَصَارَتِ ٱلْمَلائِكَةُ تَخْدِمُهُ.

عرف الشيطان قليلاً عن الله وأدرك شيئاً من خطته. ولاحظ بفزع حلول الروح القدس على المسيح. فعرف أن هذه هي الساعة الحاسمة في تاريخ البشر. لأن ابن الله ابتدأ بمصالحة العالم مع أبيه. فصمم المجرب أن يُسقط حمل الله في شهوات عديدة، ويضله ضلالاً مبيناً، ليبطل استحقاقه لخدمة الذبيحة.

أما الروح القدس فهو الذي قاد المسيح فوراً إلى المعركة في البرية بعد المعمودية. فابن الله لا يخاف من الشيطان، لأن أصغر قديس أقوى من أكبر شيطان، إذ الله ساكن في أولاده.

وقف المسيح ثابت الجنان وسط التجارب الشيطانية التي انقضّت عليه كالصواعق المبيدة. إنما لم يستمع ويميل إلى وسوسات المجرّب، بل اختار طريق الفقر والتواضع والوداعة. ولم يشك في محبة أبيه. ولم يتضعضع بنسبة بنوته الخاصة. بل كان مزمعاً أن يكمل طريقه إلى الصليب. ولم يوافق مطلقاً علىحل وسط عالماً أن العالم لا يُصلح ولا يُفدى إلا بذبيحة جسده.

فثبت المسيح منتصراً في كل تجارب عبقرية الشيطان. وكل الوحوش المفترسة في البرية لم تقدر أن تؤذيه، لأنه ثبت في إرادة الله، واختار طريق الحمل الوديع، طريق احتمال الظلمة وغفران خطايا العالم. فبموته أوضح أن الله محبة. ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه.

في نهاية هذه المصارعة الروحية خدمته الملائكة، التي اشتاقت أن ترى التطور في هذا الكفاح. فتهللت عندما جرّد المسيح عدو الله من قوته.

صام يسوع أربعين ليلة ونهاراً في البرية. ويدل العدد أربعين على السنوات الطويلة التي تجول شعبه في البرية وعلى الأيام التي قام موسى أمام الله على جبل سيناء. فأربعين يوماً طالت المصارعة الأولى بين الصالح والشرير في بداية خدمة المسيح.

الصلاة: نسجد لك أيها المولود من روح المحبة، لأنك غلبت الشيطان في بداية خدمتك. ولم توافق على تجاربه. نشكرك لأنك رفضت المال والسلطة والشهرة والقتل. واخترت طريق الجودة والقداسة والتواضع. اغفر لنا استكبارنا ونجاستنا. واملأنا بقوة لطفك، لكي نتبعك في طريق حمل الله.

السؤال: 11 - لماذا قاد الروح القدس يسوع أولاً الى البرية ليُجرب من إبليس؟

الجزء الثاني: بداية أعمال يسوع في منطقة الجليل (الأصحاح 1: 14-45)

1 - كرازة يسوع الأولى وشعار رسالته (الأصحاح 1: 14-15)

14وَبَعْدَ مَا أُسْلِمَ يُوحَنَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى ٱلْجَلِيلِ يَكْرِزُ بِبِشَارَةِ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ 15وَيَقُولُ: قَدْ كَمَلَ ٱلزَّمَانُ وَٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِٱلإِنْجِيلِ.

قد أكمل يوحنا المعمدان خدمته كساعي الرب عندما ابتدأ يسوع وظيفته كالمسيح. فأسرع الشيطان بعدما غُلب من يسوع بهزيمة مبينة، في غيظه إلى النبي في البرية ليجري فيه الامتحان الأخير. فألقاه بواسطة الملك هيرودس في السجن المظلم المملوء بالخوف والشكوك. ورسم أمام بصره الموت المقبل عدة مرات.

ولم يتقدم يسوع ليحرر ساعيه بالقوة، بل أدرك علامات الساعة. وفهم مشيئة أبيه باكتمال الزمان واقتراب التغيير الجوهري للعالم. فمنذ ملايين السنين كانت المخلوقات تنتظر مجيء الرب، ليتحرر العالم من قيود الذنوب والموت والأبالسة. فعندما رجع يسوع من نهر الأردن إلى جبال الجليل تقاصر الوقت واندمجت كل أشعة النعمة في شخصه كما تتجمع أشعة الشمس في عدسة بلورية لتخترق باختراقها كل مانع للنور المضيء.

المسيح هو الرب بالذات. المالك الحكيم الذي له الحق في السلطة، لأنه بواسطته (الكلمة) قد خلق الله العالمين. فالكل ملكه. ولهذا فكلنا خاصة المسيح علمنا ذلك أو لم نعلمه.

ولما قبل يسوع وظيفته كملك مالك دخل إلى العالم ليربحه إلى الله. فكل إمكانيات سلطان الله كانت مستترة فيه. ولكنه ما أشعل ثورة ولم يمت أعداءه أفراداً أو جماعات. وما استخدم سلطانه سلبياً بل أشبه نفسه بحبة القمح التي ينبغي أن تموت أولاً لكي يثمر منها حصاد لله. حقاً إن يسوع الملك قد بذل حياته لأجل أهل ملكوته ليؤهل الضالين العصاة للدخول في رحاب الله.

وفي مجيئه لم يطلب من مستمعيه الانكسار بالدرجة الأولى شرطاً للدخول إلى مملكة محبته. بل قدم لهم نعمة ملكوته وقوة السماء مجاناً فلا يطلب الله منا إكمال وصايا مستحيلة التطبيق، بل إنه يأتي إلينا شخصياً، ويمنحنا حضوره ومحبته القدوسة. فالخطوة الأولى للتوبة هي تغيير الفكر من إنشاء العمل الخاص الناقص إلى قبول قوة الله المنعمة علينا. فالكلمة اليونانية لعبارة (التوبة) لا تدل على انهمار الدموع والنوح الصارخ بل تعني تغيير الذهن مع تبديل الشعور الباطني، واتجاه جديد لكل التفكير والكيان. فنادى يسوع الجماهير: «ها أنا حاضر بينكم. فيّ حل ملكوت الله على الأرض. اقبلوني، واقبلوا محبتي وقوتي وطهارتي فتتغيروا إلى صورة حياتي».

وهذا التغيير الجذري في الإنسان بواسطة التوبة الروحية حسب الإنجيل لا يتم بواسطة سحر أو تعقد في الإراداة أو التصميم، بل بواسطة الإيمان بالمسيح والثقة فيه. فنسلم أنفسنا كاملاً لربنا وملكنا لتكمل قوته في ضعفنا وتقدسنا لصفاته السماوية. ومن يؤمن به فله الحياة الأبدية اليوم.

قبل مجيء المسيح لم يكن ملكوت الله على الأرض. أما الآن فيبني الرب ملكوته على أساس بره، بقوة روحه في كل التائبين المؤمنين. ويعدهم إلى مجيئه الثاني عندما يستقبلونه بهتاف مزينين بمحبة وتواضع وسرور أكيد. وهو عندئذ سينشئ ملكوت الله ظاهراً على الأرض، معلناً مجده في أتباعه الودعاء.

تعمق في إنجيل المسيح تتغير أفكارك وتمتلئ بكلمة الله فتولد جديداً بالروح والحق. الملك الإلهي واقف أمامك ويدعوك. هل تأتي إليه وتتقدس بقداسته؟

الصلاة: أيها الرب المسيح أنت ملكنا الرحيم. نحن خاصتك. اغفر لنا إن اختلسنا أنفسنا منك لنعيش مستقلين عنك كأننا خاصة أنفسنا. نشكرك لأنك أتيت إلينا ونحن عصاة ولم تُبدنا بل عشت متواضعا ووديعا بيننا. وسترت سلطانك وأظهرت محبتك في قداستك. نسجد لك معترفين: أنت ربنا وملكنا. غيّر أذهاننا وقدسنا الى التمام لكي ننال بتبريرك لنا قوة روحك القدوس ونتجدد في الولادة الثانية ونجتهد لنشر ملكوتك استعدادا لمجيئك الثاني. تعال أيها الرب يسوع تعال.

السؤال: 12 - ما هي معاني العبارة «ملكوت الله»؟

2 - دعوة يسوع لتلاميذه الأربعة الأولين (الأصحاح 1: 16-20)

16وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي عِنْدَ بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ أَبْصَرَ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فِي ٱلْبَحْرِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا صَيَّادَيْنِ. 17فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا تَصِيرَانِ صَيَّادَيِ ٱلنَّاسِ. 18فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا شِبَاكَهُمَا وَتَبِعَاهُ. 19ثُمَّ ٱجْتَازَ مِنْ هُنَاكَ قَلِيلاً فَرَأَى يَعْقُوبَ بْنَ زَبْدِي وَيُوحَنَّا أَخَاهُ، وَهُمَا فِي ٱلسَّفِينَةِ يُصْلِحَانِ ٱلشِّبَاكَ. 20فَدَعَاهُمَا لِلْوَقْتِ. فَتَرَكَا أَبَاهُمَا زَبْدِي فِي ٱلسَّفِينَةِ مَعَ ٱلأَجْرَى وَذَهَبَا وَرَاءَهُ.

العالم كبحر ممتلئ سمكاً، والمسيح كصياد البشر الرحيم، وهو لا يصطاد في عصرنا كل أسماك البحر مرة واحدة، بل النخبة فقط التي أعدّها الله وأعطاها إياها. فالكنيسة هي شركة المصطادين من بحر العالم المتجددين لخدمة الله لكي يلقوا هم معاً شبكة كلمته إلى بحر البشر ويصطادوا كثيرين لله.

واصطاد المسيح أولاً بطرس وأخاه أندراوس. إذ رأى ببصيرة إلهية فيهم نار التوبة والشوق للطهارة في قلبيهما. قد اشتعلت عند يوحنا المعمدان المنادى بالرجوع إلى الخالق.

فكلاهما غير مثقفين. ولكنهما صيادان مجتهدان ورجلان خبيران في أخطار البحر غير متفلسفين بل مستعدين للعمل اليدوي الشاق.

وكانا قد عرفا المسيح من قبل وسمعا شهادة المعمدان عنه أنه المسيح حمل الله فآمنا به. وعندما ألقي معلمهما السابق في السجن، تبعا مباشرة يسوع الرب مطيعين أمر دعوته المجددة.

ربما كان بطرس وأندراوس يعودان بعد رجوعهما من الأردن إلى شباكهما بينما كان يسوع يعمل في منطقة الجليل. ولكن حينما اتخذ الرب كفرناحوم مدينة لنفسه وسكن على شاطئ البحر أصابتهما دعوته كسهم. فتبعاه فوراق وتركا سفنهما وشباكهما أي ضمانهما، لأن الرب أعظم من كل ضمان دنيوي.

عندما يأمرنا الملك الإلهي أن نأتي إليه فليس علينا إلا طاعته وابتاعه ولو يكره الكافرون ويستهزئ بنا المستهزئون. ولا يحق لنا التفكير بالمال والمعيشة لأن الرب يؤمن لنا الخبز الكافي لكل يوم.

يريد المسيح أن يجعلك صياداً للبشر ليس لتربحهم بذكائك وحيلك أو مالك بل بواسطة تواضعك ولطفك في قوة الروح القدس. وشبكة عبيد المسيح هي كلمة الله المرافقة بصلواتهم والمطروحة حسب إرشاد الروح القدس. عندئذ يقود المسيح بإرشاده أسماكاً كثيرة إلى شبكة محبته.

وفي اتباع المسيح نتعلم أننا لسنا نحن الذين نصطاد الآخرين بل الرب فينا هو العامل الذي دعاك وطهّرك وأرشدك لخدمة ناجحة. فكل إنسان حسب طبيعته غير مستحق وغير قادر لخدمة الله. كلنا عبيد بطالون، ولكن دعوة الرب «هلم اتبعني. أجعلك صياد للبشر» تؤهلك للخدمة الروحية، فلا يبقى لنا فخر بل كل المجد للرب الذي يصيرنا إلى عبيد نافعين. وفي اتباعنا له والتصاقنا به يعلمنا الحكمة والكلمة الصواب والسيرة المقدسة كما قال: «أَنْتُمْ نُورُ ٱلْعَالَمِ... فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هٰكَذَا قُدَّامَ ٱلنَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ ٱلْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ» (متى 5: 14-16).

التقى المسيح نفس اليوم بيوحنا البشير وأخيه يعقوب، وبارك عائلتهما بواسطة دعوة الرجلين المتقدرين إلى خدمة الله. وقد سبب ترك مهنتهما لكسب الخبز اليومي لعائلتهما خسارة فادحة. ولكنهما أدركا مع جميع الخدام المخلصين القاعدة: «لا نستطيع أن نخدم الله والمال». فالذين يخدمون الرب لا يقصدون المال، بل يختبرون أن الله بالذات يحل فيهم بروحه القدوس. وهذا الروح لا يجمع المادة كضمان لنفسه بل يغلبها ويوزعها في سبيل المحبة.

لم يصلح يوحنا ويعقوب فيما بعد الشباك بل ربطا كنيسة المسيح في وحدة مقدسة بصبر فائق وتدقيق قويم. فالخدمة في الكنيسة محتاجة إلى تأن ورفق وكل صفات محبة الله، لأن الكنيسة هي المحبة وإلا فليست هي كنيسة.

هل سمعت دعوة المسيح وهو يجتاز اليوم وسط أمتنا العربية ويدعو المستعدين ويدربهم للخدمة الفعالة؟ هل تلبي دعوته فوراً وتتبع المسيح بالتصميم النهائي؟ هل قدت بإرشاد روحه إنساناً واحداً للمخلص ليخلصه ويقدسه؟ فماذا تعمل، هل تنام مسترخياً أو تعمل لتمجيد نفسك أو تخدم ربك الحي؟

الصلاة: أيها الرب يسوع نشكرك لأنك دعوتنا الى خدمتك فنعترف بأننا عبيد بطالون، ولا نستحق هذه الدعوة. اغفر لنا ذنوبنا، واملأنا بروحك القدوس، وقدنا الى طاعة الإيمان لنخدمك بقدرتك ونصبح أمناء في تأدية خدمة محبتك. حررنا من الاتكال على المال والرواتب واخلق فينا الثقة الأمينة في عنايتك لنا. واقبل صلاتنا وخلص أصدقاءنا من ذنوبهم كما خلصتنا أيضا. وأنت تعرف كل انسان نصلي لأجله اليك بمواظبة. إنك سميع الدعاء.

السؤال: 13 - ماذا تعني دعوة يسوع «هلم ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس»؟

3 - المسيح حرر ملبوساً وسط المجمع (الأصحاح 1: 21-28)

21ثُمَّ دَخَلُوا كَفْرَنَاحُومَ، وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ ٱلْمَجْمَعَ فِي ٱلسَّبْتِ وَصَارَ يُعَلِّمُ. 22فَبُهِتُوا مِنْ تَعْلِيمِهِ لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَمَنْ لَهُ سُلْطَانٌ وَلَيْسَ كَٱلْكَتَبَةِ. 23وَكَانَ فِي مَجْمَعِهِمْ رَجُلٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، فَصَرَخَ 24قَائِلاً: «آهِ! مَا لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱلنَّاصِرِيُّ! أَتَيْتَ لِتُهْلِكَنَا! أَنَا أَعْرِفُكَ مَنْ أَنْتَ، قُدُّوسُ ٱللّٰهِ!» 25فَٱنْتَهَرَهُ يَسُوعُ قَائِلاً: «ٱخْرَسْ وَٱخْرُجْ مِنْهُ!» 26فَصَرَعَهُ ٱلرُّوحُ ٱلنَّجِسُ وَصَاحَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَخَرَجَ مِنْهُ. 27فَتَحَيَّرُوا كُلُّهُمْ، حَتَّى سَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً قَائِلِينَ: «مَا هٰذَا؟ مَا هُوَ هٰذَا ٱلتَّعْلِيمُ ٱلْجَدِيدُ؟ لأَنَّهُ بِسُلْطَانٍ يَأْمُرُ حَتَّى ٱلأَرْوَاحَ ٱلنَّجِسَةَ فَتُطِيعُهُ!» 28فَخَرَجَ خَبَرُهُ لِلْوَقْتِ فِي كُلِّ ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ بِٱلْجَلِيلِ.

كان يحضر في وسط المجمع اليهودي رجل ملبوس بروح نجس. أيوجد في كنائسكم اليوم أرواح أخرى غير الروح القدس؟ فاطلب إلى المسيح ليطرد من وسطكم كل روح نجس متكبر ليخلص الإنسان المسكين ويتحرر من الروح الشرير فيثبت في اجتماعاتكم عضواً مباركاً.

وحيث يأتي المسيح المولود من محبة الله تخرج منه قوى عظيمة والشاطين تعرفه وتخافه، لأنها كأعداء لله لا ترى محبته ولا تفهم نعمته بل ترتجف من قداسته المهلكة، وتدرك فقط أن المسيح هو الديان الأزلي الذي دُفع إليه كل السلطان في السماء وعلى الأرض. فتخاف الشياطين والأَبالسة النجسة من هلاكها الأبدي وتقشعر من الدينونة المقبلة عليها.

كثير من الناس اليوم لا يصدقون وجود الأرواح ويبتسمون ويستهزئون لذكرها. ولكن الإنجيل يشهد بوضوح بوجود الشيطان وجيشه الكبير التابع له. وأرواحه تؤثر على كثير من الناس وتسكن في بعض الملبوسين. إنما لا تقل بسرعة وسهولة إن إنساناً ما هو ملبوس ولا تجرب إخراج أرواح نجسة بقوتك الخاصة. هذا العمل يخص المسيح بواسطة الناضجين في روحه. وأما أنت فاشكر ربك من صميم قلبك إذ أنه حفظك من سلطة جهنم وطهرك إلى حرية أولاد الله. إن الإيمان بالمسيح نعمة وهبة وليس هو عملك الشخصي. كن مطمئناً في حماية ملكوت المسيح. هو حافظك ويحميك من إبليس إن استسلمت لربك حقاً.

الشياطين تؤمن بالله ومسيحه، لكنها تشمئز منه. والغريب أن أرواح جهنم لا تتحاجج بحقيقة المسيح بل تعترف به حاقدة بصرير أسنانها. بينما أناس كثيرون وأديان مختلفة تنكر ألوهية يسوع. فالشياطين تعترف مرغمة بقداسة المسيح وتجثو أمامه، ولكن اعترافهم ناقص ومبني على كذب محتال. لم تعرف الأرواح النجسة الحق الكامل، لأن المسيح لم يأت ليهلك ولا ليعلن نفسه في الوقت الحاضر كديان أزلي، بل قد أتى إلينا مخلصاً رحيماً يترقب منا إيماناً وثقة لأجل محبته لا خوفاً منه. فلهذا أمر الأرواح الظالمة بالسكوت. ولم يُرد يسوع بنيان بنيان ملكوته مبنياً على أقوال جهنم بل على ثقة في محبته فقط. فلا تؤمن أيها الأخ بقدرة روح نجس شرير مهما كانت أقواله عبقرية أو تقية، لأنه مهما قال فإنه كذب مبني على احتيال حتى وإن تظاهر ناموسياً أو مشتاقاً إلى كلمة الله كما جلس الملبوس في كنيسة كفرناحوم آنذاك.

إن المسيح هو المنتصر وإخراجه للأرواح الظالمة معناه مجيء ملكوت الله إلى عالمنا. فلا يعود الشيطان فيما بعد رئيساً لدنيانا. لأن المسيح ينتشل أسراه منه. فعلى كل روح نجس أن يولي ويذهب أمام روح المسيح. وبكلمة واحدة كان المسيح يطرد سلطة الشر من الملبوسين بدون ضربات أو صياح. فنتقرح عليك أن تشهد أيضاً بالإنجيل المقدس وتصلي بأمانة وتضع حياتك تماماً تحت رش دم حمل الله، فيحرر المسيح كثيرين في أمتنا من التباس الشيطان وأرواح غير مقدسة بواسطة كلمته القوية. الإنجيل وحده هو الوسيلة لخلاص البشر فالتجئ إلى المنتصر فتخلص أنت وأهل بيتك.

الصلاة: أيها الرب المسيح أنت ملكنا العظيم نسجد لك ونشكرك بتهلل، لأنك قد حررتنا من الأرواح النجسة، ولمستنا بروحك القدوس. ثبتنا في محبتك وحقك لنمكث في حمايتك ونسلك طاهرين. حرر كل متأثر بروح إبليس في محيطنا، وأنر المشتاقين إليك ليروا نورك ويتركوا الظلمة بقوتك.

السؤال: 14 - كيف حرر يسوع الملبوس وكيف يحرر المتأثرين بالأرواح النجسة اليوم؟

4 - الطبيب السماوي المصلي يشفي كل الأمراض (الأصحاح 1: 29-39)

29وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ ٱلْمَجْمَعِ جَاءُوا لِلْوَقْتِ إِلَى بَيْتِ سِمْعَانَ وَأَنْدَرَاوُسَ مَعَ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، 30وَكَانَتْ حَمَاةُ سِمْعَانَ مُضْطَجِعَةً مَحْمُومَةً، فَلِلْوَقْتِ أَخْبَرُوهُ عَنْهَا. 31فَتَقَدَّمَ وَأَقَامَهَا مَاسِكاً بِيَدِهَا، فَتَرَكَتْهَا ٱلْحُمَّى حَالاً وَصَارَتْ تَخْدِمُهُمْ. 32وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ، إِذْ غَرَبَتِ ٱلشَّمْسُ، قَدَّمُوا إِلَيْهِ جَمِيعَ ٱلسُّقَمَاءِ وَٱلْمَجَانِينَ. 33وَكَانَتِ ٱلْمَدِينَةُ كُلُّهَا مُجْتَمِعَةً عَلَى ٱلْبَابِ. 34فَشَفَى كَثِيرِينَ كَانُوا مَرْضَى بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَخْرَجَ شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَلَمْ يَدَعِ ٱلشَّيَاطِينَ يَتَكَلَّمُونَ لأَنَّهُمْ عَرَفُوهُ.

35وَفِي ٱلصُّبْحِ بَاكِراً جِدّاً قَامَ وَخَرَجَ وَمَضَى إِلَى مَوْضِعٍ خَلاءٍ، وَكَانَ يُصَلِّي هُنَاكَ، 36فَتَبِعَهُ سِمْعَانُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ. 37وَلَمَّا وَجَدُوهُ قَالُوا لَهُ: «إِنَّ ٱلْجَمِيعَ يَطْلُبُونَكَ». 38فَقَالَ لَهُمْ: «لِنَذْهَبْ إِلَى ٱلْقُرَى ٱلْمُجَاوِرَةِ لأَكْرِزَ هُنَاكَ أَيْضاً، لأَنِّي لِهٰذَا خَرَجْتُ». 39فَكَانَ يَكْرِزُ فِي مَجَامِعِهِمْ فِي كُلِّ ٱلْجَلِيلِ وَيُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ.

كان الرسول بطرس متزوجاً لأن الزواج الطاهر ليس خطية لدى خدام المسيح. إنما على أتباع المسيح تسقط تجارب كثيرة وتشترك بيوتهم بهذه التجارب والهجومات. فإننا نحتاج يومياً إلى حماية المسيح وحضوره الدائم معنا.

مرضت حماة بطرس بالحمى مرضاً شديداً، ولكن المخلّص كان قريباً فاختبروا قدرته واثقين بعنايته. وعندما دخل يسوع بيت بطرس أمسك يد حماته وطرد المرض بسلطانه، لأن المسيح هو الطبيب الناجح والمخلّص الحقّ.

وظهرت نتيجة شفائه سريعاً، لأن المشفية قامت رأساً وخدمت ضيوفها بتواضع. هكذا كل مفديي المسيح يتحررون إلى خدمته. فالخدمة شعار المؤمنين. لأن ابن الله نفسه لم يأت ليُخدم بل ليَخدم ووضع نفسه فدية للكثيرين.

الضيقات في العالم كثيرة ومشعبة. ولكن هل نشعر بالضعفاء ونرثي للجياع، ونفكر في اليائسين ونخدم المرضى والكسحاء؟ هل قلوبنا متحجرة أم راحمة؟ إن المسيح هو المحبة حتى حمل أمراضنا وأسبابها: الخطية. فقد شعر الناس بحنانه ورأفته وقدرته وتراكضوا إليه. ليس اسم أهم في تاريخ البشر من اسم يسوع، لأنه الرب بالذات الشافي المخلص الطبيب لكل من يأتي إليه.

ومن محبة المسيح جرت قوى عظيمة إلى المؤمنين به. ولكن في شفاءاته كان يكمن دائماً الصراع بين الله والشيطان. وكانت سلطة الشياطين قد عرفته وخافته، ولكن أطاعته وخرجت بأمره. ما أروع سلطان ابن الله في كلمته. وقد منع الأرواح الشريرة من إعلان قداسته وقدرته لأنه لم يرد كسب البشر بواسطة شهادة جهنم أبداً.

ولم يبق المسيح عند الصباح كسولاً مضطجعاً في الفراش رغم أنه تعب من أثقال اليوم الماضي. بل قام باكراً وذهب إلى البرية ليختلي مع أبيه. أدرك هذا السر أن ابن الله يصلي ويتكلم مع أبيه عن كل الذين خدمهم. ولأجل هذه الصلوات حلت قوة السماء المتجددة في جسده الضعيف. فثبت ينبوع النعمة الفاضلة للجميع. أأنت خادم الرب؟ وهل أنت واقف في الجهاد الروحي ضد أرواح شريرة؟ فستكون باطلاً جهادك إن لم تصلّ باستمرار وأمانة. قم من فراشك ولا تتكاسل. صلّ كما صلّى ابن الله، وصلاة في الروح أفضل من النوم. عندئذ تحصل على دعوة الله وهداه وبركاته العديدة وتدرك ماذا يريد الرب أن يعمل بواسطتك اليوم. إنه يرسلك إلى التبشير المتواضع والشهادة الفعالة في بلدتك ومحيطك. لأنك وجدت في الإنجيل قوة الله بالذات. فاشهد لمن يريد السمع وصور أمامهم بكلماتك سيرة المسيح وماذا فعل بك. فتخرج الشياطين من المستعبدين، لأن روح الله يكافح ويطرد روح الشيطان بواسطة شهادتك.

الصلاة: أيها المسيح أنت ابن الله المالك والغالب والشافي والمخلص. وسلطات الظلمة تفهم أن ملكوتك قد أتى. فنصلي: لتكن مشيئتك المخلصة اليوم كما تملك في السماء كذلك في بيوتنا. دربنا للصلاة المستمرة والشهادة القوية. واحفظنا في حماية دمك على الدوام. وامنح الخلاص والشفاء لأصدقائنا ليتغيروا الى صورتك. آمين.

السؤال: 15 - ما هي الصورة التي رسمها البشير مرقس للمسيح في إنجيله؟

5 - يسوع يشفي أبرص (الأصحاح 1: 40-45)

40فَأَتَى إِلَيْهِ أَبْرَصُ يَطْلُبُ إِلَيْهِ جَاثِياً وَقَائِلاً لَهُ: «إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي!» 41فَتَحَنَّنَ يَسُوعُ وَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ وَقَالَ لَهُ: «أُرِيدُ، فَٱطْهُرْ». 42فَلِلْوَقْتِ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ ذَهَبَ عَنْهُ ٱلْبَرَصُ وَطَهَرَ. 43فَٱنْتَهَرَهُ وَأَرْسَلَهُ لِلْوَقْتِ، 44وَقَالَ لَهُ: «ٱنْظُرْ، لا تَقُلْ لأَحَدٍ شَيْئاً، بَلِ ٱذْهَبْ أَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِنِ وَقَدِّمْ عَنْ تَطْهِيرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُمْ». 45وَأَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وَٱبْتَدَأَ يُنَادِي كَثِيراً وَيُذِيعُ ٱلْخَبَرَ، حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَدِينَةً ظَاهِراً، بَلْ كَانَ خَارِجاً فِي مَوَاضِعَ خَالِيَةٍ، وَكَانُوا يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ.

في زمن المسيح اعتبر المجتمع مرض البرص قصاصاً من الله لخطية كبيرة مكتومة. فطردوا المصاب بهذا المرض محتقراً مشتوماً مطروداً. فشعر المعذب بالجسد والنفس أن غضب الله يثقل عليه ثقيلاً.

سمع أحد هؤلاء اليائسين عن لطف المسيح وقدرته، فركض إليه من بعيد، وجثا أمامه مؤمناً بأن يسوع هو الرب المقتدر لشفائه في الجسد من البرص وفي النفس من غضب الله. وسلم نفسه بلا قيد ولا شرط إلى عناية هذه المخلّص الرحيم.

وقد أبصر يسوع في قلبه الجوع إلى المحبة والخلاص والشفاء. ولم يطرد المسيح خاطئاً آتياً إليه بتوبة وإيمان، لأن المسيح قد أتى إلى عالمنا لينقض أعمال إبليس ويبني ملكوت الله. وشعر يسوع مع المسكين بضيقه حتى أنه لمس جلده الفاسد، لكي يلاحظ السر الكبير: ابن الله يحبني، ويشفيني ويخلصني. هو القريب الوحيد لي.

ونطق المسيح بعدئذ بكلمة فريدة معلناً إرادة الله مبدئياً: «أريد فاطهر».

هل أدركت في هذه العبارة مشيئة الله الشاملة؟ أن القدوس «يريد» أن يخلّصك أنت وجميع الناس، ويبارككم ويشفيكم ويملأكم بحياته الأبدية. أن الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون.

هل تنسجم إرادتك مع مسرة الله؟ أن المسيح مستعد أن يخلصك خلاصاً أبدياً تاماً. فتعال إليه واجثُ أمامه، طالباً الشفاء والخلاص في كلمات صلواتك واضحاً.

والمسيح يطهرك. وابن الله يسامحك. والرحيم يقدس ذهنك. و القدوس يملأ شعورك الباطني بمحبته الطاهرة. فيستنير عقلك، وتلمع عيناك فرحأً لأن المسيح أصبح نور حياتك. إنه شمس برنا وتعزية اليائسين.

ولم يرد المسيح أن يرسل المشفي إلى ضجيج البشر، بل أرسله إلى الهدوء أمام وجه الله لكي يفكر، ويشكر، ويسبح، ويدرك من وراء شفائه. أن في المسيح يسوع حلّ كل ملء اللاهوت جسدياً.

وأرسله يسوع إلى الكهنة كذلك لكي يظهر أمام رؤساء الدين مشفياً، ليدركوا هم أيضاً اقتراب ملكوت الله إليهم. وتقديم ذبيحة الأبرص كانت شهادة على أخبار اليهود في الهيكل أن ابن الله حلّ بينهم عاملاً شافياً مخلصاً.

ولكن الرجل المعافى نسي لشدة فرحه أوامر المسيح، ولم يذهب إلى الهدوء ولا إلا تأمل الصلاة، بل أذاع في كل الكورة ما حدث في جسده. فتراكضت الجماهير إلى يسوع وازدحموا حوله ليشفيهم. أما هو فلم يقصد شفاء الأجسام فقط بل أراد قيادة القلوب إلى التغيير الذهني وإلى التجديد الأبدي، لأن كل إنسان مريض في فؤاده والخطية تفسد عامة صورة الله إلى وجوهنا وقلوبنا وحياتنا كلها.

الصلاة: أيها الرب يسوع نسجد لك، لأنك القادر على كل شيء. وقد شفيت الأبرص بكلمة سلطانك. وتريد اليوم شفاءنا من خطايانا والاستكبار والأمراض أيضاً. أخلق فينا الإرادة والثقة المنسجمة لإرادتك ومحبتك، لنعظم قوتك في أجسامنا، لنختبر شفاء تاماً وخلاصاً حقاً من كل نجاستنا. آمين.

السؤال: 16 - ما هي إرادة الله الشاملة؟

الجزء الثالث اصطدامات يسوع مع فقهاء الدين وفرقة الناموسيين (الأصحاح 2: 1-3: 6)

1 - شفاء المفلوج وغفران خطاياه (الأصحاح 2: 1-12)

1ثُمَّ دَخَلَ كَفْرِنَاحُومَ أَيْضاً بَعْدَ أَيَّامٍ، فَسُمِعَ أَنَّهُ فِي بَيْتٍ. 2وَلِلْوَقْتِ ٱجْتَمَعَ كَثِيرُونَ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يَسَعُ وَلا مَا حَوْلَ ٱلْبَابِ. فَكَانَ يُخَاطِبُهُمْ بِٱلْكَلِمَةِ. 3وَجَاءُوا إِلَيْهِ مُقَدِّمِينَ مَفْلُوجاً يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةٌ. 4وَإِذْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَجْلِ ٱلْجَمْعِ، كَشَفُوا ٱلسَّقْفَ حَيْثُ كَانَ. وَبَعْدَ مَا نَقَبُوهُ دَلَّوُا ٱلسَّرِيرَ ٱلَّذِي كَانَ ٱلْمَفْلُوجُ مُضْطَجِعاً عَلَيْهِ. 5فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ إِيمَانَهُمْ، قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: «يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ». 6وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: 7 «لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هٰذَا هٰكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إِلاّ ٱللّٰهُ وَحْدَهُ؟» 8فَلِلْوَقْتِ شَعَرَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُمْ يُفَكِّرُونَ هٰكَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهٰذَا فِي قُلُوبِكُمْ؟ 9أَيُّمَا أَيْسَرُ: أَنْ يُقَالَ لِلْمَفْلُوجِ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ، أَمْ أَنْ يُقَالَ: قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱمْشِ؟ 10وَلٰكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لاِبْنِ ٱلإِنْسَانِ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ ٱلْخَطَايَا». قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: 11 «لَكَ أَقُولُ قُمْ وَٱحْمِلْ سَرِيرَكَ وَٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ». 12فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ ٱلسَّرِيرَ وَخَرَجَ قُدَّامَ ٱلْكُلِّ، حَتَّى بُهِتَ ٱلْجَمِيعُ وَمَجَّدُوا ٱللّٰهَ قَائِلِينَ: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هٰذَا قَطُّ!».

حيثما تنبع قوة الله ظاهرة، يجتمع الناس جمهوراً لأن البشر يعطشون إلى قوة الخالق المنعشة الوالدة حياة وسط الموت. وقد بشر المسيح بالإنجيل في سلطان أبيه. فامتلأت البيوت ووقف الناس في الأزقة ليسمعوه.

وعاش مفلوج معذب منذ سنين طويلة في كفرناحوم. ولم يقدر أن يمشي على قدميه إلى المسيح. فأخبره أهله عن المخلّص وكلماته اللطيفة وقوته العجيبة، فاشتاق هذا المعذب وآمن بقدرة المسيح، وطلب من أصدقائه الأربعة أن يحملوه إلى يسوع. ما أجمل هذا الموكب، إذ يحمل الأصدقاء صديقهم المحتاج إلى المخلص. وهل أنت أيضاً حامل في صلاتك إنساناً متضايقاً إلى المعين العظيم؟

وعندما لم يستطيعوا التقدم إلى يسوع لتجمع الجماهير حوله، فتحوا كوة كبيرة في السقف المصنوع من قصب وطين وقش، وهو فهم قصد الأصدقاء وإيمانهم المشترك، وأحب جرأتهم فقال للمريض بسلطان إلهي: «يا بني مغفورة لك خطاياك».

سقطت هذه الكلمة سقوط الصاعقة على الجماهير. ودخلت قلب السقيم الذي انتظر الشفاء من ضيقه الجسدي. لكنه حصل بدلاً من ذلك على غفران خطاياه. ولربما شعر وفهم أن سبب كل الأمراض والضيقات وحتى الموت ليس إلا فساد البشر وذنبهم. فحرره المسيح من القيود الموروثة البشرية وسماه ابنه، لأن كل من يؤمن بالمسيح يصبح ابناً لله. فهل أدركت غفران المسيح لخطاياك؟ تعال إليه لأنه لا ينتهرك ولا يرفضك إن تتقدم إليه بإيمان، بل يخلصك فوراً.

لكن الأتقياء المتعصبين من بين الجماهير اغتاظوا وارتعبوا مفتكرين في قلبوهم: «قد جدف ليس أحد يستطيع غفران الخطايا إلا الله وحده».

ولكن المسيح المتفحص القلوب وعارف الأفكار بكتهم وأراهم أنه إله سرمدي، خالق وفاد ومعز، ويحق له أن يغفر في كل حين. فأمر المفلوج بالقيام ليحمل فراشه وينطلق. ولم يطلب من المسكين مسبقاً صلوات كثيرة وتوبة مع الاعتراف، بل نطق في عظمته قائلاً: «أنا أقول لك قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك».

فمن هو المتكلم بصيغة «أنا»؟ إنه الرب بالذات القائل: «أنا الرب إلهك. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي». وقد تكلم عدة مرات أثناء مكوثه معنا في الدنيا هذه الكلمة: «أنا هو نور العالم». «أنا هو خبز الحياة». «أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي». وفي ساعة القبض عليه عندما سألوه عن اسمه جاوبهم: «إني أنا هو». ليدرك الجميع أن في جسده كان الله حاضراً بينهم.

فمن يحب يسوع يدرك جوهره. لكن من يحب نفسه ويتزمت بدين الشريعة والاعتماد على الذات يبقى أعمى في أعين قلبه. وأكثر من هذا يكره الآتي من السماء إلينا ويرفض محبة القدير.

الصلاة: أيها الرب يسوع. نسجد لك، لأنك أنت إله حق من إله حق، وغفرت لنا آثامنا. وفككت قيود أنفسنا. ونبتهج فرحا لأنك أنت المخلص من كل الضيقات ونبتهل إليك لتخلص أصدقاءنا. ونحملهم معاً إليك في صلواتنا. يا رب ارحمنا وارحم كل طالب الغفران اليوم. آمين.

السؤال: 17 - كيف بيَّن يسوع سلطانه لغفران الخطايا؟

2 - دعوة لاوي العشار إلى اتباع يسوع ( الأصحاح 2: 13-17)

13ثُمَّ خَرَجَ أَيْضاً إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَأَتَى إِلَيْهِ كُلُّ ٱلْجَمْعِ فَعَلَّمَهُمْ. 14وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى لاوِيَ بْنَ حَلْفَى جَالِساً عِنْدَ مَكَانِ ٱلْجِبَايَةِ، فَقَالَ لَهُ: «ٱتْبَعْنِي». فَقَامَ وَتَبِعَهُ. 15وَفِيمَا هُوَ مُتَّكِئٌ فِي بَيْتِهِ كَانَ كَثِيرُونَ مِنَ ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ يَتَّكِئُونَ مَعَ يَسُوعَ وَتَلامِيذِهِ، لأَنَّهُمْ كَانُوا كَثِيرِينَ وَتَبِعُوهُ. 16وَأَمَّا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ فَلَمَّا رَأَوْهُ يَأْكُلُ مَعَ ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ، قَالُوا لِتَلامِيذِهِ: «مَا بَالُهُ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ ٱلْعَشَّارِينَ وَٱلْخُطَاةِ؟» 17فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ: «لا يَحْتَاجُ ٱلأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ ٱلْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى ٱلتَّوْبَةِ».

أحب المسيح الخطاة التائبين المشتاقين إلى الحق أكثر من المتدينين المتوهمين ببرهم الذاتي الأجوف وغير المدركين أنهم فاشلون أمام الله القدوس. أما كل مؤمن حق، فيعرف تماماً حالة قلبه النجس، لأن روح الله يعلن لنا فسادنا جلياً وعدم قدرة الإنسان لإصلاح نفسه بذاته.

أيها الأخ، أنت أمام الله مذنب، وشرير من بطن أمك ومنذ حداثتك. فتعال إلى يسوع المحبة المتجسدة الممتلئ طهارة وحقاً. وفي ضوء وجهه السامي تدرك ظلمة قلبك، وأمام رحمته تظهر أنانيتك.

أحب يسوع التائبين مهما كانت خطاياهم متراكمة، ومن أي طبقة في المجتمع أتو إليه، فلا يخرجهم خارجاً. وهكذا أنت فلا يخرجك خارجاً بل يقبلك كما عانق الأب الابن الضال عند رجوعه إلى البيت.

كان العشارون في ذلك الوقت موظفين من قبل السلطة الأجنبية الحاكمة لجمع الضرائب الفادحة من مواطنيهم. فأصبحوا أغنياء أيضاً بسبب اختلاساتهم وسرقاتهم وزيادة الضرائب. فكانوا لذلك مبغَضين ومحتَقرين من جميع الشعب، أكثر من أي طبقة أخرى في المجتمع.

ولكن حتى في صدر السارق يدق الضمير. وقلب المختلس ليس خال من الشوق إلى الله. ورأى يسوع الأفكار في قلب لاوي خال من الشوق إلى الله. فمنح له فرصة حياته داعياً إياه بكلمة واحدة: اتبعني فابن الله لا يهتم بالضرائب والكنوز، بل أصاب فؤاد العشار المحتقر ونقله «بكلمة واحدة» من عالم المادية إلى عالم الروح والمحبة والحق.

لم يتجاسر لاوي أن يتبع يسوع تلقائياً لأنه كان مرفوضاً من الجميع، لكنه كعشار عرف الناس، ووجد في الناصري شخصية تفوق جميع الشخصيات التي التقى بهم سابقاً. فاشتاق إلى شركته، ولكن استحى لأجل خداعته المعروفة. أما الرب المار أمامه فقرأ افكاره، وواجهه أمام موكب تلاميذه بالكلمة: «اتبعني» هذه الكلمة غنت فرصة التبرير للعشار، فتمسك بقول الرب فوراً، وترك كنوزه وحقوقه ومنصبه، وتجاسر على اتباع رب العالمين. علماً أن لاوي أدرك بالخبرة التي اكتسبها من مهنته أنه ليس عند يسوع أموال أو ضمان، بل محبة وقدرة سماوية.

وببهجته الفائقة تجاسر أن يدعو يسوع وتلاميذه إلى بيته وجمع زملاءه الأغنياء والفنانين والزناة، لا لكي يتظاهر أمامهم بالضيف الكبير بل ليعطي للمرفوضين من الأتقياء الفرصة للتوبة والخلاص.

إن مواجهة يسوع للسارق وجلوسه مع أناس من أدنى درجة في المجتمع. أعطت للناموسيين وفقهاء الدين في مدينة كفرناحوم فرصة للنميمة والكلام وراءه لأن تصرفات يسوع لم تطابق قالب قداستهم ونمط حياتهم. فحكموا على يسوع في قلوبهم ونبهوا تلاميذه، كأن يسوع لم يكن يعرف المرفوضين من المجتمع الذين جالسوه.

أما يسوع عارف القلوب فقد طعن كبرياء الأتقياء المزيفين، وبين لهم أن جميع الناس مرضى في أنفسهم. إلا أن البعض يعرفون هذه الحقيقة، بينما البعض الآخر يظن أنه صحيح وجيد وبار. ولكن هؤلاء الأتقياء ليسوا أمام الله بأفضل من كل الذين رفضوا. لأن كل من يخطئ في وصية واحدة، مدان كأنه أخطأ في الناموس كله. فلا فرق «لأن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله».

ماذا تظن عن نفسك؟ هل أنت صالح أو شرير؟ هل تعتبر نفسك أفضل من أقبح إنسان في حيك أو هل أدركت أن فيك تسكن الإمكانية لكل خطية لو لم تحفظم نعمة الرب من السقوط؟ وإن فكرت أنك صالح ومقبول، فلا يستطيع يسوع أن يساعدك. وعوده تحقّ للتائبين والمنكسري القلوب والصغار والمساكين بالروح وحدهم، هم المختارون إن تابوا وصحوا في حضوره.

تغيّر اسم لاوي بعدئذ إلى لقب متى. وفوضه جميع الرسل بعد موت المسيح وصعوده أن يجمع كلمات الرب ويدونها لأنه كعشار سابق، كان ماهراً في كتابة اللغات المختلفة. فلم يجمع بعدئذ مالاً وربحاً بل كلمة الله. وأغناها بغنى ربه، الذي يدعوك أيضاً قائلاً لك: «اتبعني».

الصلاة: أيها الرب المخلص، نشكرك لأنك لم تحتقر لاوي العشار، بل أصغيت الى صوت قلبه، وأمرته بالأمر الإلهي «اتبعني». يا رب، أنا لست بأفضل من لاوي وتعرف أفكاري وكلماتي وأعمالي السابقة. اغفر لي تكبري وأحلامي ونجاساتي وحبي للمال وحررني من الارتباطات بالمادة، ليس نفسي بل كل زملائي المشتاقين إلى كلمتك المقدسة. شكراً لمحبتك وصبرك معنا. آمين.

السؤال: 18 - ماذا يعني جلوس يسوع مع العشارين والخطاة؟

آية للحفظ:

«لا يَحْتَاجُ ٱلأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ ٱلْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى ٱلتَّوْبَةِ» (مرقس 2: 17).

3 - البحث حول الصوم (الأصحاح 2: 18-22)

18وَكَانَ تَلامِيذُ يُوحَنَّا وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ يَصُومُونَ، فَجَاءُوا وَقَالُوا لَهُ: «لِمَاذَا يَصُومُ تَلامِيذُ يُوحَنَّا وَٱلْفَرِّيسِيِّينَ، وَأَمَّا تَلامِيذُكَ فَلا يَصُومُونَ؟» 19فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو ٱلْعُرْسِ أَنْ يَصُومُوا وَٱلْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ مَا دَامَ ٱلْعَرِيسُ مَعَهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا. 20وَلٰكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ ٱلْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ. 21لَيْسَ أَحَدٌ يَخِيطُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْبٍ عَتِيقٍ، وَإِلاّ فَٱلْمِلْءُ ٱلْجَدِيدُ يَأْخُذُ مِنَ ٱلْعَتِيقِ فَيَصِيرُ ٱلْخَرْقُ أَرْدَأَ. 22وَلَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ عَتِيقَةٍ، لِئَلاّ تَشُقَّ ٱلْخَمْرُ ٱلْجَدِيدَةُ ٱلزِّقَاقَ، فَٱلْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَٱلزِّقَاقُ تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْراً جَدِيدَةً فِي زِقَاقٍ جَدِيدَةٍ».

الإنسان المتدين يعتبر الصوم وسيلة ليربح نعمة الله باجتهاده وليؤثر على القدوس ليتسجيب له. وحقاً ليس من السهل أن يصوم الإنسان يوماً كاملاً إذ أن المعدة تتقلص من الجوع والشفتان تجفان من العطش.

أما المسيح، فلم يعلم تلاميذه مرارة الصوم، بل الفرح والابتهاج في حضوره. قد جرب أتباعه سابقاً عند يوحنا المعمدان أن يغلبوا خطاياهم بالصوم والتوبة، فأخفقوا. ولكن المسيح شفى نفوسهم المتعبة بفيض محبته.

قد تمسك الفريسيون، الفرقة المتعصبة للدين، بالحرف دون الروح وعزموا بإرادة حديدية أن يشنئوا برهم الذاتي بأعمالهم الناموسية. ولم يدركوا أن الإنسان الصائم هو شرير في ذاته وأن الصوم لا يغير طبيعة الإنسان البتة.

لقد منح يسوع للمؤمنين به خلقاً جديداً وطهرهم بدمه وأحياهم في قوة روحه. وهكذا غلب التقاليد والطقوس، وأوجد الحرية من الناموس مع ضبط النفس في قوة روحه. فلا حاجة لأتباعه ليلفتوا انتباه الله إليهم بواسطة الصوم والصلاة. لأن القدوس جاء في ابنه تلقائياً إلى البشر، كأن العريس يأخذ عروسه المستعدة للقائه. فمنذ مجيء المسيح إلى العالم، نعيش في فرح العرس لأن الله يتحد مع المؤمنين روحياً، كما أن الإيمان بالمسيح يعني عهداً جديداً.

الابتهاج والسرور هو شعار الكنيسة وليس الصوم والبكاء. من يتبع المسيح يتبرر، والله يستجيب لنا لأجل شفاعة المسيح وليس لأجل أعمالنا الناقصة. فمن يحاول أن يربح النعيم بواسطة التبرعات والصيام، يسقط حتماً إلى الجحيم. لأنه لا يزال عائشاً على أساس الإيمان بقدرة ذاته. ويحاول بحفظ الناموس إرضاء الله باطلاً.

أما المسيح فحررنا من عبودية الشريعة إلى مسرة الله الذي حل بروحه في قلوبنا بالنعمة مجاناً وليس في سبيل المكافآة التجارية. نحن في حالة عرس لأن يسوع يسمينا بني العرس.

وأدرك المسيح مستقبل كنيسته عالماً أن أتباعه لن ينسجموا مع الناموس. فإنجيله يشبه الخمر الحديثة المختمرة في قوته. فالقوالب القديمة من الناموس والعبادات الحزينة الكئيبة لا تنسجم مع فرح المتحررين. لذلك تحتاج القوة الجديدة إلى طرق جديدة في الاجتماع والعبادة. ومنها تراتيل الحمد المشتركة أو الخدمات الخيرية في أوقات الضيق والشدائد والصلوات المشتركة في حلقات البيوت ومحبة الأعداء في كل حين. إن روح المسيح وفرح الرب ينشئ قوالب جديدة للروح الجديد.

الصلاة: أيها المسيح، نشكرك لأنك دعوتنا إلى عرسك، وطهرتنا بدمك الثمين، وتقدسنا بروحك القوي. املأنا بشكر مسرتك وعلمنا الإيمان في قوتك، لكيلا نسلك مكتئبين حزانى، بل نعكس بهاء حضورك معنا في كل حين. آمين.

السؤال: 19 - لماذا لم يصُم تلاميذ يسوع؟

4 - الجدال حول تقديس السبت (الأصحاح 2: 23-28)

23وَٱجْتَازَ فِي ٱلسَّبْتِ بَيْنَ ٱلزُّرُوعِ، فَٱبْتَدَأَ تَلامِيذُهُ يَقْطِفُونَ ٱلسَّنَابِلَ وَهُمْ سَائِرُونَ. 24فَقَالَ لَهُ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ: «ٱنْظُرْ. لِمَاذَا يَفْعَلُونَ فِي ٱلسَّبْتِ مَا لا يَحِلُّ؟» 25فَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ مَا فَعَلَهُ دَاوُدُ حِينَ ٱحْتَاجَ وَجَاعَ هُوَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ، 26كَيْفَ دَخَلَ بَيْتَ ٱللّٰهِ فِي أَيَّامِ أَبِيَاثَارَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، وَأَكَلَ خُبْزَ ٱلتَّقْدِمَةِ ٱلَّذِي لا يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاّ لِلْكَهَنَةِ، وَأَعْطَى ٱلَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَيْضاً؟» 27ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: «ٱلسَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ ٱلإِنْسَانِ، لا ٱلإِنْسَانُ لأَجْلِ ٱلسَّبْتِ. 28إِذاً ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ ٱلسَّبْتِ أَيْضاً».

كل إنسان في العهد القديم كان مستحق الموت إن لم يحفظ وصية السبت بدقة هامة، لأن هذا اليوم كان مقدساً للرب ومفروزاً للعبادة. وكان مفروضاً على الأمة كلها الامتناع عن مزاولة عمل ما والخلود إلى الراحة. فالسبت كان أحد رموز العهد القديم وبه اشتركت الأمة في راحة الله.

وقد حفظ المسيح بذاته السبت بمعناه الأصلي الروحي وأكمله. فارتاح يوم السبت في القبر وقام يوم الأحد من بين الأموات.

ولكن الفريسيين جعلوا من السبت قانوناً جامداً خالياً من المحبة، حتى أصبح الناس سجناء هذا اليوم وعبيداً للنوافل التي يُفترض أن تكون هي خادمة لهم.

وهكذا منع المتزمتون إضاءة النور في السبت، لأنه أشبه بإشعال النار، ذلك العمل المحرم الممنوع في السبت. فلا يأكلون يوم السبت أكلاً مطبوخاً أو مسخناً، ولا يعملون أي عمل ولو كان بسيطاً. وحسب المتعصبون فرك السنابل أيضاً ولو بالتسلية عملاً محرماً وخطية في ذلك اليوم.

أما يسوع فأراهم في علمه الشرعي وحكمته العميقة أن الإنسان غير مخلوق لأجل حفظ النواميس والأحكام، بل بالعكس أنشئ الناموس مع أحكامه لخدمة الناس ومساعدة لهم. وهكذا دخل داود إلى قدس بيت الله وأكل مع زملائه الخبزات المكرسة لله التي يحق للكهنة فقط أكلها. وذلك لكي لا يموت داود وزملاؤه جوعاً لأن الإنسان أهم من الطقوس. ولم يقاصص الله داود لأجل هذا التجاوز بل أثبت إيمانه ببركات عديدة.

وهكذا وضح الرب يسوع أن حفظ السبت أو أيام أخرى لا يخلص الناس، بل الإيمان بلطف الله وحده. فمن يظن أنه يربح النعمي بحفظ الوصايا، يقع تحت اللعنة. ولم يدرك بعد نفسه الملوثة، ولا محبة الله الشاملة.

وهكذا لم يأمر المسيح أبناء العهد الجديد أن يقدسوا أياماً أو أوقاتاً معينة، بل أن يقدسوا أنفسهم رأساً، لتصبح سيرتهم مع أيامهم كلها مقدسة. فالمسيحيون الحقيقيون يعيشون جميع أيام حياتهم في فرح حضور الرب الذي يقدسهم وهكذا كل ساعة بل كل لحظة. ويجعل بقاءهم في الدنيا عيداً واحداً رغم المشقات العديدة.

لقد حررنا المسيح من الناموس القديم مطلقاً. لكنه وضع في داخلنا ناموساً جديداً مبادئ الروح القدس عربوناً لمملكته الأبدية. التي لا يوجد فيها أيام وأوقات وأزمنة، بل الراحة والفرصة والحمد أمام الرب.

وبما أن المسيح سمى نفسه رب السبت فأظهر ذاته المشرع الإلهي الذي له الحق والقدرة أن يفسر الناموس بطرق جديدة. وبالاحرى أن يضع أنظمة جديدة في سلطانه الأزلي. فلم يبطل المسيح السبت، بل أكمله بمحبته. وجعل بحلول روحه في المؤمنين كل أيام الأسبوع سبوتاً، ومنح لنا راحة القلوب بتبريرنا المجاني.

وهذا الروح أرشد آباء المسيحية ألا يجتمعوا يوم السبت فيما بعد، لأنه نقلهم من عبودية الناموس لحرية أولاد الله في العهد الجديد. فاختاروا يوم قيامة المسيح كيوم معيّن للاجتماعات ولممارسة العشاء الرباني رمزاً للعصر الجديد والغلبة على الموت وحلول المسيح فيهم. فليس السؤال لنا: هل نقدس يوم السبت أم الأحد؟ بل: هل أنت قديس حر مخلوق من الروح جديداً، أو لا تزال عبداً للناموس والخطايا؟

الصلاة: أيها الآب، نشكرك لأن ابنك حررنا من الروح الناموسي الى الخليقة الجديدة ومحبتك السرمدية، ووضع عربون ملكوته في قلوبنا، ومنح لنا راحة القلب بنعمتك. ساعدنا لكيلا نرتد الى الروح الناموسي الخالي من المحبة، بل نمارس كل يوم أعمال لطفك. كما أنك أنت وابنك تعمل وتخلص في كل حين. آمين.

السؤال: 20 - لماذا اختلف يسوع مع اليهود على تقديس يوم السبت؟

5 - شفاء اليد اليابسة يوم السبت (الأصحاح 3: 1-6)

1ثُمَّ دَخَلَ أَيْضاً إِلَى ٱلْمَجْمَعِ، وَكَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يَدُهُ يَابِسَةٌ. 2فَصَارُوا يُرَاقِبُونَهُ: هَلْ يَشْفِيهِ فِي ٱلسَّبْتِ؟ لِكَيْ يَشْتَكُوا عَلَيْهِ. 3فَقَالَ لِلرَّجُلِ ٱلَّذِي لَهُ ٱلْيَدُ ٱلْيَابِسَةُ: «قُمْ فِي ٱلْوَسَطِ!» 4ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ يَحِلُّ فِي ٱلسَّبْتِ فِعْلُ ٱلْخَيْرِ أَوْ فِعْلُ ٱلشَّرِّ؟ تَخْلِيصُ نَفْسٍ أَوْ قَتْلٌ؟». فَسَكَتُوا. 5فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ، حَزِيناً عَلَى غِلاظَةِ قُلُوبِهِمْ، وَقَالَ لِلرَّجُلِ: «مُدَّ يَدَكَ». فَمَدَّهَا، فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَٱلأُخْرَى. 6فَخَرَجَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ لِلْوَقْتِ مَعَ ٱلْهِيرُودُسِيِّينَ وَتَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ.

كان الأتقياء في زمن يسوع معقدين في شبكة ناموسهم حتى لم يلاحظوا ضيقات إخوانهم من الناس ولم يطلبوا شفاءهم، بل حسبوا العمل اليدوي وكل أنواع الشفاءات، خطية يوم السبت.

ولم ينتبهوا أن يسوع شفى الجميع مجاناً برحمته، وأن كل خدمة في المحبة هي عبادة حقة. أما هم فظنوا أن إتمام الطقوس الناموسية تمهد الطريق لله. ولم يدركوا أن قلوبهم قد تقست رغم كل تقواهم. فامتلأوا حقداً ضد المفكرين بأفكار مختلفة عنهم. وأصبحوا أمواتاً روحياً في تعصبهم التقويّ.

وهكذا تم الالتقاء المدهش: الأتقياء وليس الكفار راقبوا بحقد ابن محبة الله ليشتكوا عليه ويسلموه إلى المحكمة الدينية. قد فقدوا الشعور بمحبة الله وروحه كان بعيداً عنهم، حتى وهم في وسط العبادة. وأما العشارون والخطاة فلاحظوا حضور الله في المسيح وتابوا وشفوا.

ويسوع أحب أعداءه المتعصبين، كما أحب الرجل ذات اليد اليابسة. وهكذا أعلن محبة الله علانية وأوقف المعذب في وسطهم وأصاب مراقبيه في صميمهم.

لم يحرّم يسوع العقل البشري والمنطق العام. لكنه لم يعتبره قوة مستقلة تقدر بدون وحي الله أن تدرك أسرار الله في الدنيا والآخرة. فغلب يسوع أعداءه بمنطق محبته، وأسكتهم بالتفكير البسيط الموجود في كل إنسان عادي.

إن عمل الخير خير وعمل الشر شرير. فكل من يعرف أن يعمل حسناً ولا يفعل فهذا له خطية. ومن يترك إنساناً في ضيقة ويمر منه بلا مبالاة فيشبه قاتلاً.

فالمساعدة الأولى للإنسان الجريح بعض المرات مهمة كالتبشير أو أهم منه. لا تستطيع أن تبشر أحداً ومعدته تصرخ. أو دمه يسيل من جروحه. فاعطه أولاً خبزاً وماء وضماداً. فالمحبة تحكم على الجميع وترشدك إلى اللازم.

ويسوع الحبيب غضب لأجل العمى الروحي في أتقياء زمنه. فمحبة الله لا تمنع حصول غضبه القدوس أيضاً الذي هو هيجان عميق في قلبه إن لم ينسجم الناس بروحه. ولكن لم يُبد يسوع المرائين بل حزن على حالة قلوبهم إذ ظنوا أنهم أبرار وكانوا أمواتاً في استكبارهم وتقواهم الباردة. ومحبة الله لا تنقضّ رأساً على جميع فجور الناس، لأنه صبور، إنما عدالة قداسته تتطلب القصاص الكامل لكل خطية. ما أطول صبر الله الذي يؤخر غضبه على ضعفنا. ويمنحنا وقتاً لتغيير الفكر، وتنفيذ محبته. وهكذا شفى المريض ويده اليابسة بكلمة قدرته وأمر إليه رمزاً لسلطانه وآية دينونة على الذين يرفضونه.

لم يرد الفريسيون تغيير الفكر ولم يفتحوا قالب شعورهم لمحبة المسيح، بل حمقوا في أذهانهم واجتمعوا فوراً بعد العبادة، وأشركوا أعضاء من شرطة الملك هيرودس لتيآمروا معاً كيف يهلكوا مؤسس العهد الجديد. ولم يقصدوا موته الجسدي فحسب، منذ أوائل أيام خدمته، بل قصدوا أيضاً محو تعليمه وتسليمه كمضل ليسقط إلى الجحيم والهلاك الأبدي. فناموسهم أصبح إلههم. فعزموا أن يضحوا بابن الله لناموسهم. روح الشيطان لم يقدر أن يسقط يسوع في البرية إلى تجربة ما فأراد في ضعفه أن يبيده بواسطة الأتقياء المزيفين الملبوسين.

ولكن طوبى لخدام الرب لأن ليس أحد يستطيع أن يسقط شعرة واحدة من رؤسهم ما دام الرب قد منحهم فرصة للخدمة.

قد عرف يسوع تأمرهم ولم يهرب. بل استمر في خدمته في سبيل محبته، محروساً في عناية أبيه الذي أعلن اسمه للعالم.

الصلاة: أيها الرب القدوس، نسجد لك لأنك لم تخف من أعدائك بل دخلت الى وسط مبغضيك ولم تقتلهم في غيظك، بل منحتهم في صبرك آية محبتك. علمنا صبرك لنقدم الرحمة للجميع، ليس بكلماتنا فحسب بل أيضاً بأعمال تعبنا. لكيلا نتمسك بطقوس وأحكام الناموس بل نسرع ونساعد المحتاجين. امنحنا قلباً واسعاً وعقلاً حكيماً لكي نطيع إرشاد روحك القدوس، ونقدم خلاصك للجميع ما دام الوقت. آمين.

السؤال: 21 - لِماذا غضب يسوع وحزن على الأتقياء المتزمتين؟

المسابقة الأولى لإنجيل مرقس

أيها القارئ العزيز. إن تعمقت معنا في الجزء الأول حتى الثالث من انجيل مرقس وتفسيره، كسبت كنزا أبديا وبنفس الوقت تستطيع الجواب على الأسئلة التالية بسهولة.

  1. من هو مرقس، ومع أي الرسل تعاون؟

  2. من هو مصدر انجيل مرقس؟

  3. إلى من كتب إنجيله، وفي أي زمن؟

  4. ما معنى كلمة «الإنجيل»؟

  5. ما هو معنة اسم «يسوع»؟

  6. ما هي أهم المعاني في لقب «المسيح»؟

  7. ما هي المبادئ الرئيسية لعبارة «ابن الله»؟

  8. لماذا افتتح البشير مرقس انجيله بهذه الكلمات؟

  9. ما هو مضمون وهدف رسالة يوحنا المعمدان؟

  10. كيف ظهر الثالوث الأقدس؟

  11. لماذا قاد الروح القدس المسيح أولاً الى البرية ليجرب من إبليس؟

  12. ما هو معنى العبارة «ملكوت الله»؟

  13. ماذا تعني دعوة يسوع: هلم ورائي فأجعلكما تصيران «صيادي الناس»؟

  14. كيف حرر يسوع الملبوس، وكيف يحرر المتأثرين بالأرواح النجسة اليوم؟

  15. أية صورة عن المسيح رسم البشير مرقس أمامك في انجيله؟

  16. ما هي إرادة الله الشاملة؟

  17. كيف بين يسوع سلطانه لغفران الخطايا؟

  18. ماذا يعني جلوس يسوع مع العشارين والخطاة؟

  19. لماذا لم يصم تلاميذ يسوع؟

  20. لماذا ارتكز الخلاف بين يسوع واليهود على تقديس يوم السبت؟

  21. لم غضب يسوع وحزن على الأتقياء المتزمتين؟

إن جاوبت على 18 من هذه الأسئلة الأحد والعشرين بصواب. نرسل لك أحد كتبنا جائزة لاجتهادك. ولا تنس كتابة عنوانك كاملاً وبوضوح على أوراق هذه المسابقة.

الجزء الرابع آيات يسوع الكبرى في الجليل وجواره ( الأصحاح 3: 7-8: 26)

1 - تراكض الجماهير (الأصحاح 3: 7-12)

7فَٱنْصَرَفَ يَسُوعُ مَعَ تَلامِيذِهِ إِلَى ٱلْبَحْرِ، وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ ٱلْجَلِيلِ وَمِنَ ٱلْيَهُودِيَّةِ 8وَمِنْ أُورُشَلِيمَ وَمِنْ أَدُومِيَّةَ وَمِنْ عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ. وَٱلَّذِينَ حَوْلَ صُورَ وَصَيْدَاءَ، جَمْعٌ كَثِيرٌ، إِذْ سَمِعُوا كَمْ صَنَعَ أَتَوْا إِلَيْهِ. 9فَقَالَ لِتَلامِيذِهِ أَنْ تُلازِمَهُ سَفِينَةٌ صَغِيرَةٌ لِسَبَبِ ٱلْجَمْعِ، كَيْ لا يَزْحَمُوهُ، 10لأَنَّهُ كَانَ قَدْ شَفَى كَثِيرِينَ، حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهِ لِيَلْمِسَهُ كُلُّ مَنْ فِيهِ دَاءٌ. 11وَٱلأَرْوَاحُ ٱلنَّجِسَةُ حِينَمَا نَظَرَتْهُ خَرَّتْ لَهُ وَصَرَخَتْ قَائِلَةً: «إِنَّكَ أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ!» 12وَأَوْصَاهُمْ كَثِيراً أَنْ لا يُظْهِرُوهُ.

قد انصرف المسيح عن الأتقياء السطحيين وترك المرائين المتعصبين. لكن جماهير الشعب البسطاء تبعوه أفواجاً. وأتوا من منطقة الجليل الجبلية، ومن اليهودية منبع الناموسية. ومن نفس العاصمة أورشليم محور الطقوس في الهيكل حيث مركز المجمع الأعلى الذي ابتدأ ينتبه بحرص على الشاب الناصري والجماهير المتراكضة إليه. وجاء أفراد من الجنوب البعيد في بلاد الأدوميين المحتقرين الذين نُسب إليهم عائلة الملك هيرودس الغريب للأمة اليهودية. وأتوا من لبنان التجار الدوليين، ليختبروا قوة الله المتجسدة في يسوع، وأهل منطقة الأردن لم يتأخروا ليسمعوا كلماته اللطيفة ويُشفوا من أمراضهم الأليمة. فجاؤا إليه من كل اتجاه وأصبحت حركته دولية. وكثيرون حاولوا أن يلمسوه لأنه قد جرت من جسده قوة الله. وتكاثرت الجماهير وتزاحمت حوله. فركب زورقاً وابتعد قليلاً عن الشاطئ الذي غصّ بالجماهير، وابتدأ يبشرهم من السفينة التي كانت دائماً مُعدة ليركبها لأنه لم يوجد دار أو ساحة تجمع العدد الكبير الذي اجتمع حوله.

فارتجفت جهنم وتزلزلت لأن الشيطان قد أُجبر ليرى كيف ينزع المسيح المعذبين والأسرى من بين يديه. وكذلك ملائكة الشيطان عرفوا المسيح في جوهره مسبقاً وسجدوا أمامه مرتعبين معترفين: «أنت ابن الله».

لم يوضحوا سبب وغاية معرفتهم، بل سلطان المسيح رماهم إلى الغبار وقداسته دانت نجاساتهم. ومنع المسيح الأصوات الجهنمية من الكلام. لأنه أراد إنشاء إيمان البشر على محبة لطفه وليس على ارتعاب من قداسته. فجهنم أدركت ما لم يرد الأتقياء أن يؤمنوا به. فعرف الشرير حقيقة يسوع أوضح فأوضح، وجنّد المتعصبين بالدين ضده، ليبيدوا ابن الله باسم التقوى والدين.

الصلاة: أيها الرب، أنت المحبة ولقد شفيت كل من تقدم اليك بشوق وثقة. وهكذا نلتجئ الى جودك. ونلتمس النعمة من محبتك لأجل عائلاتنا وأمتنا كلها. لأنه بدونك نتعذب من البغضة والأرواح النجسة. احفظنا خاصة من التعصب الديني حتى نحب أعداءنا ولا نرفض أحداً، بل نخدم الجميع كما احتملت أنت الأمرّين بصبرك الفائق. آمين.

السؤال: 1 - من أي مناطق تراكضت الجماهير الى يسوع؟

2 - دعوة الرسل الاثني عشر (الأصحاح 3: 13-19)

13ثُمَّ صَعِدَ إِلَى ٱلْجَبَلِ وَدَعَا ٱلَّذِينَ أَرَادَهُمْ فَذَهَبُوا إِلَيْهِ. 14وَأَقَامَ ٱثْنَيْ عَشَرَ لِيَكُونُوا مَعَهُ، وَلْيُرْسِلَهُمْ لِيَكْرِزُوا، 15وَيَكُونَ لَهُمْ سُلْطَانٌ عَلَى شِفَاءِ ٱلأَمْرَاضِ وَإِخْرَاجِ ٱلشَّيَاطِينِ. 16وَجَعَلَ لِسِمْعَانَ ٱسْمَ بُطْرُسَ. 17وَيَعْقُوبَ بْنَ زَبْدِي وَيُوحَنَّا أَخَا يَعْقُوبَ، وَجَعَلَ لَهُمَا ٱسْمَ بُوَانَرْجِسَ (أَيِ ٱبْنَيِ ٱلرَّعْدِ). 18وَأَنْدَرَاوُسَ، وَفِيلُبُّسَ، وَبَرْثُولَمَاوُسَ، وَمَتَّى، وَتُومَا، وَيَعْقُوبَ بْنَ حَلْفَى، وَتَدَّاوُسَ، وَسِمْعَانَ ٱلْقَانَوِيَّ، 19وَيَهُوذَا ٱلإِسْخَرْيُوطِيَّ ٱلَّذِي أَسْلَمَهُ. ثُمَّ أَتَوْا إِلَى بَيْتٍ.

دعا يسوع الجميع إلى التوبة وفتح الطريق إلى الله أمام كل إنسان كما أنه غفر خطايا البشر على الصليب نهائياً.

ولكن يا للعجب قليلون فقط يسمعونه ويفهمون غرض الله لهم. والنخبة القليلة تتقدم إلى المخلص لتنال منه خلاصه المبين. حسب الظاهر تبع كثيرون يسوع. ويسمون أنفسهم «مسيحيين». ولكن قليلين مولودون ثانية، ويمارسون حياة التواضع وفرح المسيح في سيرتهم.

عرف يسوع القلوب والخلايا الموروثة في الإنسان ومستقبل كل فرد. فاختار من جماهير أتباعه أفراداً ودعاهم إليه لكي يدربهم ويرسلهم ليحملوا إنجيله إلى العالم. فالتبشير ونشر بشرى الخلاص من امتيازات كل مسيحي. ولكن أيها القارئ العزيز، لا تبدر لنفسك خدمة الله كوظيفة، بل انتظر دعوة ربك. لن تستطيع غلبة حيل الشيطان بقوتك الذاتية. فقط من يعينه الرب ليضحي بحياته ويحتمل آلاماً من أجل اسمه فهذا يدعة للخدمة كل الوقت في مكلوته حسب خطته الأزلية.

ورسل المسيح يشبهون السعاة الذين يقدمون بشرى الخلاص لجميع الناس. فلا يتفلسفون عن المسيح، ولا يدافعون عن إيمانهم بمجادلات. بل يعرضون خلاص الله في المسيح مجاناً للجميع. من يسمع يسمع ومن يقبل يقبل ومن يقسي نفسه ويضع ذاته فوق ابن الله يهلك نفسه بنفسه.

ولم يفوض يسوع تلاميذه المختارين لأداء كلماته فقط، بل منح لهم قوة ليغلبوا النواميس الفارغة ويجردوا الفلسفات الميتة، ويخرجوا الأرواح النجسة، ليظهر جلياً أن ملكوت الله آتٍ الآن. فرئيس هذا العالم يُطرد، ليس بالعلم والمال والذكاء بل بكرازة الإنجيل البسيطة وإعلان المصلوب الحي الذي هو قوة الله المخلصة للذين يؤمنون به.

واختار يسوع اثني عشر رسولاً ليكونوا حوله دائماً رمزاً لإرادته أن يرعى الشعب كله بقبائله الاثني عشر. والعدد 12 يتركب من 3 4. ويدل 3 على الثالوث الأقدس و4 على نواحي الجهات الأربع حتى يعني 12 المزج الكامل بين الله والبشر.

من يتعمق في أسماء الرسل الاثني عشر يتعجب من جمعهم. الأغلب أن 4 أو 6 منهم كانوا صيادي السمك المتعودين للعمل اليدوي المتعب. و3 منهم من بيت صيدا عند مصب الأردن في بحيرة طبرية. وعرف التلاميذ الستة الأُول بعضهم بعضاً لأنهم تابوا وتتلمذوا عند يوحنا المعمدان. فالرب لم يَدعُ رسله من جميع أسباط ومراكز التقوى، بل النصف الأول من محيط قرية الصيادين الصغيرة.

واختص الثلاثة الأول منهم بالدائرة الداخلية، ورافقوا يسوع في كل حين. سمعان الذي سماه يسوع بطرس الصخرة كان ربماحسب العمر من الكاب في الحلقة، والأغلب أنه كان الأقوى بالنسبة للعضلات والمتكلم السريع كالبركان والأكثر جرأة من الآخرين. ولكن ليس دائماً حكيماً ذكياً بل مستقيماً وعاطفياً مستعداً للتوبة والإيمان. فتمسكه الفوري وقبوله للإعلان الإلهي ببساطة أوجد فيه الشهادة الشعارية عن المسيح، التي أصبحت أساس الكنيسة. فبعد صعود يسوع إلى السماء كان هو المقدام بين الرسل والأول من الذين في نفس المستوى.

يعقوب أخو يوحنا اشترك معه في اسم «ابني الرعد» لأجل غيرتهما الملتهبة لشرف المسيح، لأنهما طلبا منه السلطان لينزلا النار من السماء على السامريين الذين منعوا الرب وحاشيته من المرور والضيافة.

وأما يسوع فجبل من الفتى يوحنا رجل محبة الله الذي أدرك جوهر يسوع في عمقه. فبينما دون البشراء الآخرون عجائب يسوع وكلامه وأعماله، أدرك يوحنا يسوع بالذات موضحاً جلاله.

وبعد صعود ابن الله أصبح يوحنا أحد الأعمدة الثلاثة الأصلية في القدس، وانتقل بعد موت بطرس وبولس وبعد هدم أورشليم إلىأفسس وقام برعاية الكنيسة المركزية هناك، حيث منح الرب يسوع له في المنفى الرؤيا عن نهاية العالم ومجيئه الثاني.

ولم نعرف كثيراً عن يعقوب بن زبدي إلا أنه كان من شهود العيان الثلاثة لتجلي الرب واكتئابه في بستان جثسيماني، كما أنه شهد إقامة ابنة يايرس بيد يسوع. فأصبح هو الأول من حلقة الاثني عشر، الذي قُتل شهيداً سنة 44 ب. م. على يد هيرودس أغريباس ليفرح اليهود.

إذاً نخبة التلاميذ هم بطرس ويعقوب ويوحنا. والحلقة الثانية حولهم مؤلفة من أندراوس وفيلبس ونثنائيل.

أندراوس هو أخو بطرس. وقد قاد بطرس إلى يسوع، واعترف أولاً أن يسوع هو المسيح (يوحنا 1: 41).

وفيلبس أصله من بيت صيدا مدينة بطرس وأندراوس وهو رجل مستقيم مبشر مخطط اقتصادي لا يقصد إلا الهدف (يوحنا 1: 43 و45، 6: 5، 12: 20، 14: 8 أعمال الرسل 1: 13).

نثنائيل كان طالباً للحق نقّاداً (واسمه بعض المرات برثولماوس) وقد رآه يسوع أثناء اعتراف صلواته تحت التينة، وشهد له أنه عضو مثالي لأمته. وهو سمى يسوع قبل الجميع ابن الله وملك إسرائيل (يوحنا 1: 46-49، 21: 2).

حول هؤلاء التلاميذ الستة كانت حلقة خارجية متضمنة التلاميذ الباقين: متى وتوما ويعقوب الثاني وتداوس وسمعان الآخر ويهوذا الاسخريوطي.

