العودة الى الصفحة السابقة
بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ

بَارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ

المرشد للصلاة تأملات في نخبة من المزامير 120 - 150 مع المزامير المتضمنة الوعود بالمسيح الجزء الثالث

اسكندر جديد


List of Tables

1.
2.
3.
4.
5.
6.
7.
8.
9.
10.
11.
12.
13.
14.
15.
16.
17.
18.
19.
20.
21.
22.
23.
24.
25.
26.
27.
28.
29.
30.
31.
32.
33.

Bibliography

َبارِكِي يَا نَفْسِي ٱلرَّبَّ، وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ ٱسْمَهُ ٱلْقُدُّوسَ. اسكندر جديد. Copyright © 2005 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1993. SPB 3211 ARA. English title: Praise the Lord, O mySoul. German title: Lobe den Herrn, meine Seele. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْعِشْرُونَ - ترنيمة في الحج

1إِلَى ٱلرَّبِّ فِي ضِيقِي صَرَخْتُ فَٱسْتَجَابَ لِي. 2يَا رَبُّ نَجِّ نَفْسِي مِنْ شِفَاهِ ٱلْكَذِبِ، مِنْ لِسَانِ غِشٍّ. 3مَاذَا يُعْطِيكَ وَمَاذَا يَزِيدُ لَكَ لِسَانُ ٱلْغِشِّ؟ 4سِهَامَ جَبَّارٍ مَسْنُونَةً مَعَ جَمْرِ ٱلرَّتَمِ. 5وَيْلِي لِغُرْبَتِي فِي مَاشِكَ، لِسَكَنِي فِي خِيَامِ قِيدَارَ! 6طَالَ عَلَى نَفْسِي سَكَنُهَا مَعَ مُبْغِضِ ٱلسَّلامِ. 7أَنَا سَلامٌ، وَحِينَمَا أَتَكَلَّمُ فَهُمْ لِلْحَرْبِ.

هذا هو المزمور الأول في مجموعة المزامير التي سميت بمزامير أنشدها المسبيون الراجعون من الأسر فيما هم يجتازون المسافة الطويلة بين بابل ومدينة القدس. ولكن القول نصعد، كان يطلق أيضاً على الحج إلى المدينة المقدسة، في أيام الأعياد الكبيرة (صموئيل الأول 1: 3).

فحجاج مدينة القدس في تلك الأعياد كانوا يترنمون في طريقهم إليها (إشعياء 30: 29) ولكن هذه المزامير هي أشد موافقة وملائمة للأحوال بعد العودة من السبي. والأفكار التي فيها، يسهل أن تخطر على بال كل من الأسرى العائدين.

(1-4) في هذا المقطع من المزمور يظهر أن المرنم كان يعاني حالة ضيق شديد من جيرانه المعادين له، فيصرخ إلى الرب طالباً النجاة، متأكداً أن الرب يستجيب له، بناء على أمانته التي اختبرها سابقاً. وإنما الذي كان يؤلمه بالأكثر هو الكذب والغش وقد ناله من الكذبة الغشاشين شرور كثيرة.

من أكبر المشجعات للمؤمن أن يتذكر مراحم الله الماضية، ويجعلها أساساً لثقته في الوقت الحاضر. فبناء على هذا الاتكال الراسخ الوطيد قدم المرنم المتألم صلاته وفيها إشارة إلى فريق أو شخص يهيج الخصومات مستعملاً الأكاذيب والغش. وفي العهد القديم كثيراً ما شُبه لسان الغش بقوس ترمي سهام الكذب والنفاق. هكذا قال إرميا النبي «يَمُدُّونَ أَلْسِنَتَهُمْ كَقِسِيِّهِمْ لِلْكَذِبِ» (إرميا 9: 3) «لِسَانُهُمْ سَهْمٌ قَتَّالٌ يَتَكَلَّمُ بِٱلْغِشِّ» (إرميا 9: 8) وقال حكيم الكتاب «ٱلَّذِي يَرْمِي نَاراً وَسِهَاماً وَمَوْتاً، هٰكَذَا ٱلرَّجُلُ ٱلْخَادِعُ قَرِيبَهُ وَيَقُولُ: أَلَمْ أَلْعَبْ أَنَا» (أمثال 26: 18 و19) وقال الرسول يعقوب «فَٱللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ ٱلإِثْمِ... وَيُضْرَمُ مِنْ جَهَنَّمَ» (يعقوب 3: 6) فالتعذيب حينذاك يليق بالكاذب الغشاش لأنه أطلق سهام السعاية والافتراء والخداع. والآن سيُرمى بسهام أحد وأمضى، من يد من هو أقوى منه. وجمر الرتم الشديد الاستعار، سيلتهم الوشاة والنمامين. وهكذا ينال جميع الكذابين نصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت، الذي هو الموت الثاني (رؤيا 21: 8).

(5 و6) أما السبب الثاني الباعث على نوح رجل الله واكتئابه فهو مجاورته لأناس ليسوا من جنسه ولا من ميله. وماشك هو اسم قبيلة متحدرة من يافث (تكوين 10: 2) وقيدار هو اسم إحدى القبائل الرحل المتحدرة من إسماعيل، وكانت تعيش على السلب والنهب. يقول المفسرون أن داود لم يعش في جوار ماشك أو قيدار. وإنما استعار اسمي القبيلتين لجيرانه المعادين الذين ضايقوه وأزعجوه. فحن قلبه شوقاً إلى الوئام والسلام. ولكن جيرانه كرهوا السلام، وسعوا في النزاع والخصام، فليس عجيباً إذن أن يقول «ويل لي».

(7) يختم رجل الله هذا المقطع بكلمة «أنا سلام» أي أنه حاول مسالمة جيرانه وبذل جهداً لأجل مصادقتهم، ولكنهم صدوه ساخرين هازئين. وابوا أن يقبلوا شيئاً سوى الحرب والخصام.

وهذا أمر يبعث على أشد الحزن، ولكنه مألوف معروف بشهادة الاختبار. فالمزمور نشيد مسافر، أو سائح. وهو يمثل حالة المسيحيين الحقيقيين الذين رغم تمسكهم بمبدأ المسالمة، اضطهدوا، والعالم لم يشأ أن يعرفهم مع أن كل واحد منهم صيره المسيح إنساناً جديداً صانعاً سلاماً.

وما أسعدها من إنسانية، حين تتكون من وحدات حية في المسيح، أو ما عبر عنه الرسول بإنسان الله الكامل المتأهب لكل عمل صالح. هذا هو الإنسان الجديد، المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. إنسانية كهذه، لا مجال فيها للغش والكذب. ولا وجود فيها للخلاف الذي توجده الجنسية، ولا للعداء الذي يسببه اللون، ولا للمشاحنة التي تولدها الكذبة. لأنها إنسانية مخلوقة في المسيح لأعمال صالحة سبق الله فأعدها، لكي نسلك فيها. إنسانية جديدة حية كجسد واحد، كل عضو فيه يصير للآخر، لأنه في المسيح يحيا ويتحرك ويوجد.

الترنيمة

Table 1. 

إِلَى كَلِمَاتِي ٱصْغَ يَا سِيِّدِيتَأَمَّلْ صُرَاخِي لَدَيكْ
وَيَا مَلِكِي وَإِلَهِي ٱسْتَمِعْفَإِنِّي أُصَّلِي إِلَيْكْ
وَقَفْتُ أَمَامَكَ عِنْدَ ٱلْضُحَىأُصَّلِي لأَنِّي ذَلِيْلْ
إِلَى حَقِّكَ ٱلْمُسْتَقِيمِ ٱهْدِنِيوَسَهِّلْ إِلَيْكَ ٱلْسَبِيلْ
وَإِنِّي بِمَا نِلْتُ مِنُ رَحْمَةٍأَجُوزُ إِلَى مَنْزِلَكْ
أَجُوزُ بِخَوْفِكَ مُسْتَعْصِياًوَأَسْجُدُ فِي هَيْكَلِكْ
لِيَفْرَحْ مُحِبُوكَ وَلْيَهْتِفُواوُيَبْتَهِجُوا لِلأَبَدْ
فَإِنَّكَ وَاقٍ بِتُرْسِ ٱلْرِضَاضَعِيفاً عَلَيْكَ ٱعْتَمَدْ

الصلاة: إليك يا رب أرفع قلبي. مهللاً وشاكراً لأفضالك، التي لا تعد. ويا ملكي وربي وإلهي، استمع صلاتي. أسألك يا سيد أن تبارك أعدائي، الذين يريدون بي الشر، لأنهم ببركة خلاصك يتحولون إلى محبين. انزع البغضاء من قلوب الناس واسكب من محبتك في القلوب، حتى هذه تبتهج بالحب الذي يصبر على كل شيء ويحتمل كل شيء ويرجو كل شيء، باسم المسيح استمع لي. أمين.

السؤال: 1 - ماذا طلب المرنم في صلاته؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْحَادِي وَٱلْعِشْرُونَ - الله معيني

1أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى ٱلْجِبَالِ مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي. 2مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ، صَانِعِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ. 3لا يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ. لا يَنْعَسُ حَافِظُكَ. 4إِنَّهُ لا يَنْعَسُ وَلا يَنَامُ حَافِظُ إِسْرَائِيلَ. 5ٱلرَّبُّ حَافِظُكَ. ٱلرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ ٱلْيُمْنَى. 6لا تَضْرِبُكَ ٱلشَّمْسُ فِي ٱلنَّهَارِ، وَلا ٱلْقَمَرُ فِي ٱللَّيْلِ. 7ٱلرَّبُّ يَحْفَظُكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ. يَحْفَظُ نَفْسَكَ. 8ٱلرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ مِنَ ٱلآنَ وَإِلَى ٱلدَّهْرِ.

هذا المزمور يظهر الثقة التامة الكاملة بعناية الله الدائمة والواقية لمختاريه المتكلين عليه، في وقت الشدة والضيق. وفيه نرى الحفظ مكرراً ست مرات. منها ثلاث في صيغة اسم الفاعل «حافظ» وثلاث في صيغة الاستقبال يحفظ. وذلك لزيادة إثبات غاية الله بالبار ورفعه إلى الأعالي، وهذا الارتفاع هو تدريجياً، كصعود درجات السلم.

(1-4) يقول بعض المفسرين إن أحد الأسرى في بابل فيما هو عائد من بلاد الاغتراب، وحين لاحت لعينيه جبال فلسطين من بعيد. ساقه منظرها إلى تذكر بركات الله، وعنايته التي حفظته في أثناء الضيق. وأخيراً أتاحت له الحرية، فتوطد اتكاله على وقاية الله المستمرة، التي اختبرها.

وكان الرجوع عبارة عن مسير ظفر وانتصار، وفقاً للقول النبوي «وَمَفْدِيُّو ٱلرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ... بِٱلتَّرَنُّمِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ» (إشعياء 51: 11).