فليس لدينا أخبار كثيرة عن البشير متى، لأنه محا من أصل كل الأناجيل ذكره، ما عدا دعوته كعشار مرفوض من المجتمع ورتبته السابعة في جداول الرسل. فهو شبيه يوحنا لم يرد إظهار نفسه بجانب شخصية يسوع الفائقة. مع العلم أنه مع بولس ويوحنا ولوقا من أكبر الكتاب المسيحيين في كل حين. وقدم لنا في إنجيله خبراً أساسياً شاملاً مبدئياً عن يسوع. فاختفاؤه يخبرنا عن شخصيته الكبيرة الهامة البارزة (متى 9: 9-11، مرقس 2: 14، لوقا 5: 28).

توما الشكاك المتشائم هو رمز للإنسان الحديث المؤمن بالحقيقة المكشوفة الذي لا يؤمن بدون البرهان في يده. فأصبح توما قدوة لكثير من العلماء الأوروبيين وطالبي الله الذين يطلبون الحق من تلقاء أنفسهم، ولا يجدونه غالباً (يوحنا 11: 16، 14: 5، 20: 24-29).

وبعد متى توما يأتي في جدول أسماء الرسل الثلاثة أسماء تقريباً غير معروفين لدينا، إلا أن سمعان الغيور اختص قبلاً بحركة سياسية دينية، بقصد بنيان ملكوت الله بالعنف والغضب. وأما يسوع فدعاه وعلمه وغيره فتبعه في سبيل الوداعة متواضعاً.

وقد دعا يسوع أيضاً يهوذا الاسخريوطي وهو اليهودي الوحيد بين التلاميذ الاثني عشر. جميع الآخرين كانوا من الجليل. ولكن يهوذا كان سراقاً محباً للمال، راغباً في السلطة بأي ثمن. فتقسى في قرب المسيح أكثر فأكثر حتى حلّ الشيطان فيه، وتراءى قديساً وقلبه حاقد. فخان الله في الجسد. وليس هو فقط بل أكثرية التلاميذ انتظروا من يسوع مسيحاً سياسياً. ولكنهم تغيّروا في تصوراتهم وقبلوا أن يسوع يجبل أخلاقهم، ما عدا يهوذا العاصي. فعندما كشف يسوع نياته خانه انتقاماً وبغضة. ولكن يا للعجب، في فزعه عند إدراك نهاية يسوع قدم شهادته العظيمة كالرسل عن براءة يسوع قبل انتحاره. مع العلم أن يسوع حاول إرشاده عند العشاء الرباني الأخير بلطف وشدة. ولم يلعنه عندما قبّله بل سماه يا صاحب.

كل من يدرس أخلاق الرسل الاثني عشر، يشعر أن يسوع دعا إليه أناساً مختلفين كل الاختلاف. ولا بد من وجود مشاكل كثيرة في شركتهم والتكبر والاستكبار كان بنيهم معروفاً. إنما روح يسوع غيّر تفيكر الجميع، إلا واحداً. وجعلهم حملاناً في محبة الروح القدس، الذي تبعوا طريقة حمل الله إلى المنتهى.

الصلاة: أيها الرب يسوع، أنت ملكنا. وقد دعوت رسلك بثقابة النظر وبصيرة حكيمة، لينشروا ملكوت لطفك باسمك. اغفر لنا ذنوبنا وكبرياءنا، لكيلا نمنعك أن تدعونا الى اتباعك. حررنا من الطموح الى الشرف والسلطة والشهرة. وخاصة من محبة المال، لكي لا نخونك بل نحبك ونبذل حياتنا لك ذبيحة حية مرضية أمامك. آمين.

السؤال: 2 - من هم التلاميذ الاثني عشر، وما هي ميزة كل واحد؟

3 - يسوع يدافع عن اتهامه ببعلزبول (الأصحاح 3: 20-30)

20فَٱجْتَمَعَ أَيْضاً جَمْعٌ حَتَّى لَمْ يَقْدِرُوا وَلا عَلَى أَكْلِ خُبْزٍ. 21وَلَمَّا سَمِعَ أَقْرِبَاؤُهُ خَرَجُوا لِيُمْسِكُوهُ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: «إِنَّهُ مُخْتَلٌّ!». 22وَأَمَّا ٱلْكَتَبَةُ ٱلَّذِينَ نَزَلُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ فَقَالُوا: «إِنَّ مَعَهُ بَعْلَزَبُولَ، وَإِنَّهُ بِرَئِيسِ ٱلشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ ٱلشَّيَاطِينَ». 23فَدَعَاهُمْ وَقَالَ لَهُمْ بِأَمْثَالٍ: «كَيْفَ يَقْدِرُ شَيْطَانٌ أَنْ يُخْرِجَ شَيْطَاناً؟ 24وَإِنِ ٱنْقَسَمَتْ مَملَكَةٌ عَلَى ذَاتِهَا لا تَقْدِرُ تِلْكَ ٱلْمَمْلَكَةُ أَنْ تَثْبُتَ. 25وَإِنِ ٱنْقَسَمَ بَيْتٌ عَلَى ذَاتِهِ لا يَقْدِرُ ذٰلِكَ ٱلْبَيْتُ أَنْ يَثْبُتَ. 26وَإِنْ قَامَ ٱلشَّيْطَانُ عَلَى ذَاتِهِ وَٱنْقَسَمَ لا يَقْدِرُ أَنْ يَثبُتَ، بَلْ يَكُونُ لَهُ ٱنْقِضَاءٌ. 27لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ قَوِيٍّ وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ، إِنْ لَمْ يَرْبِطِ ٱلْقَوِيَّ أَوَّلاً، وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ. 28اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ جَمِيعَ ٱلْخطَايَا تُغْفَرُ لِبَنِي ٱلْبَشَرِ، وَٱلتَّجَادِيفَ ٱلَّتِي يُجَدِّفُونَهَا. 29وَلٰكِنْ مَنْ جَدَّفَ عَلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى ٱلأَبَدِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيَّةً». 30لأَنَّهُمْ قَالُوا: «إِنَّ مَعَهُ رُوحاً نَجِساً».

نظم روح جهنم جيوشه الكثيرة ضد المسيح. فأتى المتضلعون في التوراة والشريعة من أورشليم الباهية إلى جبال الشمال المختفرة، لينظروا إلى حركة يسوع النجار وينصبوا له فخاً، ويمسكوه بالخروج على الناموس، ويثبّتوا حسب الشريعة المتشعبة أنه مضل الأمة ومفتنها.

وفي هذه اللحظة بالذات أصبحت عشيرته والمقربون إليه مع تلاميذه في خطر كبير من أن يُرفَضوا جميعاً من الأمة ويُبادوا في العار.

لهذا السبب ابتدأت عشيرته بحمايته والدفاع عنه مدّعين بأنه مختل هذيان. وكانت هذه الحجة أسهل الطرق ليرفعوا المسؤولية عن كاهلهم ويحموه بنفس الوقت. وحاولوا أيضاً مراراً أن يمنعوه بشدة من الاستمرار في خدمته المخلصة. ولكنهم لم يقدروا أن صلوا إليه لازدحام الجماهير حوله طالبة الشفاء والاستماع إلى أقواله الحكيمة. وقال المختصون بالشريعة حاسدين: إنيسوع ليس بمختل كما زعم أقرباؤه، لكنه ملبوس بروح بعلزبول. واتهموه بذلك أمام الجماهير المزدحمة أن رئيس الأرواح بالذات الذي تحت يدي أبالسة بعدد ذباب الأرض، قد حل في يسوع. فسموا محبة الله المتجسدة بالشيطان. فبغضة جهنم أعمت أبصار المحافظين على التوراة. حتى أنهم لم يروا من الناموس إلا الأحرف. ولطف الله في يسوع لم يشعروا به قط.

وقد دافع المسيح عن نفسه أمام الشعب بالصواب وأوضح لهم جهالة الاتهام وشراسته بتفسيره عن مبادئ جهنم وسلطته المستترة. فجهنم هي روح شامل ودولة قوية، التي رغم ظهور انشقاقاتها ومضاداتها هي متحدة ومتعاونة لأجل غايتها المهلكة. فروح الشيطانالكاذب يسيطر على أتباعه ويربطهم لرفض الله ومسيحه.

أما يسوع فقد تقدم لوحده بدون ملائكته أو جيشه، إلى وسط دولة الظلمة. وجرد المجرب الذي لم يقدر أن يسقطه في خطيئة واحدة وينتزع الأسرى منه بكلمة قدرته. فالمسيح هو الغالب على الشيطان في كل حين. ويحررك بإنجيله من أنانيتك ونجاساتك إن أصغب إلى أقواله المحررة وقبلتها مطيعاً. فتصبح عضواً عاملاً في ملكوت الله.

ويل لهؤلاء الذين أدركوا محبة الله في المسيح مؤقتاً. ثم يرفضونه فيتقسون في قلوبهم ويجدفون أخيراً عليه. من يهمل الله وابنه بجهالة ويستهزئ به ويجدف عليه بدون معرفته الحقة، يمكنه أن يغفر له. أما الذي يعصي واعياً رحمة الله المعلنة له بختبارات روحية وتأثيرات قوية، فهذا يصبح نجساً في ذاته وشيطاناً أصلياً، ولن يجد غفراناً فيما بعد. فلا تتلاعب أبداً بمعرفة المسيح ولا تهمل اختبارات الروح القدس، بل تب حقاً، متغيراً في أخلاقك لكيلا تصبح خائناً مثل يهوذا، بل آمن بيسوع منسحقا، ومُت لأمنياتك الجسدية واستسلم لمحبة الملخص ما دام الوقت والفرصة متفوحة أمامك.

الصلاة: أيها الآب القدوس، نسجد لك لأنك خلصتنا من الدينونة بواسطة موت ابنك الحبيب. ثبتنا في محبته وحررنا من ميولنا الى الشرور لكيلا نصبح غنيمة للأرواح الشريرة، بل نمتلئ بروحك القدوس ونعظمك ونخدمك بعدم عصيان، متحررين من النجاسة. يا رب ارحم أمتنا لكيلا يرفضك أحد باستمرار ويسقط سقوطاً عظيماً. آمين.

السؤال: 3 - ما هو معنى وغاية تهمة الوفد القادم من أورشليم ضد المسيح؟

4 - أقرباء يسوع الحقيقيون (الأصحاح 3: 31-35)

31فَجَاءَتْ حِينَئِذٍ إِخْوَتُهُ وَأُمُّهُ وَوَقَفُوا خَارِجاً وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَدْعُونَهُ. 32وَكَانَ ٱلْجَمْعُ جَالِساً حَوْلَهُ، فَقَالُوا لَهُ: «هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ خَارِجاً يَطْلُبُونَكَ». 33فَأَجَابَهُمْ: مَنْ أُمِّي وَإِخْوَتِي؟ 34ثُمَّ نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى ٱلْجَالِسِينَ وَقَالَ: «هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي، 35لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ ٱللّٰهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي».

إن ملكوت الله يقسم العائلات والأصدقاء والمجتمعات لأن الروح القدس ينقل المؤمنين بالمسيح إلى عائلة الله الجديدة ويعطيهم أصدقاء جدداً في المحبة والطهارة وخدمة متعاونة حسب مشيئة الأب السماوي.

وقد سمعت أم يسوع بالخبر أن علماء الدين جاءوا من العاصمة إلى الجليل ليهلكوا ابنها الحبيب. فركضت مع إخوته ليلحوا على يسوع أن يترك دعوته ويرجع إلى عائلته التي فقدت معيلها يوسف منذ سنوات. ولما لم يقدروا أن يتقدموا إلى المسيح لازدحام الجماهير حوله أرسلوا بعض الأصدقاء إليه طالبين منه أن ينسحب من الجمع فوراً وأن يتفاهم معهم ودياً.

لكنّ المسيح الابن المطيع حسب الوصية الرابعة قد أطاع أباه السماوي أكثر من إطاعته لوالدته على الأرض. فأبرز جلياً ارتباطه بعائلة الله قبل انتسابه إلى أنسبائه في الجسد. هذا هو ناموس وعمل الروح القدس أن يثبتنا في محبة الله قبل كل شيء. أن العائلات الدنيوية تزول. أما من يعيش في شركة روح الرب فيثبت إلى الأبد. فمن هذا الذي يحظى بالانضمام إلى عائلة الآب السماوي؟ ليس أحد إلا العامل مشيئة الله. فما هي مشيئة الله؟ الإيمان بابنه يسوع المسيح الذي يخلصك ويغيّرك إلى محبته ويمنحك قوة إلهية لتنفذ مشيئة العلي. وعندئذ تترك فداء نفسك بنفسك وتتكل على قدرة روح الله وتسلك وديعاً وتصبح من صانعي السلام.

ما أعظم هذا الشرف والإكرام. إن يسوع يسميك أخاه أو أخته إن انتسبت إلى ملكوته حقاً. فابن الله يدعوك للقرابة. عندئذ تسمو على علاقاتك بأقربائك الدنيوية رويداً. وتتقوى في إرشاد الروح القدس وحكمته. أدخل إلى عائلة الله بالشكر والحمد.

الصلاة: أيها الله القدوس، لا نستحق أن نُدعى لك أبناء. ولكن ابنك الوحيد دعانا الى عائلتك لنتحد إخوة وأخوات له. قدسنا في كياننا، وطهرنا في شعورنا الباطني، لنصبح قديسين بلا لوم قدامك كما أن المسيح هو قدوس. لننفذ محبتك ونتم مشيئتك كل يوم وننال القوة للسلوك بالاستقامة والعفة. ساعدنا خاصة في علاقتنا بعائلاتنا البشرية لنخدمها بحكمة وسلام. وإن لزم الأمر أفصلنا عنهم إن رفضوا اسمك القدوس. بل نفضل أنهم جميعا يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون واستجب صلواتنا لأجلهم فردا فردا. آمين.

السؤال: 4 - من هو أخ وأخت المسيح؟

5 - يسوع يعظ من السفينة الجماهير الجالسة على الشاطئ (اَلأَصْحَاحُ 4: 1-34)

أ - مثل الزارع والحقل بأربعة أنواعه (الأصحاح 4: 1-9)

1وَٱبْتَدَأَ أَيْضاً يُعَلِّمُ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ، فَٱجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ حَتَّى إِنَّهُ دَخَلَ ٱلسَّفِينَةَ وَجَلَسَ عَلَى ٱلْبَحْرِ، وَٱلْجَمْعُ كُلُّهُ كَانَ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ عَلَى ٱلأَرْضِ.

2فَكَانَ يُعَلِّمُهُمْ كَثِيراً بِأَمْثَالٍ. وَقَالَ لَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِ: 3 «ٱسْمَعُوا. هُوَذَا ٱلزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ، 4وَفِيمَا هُوَ يَزْرَعُ سَقَطَ بَعْضٌ عَلَى ٱلطَّرِيقِ، فَجَاءَتْ طُيُورُ ٱلسَّمَاءِ وَأَكَلتْهُ. 5وَسَقَطَ آخَرُ عَلَى مَكَانٍ مُحْجِرٍ، حَيْثُ لَمْ تَكُنْ لَهُ تُرْبَةٌ كَثِيرَة، فَنَبَتَ حَالاً إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُمْقُ أَرْضٍ. 6وَلٰكِنْ لَمَّا أَشْرَقَتِ ٱلشَّمْسُ ٱحْتَرَقَ، وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ جَفَّ. 7وَسقَطَ آخَرُ فِي ٱلشَّوْكِ، فَطَلَعَ ٱلشَّوْكُ وَخَنَقَهُ فَلَمْ يُعْطِ ثَمَراً. 8وَسَقَطَ آخَرُ فِي ٱلأَرْضِ ٱلْجَيِّدَةِ، فَأَعْطَى ثَمَراً يَصْعَدُ وَيَنْمُو، فَأَتَى وَاحِدٌ بِثَلاثِينَ وَآخَرُ بِسِتِّينَ وَآخَرُ بِمِئَةٍ». 9ثُمَ قَالَ لَهُمْ: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ!»

يكلمنا الله بابنه ويكشف لنا أسرار السماء والأرض. وخاصة بعدما أتى الوفد اليهودي من القدس إلى المسيح ليراقبه، لم يفسر مبادئ ملكوته بوضوح. بل بقصص وأمثال مخفية حتى يفكر المرء ويستخرج المعنى المقصود في تأمله. وفي هذا التفكير ينمو استعاده للحق. فحمى المسيح هكذا نفسه وأتباعه أيضاً من رجال الدين والشرطة لكيلا يقبضوا عليه بتهمة الإضلال والتهجم على الدين. فكرز المسيح بالحق كله ولكن بالحكمة والذكاء أيضاً حسب قوله: «كونوا حكماء كالحيّات وبسطاء كالحمام».

وفي مثل الزارع يظهر لنا يسوع نفسه ويشركنا في اختباراته بنسبة قبول كلمة الله لدى المستمعين. وهذا هو المبدأ في التبشير أنه ليس كل الناس يستمعون ويتجاوبون بنفس الطريقة. لتظهر أربعة أنواع من التأثير بكلمة الله بقلوب مختلفة.

هل رأيت مرة طريقاً معبّداً؟ فليس أحد يزرع عليه لأنه لا فائدة منه، إلا أن الله يقدم حتى لمتحجر القلب فرصة الخلاص. إنما كل الذين يعرضون أنفسهم على الدوام لتأثير اللهو أو التعصب الديني أو للدعاية الحزبية يتقسون ولا يسمعون ولو يصغون. أن أفكارهم مشغولة وقلوبهم مملؤة بالمبادئ والقوانين الجوفاء. فمع الوقت لا يقدرون أن يفكروا إلا حسب قوالب مذاهبهم المميتة. ولكلمة الطريق، نجد في لغتنا العربية مرادفات كثيرة في الحقل الديني تدلك على معان أكثر.

والسطحي متحمس أرعن يجاوب بسرعة دعوة المسيح. وبنفس السرعة التي يؤمن بها يرتد كذلك. لأن الإيمان العاطفي غير كاف في أيام الشدة بل يحتاج إلى تعمق وقوة للصبر والرحمة بواسطة انكسار القلب في عمق الباطن.

والمعذب بالفقر والهموم يشرب كلمة الله باشتهاء كتعزية أخيرة لمشاكله الدنيوية. ولكن إن لم ينكر نفسه ويرفض حب المال ولا يسلم لله أمره تماماً، فبازدياد الضيق وبعد كل مشاكله يكره الله ويجدف عليه. وإن لم يثبت في محبة الآب ويحمل حياته اللهية في نفسه ينس كلمة الله لأنه منشغل كلياً بذاته. أما التائب وهو منسحق في قلبه ولا يسارع إلى الله فخوراً بل خجلاً لذنوبه. ولا يشتاق إلى عون بشري أو أبهة في المجتمع بل يطلب غفراناً حقاً والغلبة على أخلاقه الفاسدة. فيمتلئ بالروح القدس ويتي بثمار هذا الروح كلها النابع من الاستماع إلى كلمة الله. ففي التائب يجد الرب التربة الخصبة لكلمته الفعالة.

الصلاة: أيها الرب، نعترف بخجل بأننا غير قادرين أن نسمع كلمتك كما يجب ولا نفهمها تماماً. اغفر لنا قساوة قلوبنا وسطحيتنا وانشغالنا بهمومنا. أهدنا الى التوبة النصوحة بروحك القدوس لتنشئ كلمتك كل الثمار الصالحة فينا. وساعدن خاصة لنطيع أوامرك لكيلا ننقص روحياً بل ننمو في نعمتك. آمين.

السؤال: 5 - ما هي الفئات الأربعة من الناس الذين يسمعون كلمة الله ويتصرفون بطرق مختلفة؟

ب - قاعدة النمو والاضمحلال الروحي (الأصحاح 4: 10-12)

10وَلَمَّا كَانَ وَحْدَهُ سَأَلَهُ ٱلَّذِينَ حَوْلَهُ مَعَ ٱلاثْنَيْ عَشَرَ عَنِ ٱلْمَثَلِ، 11فَقَالَ لَهُمْ: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا سِرَّ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ. وَأَمَّا ٱلَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ فَبِٱلأَمثَالِ يَكُونُ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ، 12لِكَيْ يُبْصِرُوا مُبْصِرِينَ وَلا يَنْظُرُوا، وَيَسْمَعُوا سَامِعِينَ وَلا يَفْهَمُوا، لِئَلاّ يَرْجِعُوا فَتُغْفَرَ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ».

لقد سمع تلاميذ المسيح كلمته ولكنهم لم يفهموها بالتمام. وهذه هي حالتنا أيضاً لأننا لسنا آلهة من طبيعتنا فلا نقدر أن نعرف ونستقصي كلمة الله بعقولنا البشرية. فعقلنا محدود وزانٍ روحياً بالأفكار والتيارات العالمية المتلألئة. فأصبح ذهنن غليظاً لسماع صوت الروح القدس ورسالته.

ولكن التلاميذ كانوا حكماء. فاعترفوا بجهالتهم ونقصانهم في المعرفة. وتقدموا إلى يسوع مصدر الحكمة وسألوه عن معنى وقوة وقصد كلمته.

تعال إلى المسيح في صلواتك المخفية واسأله عن معنى كلماته الكثيرة. ولا تقرأ الإنجيل باستكبار كأنك قادر أن تدرس شخص الله. بل صلّ متواضعاً لينيرك ويوضح لك مشيئته. واحفظ كلمته في نفسك لتأتي بثمر كثير.

وقد قال يسوع لتلاميذه السائلين: لكم الحق والإمكانية لسماع أسرار ملكوت الله. لأنكم عاشون في قرب ابن الله. فمحبته وطهارته ووقته مع سلطانه يفسر لكم كلمة الله بالعمق والوضوح. فمن يقترب من المسيح ويمكث معه يستنير ويستحق أن يرى مجد الله ويتغير إلى صورة الابن الحبيب.

ولكن من لا يثق بيسوع ولا يحبه يرفض الله بالذات، ويتقسى تلقائياً. وهذا الإنسان الذي كان سابقاً خارج رحاب المسيح واقترب منه، ولم يسلم نفسه له حقاً بل يبقى بعيداً يضمحل تدريجياً ويفقد إمكانية التوبة. ولا يقدر أخيراً أن يدخل مكلوت ربه فأناس من هذا النوع يسمعون كلمة الإنجيل بلغتهم الخاصة. ولكنها ترن في آذانهم كشفرة غريبة لا يفهمونها ولا يدخل روح الإنجيل أذهانهم.

ومع أن المسيح يتكلم أمامهم بصور وأمثلة. ويصدر الحق لأعينهم إلا أنهم لا يريدون أن يهتدوا. بل يحبون أنفسهم ويبغضون الله ولا يستغفرون حقاً.

هناك توجد قاعدة مرعبة للحياة الروحية. فكل من يقبل الحياة الإلهية ويلتصق بالمسيح ينمو وينال في إنكار نفسه زيادة البركة وخدمات ومعارف في ملكوت الله. ولكن كل من يغلق قلبه لكلمة الله الفعالة ويهملها يفقد البقية من حيوية ضميره ويخنقه وموت روحياً. فامتحن نفسك، هل تنمو روحياً أو تنقص؟

الصلاة: أيها الرب الحنون إله كل الحكمة، نعترف أمامك بغباوتنا وسطحيتنا في المعرفة ونقصاننا بالتوبة. افتح قلوبنا وأذهاننا وآذان قلوبنا لكلمتك وساعدنا لندرك طرق محبتك. وامنحنا القوة لإطاعة الإيمان في كل حين. ونشكرك لغفران الأبوي ولكلمات تنبيهك الينا. فلا تتركنا بل خلصنا أخيراً. آمين.

السؤال: 6 - ما هي القاعدة للنمو الروحي أو النقصان فيه؟

ج - تفسير يسوع لمثل الزارع والحقل بأنواعه الأربعة (الأصحاح 4: 13-20)

13ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «أَمَا تَعْلَمُونَ هٰذَا ٱلْمَثَلَ؟ فَكَيْفَ تَعْرِفُونَ جَمِيعَ ٱلأَمْثَالِ؟ 14اَلزَّارِعُ يَزْرَعُ ٱلْكَلِمَةَ. 15وَهٰؤُلاءِ هُمُ ٱلَّذِينَ عَلَى ٱلطَّرِيقِ: حَيْثُ تُزْرَعُ ٱلْكَلِمَةُ، وَحِيَمَا يَسْمَعُونَ يَأْتِي ٱلشَّيْطَانُ لِلْوَقْتِ وَيَنْزِعُ ٱلْكَلِمَةَ ٱلْمَزْرُوعَةَ فِي قُلُوبِهِمْ. 16وَهٰؤُلاءِ كَذٰلِكَ هُمُ ٱلَّذِينَ زُرِعُوا عَلَى ٱلأَمَاكِنِ ٱلْمُحْجِرَةِ: ٱلَّذِينَ حِينَمَا يَسْمَعُونَ ٱلْكَلِمَةَيَقْبَلُونَهَا لِلْوَقْتِ بِفَرَحٍ، 17وَلٰكِنْ لَيْسَ لَهُمْ أَصْلٌ فِي ذَوَاتِهِمْ، بَلْ هُمْ إِلَى حِينٍ. فَبَعْدَ ذٰلِكَ إِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ ٱضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ ٱلْكَلِمَةِ فَلِلْوَقْتِ يَعْثُرُونَ. 18وَهٰؤُلاءِ هُمُ ٱلَّذينَ زُرِعُوا بَيْنَ ٱلشَّوْكِ: هٰؤُلاءِ هُمُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ٱلْكَلِمَةَ، 19وَهُمُومُ هٰذَا ٱلْعَالَمِ وَغُرُورُ ٱلْغِنَى وَشَهَوَاتُ سَائِرِ ٱلأَشْيَاءِ تَدْخُلُ وَتَخْنُقُ ٱلْكَلِمَةَ فَتَصِيرُ بِلا ثَمَرٍ. 20وَهٰؤُلَءِ هُمُ ٱلَّذِينَ زُرِعُوا عَلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجَيِّدَةِ: ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ ٱلْكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا، وَيُثْمِرُونَ وَاحِدٌ ثَلاثِينَ وَآخَرُ سِتِّينَ وَآخَرُ مِئَةً».

مفعمة القوة هي كلمة المسيح، وتتضمن كل إمكانيات ملكوت الله. وكما ان حبة القمح تخرج النبتة كلها مع الساق والجذور والأوراق والسنبلة، مع قوة النمو وتدبير النضوج، هكذا توجد في كلمة الله القوة للطف والإيمان والفرح والسلام والتواضع والطهارة والخضوع ليسوع.

افتح نفسك دائماً وكاملاً لكلمة ربك فتمتلئ بثمار بره. لكن اعلم أن الشيطان يعمل المستحيل ليعيق نموك وتعمقك في هذه الكلمة الحية، فيأتي إليك بعد أن تقرأ الكتاب المقدس أو بعد خروجك من الاجتماعات، ويستدرجك إلى شهوات جمة ومغريات مثيرة ويسمعك الأخبار الهامة، فيخدرك بضجيج العاصمة والمدن الكبيرة. لذلك أهم وقت عند سماعك كلمة الله هو الدقائق العشر بعد خروجك من الاجتماع. فماذا أنت عامل يا ترى في هذه اللحظة؟ هل تصلي لتثبت الكلمة في نفسك؟ وهل تحركها في أحشاء قلبك، أو تنساها أمام الكلمات التافهة المرائية؟

أسطحي أنت أم متعمق في كلمة إلهك؟ كثير من المؤمنين يحبون المسيح بحماس، لكنهم لا يدخلون إلى عمق الحياة الأبدية. لأنهم لا يفكرون فعلاً بما يقرأون ولا يعملون بما يسمعون. ولا يستمرون في قراءة كلمة الله من أنفسهم. فمن لا يتعب ليستخرج كنز الإنجيل يبقى ضعيفاً ولا يجد القوة في زمن الاضطهاد والمرض ويسقط مهشماً. فلهذا اقرأ الكتاب المقدس بفرح لكيلا تنبت فيك معارضة.

ويل للمؤمن المحب للمال. لا يقدر أن يخدم ربه ويده ممسكة بالنقود طمعاً. فارفض اشتياقك للمعاش الكبير والمنصب الخطير والرفاهية الزائلة التي تحمل لك القيود الروحية والأغلال المميتة، واثبت في المسيح، فتغلب همومك بثقتك في محبته وتتحرر منشهواتك، وتمتنع عن اللهو وتخدم القدوس وحده. اختر ربك شعار حياتك ولا تصانع العالم بنفس الوقت.

الإنسان الواعي في الروح القدس يخشى الله ويعرف آثامه ويندم عليها ويتعترف بها بدون حيلة. فيريه الله عمق فساد قلبه ويفتح آخر أدراج ظلامه ويخلق بنوره الإلهي فيه قلباً جديداً ويجدد روحه في داخله حتى يصبر إنساناً مقبولاً عند الله. خليقةجديدة ممتلئة الجودة والصلاح حاملاً صورة المسيح في جسده. وهذا كله يتوقف على الاستماع الحق للإنجيل. فهل تقرأه بمواظبة ولذة وتحفظه بالشكر وتبشر به جهراً؟

من نال الخلاص حصل على فكر تخليص الآخرين. ومن يحاول إرشاد أصدقائه بالتواضع إلى المخلص ينمو معرفة وقوة. حرك كلمة الله في ذاتك وأبذرها بين الآخرين لأنه لا بركة إلا من الكتاب المقدس.

وبعض المرات يحرث الرب قلباً متحجراً بكوارث ومشاكل أليمة، لكي يتغير الصخر إلى أرض خصبة. أشكر ربك لكل مشاكلك لأنه يعدك لكلمته. خذ، واقرأ، وسلم إنجيل الخلاص لكثيرين فتأتي بثمر كثير.

الصلاة: يا رب الحصاد، نسجد لك، لأنك منحت في محبتك العظمى لكل الناس الفرصة للدخول الى ملكوتك. ومنحت لغليظي القلوب والسطحيين ومحبي المال والمتواضعين كلمتك سواسية. وجعلتهم مسئولين، منتظراً منهم الثمار الجيدة. اغفر لي قسوة قلبي والاهمال ومحبة المال. واحرث فؤادي، لكي أصبح أرضاً خصبة جيدة، وآتي بثمر كثير. آمين.

السؤال: 7 - كيف نحفظ كلمة الله؟

د - مبادئ التلمذة (الأصحاح 4: 21-25)

21ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «هَلْ يُؤْتَى بِسِرَاجٍ لِيُوضَعَ تَحْتَ ٱلْمِكْيَالِ أَوْ تَحْتَ ٱلسَّرِيرِ؟ أَلَيْسَ لِيُوضَعَ عَلَى ٱلْمَنَارَةِ؟ 22لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ خَفِيٌّ لا يُظْهَرُ، وَلا صَارَ مَكْتُوماً إِلاّ لِيُعْلنَ. 23إِنْ كَانَ لأَحَدٍ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ!» 24وَقَالَ لَهُمُ: «ٱنْظُرُوا مَا تَسْمَعُونَ! بِٱلْكَيْلِ ٱلَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلسَّامِعُونَ. 25لأَنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى،وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَٱلَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ».

إذا سمعت كلمة المسيح وفهمتها وآمنت بها فنفذها في سبيل النعمة وانقلها إلى الآخرين. لأنه إن كان إيمانك حياً، فلا يمكنك أن تخفيه. إن محبة الله وضعت في قلبك نوراً سماوياً. وكما أن المسيح هو نور العالم، فهكذا يجعلك نوراً لمحيطك غالباًالظلمات. هل تخشى الناس أو الآلام أو الموت أو الأبالسة؟ فالله معك وابنه ماكث فيك. فلا تخش شيئاً بل آمن واشهد بالمخلص الخالق فيك الفرح والحكمة والتواضع.

وكما أن الإيمان لا يخفى في الإنسان ولا يستتر على الدوام، هكذا تظهر الخطية في كل من لم يؤمن بالمسيح. من الإنسان الخاطئ تخرج كلمات رديئة حتى ولو أطبق لسانه زمناً. ولكن في لحظة غير متوقعة يظهر الروح الشرير من قلبه النجس، في كلمة غير طاهرة مبغضة. فكلامك يحكم عليك.

والممتلئ بالروح القدس يفيض محبة وطهارة وحقاً. فلا تستطيع أن تساير أولاد العالم دواماً كأنك غير مولود ثانية. فأما أن تفقد عربون الله فيك أو تشهد بخلاص المسيح بلا مواربة وسط أصدقائك.

وإيمانك ليس عقيدة محفوظة غيباً عن ظهر قلب، بل خدمة شاقة في شركة المسيح. الكسول والجبان يموتان روحياً. ولكن من يسمع كلمة معلمه يومياً ويطبقها في بحر اليوم ينمو في حياة الروح القدس ويمتنع عن كل معاشرة رديئة. ويهرب من النكت السخيفة وغمض عينيه عن الصور الخليعة. ارتكز في المسيح فيغنيك من فضله طيلة حياتك.

هل فهمت سر إحدى القواعد الرئيسية في علم النفس «إن كل ما يدخل فيك فهو يخرج منك»؟ فإن استمعت لكلمة الله تتكلمها، وإن استمعت للأمور السياسية تنطقها. وإن أصغيت إلى قصص نجسة، تصبح نجساً لا محالة. فاملأ قلبك بالإنجيل لتصير أنت كلمة الله المتجولة المقروءة من جميع الناس.

وسمّى يسوع البشر جيلاً ملتوياً فاسقاً لأن الأكثرية يعيشون بدون الله، أو يستغلونه زينة لحياتهم فقط. وعرف يسوع الروح النجس العامل في كل الناس. كل واحد حسب طبيعته أناني. ليس أحد صالحاً إلا الله. ولكن انتبه ولا تحتقر إنساناً ما لأجل مرفتك لشره. بل أدرك محبة الله المعلنة في المسيح الذي بذل نفسه لأجل هذا الجيل الملتوي الزاني، وهم قاتلوه عمداً فالله يحب الأشرار أيضاً ولا يدينهم. ولا يهلكهم فوراً بل يخلّص كل من يقبل الخلاص. فكم بالحري نحن الذين حسب طبيعتنا لسنا أفضل من جميع الناس. فلا ندين أحداً أو نرفضه بل نحبه ونشهد عن الخلاص أمامه ونصلي لأجله.

وكل من ينقل شهادة المسيح إلى الآخرين يزداد روحياً في خدمة الله وينال دوافع جديدة وقوى روحية وبركات سماوية وسروراً أبدياً ومحبة إلهية. الغني في الروح يصبح أغنى ويزداد غنى. ولكن البخيل في الشهادة والكسلان في الخدمة اليدوية يفقد حالته. فتكلم ولا تخرس لأن الله معك وهو ترسك ومكافأتك.

الصلاة: أيها الآب نشكرك لأنك دعوتنا الى الحياة الأبدية. اغفر لنا ضعفنا وخوفنا وتفاهتنا وسطحيتنا وقدنا الى التعمق في انجيلك لنمتلئ فرحاً ونتشجع، لنخبر أصدقاءنا بفضائلك. واحفظنا من الأرواح الرديئة، لنثبت في خدمة محبتك عل الدوام. آمين.

السؤال: 8 - لماذا لا يمكن إخفاء الإيمان على الدوام؟

هـ - مثل عن الزرع النامي بالهدوء (الأصحاح 4: 26-29)

26وَقَالَ: «هٰكَذَا مَلَكُوتُ ٱللّٰهِ: كَأَنَّ إِنْسَاناً يُلْقِي ٱلْبِذَارَ عَلَى ٱلأَرْضِ، 27وَيَنَامُ وَيَقُومُ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَٱلْبِذَارُ يَطْلُعُ وَيَنْمُو، وَهُوَ لا يَعْلَمُ كَيْفَ، 28لأَنَّ ٱلأَرْضَ مِنْ ذ َاتِهَا تَأْتِي بِثَمَرٍ. أَوَّلاً نَبَاتاً، ثُمَّ سُنْبُلاً، ثُمَّ قَمْحاً مَلآنَ فِي ٱلسُّنْبُلِ. 29وَأَمَّا مَتَى أَدْرَكَ ٱلثَّمَرُ فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُ ٱلْمِنْجَلَ لأَنَّ ٱلْحَصَادَ قَدْ حَضَرَ».

ملكوت الله قوة معلنة في الإنجيل. وكلمة ربنا أقوى من الديناميت والقنابل لأنها عاملة بالهدوء، كما تنمو حبة القمح في باطن الأرض غالبة الحجارة وكل الصعوبات. فادرس قوة الله الساكنة في الإنجيل لتتقوى وتعيش إلى الأبد.

وكما أن حبات القمح تُزرع في الحقل من يد الزارع، فهكذا كلمة الله تحتاج إلى معلن. وقد ألقى الرسل بعد المسيح كلمة ربهم إلى قلوب الناس. فهل أصبحت أنت أيضاً خلقة في سلسلة شهود المسيح الذين يضاعفون كلمة الحياة بنقلها للآخرين؟

كان المسيح بالذات حبة القمح السماوية الأولى. فمات لنعيش نحن. وبعد موته عملت قوته في ضعف الرسل، حتى آمن ألوف بوساطة كرازتهم. وبعد جيل من الزمن انتشرت بذور كلمة الله في حوض البحر المتوسط. واليوم أصبحت كل كرتنا الأرضية حقلاً لله. هل نت أيضاً حبة قمح في يد المسيح، ليلقيك كما يريد، قوة وغذاء روحياً للآخرين؟ هل تعيش لنفسك أو لأخيك الإنسان؟ حيثما تؤثر كلمتك الشاهدة مع سلوكك الطاهر في أصدقائك وحتى في أعدائك فهناك يكون المسيح قد زرعك في قلوب مستعدة. وهو يثبت كلمتك في أذانهم. وشهادتك عن المسيح تعمل تلقائياً. لأن فيها دوافع قوة الله. فلست أنت الذي تخلص الآخرين البتة، بل قوة الله في الإنجيل وحدها. قم وبشر بالإنجيل الكامل، عندئذ تطمئن وتتكل على ربك لأن قوته تبني ملكوتك ولست أنت.

عندئذ يبنمو في صديقك الإيمان مع المحبة والرجاء كما تعلمنا في مثل حبة القمح التي تنمو طبيعياً بجذورها وساقها وسنبلتها الثمنية. فكل قلب مفعم بالإنجيل ينمو بهدوء بطيئاً حسب قوانين ملكوت الله. فلا تطلب أولاً السنابل من المؤمنين الجدد لا السيقان الطويلة البارزة، بل تأنّ واطمئن وثق بقدرة الإنجيل التي تغلب كل خبث وشر في المستمعين إن آمنوا بربهم الحي.

الصلاة: آمين أيها الآب السماوي، لأنك منحت لنا حياتك الأزلية، وملأتنا بقوتك القديرة، لننشر كلمة ابنك الى العالم الجامد. اغفر لنا آثامنا وطهرنا الى سلوك مقدس لكي لا نصير مانعاً لإنجيلك، بل نخدم كثيرين من الذين ينمون لتمجيد اسمك القدوس. آمين.

السؤال: 9 - ما هو سر النمو في ملكوت الله؟

و - مثل حبة الخردل (الأصحاح 4: 30-34)

30وَقَالَ: «بِمَاذَا نُشَبِّهُ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ أَوْ بِأَيِّ مَثَلٍ نُمَثِّلُهُ؟ 31مِثْلُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ، مَتَى زُرِعَتْ فِي ٱلأَرْضِ فَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ ٱلْبُزُورِ ٱلَّتِي عَلَى ٱلأَرْضِ. 32وَلٰكِنْ مَتَى زُرِعَت تَطْلُعُ وَتَصِيرُ أَكْبَرَ جَمِيعِ ٱلْبُقُولِ، وَتَصْنَعُ أَغْصَاناً كَبِيرَةً، حَتَّى تَسْتَطِيعَ طُيُورُ ٱلسَّمَاءِ أَنْ تَتَآوَى تَحْتَ ظِلِّهَا». 33وَبِأَمْثَالٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ هٰذِهِ كَانَ يُكَلِّمُهُمْ حَسْبَمَا كَانُوا يَسْتطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا، 34وَبِدُونِ مَثَلٍ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ. وَأَمَّا عَلَى ٱنْفِرَادٍ فَكَانَ يُفَسِّرُ لِتَلامِيذِهِ كُلَّ شَيْءٍ.

إن ملكوت الله الروحي أعظم قوة في الدنيا والآخرة، لأن مشيئة القدوس تجري فيه. وتيار روحه ينبثق منه مباشرة خالقاً مدبراً منعشاً حياة جديدة في أوساط الموت مثلما حدث في بداية الخليقة. ولا تقدر أي قوة شريرة أن تقبل ملكوت الله، لأن هذه امملكة المؤلفة من حياة روحية أبدية غير مبنية على الطائرات والدبابات أو بيوت فانية أو بغض مهلك. إن الجو في هذا الملكوت هو الابتهاج وإنكار النفس والاستقامة في القوة الإلهية. فلا يوجد شيء في دنيانا أكثر جمالاً من حضور الله في قلوب الناس.

كان يسوع إنساناً عادياً ممتلئاً بروح الله. فهو بداية ملكوت الله على الأرض ولم يعتبر هو رجال السياسة والجنرالات المشهورين والفلاسفة الاذكياء مهمين. لأنهم يموتون جميعاً ولم يعرفوا المولود من الروح. فعندما صار الملك الإهلي في أيديهم أماتوا جسده بالإهانة. ولكن ملكوته الروحي انتشر بقوة هائلة. لأن روح المسيح لن يموت وهو سر وجوهر ملكوته.

وشبه مملكته بحبة الخردل التي تُزرع وهي صغيرة لا تكاد ترى. ثم تنمو بلا ضجة ولا ضوضاء وتستمر بالنمو القوي سابقة كل النباتات الأخرى. وتصبح شجرة متمكنة ضخمة حاملة أوراقاً وثماراً، ومتيحة لطيور السماء أن تتفيأ بظل أوراقها.

وتمتد فروع أغصان ملكوت الله اليوم إلى كل الشعوب مانحة كل الناس انفراجاً وعوناً وخلاصاً. فليس الأغصان والأوراق أي المؤمنون هم الذين يتمتعون ببركات هذه المملكة وحدهم، بل أيضاً مخلوقات أخرى من خارج هذه الدوحة الواسعة يستخرجون منها الون والثمار الطيبة. كما أن الحضارات والفلسفات والأحزاب المختلفة استفادت من المسيح وتأثرت بدوافعه دون أن تنقاد إليه حقاً. فهي لا تشبه الأغصان المتأصلة في الدوحة بل العصافير التي تنقل أوراقها بمناقيرها مؤقتاً فقط. فهل أنت تشبه الطير الذي تفيأ في ظل دوحة الله ثم يطير بعدئذ، أو صرت غصناً في هذه الدوحة الروحية، حاملاً ثمارها اللذيذة؟

الصلاة: ايها الآب، نشكرك لأنك غرست بستان محبتك في أرضنا الشريرة اليابسة. وغفرت لنا آثامنا وجعلتنا أغصاناً وارفة في هذا البستان العظيم. ثبتنا في ابنك، لكي نأتي اليوم بثمار روحه، ولا نشبه عصافير طالبة العون للحظة ثم نطير ونتركك. آمين.

السؤال: 10 - لماذا يعظم ملكوت الله على جميع المذاهب؟

6 - سلطان يسوع على العاصفة والأرواح والموت (الأصحاح 4: 35-43)

أ - إسكات العاصفة على بحيرة طبريا (الأصحاح 4: 35-41)

35وَقَالَ لَهُمْ فِي ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ لَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ: «لِنَجْتَزْ إِلَى ٱلْعَبْرِ». 36فَصَرَفُوا ٱلْجَمْعَ وَأَخَذُوهُ كَمَا كَانَ فِي ٱلسَّفِينَةِ. وَكَانَتْ مَعَهُ أَيْضاً سُفُنٌ أُخْرَى صَغِيرَةٌ. 37فَحَدَثَ نَوءُ رِيحٍ عَظِيمٌ، فَكَانَتِ ٱلأَمْوَاجُ تَضْرِبُ إِلَى ٱلسَّفِينَةِ حَتَّى صَارَتْ تَمْتَلِئُ. 38وَكَانَ هُوَ فِي ٱلْمُؤَخَّرِ عَلَى وِسَادَةٍ نَائِماً. فَأَيْقَظُوهُ وَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، أَمَا يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِك؟» 39فَقَامَ وَٱنْتَهَرَ ٱلرِّيحَ، وَقَالَ لِلْبَحْرِ: «ٱسْكُتْ. اِبْكَمْ». فَسَكَنَتِ ٱلرِّيحُ وَصَارَ هُدُوءٌ عَظِيمٌ. 40وَقَالَ لَهُمْ: «مَا بَالُكُمْ خَائِفِينَ هٰكَذَا؟ كَيْفَ لا إِيمَانَ لَكُمْ؟» 41فَخَافُوا خَوْفاً عَظِيمً، وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «مَنْ هُوَ هٰذَا؟ فَإِنَّ ٱلرِّيحَ أَيْضاً وَٱلْبَحْرَ يُطِيعَانِهِ!».

الشيطان يبغض المسيح ويعزم أن يبيد خاصته ويسقطها إلى هوة الارتعاب واليأس والكفر. فالكفاح بين ملكوت الله وعصابة الشيطان بلا رحمة. مع أننا نحب الناس جميعاً ودائماً وحقاً. ولكن لا يمكن التعاون بين الروح القدس وروح الشيطان لأن الروح الطاهر هو روح المسيح. وهذا أٰعلن بأنه قد جاء لينقض أعمال إبليس. لقد حاول الشيطان أن يبيد المسيح وتلاميذه بعاصفة هوجاء لما أبحروا في مركب وسط بحيرة طبريا وكان المسيح متعباً لكثرة شغله اليومي. فاستسلم للنوم دون خوف من الأضرار والاخطار المحدقة عالماً أن العواصف والزوابع لا تقدر أن تهلكه، لأنه محروس بين يدي أبيه الذي حماه في كل حين.

ولكن التلاميذ ما كانوا قد حصلوا آنئذ على قوة الروح ا لقدس. وما كان لديهم إلا خبرتهم كصيادين. وكان تكاثف الظلمات المهيجة لعواصف الطبيعة أعظم من اختباراتهم وفوق احتمالهم وكادت السفينة أن تغرق مع كل الركاب. ولما بلغ الخطر أشده أيقظوا يسوع من نومه العميق ولاموه بفزع، لأنه لم يبال بهم وتركهم لأنفسهم.

إنما المسيح عرف سبب العاصفة. فقام وأمر الروح الشرير في الهواء أن يصمت صمتاً. فإن كلمة واحدة من فم المسيح تخرس ضجيج جيش من الأبالسة. فالمسيح هو الرب على الهواء وعلى الأرض وعلى البحر وعلى الأرواح والموت والحياة. حيث يقف هو فلا بد أنيعم سكون مجد الله ويسيطر على كل الأشياء المنظورة وغير المنظورة.

الكنيسة تشبه السفينة التي يبحر عليها المسيح معنا وسط هيجان بحر هذا العالم مع عواصفه المهلكة. أمطمئن أنت مع جماهير المؤمنين أم تشخص إلى مخاوف وتجارب وسلطات وهجوماتها وكوارثها، أكثر مما تثق وتؤمن بحضور المسيح معك؟

وقال ابن الله لتلاميذه موبخاً قلوبهم: «ما بالكم خائفين هكذا. كيف لا إيمان لكم؟». قد أعطى لرسله سابقاً السلطان لكرازة الإنجيل وإخراج الأرواح النجسة وشفاء المرضى. لكنهم في التجربة فشلوا فشلاً كبيراً وصرخوا من الخوف. فعلينا أن نتعلم ننا جميعاً باطلون مطلقاً. وبدون المسيح فاشلون حقاً. إلا أن ارتباطنا بالمخلص بإيمان حي. عندئذ يثبت روحه فينا مع سكون عظيم خالقاً فينا رجاء يقيناً في كيان يسوع المسيح. وهو الكفيل للكنيسة ويحميها كحدقة عينه.

الصلاة: أيها الرب، دُفع إليك كل السلطان في السماء وعلى الأرض. اغفر لنا قلة إيماننا وهمومنا وأكاذيبنا، وثبتنا في اطمئنانك وراحتك، لكي تصمت بكلمتك التي في أفواهنا أرواح الأبالسة في العالم، وتصل كنيستك في حمايتك الى هدفها فلا سلطة في العالم أو جهنم قادرة أن تهلكنا لأنك أنت معنا الى انقضاء الدهر.

السؤال: 11 - لماذا ارتاح يسوع ونام وسط العاصفة؟ وماذا نتعلم من إسكات الهيجان المهلك؟

ب - شفاء يسوع للمجنون في بلاد الجدريين (اَلأَصْحَاحُ 5: 1-20)

1وَجَاءُوا إِلَى عَبْرِ ٱلْبَحْرِ إِلَى كُورَةِ ٱلْجَدَرِيِّينَ. 2وَلَمَّا خَرَجَ مِنَ ٱلسَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ ٱسْتَقْبَلَهُ مِنَ ٱلْقُبُورِ إِنْسَانٌ بِهِ رُوحٌ نَجِسٌ، 3كَانَ مَسْكَنُهُ فِي ٱلْقُبُورِ، وَلَمْ يَقْدِرْ أَحدٌ أَنْ يَرْبِطَهُ وَلا بِسَلاسِلَ، 4لأَنَّهُ قَدْ رُبِطَ كَثِيراً بِقُيُودٍ وَسَلاسِلَ فَقَطَّعَ ٱلسَّلاسِلَ وَكَسَّرَ ٱلْقُيُودَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ أَنْ يُذَلِّلَهُ. 5وَكَانَ دَائِماً لَيْلاً وَنَهَاراً فِي ٱلْجِبَالِ وَفي ٱلْقُبُورِ، يَصِيحُ وَيُجَرِّحُ نَفْسَهُ بِٱلْحِجَارَةِ. 6فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ مِنْ بَعِيدٍ رَكَضَ وَسَجَدَ لَهُ، 7وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «مَا لِي وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ ٱلْعَلِيِّ! أَسْتَحْلِفُكَ بِٱللّٰهِ أَن لا تُعَذِّبَنِي!» 8لأَنَّهُ قَالَ لَهُ: «ٱخْرُجْ مِنَ ٱلإِنْسَانِ يَا أَيُّهَا ٱلرُّوحُ ٱلنَّجِسُ». 9وَسَأَلَهُ: «مَا ٱسْمُكَ؟» فَأَجَابَ: «ٱسْمِي لَجِئُونُ، لأَنَّنَا كَثِيرُونَ». 10وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيراً أَنْ لا يُرسِلَهُمْ إِلَى خَارِجِ ٱلْكُورَةِ. 11وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ ٱلْجِبَالِ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ ٱلْخَنَازِيرِ يَرْعَى، 12فَطَلَبَ إِلَيْهِ كُلُّ ٱلشَّيَاطِينِ قَائِلِينَ: «أَرْسِلْنَا إِلَى ٱلْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا». 13فَأَذِنَلَهُمْ يَسُوعُ لِلْوَقْتِ. فَخَرَجَتِ ٱلأَرْوَاحُ ٱلنَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي ٱلْخَنَازِيرِ، فَٱنْدَفَعَ ٱلْقَطِيعُ مِنْ عَلَى ٱلْجُرْفِ إِلَى ٱلْبَحْرِ - وَكَانَ نَحْوَ أَلْفَيْنِ، فَٱخْتَنَقَ فِي ٱلْبَحْرِ. 14وَأَمَّا رُعَاةُ ٱلْخَنَازِيرِ فَهَرَبُوا وَأَخْبَرُوا فِي ٱلْمَدِينَةِ وَفِي ٱلضِّيَاعِ، فَخَرَجُوا لِيَرَوْا مَا جَرَى. 15وَجَاءُوا إِلَى يَسُوعَ فَنَظَرُوا ٱلْمَجْنُونَ ٱلَّذِي كَانَ فِيهِ ٱللَّجِئُونُ جَالِساً وَلابِساً وَعَاقِلاً، فَخَافُوا.16فَحَدَّثَهُمُ ٱلَّذِينَ رَأَوْا كَيْفَ جَرَى لِلْمَجْنُونِ وَعَنِ ٱلْخَنَازِيرِ. 17فَٱبْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ إِلَيْهِ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ تُخُومِهِمْ. 18وَلَمَّا دَخَلَ ٱلسَّفِينَةَ طَلَبَ إِلَيْهِ ٱلَّذِي كَانَ مَجْنُوناً أَنْ يَكونَ مَعَهُ، 19فَلَمْ يَدَعْهُ يَسُوعُ، بَلْ قَالَ لَهُ: «ٱذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ وَإِلَى أَهْلِكَ، وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ ٱلرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ». 20فَمَضَى وَٱبْتَدَأَ يُنَادِي فِي ٱلْعَشْرِ ٱلْمُدُنِ كَمْ صَنَعَ بِهِ يَسُوُ. فَتَعَجَّبَ ٱلْجَمِيعُ.

يضيء النور في الظلمة والظلمة لم تدركه. فانطلق يسوع من حدود وطنه إلى كورة الوثنيين شرقاً. وكان الناس هناك يعيشون بدون ناموس الله ويأكلون لحوم الخنازير ويتّصلون بالأرواح النجسة التي تملكت بعضهم. وهؤلاء الملبوسون عاشوا في المقابر كأهم موتى أكثر من أحياء. ويل لأرضنا إذا ابتعد البشر عن روح الله واتصلوا بالفلاسفة والعلماء وقاموا بتحضير الأموات. حينئذ يصبحون أشراراً أقوياء بالهلاك وبلا إنسانية، بل أمواتاً روحياً.

قد تقدم يسوع إلى هذه المنطقة المتأثرة بجهنم. فتراكضت الأرواح سريعاً كما تجتمع البراغش حول اللمبة المضيئة في الليل. لأن سلطان المسيح معروف في الأمكنة السفلى. وبينما حضوره يسبب في مؤمنيه اطمئناناً وتهللاً، فالأرواح النجسة تيأس وتخا. وكما أن يسوع لم يخف من جدوي العاصفة هكذا لا يخاف أيضاً من الأبالسة ولا من الملبوسين، الذين هرب الناس منهم هلعاً إذ رأوهم وسمعوا كيف يضجون بسلاسل الحديد. ويرمون بالحجارة الكبيرة المارين. فجرحوا كثيرين وضربوا أنفسهم أيضاً.

أما يسوع فكلمهم بلطف وجلال عظيم. إذ كان متيقناً أنه لا روح يقدر أن يضره.

وأمام قدمي يسوع سقط المجنون عارفاً أن هذا الإنسان يسوع يسكن فيه الله بالذات.

وعلم يسوع خبث جهنم وأبان لتلاميذه أن ألوفاً من الأبالسة النجسة كانت ساكنة في هذا المعذب المسكين لأن الأرواح تطلب جسداً مكنساً كآلة لتحقيق مقاصدهم المخربة. فلم ينفعوا المجنون بل أنهكوه ومزقوا نفسه وجعلوه لصاً جهنمياً.

لقد أخرج يسوع جيشاً نجساً من هذا المعذب بكلمة سلطانه، واعتبر شفاء إنسان أهم من ألفي خنزير، التي سرحت مندفعة إلى البحر لتغرق.

وهكذا نجد أنه حتى في الحيوانات لا تقدر الأرواح النجسة أن تهدأ. وهكذا باندفاعها هلك الفطيع.

وبعدئذ ترى صورة الفردوس. فالمحرر من سلطة الأرواح النجسة جلس أمام قدمي يسوع بملابس مرتبة وبتعقل وشكر وحمد. هذا هو هدف خلاص يسوع أن كل من يأتي إليه بتعقل، ويلبس لباساً مرتباً. ويطمئن في الله. ويشتغل باجتهاد ويصبح خليقة جديدة. فمحبة لمسيح تدفع الإنسان وتبنيه. وتجعله رسول النظام وساعي الحق وصورة المحبة الإلهية في عالم الخوف والكذب والدعارة.

وشعر الناس في ذلك المحيط بسلطة السماء مع أرواح الجحيم. فخافوا خوفاً عظيماً. ولم يسجدوا للمسيح بل طلبوا بارتعاب منه أن يمضي مفضلين ملكهم وخنازيرهم أكثر من المسيح الحي.

فأراد المشفي المتحرر أن يرافق يسوع ويتبعه في حمايته. أما يسوع فأمره أن يكون شاهداً له في كورته، وروحه المعزي رافقه. فأصبح خلاصه رجاء المنطقة المظلمة بالموت. وقد أطاع هذا الرجل المسيح وشهد عن سلطانه الإلهي في كل المدن والقرى الشرقي من الأردن.

فهل أصبحت أنت أيضاً عاقلاً جالساً عند قدمي يسوع وشاهداً باسمه وقدرته جهراً؟

الصلاة: أيها الرب يسوع، نسجد لسلطانك الإلهي لأنك القادر على كل شيء المحب. ولا تهلكنا بل تحررنا من كل نجاسة وبغضة وهلاك. اجعلنا أناساً محبين للنظام والترتيب، ممتلئين بالمحبة والحق. وساعدنا أن نبث الخبر عن قدرتك إلى جميعاخوتنا وأخواتنا في هذا العصر. آمين.

السؤال: 12 - كيف أصبح المجنون بعد أن حرره المسيح من الأرواح الشريرة؟

ج - إقامة يسوع لابنة رئيس المجمع بعد شفائه امرأة مريضة (الأصحاح 5: 21-43)

1 - طلب رئيس المجمع من يسوع أن يسرع إلى بيته (الأصحاح 5: 21-24)

21وَلَمَّا ٱجْتَازَ يَسُوعُ فِي ٱلسَّفِينَةِ أَيْضاً إِلَى ٱلْعَبْرِ ٱجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمْعٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ عِنْدَ ٱلْبَحْرِ. 22وَإِذَا وَاحِدٌ مِنْ رُؤَسَاءِ ٱلْمَجْمَعِ ٱسْمُهُ يَايِرُسُ جَاءَ. وَلَمَّا رَآهُ خَرَّ ِنْدَ قَدَمَيْهِ، 23وَطَلَبَ إِلَيْهِ كَثِيراً قَائِلاً: «ٱبْنَتِي ٱلصَّغِيرَةُ عَلَى آخِرِ نَسَمَةٍ. لَيْتَكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا لِتُشْفَى فَتَحْيَا». 24فَمَضَى مَعَهُ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ وَكَانُوا يَزْحَمُونَهُ

المسيح بقدرته، يخلق فينا رجاء وسط الأمراض وفي هيجان العناصر، وفي تجارب الأرواح النجسة. لأن يسوع هو الغالب على كل السلطات المخربة. أنه الرب المتلسط على الموت أيضاٌ. لأن ليس أحد يغلب هذا الشبح المخيف إلا الله الذي هو الحياة بالذات. بما أن يسوع في وحدته مع أبيه السماوي ثابت، فهو المحيي الحق. وقد برهن على مجده في إقامة الموتى فينا رجاء حياً.

وقد أعلن رجال المباحث المفوضين من أورشليم من قبل رؤساء الكهنة أمر القبض على يسوع علانية. وسموه نبياً كذاباً ومضل الأمة. ورغم ذلك فقد أتاه رئيس المجمع من كفرناحوم لأن الضيق تفاقم في بيته بسبب مرض ابنته، وإشرافها على الهلاك دفعه إلىالمخلص. وقد آمن هذا الرئيس بقدرة المسيح وجلاله وسجد أمامه وسط الجماهير. ولم يمنعه يسوع من ذلك. وكلاهما كانا عارفين معنى السجود. وخر هذا اليهودي المؤمن أمام الناصري جهراً إذ عرفه مسيحاً ابناً لله. وطلب إليه ملتمساً منه عوناً لابنته المشرة على الموت. وقد سمح المسيح له بهذا السجود عالماً أن الله وحده مستحقه.

وأعلن وأظهر بذلك أنه هو الرب الحق مستحق السجود من كل البشر.

ويسوع رافق هذا المؤمن لأنه أعلن ثقته جهراً معترفاً بأنه من المسيح تجري قوى الحياة إلى كل من يلمسه.

وانتبهت الجماهير واشتمت رائحة معجزة كبرى. فتساءلوا هل يشفي يسوع ابنة الرئيس؟ وهل يدخل ملكوت الله إلى مركز التوراة بواسطة إيمان رؤسائنا؟ هل تصير نهضة روحية في المجمع في كفرناحوم وفي كل المحيط رغم الوفد الحاضر من أورشليم؟ فازدحمت الجماهير ليروا أعمال يسوع وسط التهمة والاضطهاد.

وأنت أيها الأخ هل تأتي إلى يسوع مسرعاً لتعرف شخصيته وتسمع كلمته وتلتمس منه روحه القدوس لتختبر عجائبه اليوم؟

الصلاة: ايها الرب يسوع، أنت الإله الحق، الغافر والشافي والمخلص والمحيي. أسجد لك، واسلم حياتي بين يديك. اغفر لي ذنوبي وأحيني إلى الإيمان الحي، وثبتني في محبة حياتك، لكيلا أتزعزع في رجاء عهدك. بل أعترف بفضائلك أمام جميع لناس. آمين.

السؤال: 13 - لماذا سمح يسوع لرئيس المجمع أن يسجد له؟

2 - شفاء المرأة المريضة (الأصحاح 5: 25-34)

25وَٱمْرَأَةٌ بِنَزْفِ دَمٍ مُنْذُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، 26وَقَدْ تَأَلَّمَتْ كَثِيراً مِنْ أَطِبَّاءَ كَثِيرِينَ، وَأَنْفَقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا وَلَمْ تَنْتَفِعْ شَيْئاً، بَلْ صَارَتْ إِلَى حَالٍ أَرْدَأَ - 27لَمَّا سمِعَتْ بِيَسُوعَ، جَاءَتْ فِي ٱلْجَمْعِ مِنْ وَرَاءٍ، وَمَسَّتْ ثَوْبَهُ، 28لأَنَّهَا قَالَتْ: «إِنْ مَسَسْتُ وَلَوْ ثِيَابَهُ شُفِيتُ». 29فَلِلْوَقْتِ جَفَّ يَنْبُوعُ دَمِهَا، وَعَلِمَتْ فِي جِسْمِهَا أَنَّهَا قَدْ بَرِئَتْ مِنَ ٱلدَّاءِ. 30فَلِلْوَقْتِ ٱلْتَفَتَ يَسُوعُ بَيْنَ ٱلْجَمْعِ شَاعِراً فِي نَفْسِهِ بِٱلْقُوَّةِ ٱلَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ، وَقَالَ: «مَنْ لَمَسَ ثِيَابِي؟» 31فَقَالَ لَهُ تَلامِيذُهُ: «أَنْتَ تَنْظُرُ ٱلْجَمْعَ يَزْحَمُكَ، وَتَقُولُ مَن لَمَسَنِي؟» 32وَكَانَ يَنْظُرُ حَوْلَهُ لِيَرَى ٱلَّتِي فَعَلَتْ هٰذَا. 33وَأَمَّا ٱلْمَرْأَةُ فَجَاءَتْ وَهِيَ خَائِفَةٌ وَمُرْتَعِدَةٌ، عَالِمَةً بِمَا حَصَلَ لَهَا، فَخَرَّتْ وَقَالَتْ لَهُ ٱلْحَقَّ كُلَّهُ. 34فَقَالَ لَهَا: «يا ٱبْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ. ٱذْهَبِي بِسَلامٍ وَكُونِي صَحِيحَةً مِنْ دَائِكِ».

هل عرفت أو لمست الوضع المؤلم أن كل فرد حولنا يحمل ضيقاً خفياً في نفسه أكثر مما ندرك. فكل الناس يشبهون العتالين الذين يحملون أثقالاً روحية بحجم خزائن ضخمة أو ثلاجات على ظهورهم المنحنية. لأن الذنوب والهموم والأمراض والخطايا يرزح تحتها البشر.

وكان في عهد يسوع امرأة متعبة مسكينة محتقرة من الناس بسبب مرضها المعتبر آنذاك نجاسة. وهي قد ركضت إلى أطباء كثيرين في زمنها خلال اثنتي عشرة سنة بطولها وصرفت كل أموالها في الأدوية المختلفة. وقد مارست شتى العلاجات وعانت الآلام المرة. رغم ذلك تزايد ضيقها وتصاعد ألمها.

وعندما سمعت عن يسوع رجاء العالم ومخلص المعذبين شعرت أنه غير لائق أن تتكلم معه جهراً عن ضيقهاً. ولكنها آمنت بسلطانه واشتاقت أن تلمسه مؤمنة أن لمسها لهدب ثوبه يشفيها من مرضها.

وحقاً أن لمس يسوع بالإيمان يشبه لمس شحنة كهربائية إذ منه يجري تيار إلهي إلى المؤمن. لأن الإيمان هو الاتصال الحقيقي بالمخلص. فإيماننا ليس فكراً خيالياً بل قوة مغيرة مولدة أفكار جديدة.

وقد خلص الإيمان هذه المرأة لأنه وصلها بالمخلص وربطها به روحياً. حينذاك شعر المسيح بقوة شفاء جرت منه إلى إنسان غير معروف بحسب الظاهر ولكنه مؤمن به. وقد أدرك بروحه ذلك الشخص وفتش عن التي لمسته وشفيت. وساعدها للاعتراف بما جرى لها من يق وشفاء عظيم. لأن كل شيء مخفي يعلن. وكل خطية تظهر في نور الرب.

وبعد اعتراف المرأة، منحها يسوع بسلطانه الخلاص التام وبث فيها سلاماً أبدياً. لأن المسيح لا يريد أن يساعدنا في التجارب والأمراض والامتحانات فحسب، بل قصده خلاص كل الإنسان ومصالحته مع الله لكي يمتلئ بسلامه.

فهل لمست المسيح بإيمانك، ملتمساً منه لنفسك وأصدقائك وأفراد عائلتك بركة وشفاء وخلاصاً وتطهيراً وسلاماً؟ إيمانك قد خلصك.

الصلاة: نسجد لك أيها الرب يسوع، لأنك أنت القادر على ما لا يقدر عليه الإنسان. وصالحتنا مع الله ليحل سلامه في قلوبنا وأذهاننا. طهرنا من عيوبنا، وقدسنا بتيار روحك لأننا نلمسك بالإيمان اليقين، ولا نتركك إن لم تباركنا مع كل أصدقائنا النائحين تحت أثقال كثيرة. آمين.

السؤال: 14 - لماذا شُفيت المرأة عندما لمست يسوع؟

3 - إقامة البنت من الموت (الأصحاح 5: 35-43)

35وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ جَاءُوا مِنْ دَارِ رَئِيسِ ٱلْمَجْمَعِ قَائِلِينَ: «ٱبْنَتُكَ مَاتَتْ. لِمَاذَا تُتْعِبُ ٱلْمُعَلِّمَ بَعْدُ؟» 36فَسَمِعَ يَسُوعُ لِوَقْتِهِ ٱلْكَلِمَةَ ٱلَّتِي قِيلَتْ، فَقَالَ لِرَئِيسِ ٱلمَجْمَعِ: «لا تَخَفْ. آمِنْ فَقَطْ». 37وَلَمْ يَدَعْ أَحَداً يَتْبَعُهُ إِلاّ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ، وَيُوحَنَّا أَخَا يَعْقُوبَ. 38فَجَاءَ إِلَى بَيْتِ رَئِيسِ ٱلْمَجْمَعِ وَرَأَى ضَجِيجاً. يَبْكُونَ وَيُوَلْوِلُونَ كَثِيراً. 39فَدَخلَ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تَضِجُّونَ وَتَبْكُونَ؟ لَمْ تَمُتِ ٱلصَّبِيَّةُ لٰكِنَّهَا نَائِمَةٌ». 40فَضَحِكُوا عَلَيْهِ. أَمَّا هُوَ فَأَخْرَجَ ٱلْجَمِيعَ، وَأَخَذَ أَبَا ٱلصَّبِيَّةِ وَأُمَّهَا وَٱلَّذِينَ مَعَهُ وَدَخَلَ حَيثُ كَانَتِ ٱلصَّبِيَّةُ مُضْطَجِعَةً، 41وَأَمْسَكَ بِيَدِ ٱلصَّبِيَّةِ وَقَالَ لَهَا: «طَلِيثَا، قُومِي». (ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا صَبِيَّةُ، لَكِ أَقُولُ قُومِي). 42وَلِلْوَقْتِ قَامَتِ ٱلصَّبِيَّةُ وَمَشَتْ، لأَنَّهَا كَانَتِ ابْنَةَ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. فَبُهِتُوا بَهَتاً عَظِيماً. 43فَأَوْصَاهُمْ كَثِيراً أَنْ لا يَعْلَمَ أَحَدٌ بِذٰلِكَ. وَقَالَ أَنْ تُعْطَى لِتَأْكُلَ.

شجع المسيح إيمان رئيس المجمع الذي كان فاقد الصبر بسبب إشراف ابنته على الموت. وكان يستعجل المسيح للإسراع إلى بيته لشفائها. لكن يسوع وقف وسط الطريق وشفى امرأة فقيرة وترك الوجيه ينتظر متقلباً على جمر الصبر ليتعلم التواضع والوداعة وهو الرئيس. وهذا التصرف من يسوع أثبت لذلك الفقيه بالتوراة أن يسوع هو المسيح الحق الذي لا يطفئ فتيلة مدخنة وليس عنده تفاضل ولا فرق بين كبير وصغير.

وقد ماتت ابنة الرئيس الصبية في لحظة شفاء المرأة العليلة. وأتى موظفو الرئيس مسرعين مستائين وقائلين بصوت كئيب: «دع هذا المعلم الذي لا يأتي في الوقت المناسب، قد توفيت ابنتك!».

أما يسوع فرأى جذوة الرجاء في قلب الشيخ، فألهبها ناراً وأمره أن يتغلب على يأسه ويؤمن بمسيح الله الحاضر بجانبه. وهكذا رباه في مدرسة إيمانه وقوّى جرأته الراجية في كلمته. لأن كلمة الله هي الأساس المتين لإيماننا. وجاء رئيس المجمع مع يسع متكلاً عليه ووافق على طلبه بأن يطرد الباكيات والمولولات. لأن انتصارات ا لمسيح تتم في الهدوء والاستماع لكلمته، لأن كلمته ناطقة في السكون بأجلى من ألف مولول وصارخ ومبوق.

وكل الحاضرين العابسين من الحزن ضحكوا ساخرين على المسيح لما قال أن الفتاة الميتة ليست ميتة بل نائمة. لأنها لو كانت نائمة لأفاقت واستيقظت من نومها بسبب ضجيجهم.

يسوع المسيح عرف أسرار الموت وسخر منه، وتقدم وانتزع فريسته من يين شدقيه وسماه نوماً فقط. لأن جميع الناس لا يتبخرون في الموت إلى عدم، بل يبقون محفوظين للدينونة الأخيرة. وسيقومون إما للسماء أو لجهنم. فإلى أين أنت ستقوم أيها الإنسان؟ هل تستعد للآخرة؟

بعدما خرج المستهزئون الباكون والحزانى الضاجون من الغرفة أخذ يسوع بيد الميتة، وهو الحياة بالذات. فجرى تيار حياته في أعضائها الباردة. وقوة كلمته الخارقة ملأت الميتة حياة، حتى أنها قامت رأساً وتطلعت إلى الناس حولها باستغراب.

وحرر يسوع الجمع المرتعب من دهشته وأمر أن تُعطى الشابة طعاماً. لأن يسوع لم ينكر احتياجات الطبيعة في أجسادنا لأنه عاش كإنسان حق بيننا.

أيها الإنسان إن يسوع واقف أمامك. إن كنت ميتاً في الذنوب والخطايا. فهو ماسك بيدك ويقول لك قم ويسميك باسمك الخاص. أدرك أن إلهك واقف أمامك مانحاً لك الحياة الأبدية. اصغ إلى صوته، وآمن بكلامه، تحيا في تيار محبته. قم وأكرم مخلصك باتباعه الدائم.

الصلاة: يا رئيس الحياة، يا نور السماء، لقد خلقتنا وطهرتنا وغفرت آثامنا وأحييتنا من الموت الروحي. نسجد لك، ونتهلل وسط الأحزان، لأنك أوجدت لنا رجاءً أبدياً وفرحاً لن يضمحل. لأن إيماننا بك ليس حلماً، بل يجلب الى قلوبنا قوتك الفعلية. بارك أصدقاءنا، وأقمهم من الموت في الخطايا والذنوب كما أقمتنا بالنعمة. آمين.

السؤال: 15 - ماذا نفهم عن شخصية يسوع، من إقامته للبنت الميتة؟

7 - رفض يسوع في الناصرة (اَلأَصْحَاحُ 6: 1-6)

1وَخَرَجَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى وَطَنِهِ وَتَبِعَهُ تَلامِيذُهُ. 2وَلَمَّا كَانَ ٱلسَّبْتُ ٱبْتَدَأَ يُعَلِّمُ فِي ٱلْمَجْمَعِ. وَكَثِيرُونَ إِذْ سَمِعُوا بُهِتُوا قَائِلِينَ: «مِنْ أَيْنَ لِهٰذَا هٰذِهِ؟ وَمَا هٰذِهِ ٱلْحِكْمَةُ ٱلَّتِي أُعْطِيَتْ لَهُ حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى يَدَيْهِ قُوَّاتٌ مِثْلُ هٰذِهِ؟ 3أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ ٱلنَّجَّارَ ٱبْنَ مَرْيَمَ، وَأَخَا يَعْقُوبَ وَيُوسِي وَيَهُوذَا وَسِمْعَانَ؟ أَوَلَيْسَتْ أَخَوَاتُهُ هٰهُنَا عِنْدَنا؟» فَكَانُوا يَعْثُرُونَ بِهِ. 4فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «لَيْسَ نَبِيٌّ بِلا كَرَامَةٍ إِلاّ فِي وَطَنِهِ وَبَيْنَ أَقْرِبَائِهِ وَفِي بَيْتِهِ». 5وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْنَعَ هُنَاكَ وَلا قُوَّةً وَاحِدَةً، غَيْرَ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى مَرْضَى قَلِيلِينَ فَشَفَاهُمْ. 6وَتَعَجَّبَ مِنْ عَدَمِ إِيمَانِهِمْ. وَصَارَ يَطُوفُ ٱلْقُرَى ٱلْمُحِيطَةَ يُعَلِّمُ.

عرف أهالي قرية الناصرة يسوع منذ عشرات السنين لأنه ترعرع بينهم. وسموه ابن مريم، أي اسم عار يطلق على من لا يعرف والده. ولكن هذا العار كان شرف المسيح لأن الله هو أبوه الذي ولده بالروح القدس ومن مريم العذراء.

أما إخوته الأربعة المذكورة أسماؤهم في إنجيل مرقس بوضوح، فلم يولدوا مثله من الله ولم يختصوا باتباع يسوع وكلهم كانوا أصغر منه. وهم أولاد يسوف أبي المسيح بالتبني. وأكبر إخوته الباقين هو يعقوب الذي صار بعد انتقال المسيح إلى السماء أحد الأعمدة في الكنيسة مع بطرس ويوحنا. لأن يسوع ظهر لأخيه بعد قيامته وملأه بروحه. وبعدئذ كتب يعقوب رسالته إلى الكنائس (اقرأ أعمال الرسل 15: 13 و21: 18 و1كورنثوس 15: 7 ورسالة يعقوب كلها).

ويخبرنا البشير مرقس أيضاً أن يسوع كان نجاراً قبل خدمته الروحية وصنع سقوفاً للبيوت ونوافذها الخشبية. كما أن الله لم يقد يسوع إلى وظيفته كمسيح إلا بعد أن أصبح يعقوب أخوه كبيراً ناضجاً وقادراً لإعالة العائلة. لأن يوسف أباهم قد توفي منذ زمان. وربما كان يسوع نفسه قائماً إلى هذا الحين كبكر العائلة لإعالتها بواسطة تعبه الجسدي.

فالذي أدهش أهل الناصرة وأرعب إخوته، هو الحكمة في كلماته الذكية والقوة الغالبة في عجائبه. ولم يلاحظوا شيئاً من هذه المواهب قبلاً في صغره. أما الآن فانبعثت ألوهيته وأشع جوهر أبيه في محبته.

لم يدرك أصدقاء يسوع السابقون وأقرباءؤه بالدم مصدر مواهبه لأنهم لم يؤمنوا بألوهيته. فابن الله لم يقدر أن يعمل عجائب بينهم. فربما تقول ألا يستطيع الله أن يفعل ما يشاء. طبعاً الله قادر أن يخلق من العدم شيئاً ويهلك في الدينونة المستحق القصاص. ولكن حيث لا يؤمن الناس بالمسيح ابنه فلا يقدر الروح القدس أن ينجده بواسطة قواه البناءة وحكمته الفائقة. لا يوجد في ملكوت الله اضطرار للإيمان والمحبة والرجاء. فمن لا يفتح نفسه طوعاً لعمل روح الله لا يختبر بركته.

أما أنت فإيمانك قد خلصك. وأصبحت مسؤولاً عن محيطك وتجري بركة الرب بواسطة اعتقادك إلى الآخرين. فلا تتعجب إذا سخر بك أهلك وأبناء بلدتك ورفضوك واضطهدوك. لأن هذا ذاته حصل مع المسيح. فلا تكون أفضل منه بل تعلم من تصرفاته ولا تتمسك ببلدك لذي يرفضك، بل اذهب إلى منطقة أخرى التي تستأهلك. واشهد لهم بالمسيح حكمة وقوة الله.

الصلاة: أيها الرب يسوع، اغفر لنا إن أحزناك بعدم إيماننا وقلة ثقتنا بك من عمل خلاصك في أمكنة وأزمنة متعددة. وعلمنا الإيمان القوي بألوهيتك وإنسانيتك لكي تملأنا بحكمة كلامك، وتجري فينا قوة روحك، فنصبح بركة لمحيطنا. بارك أدقاءنا وأهلنا هذا اليوم ليسبحوك مثلنا بفرح. آمين.

السؤال: 16 - لماذا لم يقدر يسوع أن يقوم بعجائب في بلده؟

8 - إرسال الرسل الاثني عشر إلى أمتهم (الأصحاح 6: 7-13)

7وَدَعَا ٱلاِثْنَيْ عَشَرَ وَٱبْتَدَأَ يُرْسِلُهُمُ ٱثْنَيْنِ ٱثْنَيْنِ، وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً عَلَى ٱلأَرْوَاحِ ٱلنَّجِسَةِ، 8وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لا يَحْمِلُوا شَيْئاً لِلطَّرِيقِ غَيْرَ عَصاً فَقَطْ، لا مِزْوَداً ولا خُبْزاً وَلا نُحَاساً فِي ٱلْمِنْطَقَةِ. 9بَلْ يَكُونُوا مَشْدُودِينَ بِنِعَالٍ، وَلا يَلْبَسُوا ثَوْبَيْنِ. 10وَقَالَ لَهُمْ: «حَيْثُمَا دَخَلْتُمْ بَيْتاً فَأَقِيمُوا فِيهِ حَتَّى تَخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ. 11وَكُلُّ مَنْ لا يَقبَلُكُمْ وَلا يَسْمَعُ لَكُمْ، فَٱخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ وَٱنْفُضُوا ٱلتُّرَابَ ٱلَّذِي تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ ٱلدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالاً مِمَّا لِتِلْكَ ٱلْمَدِينَةِ». 12فَخَرَجُوا وَصَارُوا يَكْرِزُونَ أَنْ يَتُوبُوا. 13وَأَخْرَجُوا شَيَاطِينَ كَثِيرَةً، وَدَهَنُوا بِزَيْتٍ مَرْضَى كَثِيرِينَ فَشَفَوْهُمْ.

أرسل يسوع رسله حسب عدد قبائل أمته ليعلن أن كل قبيلة مدعوة إلى ملكوت الله، وأن كل فرد محتاج إلى التوبة والتحرير من أرواح جهنم. وقد أرسل مختاريه إلى الجهاد المقدس بدون سلاح ولا إفرادياً، بل دائماً اثنين معاً لكي يقوي الواحد الآخر ويكمله. فإن تكلم أحدهما صلّى الآخر. وإذا الواحد يئس شجعه الثاني. فليس ملكوت الله مبنياً على عبقرية الأفراد، بل على شركة المحبة بين الجميع إذ يعتبر كل واحد أن غيره أفضل من نفسه. وحيث يدخل التواضع شركة المبشرين. فهناك يملأ يسوع رسله بسلطانه.فكل من يرسله المسيح هو سفير له، وممثل لملكوته المتحقق اليوم بحلول الروح القدس في قلوب المؤمنين. وحيثما يكرز سعاة المسيح بموته وحياته تخرج الأرواح النجسة وتضمحل سلطة الظلمة ويثق الناس بفاديهم ويتجددون إلى صبر ومسرّة.

ورسل المسيح هم نوعاً ما فقراء لكيلا يشتهي لص ثروتهم ويهاجمهم ولكيلا يتعبوا بأثقال دنيوية، بل يتكلوا على أبيهم السماوي ليلاً نهاراً ويختبروا أنه يعتني بهم دائماً. اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره فتزاد لكم الضروريات الأخرى. ولا تقدر أن تخدم الله والمال، فأما أن تبغض الواحد وتحب الآخر أو تلتصق بالأول وترفض الثاني. الناس في طبيعتهم يطمحون إلى المال والملك والاسترخاء. أما المسيح فيدعوك إلى مملكته الروحية وخدمته الفعالة المبنية على قناعة واتكال دائم على أبيك السماوي.

والروح القدس يقود خدام الرب إلى بيوت المستعدين للإيمان وليس إلى جماهير المهملين. فصل إلى ربك بإلحاح ليصلك لمستعد إلى سماع كلمته. فليس من واجبك أن تغير الدنيا كلها، بل ربك يدعوك لتجد أفراداً مشتاقين إليه. هؤلاء سوف يسمعونك وفيهم تأي كرازتك بثمار ويخلق الروح القدس بينهم توبة وإيماناً ومحبة. وإن تجولت في هدى الله وبإطاعة الإيمان يخرج روح السلام أرواح البغضة النجسة من مستمعيك ويشفي قلوباً مريضة ويخلص كثيرين بواسطة خدمتك المتواضعة.

الصلاة: أيها الرب نشكرك لأنك دعوتنا ونحن عبيد بطالون لنشر ملكوت محبتك في سلطانك المتواضع. ساعدنا لسلوك مقدس، وجهزنا بكلمة قدرتك لكي يشبع الجياع الى برك، ويتحرر المقيدون من النجاسة والاستكبار ومن أرواحهم الشريرة ويتجددو في ولادة روحية أبدية. آمين.

السؤال: 17 - ما هي أوامر المسيح لرسله قبل انطلاقهم للتبشير؟

9 - خوف الملك هيرودس من المعمدان القتيل (الأصحاح 6: 14-29)

14فَسَمِعَ هِيرُودُسُ ٱلْمَلِكُ، لأَنَّ ٱسْمَهُ صَارَ مَشْهُوراً. وَقَالَ: «إِنَّ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانَ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ وَلِذٰلِكَ تُعْمَلُ بِهِ ٱلْقُوَّاتُ». 15قَالَ آخَرُونَ: «إِنَّهُ إِيلِيَّا». وَقَالَ آخَرونَ: «إِنَّهُ نَبِيٌّ أَوْ كَأَحَدِ ٱلأَنْبِيَاءِ». 16وَلٰكِنْ لَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ قَالَ: «هٰذَا هُوَ يُوحَنَّا ٱلَّذِي قَطَعْتُ أَنَا رَأْسَهُ. إِنَّهُ قَامَ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ!»

17لأَنَّ هِيرُودُسَ نَفْسَهُ كَانَ قَدْ أَرْسَلَ وَأَمْسَكَ يُوحَنَّا وَأَوْثَقَهُ فِي ٱلسِّجْنِ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا ٱمْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، إِذْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا. 18لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لِهِيرودُسَ: «لا يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ ٱمْرَأَةُ أَخِيكَ!» 19فَحَنِقَتْ هِيرُودِيَّا عَلَيْهِ، وَأَرَادَتْ أَنْ تَقْتُلَهُ وَلَمْ تَقْدِرْ، 20لأَنَّ هِيرُودُسَ كَانَ يَهَابُ يُوحَنَّا عَالِماً أَنَّهُ رَجُلٌ بَارٌّ وَقِدِّيسٌ، وَكَانَيَحْفَظُهُ. وَإِذْ سَمِعَهُ، فَعَلَ كَثِيراً، وَسَمِعَهُ بِسُرُورٍ. 21وَإِذْ كَانَ يَوْمٌ مُوافِقٌ، لَمَّا صَنَعَ هِيرُودُسُ فِي مَوْلِدِهِ عَشَاءً لِعُظَمَائِهِ وَقُوَّادِ ٱلأُلُوفِ وَوُجُوهِ ٱلْجَلِيلِ، 22دَخَلَتِ ٱبْنَةُ هِيرُودِّيا وَرَقَصَتْ، فَسَرَّتْ هِيرُودُسَ وَٱلْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ. فَقَالَ ٱلْمَلِكُ لِلصَّبِيَّةِ: «مَهْمَا أَرَدْتِ ٱطْلُبِي مِنِّي فَأُعْطِيَكِ». 23وَأَقْسَمَ لَهَا أَنْ «مَهْمَا طَلَبْتِ مِنِّي لَأُعْطِيَنَّكِ حَتَّى نِصْفَ مَمْلَكَتي». 24فَخَرَجَتْ وَقَالَتْ لأُمِّهَا: «مَاذَا أَطْلُبُ؟» فَقَالَتْ: «رَأْسَ يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانِ». 25فَدَخَلَتْ لِلْوَقْتِ بِسُرْعَةٍ إِلَى ٱلْمَلِكِ وَطَلَبَتْ قَائِلَةً: «أُرِيدُ أَنْ تُعْطِيَنِي حَالاً رَأْسَ يُوحَنَّا ٱلمَعْمَدَانِ عَلَى طَبَقٍ». 26فَحَزِنَ ٱلْمَلِكُ جِدّاً. وَلأَجْلِ ٱلأَقْسَامِ وَٱلْمُتَّكِئِينَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَرُدَّهَا. 27فَلِلْوَقْتِ أَرْسَلَ ٱلْمَلِكُ سَيَّافاً وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِرَأْسِهِ. 28فَمَضَى وَقَطَعَ رَأْسَهُ فِي ٱلسِّجْنِ. وَأَتَى بِرَأْسِهِ عَلَى طَبَقٍ وَأَعْطَاهُ لِلصَّبِيَّةِ، وَٱلصَّبِيَّةُ أَعْطَتْهُ لأُمِّهَا. 29وَلَمَّا سَمِعَ تَلامِيذُهُ جَاءُوا وَرَفَعُوا جُثَّتَهُ وَوَضَعُوهَا فِي قَبْرٍ.

كان يوحنا المعمدان أهم إنسان في زمانه وأعظم من كل الأنبياء. لأنه أدرك وأنبأ بواسطة الروح القدس أن المسيح ليس ملكاً مهلكاً لعالمنا بأسلحة مميتة ولا ينزل نار السماء على الكافرين، بل هو حمل الله الذي يرفع خطية البشر وديعاً.

وكان يوحنا مكافحاً لله في روح وقوة النبي إيليا. وتقدم إلى الملك هيرودس ووبخه على الشر في قلبه. فاغتاظ من توبيخه، وألقى رجل الحق في السجن المظلم. ولكن الملك شعر بأن هذا النبي مستقيم، فاستشاره سراً في أموره السياسية. وعمل بمشورته لأن حاشيته سايروه ولم يمحضوه النصح والحق. ورغم أن الملك أطاع النبي واستفاد من مشورته، لم يطعه في طهارة جسده وقداسة زواجه.

وهيروديا التي كانت عشيقة الملك ومزنيته رغم أنها امرأة أخيه قد كرهت يوحنا المعمدان في عمق نفسها بسبب تبكيته للملك. وكانت تفكر ليلاً نهاراً بالطريقة التي تبيد بها هذا الشاهد لله وتقتله شرّ قتلة.

فلما رقصت ابنتها في وليمة الملك السكير رقصاً مثيراً، اغتنمت أمها الفرصة للانتقام. ووضعت في أذن ابنتها الفكرة أن تطلب رأس المعمدان مكافأة لبسط الملك. لأنه جزاء سروره برقصها، عرض عليها أن يعطيها أي شيء تطلبه ولو نصف مملكته.

وهكذا قتل نبي الله ظلماً وثمناً لسكر الملك الزاني ورغبة الانتقام الدموي في نفس المرأة المومس وثورة الجنون الراقصة في ابنتها. وهكذا ظهر لأول وهلة كأن سلاطين العالم أقوى من ملكوت الله. ولكن ضمير هؤلاء المغتصبين بكتهم دوماً كمنخس إليم.

ولما سمع هيرودس عن أعمال يسوع وكرازة تلاميذه الفعالة، اضطرب وخاف هذا الملك الخليع المتصل بالأرواح والأموات. وظن أن روح المعمدان الذبيح قد قامت وحلت في يسوع الذي يتقدم الآن لإبادته واغتصاب الملك منه.

إن السلطان والغنى والشهوة لا تقوّي الإنسان حقاً ولا تجعله مسروراً مطمئناً. بل الحق والطهارة والضمير المصالح يمنح لك راحة النوم والفرح في عينيك. فلا تطمع بالدنيا ولا الجنس المشتهى بل اختر تواضع القداسة وقوة الله العاملة في التواضع.لأن من يؤمن بالمسيح يتغير إلى صورته ويعيش في سلام الله إلى الأبد.

الصلاة: أيها الرب نشكرك لشهادة يوحنا المعمدان الجريء. اغفر لنا جبننا، لأننا لا نسمي كثيراً ما خطية الناس باسمها ونبشر أكثر من اللازم بالغفران قبل التوبة والرجوع. علمنا خدمتك باستقامة، وقدس أخلاقنا تماماً. لكي نسلك في صرة تواضعك ونمارس محبتك الخالدة. آمين.

السؤال: 18 - ما هي أسباب قتل يوحنا المعمدان؟

10 - رجوع الرسل من تبشيرهم وإشباع الخمسة آلاف في البرية (الأصحاح 6: 30-44)

30وَٱجْتَمَعَ ٱلرُّسُلُ إِلَى يَسُوعَ وَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، كُلِّ مَا فَعَلُوا وَكُلِّ مَا عَلَّمُوا. 31فَقَالَ لَهُمْ: «تَعَالَوْا أَنْتُمْ مُنْفَرِدِينَ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاءٍ وَٱسْتَرِيحُوا قَلِيلاً». لأَنَّ ٱلْقادِمِينَ وَٱلذَّاهِبِينَ كَانُوا كَثِيرِينَ، وَلَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلأَكْلِ. 32فَمَضَوْا فِي ٱلسَّفِينَةِ إِلَى مَوْضِعٍ خَلاءٍ مُنْفَرِدِينَ. 33فَرَآهُمُ ٱلْجُمُوعُ مُنْطَلِقِينَ، وَعَرَفَهُ كَثِيرُونَ. فَتَرَاكَضُواإِلَى هُنَاكَ مِنْ جَمِيعِ ٱلْمُدُنِ مُشَاةً، وَسَبَقُوهُمْ وَٱجْتَمَعُوا إِلَيْهِ. 34فَلَمَّا خَرَجَ يَسُوعُ رَأَى جَمْعاً كَثِيراً، فَتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا كَخِرَافٍ لا رَاعِيَ لَهَا، فَٱبْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ كَثِيراً 35وَبَعْدَ سَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلامِيذُهُ قَائِلِينَ: «ٱلْمَوْضِعُ خَلاءٌ وَٱلْوَقْتُ مَضَى. 36اِصْرِفْهُمْ لِكَيْ يَمْضُوا إِلَى ٱلضِّيَاعِ وَٱلْقُرَى حَوَالَيْنَا وَيَبْتَاعُوا لَهُمْ خُبْزاً، لأَنْ لَيْسَ ِعنْدَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ». 37فَأَجَابَ: «أَعْطُوهُمْ أَنْتُمْ لِيَأْكُلُوا». فَقَالُوا لَهُ: «أَنَمْضِي وَنَبْتَاعُ خُبْزاً بِمِئَتَيْ دِينَارٍ وَنُعْطِيَهُمْ لِيَأْكُلُوا؟» 38فَقَالَ لَهُمْ: «كَمْ رَغِيفاً عِنْدَكُمْ؟ ٱذْهَبُوا وٱنْظُرُوا». وَلَمَّا عَلِمُوا قَالُوا: «خَمْسَةٌ وَسَمَكَتَانِ». 39فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا ٱلْجَمِيعَ يَتَّكِئُونَ رِفَاقاً رِفَاقاً عَلَى ٱلْعُشْبِ ٱلأَخْضَرِ. 40فَاتَّكَأُوا صُفُوفاً صُفُوفاً: مِئَةً مِئَةً وَخَمْسِينَ خَمسِينَ. 41فَأَخَذَ ٱلأَرْغِفَةَ ٱلْخَمْسَةَ وَٱلسَّمَكَتَيْنِ، وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ، وَبَارَكَ ثُمَّ كَسَّرَ ٱلأَرْغِفَةَ، وَأَعْطَى تَلامِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا إِلَيْهِمْ، وَقَسَّمَ ٱلسَّمَكَتَيْنِ لِلْجَمِيعِ، 42فأَكَلَ ٱلْجَمِيعُ وَشَبِعُوا، 43ثُمَّ رَفَعُوا مِنَ ٱلْكِسَرِ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ قُفَّةً مَمْلُوَّةً، وَمِنَ ٱلسَّمَكِ. 44وَكَانَ ٱلَّذِينَ أَكَلُوا مِنَ ٱلأَرْغِفَةِ نَحْوَ خَمْسَةِ آلافِ رَجُلٍ.

رجع رسل المسيح إليه من رحلتهم التبشيرية وأخبروه بكل كلمة والقوة التي قدموها باسمه إلى أمتهم. فأخذهم يسوع أولاً جانباً إلى البرية لكي يدركوا في هدوء ما عمله الله بواسطتهم. هل تشكر يسوع لسلطان قوته التي ينقلها بواسطة خدمتك إلى أصدقاك؟ إن يسوع يقودك مرة تلو المرة إلى هدوء الشكر لتسبح الله في تعمقك في أعماله. لكيلا تصبح سطحياً متكبراً بل متواضعاً شاكراً.

ولكن الجماهير لم تترك ليسوع راحة وهدوءاً بل تبعته وسبقته وازدحمت حوله. وللعجب لم يطردها المسيح وهو تعبان، بل أحبها وعرف جوعهم إلى البر وشوقهم إلى المحبة والرحمة وبشرهم بناموس روحه وفسر لهم نعمة الله المخلصة .

تصور كيف القدوس بشر الناس ساعات طويلة وهم جالسون حوله على عشب البرية. فنزل الفردوس في قلوبهم العطشانة. وعندما صار العشاء جاع الناس وشعروا بالتعب من إرهاق اليوم.

وفكر التلاميذ بالغذاء اللازم للجسد. مدركين الجوع في الجماهير، الأمر الذي يسبب اليوم في دنيانا ثورات الهلاك والخراب المتزايد.

وعندما طلب يسوع من أتباعه تحضير طعام للجموع، حسبوا التلاميذ بسرعة ودقة أنهم لأجل إطعام هؤلاء الناس يحتاجون إلى مبالغ ضحمة من المال مع عربات شحن كثيرة لنقل المواد والأغذية. فخططوا بتقديرهم كأنهم تجار ماهرون ومدبرون للأمور الخيرية ولماء في النفس. أما يسوع فكان هو ابن الله، غير محتاج إلى حسابات ووسائل البشر. وعزم أن يرحم الجمع الجائع حوله روحياً ويشبعهم بالخبز أيضاً. فدعى كل الناس إلى وليمة مقدسة، لأنه كانت فيه القدرة أن يخلق من القليل كثيراً كما أنه يمحو الخطايا اكثيرة بدمه الثمين.

فأخذ يسوع الأرغفة الخمسة والسمكتين من أيدي تلاميذه، ووضعها أمام الله أبيه ظاهراً. وشكره علانية لأجل القليل الموجود. وبعدئذ كسر الخبز وأعطاه للتلاميذ ليوزعوه على الجماهير. فاتسعت عيونهم استغراباً وشهدوا كيف يجلس ابن الله بين البشر عطياً من ملئه نعمة فوق نعمة.

وبقايا الغذاء والفتات وكسرات الخبز المجموعة بعد الوليمة كانت أكثر من الطعام في البداية. هذا ما عملته بركة الله بواسطة شكر المسيح. وكما أنه كسر الخبز للجماهير، هكذا كسر جسده لكي نتصالح مع الله ونتغذى به روحياً في العشاء الرباني ونتوى في المحبة والخدمة.

هل أدركت سر بركة الله المقدمة لكل إنسان. أنه الشكر للقليل الموجود. وهذا الشكر في الإيمان هو مفتاح الباب المؤدي لكنوز الله. آمن بعون المسيح القريب منك، واشكره للقليل ما بين يديك، وثق بإرادته وقدرته لأنه يشاء أن يعينك مع أصدقائك بغذاء جسدي وروحي في كل حين. ولا تنس الشكر أبداً.

الصلاة: أيها الرب، اغفر لنا عدم إيماننا وقلة شكرنا. وعلمنا أن نحب الجماهير كما رحمتهم. ونشكرك لغفرانك، ولكل بركاتك المعروفة والغير المعروفة. ونطلب الحكمة لنقدم هذه الامتيازات إلى أصدقائنا لكي يتغيروا ولا يفكروا بالخبز ولاً، بل يخدمون الغرباء وكل الذين يشتاقون الى ملكوتك. آمين.

السؤال: 19 - ما هو سر إشباع الخمسة آلاف؟

11 - ظهور يسوع لتلاميذه على وجه البحر (الأصحاح 6: 45-56)

45وَلِلْوَقْتِ أَلْزَمَ تَلامِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا ٱلسَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوا إِلَى ٱلْعَبْرِ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا، حَتَّى يَكُونَ قَدْ صَرَفَ ٱلْجَمْعَ. 46وَبَعْدَمَا وَدَّعَهُمْ مَضَى إِلَى ٱلْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. 47وَلَمّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ كَانَتِ ٱلسَّفِينَةُ فِي وَسَطِ ٱلْبَحْرِ، وَهُوَ عَلَى ٱلْبَرِّ وَحْدَهُ. 48وَرَآهُمْ مُعَذَّبِينَ فِي ٱلْجَذْفِ، لأَنَّ ٱلرِّيحَ كَانَتْ ضِدَّهُمْ. وَنَحْوَ ٱلْهَزِيعِ ٱلرَّابِعِ مِنَ ٱللَّيْلِ أَتَاهُمْ ماشِياً عَلَى ٱلْبَحْرِ، وَأَرَادَ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمْ. 49فَلَمَّا رَأَوْهُ مَاشِياً عَلَى ٱلْبَحْرِ ظَنُّوهُ خَيَالاً، فَصَرَخُوا، 50لأَنَّ ٱلْجَمِيعَ رَأَوْهُ وَٱضْطَرَبُوا. فَلِلْوَقْتِ قَالَ لَهُمْ: «ثِقُوا. أَنَا هُوَ. لا تَخافُوا». 51فَصَعِدَ إِلَيْهِمْ إِلَى ٱلسَّفِينَةِ فَسَكَنَتِ ٱلرِّيحُ، فَبُهِتُوا وَتَعَجَّبُوا فِي أَنْفُسِهِمْ جِدّاً إِلَى ٱلْغَايَةِ، 52لأَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا بِٱلأَرْغِفَةِ إِذْ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ غَلِيظَةً. 53فَلَمَّا عبَرُوا جَاءُوا إِلَى أَرْضِ جَنِّيسَارَتَ وَأَرْسَوْا.

54وَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ ٱلسَّفِينَةِ لِلْوَقْتِ عَرَفُوهُ، 55فَطَافُوا جَمِيعَ تِلْكَ ٱلْكُورَةِ ٱلْمُحِيطَةِ، وَٱبْتَدَأُوا يَحْمِلُونَ ٱلْمَرْضَى عَلَى أَسِرَّةٍ إِلَى حَيْثُ سَمِعُوا أَنَّهُ هُنَاكَ. 56وَحَيْثُمَا دَخَل إِلَى قُرىً أَوْ مُدُنٍ أَوْ ضِيَاعٍ، وَضَعُوا ٱلْمَرْضَى فِي ٱلأَسْوَاقِ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسُوا وَلَوْ هُدْبَ ثَوْبِهِ. وَكُلُّ مَنْ لَمَسَهُ شُفِيَ!

إن الجماهير والتلاميذ أحبوا الخبز الوفير اللذيذ الذي قدمه الرب يسوع، وحاولوا تتويجه ملكاً لأمتهم. ولكن يسوع فصل تلاميذه فوراً عن الجموع وانتشلهم من تجربة السلطة وطردهم إلى السفينة، لكي يبتعدوا عن نشوة تحمس الجماهير ويفكروا ويدركواأمام الله على انفراد ماذا حدث ومن هو الذي قام بالمعجزة. لكيلا يهتموا بالمعونة أولا بل ينظروا إلى المعين نفسه.

وبعدما أبحر التلاميذ، ذهب يسوع وحده إلى موضع خلاء لكي يصلي. أن ابن العلي تكلم مع أبيه عن الأعمال التي أراه إياها سابقاً فنفذها باسمه. ولم يعمل الابن شيئاً بدون أبيه، بل صلى دائماً وعمل في انسجام تام مع إرادته.

أتصلي وحدك في هدوء أمام وجه الله؟ أنك تبقى ضعيفاً في نفسك إلى الأبد إن لم تصبح الصلاة في الروح القدس هدفك الأول باستمرار.

ومن خلال صلواته ومحبته الفائقة رأى يسوع تلاميذه في الضيق وسط هيجان البحر والعواصف، موشكين ع لى الغرق. وسمع صرخات استغاثاتهم المصلية. فلم يبق في عزلته عندئذ بل أسرع لإنقاذهم مظهراً لهم أنه رب العناصر كلها: ماشياً على المياه وعابراًوسط صخور القبر وصاعداً في أطباق السماء. وكان له جسد روحي لأنه المولود من روح الله.

ولم يتقدم يسوع مباشرة إلى تلاميذه، بل امتحن إيمانهم أولاً. قد صرخوا إلى الله طالبين تدخله. ولكن حين جاءهم المعين بطريقة غير متوقعة، ارتعبوا وصاحوا خائفين: إن شبحاً مقبل علينا لإهلاكنا وإغراقنا.

أتؤمن باستجابة صلواتك؟ أن يسوع يستمع إليك دائماً ويقترب منك يقيناً. فلا تخف من الأهوال حولك ولا من الناس والعواصف والظلمات. لأن ربك قريب منك. والمسيح يأمرك بالاطمئنان لأجل حضوره، ويمنعك من كل خوف وشبه خوف لأجل جلاله.

ولم ينتهر يسوع تلاميذه لأجل فزعهم من مجيئه العريب، بل منع خوفهم وأكد لهم حضوره. قد عرف خلفتهم كصيادي السمك مع خرافاتهم وإيمانهم بأشباح وغيلان وخيالات. فأراد كسر هذه الأسطورات، فقال: «إني أنا هو». أنا حاضر وأكون معروفاً لديكم. أنا لله في الجسد. إني أنا هو. أدركوا من أنا، فتطمئوا وتفرحوا.

أقلبك حجر أو ممتلئ بالروح القدس؟ هل تؤمن بمخلصك الحبيب رغم الظلمات والضيقات، أو تسعى بإيمانك لأجل الخبز والرفاهية؟ إن يسوع هو هبة الله لك، وكل شيء ما عداه ثانوي. ومن محبته تجري أنهر النعمة إلى كل الذين ينفتحون للطفه. فهو مصدر قدرةالله، وليس تلاميذه ولا القديسون ولا الأساقفة أو أي إنسان آخر. المسيح وحده يشفيك في نفسك وجسدك إن طلبته.

ولما عبر يسوع البحيرة مع تلاميذه في السفينة عرفه بعض الناس، وركضوا إلى القرى في محيطهم وأتوا بكل مريض وكسيح. ويسوع شفاهم جميعاً. فلا يوجد مرض لا يستطيع غلبته. هو المنتصر. وحتى لمس هدبة ثوبه منحت الشفاء لكل من آمن به. وهكذا يقول لك أيضاً في أيامنا: «إيمانك قد خلصك». وبدون الإيمان لا خلاص ولا سلام.

الصلاة: نسجد لك يا ابن الله العظيم. لأن البحر والعواصف والعناصر كلها تطيعك. فنخضع لمحبتك. ونؤمن بحضورك اليوم. امكث معنا، واطفئ خوفنا، واخلق فينا الإيمان والاطمئنان والمحبة المستعدة للركض الى القرى والمدن لنجلب إليك من يريد الشفاء. أنت المعين الأمين. آمين.

السؤال: 20 ماذا يقصد المسيح بعبارته لتلاميذه «أنا هو»؟

12 - الخلاف حول غسل اليدين وأحكام الطقوس الأخرى (اَلأَصْحَاحُ 7: 1-13)

1وَٱجْتَمَعَ إِلَيْهِ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ وَقَوْمٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ قَادِمِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ. 2وَلَمَّا رَأَوْا بَعْضاً مِنْ تَلامِيذِهِ يَأْكُلُونَ خُبْزاً بِأَيْدٍ دَنِسَةٍ، أَيْ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ، لامُوا - 3لأَنَّ ٱْفَرِّيسِيِّينَ وَكُلَّ ٱلْيَهُودِ إِنْ لَمْ يَغْسِلُوا أَيْدِيَهُمْ بِٱعْتِنَاءٍ لا يَأْكُلُونَ، مُتَمَسِّكِينَ بِتَقْلِيدِ ٱلشُّيُوخِ. 4وَمِنَ ٱلسُّوقِ إِنْ لَمْ يَغْتَسِلُوا لا يَأْكُلُونَ. وَأَشْيَاءُ أُخْرَى كَثِيرَةٌ تَسَلَّموهَا لِلتَّمَسُّكِ بِهَا، مِنْ غَسْلِ كُؤُوسٍ وَأَبَارِيقَ وَآنِيَةِ نُحَاسٍ وَأَسِرَّةٍ. 5ثُمَّ سَأَلَهُ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ وَٱلْكَتَبَةُ: «لِمَاذَا لا يَسْلُكُ تَلامِيذُكَ حَسَبَ تَقْلِيدِ ٱلشُّيُوخِ، بَلْ يَأْكُلُونَ خُبْزاً بِأيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ؟» 6فَأَجَابَ: «حَسَناً تَنَبَّأَ إِشَعْيَاءُ عَنْكُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُرَائِينَ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: هٰذَا ٱلشَّعْبُ يُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً، 7وَبَاطِلاً يَعْبدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا ٱلنَّاسِ. 8لأَنَّكُمْ تَرَكْتُمْ وَصِيَّةَ ٱللّٰهِ وَتَتَمَسَّكُونَ بِتَقْلِيدِ ٱلنَّاسِ: غَسْلَ ٱلأَبَارِيقِ وَٱلْكُؤُوسِ، وَأُمُوراً أُخَرَ كَثِيرَةً مِثْلَ هٰذِهِ تَفْعَلُنَ». 9ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «حَسَناً! رَفَضْتُمْ وَصِيَّةَ ٱللّٰهِ لِتَحْفَظُوا تَقْلِيدَكُمْ. 10لأَنَّ مُوسَى قَالَ: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمُ أَباً أَوْ أُمّاً فَلْيَمُتْ مَوْتاً. 11وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: إِنْ قَالَ إِنْسَانٌ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ، أَيْ هَدِيَّةٌ، هُوَ ٱلَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي 12فَلا تَدَعُونَهُ فِي مَا بَعْدُ يَفْعَلُ شَيْئاً لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ. 13مُبْطِلِينَ كَلامَ ٱللّٰهِ بِتَقْلِيدِكُمُ ٱلَذِي سَلَّمْتُمُوهُ. وَأُمُوراً كَثِيرَةً مِثْلَ هٰذِهِ تَفْعَلُونَ».

قد تعوّد الناس على غسل أيديهم قبل تناول الطعام لأنه في الغبار ميكروبات تسبب أمراضاً متنوعة. ولكن من يدّعي أن الغسل الخارجي ضروري لتبرير النفس ولإرضاء الله روحياً يكون غبياً سطحياً. لأن القدوس يريد طهارة القلب وليس طقوساً فارغة. مثاً العامل الموسخ يديه بسبب عمله المرهق، إن كان مؤمناً بغفران خطاياه بدم المسيح فهو مقدس في صورة خالقه رغم يديه المتسختين. ولكن من يلبس أفخر الثياب وأثمنها ويستحم دواماً، إن كان قلبه نجيساً أو مليئاً بأفكار شريرة فلا بد أن يُحشر في جهنم غم وضوئه وغسله الكثير.

لقد جاء المسيح بانقلاب جذري لكل الأديان، وحررنا من الطقوس والفرائض والنواميس، وكشف لنا جوهر السجود وغايته القلب الجديد. فالادعاء بحفظ الوصايا بأجمعها مراءاة وخداع للنفس ما دام الإنسان غير مولود ثانية من الله وكل الصلوات سطحية وكاذة ما دام الإنسان لا يعترف بذنبه قائلاً: اللهم ارحمني أنا الخاطئ. وكل خدمات نقدمها لله لا تنال مكافأة لأنها تصدر من مخازن الأنانية. فليس إنسان طبيعي يقدر أن يرضي الله بأحكام بشرية وأعمال فريضة وطقوس متعددة. ولا بالصلاة والصوم والحج والزكة. لأن كل ما يخرج من قلب الإنسان وعقله نجيس غير مقبول عند القدوس.

وأما الآتي من الله فهو وحده مقبول. فبرنا الموهوب لنا من المسيح هو رحمة من الله، وليس عملنا الخاص. وتقديسنا هو عمل الروح القدس. وليس حفظ الوصايا بمجهوداتنا الشخصية. فكل دين مبني على حفظ الفرائض هو مجرد خيال ورياء وخداع للنفس. لأن اله يريد توبتنا وانكسار قلوبنا ليملأ فؤادنا المتحرق بمحبته. وعندئذ نتغير مبدئياً ونخدم والدينا باحترام وشكر ونضحي لأجلهم بآمالنا ونصرف وقتاً لأجلهم. وعندئذ نشكر الله وتطفو من قلوبنا التسبيحات، لأن الله قد أتى إلينا في ابنه وحررنا من عبودة الطقوس.

هل أدركت أن الرياء من أقبح الخطايا في الناس الذين يظهرون أتقياء ويتكلمون بعبارات تقية ويصلون أمام الآخرين. ولكن قلبهم لا يتكلم كما تنطق أفواههم، وأفكارهم متجولة بعيدة عن الله؟ فملايين من صلوات باطلة، لأنها لا تصدر من عمق قلب متواض وغير مطهرة بدم المسيح وروحه فكل تدين باطل أمام الله إن لم يستسلم المصلي مطلقاً إلى القدوس.

وخطر التقوى في سبيل الإنسانية يزداد حالما ينشئ المتعصبون قوانين خاصة ليخططوا الطريق لتقديس خاص، ويدينون كل الذين يعيشون كما هم. احرس نفسك من الرياء، فهو أخطر من السم ويميت المحبة والإيمان مع الصلاة الصالحة. وينفخ الأنا السمين كبالون قبل انفجاره.

الصلاة: أيها الآب نشكرك لأنك رحمتنا نحن الخطاة. وغفرت ذنوبنا تماماً بموت ابنك الوحيد. املأنا بقوة محبتك، لكي نكرس لك حياتنا حمداً وشكراً، ونخدم بنفس الوقت والدينا بدافع المحبة. احفظنا من الرياء لنخلع الكبرياء والتعصب ونعيش منكسرين أمامك يا الله. آمين.

السؤال: 21 - لماذا لا توجد قوة أمام الله في غسل اليدين؟

13 - يسوع يعلن للمرائين حقيقة قلوبهم (الأصحاح 7: 14-23)

14ثُمَّ دَعَا كُلَّ ٱلْجَمْعِ وَقَالَ لَهُمُ: «ٱسْمَعُوا مِنِّي كُلُّكُمْ وَٱفْهَمُوا. 15لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ خَارِجِ ٱلإِنْسَانِ إِذَا دَخَلَ فِيهِ يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ، لٰكِنَّ ٱلأَشْيَاءَ ٱلَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ هيَ ٱلَّتِي تُنَجِّسُ ٱلإِنْسَانَ. 16إِنْ كَانَ لأَحَدٍ أُذْنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ». 17وَلَمَّا دَخَلَ مِنْ عِنْدِ ٱلْجَمْعِ إِلَى ٱلْبَيْتِ، سَأَلَهُ تَلامِيذُهُ عَنِ ٱلْمَثَلِ. 18فَقَالَ لَهُمْ: «أَفَأَنْتُمْ أَيْضاً هٰكذَا غَيْرُ فَاهِمِينَ؟ أَمَا تَفْهَمُونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ ٱلإِنْسَانَ مِنْ خَارِجٍ لا يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ، 19لأَنَّهُ لا يَدْخُلُ إِلَى قَلْبِهِ بَلْ إِلَى ٱلْجَوْفِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى ٱلْخَلاءِ، وَذٰلِكَ يُطَهِرُ كُلَّ ٱلأَطْعِمَةِ». 20ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ ٱلَّذِي يَخْرُجُ مِنَ ٱلإِنْسَانِ ذٰلِكَ يُنَجِّسُ ٱلإِنْسَانَ. 21لأَنَّهُ مِنَ ٱلدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ ٱلنَّاسِ، تَخْرُجُ ٱلأَفْكَارُ ٱلشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، 2سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ. 23جَمِيعُ هٰذِهِ ٱلشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ ٱلدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ ٱلإِنْسَانَ».

إن أكبر تجربة للمؤمنين الأتقياء هي أنهم يحاولون تقديس أنفسهم بأنفسهم. ولهذا يمتنعون عن بعض الملابس والمأكولات أو يحفظون آيات كثيرة لإرضاء الله.

فكل الكنائس والجماعات التي تمنع الموديل الجديد أو استعمال الراديو والتلفزيون لم تدرك بعد الحقيقة المرة، أن المظاهر الخارجية ليست هي أسباب خطايانا بل نتائجها. فيشبهون الذين يقطعون الحشيش من فوق الأرض ولا يقلعونه من شلوشه. فإنهم يصنعون عبثاً لأنه لا بد من اقتلاع شلوش الشر من أذهاننا وعندئذ تنتهي الثمار الردية تلقائياً.

هل تؤمن أن ليس إنسان صالحاً من تلقاء نفسه؟ المسيح يعلمنا إفلاس الإنسانية الذاتية. لأن قلب الإنسان هو ينبوع السم والسوء والشر. كن صادقاً أيها القارئ واعرتف بما تفكر نهاراً وتتخيل ليلاً. فتقبل كلمات المسيح كمبضع الجراح الذي يفتح البن الباطني ليخرج كل ما فيه.

فابن الله ذكر أن خطيتك الأولى المتسربة من داخلك هي شهواتك ونجاساتك وحتى الزنا أو اللوطية. فلا تكذب، بل صارح الله بأفكارك المشتهية وأقوالك الغير النظيفة وأعمالك المعروفة. لكي يغفر لك ويشفيك فعلاً.

والمسيح يسميك قاتلاً، ليس لأنك ذبحت إنساناً أو قتلت أحداً بالمسدس أو الكلاشينكوف، بل لأنك تبغض آخرين وترفضهم في قلبك وتتمنى أن ينتهوا بسرعة لكيلا تراهم فيما بعد. أما يسوع فيعلمك أن تحب أعداءك وتغفر لخصمك تماماً. ويدلك المسيح أيضاًعلى أ نه من قلب كل إنسان تطفو الفكرة للسرقة. فأكثر مما تلاحظ، أصبحت سارقاً. فهل في يدك شيء لا يخصك؟ وهل ابتززت من الآخرين وقتاً وأفكاراً وأشياء صغيرة أو كبيرة؟ فارجع كل ما ليس لك إلى صاحبه معترفاً أمامه باشتهائك. وجميع الناس يريدون امتلك المال والممتلكات لضمان نفوسهم بدون الله. وكثيراً ما لا نلاحظ أننا نسلب العلي حقه الذي له كل الأرض. هل استخلصت من الله جسدك وقوتك وعقلك أو وضعت نفسك خاصة له تحت تصرفه؟ امتحن نفسك: هل أدركت حالتك في روح يسوع؟ فلا تتكبر بل اعترف بحقيقتك.

إن قلبك مفعم بالخبث والاحتيال والمكر والبغضة للناس، وأما نفسك فتدلعها. ذاتك أصبحت صنماً لنفسك. وتسجد لاسم نفسك. وتجعل حياتك مقياس الآخرين. وتجدف على الله بصلواتك لأنك لا تحبه من كل قلبك، بل تقصد نفسك بأمنياتك الخبيثة. وتدور ليلاً هاراً حول الأنا المستكبر البغيض.

وكم مرة في النهار استعملت اسم الله باطلاً بدون أن يكون محور حياتك وأفكارك. أدرك أنك متكبر فخور منتفخ وهذه هي تماماً خطية الشيطان الأصلية الذي انفصل عن الله وأحب نفسه بتعجرف.

أيها الأخ العزيز، هل تعترف معنا أنك غير أصيل، ولا تعرف الله ونفسك، إن لم ينر الروح القدس ذهنك ويقودك إلى توبة الإيمان والتجديد في محبة الرب.

الصلاة: أيها الله القدوس، اغفر لنا قلبنا الشرير وطهرنا من شهواتنا النجسة. نقنا من البغضة وكل أنواع السرقة. واغلب خاصة كبرياءنا وخبثنا وجهالتنا الكبيرة. وأعترف أمامك بكل إثمي، والتمس منك تقديسي بدم المسيح تممني في التجدد بروحك القدوس، لكيلا أسقط إلى أسفل. قلباً نقيا اخلق فيّ يا ألله وروحاً مستقيماً جدد في داخلي. آمين.

السؤال: 22 - ما هي الخطايا الأصلية الطافية من قلب كل إنسان؟

14 - يسوع والامرأة الفينيقية (الأصحاح 7: 24-30)

24ثُمَّ قَامَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، وَدَخَلَ بَيْتاً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ لا يَعْلَمَ أَحَدٌ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَخْتَفِيَ، 25لأَنَّ ٱمْرَأَةً كَانَ بِٱبْنَتِهَا رُوحٌ نَجِسٌ سَمِعَتْ بِهِ، َأَتَتْ وَخَرَّتْ عِنْدَ قَدَمَيْهِ. 26وَكَانَتْ ٱلْمَرْأَةُ أُمَمِيَّةً، وَفِي جِنْسِهَا فِينِيقِيَّةً سُورِيَّةً - فَسَأَلَتْهُ أَنْ يُخْرِجَ ٱلشَّيْطَانَ مِنِ ٱبْنَتِهَا. 27وَأَمَّا يَسُوعُ فَقَالَ لَهَا: «دَعِي ٱلْبَنِينَ أَوَّاً يَشْبَعُونَ، لأَنَّهُ لَيْسَ حَسَناً أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ ٱلْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلابِ». 28فَأَجَابَتْ: «نَعَمْ يَا سَيِّدُ! وَٱلْكِلابُ أَيْضاً تَحْتَ ٱلْمَائِدَةِ تَأْكُلُ مِنْ فُتَاتِ ٱلْبَنِينَ». 29فَقَالَ لَهَا: «لأجْلِ هٰذِهِ ٱلْكَلِمَةِ ٱذْهَبِي. قَدْ خَرَجَ ٱلشَّيْطَانُ مِنِ ٱبْنَتِكِ». 30فَذَهَبَتْ إِلَى بَيْتِهَا وَوَجَدَتِ ٱلشَّيْطَانَ قَدْ خَرَجَ، وَٱلاِبْنَةَ مَطْرُوحَةً عَلَى ٱلْفِرَاشِ.

الإنسان بدون الله، يتصرف بعض الأحيان كالحيوان. ممتلئ بالشهوات والبغضاء. وعلى العكس من ذلك فقد خلقنا الله أولاً على صورة مجده، وجعل محبته مقياساً لحياتنا. ولكن حيث يترك الإنسان الله ويفتح نفسه لأرواح مستكبرة نجسة، هناك يشبع جسده اليواني بأفكار دنسة. وتتملكه كل الرغبات الشريرة. وتدفعه إلى ما لا يريد. حتى يشبه كلباً عاوياً عاضاً وخطراً على الآخرين.

الإنسان المتعلم لا يصدق في نفسه إلا بعدما شاهد أناساً مهذبين يتصرفون كالخنازير في شهواتهم وكوحوش مفترسة في الحروب الفتاكة.

لقد أتى يسوع لبنان العزيز هرباً من اليهود الذين جربوا أن يقتلوه، لأنه أوضح لهم أنهم بلا قلب جديد يسقطون إلى الدنس والدينونة. وقد أرسل الله ابنه أولاً إلى اليهود الخطاة الهالكين حسب وعده لآبائهم. ولكن لما رفض أتباع التوراة بأكثريتهم دعوة المسيح وصلبوه، وتقسوا ضد الروح القدس، عندئذ فتح الله باب الخلاص للوثنيين ودعا جميع الأمم إلى حظيرته.

وامرأة لبنانية مسكينة آمنت بسلطان يسوع ومحبته المقتدرة. واعترفت بجلاله وسجدت له. وكان قلبها نجساً كما عند باقي الناس. ولكنها انكسرت لكبريائها أمام المسيح بإرشاد الروح القدس. وتواضعت جداً، أكثر مما تفكر الإنسانية. ووافقت على مثل يسع بأكبر اتضاع. ولم ترفض كلمته المؤلمة. فرأى فجأة أن المختارين من الأمم مستعدون قبل اليهود لقبول ملكوت الله. وأن الروح القدس يرمي إلى الغبار كل من يستعد للخلاص في الأمم. فتجاوباً مع إيمان المرأة، أمر بخروج الروح الشرير من ابنتها المعذبة.

أتعرف أهمية اللحظات في تاريخ الخلاص الدولي؟ إن المرأة اللبنانية هي إحدى المقدمات من أبناء الأمم في معرفة الله الحق. وهي ممهدة لحلول قوة الله فينا. فهل تتواضع مثلها؟

اليوم ينتشر المسيح في كل العالم. وكل من يعترف بخطيته المخبأة، ويعلن أخلاقه الدنسة أمام الله حقاً، يمتلئ بالحياة الأبدية وينضم إلى عائلة الله. فكل المؤمنين بالمسيح يهوداً أو أمماً يعيشون اليوم في العهد الجديد بحيث يقبل المسيح كل ضا نجس ويطهره بدمه ويملأه بالمحبة الإلهية وقوة السلام. فهل تنمو روحياً أو تنقص في الإيمان؟

الصلاة: أيها الآب نعترف أمامك أننا نشبه في قلوبنا وحوشاً منقادة الى الغضب وكراهية الآخرين. اغفر لنا الشر الساكن فينا واملأنا بمحبة ابنك وطهارته وصبره، لنغفر لكل الناس دائماً، ونعتبر أنفسنا أصغر الكل في شركة الأخوة. اشف اصدقاءنا وأقرباءنا من كبريائهم، لكي تخرج الافكار النجسة منهم ويحل فيهم روحك القدوس. آمين.

السؤال: 23 - ما هو معنى معجزة يسوع جوابا لإيمان المرأة الفينيقية؟

15 - رجوع يسوع إلى الجليل وذهابه إلى الأردن مع شفاء الأخرس الأطرش (الأصحاح 7: 31-37)

31ثُمَّ خَرَجَ أَيْضاً مِنْ تُخُومِ صُورَ وَصَيْدَاءَ، وَجَاءَ إِلَى بَحْرِ ٱلْجَلِيلِ فِي وَسْطِ حُدُودِ ٱلْمُدُنِ ٱلْعَشْرِ. 32وَجَاءُوا إِلَيْهِ بِأَصَمَّ أَعْقَدَ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. 33فَأَخَذهُ مِنْ بَيْنِ ٱلْجَمْعِ عَلَى نَاحِيَةٍ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَتَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ، 34وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ ٱلسَّمَاءِ وَأَنَّ وَقَالَ لَهُ: «إِفَّثَا». أَيِ ٱنْفَتِحْ. 35وَلِلْوَقْتِ ٱنْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ وَٱنْحَلَّ رِبَاطُ لِسَانِهِ، وَتَكَلَّمَ مُسْتَقِيماً. 36فَأَوْصَاهُمْ أَنْ لا يَقُولُوا لأَحَدٍ. وَلٰكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا أَوْصَاهُمْ كَانُوا يُنَادُونَ أَكْثَرَ كَثِيراً. 37وَبُهِتُوا إِلَى ٱلْغَايَةِ قَائِلِينَ: «إِنَّهُ عَمِل كُلَّ شَيْءٍ حَسَناً! جَعَلَ ٱلصُّمَّ يَسْمَعُونَ وَٱلْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ!».

أكثرية الناس لا تصغي إلى كلمة الله. وقليلون يعترفون باسم يسوع. فالبشر يشبه الصم والخرس لأنهم لا يسمعون دعوة الرب بآذان مفتوحة، ولا يفهمون رسالة الإنجيل بقلوب حافظة، ولا تنطق ألسنتهم لتمجيد الرب، بل تصدر منهم كلمات ملوثة وتسابيح فاغة مرائية. ولكن اسم الآب والابن والروح القدس لا يخرج من أفواههم لأن يسوع لم يفك قيود قلوبهم بعد. أتشبه الصم بنظر الإيمان الحق؟ التجئ إلى يسوع لأن له الإمكانية والسلطان ليحررك من سوء شرك. وهو مستعد لاستقبالك. والمسيح يريد إرادة جازمة أن فتح ذهنك ويخلصك من التقسي للإيمان الحق والمحبة الراجية. لتصبح شاهداً مفوضاً لسلطانه العظيم.

ذهب المسيح إلى شرقي الأردن هرباً من اليهود بعدما عاد من مناطق صور وصيدا. فأمته تشبه أيضاً الأطرش والأبكم، لأنهم معتقدون بأن كلمة الله في حوزتهم وهم يسمعونها ويصلون بلجاجة. ولكن بالحقيقة هم عميان طرش عرج، لأن الروح القدس لم يحل فيه بعد.

والتقى يسوع هناك بشخص أردني مريض جلبه أناس مؤمنون ليشفيه. فعالجه المسيح بمحبة ولطف فائق واضعاً اصبعه في أذني المريض الصماء، لكي يشعر بيد الله تلمس رأسه. وتفل بريقه الإلهي في لسان الأخرس ولمس فمه، لتجري قوة الله فيه. ورفع المسيح عييه نحو السماء، لكي يفهم المريض أن الخلاص والغفران يأتي من الله وحده. وبعدما خلق المسيح في الأطرش الأبكم إيماناً بشخصه بواسطة إشاراته الواضحة وشعور محبته، حرك يسوع شفتيه ناطقاً الكلمة الخالقة «انفتح». وللوقت انتفحت أذنا المريض، وانحل ربط لسانه، وتكلم باستقامة، وكلمة الله كانت أول ما سمع في حياته.

وابن الله اليوم يلمس آذان كثيرين ويضع اصبعه على ألسنتهم ويقول «افتح» وقصده أن يجعل ملايين من العالم سامعين وشهوداً متهللين باسم الآب. هل تأتي إلى عيادة المسيح وتجلب أصدقاءك؟ إنه شفيع ومعين. ولا يخرج أحداً خارجاً، لأنه إله محب شفي.

الصلاة: ايها الرب القدير، نسجد لمحبتك ونعظمك لمعالجة الأطرش في الأردن. خلصنا من خرسنا وعدم نطقنا. لنتحرر من قيود قلوبنا ونراك في جلالك أمامنا ونسمع كلمتك الخالقة ونسبح باسمك جهرا أمام الله والناس. وافتح آذان الملايين ف أيامنا وحل عقد ألسنتهم ليسبحوك إلى الأبد. آمين.

السؤال: 24 - كيف شفي يسوع الأطرش الأبكم الأردني؟

16 - إشباع الأربعة آلاف (اَلأَصْحَاحُ 8: 1-9)

1فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ إِذْ كَانَ ٱلْجَمْعُ كَثِيراً جِدّاً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ، دَعَا يَسُوعُ تَلامِيذَهُ وَقَالَ لَهُمْ: 2 «إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى ٱلْجَمْعِ، لأَنَّ ٱلآنَ لَهُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ يَمْكثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. 3وَإِنْ صَرَفْتُهُمْ إِلَى بُيُوتِهِمْ صَائِمِينَ يُخَوِّرُونَ فِي ٱلطَّرِيقِ، لأَنَّ قَوْماً مِنْهُمْ جَاءُوا مِنْ بَعِيدٍ». 4فَأَجَابَهُ تَلامِيذُهُ: «مِنْ أَيْنَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَن يُشْبِعَ هٰؤُلاءِ خُبْزاً هُنَا فِي ٱلْبَرِّيَّةِ؟» 5فَسَأَلَهُمْ: «كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ ٱلْخُبْزِ؟» فَقَالُوا: «سَبْعَةٌ». 6فَأَمَرَ ٱلْجَمْعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى ٱلأَرْضِ، وَأَخَذَ ٱلسَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَشَكَرَ وَكَسَرَ وَأعْطَى تَلامِيذَهُ لِيُقَدِّمُوا، فَقَدَّمُوا إِلَى ٱلْجَمْعِ. 7وَكَانَ مَعَهُمْ قَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ ٱلسَّمَكِ، فَبَارَكَ وَقَالَ أَنْ يُقَدِّمُوا هٰذِهِ أَيْضاً. 8فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا، ثُمَّ رَفَعُوا فَضَلاتِ ٱلْكِسَرِ: سَبْعَة سِلالٍ. 9وَكَانَ ٱلآكِلُونَ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلافٍ. ثُمَّ صَرَفَهُمْ.

اشتاقت الجماهير لكلمة الله وأتت إلى يسوع لتستمع إليه ساعات طوالاً. فكل قلب مشتاق إلى محبة طاهرة وحماية الله. طوبى للفرد الطالب ربه الماكث أمام القدوس في الصلاة، والمتعمق في كلمته. فهذا تمتلئ نفسه بقوة سماوية وفرح باق. هل تأكدت أن سوع هو ينبوع الحكمة الإلهية والمعرفة الحقة؟ فتعال إلى المخلص، واصرف ساعات لاستماع إنجيله. فتصح وتنتعش وتتجدد وتطير فرحاً.

يسوع المسيح هو كلمة الله المتجسد وهو قادر ليشبع جوع أنفسنا تماماً. ولكنه إنسان حق أيضاً، مختبر الجوع والعطش الساكن في أجسادنا.

وتمنى تلاميذه أن يشبعوا المسمتعين الجياع بعدما ظلوا ثلاثة أيام بلياليها صموتا. ولم يطلبوا هذه المرة من ربهم أن يصرف الجموع الجائعة سريعاً كما فعلوا في السابق، لأنهم اختبروا معجزته العظيمة في اشباع الخمسة آلاف شخص من قبل. فانتظروا ن يصنع معجزة جديدة في هذه الحالة المتأزمة وأن يمنح الحرمة للجماهير المستمعة إليه. ويسوع لا يريد خلاص أنفسنا بحسب، بل يعتني بأجسادنا واحتياجاتنا الدنيوية أيضاً. وكان مستعداً أن يطعم الجماهير بأعجوبة كالسابق. وقبل الأرغفة والسمكات الموجود القليلة. وحولها إلى غذاء كاف لأربعة آلاف نفس. لم ينزل المسيح مائدة من السماء ممتلئة بالأطعمة الشهية من الفاكهة واللبن والعسل ولحوم الطير، بل قبل القليل الحقير ورضي به وأتى معه إلى حضرة أبيه. وشكر أمامه شكراً قلبياً. وأعطى من هذا الزاد لجماهير. فازداد الطعام وتكاثر بفعل قدرته. وأصبح بحراً من البركة للكثيرين.

أتشكر ربك لما عندك من القليل وتكتفي به ولا تتذمر بحنق مشتهياً الرفاهية ورخاء العيش؟ أكسر خبزك أمام ربك شاكراً واحمد مخلصك دائماً واعط من القليل الذي عندك للمحتاجين. فتتعجب وترى كيف بركات العلي تجري بواسطتك إلى الكثيرين. ولن تنسى اشكر بفرح.

الصلاة: أيها الله القدوس، اغفر لنا قلة إيماننا، أنت القدير لتشبع أرضنا رغم تكاثر السكان والبطالة عن العمل عامة. علم كل الناس لينظروا إليك ويستمعوا لكلمتك لكي يتبرروا ويتقدسوا، فتفتح نوافذ السماء وتمطر علينا بنعمتك ونشكك لأنك خلصتنا. وتعتني بنا في كل لحظة من حياتنا. آمين.

السؤال: 25 - لماذا وكيف أشبع يسوع الأربعة آلاف مستمع؟

17 - رفض المسيح طالبي آية خاصة (الأصحاح 8: 10-13)

10وَلِلْوَقْتِ دَخَلَ ٱلسَّفِينَةَ مَعَ تَلامِيذِهِ وَجَاءَ إِلَى نَوَاحِي دَلْمَانُوثَةَ. 11فَخَرَجَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ وَٱبْتَدَأُوا يُحَاوِرُونَهُ طَالِبِينَ مِنْهُ آيَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ، لِكَيْ يُجَرِّبُوهُ. 12فَتَنَهَّد بِرُوحِهِ وَقَالَ: «لِمَاذَا يَطْلُبُ هٰذَا ٱلْجِيلُ آيَةً؟ اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لَنْ يُعْطَى هٰذَا ٱلْجِيلُ آيَةً!»

13ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَدَخَلَ أَيْضاً ٱلسَّفِينَةَ وَمَضَى إِلَى ٱلْعَبْرِ.

ما كان الفريسيون فلاسفة بل رجالاً واقعيين طالبين ممارسة التعاليم الدينية في الحياة لكيلا يبقى الإيمان مجرد فكر. فحفظوا الناموس بصرامة وتدقيق، ليستمدوا من أنفسهم الطاقة لأتمام الوصايا.

وهنا نجد أحد الفروق بين الغرب والشرق، اليونان والساميين. أن العبرانيين يطلبون أولاً اختبار قوة فائقة كبرهان لعهدهم مع الله وللوصول إلى نتائج ملموسة لمعتقداتهم. بينما الفلاسفة في أوروبا يفكرون أكثر بأسباب ودوافع وأهداف عقيدتهم. فيحولون معرفة الله وفكر الإيمان بالدرجة الأولى.

وهنا نجد أحد الفروق بين الغرب والشرق، اليونان والساميين. أن العبرانيين يطلبون أولاً اختبار قوة فائقة كبرهان لعهدهم مع الله وللوصول إلى نتائج ملموسة لمعتقداتهم. بينما الفلاسفة في أوروبا يفكرون أكثر بأسباب ودوافع وأهداف عقيدتهم. فيحولون معرفة الله وفكر الإيمان بالدرجة الأولى. أما الساميون فيريدون تنفيذ القداسة. وهكذا صار الناموس والشريعة محور الأديان الشرقية.

وقد طلب الفريسيون من يسوع علاقة لبيان سلطانه وبرهاناً لمصدره الإلهي. تمنوا أنه يجري إحدى الآيات المشهورة علانية كما أنزل النبي إيليا من السماء النار الآكلة أعداءه، أما شفاء المرضى وإخراج الشياطين فلم يكفهم. وأصروا على إتيان المسيح بمعجزة لإفادة سياسية وتنفيذ حكم التوراة بالقوة على الجميع، وليس علامة المحبة والمعرفة واللطف. ولكن كل الذين يطلبون من يسوع سلطة أو مالاً أو خضوعاً لتمنيات بشرية فلن يجاوبهم ولا ينالوا شيئاً.

إن المسيح هو نفسه آية الله العظمى. لهذا لم يشأ القدير تلبية رغبة الناموسيين بإتيان علامة خاصة لبرهان سلطان ابنه، بل أتى شخصياً معلناً ذاته أباً في ابن محبته اللطيفة. الذي أظهر مجد الله المستتر في كلمات حقه وشفاءات المرضى. فكل من يؤمن بالمسيح يدرك أنه هو الآية الإلهية العظمى في كل زمان لأنه المولود من الروح القدس، ورفع خطايا العالم، وصالحنا مع الله، وهو الحياة في ذاته. وقيامته من الأموات هي أجلى برهان لألوهيته ولسلطانه الغالب على كل مضاد لله. المسيح بذاته الحياة وحياناً بروحه القدوس. فإن آمنت بابن الله تشترك في فوزه وتعيش إلى الأبد. مختبراً لطفه وقواه السماوية العاملة في كنيسته اليوم. وهكذا يجاوب المسيح على أسئلة الشرق والغرب مانحاً لنا بواسطة معرفة ألوهيته، قوة محبته لتنفيذ ناموس الروح فينا.

الصلاة: أيها الآب السماوي نعظمك لأنك أعطيتنا علامة من السماء تفوق عقولنا في تجسد ابنك وموته وقيامته المجيدة. نسجد لك ونؤمن بمسيحك ونلتمس منك أن تملأنا بروحك القدوس، لتعظم قوتك في ضعفنا وجهالتنا. أما روحك المعزي فيرشدناالى كل الحق. آمين.

السؤال: 26 - لماذا لم يعمل يسوع للفريسيين آية خاصة؟

18 - المكالمة عن خميرة الفريسيين وهيرودس (الأصحاح 8: 14-21)

14وَنَسُوا أَنْ يَأْخُذُوا خُبْزاً، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِي ٱلسَّفِينَةِ إِلاّ رَغِيفٌ وَاحِدٌ. 15وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: «ٱنْظُرُوا وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرِ هِيرُودُسَ. 16فَفَكَّرُوا قَائِلينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَيْسَ عِنْدَنَا خُبْزٌ». 17فَعَلِمَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ أَنْ لَيْسَ عِنْدَكُمْ خُبْزٌ؟ أَلا تَشْعُرُونَ بَعْدُ وَلا تَفْهَمُونَ؟ أَحَتَّى ٱلآنَ قُلُوبُكُمْ غَلِيظَةٌ؟ 18أَلَكمْ أَعْيُنٌ وَلا تُبْصِرُونَ، وَلَكُمْ آذَانٌ وَلا تَسْمَعُونَ، وَلا تَذْكُرُونَ؟ 19حِينَ كَسَّرْتُ ٱلأَرْغِفَةَ ٱلْخَمْسَةَ لِلْخَمْسَةِ ٱلآلافِ، كَمْ قُفَّةً مَمْلُوَّةً كِسَراً رَفَعْتُمْ؟» قَالُوا لَهُ: «ٱثْنَتَيْ عَشْرَة». 20 «وَحِينَ ٱلسَّبْعَةِ لِلأَرْبَعَةِ ٱلآلافِ، كَمْ سَلَّ كِسَرٍ مَمْلُوّاً رَفَعْتُمْ؟» قَالُوا: «سَبْعَةً». 21فَقَالَ لَهُمْ: «كَيْفَ لا تَفْهَمُونَ؟»

لا تقدر أن تحصل على البر المقبول عند الله بواسطة حفظ الناموس بقوة بشرية، إنما هبة نعمة المسيح هي وحدها تؤهلك للتمثل أمام القدوس. هذا هو السر العظيم في إنجيلنا وجوهر امتيازه. ولما نطق يسوع بالعبارة خمير الفريسيين، دلّ على الروح الناموسي المضاد للإنجيل. لأن المتمسكين بالعهد القديم طلبوا ممارسة مجموعة من قوانين وصلوات مع حفظ السبوت، ويلزمون الناس بالصوم والحج وتبرعات عديدة ليستطيعوا إرضاء الله. إن هذه الفكرة هي أكذب حيل الشيطان، لأن كل من يفكر هكذا يظن ويتخيّل بأن لإنسان صالح في ذاته وقادر لخدمة الله من تلقاء نفسه بدون غفران. أما المسيح فعلمنا أن الإنسان غير صالح ولا برئ منذ طفوليته، بل كلنا فاسدون نجسون إن قارنا أنفسنا بقداسة الله.

الاعتراف بذنوبنا وفسادنا المطلق بحفظنا من الروح الفريسي المتكبر، وخداع الناموسيين المرائين، ومن التخيل بأن ا لامتناع عن بعض المآكل أو لبس بعض الأزياء يربحنا السماء، ويمهد لنا الطريق المؤدي إلى الله. فمن يتكل على التقوى البشرية البنية على اجتهاد الإنسان فهو باطل وغير مقبول عند الله ويسقط إلى الجحيم.

احترز من خميرة الفريسيين، لأن القليل من الروح الناموسي يفسد إيمانك كله. تأمل في رسائل بولس الرسول بدقة، لتدرك شدة الكفاح لإحراز الحرية من الناموس والثبات في نعمة المسيح المجانية.

وأما العبارة عن خميرة الملك هيرودس، فتدلنا على حياة اللهو في الجنس واللامبالاة مع الخوف من المستقبل. فمن يرتمي إلى التيارات العصرية، يترك العهد مع الله. فنحن المؤمنين لسنا تحت الناموس بل أحرار في المسيح، الذي قد ارتبطنا به طوعاً واموسه ساكن في قلوبنا، الذي يمنح لنا القوة لسلوك طاهر وسيرة متواضعة. في هذا العهد الجديد قد تحررنا من التعصب وتخلصنا من العبودية للخطية في شهوات الجسد وثبتنا في حرية المسيح الفريدة.

ولكن التلاميذ آنذاك لم يدركوا معنى هذه الكلمات من فم المسيح. وظنوا بنقصان الخبز في سفينتهم، بينما هو قصد برّه الروحي عوضاً عن تزمت الفريسيين وأبهة هيرودس الخليعة. وبينما أراد المسيح إنقاذ تلاميذه من غرقهم في الخطايا وقيود الموت وتارب الشيطان وإرشادهم إلى أبيه السماوي،كانوا هم يفكرون بالغذاء الدنيوي وضمان حياتهم الزمنية. وما انتهرهم المسيح لعدم فهمهم الروحي ولا لأجل اهتمامهم بالخبز، بل لأن أفكارهم المادية تخنق إيمانهم. قد أظهر المسيح لهم مرتين متواليتين كيف يقدر و أن يخلق من بعض الأرغقة والسمك القليل طعاماً كثيراً للجماهير. فلماذا ألهمّ حول الخبز وهو حاضر معهم.

هل أدركت أن المسيح حاضر عندك ويساعدك لتشتغل باجتهاد وتدرس فروضك اليومية بدقة ليؤمن لك الخبز اليومي؟ فمن يصل ويشغل بأمانة، يطمئن بحضور المسيح لأنه يحررنا من الهموم الدنيوية لإيماننا بقدرته السرمدية.

الصلاة: أيها الرب الصبور، اغفر لنا جهلنا وهمومنا الدنيوية واهتمامنا بالخبز اليومي أكثر من اللازم. وحررنا من تقديس الذات في سبيل الناموسيين، واحفظنا أيضاً من الروح العصري في اللهو والدعارة. ثبتنا مع المؤمنين في حرية نعمك والثقة الثابتة في خلاصك. آمين.

السؤال: 27 - أي جواب انتظر يسوع من تلاميذه بعد بحث خمير الفريسيين؟

19 - شفاء الأعمى في بيت صيدا (الأصحاح 8: 22-26)

22وَجَاءَ إِلَى بَيْتِ صَيْدَا، فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ، 23فَأَخَذَ بِيَدِ ٱلأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ ٱلْقَرْيَةِ، وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلهُ هَلْ أَبْصَرَ شَيْئاً؟ 24فَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «أُبْصِرُ ٱلنَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ». 25ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضاً عَلَى عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحاً وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيّاً. 26فَأَرْسَلَهُ إِلَى بَيْتِهِ قَائِلاً: «لا تَدْخُلِ ٱلْقَرْيَةَ، وَلا تَقُلْ لأَحَدٍ فِي ٱلْقَرْيَةِ».

المسيحي الحق يتطور من معرفة جزئية إلى إدراك خطة خلاص الله الواسعة. فمن يؤمن بالمسيح ينمو في معرفة محبته واختبار قوته، ولا يكون كاملاً رغم الكمال الموهوب له، بل ينتقل من إيمان إلى إيمان أكثر. وهذا التطور الروحي نراه جلياً في شفاء امسيح للأعمى في بيت صيدا.

جلب بعض المؤمنين أعمى إلى يسوع وطلبوا إليه أن يلمسه بقدرته ليُشفى. وهذا هو بدقة موضوع التبشير. وامتيازك كمؤمن مخلص أن تجلب العمي بنسبة الإيمان إلى يسوع في صلواتك لكي ينيرهم بروحه. فخدمة ابتهالاتك هي بداية شفائهم. ولم ينفذ ا لمسيح باشرة إرادة الطالبين، بل أخذ المريض جانباً واقتاده من وسط الجمهور إلى الانفراد والسكون. فقبل أن يحصل على البصر، كان الأعمى يتبع يسوع إلى الهدوء. وهكذا يأخذ المسيح كل جالب الحق من ضجيج الحياة جانباً، ليعالجه شخصياً في راحة التأمل حسب مرض وضيقه الخاص.

وتقل ابن الله في عيين الضرير،علامة للتطهير من آثامه، وشعوراً بالغسل الإلهي. فكل أعمى في الروح يحتاج أولاً إلى تطهير قلبه من خطاياه بدم المسيح. لأن الخطايا هي التي سترت معرفتنا بالله.

ولمس يسوع الأعمى بيده الإلهية، فجرت قوته في المريض المترقب الشفاء كما يجري التيار الكهربائي إلى يدك وجسمك إن لمست سلكه. فهكذا أيضاً إن آمنت بغفران خطاياك من المصلوب، يحل فيك قوة الروح القدس العنصر السماوي الجديد لأن المسيح لا يكلم فقط بل يشركك بقوته الخاصة أيضاً.

وبعدئذ كلم يسوع الأعمى وشجعه أن ينظر، فابتدأ يرى الأشياء غير واضحة. كما أن بعض المؤمنين بالمسيح لا يرون لأول وهلة وسع خلاصهم وأسرار الثالوث الأقدس بوضوح، خصوصاً إن كان روح الأعمى الروحي ضاغطاً على عشيرتهم منذ أجيال عديدة. ولكن سما كلمة المسيح بمواظبة، والاتصال بقوته اللطيفة، ينمي المعرفة الحقة والإيمان المستقيم.

ولم يفقد المسيح صبره لما لم ير المشفي شيء رأساً بوضوح، بل وضع مرة ثانية يديه على عيني الرجل بعدما اعترف أنه يرى جزئياً. وهكذا أيها القارئ نشجعك أن تعترف بإيمانك النامي الراجي، فتختبر أن ابن الله يلمسك ويمنحك بصيرة أوسع عن خلاصه وقته ومحبته.

وأخيراً قدر المشفي أن يرى ويدرك بدقة يسوع أمام عينيه. فكان وجهه اللطيف أول ما ارتسم في فؤاد الرجل، وبعدئذ رأى بدهشة تفاصيل العالم حوله كلها. ولكن قلبه امتلأ فرحاً لأن عينيه قد أبصرتا الرب.

وحذره المسيح ألا يتعجل بذكر هذه الحادثة أمام الآخرين، بل أن يترك الجمهور ويعتزل عنه، شاكراً الرب ليدرك بشكره من هو المسيح وعظمة فعله. ومن هو الإنسان في ذاته، وعدم استحقاقه للحصول على عون الرب.

هل شكرت مرة ربك لعينيك المفتوحتين؟ أنه في العالم العربي بوجد أكثر من ثلاثمائة ألف كفيف. فهل فيك الشفقة والاستعداد لخدمتهم؟ ومتى تبتدئ بشكر ربك لأجل الخلاص الممنوح لك، وتزور أعمى في محيطك وتصلي معه وتساعده عملياً؟

الصلاة: أيها الرب، نشكرك لصبرك معنا. اغفر لنا عمانا الروحي، وطهر قلوبنا من كل ذنب ونجس بدمك الثمين. وأنرنا بروحك القدوس، لكي نراك في لطفك بدقة ولن ننساك. وساعدنا لنعرف قلوبنا الغبية، لكيلا نتكبر بل نمتلئ بسلامك ونجلب كثيرين من العمى الروحي إليك، ليروك كما نراك نحن محور حياتنا. وساعدنا لنخدم أيضاً المكفوفين في محيطنا بخدمات عملية وصلوات ملحة. آمين.

السؤال: 28 - ماذا نتعلم من شفاء يسوع للأعمى في بيت صيدا؟

المسابقة الثانية لإنجيل مرقس

أيها القارئ العزيز. إن تأملت في الجزء الرابع من انجيل البشير مرقس وتفسيره، تستطيع الجواب على الأسئلة التالية بسهولة.

  1. من أي مناطق تراكضت الجماهير إلى يسوع؟

  2. من هم التلاميذ الاثني عشر، وما هي ميزة كل واحد؟

  3. ما هو معنى وغاية تهمة الوفد من أورشليم؟

  4. من هو أخ وأخت يسوع؟

  5. ما هي الفئات الأربعة من الناس الذين يسمعون كلمة الله ويتصرفون بطرق مختلفة؟

  6. ما هي القاعدة للنمو الروحي والنقصان فيه؟

  7. كيف نحتفظ بكلمة الله؟

  8. لماذا لا يمكن اخفاء الإيمان على الدوام؟

  9. ما هو سر النمو في ملكوت الله؟

  10. لماذا يعظم ملكوت الله على جميع المذاهب؟

  11. لماذا ارتاح ونام يسوع وسط العاصفة، وماذا نتعلم من إسكات الهيجان المهلك؟

  12. كيف عاش المجنون بعد تحريره بيسوع؟

  13. لماذا سمح يسوع لرئيس المجمع أن يسجد له؟

  14. لماذا شفيت المرآة عندما لمست يسوع؟

  15. ماذا نفهم عن شخصية يسوع من إقامته للبنت الميتة؟

  16. لماذا لم يقدر يسوع أن يقوم بعجائب في بلده؟

  17. ما هي أوامر المسيح لرسله قبل انطلاقهم للتبشير؟

  18. ما هي أسباب موت يوحنا المعمدان؟

  19. ما هو سر إشباع الخمسة آلاف؟

  20. ماذا يقصد المسيح بعبارته لتلاميذه «أنا هو»؟

  21. لماذا لا قوة مطهرة أمام الله لغسل اليدين والوضوءات؟

  22. ما هي الخطايا الأصلية الطافية من قلب كل انسان؟

  23. ما هو معنى معجزة يسوع جوابا لإيمان المرآة الفينيقية؟

  24. كيف شفى يسوع الأطرش الأبكم الأردني؟

  25. لماذا وكيف أشبع يسوع الأربعة آلاف مستمع؟

  26. لماذا لم يعمل يسوع للفريسيين آية خاصة؟

  27. أي جواب انتظر يسوع من تلاميذه، بعد البحث عن خميرة الفريسيين؟

  28. ماذا نتعلم من شفاء يسوع للأعمى في بيت صيدا؟

إن جاوبت على 24 سؤال من الأسئلة الثمانية والعشرين المذكورة أعلاه، فنرسل لك أحد كتبنا جائزة لاشتراكك معنا. ولا تنس اسمك وعنوانك الكامل على أوراق المسابقة التي ترسلها إلينا.

الجزء الخامس: المسيح يعلن لتلاميذه موته وحياته (الأصحاح 8: 27-10: 45)

1 - اعتراف بطرس بأن يسوع هو المسيح ابن الله وسقوطه في تجربة الشيطان ( الأصحاح 8: 27-33)

27ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ وَتَلامِيذُهُ إِلَى قُرَى قَيْصَرِيَّةِ فِيلُبُّسَ. وَفِي ٱلطَّرِيقِ سَأَلَ تَلامِيذَهُ: «مَنْ يَقُولُ ٱلنَّاسُ إِنِّي أَنَا؟» 28فَأَجَابُوا: «يُوحَنَّا ٱلْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ إِيلِيَّا، وَآخَرُنَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلأَنْبِيَاءِ». 29فَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟» فَأَجَابَ بُطْرُسُ: «أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ!» 30فَٱنْتَهَرَهُمْ كَيْ لا يَقُولُوا لأَحَدٍ عَنْهُ.

31وَٱبْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً، وَيُرْفَضَ مِنَ ٱلشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ. 32وَقَالَ ٱلْقَولَ عَلانِيَةً، فَأَخَذَهُ بُطْرُسُ إِلَيْهِ وَٱبْتَدَأَ يَنْتَهِرُهُ. 33فَٱلْتَفَتَ وَأَبْصَرَ تَلامِيذَهُ، فَٱنْتَهَرَ بُطْرُسَ قَائِلاً: «ٱذْهَبْ عَنِّي يَا شَيْطَانُ، لأَنَّكَ لا تَهْتَمُّ بِمَا لِلّٰهِ لٰكِنْ بِمَا لِلنَّاس».

لقد أرشد المسيح تلاميذه إلى النضوج في الإيمان، حتى أدركوا من هو. وقاد إيمانهم النامي تدريجياً إلى الاعتراف به جهراً، ليقرروا مسيرهم بعزم ويتبعوه بثبات.

وقد سمت الجماهير المسيح نبياً، بمعنى خليفة موسى أو موسى الثاني. والبعض حسبوه أنه روح يوحنا المعمدان المتجسد الحال فيه، الشبيه لإيليا النبي الغيور الموعود أن يجيء قبل المسيح. لكن المسيح اخترق قلوب رسله وحملهم على الاعتراف المستقيم حقيقة جوهره.

فما هو إيمانك بيسوع؟ أتقول بسطحية أنه المسيح وهل عرفت المعاني المختلفة في هذا الاسم العميق؟ فاللقب «المسيح» يعني إنساناً ممسوحاً بالروح القدس. كما مسح الله سابقاً رؤساء الكهنة والملوك الأمناء والأنبياء البارزين. ولكن يسوع المسيح ه ممسوح الممسوحين الكامل، لأنه فيه حل كل ملء اللاهوت جسدياً. وكل صفات القدوس وقواه ومواهبه يتضمنها هذا الاسم الفريد.

ولكن اليهود فكروا أن المسيح الآتي هو ملك سياسي، من قبل الله، في آخر الأيام، الذي يحررهم بعجائبه من نير استعمار الرومان، ويجعلهم أمة قائدة للعالم كله. فإيمانهم بملك سياسي كان خداعاً من الشيطان، الذي فسر مواعيد العهد القديم بالمكر ولالتواء.

إنما قد عرف المسيح وعلمنا أن كل دولة قائمة بالجند والضرائب والقوانين لا تغير قلوب الناس. فأراد إنشاء مملكة روحية حيث يسكن الله مع الناس في عهد أبدي. ولكن البشر كله ابتعد عن الخالق، وخطايانا كرمل البحر وجبلتنا فاسدة. لهذا رفع المسي ذنوبنا، وصالحنا مع القاضي الأزلي لنعيش في سلام السماوات. وتكلم بطرس نيابة عن التلاميذ الآخرين واعترف بأن يسوع هو مسيح الله الحق. ولم يحصل على هذه المعرفة بتحليل عقلي، أو بتصميم إرادي، بل بوحي من الله الآب الذي أعلن له برحمته حقيقة المسح يسوع. فلا يتم الإلهام بلحم ودم، بل بروح الله من خارج دنيانا.

وربما لم يفهم بطرس عمق معنى الاعتراف بلقب المسيح آنذاك، بل ظن أنه مخلص روحي وملك سياسي بنفس الوقت. فابتدأ يسوع يفسر لتلاميذه ضرورة موته بأيدي شيوخ وروؤساء الكهنة مرفوضاً من الأمة.

عندئذ ثار بطرس غضباً، وأراد إنقاذ ابن الله من الأشرار، وحاول منعه من الذهاب إلى الصليب. وبهذا الفكر البشري انجذب فاتحاً نفسه لوسوسات روح الشيطان، الذي جرب يسوع سابقاً في البرية ليمنعه من الذهاب إلى الصليب. ففشل. ورجع الآن، وحل في طرس، الذي قُبيل هذا القول كان الوسيط لوحي الله عوضاً عن كل التلاميذ.

نتعلم من بطرس أن الشهادة للمسيح يمكن أن تنقلب سريعاً إلى لعنة شيطانية إن لم نثبت في غاية مجيء المسيح، أي مصالحته للناس مع الله على الصليب. لأنه قد تجسد ليفتح لنا الباب المؤدي إلى الآب، واشترانا بموته أولاداً لله.

الصلاة: أيها الآب، اغفر لنا إن آمنا بابنك بطريقة سطحية، وتمنينا بواسطة الإيمان به نجاحاً في الامتحانات والوظائف والأموال والشرف، افتح عيوننا لنرى أن مجد المسيح متحقق في الاحتقار على الصليب، لما حمل خطايا العالم، وبررنا مجاناً، وصالحنا معك، لكي ننكسر، ونتوب ونثبت في تواضعه، ونحقق محبته في حياتنا. آمين.

السؤال: 1 - ما هي أهم المعاني في شهادة بطرس الرسول؟

2 - مبادئ اتباع يسوع (الأصحاح 8: 34-38)

34وَدَعَا ٱلْجَمْعَ مَعَ تَلامِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي. 35فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، وَمَنْ يُهْلِكُ نفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ ٱلإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا. 36لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ ٱلإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ 37أَوْ مَاذَا يُعْطِي ٱلإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟ 38لأَنَّ منِ ٱسْتَحَى بِي وَبِكَلامِي فِي هٰذَا ٱلْجِيلِ ٱلْفَاسِقِ ٱلْخَاطِئِ فَإِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ يَسْتَحِي بِهِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِ أَبِيهِ مَعَ ٱلْمَلائِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ».

هذه الآيات غنية إلى درجة أن مجلدات ضخمة لا تكفي لتفسيرها. فاحفظها غيباً، واذكرهما دائماً، واطلب من المسيح تحقيقها في حياتك بفرح الروح القدس.

لقد آمن بطرس بالمسيح، وصمم على ابتاعه، دون أن يلاحظ أن ذهنه الجسدي وشعوره الإنساني لا ينسجم مع ملكوت الله. لأنه لا يوجد إنسان صالح أمام القدوس. ومن لا يشتكي على نفسه معترفاً بذنوبه ومميتاً كبرياءه، فلا يكون صالحاً وقادراً لاتباع لمسيح.

فأول درجة في هذا الاتباع تتطلب إنكار الذات، فلا نتجاوب بأنفسنا فيما بعد ونقول لرغباتنا الأنانية: «لا» بل نعتبر أنفسنا لا شيء ونحتقر ذواتنا، ولا نسايرها ولا نكرمها ولا نمجدها.

فلماذا يطلب المسيح منا موقفاً سلبياً تجاه الأنا؟ لأن الإنسانية سممت كل النواحي من حياتنا. حتى أصبحت أفكارنا ملوثة وأعمالنا الصالحة غير كاملة ولا كافية. هل ابتدأت بإنكار نفسك أو هل تحب ذاتك وتبالغ بهندمة وجهك أمام المرآة؟ هل دُست شواتك أو لا تزال تكافح لأجل شرف عشيرتك؟ يسوع أنكر نفسه وعائلته، وأصبح خادم الجميع. هل تفكر بشهرة وأنك مهم؟ لو فعلت هذا لا تلتقي بيسوع الذي هو وديع وقنوع. أنكر نفسك لأن إلهنا رب متواضع.

ويقود يسوع تلاميذه إلى درجة ثانية في اتباعه قائلاً: «احمل صلبيك». ولا يقصد بهذا القول صليبه الخاص، ولا مشاكلنا أو آلامنا أو اضهاداتنا لأجل اسمه، بل يدلنا على المعنى العام للصليب آنذاك المعين للقضاء على المجرمين والعبيد الفارّين عن الرومان. فبذكر كلمة «صليبك» يعني يسوع: أنت مذنب أمام الله، وعبد خطاياك وعاصٍ، والموت على الصليب نصيبك.

قليلون من أتباع يسوع يدركون سر الحكم على الذات، لأن معرفة أنفسنا تتطلب أولاً معرفة الله. فليس فكري أو شعوري هو المقياس لنفسي. بل الله بالذات وناموسه وعظمته هو مقياس نفسي. أمامه نحن جيعنا لا شيء. بالأحرى فاسدون هالكون. طوبى لك إن أركت الله القدوس المحب. عندئذ تعرف من انت بدون تفسير، وتنكسر إنكساراً نهائياً.

هل أنكرت نفسك، وحكمت على ذاتك؟ إذا اتبع يسوع تلميذاً سامعاً نائلاً منه إرشاداً وقوة وتعزية. اختبر بولس الرسول هذا الموقف ووصفه بكلمته الشهيرة: «مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ».

ومرة أخرى نقول إن أردت الشهرة والقوة البشرية والنجاح الدنيوي، فإن حياتك الروحية تضعف، وتصبح أحد الأموات في الخطايا. لكن حيثما تضحي بحياتك شكراً لمصالحتك مع الله، وتنشر إنجيل المسيح قولاً وسلوكاً، تعش إلى الأبد مطمئناً مسروراً. ليس لأنك تأتي بأعمال صالحة من تلقاء نفسك، بل لأن الروح القدس الحال فيك ينشئ رجاء ومحبة وصلوات. هو المجدد لنفسك ويخلق فيك ذهناً مقدساً فالحياة الجديدة في المسيح هي الحياة الحقة المستحقة أن نسميها حياة. وكل ما عداها يكون بلية وبؤساً. يوجد أناس يمتلكون سيارات فخمة، وهم أصحاب ملايين، ولكنهم مع ذلك قلقون ومضطربون. وبعضهم ينامون والمسدسات تحت وسائدهم. وملكات الجمال يعشن بضمائر جريحة مخدوشة. وهؤلاء وأولئك غير مسرورين بتاتاً. وسيبقون مضطربين تعساء إن لم يطهرهم دم المسيح ويجددهم بقة روحه القدوس.

كل إنسان بدون يسوع عبد للخطيئة، فاقد طهارة قلبه، وقد خسر نفسه خسراناً أبدياً. ولا يقدر الإنسان أن يجدد نفسه بنفسه. فبدون يسوع أنت ضال مسكين محكوم عليك بالهلاك، لأنك بطبيعتك نجس شرير. حقاً المسيح وحده هو مخلص العالم. ومن يهمل أو يرض كلمة خلاصه، يهلك إلى الأبد. أما جميع الذين يقبلون إنجيله ويعترفون بقوته في عصرنا العاصي، فيرون رجاء في مستقبل العالم لأن المسيح آت قريباً في مجد أبيه. وأتباعه الأحياء هم حاشيته البهية. وعندئذ يقيم مملكة محبته على الأرض مع الذين قد ماتا لأنفسهم. وها هم عائشون في قوة روحه. فهل أنت عبد لشهواتك أو هل أنت ثابت في المسيح؟

الصلاة: نشكرك أيها الرب يسوع، لأنك تركت مجدك السماوي وأخليت نفسك، وأصبحت إنساناً ضعيفاً، مطيعا لإرشاد أبيك، وفديتنا الى الحياة الروحية الحقة. ولأنك تواضعت وأنكرت ذاتك رجعت إلى أبيك ومجده، وتحيا مالكاً معه في وحدة الروح القدس إلى الأبد. علمنا فكرك لننكر أنفسنا ونترك شهواتنا، مصلوبة في صليبك. ونخدمك في دوافع محبتك، ونحب كل الناس عبيداً لمسرتك. آمين.

السؤال: 2 - ما هي المبادئ الضرورية لاتباع يسوع؟

3 - تجلي يسوع على جبل عال (اَلأَصْحَاحُ 9: 1-7)

1وَقَالَ لَهُمُ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ ٱلْقِيَامِ هٰهُنَا قَوْماً لا يَذُوقُونَ ٱلْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ». 2وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوَ وَيُوحَنَّا، وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ مُنْفَرِدِينَ وَحْدَهُمْ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، 3وَصَارَتْ ثِيَابُهُ تَلْمَعُ بَيْضَاءَ جِدّاً كَٱلثَّلْجِ، لا يَقْدِرُ قَصَّارٌ عَلَى ٱلأَرْضِ أَنْ يُبَيِّضَ مِثْل َذٰلِكَ. 4وَظَهَرَ لَهُمْ إِيلِيَّا مَعَ مُوسَى، وَكَانَا يَتَكَلَّمَانِ مَعَ يَسُوعَ. 5فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقولُ لِيَسُوعَ: «يَا سَيِّدِي، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هٰهُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاثَ مَظَالَّ، لَكَ وَاحِدَةً وَلِمُوسَى وَاحِدَةً َلِإِيلِيَّا وَاحِدَةً». 6لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ إِذْ كَانُوا مُرْتَعِبِينَ. 7وَكَانَتْ سَحَابَةٌ تُظَلِّلُهُمْ. فَجَاءَ صَوْتٌ مِنَ ٱلسَّحَابَةِ قَائِلاً: «هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ. لَهُ ٱسْمَعُوا».

إن غاية مجيء المسيح هو إقامة ملكوت الله بقوته وسروره ومجده. وهذا الملكوت لا يعني دولة مستبدة مخيفة، وإنما هو ملكوت يعيش رعاياه في سلام المحبة وفرح السماء. فهذا الملكوت روحي مفعم بالنور والحق والأعمال الصالحة.

وحقق يسوع هذه الخطة الإلهية في يوم الخمسين لما حل الروح القدس على تلاميذه المنتظرين، فتغيروا من جبناء إلى شجعان، ومن شاكين إلى مؤمنين. وصاروا نور العالم، وحملوا اسم يسوع المسيح إلى كل الناس.

ولكن قبل هذا الحلول العظيم، وبعد أن أعلن يسوع موته القريب ودعا تلاميذه إلى إنكار النفس، أخذ ثلاثة منهم ليريهم بهاء مجد ملكوت الله علانية. ويظن بعض المفسرين أن هذه الحادثة وقعت على جبل حرمون القريب من قيصرية فيلبس (8: 27) فتجلى أمامم على قمة هذا الجبل العالي المنفرد.

وهناك ظهر أنه يسوع المسيح هو ملك الملوك ورب الأرباب، قدوس في ذاته، وليس فيه خطية. إنه أكثر إشراقاً من الشمس وليس فيه ظلمة البتة. وصارت ملابسه كاملة البياض، دلالة على التطهير المطلق الذي يختبره كل من آمن به. وبدون هذا التطهير لا نستحق أن نتمثل أمام الله البتة.

ملكوت المسيح لا يشمل الجيل الحاضر من المؤمنين القديسين في دنيانا فقط، بل أيضاً الأموات في الرب، الذين لم يموتوا بل يحيون ويخدمون الله في براءة وقداسة سرمدية. وفي هذا الظهور على جبل التجلي، ظهر موسى للتلاميذ ممثلاً الناموس، ومعه إيليا ممثل النبوة، شاهدين ليسوع أنه المسيح الحق رغم اختياره طريق العار وإنكار الذات حتى الصليب.

والشاهدان أثبتا أيضاً بظهورهما للتلاميذ الفزعين أن يسوع كان منسجماً مع الناموس والأنبياء. وأن ذهابه إلى صليب اللعنة هو الطريق الوحيد إلى خلاص العالم.

وفي حضور النور السماوي، بدا من بطرس الاشتياق الموجود في قلب كل إنسان، أن يسكن في مقربة من الله، مع العلم أن يسوع لقب بطرس قبيل هذا الحادث بالشيطان. ولكن مقدام التلاميذ هذا، أراد أن يتمسك بهؤلاء الاشخاص المنيرين ليستنير هو أيضاً. وحقاً في عيد العنصرة، منح المسيح له أن يصبح هو مع كل المصلين هيكلاً للروح القدس مفعم الحياة والقوة والمحبة.

لا يقدر الإنسان الطبيعي أن يعاين مجد الله، بل يندهش ويحتار ويرتعب في أعماق قلبه، ويسقط كميت وخاصة في مثل هذه الحالة المبهورة، حيث أعلن الله ذاته في السحابة النيرة اللطيفة. ولم يظهر كما ظهر على جبل سيناء حين تجلى وسط البروق والرعد،بل أعلن مجده بإذاعة إنجيل الرحمة المقدس. فقد شهد الله القدوس شخصياً لممثلي البشر أ ن يسوع هو ابنه الوحيد، وأنه أعظم من موسى وجميع الأنبياء، ولأنه دُفع إليه كل السلطان في السماء وعلى الأرض. وليس معقولاً أن يسوع الحي المحيي يموت. ولكن بماأنه قد تواضع طوعاً، واختار طريق النيابة عنا في دينونة الله، فقد خالف مشورة التلاميذ وتقدم نحو الصليب.

وكما حدث عند تواضعه الأول لما قبل المعمودية لأجل خطايانا، هكذا بعد إعلان قراره الحازم أن يذهب إلى الصليب، أعلن الله الآب رضاه التام على ذلك، فجاءت كلمته «هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا». كان لا بد أن يموت عوضاً عنا كحمل الله لفداء اعالم. حقاً لا يوجد مجد آخر لنا إلا بالصليب الذي مات عليه ابن الله الحبيب. الذي تجسدت فيه محبة الله. فلا خلاص للبشر إلا بالمصلوب. ومن يسمع هذا القول ويؤمن به يحيا ويدخل إلى صفوف أبناء الله، ويمتلئ بذات المحبة التي في الله.

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح البهي، أنت ملكي. اغفر لي نجاستي وخطاياي، والبسني طهارتك، ليحل فيّ مجدك. فأتغير بواسطة روحك القدوس من أناني إلى محب. تعال بقوتك إلى ألوف القلوب في محيطنا، لكي يتغيروا ويدخلوا الى ملكوت روحك اليوم. آمين.

السؤال: 3 - ما هو معنى تجلي يسوع أمام تلاميذه؟

الآية للحفظ:

«هٰذَا هُوَ ٱبْنِي ٱلْحَبِيبُ. لَهُ ٱسْمَعُوا» (مرقس 9: 7)

4 - النزول من الجبل (الأصحاح 9: 8-13)

8فَنَظَرُوا حَوْلَهُمْ بَغْتَةً وَلَمْ يَرَوْا أَحَداً غَيْرَ يَسُوعَ وَحْدَهُ مَعَهُمْ.

9وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ ٱلْجَبَلِ، أَوْصَاهُمْ أَنْ لا يُحَدِّثُوا أَحَداً بِمَا أَبْصَرُوا، إِلاّ مَتَى قَامَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ. 10فَحَفِظُوا ٱلْكَلِمَةَ لأَنْفُسِهِمْ يَتَسَاءَلُونَ: «مَا هُو ٱلْقِيَامُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ؟» 11فَسَأَلُوهُ: «لِمَاذَا يَقُولُ ٱلْكَتَبَةُ إِنَّ إِيلِيَّا يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ أَوَّلاً؟» 12فَأَجَابَ: «إِنَّ إِيلِيَّا يَأْتِي أَوَّلاً وَيَرُدُّ كُلَّ شَيْءٍ. وَكَيْفَ هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِ ٱبنِ ٱلإِنْسَانِ أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً وَيُرْذَلَ. 13لٰكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا أَيْضاً قَدْ أَتَى، وَعَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ».

كلنا عائشون على الأرض ولسنا في السماء بعد. والموت يلاقينا، والضيق والبغضة يحاصراننا. وقد أدرك التلاميذ هذه الحقيقة بحزن وألم، بعدما رأوا مجد الله في المسيح على الجبل. وكادوا ييأسون لو لم يكن المسيح معهم. فهو التعزية الكبرى لكل المؤمنين، أنهم غير منعزلين لأن المسيح معهم وفيهم، بواسطة عربون الروح القدس. فالمسيحي المولود ثانية، لن يكون متروكاً قط، حتى ولا في الأيام الشريرة. بل الله القدير معه ويحل فيه. فهو مع الله ويثبت في محبته.

بشر المسيح تلاميذه بقيامته من الأموات، وشهد قبل موته بنصرته على جميع السلطات الشريرة في العالم، وأظهر لهم حياته المستترة، ولم يفهم التلاميذ معنى هذه المعجزة، بل ظنوا أن يسوع كابن الله، يبتدئ رأساً بإقامة الأموات حسب وعده، علامة لأوهيته. وهكذا فكر اليهود أيضاً وما زالوا يؤمنون بأن المسيح في مجيئه المجيد، سيقيم الأموات وينشئ مملكة بره وعاصمتها أورشليم. وعرف أيضاً الأتقياء آنذاك أن نبياً بروح إيليا، سيظهر ويمهد الطريق للمسيح. فيسقط ناراً من السماء ليبيد الظالمين.

وبعدما رأى التلاميذ الثلاثة النبي إيليا في رؤيا تحيروا وفكروا بمجيء ملكوت الله الموشك الحلول، لأنهم ما كانوا قد فهموا ضرورة الصليب آنذاك. ولهذا السبب أكد يسوع لهم مرة أخرى أنه لا بد من احتقاره وآلامه، لأن ملكوت الله لم يأت بالمجد لمرة الأولى، بل كان يسوع مستعداً إن يضع نفسه ويموت الموت النيابي عن كل المجرمين. هذا السر لا يدركه عقل إلا بعمل الروح القدس. فثورة ملكوت الله لا تبتدئ بأسلحة ونتائج سياسية، بل بالتبرير وتقديس المؤمنين لتحل قوة الروح القدس فيهم. هل فهمت ذا المبدأ واختبرته في حياتك؟

كان مجيء يوحنا المعمدان توضيحاً لهذا المبدأ الروحي، لأنه مهد بقوة دعوته للتوبة طريق ربه. ولكن المعمدان أدرك بالروح القدس، أن المسيح لا يعمد بنار ولا يبيد الظالمين. بل إنه يحمل خطية العالم صامتاً كحمل الله. وأخيراً كان على يوحنا أنيدرك أن ملكه المسيح لا يسرع إليه ليحرره من السجن، بل يتركه إلى القتل. فقطعوا رأسه، لأن ملكوت الله ليس مبنياً على كسب ونجاح دنيوي إنما هو حياة روحية مبنية على الإيمان والثقة، حتى في لحظة الموت. لأنه من يثبت في المسيح لن يموت إلى الأبد.

الصلاة: أيها الرب يسوع الحي،. أنت لا تتركنا بل تكون معنا في كل ضيق، وحتى الموت. أنت حياتنا. نشكرك لأنك سبقتنا في طريق الآلام، وجذبتنا لإنكار أنفسنا. ثبتنا في أساليب روحك القدوس، لكي نحتمل المتاعب بالشكر، ولا نستحي باسمك رغم الآلام. آمين.

السؤال: 4 - لماذا لم يفهم التلاميذ ضرورة طريق المسيح الى الصليب؟

5 - شفاء الولد المريض (الأصحاح 9: 14-29)

14وَلَمَّا جَاءَ إِلَى ٱلتَّلامِيذِ رَأَى جَمْعاً كَثِيراً حَوْلَهُمْ وَكَتَبَةً يُحَاوِرُونَهُمْ. 15وَلِلْوَقْتِ كُلُّ ٱلْجَمْعِ لَمَّا رَأَوْهُ تَحَيَّرُوا، وَرَكَضُوا وَسَلَّمُوا عَلَيْهِ. 16فَسَأَلَ ٱلْكَتَبَةَ: «بِمَاذا تُحَاوِرُونَهُمْ؟» 17فَأَجَابَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْجَمْعِ: «يَا مُعَلِّمُ، قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكَ ٱبْنِي بِهِ رُوحٌ أَخْرَسُ، 18وَحَيْثُمَا أَدْرَكَهُ يُمَزِّقْهُ فَيُزْبِدُ وَيَصِرُّ بِأَسْنَانِهِ وَيَيْبَسُ. فَقُلْتُ لِتَلامِيذِكَ َنْ يُخْرِجُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا». 19فَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّهَا ٱلْجِيلُ غَيْرُ ٱلْمُؤْمِنِ، إِلَى مَتَى أَكُونُ مَعَكُمْ؟ إِلَى مَتَى أَحْتَمِلُكُمْ؟ قَدِّمُوهُ إِلَيَّ!». 20فَقَدَّمُوهُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا رَآهُ لِلْوَقْتِ صَرَعَهُ ٰلرُّوحُ، فَوَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ يَتَمَرَّغُ وَيُزْبِدُ. 21فَسَأَلَ أَبَاهُ: «كَمْ مِنَ ٱلزَّمَانِ مُنْذُ أَصَابَهُ هٰذَا؟» فَقَالَ: «مُنْذُ صِبَاهُ. 22وَكَثِيراً مَا أَلْقَاهُ فِي ٱلنَّارِ وَفِي ٱلْمَاءِ لِيُهْلِكَهُ. لٰكِنْ إِن كُنْتَ تَسْتَطِيعُ شَيْئاً فَتَحَنَّنْ عَلَيْنَا وَأَعِنَّا». 23فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ، فَكُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ». 24فَلِلْوَقْتِ صَرَخَ أَبُو ٱلْوَلَدِ بِدُمُوعٍ وَقَالَ: «أُومِن يَا سَيِّدُ، فَأَعِنْ عَدَمَ إِيمَانِي». 25فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ ٱلْجَمْعَ يَتَرَاكَضُونَ، ٱنْتَهَرَ ٱلرُّوحَ ٱلنَّجِسَ قَائِلاً لَهُ: «أَيُّهَا ٱلرُّوحُ ٱلأَخْرَسُ ٱلأَصَمُّ، أَنَا آمُرُكَ: ٱخْرُجْ مِنْهُ وَلا تَدْخلْهُ أَيْضاً!» 26فَصَرَخَ وَصَرَعَهُ شَدِيداً وَخَرَجَ، فَصَارَ كَمَيْتٍ، حَتَّى قَالَ كَثِيرُونَ: إِنَّهُ مَاتَ. 27فَأَمْسَكَهُ يَسُوعُ بِيَدِهِ وَأَقَامَهُ، فَقَامَ. 28وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتاً سَأَلَهُ تَلامِيذُهُ عَلَى ٱنْفِرَادٍ: «لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟» 29فَقَالَ لَهُمْ: «هٰذَا ٱلْجِنْسُ لا يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاّ بِٱلصَّلاةِ وَٱلصَّوْمِ».

لما كان يسوع على جبل التجلي، أتى رجل بابنه المريض للتلاميذ الباقين طالباً شفاءه. لكنهم لم يقدروا أن يلبوا طلبه، لأن روحاً نجساً كان يسيطر على الولد المريض. وهذا الروح لم يطع أوامر التلاميذ ولم يتخلّ عن ضحيته المسكينة. ومن هذا ترى أن التحرير من عبودية الشيطان لن يحدث على يدي إنسان ولا قديس، لكن بيسوع المسيح وحده. فلا تبن إيمانك ورجاءك على البشر ولا على القسوس أو الخوارنة أو الأساقفة بل على يسوع وحده مباشرة. إنه الرب، القريب منك والقادر على كل شيء. هو يريد عونك وخلاك ويصغي إلى صلواتك.

انتهر يسوع تلاميذه مع المؤمنين حولهم، لأجل ضعفهم الروحي الذي لم يعتبره قلة إيمان، بل عدم إيمان. كلنا متعلقون بالتقاليد وتجربة الاستكبار. لهذا السبب لا تخرج منها قوة الله لأنقاذ الآخرين. فأدرك أن عقلك وعواطفك وأمنياتك لا تخلص إنسانً. فتب عن ضعف إيمانك، واعرف أن سبب ضعفك الروحي هو الفكر الدنيوي والتمسك بالأرضيات رغم التقوى الظاهرية.

وأوضح يسوع لوالد المريض أنه يستطيع عونه إن آمن به. فالمؤمن بيسوع يختبر المستحيل، لأن يسوع القدير يعمل بضعفه. لا تنس أن المسيح هو ابن الله القادر على كل شيء ممتلئ المحبة. فإيمانك به يربطك بطاقة السماء الحاضرة بيننا في الإنجيل. ومن ثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه. عندما سمع والد المريض الشرط الوحيد لشفاء ابنه، صرخ بدموع التوبة: «يا رب زد إيماني، لكيلا أظهر كافراً». ويسوع لا يرفض الاعتراف من قلب منكسر بل يقوي إيماننا إن طلبنا ذلك منه، ويثبت ثقتنا فيه. لأن الإيمان الحق هو ثمر الروح القدس. وكل من يقرأ الإنجيل مصلياً طالباً معرفة ومحبة وقوة، ينل ما يطلب ويدرك يسوع في حقيقته ويلتصق به متواضعاً، وتخرج منه مياه حية. ولما شفى المسيح والد المصاب من عدم إيمانه، وقاده إلى إيمان حي به، عندئذ أمر الروح الشرير أن يخرج من الملبوس، ولا يرجع البتة.

ومن هذا نعرف شيئين أن يسوع قادر ومستعد لإخراج كل روح نجس مع رواسب الخطايا، للذي يسلم نفسه إليه. وأن الروح الشرير يمكن أن يعود مرة أخرى إلى المحرر من شره، إن لم يحلّ في هذا المسكين روح الرب ويمتلكه. فالشيطان يجرب دائماً أن يجذبنا من سلطة المسيح. لكنه لا يستطيع أن يخلصنا من يده. فقدرة المسيح أعظم من كل التجارب في الذين يحبون يسوع، ويقرأون كلمته بشغف.

أخذ يسوع الصبي المحرر من الروح الشرير وأحياه، وسلمه إلى أبيه المؤمن. فإيمان الأب خلص الابن. هل تريد أن تؤمن بقوة يسوع التي تقدر أن تحرر أصدقاءك وأقرباءك من سطوة إبليس؟ هل محبتك قوية لتؤمن ليس لنفسك فقط، بل لتحرير أصدقائك أيضاً.

الصلاة: أيها الآب نشكرك من صميم قلوبنا، لأنك أرسلت ابنك الوحيد الى عالمنا الشرير، ليعلمنا الإيمان الحق. ونعترف بأن إيماننا ضعيف. وهو بالحقيقة عدم إيمان، وعدم ثقة فيك. اغفر لنا هذه الخطية. واخلق فينا ثقة مطلقة في محبتك لقادرة على كل شيء. وقوِّ محبتنا للآخرين لنضحي بإيمان في سبيل خلاصهم، واقبل صراخنا: خلصهم حررهم، غيرهم كما منحت لنا الخلاص والفداء. آمين.

السؤال: 5 - ماذا كان المانع، لشفاء المريض؟

الآية للحفظ:

«كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ» (مرقس 9: 23)

6 - إعلان يسوع الثاني عن آلامه (الأصحاح 9: 30: 37)

30وَخَرَجُوا مِنْ هُنَاكَ وَٱجْتَازُوا ٱلْجَلِيلَ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَعْلَمَ أَحَدٌ، 31لأَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُ تَلامِيذَهُ وَيَقُولُ لَهُمْ إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلنَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَبعْدَ أَنْ يُقْتَلَ يَقُومُ فِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ. 32وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ يَفْهَمُوا ٱلْقَوْلَ، وَخَافُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ.

33وَجَاءَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ. وَإِذْ كَانَ فِي ٱلْبَيْتِ سَأَلَهُمْ: «بِمَاذَا كُنْتُمْ تَتَكَالَمُونَ فِي مَا بَيْنَكُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ؟» 34فَسَكَتُوا، لأَنَّهُمْ تَحَاجُّوا فِي ٱلطَّرِيقِ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فِي مَنْهُوَ أَعْظَمُ. 35فَجَلَسَ وَنَادَى ٱلاِثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَوَّلاً فَيَكُونُ آخِرَ ٱلْكُلِّ وَخَادِماً لِلْكُلِّ». 36فَأَخَذَ وَلَداً وَأَقَامَهُ فِي وَسَطِهِمْ ثُمَّ ٱحْتَضَنَهُ وَقَال لَهُمْ: 37 «مَنْ قَبِلَ وَاحِداً مِنْ أَوْلادٍ مِثْلَ هٰذَا بِٱسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي فَلَيْسَ يَقْبَلُنِي أَنَا بَلِ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي».

صرح المسيح لتلاميذه للمرة الثانية بأنه سيُسلم إلى أيدي الخطاة. ولكنهم لم يدركوا معنى هذه النبوة وغايتها بأن القاضي الأزلي يسلم نفسه طوعاً لأيدي البشر بملء إرادته كفارة عنا. الواقع أن هذه المعجزة أعظم من أن يدركها عقل متكبر تلقائيا. وخاصة إمكانية القيامة من بين الأموات. فقد بقيت لأتباعه سراباً. لأنهم آنذاك لم يكونوا قد اختبروا بعد الحياة الجديدة من الروح القدس. وحتى اليوم فأكثر الناس صماً وعمياً عن محبة الله المعلنة في الصليب ولا يعرفون حقيقة حلول الروح القدس في قلوب المشتاقين للحق المؤمنين بابن الله الوحيد.

العالم في حاجة إلى مصلين يبتهلون إلى يسوع لكي تطرد كلمته الصمم الروحي من أذهانهم. فينتعشون ويتقوون ويسمعون كلمة الله.

وحتى أتباع يسوع يُجربون بعدم سماع وفهم كلمته. وسبب صممهم وعماهم الروحي هو الاستكبار، الذي يتسرب بسرعة إلى قلوبهم، ويخرسهم ويعميهم، لأنهم معجبون بأنفسهم ويفكرون أن كل الآخرين لا شيء بجانبهم.

وفي هذه اللحظة لا يرون أن يسوع هو القدوة أمامنا. لأنه جعل نفسه عبداً لله متواضعاً رافعاً خطية العالم. فأصبح الأصغر والأكثر احتقاراً. حتى أن الله بالذات حجب وجهه عنه، عندما مات على الصليب لأجلنا مرفوضاً محتقراً.

وأما التلاميذ فكانوا يتخاصمون لأجل حيازة كراسي الوزارة والتفويض بالسلطان والشرف المتعجرف. فاحتقروا زملاءهم. وقد وقع الجميع في خطية الكبرياء، إذ ظن كل واحد منهم أنه أفضل من الآخرين. وهذه هي الخطية الأصلية النابعة من الشيطان والناشبة في جميع عقول البشر.

أيها الأخ العزيز. انتبه واحذر من الكبرياء الساكنة في قلبك. وتحاش الثقة بنفسك. واتضع سريعاً، واطلب الضالين الدنسين، ليطهروا باسم المسيح. واخدم البسطاء. ولا تطلب أن تكون سيداً، بل اتبع المسيح المتواضع، فتصبح عظيماً أمام الله.

أخذ يسوع ولداً وأوقفه وسط حلقة التلاميذ، رمزاً لحالتهم وإيمانهم. لم يكن الصبي صالحاً في ذاته ولا بريئاً في طفولته، لأن جميع الناس أشرار منذ صغرهم. ولكن الفتى اتكل على أبيه وأحب أمه من صغره. فينبغي أن نتعلم روح النبوة ولا نفكر أننا أسياد مستقلون.

ويرشدنا المسيح إلى المحبة حتى لا نعيش لأنفسنا وعائلاتنا فحسب، بل ننظر إلى الأولاد المشردين واليتامى لنتبناهم ونفتح لهم بيوتنا. فمن يخدم الصغار والمساكين يتبع يسوع الذين تبنانا وجعلنا أولاداً لله. تواضع كيسوع واخدم الضعفاء والصغار المساكين، ولا تنظر إلى الأغنياء والأذكياء والوجهاء. لأنهم غالباً لا يسمعون.

الصلاة: نشكرك أيها المسيح، لأنك تحب الصغار وتعتني بهم عناية أبوية. ونعترف أمامك أننا صغار.. اغفر لنا استكبارنا وعلمنا تواضعك لنحب المساكين ونقبلهم ونشترك معهم في ضيقهم، ونفتح قلوبنا وبيوتنا لهم، ونخدمهم باستمرار، كأننا نخدمك بكل لحظة من حياتنا. آمين.

السؤال: 6 - كيف أرشد يسوع تلاميذه الى التواضع؟

7 - الدعوة إلى وساعة الصدر (الأصحاح 9: 38-41)

38فَأَجَابَهُ يُوحَنَّا: «يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِداً يُخْرِجُ شَيَاطِينَ بِٱسْمِكَ وَهُوَ لَيْسَ يَتْبَعُنَا، فَمَنَعْنَاهُ لأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُنَا». 39فَقَالَ يَسُوعُ: لا تَمْنَعُوهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَصنَعُ قُوَّةً بِٱسْمِي وَيَسْتَطِيعُ سَرِيعاً أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ شَرّاً. 40لأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا. 41لأَنَّ مَنْ سَقَاكُمْ كَأْسَ مَاءٍ بِٱسْمِي لأَنَّكُمْ لِلْمَسِيحِ فَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ لا يُضيعُ أَجْرَهُ.

قبل أن يؤمن يوحنا التلميذ بمحبة المسيح كان ضيق القلب غيوراً متفاخراً حسوداً. وقد تضايق لأن أحد المهتمين بالمسيح، استطاع باسمه أن يطرد الأرواح النجسة من الملبوسين. وغضب يوحنا لأن هذا المؤمن لم يكن من حاشية المسيح القريبة. وقد أدرك ذا الرجل أنه لا توجد قوة في السماء ولا على الأرض أعظم من اسم المسيح، الذي فيه تعمل قدرة السماء كلها.

هذه الحقيقة ترشدنا، ألا نبني حياتنا على ذكائنا ولا على قدرتنا أو مهارتنا، ولا على مواهبنا واختباراتنا، ولا على شرفنا في الكنيسة والمجتمع، بل أن نبني أنفسنا على الرب يسوع وحده. لأنه المنتصر الفائز القوي. وإيمانك به يشركك في نصرته. ل أدركت قوة اسم يسوع؟ هل اختبرت عمق خلاصه، في مصالحته العالم مع الله؟ هل سجدت لله الآب بفرح؟ هل اندمجت في جماعة القديسين بإيمانك، وتعيش في قوة روحه؟ كل من اختبر صلاح أبينا السماوي، لا يريد أن يتركه، بل يخدمه بفرح. ومن سكن فيه روح الله يب كل الناس ويسامحهم، بدون تأخر. ويخدم أعضاء الكنيسة باستمرار.

وهكذا قال المسيح كلمة هامة: «من ليس علينا فهو معنا». رغم أنه قال في إنجيل متى 12: 30 «مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَنْ لا يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ».

الفرق بين الكلمتين أنه في الحالة الأخيرة دافع عن نفسه أمام شراسة أعدائه الذين اتهموه بأنه يخرج الأرواح النجسة بمؤاخاته رئيس الشياطين. لكنه في الحالة الأولى قال ذلك القول تأييداً للمؤمن الذي أخرج الشياطين باسمه، وإن كان ليس من مرافقيه الملتصقين به. ولهذه الآية نشهد لجميع الكنائس والجمعيات والأفراد، الذين يحبون مخلصنا يسوع المصلوب الحي الآتي، أنهم شركاؤنا في الخدمة، وإخوة وأخوات لنا في الروح حتى ولو أبعدهم عنا بعض النواحي العقائدية، أو التمسك بالطقوس والتقاليد المتلفة. إننا مربوطون بعضنا ببعض باسم المسيح الحي ومحبته الفائقة الصابرة على الإخوة الذين يختلفون معنا في التصرف.

جعل المسيح حدود ملكوته أوسع بكثير من تعصبنا ولذلك فهو يرفض دينونتنا للآخرين. وكل من يقدم لأتباع يسوع كوباً من الماء البارد ويكرمهم لأجل علاقتهم بابن الله، سينال بركة أبدية من هذا العطاء، حتى ولو كان غير متجدد في نفسه بعد. المسيح يرف بداية الإيمان الغير الظاهر في القلوب، ولا يرفض أقل ميل إليه. فلهذا السبب أكرم كل نوع من الإيمان المخلص في جميع الناس. وابتهج لكل عمل في سبيل الرب. فلا تنظر إلى أعضاء كنيستك فقط، بل اقبل أيضاً المؤمنين بالمسيح المصلوب من الكنائس الأخر وأحبهم وصل لأجلهم، لأننا واحد في المسيح الحي.

الصلاة: أيها الآب السماوي، نشكرك لأنك لا تحتقرنا لأجل إيماننا الناقص، ولا تديننا لمحبتنا الضعيفة، بل تجذبنا بجمال المحبة اليك، وتمنحنا معرفة ابنك الحبيب، لننال منه قوة روحية بالإيمان الحق. وننشر ملكوته مع كل المندفعين روحه، بارك الكنائس والجمعيات في الشرق الأوسط وفي العالم كله لكي يتحدوا في اسمك. آمين.

السؤال: 7 - كيف يرشدنا يسوع الى التعاون مع الذين ليسوا من أتباعنا؟

8 - التحذير من تجرير الصغار للخطية (الأصحاح 9: 42-50)

42وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ ٱلصِّغَارِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحًى وَطُرِحَ فِي ٱلْبَحْرِ. 43وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ فَٱقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَقْطَعَ مِنْأَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ وَتَمْضِيَ إِلَى جَهَنَّمَ، إِلَى ٱلنَّارِ ٱلَّتِي لا تُطْفَأُ، 44حَيْثُ دُودُهُمْ لا يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لا تُطْفَأُ. 45وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ رِجْلُكَ فَٱقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَعرَجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ رِجْلانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ فِي ٱلنَّارِ ٱلَّتِي لا تُطْفَأُ، 46حَيْثُ دُودُهُمْ لا يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لا تُطْفَأُ. 47وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَٱقْلَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُتَ ٱللّٰهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ ٱلنَّارِ، 48حَيْثُ دُودُهُمْ لا يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لا تُطْفَأُ. 49لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُمَلَّحُ بِنَارٍ، وَكُلَّ ذَبِيحَةٍ تُمَلَّحُ بِمِلْحٍ. 50اَلْمِلْحُ جَيِّدٌ. وَلٰكِنْ إِذَا صَارَ ٱلْمِلْحُ بِلا مُلُوحَةٍ، فَبِمَاذَا تُصْلِحُونَهُ؟ لِيَكُنْ لَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِلْحٌ، وَسَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً.

يحمي المسيح الصغار ويحب المتبدئين بالإيمان، ويقف بكل سلطانه ضد المتكبرين في حاشيته، الذين ظنوا أنهم لقربهم من المسيح أفضل وأصلح من الداخلين حديثاً للإيمان.

ويل للقسس والكهنة والشيوخ والمبشرين، الذين يصبحون عثرة للمبتدئين في الحياة الروحية، بواسطة تفاخرهم وغرورهم وكلامهم المتباهي، واهتمامهم الزائد بأنفسهم وعائلاتهم، فلسوف يطلب المسيح أنفس الضالين من أيدي خدامه. ويل لنا إن تكلمنا باعتداد عن النعمة والتقديس، ولم نعش حسب النعمة والتقديس، غير مدركين أن حجر رحى دينونة الله معد ليلف على أعناقنا ليغرقنا في أعماق لجج غضب القدوس.

إن المسيح يطلب منك أن تسلم له حياتك وأفكارك كاملاً. وإن كنت متكبراً وأنانياً، فهو يدعوك للانتساب في مدرسة روحه لتميت استكبارك. ليس بتقطيع جسدك، لأن قصده تقديس جسدك وذهنك لا إهلاكه. وفي المثل عن قطع الأعضاء النجسة وقلع العين الشريرة يريك المسيح أن الروح القدس لا يقبل الحل الوسط ولا يداعب خطاياك المحبوبة، أو سطحيتك الضحلة، أو حساسيتك المرهفة، أو عنادك المتحجر. فكل هذه الصفات البشرية عليها أن تموت وتسحق في شركة المسيح حتماً. ولا تحصل على راحة نفسك إلا إن صلبت مع الميح، وقمت مؤمناً في قيامته.

ويشهد ابن الله بوجود جهنم ويخبرنا في قراءتنا ست مرات أن النار لا تُطفأ. فويل للذين ينكرون وجود السماء وجهنم، فإنهم سيحترقون في نار ندامتهم الباطلة، لبعدهم المؤلم عن الله مولولين ومرتجفين بصراخ عظيم، وضمائرهم ستنهشهم، فيلتهبون كجرح دامٍ. لأنهم سيدركون عندئذ كيف أتى المسيح إليهم متواضعاً مخلصاً دون أن يقبلوه بل احتقروا كلامه ولم يؤمنوا به. ورفضوا خلاصه.

أيها الأخ العزيز، إن قصد الله أن يلهبك بنار روحه القدوس، لكيلا تحترق في جهنم. ولهذا يدعوك الرب لتصبح نوراً للعالم وملحاً للأرض. ليس لأنك نافع في ذاتك، بل لأن المسيح ملحك ونورك. إنك في ذاتك رغم تقواك البشرية، لست إلا شعلة في جهنم.ولكن المسيح يجعلك عموداً مستقيماً في هيكله، إن سلمت جسدك وأعضاءك ومواهبك له إلى الأبد. عندئذ يعلمك لتصبح متواضعاً مثله ويمنحك طهارته، ويعطيك الصبر ويملأك سلاماً من سلامه. فتتغير في بصيرتك وتفضل الصغار على الكبار، وتطلب الضالين، وتبتعد ع المعتدين بأنفسهم.

الصلاة: أيها الآب، اغفر لي كبريائي وشهواتي وعنادي وكل الخطايا المعروفة وغير المعروفة. طهرني تماماً وخلصني بذبيحة ابنك من نار جهنم الفاتحة فمها لتبتلعني، لكي أعيش في فرح روحك، واضبط بقوتك جسدي وأفكاري عائشا في العفة والطف والاستقامة، لكيلا أصبح سبب عثرة للآخرين، وإنما أرشدهم اليك. قدسني بالتمام ليصبح سلوكي شهادة لقدرتك. آمين.

السؤال: 8 - ما هو سبب العثرة للمبتدئين في الإيمان؟

9 - كلام يسوع عن الزواج (اَلأَصْحَاحُ 10: 1-12)

1وَقَامَ مِنْ هُنَاكَ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ ٱلْيَهُودِيَّةِ مِنْ عَبْرِ ٱلأُرْدُنِّ، فَٱجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ أَيْضاً، وَكَعَادَتِهِ كَانَ أَيْضاً يُعَلِّمُهُمْ.

2فَتَقَدَّمَ ٱلْفَرِّيسِيُّونَ وَسَأَلُوهُ: «هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ ٱمْرَأَتَهُ؟» لِيُجَرِّبُوهُ. 3فَأَجَابَ: «بِمَاذَا أَوْصَاكُمْ مُوسَى؟» 4فَقَالُوا: «مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاقٍ، فَتُطَلَّق». 5فَأَجَابَ يَسُوعُ: «مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ كَتَبَ لَكُمْ هٰذِهِ ٱلْوَصِيَّةَ، 6وَلٰكِنْ مِنْ بَدْءِ ٱلْخَلِيقَةِ ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمَا ٱللّٰهُ. 7مِنْ أَجْلِ هٰذَا يَتْرُكُ ٱلرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتصِقُ بِٱمْرَأَتِهِ، 8وَيَكُونُ ٱلاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. إِذاً لَيْسَا بَعْدُ ٱثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. 9فَٱلَّذِي جَمَعَهُ ٱللّٰهُ لا يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ». 10ثُمَّ فِي ٱلْبَيْتِ سَأَلَهُ تَلامِيذُهُ أَيْضاً عَنْ ذٰلكَ، 11فَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ طَلَّقَ ٱمْرَأَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي عَلَيْهَا. 12وَإِنْ طَلَّقَتِ ٱمْرَأَةٌ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ تَزْنِي».

الزواج هو عطية السماء وليس تجربة الشيطان. ورغم أننا جميعاً غير طاهرين لأجل خطايانا، ولا نقدر أن نعيش قديسين بلا لوم تلقائياً، فإن نظام الزواج بزوجة واحدة يصدر من الخالق الحنون مباشرة. فالزواج في إرشاد الرب يشبه جنة الفردوس، كواحة ي وسط الصحراء، وذلك لأن الله هو الشريك الثالث في عهد الزواج. فلا تعتبر الزواج دنساً حقيراً، بل مقدساً في حضرة المسيح وفي قوة روحه.

ولكن يا للأسف. فإننا لنجد اليوم الطلاق وفصم عقد الزواج أكثر من أي عصر سابق. وسبب هذا أن الله ليس هو الذي يجمع الزوجين، بل هما التقيا معاً بسطحية وقررا الاقتران بلا مبالاة. لهذا يتطلقان بلا ندم ولا يرغبان في استمرار علاقتهما الزوجي لأسباب تافهة.

وإن لم تمتلك مخافة الله القلوب والبيوت والتقاليد، فإن أرواح جهنم تتراقص في الشوارع وداخل المنازل وتقسو القلوب ويصير الطلاق شرعياً سهلاً. ولا نعرف مقدار اللوعات والآلام المكشوفة في أوجه النساء والرجال المكمدين الكتئبين. لأنهم عائشو بدون الله وتزوجوا بدون إرشاده. فيطلقون بعضهم بعضاً معاكسين إرادته.

إن أنهر الدموع متساقطة، لأجل الأذهان الملحدة القاسية، والطلاقات الشريرة، التي كثيراً ما لا تتحقق شرعياً إنما تحصل عملياً بابتعاد القلوب عن بعض. وقد يعيش الزوجان معاً، ولكن في بغضة، تسبب الرجفة والذعر في نفوس أولادهما. وويل للوالدين في العائلات المنكسرة لأجل آلام الأولاد.

المبدأ والدستور العام عند الله هو المحبة والطهارة. وأوجد سنة الزواج ليظهر في اتحاد الزوجين أن المحبة لا تعني فجور الشهوة، بل خدمة متبادلة واحتمالاً متواضعاً وإكراماً متقابلاً.

لذلك فسِرُّ المحبة الطاهرة بين الزوجين عظيم، إذ أنهما يتواحدان بأنفسهما أولاً ويتقارب تفكيرهما لبعض. فإن الزوجة المصلية قادرة أن ترفعك إلى السماء، وهي مباركة لأولادك. وأما المرأة الملحدة والمهتمة بالمال والجاه، فتحتقرك وتسيطر عليك وتفسد نفسك، وتجرك كثور مذبوح إلى جهنم، إن لم يحرر روح المسيح روحها، وتحل فيها المحبة والقناعة والتأني والصلاة واللطف والسلام. فقبل الزواج عليك أن تطلب من الرب زوجة مؤمنة، بقطع النظر عن غناها وجمالها وذكائها. حيث أن ميزات هذه الدنيا تزول بسرعة خاطفة. أما المحبة الإلهية فلا تسقط إلى الأبد.

وأنت أيتها الفتاة لا تقبلي الاقتران إلا بزوج مؤمن، ليكون زواجك في المسيح فتضمني السعادة العائلية «لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين».

الصلاة: أيها الله القدوس، نشكرك لعطية الزواج المثالي. علمنا الحياة في القداسة وضبط النفس، لكي نخدم بعضنا بعضاً كما خدم المسيح كنيسته ليخلصنا من جميع شهواتنا. ولكيلا نتزوج حسب أهوائنا. امنح لكل مؤمن شريكاً ثابتاً في روح، ليرفعا بعضهما نحو السماء، فيصبح زواجهما جنة فردوسية على الأرض الأليمة. آمين.

السؤال: 9 - ما هي مبادئ الزواج المسيحي؟

10 - يسوع يبارك الأولاد (الأصحاح 10: 13-16)

13وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاداً لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. وَأَمَّا ٱلتَّلامِيذُ فَٱنْتَهَرُوا ٱلَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ. 14فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذٰلِكَ ٱغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ: «دَعُوا ٱلأَوْلادَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلا تَمْنعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هٰؤُلاءِ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ. 15اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لا يَقْبَلُ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ». 16فَٱحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ.

يبني المسيح ملكوت الله. إنما لا يجمعه من الفلاسفة واللاهوتيين والكتبة بالدرجة الأولى. بل أن مملكته مفتوحة للبسطاء والجهلاء والصغار أيضاً. وليست هذه المملكة مقتصرة على الرجال البالغين والأمهات المجتهدات. بيد أنها معدة لجميع الناس ساسية، إن تجاوبوا بمحبة الله وانفتحوا لها. وكذلك فإنها لا تقتصر على الرأس والعقل والمنطق، بل تشمل القلوب والعواطف مع الإرادة.

حاولت بعض الأمهات أن يتقدمن بأولادهن، ليباركهم المسيح بلمسة منه، ليؤثر على مستقبلهم ويضمن فلاحهم ونجاحهم. وربما شعرن أن أولادهم ليسوا ملائكة، إنما يسكن فيهم كثير من المعاصي والأمراض والخطايا الموروثة. فاردن أن يحل فيهم روح المخلص لطاهر.

ولكن التلاميذ ظنوا أ ن يسوع مختص بالبالغين، الذين يفهمون دعوته الإلهية وتعاليمه السامية وأفكاره العميقة. فمنعوا الأمهات من التقدم إلى المسيح، لكيلا يزعج صراخ الأطفال هدوء التأمل.

وإزاء هذا الموقف استاء يسوع وأظهر غضبه بوضوح، مبيناً أن ملكوت الله يقبله القلب أولاً. وليس العقل فقط. وطبيعي أن كل ولد يحب والديه ولا يعلم من نفسه السبب، ويتكل عليهما اتكالاً دائماً، لأنه يشعر بعنايتهما. فلا يحمل في نفسه هموماً ثقلة. لأنه يضع نفسه بين يدي والديه. وهذا هو معنى الإيمان. أن نثق بالله أبينا السماوي ونتجاوب معه في كل حين، مطمئنين في قلوبنا وشاكرين له بسرور.

أيها المسؤولون عن الأولاد علموا الصغار محبة المسيح، وقدرته، بقصص بسيطة. ولا تخاطبوهم بمحاضرات صعبة، تفوق عقولهم، ولا تنطبع في ذاكرتهم. ارسموا لطف ا بن الله أمام أعينهم كما تقرأون في الإنجيل. ورتلوا أمامهم ترانيم الشكر، والعبوا مع لصغار لتثقيفهم كما احتضنهم المسيح وباركهم. لأن الفرح هو الشاهد الواضح لروح يسوع. والمحبة الإلهية لا تزال المفتاح إلى القلوب. وهاتان الصفتان الفرح والمحبة يدركهما الصغار بسرعة، حتى ولو كان تفكيرهم لا يزال قاصراً بعد.

الصلاة: أيها الآب السماوي نسجد لك، لأن ابنك الحبيب عاش في دنيانا كطفل، مطمئناً في عنايتك. وجاوب على محبتك بثقة دائمة. اغفر لنا اضطراب قلوبنا. وافتح أذهاننا لفرح محبتك، لنثبت أولادك ونؤمن بخلاصك. فنتغير ونخدم الصغار بطر حكيمة، ونصبح قدوة صالحة لهم. آمين.

السؤال: 10 - ما هو موقف يسوع نحو الأولاد الصغار؟

الآية للحفظ:

«دَعُوا ٱلأَوْلادَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلا تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هٰؤُلاءِ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لا يَقْبَلُ مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ» (مرقس 10: 14 و15)

11 - يسوع والشاب الغني (الأصحاح 10: 17-27)

17وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى ٱلطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَثَا لَهُ وَسَأَلَهُ: «أَيُّهَا ٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لأَرِثَ ٱلْحَيَاةَ ٱلأَبَدِيَّةَ؟» 18فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاّ وَاحِدٌ وَهُوَ ٱللّٰهُ. 19أَنْتَ تَعْرِفُ ٱلْوَصَايَا: لا تَزْنِ. لا تَقْتُلْ. لا تَسْرِقْ. لا تَشْهَدْ بِٱلزُّورِ. لا تَسْلِبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ». 20فَأَجَابَ: «يَا مُعَلِّمُ، هٰذِهِكُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي». 21فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ. اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ ٱلْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَتَعَالَ ٱتْبَعْني حَامِلاً ٱلصَّلِيبَ». 22فَٱغْتَمَّ عَلَى ٱلْقَوْلِ وَمَضَى حَزِيناً، لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ.

23فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلامِيذِهِ: «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي ٱلأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ!» 24فَتَحَيَّرَ ٱلتَّلامِيذُ مِنْ كَلامِهِ. فَقَالَ يَسُوعُ أَيْضاً: «يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ٰلْمُتَّكِلِينَ عَلَى ٱلأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ! 25مُرُورُ جَمَلٍ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ!» 26فَبُهِتُوا إِلَى ٱلْغَايَةِ قَائِلِينَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «فَمَنْ َسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ؟» 27فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ: «عِنْدَ ٱلنَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلٰكِنْ لَيْسَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، لأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ ٱللّٰهِ».

كل إنسان يريد ضمان حياته في الرفاهية والحرية. ويحاول جمع المال والملك والذهب. والطلاب يدرسون ليصلوا إلى وظيفة معاشها وافر. والشعوب تبني سياستها على الاقتصاد والتقدم المادي. وبعض الدول تؤمم أملاك الأفراد وتجعل الشعب مالكاً للكل.

ولكن من هو الذي يفكر بخالقه ويخدمه ويسلمه كل حياته وأمواله؟ هناك كثيرون يحاولون خدمة الله ومحبة المال معا. لأنهم يريدون حياة حسنة على الأرض، وضماناً في الآخرة أيضاً، وهم خاسرون.

جاء شاب مخلص إلى يسوع طالباً الخلاص للحياة الأبدية. فكم هو جميل أن يهتم أفراد من الشباب اليوم بالروحانيات، تاركين الغرور المادي. وكان ذلك الشاب مستعداً للتضحية والأعمال الحسنة، وسمى يسوع معلماً صالحاً بكل احترام.

ولكن المسيح رفض هذا اللقب السطحي وعدل المثل الإنسانية في ذهن الشاب قائلاً له: ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله. أأدركت أن هذه الكلمات تدين كل الناس وتوبخ شرورهم ونحن ضمنهم؟

وتتضمن هذه الكلمات الطلب الباطني إلى الشاب أن يدرك ويؤمن، أن الواقف أمامه ليس معلماً صالحاً فحسب، بل الله الصالح بالذات. لأن فعلاً يسوع المسيح هو الراعي الصالح وابن الله المحب، ويطلب منا الإيمان بصلاحيته المطلقة.

وقد أحب يسوع هذا الشاب ا لذي حاول بقدرته البشرية حفظ وصايا الله بالتدقيق، وأراد أن يتفوق على زملائه في الفضائل والسلوك الطاهر. وهذا بالتمام ما يريده يسوع أن نتحرر من قيود الخطية، ونبتعد عن صنم المال ونتكل على الله وحده. عندئذ نكتش في نور المسيح خطايانا المتعددة وفساد البشر الكامن فينا، ونلتجئ إلى الإمكانية الوحيدة للخلاص: الصليب. وهكذا نحصل بالإيمان على الحياة الأبدية اليوم.

ولكن الشاب كان غنياً وفضل المال على اتباع يسوع. ورفض بهذا الاختيار الروحيات واعتمد على الماديات رغم تقواه الظاهرة.

أيها القارئ العزيز، امتحن نفسك بإخلاص. هل تحب المال وتتكل على الغنى والملك والصحة، فتسقط إلى الهلاك، لأنك تبني نفسك على الفاني؟ وهل أدركت أنك بذاتك غني جداً؟ مثلاً بكم تبيع عينك اليمنى؟ وما هي قيمة مواهبك وأوقاتك؟ هل شكرت الله علىكل خيراته التي منحها لك؟ إن كنت مخلصاً لخالقك، فضع جميع مواهبك تحت تصرفه سريعاً. ولا تبال إن كنت فقيراً بين الناس بل اجتهد أن تكون غنياً في المسيح، الذي أخلى نفسه من غنى مجده وعاش بيننا مكتفياً بالقليل، متكلاً على عناية أبيه السماوي في ل حين. فمن يسلم نفسه بإرشاد الروح القدس لله ولخدمته فالله من جهته يهدي ذاته إلى هذا المؤمن، ويجعل من الخاطئ قديساً، ويغيّر عابد الأوثان إلى ابن لله.

الصلاة: ايها الرب يسوع قد سميتنا بنيك. وجعلتنا أولاداً لله أبينا. فاخلع من قلوبنا محبة المال، وانزع من عقولنا الاتكال على الماديات الفانية. وجدد أتباعك لكيلا يتعلقوا بأمور دنيوية، بل يكتفوا بقدرتك وعنايتك وحضورك معنا. منحنا في التجارب الحادثة في الأيام الأخيرة موهبة تمييز الأوراح، وطاعة الإيمان، لكيلا نضل، بل نتبعك وحدك. آمين؟

السؤال: 11 - لماذا نرى في محبة المال والغنى تجربتين تماثلان عبادة الأوثان؟

12 - مكافأة اتّباع يسوع (الأصحاح 10: 28-31)

28وَٱبْتَدَأَ بُطْرُسُ يَقُولُ لَهُ: «هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ». 29فَأَجَابَ يَسُوعُ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ، لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتاً أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَباً أَوْ أُمّاً أَوِٱمْرَأَةً أَوْ أَوْلاداً أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ ٱلإِنْجِيلِ، 30إِلاّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ ٱلآنَ فِي هٰذَا ٱلزَّمَانِ، بُيُوتاً وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأَوْلاداً وَحُقُولاً، مَعَ ٱضْطِهَادَاتٍ، وَِي ٱلدَّهْرِ ٱلآتِي ٱلْحَيَاةَ ٱلأَبَدِيَّةَ. 31وَلٰكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَٱلآخِرُونَ أَوَّلِينَ».

أن ثروات دنيانا تعطي لهم جزاء اجتهادهم. فيا له من مسكين ذلك الذي يسلم نفسه لغرور الغنى. لأن المرض الطويل أو الموت السريع أو الدينونة الأخيرة، سوف تعلمه أن الدنيا تزول. ولكن الله هو الباقي مع الذين يمتلئون بروحه ويثبتون في محبته.

وعلّم السميح المثقلين بالهموم وطالبي المال القاعدة السماوية: «اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره، وهذه كلها تُزاد لكم». احفظ الشعار الحكيم واعمل به فتتغير من الأنانية إلى الإيمان، وتدخل إلى رحاب الله وتتعاون مع عائلته الروحية، التي نسميا ملكوته أو جسد المسيح الروحي.

هل أدركت أن في الحاضر والآخرة لا يبقى شيء ثمين إلا الله الثالوث القدوس وأولاده المولودون بالروح. فكل ما عداه يزول. ورباط الدم وعهد الزواج ينتهيان في الحياة الأبدية. فعائلة الله أهم من كل قرابة وصداقة. فلربما أبغضك أبوك وأمك لأجل إمانك بالفادي يسوع. ولعل إخوتك يضطهدونك، وحتى أولادك يلعنوك. هذا مؤلم جداً ويكدر القلب. ولكننك قد ربحت الله بالذات، فما هو الأهم: الأزلي أو الفاني؟ هل تحب الرب أكثر من عائلتك؟

ولربما يمنحك أبوك من الوراثة، ويحاول إخوتك أن يقتلوك. فاطمئن لأن المسيح هو الحي والمحيي. وقد اختبر هو في نفسه قساوة العلاقة العائلية، إذ سموه هادياً وحاولوا إرجاعه بالقوة من خدمة التبشير. فتركهم وسمى كل الذين يعملون مشيئة الله أمهوإخوته.

بيد أن المؤمن بالمسيح يجد إخوة وأخوات جدداً وزوجة مؤمنة في إرشاد الروح، وملكاً جديداً بواسطة اجتهاده في مهنة مكرمة. وكل ذلك ليس هو الأهم. بل ربحه الله بالذات، لأن القدوس أصبح أباه. فالإيمان بالمسيح يعادل ويفوق خسارات هذا العالم أعافاً مضاعفة. أن الربح في الروح أعظم بألوف المرات من خساراتنا الدنيوية.

لكن الذي يركض إلىالمسيح متحمساً ويؤمن به سطحياً، فلينظر ألا يرتد بنفس السرعة، لأن المسيح لا يوظفنا ليعطينا مالاً أو مرتبة أو ملكاً، بل يغفر لنا ذنوبنا ويشركنا في خلاصه وينصرنا على التجارب الخبيثة. فكل من يؤمن ليربح ماديات ومساعداتمن الآخرين ييأس ويتمرمر. لأن العيش مع أولاد الله يعني تضحية وخدمة وعطاء، وليس أخذاً وأبهة وسلطة وخيلاء. فلتحذر ولتمتحن نفسك مدركاً مسبب اتباعك للمسيح. أتقصد الربح المادي، أو قد أصبحت حياتك ذبيحة حية لمحبة الله؟

الصلاة: أيها الرب يسوع قد تركت أباك لتربحنا نحن الخطاة. فنشكرك للطف محبتك، لأنك بذلت نفسك لتخلصنا. ومت لأجلنا نحن المزدرى، لنكون أولادا لله ونخدمه في قوة محبتك. أعطنا الصبر لنحتمل بعضنا ونعيش معا في روحك القدوس، ولا ننر الى الوراء بل نمتد نحوك أنت الآتي. آمين.

السؤال: 12 - ما هو ربح المؤمنين بالحقيقة؟

الآية للحفظ:

«لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتاً أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَباً أَوْ أُمّاً أَوِ ٱمْرَأَةً أَوْ أَوْلاداً أَوْ حُقُولاً، لأَجْلِي وَلأَجْلِ ٱلإِنْجِيلِ، 30إِلاّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ ٱلآنَ فِي هٰذَا ٱلزَّمَان، بُيُوتاً وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأَوْلاداً وَحُقُولاً، مَعَ ٱضْطِهَادَاتٍ، وَفِي ٱلدَّهْرِ ٱلآتِي ٱلْحَيَاةَ ٱلأَبَدِيَّةَ. 31وَلٰكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَٱلآخِرُونَ أَوَّلِينَ» (مرقس 1: 29-31).

13 - الإعلان الثالث عن موت المسيح وقيامته (الأصحاح 10: 32-34)

32وَكَانُوا فِي ٱلطَّرِيقِ صَاعِدِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَقَدَّمُهُمْ يَسُوعُ، وَكَانُوا يَتَحَيَّرُونَ. وَفِيمَا هُمْ يَتْبَعُونَ كَانُوا يَخَافُونَ. فَأَخَذَ ٱلاِثْنَيْ عَشَرَ أَيْضاً وَٱبْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ عَمَّاسَيَحْدُثُ لَهُ: 33 «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِٱلْمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى ٱلأُمَمِ، 34فَيَهْزَأُونَ بِهِ وَيجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلثَّالِثِ يَقُومُ».

عرف يسوع هدفه الذي لأجله جاء للعالم وهو الموت النيابي عن تلاميذه وعن كل البشر. وقد رأى أن وصاياه ووعوده لم تغيرهم. بل بقوا مستكبرين قاسين وبدون محبة. فلهذا أراد مصالحتهم مع الله بواسطة موته كحمل الله المذبوح، لكي يحل روح الرب في أسام المتبررين ويجددهم ويغيرهم ويقدسهم إلى التمام.

ولهذه الغاية صمم يسوع أن يذهب إلى أورشليم مكان موته. لم يفر، ولم يدخل الخوف في قلبه. أما أتباعه فخافوا خوفاً مرعباً، عالمين من قبل أن مجمع اليهود وفقهاء التوراة تجسسوا على يسوع وراقبوه باستمرار ليستنتجوا منه شبه ضلالة أو خطأ سلوكي وألقوا عليه وعلى تلاميذه لعنة الحرمان، فكل من يساعدهم ويشترك معهم يحرمونه من شركة آلامه وحقوقها.

أما يسوع فتقدم عمداً إلى مغارة الأسود، عالماً ألا طريق لفداء العالم إلا بالصليب. وأعد تلاميذه الاثني عشر بالدقة للحوادث الموشكة على الوقوع، لأن له بصيرة نبوة ومعرفة عن تفاصيل المستقبل بخصوص الحكم عليه، وتعذيبه وموته وقيامته من بينالأموات.

هل أدركت عظمة يسوع في نبوته عن حياته وموته الخاص؟ لقد أبصر بوضوح نوعية النهاية التي تنتظره. ورغم هذا تقدم نحو أعدائه، وعلّم تلاميذه عن الحوادث الآتية ليقرروا مصيرهم، وكان مطيعاً حتى الموت. إنه وُلد ليموت لأجلنا. فمحبة الله تظهر كالة وسط اكتمال ثروة البشر ضد الرب. إنه حمل نجاساتهم وأمراضهم على كاهله، ولكنهم ضربوه وبصقوا على وجه محبته، وجلدوا جسده الرقيق، وعلقوه على صليب العار، ليموت بطيئاً بواسطة ثقل جسده. واستهزأوا بالمصلوب آملين أن يكفر بالله ويعصاه. أما هو فحم ضيقاتنا وآلامنا بصبر فائق، وصلى لأجلنا على الصليب، وغفر ذنوب الذين سمروه على الخشبة، ولم ييأس في ابتعاد الله عنه. وشرب كأس الغضب إلى النهاية، واستودع نفسه بين يدي أبيه، رغم أن الله حجب وجهه عنه. فآمن يسوع وسط لهيب غضب ا لله بأبديته وقيمته من بين الأموات، منتصراً في نهايته انتصاراً عظيماً.

قد آمن يسوع برؤيا منحها أبوه له بالروح القدس، وتقدم مباشرة إلى أورشليم. فهل أنت متكل على كلمة الله وتسلك حسب إرشادها؟ ربما تكون حياتك مليئة بالضيقات والتجارب والظلمات وحتى المخاوف. فاعلم أن المسيح احتمل البُعد عن الله عوضاً عنا لك نختبر نحن البعيدين عن الله قرب الأزلي دائماً. ثق بأبيك السماوي تماماً فتغلب بضيقاتك بالإيمان وتتقدم نحو مشاكلك مطمئناً وتحب أعداءك وتبارك خصومك. لا تخف إن كنت منكسراً أمام الرب حقاً، لأن العليم القدير معك.

الصلاة: نسجد لك أيها الرب يسوع، لأنك لم تهرب من آلامك وموتك المعروف لديك مسبقاً. وقد تقدمت الى صليبك لأجلنا. واحتملت آلام وضربات وبصقاً وجلداً لأجل تبريرنا. نشكرك لأجل محبتك. ونكرس لك حياتنا. اقبلنا نحن الغير مستحقين وطهرنا واملأنا بروحك القدوس لكي لا نعيش فيما بعد لأنفسنا، بل لك وحدك، فتعمل قوتك في ضعفنا. وساعد المربوطين في خطاياهم لكي يتركوا استكبارهم نهائيا ويلبسوا محبتك المستقيمة. آمين.

السؤال: 13 - لماذا تقدم يسوع أمام تلاميذه مباشرة الى أورشليم؟

14 - طلبة ابني زبدي المستكبرة (الأصحاح 10: 35-40)

35وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا ٱبْنَا زَبْدِي قَائِلَيْنِ: «يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ لَنَا كُلَّ مَا طَلَبْنَا». 36فَسَأَلَهُمَا: «مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمَا؟» 37فَقَالا لَهُ: «أَعْطِنَ أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَٱلآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ». 38فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ. أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا ٱلْكَأْسَ ٱلَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَ بِٱلصِّبْغَةِ ٱلَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا؟» 39فَقَالا لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: «أَمَّا ٱلْكَأْسُ ٱلَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصِّبْغَةِ ٱلَّتِي أَصْطَبِغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ. 40وَأَمَّا ٱلْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ».

تقدم حمل الله الوديع إلى مذبح حياته. ولكن تلاميذه فكروا بالسياسة والرياسة والشرف والسلطة والسيطرة على الآخرين. فطلبوا مجد هذه الدنيا. ولم يدركوا ضرورة الصليب، ظانين أن يخدموا الله بدون توبة وتجديد. وكانوا فخورين في قلوبهم. وقد تبعيوحنا ويعقوب يسوع، وتركا مهنتهما كصيادي سمك، مفتكرين أنهما أفضل من الآخرين، لقرابتهما بيسوع، وانتسابهما إلى الأسرة الكهنوتية. فتمنيا في حالة تمسك السلطة أن يحصلا من يسوع على الوعد المسبق، أنه يعطيهما الحصة الكبرى من سلطته ومجده.

لم ينف يسوع طلبتهما مباشرة، بل لامهما لأنهما طلبا شيئاً لمي فهماه. فدان مقاصدهما وكشف جهلهما بواسطة سؤاله الفاحص: أقادران هما على شرب كأس غضب الله، واحتمال معمودية آلام الصليب؟ ومن جوابهما يظهر أنهما لم يفهما ضعفهما وفسادهما، ولا رفا الله القدوس في غضبه، ولا الحاجة إلى حمل الله وضرورة موت يسوع. فقد رسبا في امتحان اتباعهما ليسوع رسوباً مطلقاً. لأن الروح القدس ما كان قد سكن فيهما بعد. ولم يختبرا معرفة عمق ذنوبهما ولا تبريرهما بالصليب بعد. فكانا أعميين روحياً ومستكرين بشرياً.

والعجيب أن يسوع لم يرفض استعدادهما للآلام معه وهما غير متجددين. بل أعلن لهما أن اتباعه يعني آلاماً في سبيل الخدمة للآخرين. كما أن يسوع البار تألم للأثمة. فمعمودية الروح القدس لا تأتي بفرح ومواهب ويقين براق فحسب، إنما يتبعها تجارب لشيطان وبغضة الملبوس به.

هل أنت مستعد أن تدفع ثمن اتباعك ليسوع؟ هل تريد التمتع بالنعمة فقط أم تستعد لبذل ذاتك وسط الاستهزاء والكراهية؟

إن أجرة شركتنا مع الله وابنه ليست كما تخيل يوحنا ويعقوب. مستحيل أن يجلس إنسان على يسار المسيح لأن هذا محل الآب الذي أجلسن ابنه عن يمينه. فطلبة ابني زبدي تظهر كبرياء الشيطان الموسوس، الذي يوسوس في أذني التلاميذ، محاولاً تحريضهم ضد وح سيدهم.

أين مكاننا في السماء؟ هل نحن بين المقربين أو المبعدين؟ إن كل الذين يؤمنون بالمسيح يرتبطون بروحه إلى الأبد. فنحن جسده الروحي ولسنا منفصلين عنه. فالكيان في السماء هو المحبة والروح والوحدة لا إكرام الذات والانفصال بسبب الأبهة والافتخر. وقد صلى يسوع طالباً من أبيه: ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد.

الصلاة: يا رب أنت تصبر علينا، نحن المتكبرين والجهلاء. ولا ترفضنا بل شربت كأس الغضب، لنعيش نحن في قوة روحك القدوس. وقد احتملت معمودية العذاب على الصليب، لكي نتعمد نحن بروحك القدوس. اغفر لنا غباوتنا وفخرنا بأنفسنا، وشهوانا الى السلطة، وغيرنا الى صورتك لنتصاغر ونتواضع، ونصبح ودعاء مستعدين لخدمة الآخرين، ولاحتمال استهزائهم ورفضهم ولطمهم، لكي يخلصوا. آمين.

السؤال: 14 - كيف كشف سؤال وجواب ابني زبدي حالتهما الروحية؟

15 - يسوع يبذل نفسه (الأصحاح 10: 41-45)

41وَلَمَّا سَمِعَ ٱلْعَشَرَةُ ٱبْتَدَأُوا يَغْتَاظُونَ مِنْ أَجْلِ يَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا. 42فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلَّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ ٱلأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَأَنَّ عُظمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. 43فَلا يَكُونُ هٰكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيماً يَكُونُ لَكُمْ خَادِماً، 44وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْداً. 45لأَنَّ ٱبْنَٱلإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».

البشر مرضى ووباء الاستكبار داخل فيهم، وخطية الشيطان دافعة لأفكارهم. لم يسقط الأخوان يوحنا ويعقوب في امتحان تلمذتهما فقط، بل كل التلاميذ مثلهما لأن الجميع اغتاظوا وغضبوا من ابني زبدي. فالجميع مستكبرون. وقد سمعوا تعاليم يسوع ووافقواعليها، لكنهم لم يفهموها. إذ لم تتجسد كلماته بعد فيهم. كانوا كلهم قبل الصليب وحلول الروح القدس أناساً عاديين ممتلئين بالاعوجاج والأنانية.

أما يسوع فرحمهم ودرسهم مرة تلو المرة، وعلمهم مبادئ الثالوث الأقدس، في تواضع ابن الله وخضوع المولود من الروح لأبيه وتعظيمه وإنكار الذات فيسوع نفسه عاش على هذا المنوال ومجد أباه دائماً، ووثق فيه مطلقاً، وأطاعه طوعاً، وعظمه تعظيماً. أما الأب فأعطاه كل السلطان في السماء وعلى الأرض وأجلسه عن يمينه وجعله رسم جوهره. وهكذا يعمل الروح القدس الذي لا يمجد نفسه، بل المصلوب الحي الآتي. رغم أن ابن الله ترك له تحقيق الخلاص وإنشاء الكنيسة. أنه لسر كبير، فإلهنا إله متواضع وديع مب لطيف.