هكذا مفديو يسوع يتابعون مسيرتهم في هذا العالم وعيون ذهنهم شاخصة إلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية (عبرانين 12: 22) لأنهم قاموا مع المسيح وراحوا يطلبون ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. من هناك يأتيهم العون بشفاعة الذي فداهم، وبحسب وعده الصالح الأمين لن يتخلى عنهم، بل سيقف إلى جانبهم مقوياً ومعزياً. وكلمته لهم «لا تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِٱسْمِكَ. أَنْتَ لِي. إِذَا ٱجْتَزْتَ فِي ٱلْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي ٱلأَنْهَارِ فَلا تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي ٱلنَّارِ فَلا تُلْذَعُ، وَٱللَّهِيبُ لا يُحْرِقُكَ. لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ إِلَهُكَ» (إشعياء 43: 1-3).

وهذا الرب الفادي في أخذه صفة الحارس، يشدد السهر على حياة مختاريه، لوقايتهم من الزلل. وهو في هذا ليس كحارس بشري معرضاً للتعب والنعس. فهو الرب القادر على كل شيء، الذي خلق السماء والأرض. وهو الضابط الكل الذي لا يغفل عن حفظ خاصته. وفقاً لوعده القائل «خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلا يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 10: 27 و28).

هل رن في اذنك الداخلية، صوت طرق يسوع على باب قلبك. إن كان نعم، فطوباك إن فتحت له الباب. عندئذ يدخل إليك ويتعشى معك وأنت معه (رؤيا 3: 20).

هذا هو المسيح المحب، الذي يبحث ويطلب ويفتش، ويقرع وينتظر. وليس إلا المحبة تفعل هذا! وهنا ترى مسؤولية الإنسان. المسيح يقرع والإنسان يجب أن يفتح له. لأن المسيح لا يفتح الباب عنوة.

لقد كان هولمان هانت محقاً لما رسم لوحة نور العالم، وصور مفتاح باب قلب الإنسان من الداخل. والواقع أن باب قلب الإنسان لن ينفتح للمسيح إلا من الداخل. ويقول ترنش إن الإنسان سيد بيته وقلبه. ويستطيع أن يوصد بابه، ويرفض الداخلين. إن من يرفض أن يفتح، يرفض البركة، ويكون المنتظر البائس.

(5-8) شكراً لإلهنا، لأنه إله حافظ مرافق البار، كما يرافقه ظله. لهذا يمكنه أن ينام مطمئناً، لأنه سبحانه يبقى حارساً له وواقياً. صحيح أن في الحياة أخطاراً كثيرة ناتجة عن أسباب طبيعية ولكن الله عينه على أمنائه يحفظهم في الضيق.

ومن اختباراته مع الله، يرى المرنم أن حفظ الله يتسع ويتسع، حتى يقي من كل شر. إنه يحفظ السائح الحقيقي المخلص، ولا سيما نفسه. فإنها تحفظ بالإيمان وديعة عند الله حفظاً كاملاً. قد تتعرض أشياؤنا الأرضية للأذى، ولكن النفس المؤمنة في سلامة وأمان. وقد قيل: النفس المؤمنة هي نفس مؤمنّة.

ويختم المزمور بكلمات معزية للراجعين من السبي، أو الصاعدين بالإيمان إلى أورشليم السماوية. وفي هذه الكلمات حقيقة حلوة وثمينة إلى الغاية، تبقى على مر الأزمنة. فإن كنا مخلصين لله، فلنا أن نتوقع بملء الثقة والاطمئنان حفظه لنا وعنايته بنا، في أعمالنا اليومية، وأحوالنا المختلفة.

وعندما يحين خروجنا الأخير، المحتوم على كل حي، ونجتاز وادي ظل الموت، يكون ربنا وحافظنا الذي لا ينام بجانبنا ليقودنا ويمنحنا راحة وعزاء. وهكذا ندخل بسعة إلى ملكوت ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الأبدي (بطرس الثانية 1: 11).

وبتعبير آخر، فإن الحقيقة، التي أشار إليها المرنم، هي أن الله يحفظ مختاريه من الشرور كبيرها وصغيرها. يحفظ خروجهم ودخولهم، ليس لساعات أو لأيام بل الآن وإلى الأبد.

الترنيمة

Table 2. 

أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى ٱلْجِبَالِ مِنْحَيْثُ يَجِيءُ ٱلْعَوْنُ لِي
مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ صَانِعِ ٱلسَّمَاوَٱلأَرْضِ رَبُّنَا ٱلْعَلِي
لاَ يَدَعُ ٱلرِّجْلَ تَزِلُّ حَافِظاًمُسْتَيْقِظاً لاَ يَنْعَسُ
يَحْفَظُ شَعْبَهُ فَلاَ يَسْهُو وَلاَيَنَامُ لَكِنْ يَحْرُسُ
ٱلرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يُمْنَاكَ لاَتَؤْذِيكَ شَمْسٌ فِي ٱلنَّهَارْ
وَلاَ يُصِيبُكَ ٱلأَذَى مِنْ قَمَرٍفِي جُنْحِ لَيْلٍ قَدْ أَنَارْ
يَحْفَظُكَ ٱلرَّبُّ ٱلَّذِي أَنْشَأْهُمَامِنْ كُلِّ شَرٍّ وَأَذَى
يَقِيكَ فِي ٱلْخُرُوجِ وَٱلْدُخُولِذَا ٱلْوَقْتِ حَتَّى ٱلْمُنْتَهَى

الصلاة: إليك أرفع نفسي، يا ساكناً في الأعالي شاكراً نعمتك التي لم تهملني ولم تمنع معونتها عني. أرسل عونك أيها السيد، وانجد الضعفاء. عز الحزانى انهض الساقطين، شجع صغار النفوس. اللهم بارك أوطاننا ومواطنينا وانشر السلام في ربوعنا. وبارك رؤساء حكوماتنا، معطياً لهم الإرشاد لكي يقودوا الشعوب في دروب السلام. باسم رئيس السلام، نسأل هذا، فاستجب ولك المجد. آمين.

السؤال: 2 - ما هي الكلمة المكررة في هذا المزمور 121 وما هو عدد المرات التي تكررت فيها وفي أي صيغة؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ - ترنيمة في الحج

1إِنْ لَمْ يَبْنِ ٱلرَّبُّ ٱلْبَيْتَ فَبَاطِلاً يَتْعَبُ ٱلْبَنَّاؤُون. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ ٱلرَّبُّ ٱلْمَدِينَةَ فَبَاطِلاً يَسْهَرُ ٱلْحَارِسُ. 2بَاطِلٌ هُوَ لَكُمْ أَنْ تُبَكِّرُوا إِلَى ٱلْقِيَامِ، مُؤَخِّرِينَ ٱلْجُلُوسَ، آكِلِينَ خُبْزَ ٱلأَتْعَابِ. لٰكِنَّهُ يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْماً. 3هُوَذَا ٱلْبَنُونَ مِيرَاثٌ مِنْ عِنْدِ ٱلرَّبِّ، ثَمَرَةُ ٱلْبَطْنِ أُجْرَةٌ. 4كَسِهَامٍ بِيَدِ جَبَّارٍ هٰكَذَا أَبْنَاءُ ٱلشَّبِيبَةِ. 5طُوبَى لِلَّذِي مَلأَ جُعْبَتَهُ مِنْهُمْ. لا يَخْزُونَ بَلْ يُكَلِّمُونَ ٱلأَعْدَاءَ فِي ٱلْبَابِ.

يرجح المفسرون أن كاتب هذا المزمور هو سليمان. ويستندون في ذلك على احتواء المزمور عدة تعابير، اتبع فيها طريقة الحكم والأمثال. والواقع أن الكاتب إن لم يكن سليمان، فهو على الأقل كان ملماً بمحتويات الأمثال. ولا ريب في أن المزمور قد كتب بعد الرجوع من السبي. ومعنى المزمور في وجه عام، أن بركة الرب هي سر النجاح، في كل عمل، وأن كلَّ سعي بدونها باطل. والواقع أن أحد أمثال سليمان يتضمن المعنى العام لهذا المزمور، إذ يقول «بَرَكَةُ ٱلرَّبِّ هِيَ تُغْنِي، وَلا يَزِيدُ ٱلرَّبُّ مَعَهَا تَعَباً» (أمثال 10: 22).

(1) في هذا العدد إشارة إلى بناء البيت، فالبيوت كانت في أورشليم قليلة. هكذا قال نحميا: وكانت المدينة واسعة الجناب وعظيمة، والشعب قليلاً في وسطها، ولم تكن البيوت قد بنيت (نحميا) والبيوت القليلة التي كانت قائمة، أثارت حجي النبي بفخامتها، فوبخ الشعب قائلاً: «هَلِ ٱلْوَقْتُ لَكُمْ أَنْتُمْ أَنْ تَسْكُنُوا فِي بُيُوتِكُمُ ٱلْمُغَشَّاةِ، وَهَذَا ٱلْبَيْتُ خَرَابٌ» (حجي 1: 4).

فالمدينة احتاجت إلى أسوار لحمايتها. وهذا الأمر، صار موضوعاً لاهتمام نحميا الأول. كان الشعب قليلاً في المدينة، وكان كلما بُني بيت، أمست الحاجة ملحة إلى حراسته. وعندما اتسع نطاق البناء في المدينة، تضاعفت الحاجة إلى حمايتها. وأصبح الموكلون بحراستها، مضطرين أن يضاعفوا اليقظة والانتباه ولكن هذا العمل كله لا فائدة منه، إن لم يكن مصحوباً ببركة الله. لأنه هو الذي يحصن الشقوق ويقيم الردم ويبني كأيام الدهر (عاموس 9: 11).

هل اتكلت على الله في بناء بيتك؟ قال حكيم الكتاب المقدس «بِٱلْحِكْمَةِ يُبْنَى ٱلْبَيْتُ وَبِالْفَهْمِ يُثَبَّتُ» (أمثال 24: 3) فهلا سألت الرب أن يمنحك الحكمة والفهم لكي تؤسس بيتك على صخر الدهور، ربنا يسوع لكي تثبت عائلتك ويسلك أفرادها في البر وقداسة الحق! وكما أن المدينة المتوافرة لديها الحراس، لا تثبت بدون بركة الرب، هكذا البيت بدون وجود الرب فيه يسقط.

(2) في هذه الآية يشير رجل الله إلى العمل الطويل المتواصل. فحينما يجلس العامل المتعب لتناول عشائه المتأخر، ربما يتذمر. لأنه يأكل خبز الأتعاب. لذلك هو يحتاج إلى عمل الله في حياته، حتى يتذكر الشرعة التي سنها الرب في البدء «بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزاً» (تكوين 3: 19) نعم إن العمل يحتاج إلى بركة الله عليه، لتعقبه الراحة التي يعطيها لنفوس أحبائه الأمناء.