هذا النوع من الروح مضاد لروح العالم تماماً. لأن رؤساء الدول يحكمون بأسلحة وعنف ويسيطرون على شع وبهم. وهم يعصون السلطة لأن كلا يريد الاستكبار والمال والحق والشرف محتقراً الآخرين البسطاء.

قد منع يسوع أتباعه والكنيسة من التعاون مع روح هذا العالم. وأرشدهم إلى فكرة الخدمة. إذ علمهم أن الخادم والخادمة والعامل الأمين، أعظم من السادة الكسالى المسترخين. وأن الأسقف مع الخوارنة والقسس، ليسوا بأفضل من الأم المصلية والطفل الممن. الروح القدس يجعلنا جميعنا من جنس واحد. ومحبة يسوع تحني رؤوسنا الكبيرة وتجعل منا خداماً للآخرين. فالمولودون من الروح لا يريدون الصعود في درجات الرواتب أو البروز في الشركة والاجتماعات، إنما الروح القدس يدفعهم إلى خدمة العمي والسكيرين الضالين والمحتقرين، ليتحرروا من قيود خطيتهم.

هل أنت خادم أو سيد؟ هل انكسرت أمام عظمة الله رأيت نقصانك في قدوة المسيح، أو لا تزال متكبراً في ذاتك؟ ترك يسوع لنا قدوة. ومن يتبعه يمثله. فلم يأت ليُخدم بل ليخدم إن إلها خادم. احفظ هذه الجملة لأنها تريك ما يريد يسوع أن يفعل بك.

دفع يسوع بحياته ودمه الفدية لكي نتحرر من عبودية الفخر. وكل الذين يسمعون صوته الحنون، ويؤمنون بقوة كفارته يتحررون من قيود الأنا وينالون بركات الروح القدس، ويتغيرون جذرياً، مصبحين قدوة في المحبة والصبر والابتهال لأجل الآخرين. ففداء لمسيح يجعلنا فدائيين في المحبة، نبذل حياتنا لتخليص الآخرين. فهل قدمت تضحية بفرح وشكر؟

الصلاة: نسجد لك أيها الآب لأنك أرسلت ابنك الحبيب الى عالمنا الشرير. وهو عظّمك دائماً وعاش خادماً بيننا. وحررنا من الكبرياء. نشكرك لأنك طهرتنا بموته على الصليب. من تسممنا بخطية الشيطان وغفرت لنا كل إثم. ونسجد لك لأن روح القدوس حررنا من عظمتنا الموهومة وغيرنا الى خدام يتواضعون طوعاً ويخدمون الجميع ليخلصوا هم أيضاً من ارتباطاتهم النجسة. آمين.

السؤال: 15 - ماذا تعني لنا قدوة يسوع كخادم للخطاة؟

الجزء السادس: دخول يسوع إلى أورشليم وأعماله الأخيرة (الأصحاح 10: 46-12: 44)

1 - شفاء الأعمى في أريحا (الأصحاح 10: 46-52)

46وَجَاءُوا إِلَى أَرِيحَا. وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنْ أَرِيحَا مَعَ تَلامِيذِهِ وَجَمْعٍ غَفِيرٍ، كَانَ بَارْتِيمَاوُسُ ٱلأَعْمَى ٱبْنُ تِيمَاوُسَ جَالِساً عَلَى ٱلطَّرِيقِ يَسْتَعْطِي. 47فَلَمَّا سَمِعَ أَنَّهُ يَسُوعُ ٱنَّاصِرِيُّ، ٱبْتَدَأَ يَصْرُخُ وَيَقُولُ: «يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ، ٱرْحَمْنِي!» 48فَٱنْتَهَرَهُ كَثِيرُونَ لِيَسْكُتَ، فَصَرَخَ أَكْثَرَ كَثِيراً: «يَا ٱبْنَ دَاوُدَ، ٱرْحَمْنِي». 49فَوَقَفَ يَسُوعُ وَأَمَرَ أَنْ يُنَادَى. فنَادَوُا ٱلأَعْمَى قَائِلِينَ لَهُ: «ثِقْ. قُمْ. هُوَذَا يُنَادِيكَ». 50فَطَرَحَ رِدَاءَهُ وَقَامَ وَجَاءَ إِلَى يَسُوعَ. 51فَسَأَلَهُ يَسُوعُ: «مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ بِكَ؟» فَقَالَ لَهُ ٱلأَعْمَى: «يَا سَيِّدِي، أَنْ أُبْصرَ». 52فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ٱذْهَبْ. إِيمَانُكَ قَدْ شَفَاكَ». فَلِلْوَقْتِ أَبْصَرَ، وَتَبِعَ يَسُوعَ فِي ٱلطَّرِيقِ.

كان تلاميذ المسيح عمياناً لمبادئ ملكوت الله، ولم يروا جلالة يسوع في تواضعه. ولكن المسكين بارتيماوس الأعمى في مدينة أريحا حصل بإيمانه بيسوع على قلب مفتوح البصيرة. فقد منحه المسيح البصيرة التي جعلته يؤمن أن يسوع هو ابن داود، وأنه اللك الموعود، الذي وعده به الله قبل ثلاثة آلاف سنة من هذا الوقت. وشهد أن ابنه سوف لا يكون لملكه نهاية، وأن كرسيه سيقوم مع كرسي الرب حسب الوحي: «قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك».

لقد رأى الأعمى أكثر مما كان يراه المبصرون رغم أنهم كانوا ملازمين له. ولم يرضخ المسكين لأمر التلاميذ لما منعوه أن يصرخ إلى يسوع بهذه العبارة السياسية «ابن داود». وكلما شددوا عليه ليمتنع عن الصراخ ليستطيعوا سماع كلام يسوع، ازداد صرااً عالماً أن هذه الفرصة أثمن فرصة من حياته، وليس بعدها فرصة.

وتوقف يسوع عن سيره إلى أورشليم، لأنه ميّز صوت قلب مشتاق إليه. وهكذا هو يسمع أيضاً أنات فؤادك، إن كنت تشتاق فعلاً إلى حياة الله. وإن لم تسمع دعوته بسبب ضجيج العالم وكثرة الأفكار المتراقصة في رأسك، فنقترح عليك أن تصلي إليه مؤمناً، أنه يترقب صلاتك ويصغي إلى صوت قلبك ويفهمك، ويدعوك شخصياً. فتعال إليه، واسمع لكلمته، لأنه يخلصك بالتمام.

عندما سمع الأعمى دعوة يسوع هبّ من مكانه، وطرح رداءه حتى لا يعوقه، وأسرع إلى يسوع. وسمع صوت ابن الله القائل: «ماذا تريد أن أفعل بك؟».

فيا أيها الأخ العزيز، إن سألك ابن الله: ماذا تريد أن أفعل بك؟ فبماذا تجيبه؟ فكر ملياً بدقة قبل جوابك الذي يحدد طريق مستقبلك. وصل في قلبك ماذا يريدك الرب أن تطلب منه. فعندئذ جاوبه بالإيمان والتواضع.

طلب الأعمى أن يبصر. فماذا تطلب أنت من المسيح؟ هل نجاحاً في الامتحانات أو شفاء من مرض ما، أو مالا لضمان المستقبل، أو غفراناً لجميع خطاياك، أو حياة أبدية بحلول الروح القدس في نفسك؟

المسيح يسمعك ويستجب صلواتك، إن طلبته من صميم قلبك، وارتبطت به بملء إرادتك. فتح الرجل الأعمى في أريحا قلبه للمسيح وقبل محبته لذاته، وآمن بالمخلص المعين، ونال ثمر إيمانه. فليس صراخه واندفاعه إلى يسوع هو الذي خلصه، بل إيمانه هو الذيأكرمه يسوع بواسطته، واثقاً بأنه الملك الإلهي، وأنه رغم سموه يعطي من وقته للمسكين البسيط الذي يبسط يده للطلب.

كان إيمان بارتيماوس مخلصاً، لأنه لم يهتم أن يركض بعد شفائه إلى أقربائه، بل تبع يسوع رأساً. قد رأت عيناه الملك الإلهي في لطفه، فتمسك به فوراً، وأصبح أهلاً في ملكوته رغم الاضطهادات والاتهامات والشتائم. وأنت، هل أصبحت مبصراً مدركاً شصية المسيح، أو هل لا تزال أعمى في أمنياتك الدنيوية؟

الصلاة: أيها الآب السماوي نعظمك لأنك تهتم بالبسطاء والمرضى والمساكين. أريد أن ترسل ألوفاً من الفعلة الى حصادك اليوم، لأن الحصاد كثير والقلوب مشتاقة الى الحق، ولكن الفعلة قليلون وأحيانا يكونون غير مخلصين. اجعلني عبداً مواضعاً مجتهداً مطيعاً في ملكوتك مستمتعاً بلطفك لأراك دائماً أمامي وأتبعك وأنفذ مشيئتك بفرح. آمين.

السؤال: 16 - ماذا نتعلم من شفاء بارتيماوس الأعمى في أريحا؟

2 - دخول يسوع إلى أورشليم (الأصحاح 11: 1-10)

1وَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، عِنْدَ جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ ٱثْنَيْنِ مِنْ تَلامِيذِهِ 2وَقَالَ لَهُمَا: «ٱذْهَبَا إِلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ وأَنْتُمَا دَاخِلانِ إِلَيْهَا تَجِدَانِ جَحْشاً مَرْبُوطاً لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ. فَحُلاّهُ وَأْتِيَا بِهِ. 3وَإِنْ قَالَ لَكُمَا أَحَدٌ: لِمَاذَا تَفْعَلانِ هٰذَا؟ فَقُولا: ٱلرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ. فَللْوَقْتِ يُرْسِلُهُ إِلَى هُنَا». 4فَمَضَيَا وَوَجَدَا ٱلْجَحْشَ مَرْبُوطاً عِنْدَ ٱلْبَابِ خَارِجاً عَلَى ٱلطَّرِيقِ، فَحَلاّهُ. 5فَقَالَ لَهُمَا قَوْمٌ مِنَ ٱلْقِيَامِ هُنَاكَ: «مَاذَا تَفْعَلانِ، تَحُلاّنِ ٱلْجَحْشَ؟» 6فَقَالا لَهُمْ كَمَا أَوْصَى يَسُوعُ. فَتَرَكُوهُمَا. 7فَأَتَيَا بِٱلْجَحْشِ إِلَى يَسُوعَ، وَأَلْقَيَا عَلَيْهِ ثِيَابَهُمَا فَجَلَسَ عَلَيْهِ. 8وَكَثِيرُونَ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ، وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَاناً مِنَ ٱلشَّجَِ وَفَرَشُوهَا فِي ٱلطَّرِيقِ. 9وَٱلَّذِينَ تَقَدَّمُوا وَٱلَّذِينَ تَبِعُوا كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ ٱلآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! 10مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ ٱلآتِيَةُ بِٱسْمِ ٱلرَّبِ! أُوصَنَّا فِي ٱلأَعَالِي!».

أدرك بارتيماوس بعد أن فتح المسيح عينيه معنى دخول المسيح إلى أورشليم، لأنه اعترف رغم الجواسيس من رؤساء اليهود، أن يسوع الناصري هو ابن داود المسيح الموعود، الملك الحق.

ويا للعجب، لم يرفض يسوع هذا اللقب، بل شفى الشاهد بسلطانه، برهاناً على أنه المسيح المنتظر. وهكذا حرك أمواج الرجاء في قلوب التلاميذ والشعب. فأراد الجميع أن يشتركوا في انتصار الله. فتسلقوا مع يسوع الجبال الصحراوية الحارة، إلى قمة سللة الجبال، حيث توضع أورشليم كتاج فوقها.

وقبل أن يعبر يسوع آخر طرف لجبل الزيتون، أتم نبوة زكريا ليوضح أنه لم يأت ملكاً فخوراً على حصان حربي، أو جمل فخور، مع جيش فتاك، وطائرات سريعة ودبابات مخيفة ليفتح العاصمة، بل كان راكباً حماراً متواضعاً وأكثر من ذلك كان الرب القدير فيتواضعه فقيراً محتاجاً، حتى أنه لم يكن يملك حتى ولا سرجاً. لذلك استعمل ملابس أتباعه، الذين وضعوها على الحمار ليجلس عليه. وهكذا دخل وديعاً إلى مدينة السلام. ولم يمنعه جنود الرومان من عبور الطريق، لأن موكبه المتواضع، لم يشكل خطراً للسلطة،خاصة إذ صلت حاشية المسيح بصوت عال ممجدة الله، كما كانت العادة أثناء الأعياد الكبيرة.

فسبحه أتباعه بالدعاء المعين لاستقبال رئيس الكهنة، حينما يدخل الهيكل ليصالح الشعب مع الله. وكذلك هتفت الجماهير له، كما يهتفون للملك عند تتويجه.

إن المسيح هو رئيس الكهنة الصحيح الذي صالحنا مع الله نهائياً. وهو ملك الملوك الذي يقيم اليوم مملكة سلامه في قلوبنا. فهل تعد طريق الرب، ليدخل في فؤادك وبيتك وقريتك ومدينتك؟ وأنه لسر عظيم أنه في كل مكان يقبل فيه الملك الإلهي يسوع يبتئ ملكوت السلام الأبدي معلناً سابقاً بالروح القدس للملك داود النبي.

هل تفرح فرحاً عظيماً لمجيء المسيح الوديع، لأنه قد أتى كملك وكحمل الله في آن واحد؟ وهل اختبرت حضور ملكوت الله في قلوب أتباع الملك الفقير وسط عالمنا الشرير؟ وكيف تعد طريقه عملياً في محيطك؟

الصلاة: أيها الرب يسوع أنت ابن داود الملك الإلهي. ليس فيك غش أو علة. أنت المحبة المتجسدة. وفيك نجد القداسة والعدالة واللطف والصبر والنعمة. اقبلنا في رعوية مملكتك، وطهرنا لنكون أهلاً لاتّباعك وافتح أعيننا لنراك دائماً مور الكون، رغم بساطة ظهورك. وأيقظ الملايين ليستقبلوك بهتاف وزغاريد ويعملوا بفرح حسب دستور محبتك. آمين.

السؤال: 17 - لماذا لم يحرم جنود الرومان يسوع من دخول أورشليم؟

3 - لعن التينة وتطهير الهيكل (الأصحاح 11: 11-19)

11فَدَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ وَٱلْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ ٱلْوَقْتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ ٱلاِثْنَيْ عَشَرَ. 12وَفِي ٱلْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عنْيَا جَاعَ، 13فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئاً. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئاً إِلاّ وَرَقاً، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ ٱلتِّينِ. 14فَقَالَ يَسُوعُ لَهَا: «لا يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَراً بَعْدُ إِلَى ٱلأَبَدِ». وَكَانَ تَلامِيذُهُ يَسْمَعُونَ.

15وَجَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا دَخَلَ يَسُوعُ ٱلْهَيْكَلَ ٱبْتَدَأَ يُخْرِجُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي ٱلْهَيْكَلِ، وَقَلَّبَ مَوَائِدَ ٱلصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ ٱلْحَمَامِ. 16وَلَم يَدَعْ أَحَداً يَجْتَازُ ٱلْهَيْكَلَ بِمَتَاعٍ. 17وَكَانَ يُعَلِّمُ قَائِلاً لَهُمْ: «أَلَيْسَ مَكْتُوباً: بَيْتِي بَيْتَ صَلاةٍ يُدْعَى لِجَمِيعِ ٱلأُمَمِ؟ وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ». 18وَسَمِعَ ٱلْكَتَبَةُ وَُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ فَطَلَبُوا كَيْفَ يُهْلِكُونَهُ، لأَنَّهُمْ خَافُوهُ، إِذْ بُهِتَ ٱلْجَمْعُ كُلُّهُ مِنْ تَعْلِيمِهِ. 19وَلَمَّا صَارَ ٱلْمَسَاءُ خَرَجَ إِلَى خَارِجِ ٱلْمَدِينَةِ.

لم يتوجه يسوع إلى رؤساء الشعب أولاً، ولا إلى جنرالات القوى الاستعمارية عندما دخل العاصمة، بل سعى مباشرة إلى مركز القدس هيكل الله الفريد. وهناك رأى الجماهير المصلية بلا مبالاة والمهتمة بصرف الأموال لشراء حيوانات للذبخ، ولم يلاحظ الوبة في القلوب. وسمع ضجيج التجار الدين الذين فقدوا الشعور بحضور الله. فنظر يسوع إلى المدينة، وتطلع في عيون الناس، وقرأ فيها خطيتهم ورجسهم وكبرياءهم وشهواتهم وخبثهم. فمضى من مدينة السلام الممتلئة بالبغضة والقتل حزيناً جداً.

وكما أن الأرزة الجميلة هي رمز لبنان، فإن شجرة التي والزيتون هي المثل لشعب العهد القديم. فعندما مر يسوع بشجرة التين الممتلئة بالأوراق لم يجد فيها ثمراً. صحيح أنه كان شهر نيسان، ولم يكن وقت إثمار التينة. لكنه كان وقت باكورة التين. وم يكن في تلك التينة شيء من الباكورة. وعاقب المسيح هذه الشجرة، وأخذ منها البركة، فلا تعود تثمر بعد ذلك.

وهكذا نعلم، أن ليس للعهد القديم قوة، لأن الشريعة الموسوية لا تقدر أن تأتي بثمار مرضية عند الله. وفعلاً نجد في العهد القديم كما في شجرة التين أوراقاً كثيرة في كتب وأسفار، ممتلئة بأحكام وفراض وصلوات وطقوس، ولكنها خالية من التوبة القة والغفران الأبدي وقوة المحبة.

فلم تكن أورشليم المدينة المقدسة حقاً، لأنها لم تستقبل يسوع كما يجب. فابتدأ فيها الخراب. والدينونة تدريجياً.

ولما عاد يسوع في اليوم الثاني إلى المدينة، وضع علامة لبداية ملكوته. فلم يبشر ولم يشف، بل تقدم مرى أخرى إلى الهيك، وطرد من الدّور والغُرب التجار والصرافين والضاجين، ليبين أن إصلاح الأمة يبتدئ بإصلاح الدين، وليس بتنظيم الاقتصاد، وتكثر الأنظمة أو تحريض الجماهير للحج أو ثورة أو تضحية.

يريد المسيح أن يظهر قلبك أيضاً ويغيّر ذهنك ويقدس جسدك. وهو لا يرضى أن يسكن فيك روح شرير أو بغضة كامنة. أو محبة للمال، بل هو يريد أن يحل فيك بالذات ليصبح جسدك هيكلاً لله الممتلئ بروحه.

وهكذا مع كنيستك. فلا يسمح المسيح باجتماع أرواح غريبة، بل يريد انكسار الجميع أمام قداسته وطاعة الشيوخ والشباب لدوافع إنجيله. مع صلوات مخلصة، فيحل فيكم فرداً وجمعاً. وتصبحون معاً الهيكل الظاهر لله، إذ سلوككم الطاهر والمحبة المتبادلةتبرهن وجود الله فيكم.

الصلاة: أيها الرب يسوع نسجد لك لأنك أنت رئيس الكهنة الصحيح. والملك الذي لك السلطان والمشرع الذي فيك كل الحكمة والحق. ونعترف أمامك أن قلوبنا غير طاهرة، وناقصة أمام مجدك. وأننا نفكر كثيراً نقرأ ونكتب، ولكن أعمالنا الصالح ضئيلة وأنت طالب منا جميع ثمار روحك القدوس. اغفر لنا ذنوبنا جميعها. وامسحنا بقوتك، لنصبح مسيحيين عاملين مرضاتك. فننشر محبتك على أمتنا، ليرجع الأفواج اليك وتحل في منسحقي القلوب. ونكون معا هيكلاً مقدساً لحضورك معنا. آمين.

السؤال: 18 - لماذا طهر يسوع الهيكل؟

4 - تأملات عن التينة الجافة (الأصحاح 11: 20-26)

20وَفِي ٱلصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوُا ٱلتِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ ٱلأُصُولِ، 21فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدِي ٱنْظُرْ، اَلتِّينَةُ ٱلَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!» 22فَأَجَابَ يَسُوعُ: «لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِٱللّٰهِ. 23لأَنِّي ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهٰذَا ٱلْجَبَلِ، ٱنْتَقِلْ وَٱنْطَرِحْ فِي ٱلْبَحْرِ، وَلا يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قالَ يَكُونُ لَهُ. 24لِذٰلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ. 25وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ فَٱغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ َكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ زَلاّتِكُمْ. 26وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا أَنْتُمْ لا يَغْفِرْ أَبُوكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ أَيْضاً زَلاّتِكُمْ».

لعن يسوع شجرة التين، رمزاً للدينونة النازلة على شعب العهد القديم، فيبست الشجرة رأساً.

وأما المسيح فأراد خلاص تلاميذه رغم أنهم جميعاً من نفس الأمة الرافضة. وطلب منهم الإيمان بالله وسط الدينونة المسكوبة على شعبهم.

والإيمان يعني أن نتعلم المحبة من ابن الله ونثق فيه. والصلاة النابعة من هذه الثقة هي عمل مشترك بين المؤمن والله في قوة الروح القدس. وكل من يرتبط بروح الإيمان في الله الآب، لا يصلي حسب أمنياته الخاصة، بل يشتاق إلى إتمام مشيئة الآب اسماوي. وينزل بصلواته البركة على بلدته وأمته. والله يستجيب صلوات المؤمنين لأنهم يريدون مغفرة خطايا جميع الناس وحلهم من قيود الطمع والنجاسة، حتى يتغيروا في شكلهم ويقدموا أنفسهم ذبيحة حية مرضية عند الله.

لم ينقل المسيح بذاته جبلاً ما إلى البحر بواسطة إيمانه القدير، بل قد أغرق سلاسل من جبال الخطايا في محيط محبته ولم يفجر أحد الرسل بركاناً نارياً ليبرهن لمستمعيه على جريان قوة الله فيه. بل نشروا إنجيل السلام على الأمم وملأوا حوض البح المتوسط بفرح الروح القدس. وهكذا حققوا محبة ا لله وسط الياس والدموع آنذاك.

ليس إنسان قادراً من تلقاء نفسه أن يصلي ويؤمن كما يجب، إن لم يتّحد بمقاصد محبة الله. لأن القدوس هو المحب الغافر المظهر المنخلص. ولا يهلكنا لأنه صبور. وكل من يعيش مع الله في عهده الجديد، يرى أن محبته وغفرانه تتسرب إلى قلوبنا وتجددنا وتمنحنا فكراً جديداً وذهناً طاهراً. وفي هذا الروح نتنازل عن حقوقنا ونسامح خصومنا ونحب أعداءنا، لأن غفران الله أصبح مبدأنا وشعار حياتنا.

لم يجد المسيح في شعبه استعداداً لقبول هذا الروح المحب المسامح، فانفصلوا تلقائياً عن محبة الله ولم يريدوا التوبة ولا الخضوع للمخلص الآتي. ولم يستقبلوا الملك الصالح بجماهير ورؤساء. ولم يعدوا له الطريق إلى قلوبهم، بل تجسسوا عليه، ليكشفوا خطأ في سلوكه وأقواله ليدينوه ويبيدوه بقتل مبين.

فكل من ينفصل عمداً وعناداً من محبة الله وغفرانه الدائم يتقسى في قلبه ويبغض يسوع، ويرفض المصلوب متعصباً ولا يقبل سلامه. فويل للمسكين الذي لم يتختبر نعمة الله ولم يعرف جوهر المسيح فيظل اللها لقدوس له قاضياً غاضباً ومهلكاً مخيفاً ومنقماً جباراً. لأن الإنسان المتقسي في عناده داس النعمة في استكباره. أما نحن فنعرف أبانا الحنون ونحبه. لأنه غفر آثامنا بالمصلوب وأدخلنا في شعبه الجديد.

الصلاة: أيها الآب السماوي. نشكرك ونحمدك لأنك أظهرت نفسك، بواسطة موت المسيح. وغفرت آثامنا وجعلتنا أولاداً لك شرعاً وروحاً. فلا نرتجف من عظمتك بل لنا دخول اليك. فنأتي بحمد وتهلل ونسبحك بإرشاد الروح القدس. ونلتمس منك تغيي قلوبنا كلياً. لنغفر نحن أيضاً لجميع الناس كل ذنوبهم. وخاصة نطلب اليك أن ترحم كل المستعدين للإيمان في محيطنا، ليدركوك ويتغيروا الى صورتك.

السؤال: 19 - كيف يظهر الإيمان الحق؟

5 - سؤال من المجمع اليهودي عن سلطان يسوع وحقه (الأصحاح 11: 27-33)

27وَجَاءُوا أَيْضاً إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِيمَا هُوَ يَمْشِي فِي ٱلْهَيْكَلِ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ وَٱلشُّيُوخُ، 28وَقَالُوا لَهُ: «بِأَيِّ سُلْطَانٍ تَفْعَلُ هٰذَا، وَمَنْ أَعْطَاكَ هٰذَا السُّلْطَانَ حَتَّى تَفْعَلَ هٰذَا؟» 29فَأَجَابَ يَسُوعُ: «وَأَنَا أَيْضاً أَسْأَلُكُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً. أَجِيبُونِي، فَأَقُولَ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هٰذَا: 30مَعْمُودِيَّةُ يُوحَنَّا: مِنَ ٱلسَّمَاءِ كَانَتْ أَمْ مِنَ ٰلنَّاسِ؟ أَجِيبُونِي». 31فَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ قَائِلِينَ: «إِنْ قُلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاءِ، يَقُولُ: فَلِمَاذَا لَمْ تُؤْمِنُوا بِهِ؟ 32وَإِنْ قُلْنَا مِنَ ٱلنَّاسِ». فَخَافُوا ٱلشَّعْبَ. لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ عِنْدَ ٱلْجمِيعِ أَنَّهُ بِٱلْحَقِيقَةِ نَبِيٌّ. 33فَأَجَابُوا: «لا نَعْلَمُ». فَقَالَ يَسُوعُ: «وَلا أَنَا أَقُولُ لَكُمْ بِأَيِّ سُلْطَانٍ أَفْعَلُ هٰذَا».

اندهش رعاة الشعب واغتاظوا. لأن أحد النازلين من هضبة الجليل القرية الريفية قد تدخل في أنظمة الهيكل الشريف، وتصرف كأن له سلطاناً وشعوراً بشخصيته. ولكنهم لم يثقوا أن مصدره من عند الله. فحاولوا إجباره أن يعلن ذاته جهاراً، ويظهر روحه أامهم واضحاً، إذ كانوا عمياناً في بغضتهم، ولم يدركوا المولود من روح الله رغمأ نه في وسطهم. وقد أحسوا بقدرته. لكنهم لم يعرفوا حقيقته.

فلا تتعجب أيها الأخ إن كان زعيم متعصب أو متدين بسيط لم يعرف المسيح، لأن زعماء العهد القديم أيضاً لم يستنتجوا مصدر سلطان المسيح بعقولهم، إذ كانت قلوبهم غليظة قاسية.

لم يجاوبهم الرب يسوع على سؤالهم، بل سألهم هو في جلاله سؤالاً بكّت قلوبهم ونخسهم، وألزمهم أن يجيبوه عن مصدر يوحنا المعمدان. ومعنى معموديته. وقد رفض في السابق نفس زعماء اليهود المعمدان المنادي في البرية، ظانين أنهم غير محتاجين إلىالوبة والتجديد، فاستهزأوا بملابسه الحقيرة وسخروا من المنادي بالتوبة في فرن البحر الميت. ولم يفهموا أنه كان الوحيد الذي يعد طريق الرب الملك الآتي.

إن التوبة النصوحة مقبولة عند الرب. والتغيير في الذهن ضروري لاستلام الحياة الأبدية. فهل تبقى عائشاً في التقاليد البشرية والمبادئ الدنيوية، أو هل حصلت على قلب جديد، بواسطة الندامة مع الدموع على الخطايا، والإيمان اليقين بالمخلّص الأمن؟

إن مجد يسوع المسيح لا يظهر لك إلا إذا اقتربت من الصليب، وقبلت نعمة الغفران فتتظهر بدمه الكريم. وعندئذ تصرخ شكراً شكراً يا رئيس الكهنة. أنت ربي وإلهي، لقد صالحتني مع الله بدمك الثمين. واشتريتني مع كل المؤمنين خاصة لأبيك السماوي. ففي هذه اللحظة عرفت مصدر سلطان المسيح الذي لا يظهر إلا للمؤمن المخلّص.

الصلاة: نشكرك أيها الرب يسوع لأنك أنت ابن الله، الذي نقلتنا الى حقوق بنوتك نحن المجرمين العبيد في الخطايا. أنت رحمتنا وتصبر علينا. قدسنا لنعرفك أكثر فأكثر في محبتك ونشهد لكل الناس من أنت. انك اله حق من اله حق. نور من نر. مولود غير مخلوق. ذو جوهر واحد مع الآب. آمين.

السؤال: 20 - لماذا لم يعلن يسوع لوفد رؤساء اليهود مصدر سلطانه؟

6 - المثل عن الكرامين غير الأمناء (اَلأَصْحَاحُ 12: 1-12)

1وَٱبْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ بِأَمْثَالٍ: «إِنْسَانٌ غَرَسَ كَرْماً وَأَحَاطَهُ بِسِيَاجٍ، وَحَفَرَ حَوْضَ مَعْصَرَةٍ، وَبَنَى بُرْجاً، وَسَلَّمَهُ إِلَى كَرَّامِينَ وَسَافَرَ. 2ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى ٱلْكَرَّامِينَ فِي ٱلْوَقْت عَبْداً لِيَأْخُذَ مِنَ ٱلْكَرَّامِينَ مِنْ ثَمَرِ ٱلْكَرْمِ، 3فَأَخَذُوهُ وَجَلَدُوهُ وَأَرْسَلُوهُ فَارِغاً. 4ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَيْضاً عَبْداً آخَرَ، فَرَجَمُوهُ وَشَجُّوهُ وَأَرْسَلُوهُ مُهَاناً. 5ثُمَّ أَرْسَلَ أَيْضاً آَرَ، فَقَتَلُوهُ. ثُمَّ آخَرِينَ كَثِيرِينَ، فَجَلَدُوا مِنْهُمْ بَعْضاً وَقَتَلُوا بَعْضاً. 6فَإِذْ كَانَ لَهُ أَيْضاً ٱبْنٌ وَاحِدٌ حَبِيبٌ إِلَيْهِ ،أَرْسَلَهُ أَيْضاً إِلَيْهِمْ أَخِيراً، قَائِلاً: إِنَّهُمْ يَهَابُونَ ٱبْنِي. 7ولٰكِنَّ أُولَئِكَ ٱلْكَرَّامِينَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: هٰذَا هُوَ ٱلْوَارِثُ! هَلُمُّوا نَقْتُلْهُ فَيَكُونَ لَنَا ٱلْمِيرَاثُ! 8فَأَخَذُوهُ وَقَتَلُوهُ وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ ٱلْكَرْمِ. 9فَمَاذَا يَفْعَلُ صَاحِبُ ٱلْكَرْمِ؟ َأْتِي وَيُهْلِكُ ٱلْكَرَّامِينَ، وَيُعْطِي ٱلْكَرْمَ إِلَى آخَرِينَ. 10أَمَا قَرَأْتُمْ هٰذَا ٱلْمَكْتُوبَ: ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ، 11مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هٰذَا، وَهوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!» 12فَطَلَبُوا أَنْ يُمْسِكُوهُ، وَلٰكِنَّهُمْ خَافُوا مِنَ ٱلْجَمْعِ، لأَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّهُ قَالَ ٱلْمَثَلَ عَلَيْهِمْ. فَتَرَكُوهُ وَمَضَوْا.

غرس الله شعب العهد القديم ككرمة واسعة خصبة وأحاطهم بسياج شريعته، ووضع نظام الذبائح كمعصرة فيهم. وأقام الأنبياء أبراجاً وسط الأمة. وفوّض الزعماء المدنيين والروحيين بالسلطة والمسؤولية.

وأرسل الله عبيده الأنبياء المخلصين ليجمعوا لربهم الثمار الطيبة. التوبة والحق والمحبة. ولكنهم لم يجدوا إلا البر الذاتي والفضائح والتعجرف والظلمات في الأمة المتمردة العنيدة التي تضطهد مرسلي الله وتطردهم وتضربهم وستتهزئ بهم، وتقتل بضهم.

ما أعظم صبر الله. فلم يهلك هذه الأمة رغم قساوتها بل استمر يرسل عبيده الأتقياء مرة تلو المرة. ولا يمكن أن نجد بين البشر رجلاً يتعامل مع عبيده بمثل طول البال والاحتمال الإلهي. إن الله صبور ورحيم. وقصده أن يربح طاعة البشر بالمحبة دوناللجوء إلى العنف.

لقد كان لله منذ الأزل ابن فريد، أحبه لأنه صورة ذاته ورسم جوهره. إذ هو مولود من الروح المحبة. وقد خلق كل المخلوقات، وهو صاحب الحاضر والمستقبل. ومجده وقداسته، يحملان الملائكة على السجود، وترتجف بالأبالسة لسماع اسمه. ولكن أهل العهد اقديم لم يهابوه، بل احتقروه حاقدين عليه. وأهل عصرنا يهملونه. ويرمون اسمه جانباً. ولا توجد في لغة العالم عبارة أقسى من أن البشر استعدوا لقتل ربهم وفي إباداة ابن الله خالقهم. فمعنى هذه الحقيقة هو أن الله في محبته اللانهائية لنا يصل معنا، وحن قساة القلوب، إلى آخر درجة من صبره. ويفضل أن يضحي بأعز ما عنده ليفيدنا، مع الرجاء أن نرجع إليه تائبين متغيرين في سبيل لطفه.

ولكن الناس كرهوا خالقهم وعصوه وتشاوروا ليهلكوا ابنه ويقتلوه نهائياً. ولم يدركوا استحقاق الله فيهم، ولم يصلوا إ لى غاية اختيارهم. فموت المسيح يعني الفشل الكبير لأهل العهد القديم، والأمم معهم. وبنفس الوقت إظهار أعلى درجة من محبة الل الأمينة.

فما هو موقفك تجاه صبر الله ومحبته؟ أتقدم لمخلصك ثمار حياتك شكراً وحمداً لخلاصه، أو لا تزال عائشاً لنفسك، مهتماً بشهرتك، وتخطئ في لا مبالاة؟ إن الله غرسك في كرمه عوضاً عن أمة العهد القديم. ولكنه كما دان اليهود سيدينك أيضاً إن لم تأ بثمر كثير وتثبت في محبته وتعيش في طهارة حقه. القدوس يترقب منك حصاداً صالحاً. وقبل كل شيء أن تستقبل ابنه بوقار وفرح ليثبت هو فيك فضائله.

الصلاة: أيها الإله القدوس. اغفر لي أنانيتي. أخجل وأندم لأجل سطحيتي وإهمالي لحقيقتك العظمى. وإن كنت عاصياً ضد لطفك، متمرداً على إرشادك فلا ترفضني بل قدسني وغيّر شعوري الباطني، لأعيش لك ولابنك دائما في سبيل التضحية. واشكك لصبرك الفائق. امنح لي الحكمة والمواظبة لأقدم لك كل ثمار روحك الصالح. وأستعد لاستقبال حبيبك بفرح. آمين.

السؤال: 21 - كيف وضّح يسوع محبة الله بهذا المثل عن الكرامين الأردياء؟

7 - مسألة الدولة والضرائب (الأصحاح 12: 13-17)

13ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَيْهِ قَوْماً مِنَ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ وَٱلْهِيرُودُسِيِّينَ لِكَيْ يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَةٍ. 14فَلَمَّا جَاءُوا قَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، نَعْلَمُ أَنَّكَ صَادِقٌ وَلا تُبَالِي بِأَحَدٍ، لأَنَّكَ لاتَنْظُرُ إِلَى وُجُوهِ ٱلنَّاسِ، بَلْ بِٱلْحَقِّ تُعَلِّمُ طَرِيقَ ٱللّٰهِ. أَيَجُوزُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ أَمْ لا؟ نُعْطِي أَمْ لا نُعْطِي؟» 15فَعَلِمَ رِيَاءَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: «لِمَاذَا تُجَرِّبُونَنِي؟ اِيتُونِ بِدِينَارٍ لأَنْظُرَهُ». 16فَأَتَوْا بِهِ. فَقَالَ لَهُمْ: «لِمَنْ هٰذِهِ ٱلصُّورَةُ وَٱلْكِتَابَةُ؟» فَقَالُوا لَهُ: «لِقَيْصَرَ». 17فَأَجَابَ يَسُوعُ: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّٰهِ لِلّٰهِ». فَتَعَجَّبُوا مِنهُ.

اقترب أعداء المسيح منه متظاهرين كأنهم من تلاميذه، ليسألوه عن قضايا هامة. ولكنهم فعلوا ذلك ليوقعوه في فخ، ويقيموا دعوة عليه، ويقبضو عليه رأساً. وقد اتحد لهذه الغاية الشنيعة الطرفان المتخاصمان الفريسيون المتعصبون ديناً والرافضون دفعالضرائب للقوة الاستعمارية من جهة، وجنود الملك هيرودس العميل للرومان من جهة أخرى.

وهكذا يتحد الأعداء ويتعاونون مرات عديدة في التاريخ ليبيدوا المؤمنين بالمسيح، ويتبعوا معلمهم ماكر المكارين الذي يعلمهم الرياء والكذب. فيسألون أسئلة بوجه لطيف وبتواضع ظاهري، ويقصدون بنفس الوقت إهلاك الذي سألوه. فالرياء أنجس الخطايا.امتحن نفسك هل أنت صادق ومستقيم في كل أقوالك وتصرفاتك؟ أو تكون متظاهراً كصديق لإنسان ما، ولكن من داخلك تبغضه؟

وكان على أعداء المسيح الاعتارف، بأنه حر وصادق. وأنه لا يخاف من أي إنسان، بل علم في ارتباطه مع الله طريق المحبة في أدغال الأنانية.

وقد استفهموا من يسوع عن قضية مالية لأنه بالمال تنتهي المحبة في كثيرين. وللمال سلطة في الدنيا إنما في الآخرة لا يوجد مال وليس له قيمة. أما هنا في الدنيا فيسود الاشتهاء والطمع مع الحسد على الملايين. ومذاهب حضارتنا مبنية على الرأسمالفي أيدي الافراد أو تأميم الأملاك لمصالح الأمة. فللمال قوة أقوى مما نتصور. وكثيرون في قبضة المال عبيده.

وقد رأى الفريسيون في الجزية المفروضة عليهم من قبل القيصر خطية. وكرهوها لأ،هم قد ضحوا للهيكل ولأجل أعمالهم الحسنة طوعاً. بينما جنود هيرودس ساندوا جباية الضريبة مبدئياً، لأنهم كانوا يعيشون منها. فسألوا ابن الله الوديع: «هل يجوز أن نفع الضريبة؟» ظانين أنه بأي جواب يتلفظ سيسقط إلى الفخ المنصوب له.

عندئذ أخذ يسوع قطعة نقود وأراهم صورة القيصر على جانب منها، دلالة أن هذه القطعة من المال لم تأت من اليهود، بل قد صدرت من روما. وقال لهم: «اعطوا ما لقيصر لقيصر». وبهذا القول لم يخالف القانون الروماني، ولم يخلق فكرة الثورة في أتباعه.كما أن الرسل كانوا يدعون إلى الخضوع للحكم القائم. فالمسيحيون ليسوا بخارجين على القانون، بل هن مصلون لأجل الرؤساء المسؤولين أمام الله، عالمين أن أنواع السلطات المعنية من الله، بحسب استحقاقهم لها.

ووضع المسيح بجانب طاعة الزعماء السياسيين طاعة الله العظيم. إنما بقدر ما أن الله أكبر من القيصر، هكذا علينا أن نطيع الله أكثر من الناس. وأخيراً فإن القياصرة وأموالهم وكل ذهب الدنيا يخص الله كما أن الدول ملكه. وهي كنقط ماء في يده.

المسيح أحكم من كل حكماء الأرض ويكون صادقاً مستقيماً في قوله الحكيم. وحبه للذين يريدون إسقاطه إلى الفخ جزءاً من حكمته ليرشدهم إلى التوبة والخضوع لله تعالى.

وأما نحن فالمسيح يأمرنا أن نخضع للسطلة الزمنية وندفع لها ما يترتب علينا من ضرائب. ولكن أكثر من هذا يدعونا إلى الخضوع لله وتلسيم أموالنا وأنفسنا تحت تصرفه. فلا تتمسك بالدنيويات بل ا تكل على ربك مسلماً له أمور حياتك. وكل من يخدم ربهبأمانة يخبتر أن القدوس لا يتركه قط.

وتسليمنا إلى الله الحي هو الحدود التي ينتهي عندها حق الملك. وحيثما يكون الدين والدولة منفصلين عن بعض، يقدر المسيحي أن يخدم دولته بإخلاص وتضيحة. لكن عليه أن يخدم الله أكثر من الناس، لأن القدوس هو محور الكون وحافظه.

الصلاة: أيها الإله القدوس أنت ضابط الكل والقدير الرحيم. اغفر لنا محبتنا للمال والاهتمام الزائد في الأمور الدنيوية، وحررنا كاملاً من الرياء والطمع والحسد، لنتكل عليك وحدك، ونسلم لك أمورنا. قُد الدول الكبرى حتى لا تكافح ي سبيل الغنى والرأسمال والأبهة، بل أن تخدم الفقراء وأن تسمح بحرية الدين لكي تتغير أفكار البشر من الأهداف المادية الى الحياة الروحية، ومن الطمع الأناني الى خدمة المحبة. آمين.

السؤال: 22 - ما هي الحكمة في جواب المسيح لمجربيه؟

8 - أسرار عن قيامة الأموات (الأصحاح 12: 18-27)

18وَجَاءَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنَ ٱلصَّدُّوقِيِّينَ، ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَيْسَ قِيَامَةٌ، وَسَأَلُوهُ: 19 «يَا مُعَلِّمُ، كَتَبَ لَنَا مُوسَى: إِنْ مَاتَ لأَحَدٍ أَخٌ، وَتَرَكَ ٱمْرَأَةً وَلَمْ يُخَلِّفْ أَوْلاداً، أَنْ يَأخُذَ أَخُوهُ ٱمْرَأَتَهُ، وَيُقِيمَ نَسْلاً لأَخِيهِ. 20فَكَانَ سَبْعَةُ إِخْوَةٍ. أَخَذَ ٱلأَوَّلُ ٱمْرَأَةً وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ نَسْلاً. 21فَأَخَذَهَا ٱلثَّانِي وَمَاتَ، وَلَمْ يَتْرُكْ هُوَ أَيْضاً نَسْلاً. وَهٰكَذَا ٱلثّالِثُ. 22فَأَخَذَهَا ٱلسَّبْعَةُ، وَلَمْ يَتْرُكُوا نَسْلاً. وَآخِرَ ٱلْكُلِّ مَاتَتِ ٱلْمَرْأَةُ أَيْضاً. 23فَفِي ٱلْقِيَامَةِ، مَتَى قَامُوا، لِمَنْ مِنْهُمْ تَكُونُ زَوْجَةً؟ لأَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً لِلسَّبْعَةِ». 24فَأَجَاب يَسُوعُ: «أَلَيْسَ لِهٰذَا تَضِلُّونَ، إِذْ لا تَعْرِفُونَ ٱلْكُتُبَ وَلا قُوَّةَ ٱللّٰهِ؟ 25لأَنَّهُمْ مَتَى قَامُوا مِنَ ٱلأَمْوَاتِ لا يُزَوِّجُونَ وَلا يُزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلائِكَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. 26وََمَّا مِنْ جِهَةِ ٱلأَمْوَاتِ إِنَّهُمْ يَقُومُونَ: أَفَمَا قَرَأْتُمْ فِي كِتَابِ مُوسَى، فِي أَمْرِ ٱلْعُلَّيْقَةِ، كَيْفَ كَلَّمَهُ ٱللّٰهُ قَائِلاً: أَنَا إِلٰهُ إِبْرَاهِيمَ وَإِلٰهُ إِسْحَاقَ وَإِلٰهُ يَعْقُوبَ؟ 27لَيْسَ هُو إِلٰهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلٰهُ أَحْيَاءٍ. فَأَنْتُمْ إِذاً تَضِلُّونَ كَثِيراً».

كان الصدقيون وأتباعهم علماء دين ودنيا لا يحافظون على كلمة الله ولا يؤمنون برؤى وأرواح وقيامة أموات وحياة في الدهر الآتي. وكانوا منطقيين يعتقدون بما يدركونه فقط. وأثبتوا عادة كفرهم بالطرق الفلسفية، مدعومة بأمثلة غير واقعية. وهي عن مرأة تزوجت سبعة رجال بالتتابع، فلمن تكون زوجة في السماء؟

فتصدّى المسيح لأساس مرضهم في القلب، وفضح عملهم الموهوم وكفرهم بكلمة الله الحكيمة. لأنهم رغم ذكائهم، كانوا عمياناً لحقيقة حياة الله الأبدية. ولم يختبروا شيئاً من قوة السماء. فالعلم لا يكشف لنا أسرار معرفة الله وقدرته، بل الإيمان وحه يتلقى الوحي الصحيح.

علم يسوع المنطقيين الكفار عن قيامة الأموات، إذ قال: ليس في السماء للناس لحم ودم، ولايكون رجال ونساء. فهناك تنتهي شهوة الجسد. والمؤمنون بالمسيح سيشبهون الملائكة في أمجادهم ويراءتهم، لأن روح الله الساكن فيهم، هو الله بالذات، مستتر ايوم في تواضعهم معلناً غداً في المجد، إنما كل من يصغي لأكاذيب الشيطان المضلة ويتبعه، ويبغض الآخرين مستكبراً، سيشبه ملائكة الشيطان المفعم الظلمة والخوف والاضطراب، لأن روح أبيهم الكذاب يسكن فيهم (متى 25: 41).

وأثبت يسوع لمجربيه حقيقة ظهور الله لموسى في البرية، حيث أعلن القدوس نفسه كإله آباء الإيمان. ما أعظم النعمة والأمانة التي نجدها في أسماء الله هذه. إنه يربط نفسه بالناس الضعفاء الخطاة الزمنيين، ويبررهم ويقطع معهم عهداً إلى الأبد. فلجل إيمانهم أحياهم فقاموا إلى حياة الله. وحقاً إبراهيم فرح لما رأى يوم المسيح يسوع ابن الله المولود في العالم من امرأة. وينتظر من الله الآن أيضاً أن يولد له من إسماعيل أبناء كثيرون بالروح القدس، ليشتركوا في حياة الله الأبدية، التي تملأ ك من يؤمن بيسوع (يوحنا 3: 16 و20: 31).

الصلاة: أيها الآب نشكرك لأنك تبنيتنا وولدتنا ثانية في يسوع المسيح، وغرست في قلوبنا بروحك القدوس الحياة الأبدية احفظنا في محبتك وثبتنا في الإيمان الحي، واجعل قلوبنا مطمئنة ومتشوقة للرجاء الأمين. واغلب فينا الشهوة والمكروالحسد مع جميع الأحياء في المسيح في الدنيا، لنشترك مع آباء الإيمان في الآخرة متحدين معهم في الحمد والتسبيح عند مجيئك القريب. آمين.

السؤال: 23 - كيف يعيش المؤمنون المرحومون في الآخرة؟

9 - الوصية الكبرى (الأصحاح 12: 28-34)

28فَجَاءَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْكَتَبَةِ وَسَمِعَهُمْ يَتَحَاوَرُونَ، فَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ أَجَابَهُمْ حَسَناً، سَأَلَهُ: «أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ أَوَّلُ ٱلْكُلِّ؟» 29فَأَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ ٱلْوَصَايَا هِيَ: ٱسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. ٱلرَّبُّ إِلٰهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. 30وَتُحِبُّ ٱلرَّبَّ إِلٰهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هٰذِهِ هِيَ ٱلْوَصِيَّةُ ٱلأُولَى. 31وَثَانِيَةٌمِثْلُهَا هِيَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ. لَيْسَ وَصِيَّةٌ أُخْرَى أَعْظَمَ مِنْ هَاتَيْنِ». 32فَقَالَ لَهُ ٱلْكَاتِبُ: «جَيِّداً يَا مُعَلِّمُ. بِٱلْحَقِّ قُلْتَ، لأَنَّهُ ٱللّٰهُ وَاحِدٌ وَلَيْسَ آخَرُ سِوَاهُ. 33وَمَحَبَّتُهُ مِنْ كُلِّ ٱلْقَلْبِ، وَمِنْ كُلِّ ٱلْفَهْمِ، وَمِنْ كُلِّ ٱلنَّفْسِ، وَمِنْ كُلِّ ٱلْقُدْرَةِ، وَمَحَبَّةُ ٱلْقَرِيبِ كَٱلنَّفْسِ، هِيَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ ٱلْمُحْرَقَاتِ وَٱلذَّبَائِحِ». 34فَلَمَّا رَآهُ يَسُوعُ أَنَّهُ أَجابَ بِعَقْلٍ قَالَ لَهُ: «لَسْتَ بَعِيداً عَنْ مَلَكُوتِ ٱللّٰهِ». وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ بَعْدَ ذٰلِكَ أَنْ يَسْأَلَهُ!

أتعتقد بوجود الله؟ أحببه إذاً لأنه خلقك وأغدق عليك خيراً وباركك بلا انقطاع. وهو خلصك وأحياك وقواك وسيغديك إلى مجده الخاص. فمن لا يحب الله يكون مجرماً في حق الذي أحبه.

أتعرف أن الله حاضر معك وهو ضابط الكل؟ فأكرم وجوده فيك واسجد له، لأنه خلق الكون من العدم، ويعرف جميع الناس بأسمائهم، الأشرار والصالحين، وأنت أيضاً.

والله القدوس العظيم يحبك أنت الإنسان الشقي لأنه يحب أيضاً الأشرار، ولم يرج إهلاكهم لأجل خطاياهم، بل بذل مسيحه تطهيراً للبشر، لكيلا يهلك كل من يؤمن به، بل تحل فيه قوة الحياة الأبدية.

هل شعرت بمقدار محبة الله الفائقة؟ الآب القدوس بذل ابنه الوحيد عوضاً عنا نحن قساة القلوب العنيدين، لكي نرجع إليه، ونقتح فؤادنا لمحبته. فنتغير من مبغضين إلى محبين، ولا نكره البشر فيما بعد، بل نحب الجميع من صميم قلوبنا.

ربما تقول أن الله واحد فكيف تقولون إن المسيح هو ابن الله؟ فنجاوبك بكل بيان. إن المحبة تعني الوحدة والتعدد معاً. فالله هو واحد كآب وابن وروح قدس كما قال يسوع: «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ. أَنَا وَٱْلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 14: 9، 10: 30).

وهكذا شهد المسيح أمام ممثل الكتبة قائلاً «الرب إلهنا رب واحد». ولكن الكاتب لم يكتف بهذا القول، بل استمر مكملاً وأجاب: وليس آخر سواه. لأنه لم يعرف الله في حقيقته بعد، إنما رأى فيه صنماً متصلباً. ولم يسمح له بعقله المحدود أن يكون لهابن من روحه، واحداً معه من الأزل وإلى الأبد.

ولكن رغم اعتقاده الضيق، كان يشعر بحكمة المسيح ولطفه، وانفتح له. فأثبت يسوع له أنه ليس بعيداً عن ملكوت الله.

هل تحب الله فعلاً؟ فاحفظ وصاياه وكرس قلبك وأفكارك وقواك لربك. ولا تطع نفسك ولا تستسلم إلى تطوارت العلوم الحديثة ولا تعبد الكتب المضلة. ولا تتحمس للأفلام التلفزيونية. الله وحده مستحق محبتك فاخدمه من كل قلبك باذلاً وقتك ومالك، في سبل خدمته فعلاً.

أتشعر بضعفك في ممارسة محبة الله؟ فإننا ضعفاء أيضاً. ولكننا نشهد بقول بولس الرسول: «إِنَّ مَحَبَّةَ ٱللّٰهِ قَدِ ٱنْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ ٱلْمُعْطَى لَنَا» (رومية 5: 5). ذه القوة السماوية تساعدنا أن نحب الله والناس معاً. فلسنا نحن المحبين، بل الله الحال فينا هو المحب. والروح القدس لا يريحك إلا إذا غفرت ذنوب كل أعدائك تجاهك. وتواضعت لتتسالم معهم. وعليك أن ترى محبة الله التي غفرت لك عيوبك في الصليب وهذا يعلك مستعداً أن تعترف لكل من أسأت إليه، وتطلب غفرانه.

هل لاحظت في المناقشة التي دارت بين المسيح ومعلم الشريعة، أن معلم الشريعة ارتكز على وحدانية الله البتة بل أبرز محبة القدوس التي هي سر وحدته في الثالوث، لأن الله محبة ومن يثبت في المحبة، يثبت في الله، والله فيه.

الصلاة: أيها الآب القدوس أنت المحبة. فاجعل نار محبتك في فؤادنا ليعظم شكرنا في أمانتك. نسجد لك لأنك أعلنت نفسك في ابنك وأثبت روحك فينا، لنقدر أن نحبك وجميع الناس، ونخدمهم في لطفك، ونشهد أمامهم بالسر العظيم، بأنك اله واح في ثالوث قدوس، لتحل محبتك فيهم أيضا، فيعرفوك في محبتك القدوسة. آمين.

السؤال: 24 - كيف يتعلق الإيمان بوحدانية الله، بمحبتنا له ولجميع الناس؟

10 - هل يوجد ربان؟ (الأصحاح 12: 35-37)

35ثُمَّ سَأَلَ يَسُوعُ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي ٱلْهَيْكَلِ: «كَيْفَ يَقُولُ ٱلْكَتَبَةُ إِنَّ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنُ دَاوُدَ؟ 36لأَنَّ دَاوُدَ نَفْسَهُ قَالَ بِٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ: قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِيني، حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. 37فَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَدْعُوهُ رَبّاً. فَمِنْ أَيْنَ هُوَ ٱبْنُهُ؟» وَكَانَ ٱلْجَمْعُ ٱلْكَثِيرُ يَسْمَعُهُ بِسُرُورٍ.

يسوع من حيث هو إنسان حق. مولود من نسل الملك داود، وأهل العهد القديم عرفوا أن المسيح الموعود سيأتي من نسل هذا الملك. ولم يكن داود بلا لوم، بل أخطأ خطايا فاحشة، إنما تاب أيضاً توبة نصوحة، فأصبح قدوة كل التائبين، إذ ا انسحق أمام اللهوآمن بغفرانه الشامل. فمنحه الرب روح التسبيح فمجد الله أكثر من كل الأنبياء في العهد القديم. وحتى اليوم نرى في مزاميره وتسابيحه القوة الملهمة له من الروح القدس فننطق بكلماته ونصليها بفرح.

ومنح الله لداود أيضاً روح النبوة. لأنه قد انفتح لصوته الإلهي. فأعلن الرب له أن الابن الآتي من نسله ليس إنساناً فقط، بل الرب أيضاً. وهذه النبوة القديمة تفوق العقل الإنساني. إنما كل من ينتبه لروح الله يستنير ويدرك هذا السر الكبير.

ونعلم اليوم أن المسيح مولود من الله قبل كل الدهور، وقد تجسد من مريم العذراء، أي من نسل داود. وألوهيته كانت الشرط والأساس لموته الكفاري، والدافع الغالب لقيامته من بين الأموات، والقوة في صعوده إلى السماء.

وبعد صعوده إلى أبيه تمّ وعد الله في نبوءة داود، القائلة: «قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ» (مزامير 110: 1).

فالمسيحية تعلم وتعرف أن يسوع المسيح حي وجالس عن يمين الله، وقد اعترف يسوع قبيل موته بالوضوح: «من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة».

ربما تتساءل: فإذاً يوجد ربان؟

الجواب: كلا. لأن الرب واحد. ولكنه يظهر في شخصين أو أقنومين. فكل الذين يقولون يوجد رب واحد أحد فريد فقط، أو الذين يتطرفون بالقول إنه يوجد إلهين أو ثلاثة آلهة، فكلهم يخدعون أنفسهم. الله واحد في ثلاثة أشخاص، في وحدة كاملة. وقد اعترف سوع بهذا الحق. وكل من هو من الحق، يسمع صوته.

ونجد اليوم في العالم فرقتان من الناس، الأولى تهتف ليسوع كابن الله المخلص والفادي الرب، لأنه أساس إيمانهم وهدف رجائهم. والأخرى ترفض ألوهية يسوع بعنف وتنظر إليه كإنسان ونبي، له آيات عظيمة ومواهب فائقة. هؤلاء لم يعرفوا ولا يتمتعون باتيازات المصالحة مع الله، لأنه لم يقبلوا إرسال ابنه كما هو بالحقيقة التاريخية.

هل أنت صديق المسيح وأخوه في التبني، أو عدوه المضاد لألوهيته؟ الروح القدس يفرق بين الفرقتين. وملائكة الله ستضع كل عاص موطئاً لقدمي حمل الله الوديع. فما هو مستقبلك؟ هل ستملك معه إلى الأبد؟ هل أدركت الواقع؟ المسيح يجلس عن يمين أبيه يملك معه في وحدة الروح القدس إلى الأبد. فليس مهماً ما يقوله الناس والأحزاب والمذاهب، لأن ربنا حي ومجيئه المجيد هو هدف تاريخ العالم. هل أنت مستعد لاستقباله؟

الصلاة: أيها الرب يسوع المسيح. اهتف لك لأنك ربي وإلهي. وأؤمن بأنك حي وتملك مع الآب إلى الأبد. كما أنك فديتني مع كل المؤمنين باسمك واشتريتني من الذنوب البشعة، وأحييتني من الموت وحررتني من سلطة الشبطان.ليس بفضة وذهب بل بمك الثمين وآلامك البريئة، لكي أعيش في مملكتك الأبدية خاصة لك وخاضعا لمحبتك. وأخدمك في برك وطهارتك وسعادتك، كما أنك أنت قمت من بين الأموات وتحيا وتملك الى الأبد. آمين.

السؤال: 25 - هل يوجد ربّان؟

الآية للحفظ:

«قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ» (مزمور 110: 1)

11 - تحذير من الكتبة ومدح الأرملة (الأصحاح 12: 38-44)

38وَقَالَ لَهُمْ فِي تَعْلِيمِهِ: «تَحَرَّزُوا مِنَ ٱلْكَتَبَةِ، ٱلَّذِينَ يَرْغَبُونَ ٱلْمَشْيَ بِٱلطَّيَالِسَةِ، وَٱلتَّحِيَّاتِ فِي ٱلأَسْوَاقِ، 39وَٱلْمَجَالِسَ ٱلأُولَى فِي ٱلْمَجَامِعِ، وَٱلْمُتَّكَآتِ ٱلأُولى فِي ٱلْوَلائِمِ. 40ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ بُيُوتَ ٱلأَرَامِلِ، وَلِعِلَّةٍ يُطِيلُونَ ٱلصَّلَوَاتِ. هٰؤُلاءِ يَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ».

41وَجَلَسَ يَسُوعُ تُجَاهَ ٱلْخِزَانَةِ، وَنَظَرَ كَيْفَ يُلْقِي ٱلْجَمْعُ نُحَاساً فِي ٱلْخِزَانَةِ. وَكَانَ أَغْنِيَاءُ كَثِيرُونَ يُلْقُونَ كَثِيراً. 42فَجَاءَتْ أَرْمَلَةٌ فَقِيرَةٌ وَأَلْقَتْ فَلْسَيْنِ، قِيمَتُهُمَا رُبعٌ. 43فَدَعَا تَلامِيذَهُ وَقَالَ لَهُمُ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هٰذِهِ ٱلأَرْمَلَةَ ٱلْفَقِيرَةَ قَدْ أَلْقَتْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ أَلْقَوْا فِي ٱلْخِزَانَةِ، 44لأَنَّ ٱلْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوا. وَأَمَّا هٰذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا».

كثيرون من العلماء والكتاب يحبون أنفسهم، ويتباهون متظاهرين متواضعين، ويحبون أن يدعوهم الناس إلى اجتماعات ليلقوا محاضرات. فيأتون إلى هذه المجتمعات بملابس جميلة وعمائم ثمينة وينتظرون أن يتراكض الجميع لتحيتهم. ويقدمون لهم أحسن الأمكنةوأكثر المقاعد راحة في الصفوف الأمامية. وإذا تكلموا نطقوا بتأنٍ وابتسام وينغضون رؤوسهم بالموافقة والإيجاب للأقوال السطحية، التي يتفوه بها الجالسون بقربهم. وفي الخفاء يعملون لقبض ثمن شهرتهم بالانقضاض على أموال البسطاء واليتامى والأرامل. فسوع يحذرنا من أنواع الرياء والأبهة والكلام المتصنع الرزانة والسير يحذرنا بانتصار القامة، تصنُعاً للوقار. كما يعلمنا بولس أن نشتغل بأيدينا ولا نعيش من عطاء الآخرين. ليتك تتصرف كإنسان اعتيادي، تائباً أمام الله وشاكراً لنعمته، فتبقى قريباًمن نفوس الآخرين.

وكان يسوع يراقب الناس حين تنخفض أيديهم لوضع التبرعات في صندوق بيت الله. وقد انتقد العطايا الكبيرة من الأغنياء لو حدثت، لأنها صادرة من فيض ما عندهم. وكأنما هم يرغبون بأموالهم شراء نعمة الله.

وقد أتت امرأة فقيرة في حالة العوز. ولعلها كانت عائلة لأولادها. ومع ذلك فقد وضعت قليلاً من النقود في الصندوق. وكان هذا المبلغ الضئيل مدخولها الكامل من اليوم. وربما اشتغلت من أجله في البيوت ونظفت المنازل. ولكنها شعرت في قلبها بدافع تكرم الله بتقدمتها. فأعطته كل ما عندها. وسمى يسوع هذه التقدمة الأعظم من الكل. فكيف تضحي لله؟ هل تحب الله عملياً وفعلاً؟ فبتضحية مالك تبين علاقتك بالله ملموسة.

أشاد يسوع بعطية الأرملة المؤمنة على بساطتها لأنها حركت قلبه الذي يقدس العطاء المفرون بمظاهر الإيمان والخشوع.

ومن أسرار ملكوت الله أن المياتم والمستشفيات وخدمات الكنائس واجتهادات الإرساليات، تقوم على التقدمات المتواضعة المستمرة من الفقراء المؤمنين. وهذه التقدمات تُسر الله، وتسبب بركات غزيرة، لأن بركة التقدمة هي أهم من قيمة المبلغ نفسه. فقترح عليك أن تضحي بمالك باستمرار وبتنظيم قدر الاستطاعة، مع العلم ألا تقصد التبرعات فقط بعواطفك المستقيمة المخلصة، بل تضحي عملياً وبمواظبة، لأن الفكر بالعطاء لا يكفي. واطلب من الرب ليريك الإنسان المحتاج أو الخدمة الروحية التي تستحق أن تشرك فيها. وصل لأجل غاية تبرعاتك. لأنها جزء من عبادتك لله.

الصلاة: أيها الأب السماوي اغفر لنا بخلنا الطامع، ولا مبالاتنا بضيق الآخرين. غير قلوبنا الجامدة واجعل روح التضحية فيها. لنسلم لك أنفسنا مع أموالنا. شكرا لخلاصك، وأرنا الإنسان المحتاج لمساعدتنا الحكيمة. وأشركنا في الحملا التبشيرية والخيرية المنسجمة مع مجيء ملكوتك، وأيقظ في كنائسنا روح العطاء عوضا عن فكرة الأخذ، لكي يتقدس اسمك الأبوي أنت الذي تقدم لنا نعمة فوق نعمة على الدوام مجانا. آمين.

السؤال: 26 - كيف فكر يسوع بعطايا الناس؟

الآية للحفظ:

«لأَنَّ ٱلْجَمِيعَ مِنْ فَضْلَتِهِمْ أَلْقَوْا. وَأَمَّا هٰذِهِ فَمِنْ إِعْوَازِهَا أَلْقَتْ كُلَّ مَا عِنْدَهَا، كُلَّ مَعِيشَتِهَا» (مرقس 12: 44).

الجزء السابع: خطاب يسوع على جبل الزيتون عن مستقبل أورشليم ونهاية العالم (الأصحاح 13: 1-37)

1 - يسوع أعلن عن خراب الهيكل (اَلأَصْحَاحُ 13: 1-4)

1وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنَ ٱلْهَيْكَلِ قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلامِيذِهِ: «يَا مُعَلِّمُ، ٱنْظُرْ مَا هٰذِهِ ٱلْحِجَارَةُ وَهٰذِهِ ٱلأَبْنِيَةُ؟» 2فَأَجَابَ يَسُوعُ: «أَتَنْظُرُ هٰذِهِ ٱلأَبْنِيَةَ ٱلْعَظِيمَةَ؟ لا يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لا يُنْقَضُ». 3وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، تُجَاهَ ٱلْهَيْكَلِ، سَأَلَهُ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ عَلَى ٱنْفِرَادٍ: 4 «قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هٰذَا، وَمَاهِيَ ٱلْعَلامَةُ عِنْدَمَا يَتِمُّ جَمِيعُ هٰذَا؟»

ذهب يسوع ورسله إلى الهيكل القدسي بيت الله، رمز حضوره وسط شعبه، وضمان حمايته، واستمرارية الأمة. فقد كان الهيكل محور الحضارة ومكان المصالحة مع الله، وهدف الحج وخلاصة كل البركات.

كانت الأبنية الفخمة المبنية على الساحة الواسعة هي المبنى الثالث للهيكل فقد بُني الهيكل مرتين من قبل، ولكن المبنيين السابقين قد تدمرا عبر التاريخ. والملك هيرودس المتهوّد والتابع للسلطة الرومانية، أراد إنشاء الهيكل لكسب رضى الأمة. لكن لم يحصد محبة منها.

ووسط إنشاء هذا الهيكل الجديد، تمت أعمال الطقوس والذبائح والترانيم. فأصبحت ساحة الهيكل معرضاً تجارياً، حتى نظف يسوع بعض أبهائه رمزاً لدينونة الله الساطية على الشعب قائلاً: «بيت بيت الصلاة، وأنتم جعلتموه مغارة لصوص».

فبعدما أنهى يسوع خدمته التعليمية كلها، ورأى أن شعب العهد القديم لم يرجع بجملته منسحقاً إلى الله، وأن زعماء الشعب تشاوروا لقتل يسوع، ترك الرب مكان الهيكل نهائياً، وبهذا الانسحاب تحققت نبوة حزقيال، أن مجد الرب يترك بيته وينتقل إلى جل الزيتون. وبهذه الحادثة انتهت حماية الأمة بحضور الله، بل أسلمهم إلى دينونة إلهية بانقضاض الأعداء عليهم.

لم يلاحظ تلاميذ يسوع عند ترك الرب الهيكل، بداية المرحلة الجديدة لحياة يسوع وفي تاريخ العهد القديم. إنما كانوا مأخوذين ومتأثرين بالأبنية الفخمة والزينات المذهبة، وشعروا بوقار واحترام أمام عظمة الله في هذا البيت المحترم.

وعندما سأل أحد التلاميذ يسوع عن موقفه تجاه المحور البراق لأمتهم، حصل على جواب قاطع في خطاب عميق ألقاه المسيح، اعتبره مرقس مهماً بمقدار أن ذكره كمحاضرة بيسوع الوحيدة في إنجيله. بينما أتى البشيرون الآخرون بجمع أقوال عديدة ليسوع المسح. فمرقس شعر أن الكلمات التالية هي أهم كلمات الرب التي يجب على كل مسيحي أن يحفظها ويفهمها ويعيش بحسبها.

كل من يتعمق في جواب يسوع الموجز الأول، يظن أنه يجد فيه كلمات كثيرة لم يقلها بل رافق جوابه بابتسامة مرة، وكأنما كاد أن يبكي بكاء على أمته المتمردة وعلى تلاميذه المساكين، كأنه يقول: يا أخي الجاهل ألا تزال تنظر للحجارة الميتة، والأبنة القابلة للهدم، ولم تفهم أني أنا هيكل الله وملء اللاهوت حلّ في هيكل جسدي عملياً؟ ليست الحجارة والأبنية مهمة، إني أنا هو محور الحضارة الجديدة.

وبعد هذا تكلم واضحاً: لن يبقى حجر من هذا الهيكل على حجر - الكل سيُهدم. ووقعت هذه الجملة كصاعقة في الليلة الدامسة على عقول التلاميذ، فسيطر عليهم فجأة الصمت المرهب. وأدركوا تدريجياً أن هدم هذا الهيكل معناه النهاية. الدينونة قريبة. سوط القدس، ونهاية العالم قريب. فابتدأوا يرتجفون في قلوبهم وانسحق تدريجياً في أنفسهم الأطمئنان المزيف على أفكار العهد القديم.

وبعدما مشى يسوع مع تلاميذه عبر وادي قدرون صاعداً إلى جبل الزيتون، جلس هناك مقابل المدينة. ما أجمل المنظر. ساحة الهيكل أمامه، والكل في صمت. فتجاسر أربعة من رسله، وهم الحلقة الداخلية، أن يتقدموا إليه. وتجرأ أحدهم وسأله عن تفاصيل هذاالسر العظيم للمستقبل: متى ستحل دينونة الله على أمتنا، الآن، أو بعدئذ؟ هل عن قريب أو عن بعيد؟ وهل في زمننا أو بعدئذ؟ وما هي العلامات لهذا التغيير الديني والسياسي والحربي المزمع؟ وربما فكروا أيضاً ماذا نفعل لنهرب من دينونة الله؟ كيف نخلص ن غضب العليّ؟

ليت كلمات يسوع تخلق فينا أيضاً رعباً عميقاً، لنحول أنظارنا عن المال والرفاهية والعلم، وكل ما يكون له جاء وفخر في هذه الدنيا، ونلتفت إلى الله القدوس بالقلوب المنكسرة والأذهان المتواضعة.

إن القنابل النووية الموضوعة في مخازن الدول الكبرى كافية لتحرق وتسمم وجه كرتنا الأرضية عدة مرات. فالنهاية أقرب مما نعلم. هل أنت مستعد لتهرب من غضب الله؟ أو هل تشبه امرأة لوط التي تلفتت نحو أمكنة الشهوة الغارقة في نار الغضب، فأصبحت نماً ورمزاً لكل المتمردين، بين التوبة والحياة القديمة.

الصلاة: أيها الرب القدوس. قد أعلنت لنا نهاية العالم القريبة. وغضب الله المعلن على فجور الناس وإثمهم. اغفر لنا اطمئناننا الجسدي وإهمالنا السطحي، والرجوع اليك والإيمان العامل بالمحبة والرجاء الأكيد، امنحنا بصيرتك الإلهية للمستقبل. وأعط للبشر الفرصة الأخيرة للرجوع العام قبل مجيئك المقرر. آمين.

السؤال: 27 - ماذا يعني خطاب يسوع عن خراب الهيكل؟

2 - التحذير من المضلّين (الأصحاح 13: 5-8)

5فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: ٱنْظُرُوا! لا يُضِلُّكُمْ أَحَدٌ. 6فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِٱسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ. وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. 7فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلا تَرْتَاعُا، لأَنَّهَا لا بُدَّ أَنْ تَكُونَ، وَلٰكِنْ لَيْسَ ٱلْمُنْتَهَى بَعْدُ. 8لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلازِلُ فِي أَمَاكِنَ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَٱضْطِرَابَاتٌ. هٰذِهِ مُبْتَدأُ ٱلأَوْجَاعِ.

لم يجاوب يسوع على سؤال تلاميذه المضطربين مباشرة، لأنهم تجاوبوا مع إعلانه بطريقة بشرية، خوفاً على أنفسهم. أما هو فأراد تحريضهم إلى اليقظة الروحية، لكيلا يسقطوا هم أيضاً في دينونة الله.

فلا الحروب ولا الآلام أو الأمراض أو الموت هي الأخطار الجوهرية للمؤمنين، بل موقفهم الذهني تجاه المذاهب المضلة في دنيانا. الدينونة هي نتيجة ارتداد عن الإله الحقيقي. ولذا حذر يسوع تلاميذه من المضلين أولاً، لأن الابتعاد عن الله يسبقه لصراع الروحي المزعزع، وقال: «انظروا، لا يضلكم أحد». فلم يطلب يسوع من تلاميذه مراقبة التطور السياسي والحربي، بل خلق فيهم الوعي الداخلي ليتحذروا من التعاليم المضلة، المخربة للإيمان الصحيح. فمن الأفكار ا لملحدة، أو المغيّرة قليلاً للحق، تأي حياة بعيدة عن الله مع تجاوزات الناموس، وأخيراً الحكم.

وكثيراً ما يستخدم عدو الخير لإضلال الأتقياء عباقرة مع موهبة الخطابة البليغة، فيستخدمون كلمات يسوع ماكرين، ويلبسون أسماءه كقناع، ليقدموا أفكارهم الملحدة في لباس مقبول.

زعماء بلا عدد ورعاة ومرشدون ومهديون قاموا ووعدوا الناس بالفردوس شرطاً أن يعملوا ذلك ويتركوا هذا. واليوم يستخدمون أساليب حديثة من علم النفس والمجتمع التقني، ليصلوا إلى أهدافهم ويعلمونا أن الإنسان نوعاً ما صالح. ليستطيع الحصول على أدافه تلقائياً، إنهم يغترون ويكذبون علماً أو سهواً، لأنهم لا يعرفون قلب الإنسان. كلنا أشرار منذ حداثتنا، ولا نستطيع عمل الخير من تلقاء أنفسنا. جميع الناس ضالون وهالكون في غضب الله، ويحتاجون إلى المصالح المصلوب. لا برّ أمام الله بدون الصلب، ولا حلول للروح القدس في القلب بدون إيمان في المصلوب، وكل من لا يلتصق بالرب المقام من بين الأموات يهلك، لأنه يرفض الطريق الوحيد المؤدي إلى الله.

في الأيام الأخيرة مع ضيقاتها المتصاعدة، سيقوم رجال ونساء يتمسكون باكاذيب الأنبياء الكذبة والفلاسفة، وسيمزجون الأديان. ويجرون شفاءات غريبة، ويعملون لسلام الشعوب، حتى يجتذبوا ملايين إليهم.

انتبه. الضلال العظيم يأتي بلباس تقوى. إنما ليس أحد من مصلحي الدنيا هؤلاء هو المسيح بالذات، الذي وصف مجيئه ثانية بأوضح بيان. كلهم ليسوا هو بل يثبتون الناس في تقسي قلوبهم وعصيانهم ضد الله، لينفصلوا نهائياً عن عهدهم مع القدوس.

والنتيجة الظاهرة لحالة البشر البعيد الملحد المهمل هي الحروب. منعنا المسيح من الخوف من الحروب، لأنها عادية. كما أن الحسد والحقد والخلافات تنشب بين الأفراد والعائلات ليس الإنسان صالحاً، بل طالحاً. فقال يسوع ينبغي أن تكون حروب. هذه اكلمة القاطعة تحكم أكثر المحاولات السياسية لإنشاء السلام. لأن ليس من الضروري أولاً تغيير الأحوال الخارجية، بل تغيير القلوب جذرياً. بدون انقلاب ذهني أمام الله لا سلام صحيح. فبدون تبشير موت.

المسيح يقول: لا تخافوا من أخبار حربية وخراب مقبل، لأن الجنود السماوية التي معكم أكثر من عدد الذين ضدكم. الله بالذات هو ملجأنا. كثيرون من القديسين اختبروا هذا الوعد حقيقة. لا تسقط شعرة من رؤوسنا بدون معرفته. وحين يموت المسيحيون يحين. فشبح الموت قد غلبته قيامة المسيح. وديننا دين الحياة. لو نموت بالرصاص أو بدوي القنابل، فإننا نطمئن لأننا محروسون محفوظون إلى الأبد.

إنما الضيق والضلال أعمق. روح العصيان يمسك بالبشر. فالاضطراب الروحي والوقاحة والتمرد، وعدم الاكتفاء والبغضة والإرادة لإهلاك الآخرين، والسيطرة واحتقار الجميع، لا تملك الأفراد فحسب بل حلت في شعوب كاملة ودول كبيرة. حتى أنها تنجذب رغم لتطور والمدنية إلى الدوران لهلاك العالم. وفجوات الأرض تتزعزع كأنها لا تريد احتمال البشر فيما بعد. والحقول لا تعود تأتي بالثمار الكافية. فيعم الجوع أكثر فأكثر. سنختبر بعد الأزمة البترولية أزمة القمح. وبعدئذ أزمة الماء المقبلة علينا.

فرئيس هذا العالم يرشد أبتاه إلى خراب خلق الله الحسن، ويحرص جيوشه ضد الخالق الرحيم.

أما المسيح فيقول: لا تتعجب الضلال والحروب والعصيان شيء عادي. كل هذا يعني نهاية العالم بل هي علامات ليوم العدل العظيم. فمجيء المسيح هو الآتي بالنهاية والبداية.

الصلاة: أيها الرب القدير قلوبنا مرتجفة من الحروب والآلام والجوع والموت، القادمة علينا. اغفر لنا خوفنا وقوّ ثقتنا فيك لنتكل على قدرتك مطمئنين. أنت تريد إيقاظنا كي نرفض عمداً ووعياً كل تعاليم مضلة لكيلا يأكلنا غضبك. امنحا روح التمييز والطاعة المباشرة لكي نعرف إرادتك ونتممها بفرح مع جميع المؤمنين في دنيانا. آمين.

السؤال: 28 - لماذا قال يسوع «لا بد أن تكون حروب»؟

3 - أمر يسوع بتبشير العالم رغم الاضطهاد (الأصحاح 13: 9-13)

9فَٱنْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَامِعَ، وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاةٍ وَمُلُوكٍ، مِنْ أَجْلِي، شَهَادَةً لَهُمْ. 10وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِٱلإِنجِيلِ فِي جَمِيعِ ٱلأُمَمِ. 11فَمَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ، فَلا تَعْتَنُوا مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلا تَهْتَمُّوا، بَلْ مَهْمَا أُعْطِيتُمْ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ فَبِذٰلِكَ تَكَلَّمُوا، لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ. 12وَسَيُسْلِمُ ٱلأَخُ أَخَاهُ إِلَى ٱلْمَوْتِ، وَٱلأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ ٱلأَوْلادُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. 13وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ ٱلْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ ٱسمِي. وَلٰكِنَّ ٱلَّذِي يَصْبِرُ إِلَى ٱلْمُنْتَهَى فَهٰذَا يَخْلُصُ.

استرعى يسوع أنظار التلاميذ من تخريب الهيكل إلى ما هو أبعد منه، ليستعدوا لحلول الروح القدس في أنفسهم، ليصبحوا هم يهكل الله وسط العالم المضطرب. فيعرفون الآب والابن والروح القدس في وحدة كاملة. ويشهدون بهذه الثورة الروحية في سبيل المحة، فيرفضهم أولاد إبراهيم، ككفار مجدفين.

إنما لا يستطيعون إنكار الحالة الجديدة الحالة في قلوبهم إذا هم تيقنوا تيقناً أبدياً بواسطة إعلان الروح القدس فيهم، إن الله هو ثلاثة في واحد، وإنهم هم أولاده الابرار. وحتى إذا ضربوا أو مروا بغسل الدماغ لا تنتهي شهادة المعزي فيهم. لأهم أصبحوا خليقة جديدة عثرة للعالم الميت في الخطايا. ويظهر في أيامنا أن سيطرة الطغاة لمدة عشرات السنين، لا تقدر على إبادة الجوع نحو الله في قلوب البشر. وحيثما عاش متجددون استمرت الحياة الروحية في نشاطات صامتة، بواسطة الصلاة ومحبة الأعداء

ليس أحد يستطيع قلع وإنهاء حياة الله الموروثة في دنيانا، ورمزاً لهذا الاختبار نجد في جبال لبنان إحدى الأعشاب تنزل جذورها الغليظة عميقاً إلى الأرض. قد يقطع أحد جذعها أو يقلع بعض جذورها، ولكنه لا يقدر على إنهاء حياتها، لأنها تستمر مجداً في باطن الأرض، وتنبت مرة تلو المرة. واسم هذه الحشيشة الغريبة باللغة الشعبية الإنجيل، لأن عبر القرون اختبروا أن ليس قوة دنيوية ولا من الآخرة، تقدر أن تنهي سلطان الإنجيل المقدس.

المسيح هو الغالب وكلمته مستمرة، رغم الرفض والاضطهاد من فرد إلى فرد ومن بلاد إلى بلاد. ولا تأتي نهاية العالم قبل وصول الإنجيل إلى جميع بلدان الأرض، وإتمام التبشير في جميع لغات البشر. هذا السر من متطلبات بر الله العادل. فإلى متى تنا وتهتم بنفسك وعائلتك فقط؟ قم واسرع إلى جارك لأن الإنجيل ضرورة. فالجميع يحتاجون إلى الخبر السار، ان ابن الله الذي صلب قد غلب الخطايا وهزم الموت وانتصر على حقد جهنم، وأظهر في اليوم الثالث حياة الله الأبدية.

تكلم ولا تخجل، لكيلا تنفصل من موكب انتصار المسيح. ليلاً ونهاراً تذاع في محطات الإذاعات الروحية بلغات متعددة مجد إلهنا الثالوث الواحد. وتظهر محبة الله في المسيح في الكتب والمجلات والأعمال الصالحة مكشوفة لكل من يريد أن يرى.

فالإنجيل يسير على الطريق. ومن أراد الخلاص يستطيع الحصول عليه. فتبشير العالم كله رمز لنهاية العالم أيضاً.

علم يسوع أن شهادة تلاميذه ستنشئ رد فعل عند المتعصبين. ولكنه لم يتدخل لمنع عذاب بولس في سجنه بل أكد له حضوره وحكمته وسلطانه الروحي.

وأمر يسوع أتباعه أن لا يهتموا بالدفاع عن أنفسهم، ووعدهم أن الروح القدس سيلهمهم الحكمة حتى يقدروا بحكمة الافاعي وببساطة الحمام أن ينطقوا بالحق في المحبة. فشهود المسيح الأمناء هم ممسوحون ملهمون مثل الأنبياء. فلا يتكلمون أفكاراً خاصة بل يستخدمهم الروح القدس آلة مكبرة أيضاً في أيام الضيق.

ينتظر الرب منهم الطاعة ليتكلموا ما يريد الروح أن يعلن. وهذا استعداد يتطلب سمعاق داخلياً على كلام الرب في الإنجيل. فطوبى للإنسان الذي حفظ آيات الله الكثيرة غيباً ومرّن قلبه على سماع صوت الروح القدس الرفيع. فسيسمع تعزية ربه، حتى في عظم ضيق، وفي لحظة الموت.

وهكذا نستطيع أن نتصرف كسفراء المسيح بين الصغار والكبار بدون خجل، لأن جهالة الله أعظم من حكمة هذه الدنيا (1كورنثوس 1: 2).

ما أكثر ما يرفض الأقرباء المؤمن الجديد بالمسيح، ويبغضونه ويسلمونه إلى أيدي السلطة، لغسل العار الموهوم من العشيرة. وفي بعض المرات يظن الإخوة أو الآباء - في عماهم الروحي - أنهم يخدمون الله، إذ يعذبون متجدداً من أصل غير مسيحي أو يميته. كما أننا نرى في البلدان التي بدون حرية، إن قادة الشبيبة يرشدون الأطفال بطرقهم الجذابة، ليرفضوا والديهم المتأخرين ويبغضونهم ويخربوهم.

لا يعدنا اسم يسوع بسلام وسرور في القلب فقط، بل يجلب أيضاً على المؤمنين بغضة وصليباً، وفي بعض المرات الموت، لأن روح هذا العالم يكافح ضد روح الله بلا شفقة.

إنما لست لوحدك في هذا الكفاح. فملايين المسيحيين الملخصين يمرون في تجارب شبيهة مثلك، فتقوّ في الرب أن تكافح في اليوم الشرير. لا تهرب من الصراع الروحي، ولا تطلب طريق الاسترخاء. ينبغي أن يكون التبشير. الرب يأمرنا بالانطلاق. فلا تخبئ فسك في الدفاع عن الإيمان، بل قم وتقدم إلى الهجوم اللطيف في إرشاد الروح.

المحبة الموهوبة لك من الله أعظم من كل بغضه، ولا تنكر مسحة الروح القدس التي منحها لك يسوع. هي أقوى من جميع أرواح هذه الدنيا. وهذه المحبة هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا. ومن يثبت إلى المنتهى فهذا يخلص.

ويقوي يسوع كل المتألمين في سبيل اسمه. ويؤكد لهم بوعده الأمين: «وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متى 28: 20).

الصلاة: يا رب كثيراً ما نكون أنانيين في الحياة الروحية. قد اشتريتنا بدمك الثمين وأحييتنا بروحك القدوس. لكننا نحن لا نتكلم إلا نادراً مع الكفار أو غير المؤمنين باسمك. لا نعلن خلاصك بوضوح وحكمة. افتح قلوبنا لتحل شفقتك فيا. فنندفع الى أخينا الإنسان، ونجد كلمات محبتك الحكيمة، التي تقدم لهم الحياة الأبدية بطريقة مقبولة. اغفر لنا ولهم جميع ذنوبنا وافتح أعينهم ليروك ويتقدموا اليك واخلق فيهم الإرادة والقوة لقبولك. واحفظنا في أخطار شهادتنا، لأننا لا نتكلم بأسائنا بل نتمم وصاياك. ألهِمْنا الكلمات المناسبة لكل الناس الذين نلتقي بهم، وساعدنا أن ننطق بما تقول لنا مطيعين لإرشادك. خلص أيضا والدينا واخوتنا وأقرباءنا بخلاصك الأبدي الحنون. آمين.

السؤال: 29 - كيف يتعلق تبشير العالم، بنهاية العالم؟

4 - العلامات لنهاية الكون (الأصحاح 13: 14-18)

14فَمَتَى نَظَرْتُمْ رِجْسَةَ ٱلْخَرَابِ، ٱلَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ ٱلنَّبِيُّ، قَائِمَةً حَيْثُ لا يَنْبَغِي - لِيَفْهَمِ ٱلْقَارِئُ - فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْيَهُودِيَّةِ إِلَى ٱلْجِبَالِ، 15وَٱلَذِي عَلَى ٱلسَّطْحِ فَلا يَنْزِلْ إِلَى ٱلْبَيْتِ وَلا يَدْخُلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئاً، 16وَٱلَّذِي فِي ٱلْحَقْلِ فَلا يَرْجِعْ إِلَى ٱلْوَرَاءِ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ. 17وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَٱلْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْك ٱلأَيَّامِ. 18وَصَلُّوا لِكَيْ لا يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ.

بعدما حذر يسوع تلاميذه من التجارب بواسطة المضلين، وأمرهم بتبشير العالم رغم الاضطهادات، أعطاهم دليلاً واضحاً، بيّن لهم سقوط أورشليم سنة 70 ب م.

فرجسة الخراب هي العلامة التي سماها يسوع لكنيسته، ذكرت ثلاث مرات في نبوة دانيال ولها تفسيرات متنوعة ومنها:

  1. في سنة 168 ق م بنى الملك السوري أنتيوخوس أبيفانوس مذبحاً للإله الروماني زويس وسط هيكل أورشليم، ومنع الذبائح والتقدمات اليومية ليهوه، ليرضي الرومان. وهنا ظهر لأول مرة الرجس الذي سرعان ما لحقه الخراب العام (دانيال 9: 27 و11: 31 و1: 11).

  2. في سنة 40 م أعطى القيصر كليلكولا أمراً بإنشاء تمثال لنفسه للسجود أمامه في هيكل القدس. ولكنه مات قبل إنشائه. ولا بد أن أعذاء الكنيسة آنذاك وقفوا مذهولين لهذه التطورات.

  3. عندما ابتدأت الجيوش الرومانية سنة 70 م أن تحاصر أسوار أورليم،كافح الغيورون في المدينة وفي الهيكل للحصول على سلطة القيادة للدفاع المشترك. وفي هذه المصارعات الدموية اختلط الكهنة المقتولين بدم الذبائح في ساحة الهيكل.

آنذاك فهمت الكنيسة المسيحية من الأصل اليهودي، ما قصده السميح بقوله: «فحينئذ يهرب الذني في اليهودية إلى الجبال». فهربوا إلى عبر الأردن إلى المدينة بلاً. فلم يرد الرب أن يدخل كنيسته إلى الدينونة المنسكبة على إسرائيل، بل خلص أتباعه م الحصار الخانق.

وأصبح حصار الرومان مرعباً، لأن في ذلك الزمن حج مئات الألوف الحجاج إلى عيد الفصح، فلم يوجد طعام كاف للجماهير الضخمة في المدينة بسبب الحصار الطويل. فالجوع صار فظيعاً. حتى أصيبت أم بالجنون وشوت طفلها. وهرب كثيرون إلى أيدي الرومان الذن صلبوهم. فغابة الصلبان أحاطت القدس التي علقت قبل ذلك بأربعين سنة ابن الله البار على خشبة العار.

أما في المدينة فقد ا تلهب الغيورون حماسة وشجعوا الجياع واليائسين قائلين لهم: «لا تخافوا الله يخلصنا، لأن هيكله ضمان لحضوره معنا. لا بد من نصرنا وإن كان بالمعجزات». فحرضوا الضعفاء على الدفاع عن النفس من جديد.

وبعدما فتح تيطس القائد الروماني المدينة المحاصرة، باع جماهير من الباقين رجالاً ونساء شباباً وبنات، عبيداً إلى كل العالم. وهيكل الله احترق كمشعل غضب الله فوق المدينة المدمرة الميتة.

و «رجسة الخراب» تدل أيضاً على نهاية أرضنا. ليس أحد يعلم مسبقاً معناها بدقة. إنما الإنجيل يساعدنا بدلائل متنوعة. مثلاً: إن حاول بعض رجال الدين أن يغيّروا النص الأصلي لكلمات الوحي، أو إن حالوا تفسيره حسب أهوائهم في محاولة رمسية لتويد أديان العالم، فهذه هي رجسة الخراب.

أوإذا بني هيكل جديد لكل الشعوب على ساحة الهيكل القديم في القدس، رغم أن كنيسة يسوع هي هيكل روح الله في العالم اليوم وحدها.

أو إذا قدمت في القدس ذبائح حيوانية بصلاى التوبة وترانيم الحمد، رغم أن يسوع المصلوب كان ذبيحة الله الكاملة الأخيرة.

أو إن جاء مسيح آخر وجلس في هذا الهيكل الجديد، وطلب العبادة لنفسه كإله لأنه قدر إنشاء سالم عام للعالم المتألم المخرب. فسيسجد له كافة زعماء الكنائس والشعوب، لأنه يظهر لهم كالمخلص الوحيد، وكالشخصية الوحيدة الموثوق بها (2 تسالونيكي 2: -12 ورؤيا 13: 1-9).

عندئذ علينا اليقظة والتمييز الروحي، وطلب الإرشاد بصوت الله الواضح. ونطيع هذا الصوت إلى حيث يريد الرب. حتى ولو عني هذا هروب الكثيرين وترك ممتلكاتهم وأنظمتهم ومجتمعهم. فلا تنس أولاً تأتي الرجسة، وبعدئذ الخراب.

الصلاة: أيها الله القدوس دينونتك عادلة، وكلنا مستحقون العذاب والموت. نشكر لأنك أرسلت لنا المخلص الوحيد يسوع الناصري. لأن دمه يطهرنا من كل خطية. أيقظنا لكيلا ننام في اضطراب الدينونة الأخيرة، بل نعرف العلامات والدلالات امعطاء لنا. دعنا نسمع صوتك وامنحنا القوة لتنفيذ إرادتك بالطاعة الكاملة، والمباشرة. آمين.

السؤال: 30 - ما هو معنى رجسة الخراب؟

5 - الضيق الكبير مقبل علينا (الأصحاح 13: 19-20)

19لأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ٱبْتِدَاءِ ٱلْخَلِيقَةِ ٱلَّتِي خَلَقَهَا ٱللّٰهُ إِلَى ٱلآنَ، وَلَنْ يَكُونَ. 20وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ ٱلرَّبُّ تِلْكَ ٱلأَيَّامَ لَمْ يَخْلُص جَسَدٌ. وَلٰكِنْ لأَجْلِ ٱلْمُخْتَارِينَ ٱلَّذِينَ ٱخْتَارَهُمْ قَصَّرَ ٱلأَيَّامَ.

هل سيتكرر الضيق العظيم، الذي حدث في خراب أورشليم سنة 70 م حتى يصبح سقوط شعب العهد القديم ليس إلا رمزاً إلى ضيق أعظم آت على كل البشر؟ أغلب الطن أن الإجابة: نعم.

لأنه بمقدار ما أن نعم العهد الجديد فائقة عن نعم العهد القديم، هكذا ستكون الدينونة الآتية على شعوب العالم أكثر رعباً، من التي سقطت على شعب العهد القديم.

اقرأ رؤيا يوحنا مصلياً، وقارنها مع آيات أخرى من النبوات المكتوبة عن المستقبل، فترى الخطوط العامة للدينونة التي ينبغي أن تأتي، إن اكتمل كيل خطية العالم.

إنما في نهاية العالم ستكون مثل هذه الرجاسات، لا حوادث جزئية فردية، بل كفجور مندلع في كل آبار الشر، نابعة من عبقرية المجرم، الذي سيستخدم أحدث الآلات الكهربائية والأشعة النووية، لخراب أفراد وشعوب.

متى سيحل الضيق الكبير في نهاية الايام؟ الدلائل المختلفة التالية، ربما تحدث متتالية أو مع بعض، متشابكة أو تدريجياً:

  1. كل البشر مستحق الدينونة بدون تمييز أو استثنانء، لأن الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. وغضب الله معلن على كل فجور ا لناس، خاصة لأنهم لم يقبلوا المسيح المتجسد المصلوب الحي مخلصاً لهم.

  2. والمؤمنون بالله الواحد يواجهون في الدول الدكتاتورية والأحزاب الملحدة، تربية وضغطاً لإنكار وجود الله، كما ظهر الاضطهاد في روسيا والصين على المسلمين والمسيحيين بنفس الوقت.

  3. وكل المسيحيين الذين ثبتوا في الله رغم التجارب المتكاثرة، والذين بقوا على الأرض، عليهم أن يمروا بضيقات، خاصة المؤمنين من الأصل الغير المسيحي. فيتنقون كذهب مصفى في النار.

  4. واليهود المتمسكون بعقيدتهم، سينفصلون عن جميع الشعوب، ويعاندون البشر، ويرفضون المسيح الحق باستمرار. فتصبح القدس كأس التضعضع لكل الشعوب.

لم يتكلم الرب عن الدينونة فحسب، بل وضع ركائز معزية لتقوية الرجاء قائلاً: إن لله القدرة لتقصير الوقت، لكيلا يتحمل مختاروه فوق قدرتهم. وفعلاً بعض المرات حمل الرب المؤمنين كحالمين في أوقات الضيق. والرب لن يسنى أعضاء جسده الروحي. بل تألم آلامهم كما قال سابقاً لشاول: لماذا تضطهدني أنا؟ وكان شاول يعذب المؤمنين.

فمن هم المختارون؟

نقرأ في الرسالة إلى أهل أفسس 1: 4 و2: 1 أنهم من طبيعتهم ليسوا أفضل من باقي الناس، إنما الله اختارهم «في المسيح». فدم ابن الله طهرهم من كل خطية، ومحبته اللانهائية قادت أولئك الفاشلين، إلى الثبات في حياة الله. فلا يبقى للإنسان فخر إلاالصليب. فيسوع وحده خلص الخطاة. وهم لم يعارضوا جاذبية محبته، بل قبلوا بكل قلوبهم واختيارهم، المكتوب منذ تأسيس العالم.

ويرينا بطرس في رسالته الأولى 2: 9-10 أعماقاً أخرى وأهدافاً سامية، لاختيارنا في العهد الجديد.

الصلاة: أيها الله العظيم القدوس، دينونتك عادلة ولا ظلم فيها. ليس إنسان ولا شعب أمامك بار. وحقوق البشر تتفتت في دينونتك. ليس لنا حق ورجاء آخر أمامك إلا دم يسوع المسيح وبره. ساعدنا لكيلا نفقد هذا الجوهر في الاضطهاد، واحفنا من أن ننكرك في تعذيب أجسادنا، بل نجلب كثيرين الى خلاصك، فيتحقق اختيارهم بتجديدهم. آمين.

السؤال: 31 - من هو الذي يدخل الى الضيق العظيم؟

6 - المسيح الكذاب هو مخلص العالم (الأصحاح 13: 21-23)

21حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا ٱلْمَسِيحُ هُنَا أَوْ هُوَذَا هُنَاكَ فَلا تُصَدِّقُوا. 22لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا - لَوْ أَمكَنَ - ٱلْمُخْتَارِينَ أَيْضاً. 23فَٱنْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ.

سيقوم أدعياء السلام في أوقات الثورات والحروب واليأس حاملين في اليد اليمنى غصن الزيتون وفي اليد اليسرى المدفع القاتل. والبعض سيعلن فردوس العمال والفلاحين. أو دار السلام على العالم.

ويكون تحت تصرفهم قوة هائلة من أسلحة وثروات وزيوت وأشعة نووية. وسيقومون باتصال مع الأرواح والأموات، مظهرين عجائب، حتى تتبعهم الجماهير إلى عصر موهوم، موعود برفاهية وسلام أبدي.

الكل يكذبون كذباً مبيناً، لأن الكل سيزول. والقنايل الهيدروجينية لتخريب أكثرية وجه كرة أرضنا حاضرة مصنوعة موضوعة في خزائن السلطات في الغرب والشرق. وقريباً سيقل ماء الشرب العذب في أرضنا ويصبح أندر وأغلى من البترول. لأن تلوث الأنهر يكاثر بسبب تكاثر النسل حتمياً.

وبغضة الشعوب الفقيرة تنمو ضد الأمم الغنية، لأنهم لا يعلمون ولا يدركون أن بركة الإنجيل، حررت المؤمنين بالمسيح من الاسترخاء إلى الاجتهاد، ومن الأنانية إلى الخدمة، ومن اللامبالاة إلى الدقة. فالعالم كله يغرق في البغضة والهلاك.

وقبيل نهاية الأرض سيظهر المسيح الكذاب ونبيّه الخطيب المفوه من ذرية إبراهيم على الأغلب. فسيسحران بكلمات ضخمة وسلطان عجيب البشر، مسيطرين عليهم. وسوف يقدمان للناس السلام من الحروب الفتاكة، بعدئذ الخبز والسعادة، وأخيراً مزج واتحاد جمي الأديان، طالبين التسليم الكامل للإنسان المتفوق.

سابقاً عرض الشيطان على يسوع كل ممالك الدنيا وكنوزها قائلاً: «هذا كله أٰعطه لك، إن خررت وسجدت لي».

انتبه. احترس. خاصة في الأيام الأخيرة. لأن بعض الزعماء مضلون. والمسحاء كذابون. سيأتي ابن الشيطان بالذات يرافقه النبي الملهم من الشيطان ليظهر الثالوث النجيس، للقبض على البشر السطحي الملحد وليقيمهم في العصيان ضد الله ومسيحه، ليحاربواالأزلي.

في أيامنا أصبحت إمكانية حكمه على كل شعوب الأرض ممكنة من جهة التكنيك. لأنه في فترة وجيزة، تسرع أوامره وإرشاداته في كل اللغات عبر التلفزيون، إلى آخر بيت وحتى إلى الخيام في الصحراء فكل من يعارض روحه يُضطهد ويُباد (2 تيموثاوس 2: 1-12 وؤيا 13: 1-15).

إنما أيام الإنسان المتفوق محدودة. وليس مجيئه هدف تاريخ البشر، بل إتيان المسيح في المجد. فحكمة الله تسمح للشر أن يتكامل أولاً وينضج إلى جميع الشرور الممكنة، حتى يأتي المسيح الصالح ويظهر ملء محبته، جاعلاً نفسه مقياس الدينونة الأخيرة(دانيال 7: 9-14). فكل إنسان يشترك في هذا الكفاح الروحي. إما أن نصبح أشراراً كاملين، أو صالحين كاملين. لا يقبل الرب ذئباً في ثوب الحمل. بل يريد أن يغيرنا إلى حملان الله القديسين. تابعين لابنه القائل: طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض. ويخالفهذا الفكر دعوة الثائرين والعصاة الذين يريدون الحصول على حقوقهم بروح الدجال. كلهم يسقطون لا محالة.

أما حمل الله الوديع وأتباعه فثابتون باقون.

الصلاة: يا ربنا الأزلي، حدد أبصارنا لنميز روح المسيح الكذاب المتفوق على الكل والمنكر لتجسدك. ساعدنا لكيلا نختار الغنى والاسترخاء والضمان الجسدي، بل نقبل تواضعك واكتفائك وروح الخدمة والوداعة بفرح. احفظنا من مكر المضلين،لكي نغلب أبا الكذب بروحك الحق ونكشفه باسمك. آمين.

السؤال: 32 - ما هي صفات المسيح الكذاب، وما هي علامات ظهوره؟

7 - مجيء المسيح هدف التاريخ (الأصحاح 13: 24-27)

24وَأَمَّا فِي تِلْكَ ٱلأَيَّامِ بَعْدَ ذٰلِكَ ٱلضِّيقِ، فَٱلشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَٱلْقَمَرُ لا يُعْطِي ضَوْءَهُ، 25وَنُجُومُ ٱلسَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ، وَٱلْقُوَّاتُ ٱلَّتِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 26وَحِينَئِذٍ يبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ آتِياً فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ، 27فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلائِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاءِ.

يسوع حي وهو جالس عن يمين الآب، مترقباً أن أتباعه قد يشروا بقوة روحه كل أنحاء العالم، غالبين بشهادة أمانتهم وضيقات حياتهم، تجارب الأيام الأخيرة.

المسيح يشتاق إلى كنيسته أكثر بكثير مما يفكر العريس بعروسه. فكل أفكاره وخططه وآماله تدور حولها. ومحبته إلهية وأزلية لا تسقط أبداً.

على الأرض سيغتاظ المسيح الكذاب، ظاناً أنه قد محا كنيسة المسيح. وها هي ذي حية. ولو يموت المؤمنين الأفراد فهم أحياء. لأننا إن عشنا أو متنا، فنحن للرب. وأبواب الجحيم لن تقوى على كنيسة المسيح.

يظهر من النبوات أن المسيح الكذاب في استكباره يريد محاربة الله وابنه. وربما يحاول يقنبلة هائلة أن يزعزع النجوم. ويبيد جيوش الأرواح بسفن فضائية. حتى لا تخرب الأرض فقط بل يملأ الفضاء بقطع النجوم المفجرة والغبار الذي يغطي وجه الشمس، كيال مخيف.

عندئذ يهجم البرد والجليد والظلمة والعواصف والجوع واليأس على كرتنا الأرضية المخربة. وربما ستتضعضع الكرة الأرضية مثل سكران، حتى تظهر النجوم كأنها تسبح وتسقط.

قد سلم الله البشر غير المستعدين للخضوع له، أن يخربوا أنفسهم بأنفسهم. فالإنسان يخلق عذابه ودينونته ذاتياً.

إنما في أعظم الضيق الأخير، عندما سيزداد الشر إلى ذروته، يقترب المسيح من العالم وتراه كل عين. وكما أنه سابقاً ارتفع من الأرض محلقاً إلى أبيه، غالباً جاذبية الأرض وثقلها، هكذا سيرجع مشكوفاً لكل أعين البشر، كانفجار صاعقة باهرة ضحمة، لمع من الشمس، مبهر الأبصار، مشرقاً من المشرق إلى المغرب، ومنيراً حتى القسم من الأرض الذي يخيم عليه الليل.

فمجيئه يزعزع الكون. الخالق آت إلى الدينونة، إلى الحساب. الشياطين ترتجف من هذه الساعة، المسماة القارعة، ويفزع الأحياء الباقون بمقدار أنهم يفضلون سقوط الجبال عليهم، أو أن يدخلوا إلى جوف الأرض ليهربوا من وجه الله الآتي.

يأتي يسوع بسلطان عظيم ومجد بهي. دفع إليه كل السلطان في السماء وعلى الأرض. وجمهور الجند السماوي سيرافقونه. لأن بمجيئه تدخل الأبدية إلى اضطراب زمني في أرضنا. وأشعة مجد ابن الله ستدين كل المخلوقات بدون كلمات، إذ لم يطهروا بدم المسيح سبقاً. وأسماء أشعة مجده الحق والقداسة والمحبة والعفة والوداعة والإيمان والتواضع والرحمة والصبر.

إن يسوع هو بنفسه مقياس دينونتنا. ومحبته دستور السماء. ليس أحد أمامه بار إلا المتبررين بدمه، والأحياء بروحه.

لا يأتي المسيح بالدرجة الأولى كديان بل كابن الإنسان ورئيس الكهنة المجرب كما نحن، ممتلئ بالشفقة على ضعفاتنا. ومجده كابن الله حامل التعزية. حقاً إنه ابن الإنسان وعلامات الصليب في يديه ورجليه. فمنظره يخلق في الكنيسة تعزية وسلاماً وابهاجاً وشكراً.

إنه يعرف كل مؤمن باسمه، لأنه أوحى بروحه «لا تخف لأني فديتك دعوتك باسمك، أنت لي». فسيرسل ملائكته، ربوات من الملائكة، ليجمعوا المدعوين باسمائهم. فالفرز العظيم سيظهر في مجيء المسيح. المتجددون هم أحياء، ولمي قدر الموت على إماتتهم. وقو حق أشعة مجد الله، لم تبدهم. وأثمار الروح تطهر فيهم. فيأتون إلى الرب الذي يجذبهم إليه.

اقرأ إنجيل متى 25: 31-42 فتعرف بالتفاصيل ماذا سيحدث عند مجيء المسيح، وامتحن نفسك في ضوء هذه الآيات. أين أنت يا إنسان؟ كيف حالتك؟ هل أنت هالك في عصيانك أو مدعو إلى عشاء حمل الله العظيم؟

ما أعظم الفرح. لأن الملائكة لا تجمع أولاد الله من أطراف الأرض فحسب، بل من جميع أنحاء السماوات أيضاً. وبينهم الأموات في الرب لأنه يحيون ليسوع. عندئذ سنرى بولس وبطرس ويوحنا والبشير مرقس. عندئذ نتعجب من الذي أتى إلى الرب ومن لم يجيء.فليس الكبار والأغنياء ولا الأذكياء والمشهورون هم المختارين، كلا. بل تطويبات الرب سنظهر كلمة كلمة. طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات.

الصلاة: تعال أيها الرب يسوع. نريد رؤيتك لأنك مت لأجلنا وقمت لتبريرنا. علمنا الشكر والمحبة والحمد، لنستحق لقاءك. وساعدنا في الأيام الأخيرة. لكيلا نفقد الرجاء لمجيئك، إذ تتضعضع الأرض ويقل الوقود والماء، وتفقد الشمس حرارتا. أنت نور حياتنا. قدسنا الى التمام لنصبح خدام الجميع كما بذلت نفسك في سبيل الخدمة للخطاة. ونشكرك لحضورك معنا في قوة الروح القدس. تعال أيها الرب يسوع ظاهراً وكمل كنيستك، وارشدنا الى شهادة قوية ليقوم الأموات في الخطايا الى حياتك، ويستعدو للقائك. آمين.

السؤال: 33 - ما هي العلامات الأخيرة لمجيء المسيح؟

8 - لا يبيد الله البشر رغم دينوناته (الأصحاح 13: 28-30)

28فَمِنْ شَجَرَةِ ٱلتِّينِ تَعَلَّمُوا ٱلْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصاً وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقاً، تَعْلَمُونَ أَنَّ ٱلصَّيْفَ قَرِيبٌ. 29هٰكَذَا أَنْتُمْ أَيْضاً، مَتَى رَأَيْتُمْ هٰذِهِ ٱلأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَٱعلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى ٱلأَبْوَابِ. 30اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لا يَمْضِي هٰذَا ٱلْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هٰذَا كُلُّهُ.

هل تترقب مجيء يسوع المسيح ثانية؟ عندئذ تكون قد لفت نظرك من الدنيويات نحو الرب الذي هو روح.

لم يعط يسوع تلاميذه جدول مواعيد محددة عن تدرج الأحداث الزمنية الأخيرة وعن مجيئه، بل حرضهم على اليقظة الروحية. فلنمتحن العلامات في تطورات التاريخ، لندرك بواسطتها إلى أين وصلنا، وكيف اقتربت النهاية.

إحدى العلامات للايام الأخيرة هي شجرة التين رمزاً لشعب العهد القديم. وقد تكلم يسوع عنها عدة مرات، لأن اسمه يسوع الذي يخلص شعبه من خطاياهم. ولكنهم لم يسمحوا للرب أن يخلصهم كأمة، بل صلبوا مخلصهم. مع أنه رئيس الكهنة الصحيح، فصلى لأجلم، موضوعاً على المذبح الإلهي: «يا أبتهاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون».

تطلعت عين يسوع الروحية على دلائل تظهر خلاص اليهود القساة القلوب. ونقرأ في العهد الجديد أنه بعد تبشير العالم ودخول ملء الأمم إلى مملكة قوة المسيح، سيفتح الرب مرة أخرى الفرصة لتوبة شعب العهد القديم في اللمحة الأخيرة. عندئذ تنبت شجرةالتين الميتة، الواقفة كالشبح عبر تاريخ العالم حاملة أوراق حياة النعمة، الدالة على ثمار آتية، والتي تدل أيضاً على الصيف الحار القريب، الذي يحمل أتون الويلات الأخيرة.

وقال يسوع بشدة إن رأيتم هذا، فادركوا أن مجيئي قريب. أنا هو واقف على باب الكون وأقرع. هذا الإدراك يتطلب منا إرادة لنريد معرفة التطورات الروحية، والاستعداد للغفران لجميع الشعوب، ليجدنا الرب الآتي متحدين في المحبة والطهارة والحق.

وقال يسوع إن هذا الجيل لا يزول حتى يتم كل ما قال. وهناك تفسيرات مختلفة لعبارة «هذا الجيل».

  1. قد تعني إن بعض المحيطين حوله يعيشون إلى خراب أورشليم، الذي تم سنة 70 م. وكان المسيح قد قال هذا سنة 33 م.

  2. قد تعني عبارة «هذا الجيل» كل البشر. فنتعزى تعزية كبيرة لأن البشرية لا تقدر أن تبيد نفسها، رغم كل القنابل النووية والحروب العالمية، واضطهادات المؤمنين. فيبقى البعض ليروا يوم الرب الأكيد المزمع أن يأتي.

  3. قد تعني هذه العبارة شعب العهد القديم، فيعني هذا أن الرب أعطى النعمة وسط الدينونات على المتمردين ويمنحهم مكاناً للتوبة وبقاء في الموت.

ربما المعاني الثلاثة مجتمعة معاً في هذه العبارة دالة على نعمة تحقق المواعيد لبقاء المختارين، رغم ازدياد الدينونات المبيدة. فكل من يتمسك بهذه النعمة المعطاة لنا يسجد لربه شاكراً.

الصلاة: نسجد لك أيها الله القدوس لأن محبتك تظهر أعظم من غضبك، ونعمتك تفوق قداستك. أنت متجه الينا نحن الخطاة وتصبر علينا، لأجل ذبيحة ابنك الوحيد الذاتية. امنح لأبناء إبراهيم في الأيام الأخيرة نعمة التوبة المغيِّرة، والتديد الروحي لكيلا يستكبروا متكلين على أسلحة فتاكة، واكوام مالية، وسلطة دنيوية، بل يصبحون ودعاء ومتواضعي القلب، كما أنت وديع ومتواضع القلب. غيرني الى صورتك. آمين.

السؤال: 34 - ماذا تعني العبارة «ولا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله»؟

9 - النبوة عن زوال الكون نهائياً (الأصحاح 13: 31-33)

31اَلسَّمَاءُ وَٱلأَرْضُ تَزُولانِ، وَلٰكِنَّ كَلامِي لا يَزُولُ. 32وَأَمَّا ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ وَتِلْكَ ٱلسَّاعَةُ فَلا يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلا ٱلْمَلائِكَةُ ٱلَّذِينَ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَلا ٱلاِبْنُ، إِلاّ الآبُ. 33اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لا تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ ٱلْوَقْتُ.

المسيح يأتي. طوبى لمن ينتظره ويعد نفسه لهذا اللقاء العظيم. ووصول ابن الله يعني نعمة ودينونة بنفس الوقت وكلاهما أعظم مما تدرك عقولنا. فالنعمة تنقلنا إلى شركة مع الله. والدينونة تبيد السماوات والأرض لأجل عصيانها.

يفسر المسيح ما قاله إشعياء الذي جاء قبله ب 700 سنة: ليس الأرض فحسب، بل أيضاً السماوات تزول (إشعياء 34: 4 و51: 6 و2 بطرس 3: 10 ورؤيا 6: 12-17).

كل من يقرأ هذه الاثباتات ويدركها، ينذهل. فالأرض تحت قدمينا تمحى. والهواء الذي نستنشقه سوف يحترق. ولكن يا للرعب. كرة أرضنا الصغيرة لا تزول فقط، بل أيضاً الشموس والكواكب. لأن خطية البشر جزء ضئيل من سقوط أوسع عن الله الوحيد. ليس الشيان خرافة بل رئيس هذا العالم، الذي يجذب أبناء المعصية إلى فكره. فقصاصه وقصاصهم النار الملتهبة التي قال يسوع عنها: «ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلائكَتِهِ» (متى 25: 41).

هل عرفت أن إتيان نهاية العالم معروفة ومذكورة في أديان مختلفة، لأن الأرواح النجسة تعرف هذا الحدث المزمع أن يأتي. على أن التركيز في إيماننا يدور حول محبة الله الخالدة، وليس على يوم الدين، فمحبة الله هي رجاؤنا. وكلمته اللطيفة هي البرة والسبب والقوة لتجديد المؤمنين باسمه. فعلى كلمات يسوع تتوقف قوتنا ومستقبلنا. فالرب يحرس كلمته لكيلا يزوّرها ويغيرها أحد. فكيف يقول البعض أن التوراة والإنجيل مزوران. لا يعرفون أن ربنا هو الحق والكلمة المتجسد والحي، الذي دُفع إليه كل سلان في السماء وعلى الأرض وقد استودع كلمته بين يدي المؤمنين الذين ليس لهم كنز أعظم من الإنجيل المقدس.

وإن اضطررت مرة للهرب، فليس من الصعوبة الكبرى أن فقدت كل شيء دنيوي. إنما احمل الكتاب المقدس معك، احتفظ به ليلاً نهاراً. ومن الخير لك أن تحفظ آيات ذهبية بارزة غيباً، حتى إذا سرق منك الكتاب، يكون ساكناً فيك بالحفظ الغيب.

قال يسوع عن نفسه: طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم علمه. فاحفظ كلمة ربك غيباً. تعمق فيها أدركها وافعلها. عندئذ لا تتعجب من نهاية العالم، ولا تزول في زواله، لأنك تكون قد تغيرت بقوة كلمة المسيح وصرت شريك طبيعته الإلهية، وتكون مه، كما أن الملائكة ترى وجهه دائماً. إلا أنك سوف تظهر مولوداً من كلمة نعمته.

عندما ألقى يسوع على جبل الزيتون الخطاب القاطع عن نهاية الزمن، على تلاميذه الأربعة الأقربين إليه، وأورشليم أمامهم على مرمى البصر ومحكوم عليها بالانهدام. كان يسوع في حالة ابن الإنسان وابن الله في شخص واحد. وقد خلع مجده الغير المحدودواصبح إنساناً محدوداً. وقد احتمل محدوديته واعترف: «لا يَقْدِرُ ٱلابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاّ مَا يَنْظُرُ ٱلآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهٰذَا يَعْمَلُهُ ٱلابْنُ كَذٰلِك. لأَنَّ ٱلآبَ يُحِبُّ ٱلابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هٰذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ ٱلآبَ يُقِيمُ ٱلأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذٰلِكَ ٱلابْنُ أَيْضا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. لأَنَّ ٱلآبَ لا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ٱلدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ، لِكَيْ يُكْرِمَ ٱلْجَمِيعُ ٱلابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ ٱلآبَ» (يوحنا 5: 19-23) نرى في هذه الاعترافات تواضع يسوع الكامل وسلطانه لملطق أيضاً. فمن يفهم موقفه المتواضع، يفهم ايضاً كلمته أن الآب لم يره بعد تاريخ العالم. ولا يوجد ملاك ولا روح ولا شيطان، ولا مولود ثانية، يعلم متى عيّن أبونا السماوي نهاية الكون وبداية قيامة الأموات ودينونته العادلة. فن الغباوة أن نحاول حساب تاريخ مجيء المسيح. إنما الوقت أقرب مما نعلم.

الصلاة: أيها الآب القدوس ربنا ومخلصنا. كيف حزنت أيها المحب واغتظت أيها القدوس حتى وضعت لصبرك نهاية وعزمت على إرسال ابنك ليدين العالمين. وكلمتك تنبئ بزوال الأرض والسماويات. جهِّز أنفسنا لهذا اليوم إذ تحترق العناصر بضجيج ساعدنا لنلبس اليوم الرب يسوع ونعيش فيه. لكيلا يبتلعنا الموت الأبدي بل نطمئن في انتصار المسيح ونثبت في حياتك المعطاة لنا من قوة كلمتك. نشكرك ايها الآب السماوي لأن المسيح فينا رجاء المجد. آمين.

السؤال: 35 - ماذا فهمت من النبوة عن نهاية العالم؟

10 - العبد الحكيم يسهر ويعي (الأصحاح 13: 34-37)

34كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ ٱلسُّلْطَانَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى ٱلْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ. 35اِسْهَرُوا إِذاً لأَنَّكُمْ لا تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ ٱلْبَيْتِ أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ ٱللَّيْلِ، أَمْ صِيَاحَ ٱلدِّيكِ، أَمْ صَبَاحاً. 36لِئَلاّ يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدَكُمْ نِيَاماً! 37وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: ٱسْهَرُوا.

شبه يسوع نفسه برجل يسافر. فلم ينته بعد صلبه في القبر، ولم يدخل بقيامته وصعوده إلى العدم بل إنه حي، جالس عن يمين أبيه، حاملاً الكون بكلمة قدرته. ولأجل شفاعته لم تقض علينا الدينونات بعد. ولم يترك يسوع بيته وهيكله الروحي بحالة الفوضى قد دعا عبيداً وإماء وعيّنهم لوظائف وأعطاهم مواهب وفوضهم لواجبات. ويجب على المؤمنين أن يضعوا أنفسهم تحت سلطان الله، يجاهدون لخدمة ربهم، لأنهم إن لم يفعلوا هذا يغيّرون نفوسهم. ولم يضع الرب أحداً منهم أمام واجب مستحيل التطبيق، فلا نعيش فيالعهد القديم حيث انكسر الأتقياء في شريعة موسى، لأنهم لم يجدوا في أنفسهم القوة للغلبة على شهواتهم، كلا، بل نعيش في العهد الجديد، حيث منح لنا يسوع السلطان للمحبة.

فليس تقديس أنفسنا هو الهدف الوحيد للحصول على الحياة الأبدية، بل المسيح حررنا للخدمة وأرسلنا للشهادة، فلنصرف أيامنا في أعمال المحبة الواضحة. فليست التأملات والصلوات والأقوال والتفكير العميق هو خلاصة عبادتنا العقلية بل بنفس الوقت المل الشاق والخدمات الخيرية المتنوعة في سبيل الرب. الذي أعطانا قدوة بذبيحة نفسه، لأجل غير المستحقين. فليس من المستحسن أن نستخدم آخرين ليخدموا الرب، بل نقدم نحن أجسادنا ذبيحة حية مقدسة مرضية عن الله (رومية 12: 1).

هل عرفت العمل الذي كلفك الرب أن تتممه؟ صلّ مخلصاً واسأله شخصياً، ماذا يريد هو أن تفعل أنت؟ وإن لم تعرف خدمات عملية للرب، فاكتب إلينا نريك طرقاً عملية، كيف تستطيع خدمة الرب في محيطك.

عيّن الرب أحد عبيده بواباً، لينظر دائماً إلى الأفق مترقباً الرب الآتي. هذه الوظيفة تدلنا على موهبة النبوة والصلاة المشتاقة لمجيء الرب، التي لم تنته في الكنيسة كاملاً. فيسوع يمنح لكل فرد من أفراد جسده مواهب خاصة، ليفهموا علامات الوت في انسجام مع كلمته. ويخبروا بنتائج إدراك محبتهم لأهل الكنيسة.

وبزيادة على هذه الموهبة يأمر الرب جميع عبيده باليقظة الروحية، لكي يقوموا بخدماتهم بشعور المسؤولية، ويعلموا: سوف يحاسبنا الرب حساباً دقيقاً عن وقتنا ومالنا وكلماتنا وأفكارنا وأفعالنا وصلواتنا. سيوضح الرب جلياً إن كنت كسلاناً أو مجتداً، إن خدمته بحكمة أو بغباء. إن فكرت بنفسي وعائلتي أو اهتممت بالضعفاء والمساكين. فالرب يريد أن أحب كما أحبّ هو في قوة وإرشاد كلمته.

هل أنت واع في الروح أو نعسان في الشهوات؟ إن عقارب ساعة الكوت تقترب إلى منتصف الليل. والجماهير جالسون أمام شاشة التلفزيون، ويصرفون وقتهم الثمين باللهو وينسون الله.

فهل قلبك ممتلئ بكلمة الله الحية، ليضيء نورك في الليلة الدامسة، وتكون حواسك متطلعة نحو الرب الآتي. لتكون في كل لحظة مستعداً أن تفتح للرب باب بيتك وتقدم له حساباً. هل نظمت أدراج (جارور) مكتبك أو في خزانتك؟ هل حياتك وأشغالك مرتبة أو ل تحكم الفوضى حياتك وافكارك؟ هل تخبئ خطية معروفة، أو ترعى في قلبك مشكلة غير صالحة، محاربة روح الله؟

اسرع بعون الروح القدس وهيء حياتك كاملاً قبل فوات الأوان. أعدوا طريق الرب. اطلب الصفح من أخيك الذي أسأت إليه، وارجع البضاعة المسروقة التي لا تخصك كاملاً وأضعافاً، كما قال الرب: قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك.

وإن كنت راعياً على جماعة أو مسؤولاً روحياً عن أصدقاء آخرين، فالتمس من ربك لكي يعدّ هو حياتك وعائلتك لمجيئه الخاص، ويطهر أيضاً بدم يسوع رعويتك كلها، ليستعدوا للقائه. تكلم إليهم بكل تواضع عن مطاليب الحق، وأعلن لهم جميع وعود محبة الل. لأنه إن لم تحذرهم أنت تحذيراً واضحاً سيطلب الرب أنفسهم منك أنت. ولكن إن أعلنت لهم كل فكرة وجميع الأسرار، أوحاها الرب إليك. فسيحلمون هم ذنوبهم تلقائياً. صلّ لكل فرد من جماعتك بمواظبة لكي ينكسر لكبريائه وينسحق في محبة الله، ويصبح عبداً الحاً مجتهداً ليسوع، مستعداً للقائه بهتاف وتهلل.

الصلاة: آمين أيها الرب يسوع تعال. لسنا مستحقين للقائك لأننا لم نتمم كل ما أمرتنا به بعد. طهرنا بدمك الثمين، لكي نستحق التقدم اليك بدون رعب إن ظهرت بمجدك العظيم. ارشدنا وقونا بروحك الحكيم، لكي نحرّض الذين يهملون مجيئك. يستعدون معنا ويتغيرون، لتصبح حياتنا كلها قربان الشكر لفدائك. تعال أيها الرب يسوع وأعد طريقك الى كل الشعوب خاصة الى أبناء إبراهيم. آمين.

السؤال: 36 -كيف نسهر بالحكمة لمجيء الرب؟

المسابقة الثالثة لإنجيل مرقس

أيها القارئ العزيز. بعدما درست الدروس العديدة من الجزء الرابع والخامس والسادس للإنجيل حسب البشير مرقس كسبت كنزا روحيا أبديا.

فنشجعك أن تتعمق بنفسك في معاني الإنجيل وتدون معلوماتك بانتظام بواسطة الإجابة على الأسئلة التالية.

  1. ما هي أهم المعاني في شهادة بطرس الرسول؟

  2. ما هي المبادئ الضرورية لاتباع الرب يسوع؟

  3. ما هو معنى تجلي الرب يسوع أمام تلاميذه؟

  4. لماذا لم يفهم التلاميذ ضرورة طريق المسيح الى الصليب؟

  5. ماذا كان المانع لشفاء المريض؟

  6. كيف أرشد الرب يسوع تلاميذه الى التواضع؟

  7. كيف يرشدنا الرب يسوع الى التعاون مع الذين ليسوا من جماعتنا؟

  8. ما هو سبب العثرة للمبتدئين في الإيمان؟

  9. ما هي مبادئ الزواج المسيحي؟

  10. ما هو موقف الرب يسوع نحو الأولاد الصغار؟

  11. لم المال والغنى تجربة تماثل عبادة الأوثان؟

  12. ما هو ربح المؤمنين بالحقيقة؟

  13. لم تقدم الرب يسوع أمام تلاميذه مباشرة الى أورشليم؟

  14. كيف كشف سؤال وجواب ابني زبدي عن حالتهما الروحي؟

  15. ماذا تعني قدوة الرب يسوع كخادم الخطاة لنا؟

  16. ماذا نتعلم من شفاء الأعمى في أريحا؟

  17. لِمَ لَمْ يحرم جنود الرومان الرب يسوع من دخول أورشليم؟

  18. لماذا طهر الرب يسوع الهيكل؟

  19. كيف يظهر الإيمان الحق؟

  20. لِمَ لَمْ يعلن الرب يسوع لوفد رؤساء اليهود مصدر سلطانه؟

  21. كيف أوضح الرب يسوع محبة الله بهذا المثل عن الكرامين غير الأمناء؟

  22. ما هي الحكمة في جواب السيد المسيح لمجربيه؟

  23. كيف يعيش المؤمنون المرحومون في الآخرة؟

  24. كيف يتعلق الإيمان بوحدانية الله بمحبتنا له ولجميع الناس؟

  25. هل يوجد ربّان؟

  26. كيف فكر الرب يسوع بعطايا الناس؟

  27. ماذا يعني خطاب الرب يسوع عن خراب أورشليم؟

  28. لِمَ قال الرب يسوع لا بد أن تكون حروب؟

  29. كيف يتعلق تبشير العالم بنهاية العالم؟

  30. ما هو معنى رجسة الخراب؟

  31. من هو الذي يدخل الى الضيق العظيم؟

  32. ما هي صفات المسيح الكذاب وعلامات ظهوره؟

  33. ما هي علامات مجيء السيد لمسيح الأخيرة؟

  34. ماذا تعني العبارة «هذا الجيل لا يزول حتى يتم الكل»؟

  35. ماذا فهمت من النبوة عن نهاية العالم؟

  36. كيف نسهر بالحكمة لمجيء الرب؟

إن جاوبت على ثلاثة أرباع الأسئلة بصواب فنرسل لك أحد كتبنا الروحية لتتعمق من ناحية أخرى في ملء كلمة الله. ولا تنسى اسمك وعنوانك الكامل على أوراق المسابقة التي ترسلها الينا. أرسل أجوبتك بخط واصح وعنوان كامل إلى:

الجزء الثامن آلام المسيح وموته (الأصحاح 14: 1-15: 47)

1 - تآمر زعماء الشعب على يسوع (الأصحاح 14: 1-2)

1وَكَانَ ٱلْفِصْحُ وَأَيَّامُ ٱلْفَطِيرِ بَعْدَ يَوْمَيْنِ. وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ يَطْلُبُونَ كَيْفَ يُمْسِكُونَهُ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُونَهُ، 2وَلٰكِنَّهُمْ قَالُوا: «لَيْسَ فِي ٱلْعِيدِ، لِئَلاّ يَكُنَ شَغَبٌ فِي ٱلشَّعْبِ».

أعظم عيد عند شعب العهد القديم كان عيد الفصح، الذي احتفلوا به مع أيام الفطير (أي الخبز غير المخمّر) أسبوعاً كاملاً. متذكرين غضب الله المار بهم. لأجل حمل الفصح المذبوح من كل عائلة في الأمة. فكل أسرة اجتمعت حول ذبيحة الفصح. وكان ينبغ على كل فرد من العائلة أن يأكل منها، حتى يأتوا عليها جميعهم.. وإن كانت الذبيحة كثيرة عليهم، فيدعون إليها جيراناً أو أصدقاءً.

وكانوا يرشون عتبة أبواب بيوتهم العليا والقائمتين بدم الحمل لكي يمر عنهم ملاك الغضب. وهكذا نجا الشعب كله بواسطة دم حمل الله عائشاً بنعمته. وأما كل الذين كانوا بدون حماية دم الحمل، فانقضّ عليهم غضب الله الذي قتل أبكارهم في تلك اللية. وأجبروا المخلصين بدم الحمل أن يهربوا وطردوهم من أرض مصر. ولم يجد الهاربون الوقت الكافي لينتظروا اختمار العجين، فأخذوه معهم في مناطقهم وصررهم وخبزوه على حجارة في الشمس خلال سيرهم في البرية.

لم يكن أولاد يعقوب أفضل من أهل مصر البتة. بل وضعوا أنفسهم تحت حماية حمل الله. السر في هذا المبدأ عظيم. ليس إنسان واحد صالحاً وباراً أمام الله. الكل يستحقون الغضب والموت والهلاك. ولكن من يضع نفسه تحت دم حمل الله في العهد الجديد عمدً وأبداً، لن يدخل إلى دينونة. فلا يوجد خلاص إلا بواسطة حمل ا لله الفريد.. لا ينتفع الإنسان من استقامته ولا من تسابيح الحمد ولا من تبرعاته المالية ولا من أعماله الإنسانية. كل هذا لا يبررنا أمام الله. وكل مجهوداتنا لا تكفي لتمجيد القدوس.حمل الله المختار وحده حمايتنا وتبريرنا وتطهيرنا وتقديسنا، ولكل من يؤمن به.

المسيح هو حمل الله المذبوح لأجلنا..

بعدما أكمل يسوع خدمته كواعظ ومعلم ونبي بصفته «كلمة الله المتجسد» وعلم البشر دستور ملكوته وأرشدهم على سر الكون: المحبة، ومثّلها أمام جلياً. وبعدما أكمل تعليمه كله، تقدم عمداً نحو ساعة أجله. علماً أنه لا توجد طريقة أخرى لفداء البشر لا بموته. فمن الصليب ننال البر والقوة والخلاص.

لم يهرب يسوع من أورشليم رغم أنه تيقن أن زعماء الشعب قصدوا موته. إنما هو عيّن ساعة موته بإرادته. لأنه أخذ السلطان لهذا التعيين من أبيه. فلم يمت صدفة أو مجبراً بل في الساعة المعينة، في اللحظة والفترة التي تمت فيها ذبيحة حملان الفصح لى ساحة الهيكل، ليظهر جلياً أن المسيح هو حمل الله المختار الذي يرفع خطية العالم.

قد تآمر زعماء الشعب على قتل يسوع مبدئياً منذ أشهر. لأن الناصري غفر الذنوب كالله وشفى المرضى في يوم السبت بكلمته. وجذب الجماهير خارج المجمع. فخاوفو أن يحدث انقسام في الأمة أو ثورة من «الغيورين» أو تدخل من القوى الاستعمارية الروماني.

وأبغض الشيوخ النجار من قرية الناصرة، لأنه كان أذكى وأحكم وأكثر روحانية من كل وفودهم، ولم يدخل إلى فخاخهم. فظنوا أنهم يخدمون الله إن أبادوه، لكي لا يتزعزع سلطانهم وتتثبت أنظمة الهيكل ولا تقل عمومية الناموس.

إنما الفقهاء في علوم التوراة قصدوا موت يسوع عرضاً، والقبض عليه بحيلة. ليكتشفوا منه أسراره بأسئلة متزاحمة، ويسقطوه باعتراف مخالف لناموسهم، ويجدوا سبباً شرعياً ليبرزوا الزعيم الشاب كمضل الأمة ويقتلوه رسمياً لكي يمرّ غضب الله عن الأم.

في الماضي لم يجدوا فرصة مناسبة ليمسكوا يسوع من وسط أتباعه ويلقوا عليه القبض أثناء معجزات الشفاء التي قام بها ومواعظه ومناقشاته، لكيلا يسببوا شغباً في الشعب أو لكيلا يظهر بعدئذ كشهير أو نبي مختار في ذكر الأمة. وهكذا أرشدهم الشرير أا يتقلوا يسوع على العيد. فأرسلوا جواسيس في كل المنطقة، ليقبضوا عليه قبل العيد أو بعده. أما يسوع فعين موته للعيد بالذات.

الصلاة: يا حمل الله القدوس، نشكرك لأنك رفعت خطية العالم كلها. ارحمنا. أنت الشاهد الأمين. لم تتردد عن هدفك، رغم أنك عرفت بمؤامرة أعدائك. أنت الوسيط الأمين قدسنا الى التمام ليمر عنا غضب الله، لأننا لسنا أفضل من الآخرين. مك برنا وتطهيرنا وقداستنا. آمين.

السؤال: 1 - ما معنى حمل الفصح؟

2 - مسحة يسوع في بيت عنيا (الأصحاح 14: 3-9)

3وَفِيمَا هُوَ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ ٱلأَبْرَصِ، وَهُوَ مُتَّكِئٌ، جَاءَتِ ٱمْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ ٱلثَّمَنِ. فَكَسَرَتِ ٱلْقَارُورَةَ وَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ. 4وَكانَ قَوْمٌ مُغْتَاظِينَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَقَالُوا: «لِمَاذَا كَانَ تَلَفُ ٱلطِّيبِ هٰذَا؟ 5لأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُبَاعَ هٰذَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاثِمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَى لِلْفُقَرَاءِ». وَكَانُوا يُؤَنِّبُونَهَا. 6أَّما يَسُوعُ فَقَالَ: «ٱتْرُكُوهَا! لِمَاذَا تُزْعِجُونَهَا؟ قَدْ عَمِلَتْ بِي عَمَلاً حَسَناً. 7لأَنَّ ٱلْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَمَتَى أَرَدْتُمْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِمْ خَيْراً. وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ. 8عَمِلَتْ مَا عِنْدَهَا. قَدْ سَبَقَتْ وَدَهَنَتْ بِٱلطِّيبِ جَسَدِي لِلتَّكْفِينِ. 9اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهٰذَا ٱلإِنْجِيلِ فِي كُلِّ ٱلْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هٰذهِ، تَذْكَاراً لَهَا».

دخل يسوع إلى بيت سمعان الأبرص في بيت عنيا والأغلب أنه كان قد شفاه سابقاً. فنرى في هذا الرجل الذي شُفي خلاصة عمل المسيح المخلص ظاهراً. ولم يترك الرب المطهّر المشفي وحده على انفراد، بل زاره وقوّاه وأكرمه بحضوره مع جملة تلاميذه، حتى ا يكون منفرداً بعد ارتفاعه. وحضر ضيوف آخرون رغم المراقبة والاضطهاد. فالجميع اشتركوا في وليمة مباركة.

وحضر أيضاً لعازر الذي أقامه يسوع من بين الأموات، مع أختيه (يوحنا 12: 1-8). فالحضور كان في ذاته بياناً على سلطان الله في المسيح يسوع الذي غلب جميع الأمراض والخطايا، وحتى الموت. إنما قصد يسوع العلاج الأخير ونزع جذور الشر بمحو خطية الالم.

وقد أدركت مريم أخت لعازر ببصيرتها الإيمانية، وبقلبها العطوف الشاعر بدقة من هو يسوع. وأدركت معنى هذه الوليمة الأخيرة. وشعرت باقتراب الساعة الأخيرة. وفهمت أنه لا يبقى وقت إلى قليل، لتظهر شكرها ليسوع الشافي.

فركضت إلى بيتها وأتت بكنزها قارورة الطيب، التي ربما وفرتها لعرسها الخاص. فكسرت القارورة وسكبتها كلها على رأس ورجلي يسوع المتكئ في الوليمة. فلم تر طريقة أخرى لتعبر عن شكرها واحترامها للذي غلب الموت والمرضى غافراً الذنوب.

وقبِل يسوع هذه المسحة. وأدرك منها الرمز والدلالة من أبيه، الذي سمح بمسحته كرئيس الكهنة لموته الخاص وذبيحة ذاته.

كان يسوع منذ الأبد الممسوح بملء الروح القدس. لأن فيه حل كل ملء اللاهوت جسدياً. ولم يحتج إلى مسحة جديدة. إنما منحته محبة أبيه تقوية إيمانه حتى نظر يسوع مطمئناً إلى موته، فأنبأ بكل صراحة عن موته القريب ودفنه الحقيقي، لكيلا يستنتج منقبوله لهذه المسحة رجاء خاطئاً، كأنه متقدم إلى قبول العرش في الأمة أو عرسه الخاص. استعد يسوع لموته وأعد تلاميذه إلى وحدتهم ومسؤوليتهم.

وللأسف لم يفهم أتباعه معنى ما فعلته المرأة الدقيقة المشاعر. فالرائحة الزكية من الطيب الثمين دخلت إلى أنوفهم. فابتدأت عقولهم بالحساب. وربما صندوق الجمعية لم يكن مملوءاً بسبب الاضطهاد. أو قد يكون يسوع قد وزع التبرعات كلها كاملة إلى لفقراء. على كل حال، فالبعض وسوس بينهم، والمتكلم أكثر كان يهوذا الاسخريوطي: لو أن مريم أعطت لنا قارورة الطيب الثمينة هذه، لبعناها وربحنا ثمناً كبيراً. فكان ممكناً أن نساعد كثيرين من الفقراء. فتذمر يهوذا وغضب لأجل هذا الإتلاف بلا فائدة.

وقرأ يسوع أفكارهم، وأصاب المتمردين في لب قلوبهم. وحكم على جميع مصلحي العالم، وأحلامهم ووعدوهم الكاذبة بقوله: الفقراء معكم في كل حين، حتى في فردوس العمال والفلاحين. ما دامت الأرض بعيدة عن الله يتكاثر المساكين والمرضى والجائعون غربا وشرقاً عند الرأسماليين. وعواصمهم بلا رحمة. كما عند الاشتراكيين، ونظامهم الدقيق.

فلا ينتهي الضيق والظلم في عالمنا، إلا بمجيء يسوع. هو وحده سينهي المأساة.

وقد أظهر الرب لنا الطريقة الفضلى لمساعدة الفقراء والمساكين. لم ينشئ مؤسسة خيرية، ولم يدعُ إلى أنظمة العون، بل قال إن اردتم تقدرون أن تساعدوا الفقراء في محيطكم. لا تعطوهم صدقة لتتخلصوا منهم، وترجعوا بعدئذ إلى قصوركم. بل انحنوا إليموانزلوا لمستواهم، واهتموا بهم شخصياً، لربما يحتاجون إلى أدوية أو إلى كلمة تعزية، أو مكان عمل، أو تدريب مهني، أو منحة دراسية. اطلبوا من الرب الحكمة لمحبتكم. لتخدموا المساكين ولا تهتموا لأجل أنفسكم فقط. الفقراء هم هدف محبة الله.

لم يطلب يسوع منا مالاً بالدرجة الأولة، بل قلوباً، ليملأها برحمته ومححبته، وليجند إرادتنا بعزم وثبات في خدمة المساكين.

وكل من يريد أن يخدم ويساعد ويصلي حقاً للرب، أن يرشده إلى خدماته الحكيمة. هذا يختبر أن الرب سوف يرشده حقاً ويمنحه القوة. ليس ليغلب الفقر في العالم كله. كلا بل ليساعد بعض المساكين في قربه. حقاً عملياً بود ورأساً ملموساً.

هل سمعت دعوة يسوع هذه. فماذا تفعل..؟ أتستمر في جمع المال؟ وتضمن نفسك وعائلتك؟ ضحى المسيح بذاته فماذا تقدم له شكراً لذبيحته؟ ضحت مريم آنذاك بكنز حياتها ليسوع. فعملت ما قدرت. وأعطت كل ما عندها لتمجيد ربها.

الصلاة: أيها الرب يسوع أنت ابن الله. نسجد لك لأنك المحبة. وبذلت حياتك ذبيحة كاملة لأجلنا ونحن أشرار. علمنا تغيير الفكر لكيلا نساعد أنفسنا بأنفسنا. أو نتكل على عون الآخرين. بل نستعد لخدمة الفقراء والمساكين العائشين وأرن الطريقة الفضلى لمساعدته. وامنح لنا الإرادة والقوة لخدمة أمينة. يا رب، امنح لنا فكرك. آمين.

السؤال: 2 - ماذا نتعلم من مسحة يسوع، بواسطة مريم، والنقاش الذي جرى بعد هذه المسحة؟

3 - خيانة يهوذا الاسخريوطي (الأصحاح 14: 10-11)

10ثُمَّ إِنَّ يَهُوذَا ٱلإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَاحِداً مِنَ ٱلاِثْنَيْ عَشَرَ، مَضَى إِلَى رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ لِيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِمْ. 11وَلَمَّا سَمِعُوا فَرِحُوا، وَوَعَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً. وَكَانَ يَطْلُبُ كَيْف يُسَلِّمُهُ فِي فُرْصَةٍ مُوافِقَةٍ.

أصاب يسوع يهوذا الاسخريوطي، بجوابه المدافع عن مريم التي مسحته بالدهن. وكان يهوذا مستاء ومجروحاً، لأن يسوع جرده أمام الجميع. وخاصة لأن معلمه وقف إلى جانب المرأة، ولام يهذوا. وسمع في جواب يسوع التهمة الخفية أن إرادته ليست مساعدة الفراء دائماً، بل الاحتفاظ بالأموال لنفسه.

وفوق ذلك تكلم يسوع عن موته القريب. ولم يتلفظ بكلمة عن تقدم ملكوت الله السياسي والظهور التطوري الاشتراكي الخيري.

بعد ذلك الإعلان، انكسرت في اليهودي الوحيد في حلقة التلاميذ آماله وأحلامه. قد رأى سلطان يسوع، مفكراً أن فيه مربحاً. واختاره يسوع وأرسله مع تلاميذه الآخرين، ليبشر ويشفي ويطرد الشيطاين. وقد اختبر في هذه الخدمات أن لا شيء يقدر أن يحد سم يسوع.

فكان يهوذا في البداية متحمساً من شخصية يسوع وسلطته. ولكن الرب تكلم أكثر فأكثر عن الوداعة والتواضع والقناعة. ولم يدربهم للغلبة على الرومان، أو الإدارة في خدمات الوزراء. بل وضح مملكته الروحية بدون جيوش وكنوز ولا ذكر لحياة مريحة ولا فاهية.

وبجانب هذا كله أعلن المجلس الأعلى لليهود في البلاد كلها رسمياً، أن يسوع هو نبي كذاب، ومضل الأمة. ويحسب مرفوضاً ومهدر الدم، وكل من يتبعه يحرم من الأمة ومن العهد مع الله، ولن تحل بركة على تلاميذه، بل يلحقهم غضب الله.

هذه الأفكار دفعت يهوذا للقرار أن يخلص نفسه في اللحظة الأخيرة، ويهرب من السفينة لينتقم من يسوع وتلاميذه. وعرف جميع اليهود أين موقع بيت رئيس الكهنة، الذي أعد مكافأة للذي يعطي خبراً مكفولاً عن شخص يسوع المطلوب. فتقدم إليه في غضبه، ودل إلى محور السلطة اليهودية بحقد وأظهر استعداده ليسلم يسوع فوراً.

وكان رؤساء الكهنة مندهشين أن يروا تلميذاً من الحلقة الداخلية، ورسولاً مدعواً من يسوع. واعتبروا انفصاله عن حركة يسوع، علامة مشجعة لهم، أن تهديدهم أتى بثمار حتى في أتباع الناصري الأمناء، دلالة على تلاشي وتبدد المذهب الجديد. ففرحوا وهموا الخائن، أنهم لن يعطوه مكافأة فورية لإخباره، بل وعدوه بمبلغ ملموس، حالما يسلمه شخصياً. وفي هذه الحالة أصبحوا مستعدين أن يحكموا على يسوع قبيل العيد، لأنهم أدركوا أن فرصة نادرة مثل هذه لا تأتي مرة أخرى.

منذ هذا الوقت ابتدأ يفكر يهوذا كيف يسلمه بدون ضجة. فلم يتلعب التلميذ بإمكانية الخيانة كفكر في قلبه، بل خططها عمداً بحدة عقله، ليقطع رأس الحركة المسيحية، التي لم تساعده إلى مقام في الأمة. حيث تمنى أن يكون مسؤولاً عن الأمور المالية الاقتصادية النامية.

وربما نوى يهوذا أن يجبر يسوع في مقابلة مع المجمع الأعلى، أن يعلن غصباً عنه، سلطانه واستحقاقه بأعجوبة قاطعة، ليظهر ملكوت الله فجأة بواسطة حيلة يهوذا.

إنما الأغلب أنه خان يسوع مدفوعاً من حقده، منتقماً منه في غيظه. وليس بطريقة التخطيط الحكيم. قد حل الشيطان في الرسول المدعو وجعله من أتباع الشرير (لوقا 22: 3، يوحنا 13: 2 و27).

ما أعظم السقوط والارتداد. تلميذ يسوع المختار المفوض للخدمة، المار في دروس ابن الله، أبغض أخيراً ربه، حتى قرر خيانته بدون ضمير.

نحزن ونتألم من هذا التعبير والتقسي، في قلب إنسان، قد سمع كثيراً من كلمات يسوع. وشاهد أعماله في دنيانا، وشعر بمحبته اللطيفة، واختبر قوته السماوية. قد أغلق يهوذا على نفسه ضد بنيان يسوع الروحي. وتبعه بجانب كل التدين والخدمات متمسكاً أهدافه الخاصة. ولم يترك خطاياه المتأصلة فيه. فقد أصبح رمزاً لمسيحي منفصم على ذاته. الذي يعارض جذب الروح القدس.

أيها القارئ العزيز. امتحن نفسك حيث ترتبط بأفكار وأعمال مضادة لله، رغم إيمانك بيسوع. هل سلمت لربك أموالك وحياتك؟ وحساسيتك الدقيقة وطموحك إلى السلطة؟ وهل تتلاعب بآمال سماوية في طرق دنيوية؟ لا تغرر نفسك. الله لا يسمح أن تستهزئ به. هو يريدك كاملاً ومقدساً وإلى الأبد.

الصلاة: أيها الرب القدوس لست أفضل من يهوذا وأخجل لأجل حبي للمال. وتعرف حساسيتي بالنسبة للكلمات المحرجة. وتعرف أني أريد أن أكون محور الجميع. اغفر لي ذنبي، وخلصني من نفسي. لأنكر ذاتي بقوتك، واضع جسدي ذبيحة شكر على مذبح نمتك. خلصني يا رب خلصني وامسحني، لكي لا أقدر أن أخطف نفسي من يدك. لكيلا أصبح خائناً لكنيستك. آمين.

السؤال: 3 - لماذا قصد يهوذا خيانة يسوع وتلاميذه؟

4 - تجهيز الفصح (الأصحاح 14: 12-16)

12وَفِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَوَّلِ مِنَ ٱلْفَطِيرِ. حِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ ٱلْفِصْحَ، قَالَ لَهُ تَلامِيذُهُ: «أَيْنَ تُرِيدُ أَنْ نَمْضِيَ وَنُعِدَّ لِتَأْكُلَ ٱلْفِصْحَ؟» 13فَأَرْسَلَ ٱثْنَيْنِ مِنْ تَلامِيذِهِ وَقَالَ لهُمَا: «ٱذْهَبَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ، فَيُلاقِيَكُمَا إِنْسَانٌ حَامِلٌ جَرَّةَ مَاءٍ. اِتْبَعَاهُ. 14وَحَيْثُمَا يَدْخُلْ فَقُولا لِرَبِّ ٱلْبَيْتِ: إِنَّ ٱلْمُعَلِّمَ يَقُولُ: أَيْنَ ٱلْمَنْزِلُ حَيْثُ آكُلُ ٱلْفِصْحَ مَعَ تلامِيذِي؟ 15فَهُوَ يُرِيكُمَا عِلِّيَّةً كَبِيرَةً مَفْرُوشَةً مُعَدَّةً. هُنَاكَ أَعِدَّا لَنَا». 16فَخَرَجَ تِلْمِيذَاهُ وَأَتَيَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ، وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. فَأَعَدَّا ٱلْفِصْحَ.

نوى يسوع منذ زمان أن يصرف الأمسية الأخيرة مع تلاميذه على الأرض، ويقطع معهم العهد الجديد، كختام لخدمته. ولم يسمح لأعدائه ولا للشيطان تشويش هذه المناسبة المقدسة. فلم يتكلم أمام يهوذا جهراً في أي بيت يحتفل فيه بالفصح مع تلاميذه، بل تلم مع المفوضين لتحضير العشاء بلغز. لكيلا يقدر الخائن أن يخونه.

وبنفس الوقت أظهر يسوع أي نوع من الناس هذا الذي كان مستعداً أن يدخل إلى بيته ويحتفل بعشائه معه.

لقد كان حاملاً جرة ماء. وهذا غير مألوف أن يحمل الرجل جرة ماء، إذ يختص هذا العمل بالنساء. ولكن هذا الرجل لم يخش أن يظهر خادماً. ربما كانت امرأته مريضة. فتواضع وقام بمسؤوليات البيت.

وهذه هي العبارة البارزة: الاستعداد للخدمة حتى يدخل ابن الله إلى بيت إنسان.

وأمر المسيح تلميذيه أن يتبعا هذا الرجل. كأنه يقول، الخدمة مروسمة لكما في المستقبل. لأن المسيح بفضل أن يأتي إلى الخدام وليس إلى المستكبرين. وقال عن نفسه ابن الإنسان لم يأت ليُخدم بل ليخدم، ويبذل نفسه فدية للكثيرين.

وأرشد المسيح تلميذيه ليتكلما إلى هذا الرجل على انفراد. ليس كمستعطيين بل سفيري الرب وأن يبلغاه كلمات يسوع ليفكر بهذه الرسالة المهمة. لأن مجيء المسيح إلى بيت ما يعني شرفاً وبركة من جهة، وخطراً واضطهاداً من جهة أخرى. فلا يليق ان يجباه ليقبل نزول المسيح في بيته. بل بالأحرى يعطياه وقتاً كافياً للقرار النهائي. مع العلم أن المسيح لا يأتي منفرداً إلى بيت إنسان، بل مع تلاميذه. فيملأ البيت بسرور وسلام.

وعلم يسوع مسبقاً أن هذا الرجل، كان مستعداً لقبول ابن الله مهما كلف الأمر. فحيثما يطيع المبشرون في أيامنا إرشاد الروح القدس، يجدون أبواباً مفتوحة، وقلوباً مستعدة. وربما نختبر الرفض والبغضة أحياناً في خدماتنا. لأننا نبشر أناساً لا ييدون الخلاص. فلا يقدرون أن يقبلوه، لأنهم غير مستعدين إلى هذه الدعوة الروحية.

فاطلب من المسيح إرشادك إلى أناس مشتاقين إلى خلاص الله. لأن الروح القدس قد أعدهم.

وأطاع التلميذان كلمة المسيح. ووجدا الرجل وأحضرا في بيته العشاء للمسيح وتلاميذه. فهذا هو هدف خدمتنا ونتيجة طاعتنا، أن نعد الآخرين لمجيء المسيح إليهم. واتحاده بهم في إرشاد الروح القدس.

الصلاة: أيها الرب يسوع، نشكرك لأنك قصدت أن توحدنا معك ومع كل المستعدين لقبولك. اغفر لنا إهمال دعوتك المهمة، وساعدنا لنطيع إرشاد الروح القدس تماماً. حتى نجد الأفراد المشتاقين الى مجيئك. لنبشرهم بخلاصك، وإقبالك إليهم. سادنا لكي لا نتصرف في التبشير حسب امنياتنا بل نطيع كلامك لتجد فعلاً الأفراد المستعدين لسماع إنجيلك. آمين.