لا يوبخ رجل الله العمل، وإنما يوبخ الكرب والتضايق اللذين ينهمك الناس بهما، إلى درجة يصبحان معها هماً، ظانين أن المبالغة بالاهتمام، توصلهم إلى قمة النجاح. صحيح أن السعي نحو الكمال واجب، ولكن ليس إلى درجة فقدان الثقة بالله، وعدم التقيد بشرائعه.

والمغزى المستفاد على وجه الإجمال، هو أن العمل أيا كان نوعه أو طريقة ممارسته بدون وجود الله في حياة الإنسان، يكون باطلاً. ويكون أصحابه مجرد آكلين خبز الأتعاب، بعيدين عن التمتع بالبركات التي يمنحها الله لجميع الذين هم له، أيا كان نوع العمل الذي يزاولونه.

الطريقة المثلى في العمل، هي أن نؤدي أعمالنا بأمانة وإتقان متكلين على بركة الرب. ولكن لا يسوغ لنا بوجه من الوجوه أن نجعل العمل يستغرق كل اهتمامنا ويشغلنا عن الافتكار بالله. وحينئذ نضمن الربح، سواء كانت النتيجة عظيمة أو صغيرة. الأهم أن يكون الربح مشمولاً ببركة الله، التي تؤدي إلى طمأنينة القلب وراحة البال. ولذلك قيل بالأنبياء «ذُو ٱلرَّأْيِ ٱلْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِماً سَالِماً، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ» (إشعياء 26: 3).

(3-5) كان أتقياء العهد القديم يومئذ، يحسبون كثرة الأولاد بركة عظيمة. وقد يكون السبب قلة عدد العائدين من السبي، والذين كان عليهم أن يعيدوا لمدينة القدس أمجادها السالفة، ويحموها من هجمات الغزاة.

ولعل المرنم وهو يكتب هذا المزمور، تصور أبا في شيخوخته، وهو محاط بمجموعة من البنين الشباب الأشداء، الذين ولدوا في أوائل حياته الزوجية، والآن قد صاروا قادرين على الوقوف حوله كسياج منيع في أواخر أيامه. بحيث لا يستطيع أعداؤه الحاق الأذى به، لأن الأبناء الأقوياء يصدونهم.

إنه لجميل حقاً، أن يكون لأب مثل هذه المجموعة من الأبناء المقتدرين! ولكن الأجمل أن يستطيع هذا الأب أن يقول: هوذا الأبناء الذين أعطانيهم الرب! لقد ربيتهم في تأديب الرب وإنذاره، حتى صاروا في المسيح خلائق جديدة!

الترنيمة

Table 3. 

يُسَرُّ رَبِّي أَنْ يَرَىبَيْتاً يَعِيشُ بِٱلْوِفَاقْ
وَيَسْمَعُ ٱلأَوْلاَدَ إِذْيُرَنِّمُونَ بِٱتِفَاقْ
يُفَضِّلُ ٱلْحُبَّ عَلَىكُلِّ ٱلْعَطَايَا ٱلْوَافِرَةْ
وَهَكَذَا يَجْعَلُنَانَحْيَا حَيَاةً طَاهِرَةْ
ٱلْوَلَدُ ٱللَّطِيفُ مَنْيَكْرَهُ شَرَّ قَلْبِهِ
وَكُلُّهُ وَدَاعَةًوَذَاكَ مَرْضِيٌ بِهِ
فَٱغْفِرْ لَنَا يَا رَبَّنَاكُلَّ ٱلْخَطَايَا يَا رَحِيمْ
لِكَيْ نَذُوقَ لَّذَّةًبِحِفْظِ أَمْرِكَ ٱلْكَرِيمْ

الصلاة: نشكرك يا إلهنا الصالح، لأنك تهتم بالبيوت، وتريد أن تتعهدها بالعناية والحراسة. بارك هذا المجتمع الذي نعيش فيه بكل بركة روحية في السموات في المسيح يسوع. حتى تكون بيوتنا مقدسة طاهرة، تشهد لعمل الرب بسيرتها في النور. وليكن لك المجد في حياتنا. آمين.

السؤال: 3 - من هو كاتب هذا المزمور؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ وَٱلْعِشْرُونَ - مكافأة الحياة التقية

1طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي ٱلرَّبَّ وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ، 2لأَنَّكَ تَأْكُلُ تَعَبَ يَدَيْكَ. طُوبَاكَ وَخَيْرٌ لَكَ. 3ٱمْرَأَتُكَ مِثْلُ كَرْمَةٍ مُثْمِرَةٍ فِي جَوَانِبِ بَيْتِكَ. بَنُوكَ مِثْلُ غُرُوسِ ٱلزَّيْتُونِ حَوْلَ مَائِدَتِكَ. 4هٰكَذَا يُبَارَكُ ٱلرَّجُلُ ٱلْمُتَّقِي ٱلرَّبَّ. 5يُبَارِكُكَ ٱلرَّبُّ مِنْ صِهْيَوْنَ، وَتُبْصِرُ خَيْرَ أُورُشَلِيمَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ، 6وَتَرَى بَنِي بَنِيكَ. سَلامٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ.

في هذا المزمور المجيد وصف للجزاء الحسن الذي يناله من يخاف الله، ويطيع وصاياه، ويثابر على العمل بجد وإخلاص. وهو يرسم لنا أجمل وأوضح صورة للبيت السعيد.

في الواقع أن المرنم يغبط العائلة، التي يتقي أفرادها الرب، ويطوبها على سعادتها التي متعها بها السيد الرب. هكذا كانت تطلعات القادمين من الأسر. كانوا يتطلعون بعيون الشوق إلى بيوت كهذه، تتجدد فيها الحياة العائلية السعيدة. ويقيناً أن الحياة الهانئة، لا تحصل إلا إذا كانت مؤسسة على مخافة الرب. وما أروعه من مزمور يجدر بكل عائلة ليس فقط أن تترنم به، بل أن تتخذ من آياته البينات شعاراً لها.

(1) يستهل المرنم هذا المزمور بتطويب الإنسان المتقي الرب، الذي يسلك في طرقه، لأن طرق الرب مستقيمة، وهي تؤدي إلى ديار الرب التي لقبها يوحنا الرائي بأورشليم السماوية، حيث مسكن الله مع الناس.

قيل أنه في زمن يوحنا كانت النظرية، أن كل ما على الأرض ظلال وصور خافتة للحقائق السماوية. ولعل هذه النظرية مقتبسة عن أفلاطون، الذي قال، إن كل شيء على الأرض، له نموذج كامل في العالم غير المنظور.

أما اليهودية فكانت أحلامها مركزة في أورشليم الأرضية، وهذا يرى في الصلاة التي كانوا يرددونها في المجامع كل يوم سبت، ويقولون فيها، ارجع يا رب بالرحمة إلى مدينتك أورشليم واجعلها مسكناً لك، كما سبق وعدك. واسرع ببنائها في أيامنا بناء غير متزعزع. واسرع يا رب ببناء عرش داود. مبارك أنت يا رب، يا باني أورشليم.

وقد كرر الأنبياء هذه الفكرة نفسها، إذ نقرأ في إشعياء «أَيَّتُهَا ٱلذَّلِيلَةُ ٱلْمُضْطَرِبَةُ غَيْرُ ٱلْمُتَعَّزِيَةِ، هَئَنَذَا أَبْنِي بِٱلأُثْمُدِ حِجَارَتَكِ، وَبِٱلْيَاقُوتِ ٱلأَزْرَقِ أُؤَسِّسُكِ، وَأَجْعَلُ شُرَفَكِ يَاقُوتاً وَأَبْوَابَكِ حِجَارَةً بَهْرَمَانِيَّةً، وَكُلَّ تُخُومِكِ حِجَارَةً كَرِيمَةً وَكُلَّ بَنِيكِ تَلامِيذَ ٱلرَّبِّ، وَسَلامَ بَنِيكِ كَثِيراً» (إشعياء 54: 11-13).

ويوحنا يجمع جمال كل ما قيل في رؤى سابقة في رؤياه: الحجارة الكريمة، والشوارع والمباني الذهبية، والبوابات المفتوحة دائماً، ونور الله، الذي يجعل الساكنين في أورشليم السماوية يستغنون عن الشمس والقمر.

هذا هو الإيمان حتى بعد أن تتلاشى المنظورات، تبقى النماذج السماوية الصحيحة. ولا بد من البركة النهائية لأتقياء الرب الأمناء.

هذا هو وعد الله للأتقياء إنهم يسكنون معه في شركة روحية، لها نتائج غريبة ورائعة. يمضي البكاء والحزن، لأن الله سيمسح كل دمعة من عيونهم (رؤيا 21: 4) وهذه كانت رؤيا إشعياء النبي، إذ قال «وَيَهْرُبُ ٱلْحُزْنُ وَٱلتَّنَهُّدُ» (إشعياء 35: 10) «وَلا يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلا صَوْتُ صُرَاخٍ» (إشعياء 65: 19).

صحيح أننا في عهد النعمة لم نصل بعد للوقت الذي ليس فيه حزن ولا وجع، لأن هذا للمستقبل مع الله، وفقاً لقول المسيح «طُوبَى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَّزَوْنَ» (الإنجيل بحسب متى 5: 4).

(2) في هذه الآية يذكر المرنم المكافأة التي ينالها المتقي الرب في هذا العالم إنه يعيش وفقاً للشرعة التي سنها الله في الفردوس، حين قال لآدم المطرود «بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزا» (تكوين 3: 19) وكان العمل بموجب هذه الشرعة من ميزات بولس، وقد حض المؤمنين على العمل بها، إذ قال «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ ٱلَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ ٱلْيَدَانِ. فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هٰكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ ٱلضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ ٱلرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ ٱلْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ ٱلأَخْذِ» (أعمال الرسل 20: 24 و25).

(3) في هذه الآية وصف للبيت السعيد الذي تزينه التقوى، وتظهر فيه الزوجة بأروع الأمثلة، كالكرمة المثمرة، التي هي بهجة الأرض وجمال مجدها. والواقع أن السيدة المكتفية بما قسم الله لها من بركات، هي تاج جمال لرجلها. وكما تنبت غروس الزيتون حول جذع الزيتونة، هكذا الأولاد الذين تربوا في خوف الرب يجلسون ليس فقط حول مائدة الطعام، بل أيضاً حول كلمة الله التي يتلوها الوالد المتقي الرب في اجتماع العائلة اليومي.

(4-6) في هذا المقطع يذكر المرنم الأساس الوطيد لكل بركة عائلية، أو سعادة منزلية. وهو تقوى الرب. وهذا التأكيد ملحق بوعد عظيم في الآيتين الخامسة والسادسة «يبارك الرب من صهيون، أي من مكان قدسه، وتبصر خير أورشليم وتبصر بني بنيك» وعلى هذا المنوال تنتقل السعادة إلى الأجيال المقبلة. لأن البركة تنحدر من عند الرب ولا يصح لأحد أن يستأثر بها. فعلى المتقي الرب أن يهتم اهتماماً متواصلاً بنسله.

وهذا ينطبق أيضاً على مسلك المؤمن حيال وطنه، إذ يجب أن يكون مواطناً صالحاً، عاملاً لخير وطنه. وقد قال المسيح «أنتم ملح الأرض... أنتم نور العالم... فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات».

الترنيمة

Table 4. 

مَا أَسْعَدَ ٱلْبَيْتَ ٱلَّذِيقَدْ حَلَّ فِيهِ ٱبْنُ ٱلْعَلِي
حَيْثُ ٱلْمَسِيحُ ٱلْمُفْتَدِيأَضْحَى رَئِيسَ ٱلْمَنْزِلِ
قرار 
طُوبَى لِبَيْتٍ قَائِمٍأَسَاسُهُ ٱلدِّينُ ٱلصَّحِيحْ
طُوبَى لِبَيْتٍ فَاضِلٍ(شِعَارُهُ حُبُّ ٱلْمَسِيحْ)2
فِي ذَلِكَ ٱلْبَيْتِ ٱلْسَّعِيدْيَسُودُ بِرٌّ وَوِئَامْ
إِذْ رُوحُ فَادِينَا ٱلْمَجِيدْقَدْ حَلَّ فِيهِ وَٱلسَّلاَمْ
لاَ بُغْضَ فِيهِ لاَ حَسَدْلاَ شَيْءَ يَدْعُو لِلْخِصَامْ
فِي حِرْزِهِ يُنْفَى ٱلْكَمَدْفِي رَبْعِهِ يَحْلُو ٱلنِّظَامْ
بَيْتٌ أَنَاشِيدُ ٱلْهَنَاتَرِنُّ فِي أَرْجَائِهِ
يَغْمُرُهُ رَبُّ ٱلسَّمَابِٱلْفَيْضِ مِنْ آلاَئِهِ

الصلا: يا الهنا الحي، يا مصدر كل بركة وخير وسلام، أشكرك لأجل وعودك الصادقة للأتقياء، الذين جعلوك متكلهم. أسألك يا سيدي الرب أن تمنح النعمة لكل مواطن لكي يؤسس بيته على يسوع صخر الدهور. حتى تكون بيوتنا منبتاً للنشأ الصالح، الذي يعيش في التقى، ويعبد الرب بالروح والحق. قادر أنت وحدك أن تشيع السلام في كل عائلة، حتى يكون مجتمعنا على مستوى خلقي رفيع. فاصنع هذا لنا إكراماً ليسوع آمين.

السؤال: 4 - ماذا يلفت نظرك في هذا المزمور؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّلاثُونَ - التوبة

تَرْنِيمَةُ ٱلْمَصَاعِدِ

1مِنَ ٱلأَعْمَاقِ صَرَخْتُ إِلَيْكَ يَا رَبُّ. 2يَا رَبُّ ٱسْمَعْ صَوْتِي. لِتَكُنْ أُذُنَاكَ مُصْغِيَتَيْنِ إِلَى صَوْتِ تَضَرُّعَاتِي. 3إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ ٱلآثَامَ يَا رَبُّ يَا سَيِّدُ، فَمَنْ يَقِفُ؟ 4لأَنَّ عِنْدَكَ ٱلْمَغْفِرَةَ. لِكَيْ يُخَافَ مِنْكَ. 5ٱنْتَظَرْتُكَ يَا رَبُّ. ٱنْتَظَرَتْ نَفْسِي، وَبِكَلامِهِ رَجَوْتُ. 6نَفْسِي تَنْتَظِرُ ٱلرَّبَّ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْمُرَاقِبِينَ ٱلصُّبْحَ. أَكْثَرَ مِنَ ٱلْمُرَاقِبِينَ ٱلصُّبْحَ.

في هذا المزمور يصعد المرنم من لجة الحزن والشقاء، إلى قمة الاتكال على الله والثقة بالفداء. ويرجح بعض المفسرين أن هذا المزمور كان ينشد في زمن نحميا. ويستندون في رأيهم هذا على وجه الشبه بين نصوص المزمور وبين صلاة نحميا التي اعترف فيها بخطايا أمته (نحميا 1: 4-11).

وهذا المزمور حسب من مزامير التوبة، ومن واجب كل طالب الله، أن يتلوه بكل تخشع. وكان هذا المزمور أحد المزامير المحببة لرجل الإصلاح مارتين لوثر، والتي حسبها متشابهة مع كتابات الرسول بولس.

ويقال إن هذه المزامير كانت تنشد على أعتاب السلم الموصلة إلى رواق الهيكل. وكانت درجاتها خمس عشرة درجة. فكانوا كلما يرتفعون درجة يتلون أحد هذه المزامير. وهي تكون فيما بينها منهجاً روحياً تصاعدياً، يمكن المصلي أن يتأمل فيه بأفكاره وعواطفه، ليرتفع إلى عرش النعمة.

(1) «من الأعماق» أي من عمق الضيقات والأحزان والتجارب. هذه الصرخة صعدت من صدر إرميا من عمق جب الوحل الذي سجن فيه، ومن أعمال دانيال وهو في جب الأسود، ومن قلب يونان وهو في بطن الحوت. وإنه لجدير بنا أن نصرخ إلى الله، عندما تحيق بنا التجارب والضيقات. لأنه أفضل وسيلة لوقايتنا من الغوص في بالوعة اليأس.

اصرخ إلى الله يا أخي، وقل له: يا رب من عمق تجاربي ألتمس حنانك ورحمتك. اصرخ بثقة فينتشلك، ويعطيك القوة على الاحتمال. طبعاً إن الصراخ لا يعني تعلية الصوت في الصلاة، أو عمل حركات غريبة، كما تفعل بعض الطوائف المتطرفة. وإنما يعني رفع القلب إلى الله، وشد العقل وكل الحواس نحوه.

تمثل بدانيال النبي، الذي عندما أصدر الملك داريوس أمراً بأن كل من يطلب طلبة حتى ثلاثين يوماً من إله أو إنسان خلاف الملك، يطرح في جب الأسود، ذهب إلى بيته وجثا على ركبتيه وحمد قدام إلهه. والرب استجاب له، لأنه حينما طرح في جب الأسود أرسل الرب ملاكه وسد أفواه الأسود، فلم تلحق به أي أذى.

(2) عندما تنادي الله باستمرار ومن الأعماق تأكد أن إجابة أكيدة ستأتي منه. إنه قريب لكل الذين يدعونه بالحق، ويعمل رضى خائفيه ويسمع تضرعهم. قل له: استمع صلاتي يا رب واصغ إلى صراخي، لا تسكت عن دموعي. أنت آب حنون، يلذ له أن يسمع أصواتنا. «فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ ٱلنِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْناً فِي حِينِهِ» (عبرانيين 4: 16).

(3) لو تعامل الله معنا بحسب العدل، فإنه يرجفنا بغضبه، قائلاً «تَبَاعَدُوا عَنِّي يَا جَمِيعَ فَاعِلِي ٱلظُّلْمِ» (الإنجيل بحسب لوقا 13: 27) وعندئذ نطرح من قدام وجهه إلى الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. ولكنه من أجل خاطر الفادي يصفح عن آثامنا، ويتغاضى عن أزمنة جهلنا.

(4) نعم إن الله رحوم ومن إحساناته «أَنَّنَا لَمْ نَفْنَ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ لا تَزُولُ. هِيَ جَدِيدَةٌ فِي كُلِّ صَبَاحٍ» (مراثي إرميا 3: 23) وهو يقول «إني لا أسر بموت الشرير بل أن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا». إنه يريد أن نرجع إليه بالتوبة الصادقة وباسم يسوع، فنجده فاتحاً أبواب مراحمه، لأنه غني بالرحمة وعنده فدى كثير. لذلك لا ترفض مشورة الله، ولا تهمل خلاصاً هذا مقداره، إن الرب نفسه تكلم به، وبذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 16).

يقول نحميا عن الله: إنه «إِلٰهٌ غَفُورٌ وَحَنَّانٌ وَرَحِيمٌ» (نحميا 9: 17) فمقابل غفرانه وحنانه الأبوي، ينبغي للخاطي المغفورة له خطاياه أن يكون عنده خوف بنوي: «سِيرُوا زَمَانَ غُرْبَتِكُمْ بِخَوْفٍ» (بطرس الأولى 1: 17) وهذا الخوف ليس خوف رعدة ورهبة، بل هو خشوع الاحترام، ورغبة في إطاعة الله وإكرامه لأجل المغفرة التي أنعم بها.

(5 و6) إن الخاطي المغفورة خطاياه، متلهف دائماً للجثو في حضرة الله. ويبدي اهتماماً بانتظاره للرب. فقد انقضى ظلام ليله بالحزن واليأس، ولاح له فجر النهار لامعاً بالغفران. واصبح الإيمان راسخ القدم في حياته والرجاء محققاً.

هذه اختبارات نبي عظيم عن انتظاره الرب، والاتكال عليه من كل القلب. وقد سبق له أن حدث عن اختباراته بالقول «سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَٱتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي، وَيُخْرِجُ مِثْلَ ٱلنُّورِ بِرَّكَ وَحَقَّكَ مِثْلَ ٱلظَّهِيرَةِ. ٱنْتَظِرِ ٱلرَّبَّ وَٱصْبِرْ لَهُ، وَلا تَغَرْ مِنَ ٱلَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ ٱلرَّجُلِ ٱلْمُجْرِي مَكَايِدَ» (مزمور 37: 5-7) الصبر له عمل تام، قال الرسول يعقوب ما أجمل الصبر، إن كان في انتظار الرب! لأن منتظر الرب لا يخزى.

الترنيمة

Table 5. 

إِنِّي مِنَ ٱلأَعْمَاقِ قَدْصَرَخْتُ يَا رَبِّي إِلَيْكْ
فَكُنْ لِصَوْتِي سَامِعاًوَٱصْغِ إِلَيَّ أُذُنَيْكْ
فَإِنْ تُرَاقِبْ إِثْمَنَايَا سَيِّدِي فَمَنْ يَقِفْ
ٱلْصَفْحُ مِنْكَ يُرْتَجَىوَٱلْكُلُّ مِنْكَ يَرْتَجِفْ
إِيَّاكَ نَفْسِي ٱنْتَظَرَتْإِيَّاكَ قَلْبِي ٱنْتَظَرَا
أَكْثَرَ مِمَّنْ رَاقَبُواصُبْحاً نَعَمْ أَوْ أَكْثَرَا
فَلْيَرْجُ شَعْبَ ٱللَّهِ مِنْإِلَهِهِ مَرَاحِمَهْ
وَهْوَ ٱلَّذِي يَفْدِي كَمَايَمْحُو لَهُ مَآثِمَهْ

الصلاة: من أعماقي يا رب أرفع لك آيات الحمد والثناء، لأجل جميع حسناتك، فاسمع ربي صوت تضرعي. أشكرك يا مولاي، لأنك غفرت إثمي وسترت عيوبي، وكغيم محوت كل ذنوبي. أسألك يا إلهي أن تثبتني في إيماني، وأن تقوي رجائي وتزيد محبتي. اعطني نعمة لكي أحفظ وصاياك وأصنع مشيئتك كل حين. باسم فادي أسأل. آمين.