السؤال 4 - ما هي العلامة التي تعرف بها التلميذان على الرجل الذي أراد يسوع أن يحضر العشاء في بيته؟

5 - قطع العهد الجديد في العشاء الرباني (الأصحاح 14: 17-25)

17وَلَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ جَاءَ مَعَ ٱلاِثْنَيْ عَشَرَ. 18وَفِيمَا هُمْ مُتَّكِئُونَ يَأْكُلُونَ، قَالَ يَسُوعُ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِداً مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. اَلآكِلُ مَعِي!» 19فَٱبْتَدَأُوا يَحْزَنُوَ، وَيَقُولُونَ لَهُ وَاحِداً فَوَاحِداً: «هَلْ أَنَا؟» وَآخَرُ: «هَلْ أَنَا؟» 20فَأَجَابَ: «هُوَ وَاحِدٌ مِنَ ٱلاِثْنَيْ عَشَرَ، ٱلَّذِي يَغْمِسُ مَعِي فِي ٱلصَّحْفَةِ. 21إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنهُ، وَلٰكِنْ وَيْلٌ لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ ٱلَّذِي بِهِ يُسَلَّمُ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ. كَانَ خَيْراً لِذٰلِكَ ٱلرَّجُلِ لَوْ لَمْ يُولَدْ!».

22وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ، أَخَذَ يَسُوعُ خُبْزاً وَبَارَكَ وَكَسَّرَ، وَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا، هٰذَا هُوَ جَسَدِي». 23ثُمَّ أَخَذَ ٱلْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ، فَشَرِبُوا مِنْهَا كُلُّهُمْ. 24وَقَالَ لَهُْ: «هٰذَا هُوَ دَمِي ٱلَّذِي لِلْعَهْدِ ٱلْجَدِيدِ، ٱلَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ. 25اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لا أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نِتَاجِ ٱلْكَرْمَةِ إِلَى ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيداً فِي ملَكُوتِ ٱللّٰهِ».

أعد المسيح تلاميذه إعداداً كاملاً لتناول العشاء الرباني، وأعلن لهم حقيقة نفوسهم. وقادهم إلى التوبة العميقة بانكسار قلوبهم. لأن في حالة التوبة المستمرة فقط نستحق أن نتناول من العشاء الرباني المبارك.

وقد أعلن المسيح خيانة أحد التلاميذ، الذي لازمهم منذ البداية. وعمل معهم وصلى في شركتهم. وقد عاش الخائن من نعمة المسيح واستغل سلطان الرب لمصلحته. وعندما لم تتم مقاصده احتقر يسوع وأبغضه، حتى صمم على إبادته نهائياً.

وقد أصاب هذا الإعلان الكاشف، التلاميذ وأرعبهم كأنه انفجار قنبلة في وسطهم. فحزنوا جميعأً باضطراب كبير.

ويا للعجب.. لم يتهموا الغير، بل كل منهم وجد في نفسه إمكانية الخيانة كامنة.

هل أدركت هذا الاعتراف الهائل من فم كل رسول؟ فما كان أحد متيقناً من نفسه وتقواه البتة. بل الكل شعروا أن في كل إنسان ينبوعاً للشر، إن لم يخلصه المسيح من الشرير.

طوبى لك إن خجلت لهوة خطيتك، وارتجفت لإمكانية ارتدادك عن المسيح وخلاصه.

وقد أدرك يسوع أن يخلص يهوذا في اللحظة الأخيرة بواسطة هذا الإعلان المستتر. وأحب خائنه، وحاول إنشاء توبة في قلبه بكلمات عاطفية قوية. فلا نرى في كلمات يسوع تضارباً إن قال: إنه مكتوب منذ الأزل أنه يموت ابن الله، ويكون يهوذا بنفس الوقتمسؤولاً عن خيانته.

قد حذره يسوع بوضوح أن ذنبه وقصاصه عظيم، وأنه كان أفضل له لو لم يولد. هكذا حاول يسوع أن يهزّ الشعور الباطني ليهوذا قبل فوات الأوان.

وأما الخائن، فصمم على خيانته، ولم يسمع لكلمات يسوع اللطيفة، ولم يقدر ان يفهمها لأنه تقسى تدريجياً أكثر فأكثر، إلى أن حقد على محبة الله المتجسدة.

أيها الأخ العزيز والأخت العزيزة، تعاليا إلى يسوع منسحقين في قلبيكما بدموع الندامة واعترفا بكل خطاياكما. وهكذا فقط تستحقان تناول العشاء الرباني الذي حضره المسيح، ليس للأبرار الكاملين، بل للتائبين المنكسرين. فاليوم إن سمعتما صوته فل تقسيا قلبيكما.

وأثناء العشاء المبارك شكر المسيح على الخبز المكسور وأبرزه رمزاً لجسده المصلوب. وأمر تلاميذه أن يقبلوه عملياً في قلوبهم كما يدخل الخبز إلى جوفهم.

فالمسيح يشاء أن يسكن فيك حقاً. ليس لأنك صالح، بل لأنه يحبك، ويريد أن يكون معك، بل فيك، في كل حين.

ما أعظم محبة الله التي لا ترفضنا، نحن الخطاة المساكين، بل يحل فينا بواسطة كلمته، وفي العشار الرباني، وبواسطة حلول الروح القدس في قلب المؤمن.

ويسكن الأب والابن والروح في كل من ينفتح للمسيح.

وجعل يسوع الخمر رمزاً لدمه. وقال لتلاميذه أن هذا الدم المبارك سيطهرهم تطهيراً كاملاً. كما أن دفء الخمر يسري في أرفع عروق شاربيه. إن دم المسيح ليس دم إنسان اعتيادي. بل هو دم ابن الله الحاضر في هيئة الإنسان. وقد سفك دمه مرة واحدة. لطهير مستمر أزلي لكل الذين يدخلون بواسطته في عهد جديد مع الله.

فلا ارتباط أو توحيد مع الله ولا تقارب منه، بدون غسل الذنوب. فدم يسوع المسيح يطهرك من كل إثم.

وهذا العهد الجديد ليس مقتصراً على قبيلة أو أمة أو شعب معيّن، بل مفتوح لكل الناس والقبائل والأمم. ومن يشرب هذا الدم الطاهر ويتطهر في ضميره من الذنوب الماضية، ويتقدس أمام الله تقديس النعمة، هذا الإنسان يستحق الدخول والثبات في العهد لجديد.

هل أدركت أن الله القدوس الأبدي يرتبط بالبشر المخلوق العاصي. وأنه يتحد بك وبكل تائب. لأن المسيح بررنا بموته.

هل دخلت أنت واعياً وعازماً إلى العهد مع الله؟ هل حلّ المسيح في قلبك فعلاً؟ وهل غسلك دمه من كل نجاسة وإثم؟

إن الله الآب يدعوك إلى وليمته السماوية اليوم ويقدم لك نعمته كلها في ابنه. فماذا تعمل؟ وكيف تشكره؟

الصلاة: يا حمل الله القدوس. قد ذبحت عوضاً عنا، وأعطيتنا الامتياز لنأكل من جسدك ونشرب من دمك الثمين بواسطة الخبز والخمر في العشاء الرباني. تعال الينا واسكن فينا حقاً وقوّنا إلى الحياة الأبدية. طهرنا من كل مَيْل للخطية. نثبت متحدين مع أبيك ومعك في العهد الجديد إلى الأبد، وننتظر مجيئك القريب لنشكرك لخلاصك بفرح وابتهاج. آمين.

السؤال: 5 - ما هي المعاني المتضمنة في العشاء الرباني؟

6 - الذهاب إلى بستان جثسيماني (الأصحاح 14: 26-38)

26ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ. 27وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ «إِنَّ كُلَّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ ٱلرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ ٱلْخِرَافُ. 28وَلٰكِنْبَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ». 29فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «وَإِنْ شَكَّ ٱلْجَمِيعُ فَأَنَا لا أَشُكُّ!» 30فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ، إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ فِي هٰذِهِ ٱللَّيْلَةِ، قَبْلَ أَنْ يَصِيحَٱلدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ». 31فَقَالَ بِأَكْثَرِ تَشْدِيدٍ: «وَلَوِ ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لا أُنْكِرُكَ». وَهٰكَذَا قَالَ أَيْضاً ٱلْجَمِيعُ.

32وَجَاءُوا إِلَى ضَيْعَةٍ ٱسْمُهَا جَثْسَيْمَانِي، فَقَالَ لِتَلامِيذِهِ: «ٱجْلِسُوا هٰهُنَا حَتَّى أُصَلِّيَ. 33ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا، وَٱبْتَدَأَ يَدْهَشُ وَيَكْتَئِبُ. 34فَقَالَ لَهُمْ: نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى ٱلْمَوْتِ! اُمْكُثُوا هُنَا وَٱسْهَرُوا». 35ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى ٱلأَرْضِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ ٱلسَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. 36وَقَالَ: «يَا أَبَا ٱلآبُ، كُلُّ شيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ، فَأَجِزْ عَنِّي هٰذِهِ ٱلْكَأْسَ. وَلٰكِنْ لِيَكُنْ لا مَا أُرِيدُ أَنَا، بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ». 37ثُمَّ جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَاماً، فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «يَا سِمْعَانُ، أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ َسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 38اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا ٱلرُّوحُ فَنَشِيطٌ، وَأَمَّا ٱلْجَسَدُ فَضَعِيفٌ».

نجد بين الناس أنواعاً مختلفة. بعضهم يمشون كملوك صغار ظانين أنهم أبطال مقتدرون. والبعض يتقيد بالعقد والخوف، حتي يستحوا أن يرفعوا النظر إلى الآخرين، بينما ظهورهم منحنية مضغوطة.

فالأول يوبخ الرب استكبارهم وفخرهم. والآخرون يعزيهم ويشجعهم. ليتغلبوا على الخوف.

إن الله يحب الخطاة مهما أخطأوا ويرشدهم إلى التوبة والإيمان بالمسيح الوديع.

كان بطرس ذا نفوذ بين التلاميذ وسريع الانفعال. ومن مهنته كصياد في البحر اعتاد أن يقف بجرأة أمام الأخطار ويغلبها. ولكنه بنفس الوقت وثق بذاته اكثر من اللازم ولم يدرك حيلة السلطة وقدرة الظلمة المنقضة على المسيح آنذاك. فلم يعرف حدود طاته، ولم ينكسر كبرياؤه.

فاحتج لما كلمهم المسيح عن العثرة الكبيرة الهاجمة على جميع التلاميذ.

الله نفسه سمح بهذه العثرة. وهي من خطة محبته. لأنه قد قرر قبل الزمان أن يضرب الراعي فتتبدد رعيته.

ولم يفهم بطرس معنى تلك النبوة. وكان مستعداً للكفاح، حتى ضد قصد الله وحيلة الشيطان ليحمي المسيح ويحفظه من الموت. فتيقن أنه الأمين وبطل الجهاد. ويظهر من ذلك أن طبرس لم يعرف نفسه حقاً ولا مشيئة الله ولا سلطة الشيطان. فكان لا بد من فشه.

أما المسيح فعرف أن صليبه هو الوسيلة الوحيدة لإطفاء غضب الله، الموشك أن يسقط على رعيته العاصية. فتألم الراعي لأجل الخراف، وفضل أن يموت هو عوضاً عنها.

وكان يسوع متأكداً قبل موته أنه سيقوم ويجمع خرافه المشتتة ليرشدهم ويكثرهم كثيراً. ومنذ ذلك الوقت كان الشعار المعزي للمؤمنين قول يسوع: أسبقكم.

فهو يسبقنا في كل مشاكل حياتنا. فلسنا وحيدين، ولسنا مهزومين. بل هو الراعية الصالح يقف بجانبنا ويقوينا وينتظرنا اينما نصل وحيثما نكون.

ولكن بطرس أراد أن يقود حياته بنفسه. ولم يستمع لتحذير المسيح الواضح وآمن بذاته.

طبعاً لم يقصد إنكار المسيح. وكان صادقاً في عزمه أن يدافع عن يسوع كما شهد التلاميذ له. حتى استعد أن يموت لأجل المسيح أو معه. ولكن كل هذه الكلمات كانت عاطفية. والعواطف غير كافية في اتباع ا لمسيح. لأن الطريق المؤدي إلى جهنم مرصوف بحس النية.

قد أبصر يسوع سقوط بطرس وإنكاره مسبقاً. وحذر مقدام رسله تحذيراً. معطياً له علامة أمانة الله، إذ فسر له صياح الديك عوناً للتوبة.

ولذلك ترى بعض أبراج الكنائس رمز الديك الصائح من نحاس. لكي يفكر كل داخل بذنوبه وعدم قدرته لمكافحة الشيطان والتجائه إلى المخلص القدير تائباً نادماً مستسلماً لمحبته.

لقد فسر لنا بولس معنى اتباع يسوع بقوله: تمموا خلاصكم بخوف ورعدة. لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة.

هذا هو سر الفائزين بطاعة الإيمان أنهم لا يتكلون على أنفسهم ولا يثقون بأمانتهم العاطفية، بل لا يعتمدون على نفوسهم. ولا يؤمنون بقدرتهم الخاصة. ويتقدمون منسحقين إلى المسيح طالبين منه أن يجري مشيئته في ضعفهم. ويسكب قوته في نقصانهم، لتحقق مقاصده اللطيفة بروحه القدوس.

الصلاة: أيها الرب الحنون اغفر لي ثقتي الزائدة بنفسي وامح كل تخيلاتي عن أمانتي، واحفظني من التسرع في الكلام ساعدني لإنكار نفسي بقوتك وامنحني الانسجام بإرادتك وقدني لتنفيذ إرشادات محبتك، لكيلا أضل بل أتبعك حيثما تسبقني أت مع كل الذين يتبعونك بالشكر. آمين.

السؤال: 6 - ما هو خطأ بطرس عندما حذره يسوع؟

7 - صراع يسوع في الصلاة (الأصحاح 14: 39-42)

39وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى قَائِلاً ذٰلِكَ ٱلْكَلامَ بِعَيْنِهِ. 40ثُمَّ رَجَعَ وَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً، إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً، فَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَاذَا يُجِيبُونَهُ. 41ثُمَّ جَاءَ ثَالِثَةً وَقَالَ لَهُم: «نَامُوا ٱلآنَ وَٱسْتَرِيحُوا! يَكْفِي! قَدْ أَتَتِ ٱلسَّاعَةُ! هُوَذَا ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي ٱلْخُطَاةِ. 42قُومُوا لِنَذْهَبَ. هُوَذَا ٱلَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ ٱقْتَرَبَ».

خيّمت ليلة الظلام على العالم وعلى يسوع البار. وتكاثف غضب الله على حامل خطايانا. وانقضت جيوش الشر على نفس أتباعه. وذهب يسوع إلى بستان جثسيماني خارح المدينة. وكانت هناك معصرة زيت رمزاً لشخصيته الداخلة إلى معصرة دينونة الله، ليُعصر عوضاً عنا، وينحسق ليخرج منه زيت الروح القدس إلى آخر نقطة، كما يسحق حجر المعصرة الزيتون ليخرج منه زيتاً.

ارتجف يسوع واكتأب وحون حتى الموت. لا يوجد إنسان يقدر أن يفسر هذا الخوف والرعب إلا من يحبه ويشعر به. فيفسر هذه المرحلة من حياة يسوع قليلاً وبحذر.

ما كان ابن الله خائفاً من الموت، ولا من الشيطان. لأنه صارع سابقاً هذه السلطات الشريرة وغلبها في جسده منتصراً عليها عدة مرات.

إنما بعد تواضعه ورفع خطية العالم في محبته، حجب أبوه العادل القدوس وجهه عنه، وجعله «كبش الخطية» نائباً عن جميع الأمم وقاصصه عوضاً عنا.

لقدارتجف يسوع ارتجافاً عميقاً جداً، لأجل انفصاله عن أبيه أثناء دينونة العالم المنسكبة على شخصه. فجسد المسيح ونفسه البشرية كانت معارضة ومضادة لشرب كأس غضب الله المرير المعد للناس عقاباً لخطاياهم.

فصل الابن صلاة النجدة ليخلصه أبوه من الساعة الرهبية، إن كانت هناك إمكانية أخرى لخلاص العالم. وبارتجاف وسجود كافح لفداء الكون، طالباً طريقاً آخر إن أمكن، دون استجابة من أبيه. ورغم هذه الأمنية انكسر وأنكر نفسه تماماً، ملتمساً تنفيذ رادة أبيه قبل كل شيء. واستعد لشرب كأس غضب الله. وهذا الصراع الرهيب يعلمنا أنه لا توجد طريقة أخرى لفداء العالم إلا بالصليب.

وأتى يسوع إلى تلاميذه، ليساندوه ويشجعوه بصلواتهم أما بطرس الذي كان قبيل دقائق مصراً على مساعدة المسيح مهما كلفه الأمر، فقد استغرق في النوم. بتأثير سلطان الظلمات. فليس إنسان قادراً على غلبة ا لأبالسة وقوتهم من تلقاء نفسه، لأن روح اله وحده هو القادر على حماية المؤمنين ومنحهم الانتصار.

ومن يتكل على نفسه سيرى أنه في الساعة القاطعة تنومنا الظلمة. فالصراع مشلول قبل بدايته. وحذرنا يسوع باختباراته الخاصة، أنه ينبغي علينا أن نستيقظ ونسهر بقوة الروح القدس. ونتعمق في الكتاب المقدس ونصلي باستمرار. لأن دراسة الكتاب المقدسمتواضعاً، تقوي أذهاننا لتمييز الأرواح الشريرة وطرقهم العديدة. وبالصلوات نتغلب على التجارب التي لإبليس المحتال.

ولكن كل من لا يقرأ الإنجيل بانتباه ولايصلي بمواظبة يسقط في التجربة حتماً مع أن إرادة الإنسان مستعدة لخدمة الله. ولكن الجسد ضعيف. فكلنا محتاجون إلى قوة الله ليقوي روحه روحنا ويقودنا إلى الانتصار. فلا تهمل الحقيقة أن الأمور الإيماني والتقدم إلى الله هو مصارعة الأرواح. روح الله وحده يقدر أن يلهمك ويقوي روحك لتغلب شهوات جسدك، وغباوة روحك.

نام كل التلاميذ في تلك المصارعة الروحية، رغم وصية المسيح وأمره بالسهر. وهذا الاختبار يوضح لنا أنه ليس إنسان قادراً لمصالحة العالم بالله. ولا ينتصر أحد على الشيطان إلا يسوع الذي سهر وصلى باستمرار رغم أن جميع أتباعه ناموا. فما أعظم لتعزية بسهر يسوع. لأنه غير نائم الآن في المساء أيضاً إنما هو الساهر ليلاً نهاراً ويشفع فينا رغم أننا نائمون وضعفاء. فأمانته غالبة عدم أمانتنا، وقوته تكمل في ضعفنا.

يا للخسارة الكبرى، كان البشر نائمين في بداية الساعة القاطعة التي أنبأ يسوع عنها مسبقاً مراراً، السماء والأرض انتظرت هذه الساعة. ويظهر أن كل تعليم يسوع لم ينفع التلاميذ، لأن الروح القدس لم يكن قد حل فيهم بعد.

«يكفي». قالها يسوع عند سقوط التلاميذ في الامتحان الإلهي. قال يسوع أخيراً لتلاميذه: «هوذا». وذلك ليفتحوا أعينهم ليشاهدوا العمل الغريب الحادث أمامهم. فكلما نقرأ في الكتاب المقدس هذه الكلمة «ها» إنه يعني افتح عينيك وانتبه. فما كان الهم في تلك اللحظة؟ أن يسوع المسيح القدير خضع لمشيئة أبيه. وسمح أن يقيده الخطاة بعنف. فالخالق سلم نفسه لأيدي مخلوقاته الخطاة.

إنما أقام تلاميذه النيام قبيل هذه الحادثة ليستطيعوا الهرب. وقال لهم: هوذا الخائق يجازي أمانتي بخيانته. أفديه وهو يبغضني، أصلي لأجله وهو يرفضني، ويهلك نفسه بنفسه.

وأنت أيها الأخ، أتنام؟ أم تنتبه لكلمات يسوع ساهراً مصلياً؟

الصلاة: نشكرك أيها الرب يسوع لآلامك التي احتملتها عوضاً عنا. اغفر لنا تخيلاتنا البشرية ونومنا الروحي وأيقظنا بكلامك لنميز التجارب المنقضة علينا. قونا بروحك القدوس لننفذ وصاياك ونتمم إرادتك، ونعظمك لأنك تسهر وتشفع فينا.قد شربت كأس غضب الله لأجلنا.آمين.

السؤال: 7 - لماذا اكتأب يسوع؟

8 - القبض على يسوع وهرب التلاميذ (الأصحاح 14: 43-52)

43وَلِلْوَقْتِ فِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ أَقْبَلَ يَهُوذَا، وَاحِدٌ مِنَ ٱلاِثْنَيْ عَشَرَ، وَمَعَهُ جَمْعٌ كَثِيرٌ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ مِنْ عِنْدِ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةِ وَٱلشُّيُوخِ. 44وَكَانَ مُسَلِّمُهُ قَدْ َعْطَاهُمْ عَلامَةً قَائِلاً: «ٱلَّذِي أُقَبِّلُهُ هُوَ هُوَ. أَمْسِكُوهُ، وَٱمْضُوا بِهِ بِحِرْصٍ». 45فَجَاءَ لِلْوَقْتِ وَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ قَائِلاً: «يَا سَيِّدِي، يَا سَيِّدِي!» وَقَبَّلَهُ. 46فَأَلْقَوْا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهِ َأَمْسَكُوهُ. 47فَٱسْتَلَّ وَاحِدٌ مِنَ ٱلْحَاضِرِينَ ٱلسَّيْفَ، وَضَرَبَ عَبْدَ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ فَقَطَعَ أُذْنَهُ.

48فَقَالَ يَسُوعُ: «كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ لِتَأْخُذُونِي! 49كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ مَعَكُمْ فِي ٱلْهَيْكَلِ أُعَلِّمُ وَلَمْ تُمْسِكُونِي! وَلٰكِنْ لِكَيْ تُكْمَلَ ٱلْكُتُبُ». 50فَتَرَكَهُ ٱلْجَميعُ وَهَرَبُوا. 51وَتَبِعَهُ شَابٌّ لابِساً إِزَاراً عَلَى عُرْيِهِ، فَأَمْسَكَهُ ٱلشُّبَّانُ، 52فَتَرَكَ ٱلإِزَارَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ عُرْيَاناً.

كان يسوع مستعداً أن يسلم نفسه لأعدائه، وقد سبق أن تكلم مع أبيه عن هذه الساعة. ونال القوة ليتحمل الآلام والعذاب بدون تذمر وبغضاء. وحررته صلاته من الضيق المقبل وأعطته القدرة ليتغلب على التجربة بمحبته ووداعته.

لما تقدم يهوذا الاسخريوطي إليه وكانت علامة الخيانة أن يقبّله، تأسى قلب يسوع جداً لأن الخائن جعل علامة المحبة رمزاً للخداع. فروح الشيطان قادر أن يخرج من قلب المرتد أقبح الرجاسات. إنما يسوع لم يلعن الخائن المرتد، بل أنبه بكلمات لطيف وحاول لآخر مرة أ ن يقوده إلى التوبة.

ومع ذلك كان مستعداً ليموت حمل الله الوديع ليفدي البشر الجاهلين.

لم يفهم التلاميذ تصرفه، لأنهم انتظروا إعلان تدخّل جماهير الملائكة. وقد آمنوا بنصر المسيح وإعلان قوة الله.

وأما هناك فقد ظهر يسوع ضعيفاً أسيراً. ولم يعمل معجزة ليخلص نفسه ويبرر أتباعه الذين كانوا معه تحت الاضطهاد بتهمة التجسس زمناً طويلاً. فلم يجدوا معنى في القبض عليه ولا سبيلاً لأنفسهم إلى الهرب، في ليلة اليأس والتشاؤم.

أما الشاب المجهول الذي تبع يسوع من بعيد المذكور في هذه الحادثة، فربما كان مرقس كاتب هذا الإنجيل، والمرجح أنه ابن الرجل الذي صنع للمسيح العشاء الرباني في بيته. ولعل الشاب سمع كل الأقوال التي تكلم بها يسوع في هذه الوليمة الإلهية، وتثر من قطع العهد الجديد. وتبع موكب يسوع من بعيد.

إنما في لحظة القبض عليه هيرب أيضاً وفضل الركض في الليل بلا ملابس على أن يتألم في شركة يسوع. وأراد مرقس بذكر هذه الحادثة ان يعرتف بحقيقة نفسه أنه غير مستحق لكتابة إنجيل المسيح إذ هرب كجميع التلاميذ. ولكن المسيح بقي أميناً.

أيها الأخ هل أنت ثابت في المسيح؟ أم تحب الشهرة والغنى؟ احترز لكي تختار التواضع والقناعة والوداعة كما عاش المسيح فتب في إرشاد الروح القدس وأنكر نفسك واغلب شهواتك ما دام وقت.

عندما سلم يسوع نفسه لأيدي البشر، أيقظ بطرس. فهب بطرس من نومه وفي ثورة غضبه ضرب رأس أحد العبيد وأصاب أذنه وقطعها، وأراد بطرس أن يفي بوعده لأنه لم يكن قد فهم طريق الله بعد. وكان نائماً في الساعة الهامة قبيل المعركة ولم يدخل في التجرة.

وبضربته منع العبد المسكين من إمكانية سماع الإنجيل. ولكن يسوع بمحبته شفى عدوه. وتمم دستور ملكوته بمحبة الأعداء. وأراد يسوع أن يسمع هذا العبد إنجيله أيضاً بأذنيه الصالحتين ويتغير إلى لطفه.

تكلم يسوع المقيّد وسط الضجيج مع العساكر. وأظهر نفسه، وبرهن للقابضين عليه أنه ليس عليه علة أو خطية ما. ولم يحق للجنود أن يقيّدوه كلص، لأنه بريء لكن لأجل إتمام النبوات وافق يسوع على تسليم نفسه لأعدائه في إرشاد الروح القدس، وكان تحت صرف ملايين من الملائكة، مع جيمع القوى السماوية، وغفر آثامه بموته على الصليب وأهله بروحه ليشهد بانتصار خلاصه.

الصلاة: أيها الرب يسوع وداعتك تفوق عقولنا وتواضعك يكسر كبرياءنا، ولطفك يذوّب قساوة قلوبنا، اغفر لنا غرورنا وشهوتنا الى المال وخيانتنا وابتعادنا عنك. سامحنا إن لم نفهم طرق روحك القدوس ولم نتمم مقاصد محبتك. ثبتنا في لطفكواملأنا بمحبتك لنتبعك مطيعين، حمداً وشكراً لعظمة نعمتك. آمين.

السؤال: 8 - مم تأثرتَ في قصة القبض على يسوع؟

9 - يسوع أمام المحكمة الدينية (الأصحاح 14: 53-65)

53فَمَضَوْا بِيَسُوعَ إِلَى رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، فَٱجْتَمَعَ مَعَهُ جَمِيعُ رُؤَسَاءِ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخُ وَٱلْكَتَبَةُ. 54وَكَانَ بُطْرُسُ قَدْ تَبِعَهُ مِنْ بَعِيدٍ إِلَى دَاخِلِ دَارِ رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ، وَكَانَ جالِساً بَيْنَ ٱلْخُدَّامِ يَسْتَدْفِئُ عِنْدَ ٱلنَّارِ. 55وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةً عَلَى يَسُوعَ لِيَقْتُلُوهُ فَلَمْ يَجِدُوا، 56لأَنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً، وَلَمْ تتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ. 57ثُمَّ قَامَ قَوْمٌ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ زُوراً قَائِلِينَ: 58 «نَحْنُ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: إِنِّي أَنْقُضُ هٰذَا ٱلْهَيْكَلَ ٱلْمَصْنُوعَ بِٱلأَيَادِي، وَفِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أَبْنِي آخَرَ غَيْرَ مَصْنُوعٍبِأَيَادٍ». 59وَلا بِهٰذَا كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ تَتَّفِقُ. 60فَقَامَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ فِي ٱلْوَسَطِ وَسَأَلَ يَسُوعَ: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ مَاذَا يَشْهَدُ بِهِ هٰؤُلاءِ عَلَيْكَ؟» 61أَمَّا هُوَ فَكَانَ سَاكِتاً وَلَمْ يُجِب بِشَيْءٍ. فَسَأَلَهُ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ أَيْضاً: «أَأَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱلْمُبَارَكِ؟» 62فَقَالَ يَسُوعُ: «أَنَا هُوَ. وَسَوْفَ تُبْصِرُونَ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ ٱلْقُوَّةِ، وَآتِياً فِي سَحَابِ ٱلسَّمَءِ». 63فَمَزَّقَ رَئِيسُ ٱلْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ: «مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟ 64قَدْ سَمِعْتُمُ ٱلتَّجَادِيفَ! مَا رَأْيُكُمْ؟» فَٱلْجَمِيعُ حَكَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَوْجِبُ ٱلْمَوْتِ. 65فَٱبْتَدَأَ قَوْمٌ َبْصُقُونَ عَلَيْهِ، وَيُغَطُّونَ وَجْهَهُ وَيَلْكُمُونَهُ وَيَقُولُونَ لَهُ: «تَنَبَّأْ». وَكَانَ ٱلْخُدَّامُ يَلْطِمُونَهُ.

اجتمع نواب اليهود لمحاكمة يسوع والقضاء عليه بالبغض والحسد. وكان معظمهم قد عزموا على أن يبيدوا الشاب الناصري، لأنه أقلق الأمة حسب زعمهم. فخافوا من تدخل السلطة الرومانية والحرب الجديدة.

ولكن إخفاء لحقدهم حاولوا التصرف بمظاهر الحق الشرعي، وفتشوا على شهود زور ماكرين ليبرهنوا معاً على أن يسوع مخطئ حسب الشريعة، وأنه مجدف ومضل. ولكن الشهود الأشرار المستأحَرين لم يقدروا أن يأتوا بأدلة متوافقة. فسقطت الدعوى لأنه لم تتفقأقوال الشهود بتفاصيلها التامة.

كذلك كانت شهادة الشاهدين الاخيرة باطلة من أساسها بخصوص كلمة ا لمسيح عن الهيكل. لأنه لم يقل البتة أنا أنقض الهيكل (يوحنا 12: 19) بل قال اهدموا أنتم الهيكل وأنا أقيمه في اليوم الثالث. مع العلم أنه قصد هيكل جسده وقيامته الخاصة.

فتخاصم اليهود حول كلماته وتفسيراتها. ولم يدركوا صميم الموضوع: أن يسوع المسيح الواقف في وسطهم، هو هيكل الله الحي الذي حل فيه ملء اللاهوت جسدياً.

وصمت يسوع أمام أكاذيب البشر صمتاً كاملاً متكلاً على أبيه. أنه لا يسلمه إلى الصليب بسبب الأكاذيب التافهة بل تعبيراً عن محبته للخطاة. واضطرب أعضاء المجلس من صمت المسيح لأن سكوته دان مكرهم، وتكلم صمته بأوضح بيان. فلم يخف يسوع ولم يبا بأعدائه المحيطين به، بل سلم نفسه تماماً إلى هدى أبيه الأمين.

أخيراً بعد فشل الاستجواب، قام رئيس الكهنة قيافا واستحلف يسوع رسمياً أمام مجلس الأمة أن يعترف أمام الله إن كان هو المسيح ابن الله الحي أم لا؟ وربط في سؤاله اللقبين سوية ليؤكد تهمة ضد يسوع تضمن موته، لأن اليهود كانوا منتظرين مسحياً وياً يؤيده الله بقدرته. فلا يقف مقيداً محتقراً في وسط المحاكمة.

واعتبر الكهنة والنواب الادعاء من أي إنسان أنه ابن الله تجديفاً مريعاً لأن الله واحد، لا شريك له، ساكناً في المجد والنور السماوي.

وانتصب أمام مجلس أمته وأجابهم بجملة واحدة قاطعة - وهم خبراء التوراة - موضحاً من هو، وماذا يعمل، وكيف سيكون مستقبله؟ وهذا الجواب الشامل الحكيم هو من أعظم كلمات الكتاب المقدس فادرسه واحفظه في قلبك.

لم ينكر المسيح جوهره الحقيقي لينجي نفسه بكذب، بل قال «أنا هو»... وهذه العبارة هي ركيزة العهد القديم وأساس العهد الجديد. فبهذه العبارة أوصى الرب، بالوصايا العشر قائلاً «أنا هو». وأعلن نفسه أيضاً لموسى في العليقة الملتهبة في البرية.وهكذا ذكر المسيح نفسه مرات عديدة في إنجيل يوحنا «إني أنا هو». فالمسيح لم يسمّ نفسه ابن الله فقط، بل أوضح بقوله أن الله بالذات حال فيه، رغم أنه واقف مقيداً وسط الشيوخ الذين أخذتهم المفاجأة.

وعرف يسوع أن اعترافه هذا يعني له الموت حتماً. لكنه أبصر أكثر من هذا ورأى السماء مفتوحة. وأعلن قيامته الخاصة مسبقاً، مع صعوده ووصوله إلى أبيه وجلوسه عن يمينه في مكان العظمة لأنه خلص البشر وحده. والجلوس عن يمين الله كان محفوظاً للميح حسب الوعد: «قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ» (مزمور 110: 1).

وبهذه العبارة قال يسوع للشيوخ السبعين أمامه أنهم ليسوا هم الذين يدينونه، بل بالعكس أن الله سيضع أنفسهم موطئاً لقدمي يسوع. وبوحي آخر من (سفر دانيال 7: 13) شهد الشاب الناصري لقضاته المتعلمين أنه هو في الحقيقة القاضي الأزلي إذ سمى نفس ابن الإنسان الآتي في سحب السماء ليدين الأحياء والأموات.

كل إسرائيلي آ نذاك يعرف معنى هاتين الآيتين اللتين وحدّهما المسيح في جملة واحدة. للاعتراف بمسيحيته أمام مجلس الأمة. وقد برهن بهذه الكلمات الموجزة العميقة أنه ابن الله الحي والمسيح الحق والقاضي الأزلي والرب بالذات. فكان على الحضور اسجود حالاً. أن يسجدوا له ويستقبلوه بهتاف وخضوع مع التسابيح.

وهكذا لم يبق لزعماء إسرائيل حل آخر إلا أن يستسلموا ليسوع فوراً أو يحكمون بموته. فاتهموه بالتجديف وحكموا عليه بالموت وضربوه جهراً. علامة أنهم غير مشتركين في هذا التجديف، لكي لا يحل عليهم غضب الله.

قد وقف أمامهم حمل الله الوديع صامتاً واحتمل الغبظ والبغضة بدون أن ينطق بكلمة واحدة. فالبشر في عصيانهم ضربوا ابن الله في وجهه. فما هو موقفك أنت؟ هل تسجد له وتحبه؟ أم ترفضه وتشترك في صلبه؟

الصلاة: أيها الرب يسوع الحي. أنت ربي وإلهي وقاضيّ وفاديّ. أستودع روحي ونفسي وجسدي بين يديك مع كل إخوتي وأخواتي. اغفر لنا جبننا وذنبنا وقدسنا الى التمام لنشهد بألوهيتك بدون خوف. وعلمنا انتظار مشيئتك، لأنك جالس عن يمين اله وستأتي قريباً في مجد عظيم. آمين.

السؤال: 9 - ما هو معنى جواب يسوع أمام مجلس اليهود؟

10 - إنكار بطرس ليسوع (الأصحاح 14: 66-72)

66وَبَيْنَمَا كَانَ بُطْرُسُ فِي ٱلدَّارِ أَسْفَلَ جَاءَتْ إِحْدَى جَوَارِي رَئِيسِ ٱلْكَهَنَةِ. 67فَلَمَّا رَأَتْ بُطْرُسَ يَسْتَدْفِئُ، نَظَرَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: «وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيِّ!» 68فَأَنْكَر قَائِلاً: «لَسْتُ أَدْرِي وَلا أَفْهَمُ مَا تَقُولِينَ!» وَخَرَجَ خَارِجاً إِلَى ٱلدِّهْلِيزِ، فَصَاحَ ٱلدِّيكُ. 69فَرَأَتْهُ ٱلْجَارِيَةُ أَيْضاً وَٱبْتَدَأَتْ تَقُولُ لِلْحَاضِرِينَ: «إِنَّ هٰذَا مِنْهُمْ!» 70فَأَنْكَرَ أَيْضا. وَبَعْدَ قَلِيلٍ أَيْضاً قَالَ ٱلْحَاضِرُونَ لِبُطْرُسَ: «حَقّاً أَنْتَ مِنْهُمْ، لأَنَّكَ جَلِيلِيٌّ أَيْضاً وَلُغَتُكَ تُشْبِهُ لُغَتَهُمْ». 71فَٱبْتَدَأَ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: «إِنِّي لا أَعْرِفُ هٰذَا ٱلرَّجُلَ ٱلَّذِي تَقُلُونَ عَنْهُ!» 72وَصَاحَ ٱلدِّيكُ ثَانِيَةً، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ ٱلْقَوْلَ ٱلَّذِي قَالَهُ لَهُ يَسُوعُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلاثَ مَرَّاتٍ». فَلَمَّا تَفَكَّرَ بِهِ بَكَى.

لم يرد بطرس أن يترك يسوع أبداً. وكان متأكداً أنه سيراه منتصراً في آخر لحظة معلناً مجده الخاص كابن الله الغالب، أمام المجمع اليهودي بأعجوبة مبهرة.

وعزم مقدام الرسل أن يفي بوعده الذي قطعه أمام المسيح أنه يرافقه مهما كلفه الأمر. غير عالم أنه لا إنسان يقدر أن يفي نذراً لله بالتمام، أو كما يليق. لأن النذور مبنية على الإيمان بالذات الضعيفة، وتفشل في التنفيذ والتطبيق.

العالم يكشف أتباع المسيح بسرعة لأن وجوههم تعكس لطف المسيح، وأخلاقهم تفيض بأقوال نقية، عفيفة. فلا يخفى جوهرهم، والعالم يشعر بروحهم من بعيد.

هكذا اكتشفت الخادمة البسيطة بطرس المختبئ، الذي لم يشارك ربه بالقيود والعار، بل تبعه من بعيد في الليل الحالك، فكان بطلاً جباناً. وهكذا كان الاستعداد للإنكار موجوداً في نفسه منذ البداية. ولأنه لم يرد أن يكتشفه أحد، أخفى أتباعه للمسح بكذبة بيضاء. وهكذا أنكر بطرس معلمه بالتمام، ونسي اعترافه الموحى به من الروح القدس سابقاً، أن يسوع الناصري هو المسيح ابن الله الحي. فضحكت جهنم لإهمال بطرس وحجته الكاذبة. وصياح الديك كان صدى لسخرية الشياطين من ابتعاد مقدام الرسل عن سيده فأصبح بطرس باتباعه المهتز غنيمة هينة لأبي الكذابين. فهل أنت تؤمن بالمسيح مخلصاً أو يتردد إيمانك لعدم ولادتك من الروح القدس؟

وأكملت جهنم نصرتها، لأنها لم تكتف بالأكاذيب الصغيرة والحجج المتسرعة، بل قادت بطرس إلى الرفض الظاهر. فأنكر معلمه أمام المرأة الأخرى، وأثبت بإصرار وبدون سهو أنه لا يعرفه البتة.

هل كان بطرس مرتعباً مذعوراً، وأراد دفع الجلد عن نفسه؟ أم أنه احتقر المرأة البسيطة والعبيد الجهال، ظاناً أن يعلن نفسه أمام المجمع فقط لتظهر بطولته في اتباع المسيح؟

ولا نعلم السبب بالتأكيد، ولكن في المناقشة الحادة بين الخادمة وبطرس، انتبه المصطلون حول النار وتفرسوا في بطرس وأصغوا إلى لهجته، فوجدوا أن طريقة نطقه تدل حقاً على أنه جليلي من بلد يسوع. ولم يستغل بطرس الفرصة الفريدة ليشهد ليسوع مخله وعجائبه الشافية، كما عاهده قبلاً، بل لعن نفسه جهراً، إن كان يعرفه قط.

هذا هو هدف الشيطان بالتمام، أن يقود أتباع يسوع إلى إنكار ربهم، ويسقطهم في إهلاك ذواتهم ليتغلب على إيمانهم، ويبعدهم عن يسوع.

قد عرف وأبصر المسيح ذلك الحادث مسبقاً. وأبطل غلبة جهنم في محبته. لأن بطرس لم يبغضه في صميم قلبه كما فعل بهوذا، بل أنكره متسرعاً، وخوفاً من حد السيف. فوقع لفخره الباطل في فخ الشيطان. أما المسيح فعيّن مسبقاً صياح الديك للمرة الثانيةتحذيراً لبطرس، أثناء إنكاره الثالث. فاخترق صياح الديك قلبه الهائج وأدرك إفلاس شرفه. وفهم أنه ليس بطلاً بارزاً، بل كذاباً بطالاً. فارتجف وخاف من القاضي الأزلي واشمأز من نفسه وبكى بكاء مراً.

وبينما كان يسوع يُضرب ويُهان، انتفض مقدام تلاميذه بكاء، منكسراً لكبريائه ومنسحقاً بإدراك ذنبه. وابتدأ المسيح بواسطة هذه الندامة أن يجدد تلميذه. لأنه ليس إنسان طبيعي قادراً أن يدخل ملكوت الله، إلا بعد التوبة النصوحة مع نكران الذات حتى التجديد بالروح القدس.

هل سمعت مرة صياح الديك؟ أنه يذكرك بأنك تابع المسيح. ولكن ربما من البعيد وتشرف على خطر إنكاره وتسقط إلى خطية شنيعة. فليت صياح الديك يوقظك من نومك العميق في الخطية، ويدفعك للاعتراف الصريح أمام المخلص، وتبكي على نفسك الملوثة فتخلص، وحيا إلى الأبد.

الصلاة: أيها الرب يسوع لسنا أفضل من بطرس، وقد أنكرناك ألف مرة في محيط العمل والعائلة والأصدقاء، في خطايا قبيحة. أنت تعرفني، اغفر لي ذنبي وطهرني تطهيراً وحررني من ثقتي بذاتي، لأتكل عليك وحدك مختبراً قوتك في اتّباعك. آمي.

السؤال: 10 - كيف زاد بطرس في إنكاره تدريجياً؟

11 - يسوع أمام المحكمة المدنية (الأصحاح 15: 1-15)

1وَلِلْوَقْتِ فِي ٱلصَّبَاحِ تَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلشُّيُوخُ وَٱلْكَتَبَةُ وَٱلْمَجْمَعُ كُلُّهُ، فَأَوْثَقُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ وَأَسْلَمُوهُ إِلَى بِيلاطُسَ.

2فَسَأَلَهُ بِيلاطُسُ: «أَأَنْتَ مَلِكُ ٱلْيَهُودِ؟» فَأَجَابَ: «أَنْتَ تَقُولُ». 3وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ كَثِيراً. 4فَسَأَلَهُ بِيلاطُسُ أَيْضاً: «أَمَا تُجِيبُ بِشَيْءٍ؟ اُنْظُرْ كَمْ يَشْهَدونَ عَلَيْكَ!» 5فَلَمْ يُجِبْ يَسُوعُ أَيْضاً بِشَيْءٍ حَتَّى تَعَجَّبَ بِيلاطُسُ. 6وَكَانَ يُطْلِقُ لَهُمْ فِي كُلِّ عِيدٍ أَسِيراً وَاحِداً مَنْ طَلَبُوهُ. 7وَكَانَ ٱلْمُسَمَّى بَارَابَاسَ مُوثَقاً مَعَ رُفَقَائِهِ فِي ٱلْفِتْنَةِ ٱلَّذِينَ فِي ٱلْفِتْنَةِ فَعَلُوا قَتْلاً. 8فَصَرَخَ ٱلْجَمْعُ وَٱبْتَدَأُوا يَطْلُبُونَ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا كَانَ دَائِماً يَفْعَلُ لَهُمْ. 9فَأَجَابَهُمْ بِيلاطُسُ: «أَتُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ؟». 10لِأنَّهُ عَرَفَ أَنَّ رُؤَسَاءَ ٱلْكَهَنَةِ كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوهُ حَسَداً. 11فَهَيَّجَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ ٱلْجَمْعَ لِكَيْ يُطْلِقَ لَهُمْ بِٱلْحَرِيِّ بَارَابَاسَ. 12فَسَأَلَ بِيلاطُسُ: «فَمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بِٱلَذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ ٱلْيَهُودِ؟» 13فَصَرَخُوا أَيْضاً: «ٱصْلِبْهُ!» 14فَسَأَلَهُمْ بِيلاطُسُ: «وَأَيَّ شَرٍّ عَمِلَ؟» فَٱزْدَادُوا جِدّاً صُرَاخاً: «ٱصْلِبْهُ!» 15فَبِيلاطُسُ إِذْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ لِلْجَمْعِ مَا يُرضِيهِمْ، أَطْلَقَ لَهُمْ بَارَابَاسَ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ بَعْدَمَا جَلَدَهُ لِيُصْلَبَ.

بعد ليلة مضنية في السجن قادوا يسوع إلى الوالي الروماني المتعجرف القاتل، لأنه لم يكن لليهود آنذاك صلاحية الحكم بإعدام إنسان. فقرر شيوه الشعب السبعون وبينهم رؤساء الكهنة والقضاة المهرة ووجهاء علماء أن يميتوا يسوع بأيدي الأجانب الكفا، ليذاع بواسطة هذا العار في الأمة كلها أن يسوع ظهر ضعيفاً مرفوضاً من الله ومطروداً من رؤساء الشعب.

لم يقل اليهود الماكرون لبيلاطس أنهم يطلبون موت يسوع لأجل شهادته، لأنه ابن الله الحي، والمسيح الموعود. بل أبرزوا أمام المحكمة السياسية أنه جعل نفسه ملكاً وحاكماً ليحرر الأمة من كابوس الاستعمار.

فسأله بيلاطس رأساً وبإيجاز هل أنت ملك؟

لم ينكر يسوع هذا اللقب بل أثبت وأوضح وظيفته الملكية الروحية على الأرض. وكان سهلاً عليه أن ينقذ نفسه لو اقتصر علىالهدف الديني. ولكن لم ينكر حق الله في الشعب كله. لأن العلي لم يرد قلوبهم فقط بل أيضاً حياتهم ومالهم وأوقاتهم وأنظمته. فالأيمان بالمسيح يشمل الفكر أن ابن الله هو المالك وأن هدف المملكة الإلهية هو تجديد العوالم بقوة ربنا يسوع المسيح.

لم يفهم بيلاطس معنى اعتراف يسوع هذا. غير أنه لم يرد فيه متأثراً دموياً بالسيف والعنف، بل إنساناً بسيطاً نقياً مستقيماً. فابتسم وأراد إطلاقه وتبرئته منتقماً من زعماء الأمة اليهودية. ولكن الأوضاع السياسية آنذاك كانت مضطربة مبلبلة فيالدولة الرومانية كلها. فضغظ اليهود عليه بحيل حتى فضل بيلاطس أخيراً إنهاء القضية سريعاً وبدون ضجيج.

وبقي يسوع صامتاً أمام شكاوى اليهود، لأنه قد واجه صاحب السلطة الحاكم بالحق كله مرة واحدة. وكان موضحاً له سر نفسه ومملكته. وعلم يسوع أن نهايته أصبحت قريبة ولم يخف من موته. وهو لم يستعطف البشر بل دان أكاذيبهم بصمته الملوكي.

ويل للإنسان والشعب الذي لم يسمع كلمة الله فيما بعد. لأنها هي الوسيلة الوحدية للنعمة. طوبى للأمة التي يكلمها الله بلطفه أو قساوته. لأنه بعدما يكلمها ينعم عليها ويهتم بالمستمعين ويريد خلاصهم.

أخيراً عرض بيلاطس للشعب كحل وسط أن يختاروا للإطلاق بين قاتل ثائر وحمل الله الوديع، باحثاًً عن طريقة شرعية لنجاة يسوع. وبالحقيقة تلاعب بالحق. إنما الجماهير في كل حين لا تفضل إنساناً متواضعاً يدعوهم إلى التوبة وإنكار الذات، بل يريدن بطلاً متسلطاً يجلب لهم الحرية والمال والعظمة بالقوة. وحرض زعماء اليهود الدينيون آنذاك الأفراد واشتروا بعضهم ليكبلوا يسوع بحكم شعبي قاطع للموت.

وحاول بيلاطس أن يهدئ الأمواج الشعبية العاصية قاصداً إرضاء القيصر، الذي أعدم الولاة العاجزين عن تدبير ولايتهم واستتباب الأمن فيها. فخاف بيلاطس وفضل أن يظل في عطف القيصر على أ ن يحكم بالحق. فكسر الحق وأنزل حكم الإعدام صلباً بيسوع الريء ليخلص نفسه. مرضياً اليهود المشاغبين لراحة الدولة.

تصور ايها الأخ أن البشر حكموا على يسوع. والأتقياء طلبوا صلبه والجماهير تراكضت وصرخت لإبادته. هذا هو روح العصيان من أبي العصاة الذي قصد إقصاء الله ليملك هو بعنف وبغضة وظلم على كل نفس حية.

فمن كنت تختار أنت لو كنت عائشاً في ذلك الزمن وحضرت هذه المحكمة. أباراباس البطل في المغامرات الذي وعد شعبه بالحرية والاستقلال والرفاهية، أم تختار يسوع اللطيف المحتقر، حمل الله الوديع، الذي ظهر ضعيفاً وغافر خطية العالم؟

امتحن اختيارك بتفكير دقيق وقرر مصيرك واشهد لابن الله اليوم لأنه مخلص العالم ويبني ملكوته في قلوب أتباعه.

الصلاة: أيها الرب يسوع أنت الملك الحقيقي. أعترف أمامك بأني أحب الشرف والمال والقوة أكثر من الوداعة والتواضع والقناعة. اغفر لي تفضيلي الرفاهية والاسترخاء على الحق والتضحية. وسامحني إن لم أساعد الأبرياء المقيدين في السجو، وأدافع عنهم بالأمانة. علمني أن أسلك في الحق وأتعلم منك الجرأة في سبيل الاستقامة والصدق الصحيح.آمين.

السؤال: 11 - ما معنى اعتراف يسوع بأنه ملك؟

12 - تعذيب يسوع بالجلد (الأصحاح 15: 16-20)

16فَمَضَى بِهِ ٱلْعَسْكَرُ إِلَى دَاخِلِ ٱلدَّارِ ٱلَّتِي هِيَ دَارُ ٱلْوِلايَةِ، وَجَمَعُوا كُلَّ ٱلْكَتِيبَةِ. 17وَأَلْبَسُوهُ أُرْجُواناً، وَضَفَرُوا إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَيْهِ، 18وَٱبْتَدَأُوا يُسَلِّمونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ: «ٱلسَّلامُ يَا مَلِكَ ٱلْيَهُودِ!» 19وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْجُدُونَ لَهُ جَاثِينَ عَلَى رُكَبِهِمْ. 20وَبَعْدَمَا ٱسْتَهْزَأُوا بِهِ، نَزَعُوا عنْهُ ٱلأُرْجُوانَ، وَأَلْبَسُوهُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ لِيَصْلِبُوهُ.

عندما جلد الجند الروماني يسوع ضربوه بسياط كانت مربوطة بحبالها الجلدية وقطع عظمية لكي تكشط الجلد وتصهر الظهر.

إن السلسلة الفقرية هي من أ كبر أعضاء الجسد حساسية لأن منها تمر الأعصاب الرئيسية. فمن يخرب هذا الصلب يخرب الإنسان نفسه. فالجلد كان تحضيراً للصلب لكي يصبح الجسد قبل رفعه ضعيفاً ويفقد دماً كثيراً. فكل من مرّ من الجلد كان نصف ميت.

وبعد التعذيب كان للعساكر الحق أن يسخروا بيسوع، فعملوا به ما أرادوا. لأن ساعة الصلب لم تأت بعد. فأدخلوه إلى داخل الثكنة الأنطونية ذات الأبراج الأربعة الكثيفة الموضوعة في شمال ساحة الهيكل. وهي كانت مطلة على الهيكل ومحيطة به ليسهل دخل الجند الروماني كلما كانت الحاجة.

والفرقة الموضوعة آنذاك في القدس شملت حوالي 500 إلى 1000 جندي وضابط.

ودعا العساكر المكلفون بتعذيب يسوع زملاءهم ضاحكين وقائلين: اليوم وجدنا غريباً يزعم أنه ملك اليهود، أراد أن يحرض الجماهير إلى الثورة. هيا نسجد له. وقال أيضاً أنه ابن الله فلنسجد له.

ليس أحد من المستهزئين آمن بدعوة يسوع وجلاله، بل رأوا رداءه الملون بالدم. وظهره الممزق وانفراده الصامت. وركض البعض وأتى قاضي الولاية من خزانة ألبسة المسخرة. وضفروا تاجاً من شوك ووضعوه بسخرية على رأسه ضاحكين. فدخل الشوك عميقاً في جينه. ما أعظم الآلام التي احتملها يسوع...

أما يسوع فصمت صمتاً ملوكياً بدون ولولة. ولم تكف آلام الجسد في تعذيبه. بل عذبوا نفسه وروحه أيضاً بتجديفهم قائلين يعيش ملك اليهود الفاشل. إلى الأمام سر يا بطل السائر بدون جيش. يا راكباً على الحمار بدون خطة سياسية. يا شافي بالعجائب وا يشفي نفسه.

والعض ركع أمامه وسجد له. ولم يعرفوا ما يفعلون إذ الشيطان أغمض عيونهم. فجدفوا وسط سجودهم. وليكملوا عارهم ضربوه بقضيب على رأسه وظهره. وكانوا قد وضعوا في يديه قبل ذلك قضيب الملك باستهزاء.

لم يحمل يسع قضيب الملك من ذهب وعاج في يده اليمنى ولا الكرة الأرضية من ذهب في اليسرى، بل أصبح صورة الاستهزاء. ورجال الأمم ضربوه وبصقوا على وجهه. هل بصق مرة على وجهك، على عينيك؟ فما كان رد الفعل فيك؟ انظر إلى يسوع كيف تجاوب؟ قد أحب عداءه وبارك لاعنيه وحمل بغضاء البشر بدون تذمر. قد غلب العالم كله في نفسه.

بعدما فرغوا من كل سخرية وحقد واستهزاء، كامن في قلوبهم البشرية، نزعوا عنه رداء الملك وألبسوه رداءه المخضب بدمه. غير عالمين أن هذا الرداء المصنوع من قطعة واحدة هو شبه رداء رئيس الكهنة الحق. فيسوع كان على الطريق ليصالح الله بالبشر، بذلاً نفسه في سبيل المحبة. ولم يدركوا أن ملك الملوك فدى لنفسه شعباً من الشعوب يلبس صفاته: الوداعة والمحبة، التواضع والجلال، الغفران والقداسة.

الصلاة: أيها الرب يسوع نسجد لك لأن صمتك تكلم بأوضح بيان من كل احتجاج أو دفاع. ولم ترفض في محبتك المستهزئين. نشكرك لأجل صبرك في الآلام ومحبتك في التعذيب. ساعدنا لكيلا نثور في ساعة الاستهزاء ولا نبغض مضطهدينا، بل نغلب أنسنا ونحب أعداءنا ونخلصهم باسمك. نسجد لك ونعد الطريق لمجيئك أيها الملك الموعود حمل الله الوديع. ونستودع بين يديك أنفسنا. أنت ملكنا في المحبة المقدسة. آمين.

السؤال: 12 - كيف عذب عساكر الرومان يسوع؟ وكيف جاوب على استهزائهم؟

13 - حمل الصليب إلى المنتهى (الأصحاح 15: 21-23)

21فَسَخَّرُوا رَجُلاً مُجْتَازاً كَانَ آتِياً مِنَ ٱلْحَقْلِ، وَهُوَ سِمْعَانُ ٱلْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ. 22وَجَاءُوا بِهِ إِلَى مَوْضِعِ «جُلْجُثَةَ» ٱلَّذِي تَفْسِيرُهُ مَوْضِعُ «جُمْجُمَةٍ». 23وَأَعْطَوْهُ خَمْراً مَمْزُوجَةً بِمُرٍّ لِيَشْرَبَ فَلَمْ يَقْبَلْ.

هل حملت مرة ساق شجرة طوله ثلاثة أمتار؟ كان صليب المسيح ثقيلاً ضاغطاً، وكان جمسه فاقد القوة فانهار تحت حمله وسقط.

ما أعظم التعزية لنا. فكان ينبغي على يسوع أن يصبح شبيهاً لنا في كل نواحي الحياة. إنما بقي بلا خطية فيستطيع أن يشفق بنا نسبة لضعفاتنا.

هل تحمل هموماً، وخطايا وأثقالاً، في حياتك؟ هل تضغط عليك مشاكل، بغضة، أو جوع؟ مهما يكن صليبك. المسيح حمله عوضاً عنك. ليس كبطل جبار، بل منكسراً قد وصل إلى نهاية قوته الجسدية. فيسوع يفهمك إن لم تستطع تكميل سبيلك.

لم يرم يسوع صليبه، بل ظل تحته وهو ساقط. وعندما ظهر بعد كل تحريض وضرب أنه بكل إرادته لم يقدر إكمال طريقه، أجبر الجنود يهودياً ماراً أصله من شمال أفريقيا قد أتى إلى فصح حمل الله إلى القدس ليحمل صليب يسوع عوضاً عنه.

المسيح مستعد اليوم أن يعينك. لست وحيداً هو قريب منك، ويعرفك باسمك. أنه يقول لك: «تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم لأن نيري هيّن وملي خفيف».

ونتعلم من هذه الآية كما أن يسوع كان يمشي مع أبيه تحت نير واحد وحرث معه حقل العالم، هكذا يريد يسوع أن يدخل معك إلى شركة كاملة شاملة في الحياة ويشترك معك في حمل أثقالك. ويشركك في بركاته وقوته ودعوته.

هل أنت متيقن من ذاتك ومتكبر في أعماققك وتريد حمل صليبك مستقلاً؟ لا تكن غبياً، المسيح قريب منك ويقبلك تلميذاً إن سلمت له نفسك مع مشاكلك. لا تتباكأ صل وسلم له حياتك، لأن يسوع يحبك هو معين أمين وقدير ومخلص.

لا نعرف من هو سمعان القيرواني بالضبط. ربما رفع صليب يسوع بالغيظ والغضب والاشمئزاز، لأنه تنجس بواسطة هذا العمل حسب طقوس اليهود، إذ رأى أن حجه إلى أورشليم الذي كلفه كثيراً أصبح باطلاً.

ربما نظر إلى عيني يسوع المرمي أرضاً. ورأى الشكر في عينيه، لأن إنساناً واحداً ساعده عملياً - وإن كان غصباً عن إرادته - في طريق آلامه.

وشكر يسوع ظهر بأن ابني سمعان أصبحا بعدئذ مؤمنين مولودين ثانية، عضوين معروفين في كنيسة روما. قد حمل أبوهما صليب يسوع أما يسوع فحمل خطايا الأب وابنيه. فطلع في عائلة القيرواني ثمار أزلية وبركة خالدة.

وصل موكب الصليب خارج سور المدينة إلى مرتفع حيث كانت السوق العمودية للصلبان مغروزة عميقة في الأرض من قبل، معدة لصلب المجرمين. لأنه قبل صلب المسيح تمّ صلب عدة عبيد ومجرمين هناك.

فسمى الشعب المكان جلجثة بمعنى جمجمة. حيث قطعت الرؤوس وشنق اللصوص. ويقول بعض المفسرين أن الهضبة المذكورة تظهر كجمجمة إنسان. فصليب يسوع شق رمز جمجمة البشر، لأن الحكماء في حكمتهم لم يدركوا حكمة الله المتجسد، بل صلبوا رب المجد وأفضل ابشر.

عادة كان يسقى المحكومون بالصلب قبيل صلبهم شراباً مخدراً ليستطيعوا احتمال عاصفة الأوجاع، ولا يشعرون بكل العذاب فوراً. أما يسوع فلم يرد شرب المخدر بل أراد احتمال الموت واعياً، عالماً أن في هذه الساعة الأخيرة من حياته، يأتي الشيطان شصياً ليجربه إلى البغضة والكفر واليأس. ليخطئ خطية واحدة. فيبطل كل أتعاب حمل الله مسبقاً ومستقبلاً.

فأراد يسوع أن يغلب الشرير بيقظة. ورفض كل شكل من التحذير. فاستعد للآلام حتى الموت وقبل الكفاح الأخير في حياته.

الصلا: أيها الرب القدوس أنت أصبحت ضعيفاً وانكسرت تحت صليبك. فاختبرت وتعلم أفضل مني كيف قوتي صغيرة وصبري قصير، وإني أريد رمي الحمل الموضوع عليّ. اغفر لي تذدمري وارحمني أنا الخاطئ. ساعدني لاحتمال أثقالي لتعمل قوتك ومحبتكورجاؤك وإيمانك في ضعفي. واغلب في اسمك التجارب الماطرة عليّ، أنت المنتصر وتنصرني حقاً. آمين.

السؤال: 13 - ماذا نتعلم من حمل يسوع صليبه؟

14 - عملية الصلب (الأصحاح 15: 24-25)

24وَلَمَّا صَلَبُوهُ ٱقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا: مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ؟ 25وَكَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱلثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ.

لم يصف أحد من الرسل بالتفصيل كيفية صلب يسوع فنقرأ عن أثر المسامير المصداة التي سُمر بها على خشبة العار. والأغلب أن الخدام المكلفين بالصلب رموه على الأرض وعروه ودقوا يديه بساق الخشب بدون شفقة.

قف يا قلب وأدرك يا ذهن أن العالم يعذب خالقه، فاخترق اليد الشافية. والدم المسفوك الساقط على التراب قدوس. والمحبة التي لم تهمل أحداً تقتل.

نسجد لك يا حمل الله الوديع ونعظمكيا رافع خطية العالم. قد رفعت ذنبي أيضاً وقدستني إلى الابد.

وحسب العادة رفع المكلفون بالقتل الخشبة المستعرضة التي علق عليها جسم المصلوب، وجعلوها على الخشبة العمودية الواقفة والثابتة على الأرض. وربطوا الخشبة الأفقية بمكان معين عند التقائهما.

وأخيراً سمروا رجليه اللتين طالما مشتا في كل مدن وقرى الأمة، فوق بعضهما بمسامر طويل قوي.

ما أعظم العذاب والدم الطاهر الساقط إلى الأرض الملعونة بسبب عصيان البشر، الذين لم يحتملوا الإنسان المثالي والإله الحقيقي المتجسد، بل صلبوه رافعينه من الأرض، كأنهم يقولون: لا نريد ان يكون بينه وبين الكرة الأرضية علاقة مباشرة. فأبعدو الآتي إليهم بالحقد والبغضة.

الصلب هو قصاص شيطاني لأنه لا يميت المصلوب فوراً، بل أنه يموت عدت ميتات كأنه مقتول عدة فتلات مرات عديدة.

أولا يسحب الجسد المجروح بثقله فتزداد وتكبر جروحه. وبعدئذ يبتدئ تجمد أعصابه وعروقه. حتى يغمى عليه بين الحين والحين. وتهاجمه صور مخيفة ويدق القلب دقات قوية جنونية مرة، بينما يدق بطيئاً مرة أخرى كأنه متوقف عن الحركة. واليأس يزداد مع لتصلب والانهيار النهائي. ربما الصليب من أفظع الإماتات الموجودة على سطح الأرض.

نسجد لك يا حمل الله القدوس لأنك رفعت في جسدك الطاهر خطايا العالم كلها. وكفرت أيضاً ذنوب القارئ الذي يقرأ هذه الكلمات. امنح له الإيمان بالخلاص التام ومصالحته مع الله بواسطة آلامك وموتك.

حدث صلب يسوع صباحاً حوالي الساعة التاسعة. عندما كانت الشمس لطيفة لم تشتد بعد. لأن نهار اليهود يبدأ الساعة السادسة صباحاً. فتكون الساعة الثالثة عندهم الساعة التاسعة عندنا اليوم.

وهذا التوقيت يعلمنا أن المباحثات عند الوالي الروماني وحكمه على يسوع وجلد المحكوم عليه بالموت وطريقه إلى الجلجثة، لم يدم طويلاً إذ أسرع الوالي واليهود بذلك بطريقة روتينية ماهرة وبلا عطف ولا شفقة بل بازدراء.

وهكذا كشيء عادي كقضية لأحد المجرمين جلس العبيد المكلفون بالصلب تحت الصليب واقترعوا لأجل حصولهم على حقوقهم مما ترك المصلوب. وقد حمل رداءه الكهنوتي إلى المنتهى. فلم يريدوا قسمته لكيلا يفقد هذا الرداء الثمين قيمته. فاقترعوا لأجله خاص.

واليوم يسرع الناس في ازدحام الأسواق، ويعدون النقود بين أيديهم، ويفكرون بالأرباح، ويتخيلون بأحلامهم، ولا يلاحظون وجود يسوع وحقيقة صليبه. ولا يشعرون بمعنى ذبيحة ذاته ولا يحرك العطف قلوبهم نحو الذي علق على الصليب بلا خطية وبذل نفسه اقدوسة لأجل الجميع.

أيها القارئ، هل سيرة حياتك موجهة نحو الصليب، هدف حياتك وغاية تفكيرك؟ وهل تتعلق بنعمة الفادي الحنون؟ تعمق الرسول بولس في محبة المصلوب بكل قلبه، حتى كتب: «مَعَ ٱلْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لا أَنَا بَلِ ٱْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ» (غلاطية 2: 20).

وقد أخبرنا لوقا بكلمة يسوع الأولى التي نطقها في اللحظات الأولى لصلبه قائلاً: «يَا أَبَتَاهُ، ٱغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ» (لوقا 23: 34).

وبهذه الصلاة الكهنوتية شمل العبيد ورؤساء الكهنة والوالي الروماني وكل الناس. فلم يلعن رئيس الكهنة الإلهي قاتليه، ولم يرفض جماهير الخطاة بل خلصهم وباركهم وصلى لأجلهم. وحقاً قد استجاب الله القدوس صلاته. أدرك صلاة يسوع الشفاعية وهو معق على الصليب فتخلص وتثبت في الخلاص وتشكره بتسليم حياتك شكراً له.

الصلاة: يا رجل الأوجاع محبتك أعظم من عقولنا وقوتك فاقت في ضعفك. لم تلعن مسمّريك بل صليت لأجلهم وخلصتنا جميعاً. نؤمن أنك شفعت فينا عندما صرخت: يا أبتاه، اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. ساعدنا لنحبك ونرى صليبك دائمً في طريقنا محوراً لحياتنا وأساسا لإيماننا وقوة لأعمالنا. أسلّم نفسي لك يا حمل الله القدوس لأنك رفعت خطية العالم كلها. آمين.

السؤال: 14 - كيف صلب يسوع؟

15- الملك المعلق بين اللصين (الأصحاح 15: 26-28)

26وَكَانَ عُنْوَانُ عِلَّتِهِ مَكْتُوباً «مَلِكُ ٱلْيَهُودِ». 27وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ، وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. 28فَتَمَّ ٱلْكِتَابُ ٱلْقَائِلُ: «وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ».

صفات الملك الصالح هي الحكمة والقوة والعدل والجلال والجودة والصبر والسلطان. ولقد كانت هذه كلها وأكثر منها في يسوع، لأنه ملك الملوك ورب الأرباب ناطق دائماً بالصدق ولم ينكر دعوته عندما استفهم بيلاطس عن ملوكيته.

إنما لم يتباحث عنها ولم يفسرها، لأنه هو هي. قد عيّنه الله الآب ملكاً في عالمنا. لم يحكم على العصاة المتذمرين بعنف بل أحبهم وصبر عليهم. وفضل أن يموت بواسطة أيدي الثوار من أن يبيدهم لأجل ثورتهم. فمات ملك المحبة مقتولاً طوعاً عوضاً ع أن يميت قتلته.

قد أنبأ الملاك جبرائيل معنى اسم يسوع قبيل ولادته بأنه: «سيخلص شعبه من خطاياهم». فأصبح الملك الحق المصالح لشعبه مع الله. وكان له السلطان ليكفر عن العصاة. فلذلك هو الملك الكهنوتي القادر أن يحل أصعب معضلة إذ حرر أتباعه من غضب الله. فحّد في نفسه وظيفتين الملكية ورئاسة الكهنوت. فكان الكاهن الملوكي الذي اجتمعت فيه السلطة والمحبة. الحق والغفران، الجلالة والكفارة.

وكان حكم يسوع إلهياً ظاهراً في محبته القدوسة. قد تألم من قساوة إخوته ولكنه رفع خطاياهم. مجتذباً غضب الله كله على قلبه.

وهكذا صار من الكاهن الملوكي حمل الله بالذات. الذي تألم كثيراً في شعف جسده المعذب.

واليافطة المعلقة فوق رأسه المتوج بالشوك كان مكتوباً عليها: «ملك اليهود». استهزاء بالمصلوب ولإبراز بطلان الملك الواهن. إنما ضعف يسوع كان قوته. فصالح بذبيحة جسده كل الناس مع الله. أين تجد ملكاً في دنيانا يقبل أن يموت لكي يعيش شعبه؟

عادة العكس، الأمراء يضحون بقسم كبير من شعوبهم ليدوموا هم ويتمتعوا بالرفاهية. أما يسوع فليس كذلك، قد تألم لكي لا نتألم نحن، ومات لكي نعيش ونحيا به.

كل تلاميذ يسوع ما عدا يهوذا الاسخريوطي كانوا رجالاً جليليين. أي مزيجاً من الأسباط الإسرائيليين الباقين. ففي يسوع ويهوذ الاسخريوطي نرى ماذا يمكن أن يخرج من الأمة اليهودية. يهوذا احب المال السلطة والشرف فأصبح خائناً لملكه ومخلصه، ولق نفسه أخيراً في اليأس. أما يسوع فبقي فقيراً متواضعاً وأنكر نفسه. وقد انفتح لروح أبيه السماوي وإرشاده انفتاحاً كاملاً، فأصبح مخلص العالم في ذبيحة نفسه.

ليس يهوذا الاسخريوطي وحسب، بل أكثرية اليهود رفضوا يسوع. لأنه طلب منهم التوبة رغم تقواهم المزيفة وناداهم إلى تغيير الذهن رغم أفكارهم الفقهية العميقة، وبشرهم بالرجوع إلى الله رغم فكرهم أنهم متحدون مع الخالق.

فشعب العهد القديم في كبريائه رفض الملك السماوي وسلمه إلى أيدي الوثنيين، إلى موت العار. وبهذا التسليم طردوا يسوع من أمتهم ليعلق بين لصين رمزاً لصيرورته محور العالم النجس كله. فالقدوس بين الفجار، والوديع بين العنيدين.

إنما قصد تدميرصيت ملوكيته في الإهانة البذيئة والضعف الجسدي، أصبح أوضح بيناناً لبرنامجه. الملك الإلهي أراد أن يجعل من المجرمين اللصوص أبراراً قديسين. فطهر النجسين، وجعل من المرفوضين عند الله جنساً مختاراً وكهنوتاً ملوكياً.

كل الناس خطاة. ليس أحد صالحاً كلنا مستحقون الموت على الصليب أنت وأنا. أما يسوع فقد أخذ مكاننا لكي نتغير إلى روحه. فكل من يقبل تعليمه وشخصيته من الأمم والأديان من الملحدين والمتدنيين، يعرف ويدرك أنه مجرم في ذاته ومعلق على الصليب. إما بنفس الوقت مقدساً مطهراً مبرراً بحضور يسوع الملك المرفوض، الذي يبسط اليوم أيضاً يديه أمام العالم كله منتظراً رجوع شعبه المتمرد والإيمان منك أيضاً.

الصلاة: اللهم القدوس أبانا الذي في السماوات. نسجد لك لأنك أرسلت يسوع المسيح ملكاً حقاً، الذي لم يملك بالسلطة العنيفة بل حقق محبته ورحمته بين الناس. قد أدرك فسادنا، ولم يبدنا. بل غفر ذنوبنا عندما مات عوضاً عنا. ساعد كل لهالكين لكي يدركوا ملكهم ونائبهم في غضب دينونتك ويقبلوه شاكرين ليأت ملكوتك اليوم وتكن مشيئتك بواسطة قوة مصالحة كاهننا العظيم وذبيحته الذاتية. آمين.

السؤال: 15 - ماذا يعني اللقب ملك اليهود؟

16 - الاستهزاء بالمصلوب (الأصحاح 15: 29-32)

29وَكَانَ ٱلْمُجْتَازُونَ يُجَدِّفُونَ عَلَيْهِ، وَهُمْ يَهُزُّونَ رُؤُوسَهُمْ قَائِلِينَ: «آهِ يَا نَاقِضَ ٱلْهَيْكَلِ وَبَانِيَهُ فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ! 30خَلِّصْ نَفْسَكَ وَٱنْزِلْ عَنِ ٱلصَّلِيبِ!» 31وَكَذٰلِكَ رُؤَسَاُ ٱلْكَهَنَةِ وَهُمْ مُسْتَهْزِئُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَعَ ٱلْكَتَبَةِ قَالُوا: «خَلَّصَ آخَرِينَ وَأَمَّا نَفْسُهُ فَمَا يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَهَا. 32لِيَنْزِلِ ٱلآنَ ٱلْمَسِيحُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ عَنِ ٱلصَّلِيبِ، لِنَرَى وَنؤْمِنَ». وَٱللَّذَانِ صُلِبَا مَعَهُ كَانَا يُعَيِّرَانِهِ.

كانت العادة عند اليهود أن رئيس الكهنة يزور المجرمين المحكوم عليهم بالموت قبيل إعدامهم، ليستمع إلى اعترافهم وندامتهم قبل دخولهم إلى جوف الموت، ويمنحهم السماح العام على أساس القرابين الدائمة المقدمة في الهيكل لخلاصهم من غضب الله الآي.

لم يعترف يسوع بخطاياه على الصليب، ولم يذرف دموع الندامة، بل صلى لأجل أعدائه طالباً الغفران لأجلهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. اعتبر الأتقياء آنذاك هذه الصلاة آخر درجة. فملأهم الغضب والاحتقار واستهزأوا بالمصلوب استهزاء مراً.

ازدادت الآلام في الجسد. إنما وخز الاستهزاء نخس القلب. وجرب الشيطان يسوع أن يخلص نفسه، وهز المارة تحت المعلق العاري رؤوسهم ورددوا خلاصة الشكوى أمام المحكمة الدينية أنه قال سينقض الهيكل شخصياً وبينيه في ثلاثة أيام.

لم يتذكروا حقيقة قوله وما فهموا أنه قصد بجسده هيكل الله، بل فكروا بالهيكل الفارغ المبني من حجارة ميتة، الذي ظهر لهم ضماناً لحضور الله وسط الأمة.

واستخدم إبليس المستهزئين العمي وحرضهم إلى دعوة جهنم الكاذبة: انزل عن الصليب. خلص نفسك. خرب المصالحة المبتدئة، إنها الآلام النائبة عن كل الناس. هُب لنفسك. استخدم سلطانك. نج ذاتك، وأبد أعداءك. لو فعل هكذا أو أراد ذلك لكان الشيطان انصر ولفقد الله خلقه نهائياً.

وانسجم زعماء الشعب مع نواب الأمة مع صرخات قساة القلوب وطعنوا في خدمة يسوع الخلاصية. قد بذل نفسه فدية للكثيرين. ومشى ليلاً ونهاراً في القرى والمدن وشفىجماهير. أما الفقهاء والكتبة فسموا شفاءاته إجراءات الشياطين. لذلك أرادوا بواسطة اتهزائهم أن يقتلعوا ويبيدوا في أتباعه إيمانهم بقوته الإلهية. فاستهزأوا بالمصلوب بألقابه المسيحية الكاملة. وسموه المسيح الممسوح بدون قوة وملك إسرائيل بدون جيش وشعب. لقد كانوا منتظرين ملكاً إلهياً عظيماً يحررهم من أيدي الرومان.