السؤال: 5 - ماذا يقصد المرنم بهذا القول: من الأعماق صرخت؟ وماذا كان سيفعل الله لو تعامل معنا بحسب العدل؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْحَادِي وَٱلثَّلاثُونَ - التدرب على التواضع

1يَا رَبُّ، لَمْ يَرْتَفِعْ قَلْبِي، وَلَمْ تَسْتَعْلِ عَيْنَايَ، وَلَمْ أَسْلُكْ فِي ٱلْعَظَائِمِ وَلا فِي عَجَائِبَ فَوْقِي. 2بَلْ هَدَّأْتُ وَسَكَّتُّ نَفْسِي كَفَطِيمٍ نَحْوَ أُمِّهِ. نَفْسِي نَحْوِي كَفَطِيمٍ.

في هذا المزمور، يتغنى داود بتواضعه. والواقع أن في حياة داود أموراً كثيرة، تدل على امتلاكه هذه النعمة. فهو لم يطلب الملك، حتى دعاه الله إليه. واحتمل اضطهاد شاول بالصبر وطول الأناة، مع أنه كان يطلب نفسه. ويقول معظم المفسرين أن داود كتب هذا المزمور، رداً على افتراءات شاول وحاشيته، الذين صوروا داود كإنسان فاسد واقع تحت تأثير إلهامات شريرة، يتظاهر بأنها قوة إلهية. ففي المزمور، يشكو حاله أمام الله في تذلل.

(1) يعترض البعض على الصلاة بروح هذا المزمور، لأن كثيرين لا يجرأون على القول «يا رب لم يرتفع قلبي ولم تستعل عيناي، ولم أسلك في العظائم». لأن المبدأ الروحي يقول: إذا فكرت في نفسك أنك حسناً قلت، وحسناً فعلت، فلا حسناً قلت ولا حسناً فعلت. هذا كلام فصل، فيجب أن لا نتفاخر بفضائلنا، ولا نتغنى بمواهبنا الروحية، لكيلا نخرج على مبدأ السلوك بتواضع، تمشياً مع دعوة المسيح حين قال «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ ٱلْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ». (الإنجيل بحسب متى 11: 28).

ولكن حين نتأمل هذا المزمور المجيد بعمق، نجد في عباراته الموجزة عنصراً تعليمياً وعظيماً، ففيه إرشاد روحي للسلوك في الحياة. فمثلاً يحرضنا على التحلي بفضيلة التواضع، فلا نجادل الأمور. بل نكون بلا لوم وبسطاء أولاداً لله بلا عيب، في وسط جيل معوج وملتو (فيلبي 2: 14 و15) ويهيب بنا أن لا نستعلي ولا نسلك في العظائم. هكذا ناشدنا الرسول بولس حين قال «فَإِنِّي أَقُولُ بِٱلنِّعْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لِي لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لا يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ، بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى ٱلتَّعَقُّلِ، كَمَا قَسَمَ ٱللّٰهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَاراً مِنَ ٱلإِيمَانِ» (رومية 12: 3). يجب أن نحذر من المبالغة في تقدير فضائلنا، لئلا نقع في خطية الانتفاخ والكبرياء. الكبرياء هي أم العيوب ورأس كل الخطايا، لأنها هي التي أسقطت رئيس ملائكة وصيرته شيطاناً. وهي التي أسقطت آدم وحواء، وتسببت بطردهما من فردوس عدن إلى أرض الشقاء والتعب. وهي التي جلبت عليهما وعلى نسلهما الحكم بالموت.

«يا رب لم يرتفع قلبي»، قال داود. وبالحق كان إنساناً متواضعاً وديعاً. ولم يحاول قط أن يرفع قلبه مستكبراً، عالماً أنه «قَبْلَ ٱلْكَسْرِ ٱلْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ ٱلسُّقُوطِ تَشَامُخُ ٱلرُّوحِ» (أمثال 16: 18) ولم تستعل عيناه أي لم يكن طموحاً إلى حالة أعلى. ولم يفكر في استغلال حب الشعب له لانتزاع الملك من شاول. ويخبرنا الكتاب أنه حين أنعم عليه شاول بأن يزوجه ابنته، تعجب وقال: «مَنْ أَنَا وَمَا هِيَ حَيَاتِي وَعَشِيرَةُ أَبِي فِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى أَكُونَ صِهْرَ ٱلْمَلِكِ» (صموئيل الأول 18: 18).

تواضع يا أخي، لأن الله يقاوم المستكبرين أما المتواضعون فيعطيهم نعمة. وحين تنال مركزاً مرموقاً ليكن شعارك قول بولس «ولكن بنعمة الله أنا ما أنا» ولتكن عيناك متضعتين، ليس لديك نظرات متعالية. لا تنظر بحقد وحسد إلى من هم أعلى منك. ولا تنظر بنظرة تحقير إلى من هم دونك مركزاً أو علماً أو فضلاً.

عندما يكون القلب متكبراً، تكون النظرات متكبرة والكلمات جافة، كما حصل مع الفريسي. الذي وقف في الهيكل يصلي بتفاخر. ونظر إلى عشار مسكين واقف إلى جواره نظرة احتقار. وقال: «اَللّٰهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي ٱلنَّاسِ ٱلْخَاطِفِينَ ٱلظَّالِمِينَ ٱلّزُنَاةِ، وَلا مِثْلَ هٰذَا ٱلْعَشَّارِ» (الإنجيل بحسب لوقا 18: 11).

إن حكمتنا ومصدر مديحناً الحقيقي هو أن نبقى داخل مجالنا، ولا نقحم أنفسنا في أمور فوق مستوانا العلمي والاجتماعي. «غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِٱلأُمُورِ ٱلْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى ٱلْمُتَّضِعِينَ» (رومية 12: 6). وما أحلى أن نحمل الشعار الذي أطلقه رسول الجهاد العظيم بولس، حين قال «مَنِ ٱفْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِٱلرَّبِّ» (كورنثوس الأولى 1: 31).

إن قلوبنا بالطبيعة نزاعة إلى الأمور الدنيوية، لذلك جاءت كلمة الله تطلب إلينا أن ندع الطموح جانباً، وأن نعتصم بالصبر، في انتظار إنجاز مواعيد الله لنا، وإكمال مقاصده فينا.

في اعتقادي أن نظرة التشامخ، تدل على كبرياء القلب والنفس، وضعف المحبة، لأن المحبة لا تنتفخ. لذلك يجب أن نقمع كل فكر متكبر بقوة الروح القدس الذي يسكب محبة الله في قلوبنا.

(2) وهكذا تستريح أفكار المرنم، بكبح جماح النفس الأمارة بالسوء، فيتغلب على النزوات الجسدية التي تشتهي ضد الروح. لقد بذل المرنم جهوداً لاجتياز المشقات والوصول إلى هذا الهدف الجليل. وقد شبه المشقات التي عاناها بما يعانيه الولد الرضيع عند الفطام. فإنه إذ يقاسي الأمرين. ولكن العناء الشديد يخف شيئاً فشيئاً، إلى أن يزول. فيضطجع الطفل في حضن أمه راضياً. لأن بغيته الوحيدة أن يستريح بين ذراعيها. هكذا المرنم وكل مؤمن، يستريح آمناً مطمئناً في حضن رعاية الله، مفطوماً عن مطامع نفسه وشهوات جسده.

لقد خسر الطفل ما كان يحسبه ضرورياً جداً له، ولكنه الآن عاد إلى الرضى والاكتفاء. هكذا المتقي الرب والمتعبد له، يواصل مسيرته بلا أقل تذمر. فالصراع لمشيئة الله قد حصل، والأغراض الشخصية وضعت جانباً.

فليت كل إنسان يلجأ إلى الله، ويسأله أن يقوي فيه نعمة التواضع والتسليم لمشيئته الصالحة المرضية الكاملة! وليت كل مؤمن يتمسك بالحق الروحي الذي حصل عليه، ويتكل من كل قلبه على الرب.

الترنيمة

Table 6. 

لاَ أَبْتَغِي مَشِيئَتِييَا سِيِّدِي ٱلْعَلِي
بَلْ مَا تَشَا يَا مُنْيَتِيفَلاَ ٱعْتِبَارَ لِي
لاَ أَبْتَغِي مَشِيئَتِييَا رَبُّ يَا وَلِي
فَي بَهْجَتِي أَوْ مِحْنَتِيمُرَادَكَ أِفْعَلْ لِي
لاَ أَبْتَغِي مَشِيئَتِييَا مَلِكِي ٱلْجَبَارْ
فَأَنْتَ رَبُّ ٱلْحِكْمَةِفَٱحْكُمْ بِمَا تَخْتَارْ
لاَ أَبْتَغِي مَشِيئَتِييَا مَلْجَأِي ٱلْوَحِيدْ
مَهْمَا تَوَالَتْ نَكْبَتِيفَعَنْكَ لاَ أَحِيدْ
لاَ أَبْتَغِي مَشِيئَتِييَا مُرْشِدِي ٱلرَّحِيمْ
قُصُورُ عِلْمِي حُجَتِيفِي رُشْدِكَ ٱلْقَوِيمْ
لاَ أَبْتَغِي مَشِيئَتِييَا قَائِدِي ٱلْمَجِيدْ
فَٱهْدِ بِلُطْفٍ خُطْوَتِيفِي كُلِّ مَا تُرِيدْ

الصلاة: يا ساكناً في الأعالي، أيها القدوس الحق. من أنا الإنسان عبد التراب حتى تذكرني بمراحمك؟! لقد استعليت واستكبرت، وعصيت شريعتك، وأنا أعترف بأن لي خزي الوجه. ولكنني أتوب إليك وأندم على ما سلف من معاصي وذنوبي، سائلاً أن ترحمني أيها الرحيم. ليس لي حجة أمامك ولكن المسيح الفادي هو شفيعي أمامك لكي تقبل توبتي، وترحم دموع ندامتي. آمين.

السؤال: 6 - ماذا قال المفسرون في كلمات هذا المزمور 131؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّانِي وَٱلثَّلاثُونَ - قَسَم داود

1اُذْكُرْ يَا رَبُّ دَاوُدَ، كُلَّ ذُلِّهِ. 2كَيْفَ حَلَفَ لِلرَّبِّ، نَذَرَ لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ: 3 «لا أَدْخُلُ خَيْمَةَ بَيْتِي. لا أَصْعَدُ عَلَى سَرِيرِ فِرَاشِي. 4لا أُعْطِي وَسَناً لِعَيْنَيَّ وَلا نَوْماً لأَجْفَانِي، 5أَوْ أَجِدَ مَقَاماً لِلرَّبِّ، مَسْكَناً لِعَزِيزِ يَعْقُوبَ». 6هُوَذَا قَدْ سَمِعْنَا بِهِ فِي أَفْرَاتَةَ. وَجَدْنَاهُ فِي حُقُولِ ٱلْوَعْرِ.

يذهب بعض المفسرين إلى القول بأن الملك سليمان هو ناظم هذا المزمور المجيد. وفيه إشارة إلى جلب تابوت العهد. وقد بذل داود جهوداً كبيرة لينقله من الخيمة التي كان قد وُضع فيها، إلى مكان لائق به. إلا أن هذا الأمر لم يتم إلا في زمن سليمان الملك (الأخبار الثاني 5: 1-10).

(1-3) يبدأ المرنم بذكر صلاة الشعب وابتهالهم إلى الرب سائلاً أن يذكر داود، الذي كانت له رغبة جارفة في أن يبني هو نفسه بيتاً للرب. ويُذَّكر الرب بتواضع داود وحبه لله. فقد استدعى ناثان النبي وقال له «ٱنْظُرْ. إِنِّي سَاكِنٌ فِي بَيْتٍ مِنْ أَرْزٍ، وَتَابُوتُ ٱللّٰهِ سَاكِنٌ دَاخِلَ ٱلشُّقَقِ» - أي في خيمة - (صموئيل الثاني 7: 1 و2) وبالفعل فإن داود الملك، قد أظهر غيرة متأججة نحو تابوت العهد ومشروع بناء بيت الرب. فبعد أن جعل أورشليم عاصمة ملكه، وبعد أن استتبت الأمور، فكر في أن ينقل تابوت العهد إلى المدينة المقدسة. لتكون هي العاصمة الروحية، بجانب أنها العاصمة السياسية للدولة. فقام وجمع ثلاثين ألفاً من المنتخبين... وذهب هو والشعب الذين معه من بعلة إلى يهوذا، ليصعدوا من هناك تابوت الله، الذي يدعى عليه بالاسم، اسم رب الجنود الجالس على الكروبيم. فأركبوا تابوت الله على عجلة جديدة، وحملوه من بيت أبيناداب الذي في الاكمه (صموئيل الثاني 6: 1-3)... ولم يشأ داود أن ينقل تابوت الرب إليه إلى مدينة داود، فمال به داود إلى بيت عوبيد آدوم وكل بيته... فذهب داود وأصعد تابوت الله من بيت عوبيد وآدوم إلى مدينة داود بفرح. وكان كلما خطا حاملو تابوت الرب ست خطوات، يذبح ثوراً وعجلاً معلوفاً (صموئيل الثاني 6: 10-13).

لكن الله القدوس الحق، لم يسمح لداود ببناء البيت قائلاً له: «قَدْ سَفَكْتَ دَماً كَثِيراً وَعَمِلْتَ حُرُوباً عَظِيمَةً، فَلا تَبْنِي بَيْتاً لٱِسْمِي» (الأخبار الأول 22: 8).

في الحقيقة أنه لا يليق باليد التي تلوثت بالدماء، أن تشيد هيكل السلام ليسكن فيه الله رئيس السلام، والذي سيحتمي بمذبحه كل راغب في السلام، وكل هارب من معكري السلام. لكن الله العادل لم يضيع أجر داود، بل كافأه على إخلاصه وغيرته المقدسة. إذ قال أنه «مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ فِي قَلْبِكَ أَنْ تَبْنِيَ بَيْتاً لٱِسْمِي، قَدْ أَحْسَنْتَ بِكَوْنِ ذٰلِكَ فِي قَلْبِكَ» (أخبار الثاني 6: 8).

من هنا نتعلم أن الغيرة والرغبات المخلصة لخدمة الرب، حتى وإن كانت لم تتحقق خارجة عن إرادتنا، فإن الرب لا ينساها ولا يتغافل عنها.

وإن كلمة الله لتؤكد لك أن الدموع التي تسكب، لن تضيع هباء، وأن الصلوات التي ترفع لن تخيب. وإن التفكير النزيه الطاهر لن يذهب أدراج الرياح.

(4-6) إن المسيحي الحقيقي هو الذي يجاهد حتى الدم، في سبيل البر. ولا يعطي نوماً لعينيه، ولا نعاساً لأجفانه، ولا راحة لجسمه، حتى يعد في قلبه مكاناً مناسباً للرب، فيأتي ويسكن فيه. ولكن يجب أن تذكر أن الله لا يسكن في القلب إلى جانب الخطية. لأنه ليست شركة للرب مع بليعال، ولا خلطة للنور مع الظلمة. الرب يريد أن يملك القلب كله وهذا يقتضي الإنسان أن يطرد الشهوات الردية من قلبه، ويكرس القلب هيكلاً مقدساً، وبيتاً روحياً للرب الإله وحده. قل له: استلم يا رب قلبي وطهره بدم يسوع، واجعله ملكاً لك وموضعاً لراحتك. إن تحويل أي نفس خاطئة إلى طريق التوبة ومحبة الله، هو إيجاد موضع راحة للرب في قلب هذه النفس وتهيئة مسكن محبوب، يحل فيه.

عندما عزم داود أن ينقل تابوت الرب أخذ يسأل عن مكانه، فقيل له إنه في أفراته - أي بيت لحم - ولكنه وجده في قرية تسمى يعاريم وهي تبعد 11 ميلاً من مدينة القدس إلى الجنوب الغربي. حيث تتكاثر الأشجار. وكان تابوت العهد قد استقر في هذه القرية منذ أعاده الفلسطينيون. فأصعده أهل يعاريم إلى بيت أبيناداب في الاكمه وقدسوا العازار ابنه لأجل حراسته... وقد ظل هناك حتى فتش عليه داود ووجده.

ويقول بعض علماء الكتاب المقدس إن اجتهاد داود في البحث عن التابوت في بيت لحم أفراته لوضعه في مكان لائق، هو رمز إلى تجسد ربنا يسوع المسيح في بيت لحم. فصارت الكلمة الرسولية، إن فيه قد سر أن يحل ملء اللاهوت جسدياً.

الترنيمة

Table 7. 

مُقَدِّمٌ قَلْبِي إِلَيْكْيَا رَبِّ فَٱقْبَلْهُ
مُتَّكِلاً دَوْماً عَلَيْكْفَمُلْكَكَ ٱجْعَلْهُ
قَدْ تُبْتُ طَوْعاً لِلْحَبِيبْبِٱلْقَوْلِ وَٱلْحَيَاةْ
مُكَرِّساً عِنْدَ ٱلصَّلِيبْقَلْبِي لِمَنْ فَدَاهْ
هَبْ لِي إِلَهِي مَسْحَتَكْبِرُوحِكْ ٱخْتِمْنِي
وَٱسْكُبْ عَلَيَّ نِعْمَتَكْوَعِنْدَكَ ٱقْبَلْنِي
طَهِّرْ كَلاَمِي وَٱلْعَمَلْيَا رَبُّ وَٱلأَفْكَارْ
حَتَّى إِذَا عُمْرِي كَمَلْأَحْيَا مَعَ ٱلأَبْرَارْ

الصلاة: أيها السيد الرب إلهنا. عظيمة هي محبتك. نشكرك لأجل غناها باللطف العجيب. لأنك وأنت القدوس الحق والمتعالي، تتنازل وتتخذ لك مسكناً في قلب المؤمن. نعترف أمامك يا سيد بنجاسة قلوبنا وعدم لياقتها بسكناك. ولكن نشكرك لأجل دم يسوع الذي يطهرنا من كل إثم، ويعد لك فيها منزلاً. فأعطنا التوبة الشاملة لنحصل على هذا التطهير، لتصبح قلوبنا نقية طاهرة لائقة بحلولك فيها. آمين.

السؤال: 7 - لماذا لم يستطع داود بناء بيت الله؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّانِي وَٱلثَّلاثُونَ - تتمة

7لِنَدْخُلْ إِلَى مَسَاكِنِهِ. لِنَسْجُدْ عِنْدَ مَوْطِئِ قَدَمَيْهِ.

8قُمْ يَا رَبُّ إِلَى رَاحَتِكَ أَنْتَ وَتَابُوتُ عِزِّكَ. 9كَهَنَتُكَ يَلْبِسُونَ الْبِرَّ، وَأَتْقِيَاؤُكَ يَهْتِفُونَ. 10مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِكَ لا تَرُدَّ وَجْهَ مَسِيحِكَ. 11أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ لِدَاوُدَ بِٱلْحَقِّ، لا يَرْجِعُ عَنْهُ: «مِنْ ثَمَرَةِ بَطْنِكَ أَجْعَلُ عَلَى كُرْسِيِّكَ. 12إِنْ حَفِظَ بَنُوكَ عَهْدِي وَشَهَادَاتِي ٱلَّتِي أُعَلِّمُهُمْ إِيَّاهَا، فَبَنُوهُمْ أَيْضاً إِلَى ٱلأَبَدِ يَجْلِسُونَ عَلَى كُرْسِيِّكَ».

(7) قضى سليمان ثلاث سنين في الاستعداد، كجمع مواد البناء وتنظيم العمل. وابتدأ في البناء في شهر أيار، وأكمل البيت خلال سبع سنين ونصف. وكان ذلك في شهر كانون الأول. وبعد تكميل البناء بأحد عشر شهراً جمع سليمان شيوخ الشعب وكل رؤوس الأسباط ورؤساء الآباء في أورشليم لإصعاد تابوت عهد الرب. فحمل اللاويون التابوت، وأدخله الكهنة إلى مكانه في محراب البيت في قدس الأقداس تحت جناحي الكروبين. لأن الكروبين بسطا أجنحتهما على موضع التابوت وعصيه من فوق (ملوك الأول 8: 6) وكان التابوت قسط من ذهب، فيه المن وعصا هرون التي أفرخت، ولوحا العهد (عبرانيين 9: 4).

(8) حينئذ تكلم سليمان، قائلاً أن الرب يسكن في الضباب، أي في السحاب الذي ملأ البيت (ملوك الأول 8: 10) ووقف سليمان أمام مذبح الرب تجاه كل الشعب، وبسط يديه إلى السماء، وقال مصلياً «قُمْ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ إِلَى رَاحَتِكَ أَنْتَ وَتَابُوتُ عِّزِكَ. كَهَنَتُكَ أَيُّهَا ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ يَلْبِسُونَ ٱلْخَلاصَ، وَأَتْقِيَاؤُكَ يَبْتَهِجُونَ بِٱلْخَيْرِ» (أخبار الثاني 6: 41).