أما يسوع الناصري، فطهر ضعيفاً. وعلق ككافر بأيدي الأثمة والقوة الاستعمارية. فبان لهم أن الله ليس معه بل غضبه سطا عليه.

وبرهاناً لسلطانه شدوا عليه في روح الشيطان أن ينزل عن الصليب لتنفتح عيونهم لمسيحيته وألوهيته ويدركوه في سلطانه ويؤمنوا به عبد إجراء هذه الأعجوبة المستحيلة. قد سموا أنفسهم كهنة وفقهاء التوراة، إنما هم كانوا عمياناً لخدمة المصالحة الي تمت في وسطهم. ولم يلاحظوا أنهم آلات سيئة في أيدي إبليس.

غلب يسوع هذه التجارب الضخمة الهاجمة. ولم ينزل عن الصليب بل أكمل الخلاص فكيف بعد هذا الحادث يدعي بعض المتدينين أن يسوع كان مرفوعاً إلى السماء وأن آخر صلب عوضاً عنه؟ لقد فكر زعماء اليهود هذه الفكرة مسبقاً بعد أن حطمتهم محبة يسوع وأمنته. فكان المسيح لهم أشبه بمصلوب، بل كان فعلاً مصلوباً وبقي معلقاً على الصليب وأتم مصالحة العالم بالله.

والمعلقان معه على جانبيه اشتركا في لعن يسوع لأنه غير مستعد أن ينجي نفسه وبعدئذ ينزلهما أيضاً. ويدخلهما إلى جيشه ويقود الجميع إلى النصر المبين. إلا أن أحدهما أدرك تدريجياً ورأى أن يسوع لم يستهزئ بمستهزئيه، بل بارك لاعنيه وأحب مبغضي، وصلى لأجل أعدائه. عندئذ فهم جلياً أن المسيح ليس كذاباً، بل هو مختلف عن الآخرين. هو بالحقيقة ملك ورب وابن الله المنتصر. فأدركه فجأة وآمن به ودخل إلى رحابه.

الأتقياء المتعصبون انفصلوا عن ملكهم وأسرعوا إلى عيد الفصح الموافق يوم السبت. ليحتفلوا تحت حماية دم حملان الفصح عيدهم الكبير. أما حمل الله الصحيح فلم يبصرون واختفت حقيقته عن أعينهم حتى اليوم. فتركوا رئيسهم للكهنوت ومصالحهم مع الله ي عميهم.

الصلاة: أيها الآب السماوي. اغفر للجميع الذين لا يدركون أن المسيح قد قدم ذاته ذبيحة، أو ينكرونها أو يهملونها، لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. افتح أعينهم لأعجوبة الصلح الإلهي ليدركوا فائق محبة المسيح الذي فضل الآلام والموت ليخلص الآخرين. لم ينزل عن الصليب بل ثبت أميناً لدعوته. اجعلنا أمناء أيضاً في اتباعنا لك، لنحب أعداءنا ونخدمهم على الدوام. آمين.

السؤال: 13 - لماذا طلب الزعماء والشعب من يسوع أن ينزل عن الصليب؟

17 - انفصال الآب عن الابن (الأصحاح 15: 33-36)

33وَلَمَّا كَانَتِ ٱلسَّاعَةُ ٱلسَّادِسَةُ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى ٱلأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ. 34وَفِي ٱلسَّاعَةِ ٱلتَّاسِعَةِ صَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «إِلُوِي إِلُوِي لَمَا شَبَقْتَني؟» (اَلَّذِي تَفْسِيرُهُ: إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟) 35فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ ٱلْحَاضِرِينَ لَمَّا سَمِعُوا: «هُوَذَا يُنَادِي إِيلِيَّا». 36فَرَكَضَ وَاحِدٌ وَمَلَأَ إِسْفِنْجَةً خَلاً وَجَعَلَهَا عَلَى قَصَبَةٍ وَسَقَاُ قَائِلاً: «ٱتْرُكُوا. لِنَرَ هَلْ يَأْتِي إِيلِيَّا لِيُنْزِلَهُ!».

الساعة السادسة التي ذكرت في اليوم الحزين هي الساعة الثانية عشرة ظهراً. وعادة تبث الشمس حرارتها من السماء الزرقاء في هذا الوقت. أما أنذاك فقدهبت عاصفة رملية على جبال القدس، ممتصة آخر رطوبة من الجسد. ثلاث ساعات هبت تلك الريح الساخنةالناشفة ثم اختفت الشمس، والكل أصبح في ظلمة مخيفة.

بعش المفسرين يقولون إن هذه الظلمة كانت ارتكاس الأرواح الشريرة على المصلوب. حتى انقضت جهنم بجميع قواتها على حمل الله في الغيبوبة، لتقوده في شعوره الباطني إلى خطية ما.

أما سيوع فكان ممتلئاً بكلمة الله بل هو كلمة الله المتجسد. ولذلك حتى في غيبوبته فقد فاه بكلمات مقدسة، إذ ناب الروح القدس عنه بأنات لا ينطق بها.

وفي الساعة التاسعة أي الساعة الثالثة بعد الظهر، صرخ يسوع بصوت عظيم وكانت كلماته على الصليب وبوضوح جلي هي التي تفسر لنا سر الصليب بالعمق. فقد شهد الروح القدس بواسطة صرخة المصلوب أن الله القدوس ترك ابنه، وحجب وجهه أمام المعلق وظهر عيه إلهاً دياناً. إذ سقط غضب الله على الابن المتروك. قد أتت ساعة الظلمة إنما لم تجد حقاً ولا قوة في القدوس. الابن شرب كأس غضب الله إلى المتهى.

لم يتجاسر الرسل أن يكتبوا هذه الكلمات المرعبة العميقة في اللغة العبرانية واليونانية فوراً. لأن معناها مخيف فيظع. حتى سجلوها حرفياً في اللهجة الأرامية وكتبوا معناها باليوناني بعدئذ.

سابقاً كان يسوع يقول أنا والآب واحد. هو فيّ وأنا فيه. أما الآن فشهد أنّ وحدة المحبة قد انقطعت والاتحاد الأزلي انفصل. فصرخ لماذا تركتني؟ لا يمكن أن يكون هذا. أنت المحبة ولا تتركني وحيداً.

هذه الصرخة من فم المصلوب التي سجلها البشيران متى ومرقس ككلمة وحيدة من فم يسوع على الصليب، هي بالحقيقة عثرة. محيرة لكل الأتقياء والملحدين الذين لم يعرفوا معنى صليب يسوع، فيظنون أن يسوع النجار صرح متشائماً يائساً مداناً من غضب الله.

أما نحن فنرى في هذه الكلمة برهاناً على الإيمان بالله ومحبة ثابتة إلينا نحن الضالين. فقد ضحى بِصِلَتِهِ ووحدته مع الآب ليخلصنا نحن البعيدين عن القدوس.

لم يكن إنسان ما مستحقاً أن يموت عنا كحمل الله، إلا الله في جسد إنسان. كان بريئاً ومستحاً وقادراً أن يرفع خطية العالم ويحمل كل الدينونة. ولكن بما أن الله هو واحد وليس اثنين يظهر أن الله ظهر كالثالوث الأقدس لأجل فدائنا معلناً نفسه اآب والابن والروح القدس، لكي يستطيع الابن «ٱلَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ لِلّٰهِ بِلا عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا ٱللّٰهَ ٱلْحَيَّ!» (عبرانيين 9: 14).

كل من يدرك هذا السر بمسحة الروح القدس يسجد للآب والابن، ويكرس حياته الفاشلة والمطهرة بدم الحمل لخدمة لله. أمامنا اختياران فقط. إما أن نستهزئ بالمصلوب أو نخدمه شكراً لمحبته الأزلية.

أما لجند الروماني والحراس فلم يفهموا كلمات المصلوب باللغة الأرامية، فظنوا أن المائد نادى النبي إيليا فخافوا من ظهور شخص إلهي من الظلمة مساعداً المصلوب لينزل عن الصليب. فمنعوا الرحماء من بينهم الذين شفعوا فيه وأرادوا أن يقدموا للعطان في العاصفة الرملية اسفنجة مبللة بالماء والخل. فإيمانهم السلبي يظهورات الأموات منعهم من خدمة الإنسانية.

الصلاة: نسجد لك أيها الآب لأن قلبك انكسر عندما تركت ابنك الوحيد الذي به سُررت. أنت المحبة الأزلية. نشكرك بواسطة ابنك لأنك غفرت آثامنا وأنك سكبت غضبك على خطايانا، على ابنك القدوس عوضاً عنا. قد تركته لئلا يتركنا. قد انفصلت عنه لكي نبت فيك إلى الأبد. نسجد لك أيها الآب والابن والروح القدس ونكرس حياتنا لك إلى خدمة أبدية بواسطة يسوع المسيح ربنا. آمين.

السؤال: 17 - ما هو معنى قول المصلوب: إلهي إلهي، لماذا تركتني؟

18 - موت يسوع مع العلامات العجيبة (الأصحاح 15: 37-39)

37فَصَرَخَ يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَأَسْلَمَ ٱلرُّوحَ. 38وَٱنْشَقَّ حِجَابُ ٱلْهَيْكَلِ إِلَى ٱثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ. 39وَلَمَّا رَأَى قَائِدُ ٱلْمِئَةِ ٱلْوَاقِفُ مُقَابِلَهُ أَنَّهُ صَرَخَ هٰكَذَا وَأَسْلمَ ٱلرُّوحَ، قَالَ: «حَقّاً كَانَ هٰذَا ٱلإِنْسَانُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ!».

لم يبصر يسوع أباه فيما هو يؤدي دين العدل الإليهي، لأنه تركه معلناً أمامه ديان مهلك. أما الابن فكافح كفاح الإيمان واثقاً في أبوة الله إلى المنتهى، وأعلن من أجله انتصاره صارخاً «قد أكمل». وصرخة النصر هذه انعكست في السماوات والأرض وجنم. وأنت كصدى بتسابيح الحمد من جميع الملائكة والقديسين، بجانب صرير الأسنان في جهنم.

لم يقدر الشرير أن يطل مصالحة البشر بالله. ولمينجح بإفساد حمل الله، لأن يسوع غلبه مبحبته وصبره وإيمانه ورجائه القابت. قد تم الخلاص، ومن يؤمن يتبرر.

ورأى يسوع شبح الموت مقبلاً عليه. إنما لم يخف رغم أن الله قد تركه، بل تمسك برجائه في أمانة الله الأزلية. واستودع نفسه وروحه بين يدي أبيه واثقاً أن محبته الأزلية لن تتغير، حتى وإن ظهر دياناً. فتسليم الذات في أيدي الآب كان الختم على نتصار يسوع. الرجاء لم يخز. والروح القدس لم يمت في رغم أن كيانه البشري مات حقاً.

يسوع المصلوب مات فعلاً. فكيف يقول البعض ما قتلوه وما صلبوه. فالحقيقة التاريخية تدين الكاذبين وتبين حقيقة الأمر.

موت يسوع هو محور التاريخ، فمنذ تلك اللحظة تغير العالم. حمل الله برر جميع الناس الخطاة. والحجاب إلى قدس الأقداس في الهيكل قد انشق من فوق إلى أسفل علامة أن الله لم ينفصل عن خليقته. سابقاً كان يحق لرئيس الكهنة أن يتقدم مرة في السنة بوف ورعدة إلى تابوت العهد المعتبر عرش الله ليصالح الأمة الخاطئة بالله القدوس. أما الآن فانفتح الطريق لكل واحد الذي يقبل ذبيحة يسوع مؤمناً. فحواجز العهد القديم المانعة قد ارتفعت والناموس أصبح بدون شوكة، والطريق إلى الله انفتح. تعال إلى أبيك إن الباب مفتوح على مصراعيه، والله ينتظرك شخصياً.

وسمح لبعض الأموات أن يقوموا في تلك اللحظة، لأنهم أدركوا انتصار المسيح في قبورهم، وتقدموا إلى الإعلان الإلهي. موت ابن الله الكفاري يقدم البر والحياة الأبدية بكل مؤمن به.

أما قائد المئة الروماني الذي أشرف على الفرقة التي أعدمت يسوع، فقد شهد في حياته كيف مات مجرمون وعبيد وأعداء وأنبياء كذبة متعددون على الصليب. ولكن موتاً مثل موت يسوع في المحبة القدوسة والجلالة المتواضعة لم ير بعد. فعندما نكس البار رسه، تمتم هذا القائد مغمغماً: لم يكن هذا مثل الباقين. فيه كانت القوة الإلهية حاضرة. لم يكن ابن ملك أو قيصر فحسب. بل ابناً لله شخصياً. فالوثني أدرك سر يسوع أولاً أما لأعضاء العهد القديم فظل مستتراً.

فماذا تقول أنت في قلبك؟

الصلاة: يا ابن الله القدوس نسجد لك لأنك بذلت نفسك الطاهرة لأجلنا نحن الخطاة النجسين. ومت عوضاً عنا بآلام وتجارب كثيرة. نحبك من كل قلوبنا ونطلب إليك أن تغيّر أنانيتنا. أذب قساوة قلوبنا لنستحق تقديم حياتنا ذبيحة الشكر لله ونخدم كل اناس كما أنت خدمتنا. نشكرك لموتك الذي فتح لنا الطريق إلى الأب. كل المؤمنين بك يسجدون لك إلى الأبد. آمين.

السؤال: 18- ماذا تعني الحوادث عند موت يسوع؟

19 - النساء تحت الصليب (الأصحاح 15: 40-41)

40وَكَانَتْ أَيْضاً نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ ٱلصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ، 41ٱللَّوَاتِي أَيْضاً تَبِعْنَهُ وَخَدَمْنَهُ حِينَ كَانَ فِي ٱلْجَلِلِ. وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ ٱللَّوَاتِي صَعِدْنَ مَعَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ.

كانت سيدات من مختلف الطبقات يرافقن موكب يسوع مند البداية (لوقا 8: 2 و3) وشخصيته ضبطت في قوة روحه تلاميذه من رجال ونساء في القداسة والاحترام.

الأغلب أن التلاميذ عشاوا بعض المرات من تبرعات نساء أغنياء أدركن أن قوة عظيمة إلهية تخرج من يسوع. ولم يطلب المسيح مقابل معجزات شفائه مالاً ولم يجمع كنوزاً، بل عاش قانعاً فقيراً. فهؤلاء النساء تبعن موكب التلاميذ في الجليل وفي زمن الضطهاد وخدمنهم واعتنين بنخبة الشباب هؤلاء.

لا نعرف عنهم شيئاً كثيراً، ما عدا أسماءهن. والنص في إنجيل (لوقا 8: 2 و3) يدلنا على أن بعضهم كن ملبوسات بأرواح نجسة. وقد حررهم المسيح بكلمة قدرته من قيود جهنم.

ولم يحصلن على الروح القدس بعد. وعشن في رعب وخوف أن الأرواح النجسة تحل فيهم مرة أخرى لتهلكهن. خاصة مريم المجدلية كانت مشهورة لأجل خلاصها من سبعة أرواح. فكل هؤلاء السيدات التجأن إلى المخلص القوي وحمايته للمؤمنات، ولم يمنعهن من اتباع.

المرجح أن سالومي كانت أم يوحنا ويعقوب. وقد طلبت سابقاً إلى يسوع أن ابنيها يجلسان عن يمينه ويساره. حينما يعلن نفسه ملكاً. الآن رأت اللصين عن يمين يسوع ويساره. ومكتوب فوق الصليب ملك اليهود. فارتجفت من اتضاعه إلى الأدنى.

وكثيرات أخريات من السيدات تبعن يسوع بأمانة راجيات أنه يعلن مجده وينصر أصحاب الحق في كفاحهم ضد الظلم. أما الآن فرأينه ممزق الجسد وشعرن بصوت اندقاق المسامير في قلوبهن، وسمعن كلماته من فوق الصليب، ولم يهربن.

لو لم يكن شجاعات لما ثبتن تحت الصليب في حالة الخطر. لا نعرف كثيراً عن كيفية موت يسوع. أما هنّ فأصبحن شاهدات العيان ومبشرات مستحقات شكرنا.

ربما سمح ضابط المئة هناك ببقائهن. لأنه لم يخف أنهن ينزلن يسوع عن الصليب. بعدما بقين مرتجفات وباكيات على هضبة الجلجثة، ورؤساء الكهنة والشيوخ قد تركوا الموضع المرعب.

إن محبة أولئك النسوة للمحب الطاهر وشكرهن للذي خلصهن من الشيطان لم يسمح لهن أن يتركن المشهد الرهيب. ولا حتى في ساعة الموت. ولقد صلين وبكين وأصغين رجاء لكل كلمة نطقها. والهواء الساخن نشف شفاههن، والظلمة أخافتهن، أما هن فثبتن ومكثن قب الصليب إلى النهاية.

وآخر شرارة من الرجاء انطفأت عندما صرخ يسوع صرخة النصرة ونكس رأسه ومات. قد انتظرن في آخر لحظة إعلان المسيح الغالب المنتصر. إنما الآن شاهدن موت ابن الله، فانشلت عقولهن وانكسرت قلوبهن وانهمرت الدموع على خدودهن، ولو أن ولولاتهن انكتمتخوفاً من العساكر. إن أفضل إنسان قد مات والمحبة انصلبت. قوة الله ظهرت ضعيفة، فوقفت السيدات بالرعب والفزع أمام لغز لا جواب عليه ولا حل له.

لم يدركن آنذاك معنى صليب المسيح. لأن الروح القدس لم ينسكب في نفوسهن بعد.

الصلاة: أيها الآب نشكرك ان ليس الرجال وحدهم يعملون التاريخ، بل أيضاً النساء لهم في لحظات قاطعة خدمات أساسية في ملكوتك. وجلال ابنك الحبيب جذبهم حتى خَدمْنه. وأنت أرشدتهن أن يكن شاهدات العيان والآذان عن حقيقة موت يسوع. لعرف كلماته الأخيرة ونشهد بحدوث موته لمنكريه. ساعد اليوم كثيرا من السيدات والبنات ليدركن محبة يسوع وجلاله الإلهي ويتبعنه ويخلصن بإيمانهن. آمين.

السؤال: 19 - ماذا يعني وجود سيدات كثيرات عند الصليب؟

20 - دَفْن يسوع (الأصحاح 15: 42-47)

42وَلَمَّا كَانَ ٱلْمَسَاءُ، إِذْ كَانَ ٱلاِسْتِعْدَادُ - أَيْ مَا قَبْلَ ٱلسَّبْتِ - 43جَاءَ يُوسُفُ ٱلَّذِي مِنَ ٱلرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضاً مُنْتَظِراً مَلَكُوتَ ٱللّٰهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَ بِيلاطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. 44فَتَعَجَّبَ بِيلاطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً. فَدَعَا قَائِدَ ٱلْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: «هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟» 45وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ ٱلْمِئَةِ، وَهَبَ ٱلْجَسَدَ لِيُوسُفَ. 46فَٱشْتَرَى كَتَّاناً، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِٱلْكَتَّانِ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتاً فِي صَخْرَةٍ، وَدَحْرَجَ حَجَراً عَلَى بَابِ ٱلْقَبْرِ. 47وَكَانَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ َيْنَ وُضِعَ.

من أين علم النائب يسوف من الرامة أن يسوع قد مات بهذه السرعة؟ ربما ركضت إليه إحدى السيدات المنتظرات وأخبرته.

ولماذا ركضت إلى عضو في مجلس الأمة، لا إلى بطرس ويوحنا؟ ذلك لأن يوسف الوجيه كان تلميذ يسوع سراً، منتظراً بالتقوى إعلان المسيح. ووثقت السيدات به وتجاسرت للاستعانة به (يوحنا 19: 38).

كيف يمكن أن يسوف أكرم يسوعن مع أنه اشترك في تصويت المجلس لاعدامه. ربما امتنع عن التصويت شكلياً، أو لم يكن حاضراً في لحظة التصويت، أو كانت الأحكام اليهودية القديمة منطبقة على يسوع أيضاً، القائلة أنه حتى المجرك المضل غير متروك مطلقا من نعمة الله. فلم يعتبر حكم السبعين شرعياً إلا إذا صوت اثنان من بينهم لأطلاق المحكوم. ولعله قد صوت يوسف ونيقوديموس لبراءة يسوع بصوتيهما اللازمين لتنفيذ الحكم فيه شرعاً (يوحنا 19: 39).

تعجب بيلاطس من موت يسوع السريع. لأن المصلوبين بعلقون بعض المرات 24 أو 48 ساعة على خشبة العار. والأقوياء منهم حتى ثلاثة ايام، أما يسوع فكان شاباً حساساً رفيعاً في المحبة والكرامة. وقد تمزق جسده. ونفسه المحبة تعبت في خلاص العالم، وجنم هجمت عليه، وغضب الله مزقه.

تأمل وصف موت يسوع في سفر إشعياء فتتعلم كثيراً: «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا» (إشعياء 53: 5).

أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن. إذ جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً. من تعب نفسه يرى ويشبع.

لم يرد بيلاطس أن يطيل في هذه القضية، وأراد أن يتخلص منها سريعاً عالماً أنه قام بقتل غير شرعي، لأجل الضغط من الشعب. فبكته ضميره وسر عندما أتى نائب محترم من المجلس اليهودي الذي سلم يسوع صباحاً بين يديه وأجبره لصلبه. فسلم جسد يسوع إل أيدي مشتكية. إلا أنه أراد التيقن من موت يسوع تيقناً شرعياً لكيلا يأتي في اللحظة الأخيرة أحد أتباعه وينزله عن الصليب ويخبئه ويعالجه حتى يشفى.

فأرسل إلى قائد المئة ليحضر إليه، الذي أكد له رسمياً أن يسوع قد مات. فليس السيدات بل أيضاً القائد شهد بتاريخية موت يسوع على الصليب.

ونرى الإرشاد الإلهي وتدبير الأمور مسبقاً. لأن يوسف الذي من الرامة، لم يكن ساكناً في القدس، بل عمل حسب عادة اليهود الأتقياء، اشترى مكاناً قريباً من أورشليم وحضر قبره الخاص منحوتاً بالصخر، ليدفن قرب الهيكل في حالة موته. ففي محبته ليوع اتحد معه معنوياً حتى وضعه في قبره الخاص دليلاً على إكرامه الأسمى وشكره العميق.

وهكذا لم يُلق جسد يسوع إلى التراب ولم يرم إلى الكلاب في البرية كما كان يحدث عادة مع أجساد المصلوبين، بل دُفن بقبر فخم. علامة أنه بعد موته الكفاري واحتماله غضب الله انتهت خدمة المصالحة التي قبلها الله وأكرم ابنه المذبوح إكراماً عاياً. ولا بد أن يوسف لم يكن منفرداً في عملية إنزال جسد يسوع عن الصليب. بل نيقوديموس الفقيه اليهودي أسرع إليه ورجال أتقياء آخرون، السيدات كن محرومات من خدمة المحبة الأخيرة. وتم الدفن بسرعة كبيرة لأنه بعد الساعة الثانية عشرة أي السادسة مسا حسب توقيتنا كان بداية السبت، ومنعت كل الأشغال في الأمة تحت طائلة قانون الموت.

وفي ذلك السبت التقى أيضاً عيد الفصح رمزاً لعبور غضب الله عن الذين يأكلون الحمل المذبوح. أما حمل الله الصحيح فدفن بسرعة وصمت وارتاح في قبره يوم السبت. وختموا على حجر قبره بختوم الوالي، لكيلا يقدر أحد من أتباعه أن يسرقه وجميع الحزان رجعوا إلى بيوتهم وبكوا في العيد الكبير.

الصلاة: اللهم القدوس نسجد لك لأنك أعددت جميع التفاصيل لدفن ابنك الحبيب. قد أرشدت يوسف ونيقوديموس للاعتراف بمحبتهما ليسوع حتى لم يباليا بالاتهام والخطر والاهانة. ساعدنا لكيلا نخاف من المستهزئين بنا، ولا المتعصبين، بل نشد بمحبتنا ليسوع في كل مكان وزمان لكي يعرف الجميع أنه هو حمل الله الذي قد رفع خطية العالم. آمين.

السؤال: 20 - ما هو الأمر العجيب في دفن يسوع؟

الجزء التاسع قيامة المسيح من بين الأموات (الأصحاح 16: 1-20)

1 - تحير النساء بالحجر الموضوع على القبر (الأصحاح 16: 1-4)

1وَبَعْدَمَا مَضَى ٱلسَّبْتُ، ٱشْتَرَتْ مَرْيَمُ ٱلْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطاً لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ. 2وَبَاكِراً جِدّاً فِي أَوَّلِ ٱلأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى ٱلْقَبْرِ إِذْ طَلَعَت ٱلشَّمْسُ. 3وَكُنَّ يَقُلْنَ فِيمَا بَيْنَهُنَّ: «مَنْ يُدَحْرِجُ لَنَا ٱلْحَجَرَ عَنْ بَابِ ٱلْقَبْرِ؟» 4فَتَطَلَّعْنَ وَرَأَيْنَ أَنَّ ٱلْحَجَرَ قَدْ دُحْرِجَ! لأَنَّهُ كَانَ عَظِيماً جِدّاً.

كان السبت لليهود يوم راحة وسرور عام. فمن اشتغل أثناء هذا الرمز للعهد مع الله حق عليه حكم الموت لأن أعماله اعتبرت تجديفاً. وقد قبل يسوع نظام العهد القديم هذا. وارتاح في اليوم السابع من خدمته لفداء العالم. كما أن الله ارتاح من خلقه لعظيم في اليوم السابع.

أما تلاميذ يسوع فبقوا مرتعبين ويائسين معاً بدون رجاء، وخائفين أن يحكم عليهم بالرفض والإعدام من الأمة لأنهم تبعوا يسوع المحسوب من رؤساء الشعب مضلاً مجدفاً. ولم ينزلوا إلى الطريق ولا إلى السوق خوفاً من اليهود. وأغلقوا الأبواب كأنهم ي الحرب.

والنساء أيضاً لم يقدرن أن يعملن حسب التقليد لجسد يسوع لأجل أنظمة السبت. فأسرعن في أول يوم الاسبوع باكراً قدر الإمكان إلى السوق واشترين دهونات وطيباً ثميناً وضحين بتوفيراتهن ليكرمن القدوس. كل أفكارهن دارت حول الموت المنقض على المعل والنبي الإلهي.

والسيدات المسرعات في فجر اليوم الأول هن اللواتي بقين قرب الصليب يوم الجمعة. ومن بينهم مريم المجدلية المتحررة من سبعة أبالسة وأم يوحنا ويعقوب الرسولين وأخريات.

قد خرجن من بابا المدينة المحروسة ووصلن إلى القبر قبل شروق الشمس، رمزاً لكل طالبي المسيح كما يقول: «الذين يبكرون إليّ يجدونني».

كن رغم محبتهن ليسوع الراقد، يفكرن في الحجر الكبير المدور على بابا القبر، المختوم من الحراس الرومان. لأنهن لا يقدرن على تحريك ذلك الحجر، حتى لو جربن أن يدفعنه بقوتهم المشتركة. وهكذا قد نفكر كثيراً بحمل ثقيل مستحيل رفعه ولا نجد للمشلة حلاً.

وعندما وصلت السيدات إلى قبر يسوع، رأين أن الحجر الكبير الثقيل قد دحرج. وكأن الله الرحيم قد استمع إلى أناتهن، وأرسل ملاكاً فتح لهن الطريق إلى يسوع. وهكذا يخجل الله ضعف الإيمان في الأتقياء مراراً فيستجيب لصلواتهم حتى قبل أن يروا الحث العظيم.

ولكن السيدات في ذلك اليوم لم يشعرن بالحادثة العظيمة، ولم ينتظرن الأعجوبة الكبرى ولم ينزلن ماشيات على مستوى الموت في يأس وهم. لم يدركن حياة الله بعد. لكنهم كن طالبات يسوع وأردن خدمته فانطلقن في الطريق المستقيم ووصلن إلى الهدف الموعد.

ونحن نجد في كل عصر ودين طلاباً لله أمناء، يتعذبون فكراً وعملاً ليجدوا الله العظيم المجهول، ولا يدركون أنه حاضر وعامل بدون طقوسهم الميتة. فهمومهم واجتهاداتهم دنيوياً وبشرياً محدودة. أما نعمة الله فتحققت أبدياً غالبة منتصرة.

الصلاة: اللهم القدوس نشكرك لأنك استجبت لهموم النساء وباركت بحثهن عن المسيح. اغفر لنا همومنا البشرية حتى إذا غرقنا في الاهتمام الديني، أنت فعلت قبل أن أدركنا انتصارك ورحمتنا ما دمنا في ظلال الموت. أنر بصيرتنا الروحية وقنا دائما في موكب نصرتك. وامنح للأصدقاء في محيطنا والبعيدين عنا أن يتدحرج حجر الموت الثقيل عن قلوبهم. آمين.

السؤال: 21 - ماذا يعني الحجر المدحرج عن باب القبر؟

2 - كرازة الملاك من القبر الفارغ (الأصحاح 16: 5-8)

5وَلَمَّا دَخَلْنَ ٱلْقَبْرَ رَأَيْنَ شَابّاً جَالِساً عَنِ ٱلْيَمِينِ لابِساً حُلَّةً بَيْضَاءَ، فَٱنْدَهَشْنَ. 6فَقَالَ لَهُنَّ: «لا تَنْدَهِشْنَ! أَنْتُنَّ تَطْلُبْنَ يَسُوعَ ٱلنَّاصِرِيَّ ٱلْمَصْلُوبَ. قَدْ قَامَ! َيْسَ هُوَ هٰهُنَا. هُوَذَا ٱلْمَوْضِعُ ٱلَّذِي وَضَعُوهُ فِيهِ. 7لٰكِنِ ٱذْهَبْنَ وَقُلْنَ لِتَلامِيذِهِ وَلِبُطْرُسَ إِنَّهُ يَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ. هُنَاكَ تَرَوْنَهُ كَمَا قَالَ لَكُمْ». 8فَخَرَجْنَ سَرِيعاً وَهَرَبْنَ منَ ٱلْقَبْرِ، لأَنَّ ٱلرِّعْدَةَ وَٱلْحَيْرَةَ أَخَذَتَاهُنَّ. وَلَمْ يَقُلْنَ لأَحَدٍ شَيْئاً لأَنَّهُنَّ كُنَّ خَائِفَاتٍ.

اقتربت النسوة من القبر المظلم المفتوح ودخلنه من بابه مرتعبات منتظرات أن يرين الميت المضطجع الذي ابتدأ أن ينتن في جوف القبر الحار.

ولكن لما دخلن منتقلات من الشمس المبهرة إلى القبر المظلم لم يشاهدن جسد يسوع الملفوق أمامهن، بل شاباً حياً بلباس أبيض براق جالساً في زاوية القبر ناظراً إليهن ينطلق منه نور وقوة. فظنن أنهم رأين شبحاً فارتعبن رعباً عميقاً.

ورويداً رويداً زال عنهم الخوف والرعب تماماً كما أن الملاك المبشر في ليلة ميلاد يسوع منع الرعاة المتبدين في مروج بيت لحم، من الخوف العميق الذي غمر كيانهم وكأنه ظهور الآخرة في ليلة دنياهم.

ومن كلام الملاك المهدئ، ظهر أنه عرف تماماً ماذا فكرت السيدات مسبقاً. وأنه علم إرادتهم ونياتهن بالضبط. واثبت لهن أن يسوع الناصري قد مات على الصليب حقاً. ولكنه قام واسمه وصفته الجديدة هو المصلوب.

فالمصلوب هو المنتصر لأنه أطفأ في الصليب غضب الله الكامل وكفر عن خطية كل الناس وغلب تجارب الشيطان. ولذلك فالمسيح هو المنتصر الغالب الإلهي الفائز على الموت.

إن غلبة يسوع ليست موضوعاً فكرياً مختصاً للإيمان فقط، بل طهرت واكتملت في الغلبة على الموت. فالموت الشامل لم يقدر أن يمسك الحي. وإبليس الشرير لم يجد قوة ولا حولاً في القدوس، لأنه قد قام تلقائياً.

وهكذا مرّ بهدوء من بين الصخور كما أنه دخل بعدئذ بدون صوت إلى الغرفة الملغقة حيث جلس تلاميذه. قد غلب يسوع الزمان والمكان، المادة والجاذبية، وانتقل من حوزة الموت تاركاً الفناء داخلاً إلى الأبدية والبقاء.

لم يرتكب يسوع خطية ولا سوءاً فلم يقدر الموت أن يمسكه. كل الأنبياء ماتوا لأنهم خطاة أما يسوع فقد قام لأنه قدوس. وإن كان قد مات على الصليب موتاً حقاً فذلك ليس لأجل خطاياه هو بل لأجل خطايانا نحن. فهو بالحقيقة مات موتنا وليس موته الخاص. قد مات لنعيش نحن. فالملاك في القبر الفارغ كان الشاهد الأول لقيامة يسوع من بين الأموات.

هذا أوضح للسيدات الحقيقة الملموسة المكشوفة أن يسوع ليس في القبر فيما بعد. لم يختف كروح ولم يظهر كأنه آت من الفضاء. كلا: قد مضى وقبره فارغ. ثم قاد الملاك السيدات المعجبات إلى المكان حيث كان يسوع مضجعاً، فرأين هناك الأقمشة والأربطة لتي كانت تلف جسد يسوع موضوعة بعناية. وأما المنديل الموضوع على رأسه سابقاً فكان ملفوفاً في موضع وحده رمزاً على أن قيامة يسوع لم تحدث بالعجلة والفوضى بل بهدوء وتمعن ونظام.

بعد هذه الأقوال أخبرهن الملاك بوصية الرب يسوع أنه لم يصعد فوراً إلى أبيه السماوي. بل إنه لا يزال على الأرض، وأنه يسبقهم إلى الجليل موضع خدماته المباركة. وهكذا طلب من أتباعه أن يتبعوا ربهم الحي من البداية إلى النهاية. ليس قبل القياة فحسب بل خاصة بعد قيامته. لم ولن يتركهم بل هو الراعي الصالح الذي يتقدم أمامهم.

وهكذا كانت السيدات هن مبشرات عيد الفصح الأوليات. قد أرسلهم الملاك إلى التلاميذ وبطرس لكي يذوب افتحار الرجال المتفكرين أنهم يدركون بعقولهم كل شيء. وكأن ملاك الله فوضهن بنشر حقيقة القيامة المجيدة.

أما كل هذه الكلمات والرؤية والأفكار الجديدة ففاقت قدرة إدراك السيدات. إلا أنهن لاحظن أنه ليس هناك ميت بل شاب يتكلم. المصلوب إذا قد قام والقبر فارغ. إذا هو مضى وسيسبقنا كما وعد قبلاً.

هذا كله كان مثل انفجار عقلي للسيدات. فابتدأن يدفعن بعضهن إلى الوراء عن القبر والتفتن وركضن وأسرعن مرتجفات ولم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات.

الصلاة: أيها الرب القدوس أنت حي. لم تبق في القبر كباقي مؤسسي الأديان، ولم يتفتت جسدك. أنت قمت منتصراً لأنك بقيت بدون خطية. قد متَّ لأجلنا وقمت لتبريرنا. نسجد لك. أنت المصلوب الحي. امنح لكثيرين من البشر في أيامنا أن يدروا حقيقة حياتك ليتوبوا ويؤمنوا بعظمتك. ساعدنا لنتبعك كل ثانية من حياتنا والى الأبد. آمين.

السؤال: 22 - ما هي المبادئ الرئيسية التي أوضحها الملاك للنساء؟

3 - المسيح يظهر لمريم المجدلية (الأصحاح 16: 9-11)

9وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِراً فِي أَوَّلِ ٱلأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلاً لِمَرْيَمَ ٱلْمَجْدَلِيَّةِ، ٱلَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ. 10فَذَهَبَتْ هٰذِهِ وَأَخْبَرَتِ ٱلَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُحُونَ وَيَبْكُونَ. 11فَلَمَّا سَمِعَ أُولٰئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ، وَقَدْ نَظَرَتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا.

يسوع حي وقد قام من بين الأموات وغلب الموت بنصره المبين. وإن يسألنا المجدفون الملحدون باستهزائهم هل حدث مرة واحدة أن رجع أحد الأموات من الآخرة، فنجاوبهم بجرأة نعم قد قام يسوع من الأموات وأقام غيره أيضاً ولقد برهن كيان حياة الله وووده. فجسده الروحي هو رمز للخليقة الجديدة. هو المنتصر الحي الأبدي على جميع الأمراض والفساد والضعف. هو كائن موجود وباق إلى الأبد. ليس لحياته نهاية.

ثم ظهر ثانية حسب أخبار بطرس على لسان تلميذه مرقس، لمريضة شفاها مسبقاً وهي مريم المجدلية التي كانت ملبوسة بأرواح. لم يكن أحد قادراً أن يحررها إلا يسوع المخلص الذي رحمها وحلها بكلمة قدرته القوية. فليس يسوع هو الغالب على الموت فحسب بل هو المنتصر على جميع أرواح جهنم أيضاً. يسوع هو المخلص القدير الصالح.

لم يكن الروح القدس آنذاك قد حل في قلوب التلاميذ بعد، ولا في السيدات المؤمنات اللواتي تبعنه. ولعله لكي لا يكون هناك خطر الارتداد للمجدلية، والارتباط مرة أخرى بأرواح شريرة، ظهر لها يسوع لكي يثبت إيمانها.

إن قيامة يسوع من بين الأموات توضح لنا قداسته المطلقة وانطلاقه حراً من قيود الجسد والخطية، وهو يثبت أتباعه ويحوطهم بجو من القداسة حصناً لهم من الخطيئة.

لم ترتجف المجدلية عندما رأت المصلوب حياً أمامها، ولعلها اختبرت في لقاءاتها المخطئة مع الأرواح سابقاً، أنه توجد أرواح وسلطات يجهلها كثيرون. وربما ظنت أن يسوع ملاك، ثم تأكدت أنه الرب وعرفت أن ليس مكان لقوة أخرى، فكلمة منه تدحض الشيطان وكل قوى الشر المخيفة.

ركضت مريم المجدلية ممتلئة بالفرح من التقائها بالمقام من بين الأموات وجاءت إلى التلاميذ، وأخبرتهم أن الرب حي وقد ظهر لها، هزوا رؤوسهم وظنوا رؤى. كأنهم يقولون: نعرف مريم من قبل. أحلام وأرواح وصور ومخاوف. لا بد أن فكرها صالح ولكنه غير حقيقي.

فقلوب التلاميذ ظلت بعد الخيانة والجلد والصلب والموت والدفن في حالة صدمة. فلم يصدقوا بشيء إلا بالواقع. قد دفنوا أحلامهم وأمنياتهم الكبيرة. لم يستعدوا للإيمان بسرعة بل تقسوا بقلوبهم. وهذا ما نختبره أن بعض أتباع يسوع اليوم المارين فيكوارث مؤلمة يتقسون في قلوبهم ويفقدون الصلة بإعلانات الرب المستمرة. إن الرب يعمل ولكنهم لا يؤمنون ولا يتطلعون نحو الرجاء الحي، بل يتفرسون في الضيق الشديد حولهم وفي داخلهم.

الصلاة: أيها الرب العظيم نسجد لك لأنك أعلنت شخصك القدوس، لأجل أن تقوي المشفية الخائفة من الأرواح ولتثبتها في الإيمان. نسجد لك لأنك حي قدوس ولك كل السلطان على جميع الأرواح النجسة. ونؤمن بقدرة كلمتك الإلهية التي تستطيع أن تطرد الأروح الشريرة من كل الذين يلتجئون إليك. فتحفظهم من الارتداد وتثبتهم في روحك القدوس. حقاً أنت المنتصر على الموت والشيطان والخطية. احفظني ليلاً ونهاراً في اسمك مع كل المبتهلين إليك. آمين.

السؤال: 23 - لم ظهر يسوع المسيح لمريم المجدلية أولاً؟

4 - إعلان يسوع نفسه للتلميذين من عمواس (الأصحاح 16: 12-13)

12وَبَعْدَ ذٰلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاِثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ. 13وَذَهَبَ هٰذَانِ وَأَخْبَرَا ٱلْبَاقِينَ، فَلَمْ يُصَدِّقُوا وَلا هٰذَيْنِ.

في اليوم الأول من أسبوع عيد الفصح مضى تلميذان ليسوع حزينين إلى قريتهما بعدما احتفلا بالعيد الكبير الذي وقع هذه السنة في عزلة وخوف.

قدأخبرنا البشير لوقا بتفاصيل هذه القصة في أصحاح 24: 13-35 من إنجيله. وأبرز محبة يسوع لتلميذيه المرتبكين اللذين فقدا جميع آمالهما الدنيوية بواسطة صلب معلمهما.

وقد فهم أكثرية أتباع يسوع مجيئه دنيوياً وورحياً معاً. ولم يدركوا أن مملكة المسيح ليست من هذا العالم. فمزج تلميذا عمواس في أفكارهما الدين والدولة، السياسة والإيمان، المال والروح الزمن والأبد.

ولم يعرفا أن يسوع يقدوهما إلى إنكار النفس وإخلاء الأمنية والشهوات والكبرياء، بل إنه يدعوهما إلى التواضع والقناعة والمحبة والجهد مع الوداعة والعفة للتضحية بحياتهما كلها. فالمسيح لا يبني ملكوته على مدافع وطائرات وسفن وقنابل. ولا يطل ضرائب وشهادات عالية أو واسطة قوية. هو بذاته الطريق والوسيط إلى حياة جديدة. خالقاً في أتباعه خليقة روحية ويغيرهم إلى صورته.

هذه الأفكار تتطلب تغيير الفكر أي توبة جذرية. فكل من يريد اتباع يسوع ينال هدفاً جديداً ويبتعد عن المال والسلطة والشهوات وإكرام الذات. بل يسوع يرينا ويرشدنا إلى الحرية من الخطية والتجربة. فكل من يتبعه يتواضع ويتعلم بذل الذات لغير الستحقين في معرفة ابن الله المتواضع الذي هو في ذاته ليس متكبراً ولا ماكراً، بل أخلى نفسه من مجده وأصبح إنساناً وخادماً للجميع مدركاً المرض في البشر ألا وهو الخطية. فحمل الدينونة عوضاً عن الجميع، ومات لأجل تبريرنا ذبيحة حية مرضية أمام الله

ولم يفهم التلميذان هذا الأمر تماماً، فقد انتظرا ملكاً قوياً. أما الآن فقد رأيا على الصليب مخلصاً ضعيفاً. قد آمنا بمنجّ براق وقد دفنوه قبل يوم في قبره. كانا يتمنيان أن الآتي من السماء يعلمهم ويطورهم ويعينهم وزراء شرفاء في مملكته السيطرة على كل الشعوب. أما الآن فلقد كانا هاربين من سلطات الدولة خائفين في الخيبة.

لأجل هذه الأفكار وبخ يسوع هذين التلميذين وسماهم غبيين وبطيئي القلوب. لأنهما لم يفهما ما علمهما الروح القدس. قد كان ينبغي أن المسيح يتألم ويمت ليدخل إلى مجده. فشعاره ليس الحكم والتلسط بل المصالحة والموت الكفاري. فلم يأت ليعيش لأجلا بل ليموت عوضاً عنا. لأن هذا هو الطريق الوحيد لمصالحة البشر مع الله. فكل من ينكر المصلوب لم يفهم الله في حقيقته. وكل من يقصد المثول أمام الله بدون حمله الوديع يسوع لم يدرك بعد عظم خطيته الفاصلة بينه وبين القدوس.

المصلوب هو الجسر الوحيد الثابت والحامل المؤدي إلى الله. والمقام من بين الأموات هو وسيطنا الأمين. فيسوع يحررنا من كل بر واكتفاء ذاتي وشرف شخصي. ويعلمنا أن نمد أيدينا إلى المنجي الفادي. فليس أمام الله إنسان بار، المسيح هو برنا.

جلس التلاميذ الأحد عشر مرتبكين خائفين في العلية. وعندما دخل تلميذا عمواس بفرح وهتاف إلى غرفتهم وشهدا أن المسيح حي، وأنه كلمهما موضحاً لهما عن ضرورة موته وقيامته، تطلع التلاميذ في بعضهم البعض وهزوا رؤوسهم وركضت الأفكار في عقولهم جوناً. لأن قبل هذين التلميذين أخبرتهم مريم المجدلية وبعض النساء عن الحدث الغريب. هل حقاً قام المسيح؟

فربما قال البعض منهم لو كان هذه صحيحاً لكان ظهر لنا أولاً. وجاوبهم آخرون: ربما يريد أن يؤدبنا لأجل هربنا وإنكار بطرس.

وأخيراً أجمعوا أنه لا يمكن أنه قام، ولم يؤمنوا. هؤلاء هم الرسل في قوتهم الذاتية. لأن الروح القدس لم يحل فيهم بعد. فلم يقدروا أن يؤمنوا الإيمان الصحيح الجريء الحي. لأن الإيمان المستقيم هو ثمر الروح القدس.

الصلاة: أيها الرب المقام من بين الأموات، اغفر لنا عدم إيماننا وبطء قلوبنا. افتح عيوننا لنرى ضرورة موتك وعظمة انتصارك على الصليب. أنت القدوس وأنت القائم من بين الأموات، ولم يقدر الموت أن يمسكك. أنت حي وحياتك المحبة. وكم أظهرت نفسك على الأرض هكذا تكون اليوم في الروح. علمنا أن نتبعك في إنكار الذات ونحبك وحدك ونخدم جميع الناس كما أنت جعلت نفسك خادماً لغير المستحقين. آمين.

السؤال: 24 - لماذا لم يفهم تلاميذ يسوع موته ولم يؤمنوا بقيامته؟

5 - توبيخ يسوع لتلاميذه (الأصحاح 16: 14)

14أَخِيراً ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ وَهُمْ مُتَّكِئُونَ، وَوَبَّخَ عَدَمَ إِيمَانِهِمْ وَقَسَاوَةَ قُلُوبِهِمْ، لأَنَّهُمْ لَمْ يُصَدِّقُوا ٱلَّذِينَ نَظَرُوهُ قَدْ قَامَ.

قد دعا يسوع اثني عشر رسولاً. الذين مروا معه في الاضطهاد والآلام الكثيرة. وشاهدوا عجائبه. واحد منهم خانه وشنق نفسه يائساً، عندما أدرك أنه هو السبب بموت ابن الله، صارخاً: «سفكت دماً بريئاً». فندامته وشهادته أتت متأخرة.

فجهنم اغتصبت ملبوسها. لم ينفتح تماماً ليسوع بل أبغضه وانتقم مه عندما لامه أمام الجميع، وسلمه بقبلة.

في عشية يوم الأحد دخل المسيح إلى الغرفة المغلقة دون أن يفتح باباً أو نافذة. قد ظهر في وسطهم. ففزعوا وخافوا ووبخ حضوره عدم إيمانهم، وكشفت قداسته نجاستهم وخوفهم وتخطيطاتهم عن مستقبلهم الخاص.

وربما فكروا أن يرجعوا إلى سفنهم وشباكهم ليصطادوا السمك مرة أخرى. إنما خافوا من الأتقياء المتعصبين الذين اضطهدوهم كضالين.

لقد وبخهم يسوع لحالتهم المرتبكة ونخس قلوبهم وأذهانهم. قد حمل خطاياهم على الصليب وغفر لهم الكذب والعيوب والسرقات والشهوات. أما الآن فرأى نمو خطية الخطايا في قلوب أتباعه وهي عدم الإيمان.

لهذا السبب رأى نفسه مضطراً ألا يتكلم إليهم بمحبة لينة بل انتهرهم لأنهم آمنوا بالحقيقة الدنيوية أكثر من ثقتهم بوعوده الإلهية. وقد دانهم بكلماته لأنهم لم يخضعوا لشهادة المتيقينين بقيامته.

قد أظهر نفسه للنساء والرجال أما الرسل فأنكروا الحقيقة لعدم اختباراتهم الخاصة. فجعلوا بإنكارهم البسطاء في الإيمان كذابين.

وكان أحد أسباب عدم إيمانهم قلبهم القاسي البطيء. إذ ملأوا شعورهم الباطني بتقاليد وتعاليم خاصة. ومزجوا مبادئ يسوع بأفكارهم الشخصية. فيسوع يطلب منا تغيير الفكر وإنكار الفلسفة الخاصة وسماع كلماته بلا قيد ولا شرط وطاعة مباشرة لكلمته الالقة. طوبى للإنسان الذي يسمع كلمات يسوع ويفهمها ويقبلها ويؤمن بها ويحفظها ويعمل بها.

فالروح القدس يريد أن يحركنا ويحررنا من محبة الذات لنحب المسيح محبة كاملة فوق محبتنا لوالدينا وأقربائنا وأصدقائنا وتقاليدنا، لنسلم أنفسنا تسليماً كاملاً إلى ابن الله ليعمل هو منا ما يشاء.

هل تعرف إرادة يسوع بخصوص حياتك؟ إنه يشاء أن يمنحك قلباً جديداً وروحاً مستقيماً، لأن قلبك القديم قاسي وذهنك فاسد. فقيامة المسيح ترشدك إلى الحياة الجديدة مع الله. فربك يمنح لك إرادة جديدة وفهمأً إلهياً ويعطيك القوة لتنفيد إرادته.

إن العيد الكبير لا يعني فرحنا بالمقام من بين الأموات فحسب، بل توبة، وفكراً جديداً من القلب الجديد، لنشترك حقاً في قيامة المسيح اليوم. وقد وبخ الرب تلاميذه ليخلصهم، وجردهم ليلبسهم حياته.

هل تؤمن أنت بكيان المسيح الحي؟ هل أدركت اتضاعه حتى الموت كالطريقة الوحيدة المؤدية لكل البشر إلى الله؟ هل سلمت للمقام من بين الأموات حياتك ملكاً أبدياً له، وهل أردت أن تساهم في انتصار القيامة؟ فصلّ معنا هذه الصلاة التسليمية:

الصلاة: اللهم القدوس، أنت تعرفني وتعرف كل خطية في حياتي. أنا المذنب الذي لا يستحق إلا غضبك. ولكن يسوع ابنك الوحيد قد حمل خطيتي. وسكبت أنت غضبك عليه عوضاً عني. لقد حررني المصلوب من الدينونة. أشكرك شكراً قلبياً واسلم نفس لك يا مخلصي. أنت أحببتني، أنا الإنسان الشقي. وستنعشني وتخلق فيّ إرادة جديدة مانحاً لي قلباً جديداً وفكراً طاهراً. أشكرك لأنك قبلت حياتي المعقدة وخلصتني خلاصاً أبدياً. أسجد لك أيها الآب والابن والروح القدس. وأطلب إليك أن تحفظني في اسم اثالوث الواحد إلى الأبد. وتستخدمني ليدرك كثيرون من الضالين والأموات في الخطية أنك أنت الآب الحنون المحب، ويشتركوا اليوم في القيامة من الأموات بواسطة ارتباطهم الإيماني بك. آمين.

السؤال: 25 - لماذا وبّخ يسوع تلاميذه عند التقائه الأول بهم بعد قيامته من بين الأموات؟

6 - دعوة التلاميذ وإرسالهم إلى الخليقة كلها (الأصحاح 16: 15)

15وَقَالَ لَهُمُ: ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا.

ما أعجب إرسال التلاميذ الشاكين غير المقتدرين إلى تبشير العالم.

قبيل هذه الدعوة وبخهم يسوع لأجل عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم. ورأساً بعد هذا التوبيخ دعاهم رسلاً، ووضع مسؤولية تبشير العالم على أكتافهم وفي قلوبهم.

ما أعظم التعزية. فالمقام من بين الأموات لم يرسل قديسين صالحين أقوياء ليغلبوا الأرواح ويبشروا المسكونة بل قبل فاشلين جبناء وقليلي الإيمان.

ومما لا شك فيه أن الرسل تعلموا من هذه الدعوة الفريدة أن ليس هم الذين يقدرون أن يعملوا شيئاً صالحاً لله، بل إنه هو العامل في ضعفهم وفهموا أن برهم ميت سلبي، وأن عقلهم غبي، لأنهم لم يفهموا قيامة المسيح من بين الأموات ولم يؤمنوا بانتصاره ورفضوا شهادة شهود العيان.

أما الحي فرحمهم وظهر في وسطهم. وأقنعهم بوجوده الحقيقي الملموس. ومخاطبته إياهم بررتهم، محبته قوتهم. فهو ظهر لهم لتقويتهم وتشجيعهم وباركهم. قد ملأهم بإنجيله هو في ذاته الإنجيل. فهو محور بشارتهم.

وكلمهم بكلمات بالمعاني التالية: لا تبقوا جالسين خائفين بل اركضوا في اسمي. لا تدوروا حول أنفسكم بل تقدموا طالبين الأناس الغرباء لا تذهبوا إلى اجتماعاتكم المتأملة بين الزملاء المؤمنين بل فتشوا على الأشرار والصالحين، واطلبوا الأغبياءوالعباقرة. لا تهملوا الإنياء ولا الفقراء. لأن الجميع أموات في الذنوب. ليس إنسان صالحاً من تلقاء نفسه. الكل بحاجة ماسة إلى غفران حمل الله. ليس مخلوق عائشاً من ذاته. الجميع وضع لهم أن يموتوا. ولكن كل من يؤمن بابن الله فله الحياة الأبدية. لقائل: «أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حياً وآمن بي فلن يموت إلى الأبد». أتؤمنون بهذا..؟

ظهور المقام من بين الأموات جعل التلاميذ شهود عيان للحقيقة. لم يفهموا آنذاك معنى موته وعمق مصالحته. لكنهم تأكدوا تأكداً بلا بحث أن يسوع حي وليس ميتاً. لم يكن الصليب نهايته. قد ترك القبر وهو الغالب وليس للموت قوة عليه.

وفيما هم مشحونون بهذا الاعتقاد انطلقوا إلى عالم الذنوب والفناء. وأعلنوا حياة الله الظاهرة في المسيح فإنجيلهم لم يهدف أموراً دنيوية حتى ولا إنجيلاً على مستوى القيصر عن انتصار جيوشه أو تعيين خليفته بل هذا الإنجيل الإلهي تضمن رسالة لك الخليقة. الله منح حياته الخاصة في المسيح لكل من يؤمن. ليس الموت فيما بعد النهاية التي لا بد منها، فقد حل رجاء جديد في قلوب جميع المؤمنين بالمسيح.

شعر الرسل بالعرض والطول والعلو لملكوت الله. ولاحظوا بداية الخليقة الجديدة التي تشمل في نهايتها أيضاً الحيوانات والنباتات مع ذرات ونجوم. فينبغي أن كل زائل ومائت يتجدد بقوة حياة الله. قد صالح الابن العالم الشرير مع أبيه. فله الحق واسلطان أن ينشئ خليقة جديدة وينفذ تجديد الكون ويبطل الموت والخطية والشيطان فليس المال والملك والسلطة الدنيوية مع الرفاهية هي هدف الإنجيل. المسيح الحي هو القدوة والغاية للمؤمنين به. ادرس كلمة الله وافهم جوهرها فتعرف معنى وهدف الإنجيل.

هل أنت لا تزال غارقاً في الذنوب ومسرعاً نحو الموت؟ المسيح قام ويدعوك أنت الفاشل الشاك وينتشلك من فنائك لكي تحيا معه إلى الأبد. هل تشمئز خائفاً من الموت وترتجف من الدينونة؟

المسيح حي وإن سلمت نفسك له حقاً، تقوم اليوم من بين الأموات. غالباً وعائشاً معه إلى الأبد وهو يجعلك رسولاً لحياته. وإن حلت حياة الله فيك فلا تكون أنانياً فيما بعد بل تقوم وتسرع وتقدم رسالة الله الحي إلى الآخرين.

ليس ديننا دين الشريعة والدينونة والموت. بل يمتاز برائحة الحياة الطيبة.

الصلاة: اللهم القدوس أبانا الذي في السموات. نحمدك ونعظمك لأن ابنك حياتنا. قد دعانا نحن الفاشلين المذنبين أن نحمل حياتك إلى العالم الميت. نشكرك لأنك تسامحنا، وتشجعنا في اسم يسوع المسيح لنتقدم إلى كل البلاد وإلى جيراننا يمتلئوا هم أيضاً بحياة المقام من بين الأموات. نسجد لك أيها الرب يسوع لأنك قد قمت من بين الأموات وجعلتنا رسل حياتك. آمين.

السؤال: 26 - ما هي العجائب في أمر المسيح لرسله بتبشير العالم؟

7 - الإيمان والمعمودية في الخلاص (الأصحاح 16: 16)

16مَنْ آمَنَ وَٱعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ.

فسّر يسوع نتيجة الإيمان بالخلاص. فليس الإيمان مجرد فكر أو منطق أو تمسك بالاعتقاد، بل بالأحرى معرفة حياة الله واختبار قوة المسيح والثقة القلبية فيه. والمشي معه والتسليم وقطع العهد معه والثبات فيه، حتى يتحرر المؤمن من الهموم في مواجهة الموت ويبشر بعذوبة الحياة الإلهية.

فالإيمان هو علاقة نامية للمسيح التي تتقوى بمحبة متزايدة. هل أنت لا تزال وحدك أو هل ارتبطت ارتباطاً أبدياً بالمسيح؟ أنت مؤمن إن استغنيت عن حريتك واستقلالك وتلتصق بالمسيح مخلصك.

ألا تزال أنانياً وتريد أن تعيش لنفسك؟ لا تغر لذاتك لست حراً بل عبداً لخطيتك وشهواتك وتجاربك. أما المسيح فقد أتى ليخلصك. انفتح لخلاصه كاملاً. فيمس ضعفك بيده اليمنى ويغلب الموت ويمنح لك ثقة نامية في محبته حتى تنفتح عيناك وترى فاديك ي جماله وصلاحه ورثائه. تعال إلى المخلص اليوم واثبت فيه إلى الأبد. والعلامة الخارجية لتسليمنا الروحي إلى يسوع هي المعمودية باسم الآب والابن والروح القدس. وبهذا القرار الحازم يغرق المعمّد في محبة الله ليموت عن أناينته ويعيش في رحاب القدوس

هل أنت عائش خارج الله أم ثابت فيه؟ فالمعمودية الحقة تنقلك من الضلال إلى وحدة الثالوث الأقدس وتشركك في حياة الرب. طبعاً المعمودية كممارسة شكلية لا تنفع شيئاً، لا بد من الإيمان مع المعمودية. ولكن إن اعترفت بإيمانك وتمسكت عمداً بمعمويتك لا تخص نفسك فيما بعد بل أنت لله.

هل أصبحت خاصة لأبيك السماوي ومسلماً للمسيح. فمن يؤمن بتثبيته في ابن الله يختبر تعزية الروح القدس وجريان محبة الله في حياته. ويتيقن من حلاوة الحياة الأبدية.

كل من يؤمن ويعتمد يخلص.

هذا الخلاص قد ا بتدأ على الجلجثة عندما صرح المصلوب «قد أكمل». هناك صالح جميع البشر مع الله. فكل من يقبل هذا الامتياز يختبر في نفسه الخلاص. فهناك حقيقة الخلاص موضوعياً شرعياً شاملاً جميع الناس. قد تم الخلاص وليس من الضروري أن يموت لمسيح مرى أخرى، إنما هذا الخلاص يتحقق في المؤمنين بواسطة إيمانهم. فبدون إيمان لا خلاص. فالتقاؤك بالمسيح وثقتك به يجلب خلاص الله في نفسك. فبجانب الخلاص التام الموضوعي نجد تحقيق الخلاص الشخصي في الفرد بالإيمان.

والمعمودية هي من بداية الخلاص فيك. الرب يريدك أن تنمو وتنضج لتأتي بثمر كثير. ويخلص كثيرون بقدوتك وشهادتك. ليس خلاصك لنفسك فقط بل يخص الآخرين بنفس الوقت.

الذي اختبر الخلاص يخلص الآخرين. لا يستقر روح الله إلا بخلاص أكبر عدد ممكن من البشر. ويشاء استخدامك لتنشر خلاص المسيح في محيطك. اطلب إلى ربك ليريك مع من ينبغي أن تتكلم اليوم عن يسوع وخلاصه.

قد أختبر بيسوع في حياته الخاصة إنّ ليس كل الناس مستعدين للإيمان بل يتقسون ويمضون عنه ويستهزؤون به ويبغضونه ويكافحون ضده. فلا يوجد النمو في الإيمان فحسب بل ايضاٌ التناقض الظاهر في تقسي القلوب. فكل من لم يقبل الخلاص التام يهلك نفسه نفسه.

لا يرفض يسوع أنساناً ولا يهلكه لأنه المحبة. ولكن من يرفض خلاصه عمداً يضطر لحمل خطاياه الخاصة بنفسه. وكل من يهمل دينونة الله مستهزئاً في هذا تبتدئ دينونة الله اليوم فمن لا يؤمن يدن.

المسيح هو الطريق الحق إلى الخلاص.

لا دين ولا حزب ولا فلسفة أخرى تخلصك. لا توجد طرق مختلفة مؤدية إلى الله. كل من يدعي بتعدد الأديان كطريقة إلى الله لا يعرف الحقيقة بل يكذب. فالمسيح هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا به. قد أدان يهوذا نفسه لأنه انفصلعن المسيح أكثر فأكثر.

كيف حالة قلبك؟ هل أنت مستعد أن تلبس خلاص الله وتثبت في ربك، وتحبه فوق كل شيء؟ أم تهمله وتنكره وترفضه؟

انتبه أنت تقرر الحياة أو الموت، الخلاص أو الهلاك. من لا يؤمن بالمسيح يُدن. هذه الجملة القاطعة تدفعنا مرة أخرى إلى التبشير والمواظبة والصبر. الله يدعو العالم إلى الرجوع والإيمان بابنه. فكل من يؤمن به يحيا. ومن لا يقبل حياته يظل ميتً في الذنوب والخطايا. فأين أنت أيها القاري العزيز؟

الصلاة: نسجد لك أيها الآب القدوس لأجل خلاص ابنك الحبيب. نعظمك لأنك فتحت أعين قلوبنا بواسطة الروح القدس لنبصر أسرار حياتك ونمتلئ بمحبتك. قد خلصنا يسوع من خطايانا ومن سلطة الموت وحيلة إبليس. علمنا أن نسلم حياة يسوع المعطة لنا إلى كل الذين يتأوهون في الموت والذنوب. اخلق إيماناً حقاً في الذين يتدينون ويشتاقون إلى الحق لكي يحيوا ولا يدانوا. آمين.

السؤال: 27 - كيف يتعلق الإيمان بالخلاص؟

8 - علامات قوة الله في أتباع المسيح (الأصحاح 16: 17-18)

17وَهٰذِهِ ٱلآيَاتُ تَتْبَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ ٱلشَّيَاطِينَ بِٱسْمِي، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ جَدِيدَةٍ. 18يَحْمِلُونَ حَيَّاتٍ، وَإِنْ شَرِبُوا شَيْئاً مُمِيتاً لا يَضُرُّهُمْ، وَيَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ علَى ٱلْمَرْضَى فَيَبْرَأُونَ.

في حقل الطبيعة نرى بعد فصل الشتاء أن قوة النمو تأتي ببراعم وأوراق وأزهار حتى تنضج الثمار. وهكذا الخليقة الجديدة تأتي بالمعنى الروحي بالبراعم والأوراق والأزهار والثمار. فالمسيح هو الكرمة، والمؤمنون هم الأغصان.فلا يأتون بأي حركة من لنمو من تلقاء أنفسهم بل تأتي كل القوة والتدبير من الرب الذي هو الأصل.

فترى أولاً غلبة العالم الإلهي على قوى الشر لأن يسوع غلب المجرب. والآن ينزع منه أسراه. فعلى الأرواح الشريرة أن تنسحب حيث يكرز بإنجيل المسيح الحي كاملاً وصافياً فنبغي على الشياطين أن تترك الأفراد. والإنجيل يكشف الكذب في الفلسفات وتدن التقوى المزيفة في عبادة الناموس. لأن المسيح يرينا أن لا أحد يقدر أن يدرك بعقله المحدود الله غير المحدود. الذي لا تقوى له لا يستطيع أن يرضي القدوس. دم المسيح وحده يبررنا. فمن يضع نفسه تحت رش دم حمل الله لا ولن يجد الشرير قوة فيه. فمن يجاسر أن يتمسك بيدي المسيح الممتدتين نحوه ينشله من أربطة جهنم. وحيث يصلي المؤمنون مع بعض يتدخل يسوع شخصياً ويطرد عدو الخير وجيوشه المقيدون ويتحررون والأسرى يطلقون. فنعترف بعمل قوة المسيح اليوم الظاهرة في التحرير من سلطة الخطية والارتباطا الشنيعة وقيود الالتباس بالأرواح النجسة. لأن يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد.

الإنسان بدون الله يتكلم بكلمات شريرة وينطق بأكاذيب ودعارة. ويلعن ويشهد بشهادة زور ويعظم نفسه. ويشترك في موجات الجماهير لإخفاء عقده وأمنياته.

أما المسيح فيحرر الإنسان لحمد الله، ولشهادة فعالة عن قوته الروحية. فحيث يلتصق الإنسان بيسوع ينال لساناً جديداً. ولا يكذب ولا يجدف فيما بعد. ويشمئز من نطق نكت دعارة ولا يلعن، بل يلفظ كلمات المحبة والصدق. وبعض الأخوة والأخوات حصلوا جانب القول المستقيم البناء على موهبة التكلم بألسنة أخرى. حيث لا يكونون هم المتكلمين بل الروح نفسه يمجد الله. إنما لا يتكلمون ولا يظهرون أنفسهم حيث لم يحضر الرب مترجماً لتمجيد الرب وحده. فليس لساني خاصتي فيما بعد بل خاصة الرب وحده. ليضع و كلماته عليه. لتنطق شفتاي بتسبيحه.

والرب يحمي شهوده الذين عيّنهم لينقلوا شهادته. فيسوع مرّ من وسط أعدائه الذين قد رفعوا الحجارة لرجمه. لم تأت ساعته بعد. فلم تجد جهنم فيه سلطة. والرب حمى بعض قديسيه في مدة تاريخ الكنيسة مرة تلو المرة بعجائب ظاهرة. بينما سمح أن البعض لآخر عظموه بموتهم كشهداء. فالبعض داسوا على عناكب سامة وعقارب مؤلمة بدون علمهم، قد وضعها العدو تحت أقدامهم وحفظهم في اصطدامات السيارات المميتة. والرصاص المنهمر لم يصبهم.

البعض الآخر سبحوا الله قبيل إعدامهم كما قال الاسقف للجند الذين أطلقوا عليه الرصاص: «مع السلامة يا أيها الأموات، أنا منطلق إلى الأحياء».

ونحن نرى عواطف المسيح من نحو كل المتألمين، فهو يعينهم، ولا يكتفي بمجرد الكلام. طردت كلمته كل مرض، وتراكضت عليه جماهير المرضى من كل جهة. فشفى المكفوفين ولمس البرص وأقام موتى. وصار ملحبته صدى عظيم في المسيحية. إذ يخدمون مئات الألوف ي البيوت والمستشفيات والمآوي مظهرين محبة المقام من بين الأموات. ويشفي الرب في الخفاء كثيرين من المرضى نتيجة لصلوات أمينة وإيمان مخلص. فصلاة البار تقتدر كثيراً في فعلها.

قدرة المسيح تبشرنا بعصر جديد. وبزاسطة الإيمان والتوبة والاعتراف والثقة في المسيح تحدث اليوم آيات وعجائب لا تكبر المؤمنين في ذواتهم، بل تكرم المسيح وحده.

ولا تحدث هذه الآيات لتمجيد الكنيسة بل لتعظيم حمل الله المذبوح المستحق أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة (رؤيا 5: 12).

الصلاة: أيها الرب أنت حي وتحب كل الناس كما في أيام سيرتك على الأرض. فيك الشفقة مع الملبوسين والمرضى والمتضايقين وتشفيهم بواسطة الإيمان بك. وتحمي الواثقين فيك. عجائبك جديدة في كل صباح. زد فيّ المحبة والإيمان لتعظم قوتك ي ضعفنا. وأتغير إلى خادم الجميع ليخلصوا ويمجدوك في كل حين. آمين.

السؤال: 28 - كيف تظهر أعمال محبة المسيح اليوم بواسطة المؤمنين؟

9 - الملك السماوي يحكم بواسطة رسله (الأصحاح 16: 19-20)

19ثُمَّ إِنَّ ٱلرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ٱرْتَفَعَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ ٱللّٰهِ. 20وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَٱلرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ ٱلْكَلامَ بِٱلآيَتِ ٱلتَّابِعَةِ. آمِينَ.

غلب المسيح الثقل المتسبب من قوة الجاذبية. وارتفع أمام أعين تلاميذه ارتفاعاً، رمزاً أنه يدخل الآن حقاً إلى العالم الآخر. قد أحب أباه السماوي من كل قلبه ومن كل نفسه ومن كل قدرته. فبعدما أكمل خلاص العالم وأتمّ تعليمه انطلق إلى أبيه. الماً أن دخوله إلى قدس الأقداس وتقديم دم ذبيحته الثمين أمام عرش النعمة سيسبب البركة الكبرى على كل ذي جسد.

وعرف يسوع باختباراته المرة أن تلاميذه لن يستنيروا في عقولهم بدون هذا الروح ولن يجدوا قوة في ذواتهم لممارسة المحبة والإيمان والرجاء بدون مسحة الروح القدس.

فلذلك أسرع إلى أبيه ليسكب من شركة المحبة هذه عنصر محبة الله بالذات إلى قلوب أتباعه لكي يحبوا بعضهم بعضاً كما أحبهم هو.

وقد أنبأ الملك داود مسبقاً: «قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ» (مزمور 110: 1). فهذه النبوة اكتملت في صعود يسوع. وقد أكرم الآب ابنه إجلاسه عن يمينه. لأن المسيح أكمل ما لم يقدر كائن أن يكمله لا إنسان ولا ملاك.

قد صالح الابن بذبيحة دمه العالم الشرير بالله القدوس، فبعدما وصل حمل الله إلى السماوات وتقدم إلى عرش الجالس امتلأت رحابات القدس بتسابيح الحمد من أفواه جميع المخلوقات مع القديسين المرتلين: «مُسْتَحِقٌّ أَنْتَ َنْ تَأْخُذَ ٱلسِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَٱشْتَرَيْتَنَا لِلّٰهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لِإِلٰهِنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى ٱلأَرْضِ» (رؤيا 5: 9 و10).

المسيح يسوع هو اليوم الملك في العالم ويملك بواسطة كنيسته. ليس بأسلحة فتاكة بل بإنشاء مملكة روحية هو اشترانا خاصة لله فأصبحنا ملكه وهو مالكنا. ومملكته ليست مملكة دنيوية. ولا يقدم لنا كنوزاً فانية. مملكته أبدية.

وهكذا يرسل مرسليه إلى جميع البلدان ليخلص المستمعين إليهم من غضب الله وليشتركوا في الخلاص التام. والحي يبث حياته في كل المؤمنين به ويغير الخطاة القساة إلى أولاد الله المتسالمين. ملكوته يأتي والحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون، فاطلبوا ن رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده.

ألست أنت مدعواً من المسيح لخدمته وسط زملائه وعائلتك وجيرانك؟ لا تتسرع، فلا تعمل بالتحمس في قوتك الخاصة، بل اطلب من الرب أن يعمل معك. فيكون هو العامل وأنت آلة مباركة في يده اللطيفة. ضع نفسك ومواهبك كاملة وفوراً تحت تصرف يسوع فتختبرعجائب كثيرة، لا تكبرك ولا تشهرك بل تعظم ر بك فتصبح حمداً لفاديك.

جميع خدام الرب المستحقين لا يطلبون كذباً كرامة لأنفسهم، بل يدفعون كل المجد إلى يسوع، عالمين أن القوة العاملة في ضعفهم منذ بداية خلاصهم إلى نهاية خدمتهم ليست نابعة من أنفسهم بل من يسوع وحده ينبوع كل النعم، فلا سحر ولا شعوذة تعمل فيالمؤمنين بالمسيح بل كلماته تظهر قدرته. احفظ كلمات يسوع غيباً. كررها مصلياً في قلبك فتغنى في الروح وتغني كثيرين.

الصلاة: يا رب أنت ملكي وسيدي وربي وأنت عائش ومالك منذ الأزل الى الأبد. نشكرك لأنك بررتنا وأشركتنا في ملكك. قد اشتريتنا بدمك الثمين من سوق عبيد الخطية وجعلتنا خاصة لله ورسلا لمحبتك، لكي نخدمك ونحبك ونسامح الجميع ونشهد بلاصك وندعو الكل الى ملكوتك. امنح لنا إرشاد روحك القدوس وطاعة الإيمان المباشر والمواظبة على الصلاة في المصائب. لتكن مشيئتك على الارض. نشكرك لأننا نعيش في عصر النعمة ونرى أن حصادك كثير. أرسل فعلة مكرسين متواضعين مجتهدين ومطيعين الى كل مدنوقرى أمتنا والى كل البلدان حيث لا يعرفوك. لكي يشتركوا في ملء نعمتك. استخدمني أنا أيضا الغير مستحق لخدمتك لكي أعيش لتمجيد اسمك وأنشر كلمتك قولا وعملا وصلاة. آمين.

السؤال: 29 - ماذا يفعل يسوع اليوم؟

مسابقة انجيل مرقس الأخيرة

أيها الأخ العزيز. إن درست الجزء السادس والسابع من الإنجيل حسب البشير مرقس تستطيع أن تجاوب على الأسئلة بسهولة. وإن جاوبت على ثلاثة أرباع الاسئلة بصواب، نرسل لك أحد الكتب المذكورة في آخر هذا الكتاب والصادرة من دار نشرنا. والأسئلة هيالتالية.

  1. ما هو معنى حمل الفصح؟

  2. ماذا نتعلم من مسحة يسوع بواسطة مريم، والنقاش الذي جرى بعد هذه المسحة؟

  3. لِمَ قصد يهوذا خيانة يسوع وتلاميذه؟

  4. ما هي العلامة التي تعرف بها التلاميذان على الرجل الذي أراد يسوع أن يحضر العشاء في بيته؟

  5. ما هي المعاني المتضمنة في العشاء الرباني؟

  6. ما هو خطأ بطرس عندما حذره يسوع؟

  7. لِمَ اكتأب يسوع؟

  8. مم تأثرت في قصة القبض على يسوع؟

  9. ما هو معنى جواب يسوع أمام مجلس اليهود؟

  10. كيف صار الازدياد في انكسار بطرس تدريجيا؟

  11. ما هو معنى اعتراف يسوع بأنه ملك؟

  12. كيف عذب عساكر الرومان يسوع وكيف جاوب على استهزائهم؟

  13. ماذا نتعلم من حمل يسوع صليبه؟

  14. كيف صُلب يسوع؟

  15. ماذا يعني اللقب ملك اليهود؟

  16. لماذا طلب الزعماء والشعب من يسوع أن ينزل عن الصليب؟

  17. ما هو معنى قول المصلوب: الهي الهي، لماذا تركتني؟

  18. ماذا تعني الحوادث عند موت يسوع؟

  19. ماذا يعني وجود سيدات كثيرات عند الصليب؟

  20. ما هو الامر العجيب في دفن يسوع؟

  21. ماذا يعني الحجر المتدحرج عن باب القبر؟

  22. ما هي المبادئ الرئيسية التي أوضحها الملاك للنساء؟

  23. لِمَ ظهر يسوع المسيح لمريم المجدلية أولا؟

  24. لماذا لم يفهم تلاميذ يسوع موته ولم يؤمنوا بقيامته؟

  25. لماذا وبخ يسوع تلاميذه عند التقائه الأول بهم بعد قيامته من بين الأموات؟

  26. ما هي العجائب في أمر المسيح لرسله بتبشير العالم؟

  27. كيف يتعلق الإيمان بالخلاص؟

  28. كيف تظهر أعمال محبة المسيح اليوم بواسطة المؤمنين؟

  29. ماذا يفعل يسوع اليوم؟

أرسل أجوبتك بخط وعنوان واضح الى:

Call of Hope P.O.Box 10 08 27 - 70007 Stuttgart - Germany

e-mail: ainfo@call-of-hope.com