يذهب بعض المفسرين إلى القول بأن في هذه العبارات، التي فاه بها سليمان نبوة عن قيامة المسيح من بين الأموات بجسده الممجد، الذي كان التابوت المصفح بالذهب يرمز إليه في طهارته ونقاوته من كل خطية. وأن الراحة التي أشار إليها رجل الله سليمان، ترمز إلى صعود المسيح إلى السماء وجلوسه عن يمين العظمة في الأعالي بعد أن أكمل الفداء.

(9) لما ترك الشعب عبادة الرب سنوات طويلة، وعبدوا آلهة الأمم وسجدوا لأصنامهم، كاد تابوت العهد أن يُنسى تماماً. وكان الكهنة واللاويون في ذل مر وفقر مدقع، وكان أتقياء الشعب في حزن واكتئاب شديدين، ولكنهم لم يكفوا عن حب الله والغيرة لشريعته.

كانت حالتهم تشبه حالة إيليا في زمن آخاب الملك حين قال وهو في أشد حالات الحزن واليأس «قَدْ غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ إِلٰهِ ٱلْجُنُودِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ وَنَقَضُوا مَذَابِحَكَ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِٱلسَّيْفِ، فَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي. وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا» (ملوك الأول 19: 10).

أما الآن وقد بنى سليمان الهيكل، ونقل إليه تابوت الرب وحلت سحابة حضور الله في البيت المقدس، عند تدشينه علامة على رضى الله ومسرته، بدأ الكهنة يلبسون حللهم البهية على طقس هرون، التي كان يلبسها للخدمة أمام الرب للمجد والبهاء (خروج 28: 2).

أما الأتقياء فكانوا يصرخون ويبتهجون بإعادة عبادة الرب ورجوع الشعب إلى الإله الحقيقي، وبسجود المؤمنين لله بالروح والحق في هيكل الله، بدلاً من هياكل الأوثان الرجسة. حقاً إنه لأمر مبهج ومبارك!

أما كهنة العهد الجديد الذين هم جماعة المفديين المغسلين بدم يسوع (رؤيا 1: 5 و6) فلهم بر آخر يجب أن يتمنطقوا به. إنه ثوب الخلاص، الذي كساهم به الرب يسوع. يجب أن يتسربلوا به كثوب بهاء روحي مقدس.

وفي نظام العهد القديم، لم يكن أحد يقترب إلى الله إلا الكاهن. وعندما كان اليهودي يدخل الهيكل، كان يجتاز دار الأمم، ثم دار النساء ثم دار الرجال اليهود... وهناك كان يتوقف فلم يكن مسموحاً له بالدنو من الأقداس. ولكن في عهد النعمة بالرب يسوع المسيح، صار لنا قدوم إلى الآب في روح واحد (أفسس 2: 18) هذا ما تنبأ به إشعياء حين قال «أَمَّا أَنْتُمْ فَتُدْعَوْنَ كَهَنَةَ ٱلرَّبِّ» (إشعياء 61: 6) وهذا ما أشار إليه الرسول بطرس، حين قال «وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ ٱقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ ٱلَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ ٱلظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ ٱلْعَجِيبِ» (بطرس الأولى 2: 9).

أتؤمن بهذا يا أخي؟ أتصدق هذا أيها الإنسان البسيط؟ أتستطيع أن تؤمن يا من لا تحمل تاجاً على رأسك، ولا ترتدي رداء مزركشاً إن الله في المسيح جعلك ملكاً وكاهناً؟ هذا الوصف الجميل قد أطلقه الله أولاً على أتقياء العهد القديم يوم قال لهم «وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً» (خروج 19: 6).

(10-12) هنا نرى سليمان يطلب في صلاته التدشينية أن يتم الله ما اشتهاه داود ممسوح الرب، أن يتفضل الله فيبارك الهيكل ويتخذه مسكناً خاصاً له. وقد استجاب الله فعلاً لسليمان، فعند انتهائه من صلاته، نزلت النار من السماء وأكلت المحرقة والذبائح. وملأ مجد الرب البيت (أخبار الثاني 7: 1).

لما رأى غيرة داود المتأججة باستمرار لإكرامه، بنقل تابوت عهده إلى المدينة المقدسة، ورغبته الملحة في بناء بيت للرب يليق به، أحبه جداً. وأغدق عليه فيضاً من البركات. وخصوصاً لما رأى تواضع قلبه، إذ هو تصاغر أمام الرب وقال «مَنْ أَنَا يَا سَيِّدِي ٱلرَّبَّ، وَمَا هُوَ بَيْتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى هٰهُنَا؟» (صموئيل الثاني 7: 18).

ومن البركات التي أعطاها الرب لداود هو الوعد الإلهي القائل «أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ ٱلَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. هُوَ يَبْنِي بَيْتاً لٱِسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى ٱلأَبَدِ» (صموئيل الثاني 7: 12 و13) وهذا الوعد تم بصورة عجيبة في المسيح يسوع وفقاً للقول النبوي «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ٱبْناً، وَتَكُونُ ٱلرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى ٱسْمُهُ عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلامِ. لِنُمُّوِ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلامِ لا نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِٱلْحَقِّ وَٱلْبِرِّ، مِنَ ٱلآنَ إِلَى ٱلأَبَدِ» (إشعياء 9: 6 و7) وهذا ما تم فعلاً إذ نقرأ في الإنجيل أن ملاك الرب قال للعذراء مريم «وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ» (الإنجيل بحسب لوقا 1: 31-33).

الترنيمة

Table 8. 

يَا رَبُّ مَنْ يَسْكُنُ فِيمَنْزِلِكَ ٱلْمُظَلَّلِ
وَمَنْ تَرَاهُ سَاكِناًفِي طَوْرِ قُدْسِكَ ٱلْعَلِي
هُوَ ٱلَّذِي يَسْلُكُ فِيطُرُقِ ٱلْكَمَالِ وَٱلْتُقَى
وَٱلْقَائِلِ ٱلْحَقَّ ٱلَّذِيفِي قَلْبِهِ قَدْ صَدَقَا
مَنْ لَيْسَ يُؤْذِي صَاحِباًلَهُ وَلاَ يَشِي بِهِ
وَلاَ يَكُونُ حَامِلاًعَاراً عَلَى قَرِيبِهِ
مَنْ كَانَ يَسْعَى هَكَذَالِلْخَيْرِ دَوْماً يَصْنَعُ
فَذَاكَ حَقاً ثَابِتٌلِلْدَهْرِ لاَ يَتَزَعْزَعُ

الصلاة: إليك أرفع قلبي أيها الآب رب السماء، متوسلاً وضارعاً أن تتقبل ندامتي وترحم ضعف إيماني، وتمحو ذنوبي. ليس لبر فيّ ولا لأعمال عملتها، بل لأجل جراح يسوع، الرب الفادي الذي تحنن أمام ذلي وانكساري. وبحبه العجيب للخاطي نظيري، مد يده وانتشلني من طين الحمأة. اقبلني في ملكوتك إكراماً له. آمين.

السؤال: 8 - ما هي الأشياء التي كانت محفوظة في تابوت العهد؟ وماذا حدث حين انتهى سليمان من صلاة التدشين؟

نخبة المزامير التي فيها نبوات عن المسيح فادي العالمين

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي - المؤامرة

1لِمَاذَا ٱرْتَجَّتِ ٱلأُمَمُ وَتَفَكَّرَ ٱلشُّعُوبُ فِي ٱلْبَاطِلِ؟ 2قَامَ مُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَتَآمَرَ ٱلرُّؤَسَاءُ مَعاً عَلَى ٱلرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ، قَائِلِينَ: 3 «لِنَقْطَعْ قُيُودَهُمَا، وَلْنَطْرَحْ عَنَّا رُبُطَهُمَا».

4اَلسَّاكِنُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ يَضْحَكُ. ٱلرَّبُّ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ. 5حِينَئِذٍ يَتَكَلَّمُ عَلَيْهِمْ بِغَضَبِهِ وَيَرْجُفُهُمْ بِغَيْظِهِ. 6أَمَّا أَنَا فَقَدْ مَسَحْتُ مَلِكِي عَلَى صِهْيَوْنَ جَبَلِ قُدْسِي.

هذا المزمور من أشهر المزامير المسيانية، إذ نجد فيه نبوة واضحة عما احتمله المسيح المخلص، من اضطهاد وإهانة. ولكن إن كانت الأرض ترفضه فإن السماء تعترف به وتقبله. لقد حدث بالفعل أن هيرودس وبيلاطس البنطي اجتمعا في اتحاد متآمر ضد الرب يسوع (أعمال 4: 25-28) ولكن سيأتي وقت تتم فيه نبوة هذا المزمور، في نطاق أوسع وذلك في آخر الأيام.

(1-3) يصور لنا المرنم العالم كله، متحداً ومتآمراً ضد الرب. فهو يصف الأمم والشعوب مع ملوكهم ورؤسائهم مصممين وعازمين على مقاومته. ومعنى هذا أن العالم يناوئ كل قيد إلهي. ولكنه من الجنون أن يتحدى الإنسان خالقه. لأن للصبر الإلهي نهاية وحدوداً، ولا بد من إخضاع العالم بالقوة.

لقد أرسل الله ابنه إلى العالم لتتبارك به الشعوب، يهوداً وأمماً. مما يدل على محبة الله للعالم. فماذا كان تصميم العالم في إزاء هذه المحبة الفائقة؟ قال أبناؤه لنقطع عنا قيود الرب ومسيحه، ونطرح عنا ربطهما. هذا موقف الإنسان، الذي تقسى قلبه بسبب الخطية. إنه في تشامخ روحه، لا يريد ملكوته. إنه يريد قطع قيود الله عنه، ليحيا وفقاً لنزواته، وطرح الرباط أي الضابط الإلهي لردع الشر من نفسه. هكذا قالوا، يوم كان الرب بينهم على الأرض «لا نريد أن هذا يملك علينا، ليس لنا ملك إلا قيصر» (الإنجيل بحسب يوحنا 19: 14 و15).

أليس من الغباء أن يتمرد الإنسان على خالقه؟ قال أيوب «هو حكيم القلب وشديد القوة، من تصلب عليه فسلم؟» ولكن علة تمرد الإنسان هي اهتمام الجسد، الذي هو عداوة لله. إذ ليس هو خاضعاً لناموس الله، لأنه أيضاً لا يستطيع (رومية 8: 7).

ألا يكفي هذا لتحذيرنا من اهتمام الجسد وتخجيلنا؟ أيليق بالإنسان المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق، أن ينغمس في ما هو عداوة لله خالقه؟ إن الذين يعيشون في الجسد لاهتمام الجسد، هم تحت سلطان الخطية. ولا يستطيعون أن يفعلوا ما يرضي الله، إذ تعوزهم النعمة، المبدأ الذي يرضي الله. وتعوزهم محبة المسيح، التي هي الوسيط الذي يرضي الله. إن إرضاء الله هو غاية الإنسان القصوى، الأمر الذي يعجز عنه العائشون في الجسد. لأنهم لا يستطيعون إلا إغضابه تعالى.

لقد تمكن الشيطان، رئيس هذا العالم من توحيد اليهود والأمم ضد ذاك الذي كان الله فيه، مصالحاً العالم لنفسه (كورنثوس الثانية 5: 19) وهذا كان التعبير النهائي لعداء قلب الإنسان لله. وقد قال يسوع مرة: هم رأوا وأبغضوني أنا وأبي (الإنجيل بحسب يوحنا 15: 24).

(4-6) لقد توهم الأشرار المتآمرون أنهم يستطيعون إتمام مؤامراتهم ضد الرب ومسيحه. ولكن السيد الرب الساكن في السموات، وسيد كل الأرض، أعظم بما لا يقاس من جهودهم الباطلة. فيضحك مستهزئاً من الأوهام الباطلة التي دارت في مخيلاتهم. إذ كيف يستطيعون أن يغيروا ترتيبات العلي، ساكن الأبد القدوس اسمه؟! إنه سوف يتحول عن الهزء والسخرية، ليكلمهم بسخطه ويرجفهم بغضبه.

لقد تصور أعداء المسيح أنهم بصراخهم إلى بيلاطس «اصلبه، اصلبه»، قد تخلصوا نهائياً من ابن الله. ولكن المسيح قام من الأموات. وهو سيملك وسيكون له العرش من الله، بعد أن كان له الصليب من الناس. وهذا سيحدث بعد أن يتم المكتوب، وسيرى العالم الرب يسوع مرة أخرى. كما هو مكتوب «هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين والذين طعنوه. وتنوح عليه جيمع قبائل الأرض».

هذه هي مشيئة الرب، وهي فوق مشيئة البشر. أما الاسم صهيون فهو الاسم الذي أطلق على الحصن القديم الذي أصبح مدينة داود (صموئيل الثاني 5: 7) وقد تدشنت هذه المدينة وتكرست حين نقل إليها تابوت الرب إلى أن أقيم الهيكل. وهذا هو

الاسم النبوي للمدينة المقدسة، التي سيقيم فيها المسيح عند مجيئه الثاني.

هذا هو ملك الله المعين على الكل، لكي يأتي بالبركة الأبدية. وستجثو باسمه كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب (فيلبي 2: 10).

كف عن المقاومة، وسلم حياتك للملك الإلهي. فخير لك أن يكون لك، وليس عليك. واذكر أن الله دائماً يرقب مجرى الأحداث على الأرض.

الترنيمة

Table 9. 

خُذْ بِيَدِي وَقُدْنِيكَمَا تَشَاءْ
حَتَّى أَرَى فِي لَيْلِينُورَ ٱلسَّمَاءْ
يَسُوعُ سِرْ أَمَامِيفَأَتْبَعَكْ
وَحَيْثُمَا تَسِرْ بِيأَنَا مَعَكْ
فِي ٱلْضَعْفِ قَوِّ عَزْمِيبِرَحْمَتِكْ
فَيَسْتَرِيحَ جِسْمِيبِنِعْمَتِكْ
كُلُّ ٱتِكَالِي دَوْماًرَبِّي عَلَيْكْ
أَبِيتُ مُطْمَئِناًبَيْنَ يَدَيْكْ
مَهْمَا يَكُنْ طَرِيقِيوَسْطَ ٱلظَّلاَمْ
أَنَلْ بِفَضْلِ رَبِّيحُسْنَ ٱلْخِتَامْ
خُذْ بِيَدِي وَقُدْنِيرَبِّي ٱلْكَرِيمْ
حَتَّى يُضِيءَ حَوْلِينُورُ ٱلنَّعِيمْ

الصلاة: أبانا الذي في السموات. نعترف بأننا شغلنا بسواك. وابتعدنا عنك. فضللنا في متاهات هذا العالم، وأصبحنا حيارى. فاهدنا يا سيد، وافتح لنا باب التوبة. بدد منا كل شك، وانتزع كل فكر بعيد عن الحق. أشرق بنورك علينا، واجل الدجى من حولنا، حتى نرى ما لا يرى. إننا في حياة ماسة إلى عمل نعمتك، حتى يزداد إيماننا، ويتقوى رجاؤنا، وتتسع محبتنا، وتثمر حياتنا لمجد اسمك. آمين.

السؤال: 9 - ماذا ترى في هذه الآيات؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي - قضاء الرب

7إِنِّي أُخْبِرُ مِنْ جِهَةِ قَضَاءِ ٱلرَّبِّ. قَالَ لِي: «أَنْتَ ٱبْنِي. أَنَا ٱلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. 8اِسْأَلْنِي فَأُعْطِيَكَ ٱلأُمَمَ مِيرَاثاً لَكَ وَأَقَاصِيَ ٱلأَرْضِ مُلْكاً لَكَ. 9تُحَطِّمُهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ. مِثْلَ إِنَاءِ خَزَّافٍ تُكَسِّرُهُمْ».

10فَٱلآنَ يَا أَيُّهَا ٱلْمُلُوكُ تَعَقَّلُوا. تَأَدَّبُوا يَا قُضَاةَ ٱلأَرْضِ. 11ٱعْبُدُوا ٱلرَّبَّ بِخَوْفٍ وَٱهْتِفُوا بِرَعْدَةٍ. 12قَبِّلُوا ٱلِٱبْنَ لِئَلَّا يَغْضَبَ فَتَبِيدُوا مِنَ ٱلطَّرِيقِ. لأَنَّهُ عَنْ قَلِيلٍ يَتَّقِدُ غَضَبُهُ. طُوبَى لِجَمِيعِ ٱلْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ.

(7) في هذه الآيات يعود رجل الله إلى التكلم عن المسيا، مسوقاً من الروح القدس، فيكشف عن المشورة الإلهية، من جهة حكم الله على شر الإنسان أولا. وبعد ذلك ينقل لنا الإعلان الإلهي عن الابن المبارك «أنت ابني» فالمسيا بطبيعته الجوهرية في اللاهوت هو ابن الله الوحيد، الذي لا يعادله في ذلك أحد من خلائق الله السماوية أو البشرية. هذه الحقيقة، أوحى بها إلى يوحنا اللاهوتي، فكتب لنا شهادته «وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً» (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 14) «بِهٰذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ ٱللّٰهِ فِينَا: أَنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَرْسَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ»(يوحنا الأولى 4: 9).

ومما يجدر ملاحظته، هو أن أسفار العهد الجديد تحدثنا عن المسيح باعتباره ابن الآب. والمعروف أن الآب هو الاسم، الذي تقدمه الكتابة المقدسة للتعبير عن محبة الله للبشر. ونفهم من القرائن أن الرب يسوع، هو ابن الله من قبل أن يتجسد. وهذه نقطة هامة وخطيرة، لأنها تتضمن حقيقة أساسية وهي أن بنوة يسوع أزلية. فهو ابن الله منذ الأزل. كما هو مكتوب «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ... فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً... وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ ٱلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ ٱلأَزَلِ» (ميخا 5: 2).

وهنا حقيقة يجب أن أذكرها، وهي أن تجسد المسيح لم يفقده البنوة الإلهية، بدليل قول الملاك لمريم العذراء «اَلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُّوَةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذٰلِكَ أَيْضاً ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللّٰهِ» (الإنجيل بحسب لوقا 1: 35) اما غاية الرب من التجسد فهي إتمام المشورة الإلهية بالفداء، كما هو مكتوب «وَلٰكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ ٱلّزَمَانِ، أَرْسَلَ ٱللّٰهُ ٱبْنَهُ مَوْلُوداً مِنِ ٱمْرَأَةٍ، مَوْلُوداً تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ ٱلَّذِينَ تَحْتَ ٱلنَّامُوسِ، لِنَنَالَ ٱلتَّبَنِّيَ» (غلاطية 4: 4 و5).

يذهب البعض إلى القول بأن العبارة «أنت ابني أنا اليوم ولدتك»، تشير إلى قيامة الرب يسوع. ويستندون في ذلك على قول الرسول «وَنَحْنُ نُبَشِّرُكُمْ بِٱلْمَوْعِدِ ٱلَّذِي صَارَ لِآبَائِنَا إِنَّ ٱللّٰهَ قَدْ أَكْمَلَ هٰذَا لَنَا نَحْنُ أَوْلادَهُمْ، إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضاً فِي ٱلْمَزْمُورِ ٱلثَّانِي: أَنْتَ ٱبْنِي أَنَا ٱلْيَوْمَ وَلَدْتُكَ. إِنَّهُ أَقَامَهُ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ، غَيْرَ عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضاً إِلَى فَسَادٍ» (أعمال 13: 32-34). ولكن أصحاب هذا الرأي، لم يلاحظوا الفرق بين الكلمة الأولى والثانية «أقام». فالكلمة الأولى لا تعني القيامة من الأموات، بل تعني الإرسال إلى العالم لإكمال الفداء، بدليل قول موسى للآباء «إِنَّ نَبِيّاً مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ ٱلرَّبُّ إِلٰهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ. لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ» (أعمال 3: 22).

(8) في هذه الآية وصف للمركز الذي تبوأه يسوع في مركز السيادة العامة كمسيح الله. وذلك رداً على تآمر الشعوب وهياج الأمم ضد الرب ومسيحه، فقد تم التجسد في ملء الزمان. فباعتباره ابن الإنسان وابن داود، قال له الآب: «اسألني فأعطيك الأمم ميراثاً وأقاصي الأرض ملكاً». وقد ْأشار الرسول بولس إلى إثابة المسيح على عمل الفداء، إذ قال «رَفَّعَهُ ٱللّٰهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ ٱسْماً فَوْقَ كُلِّ ٱسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ» (فيلبي 2: 9-11). فابن الإنسان الذي رفع على الصليب مهاناً، رفع إلى عرش السماء مكرماً، ومكللاً بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت (عبرانيين 2: 9).

ومن أمور ارتفاعه وجلوسه عن يمين الله الآب، إنه أزال الحجاب الذي حجب لاهوته وهو على الأرض. وهذا على وفق قوله في صلاته «مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ ٱلْعَالَمِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 17: 5) ومنها قوله «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ» (الإنجيل بحسب متى 28: 18) ومنها ما نتج عن إتمامه عمل الفداء، لأنه تمجد بموته عن شعبه. ومنها أنه أعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً (الإنجيل بحسب يوحنا 5: 27) وعليه قول دانيال «كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى ٱللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ ٱلسَّمَاءِ مِثْلُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى ٱلْقَدِيمِ ٱلأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ ٱلشُّعُوبِ وَٱلأُمَمِ وَٱلأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لا يَنْقَرِضُ» (دانيال 7: 13).

(9) في يوم الرب العظيم سيخضع العالم له، ويرعى الجميع بقضيب، وفقاً لما جاء في رؤيا 12: 5 فكما أنه قد وكل إلى سيدنا المبارك مهمة فداء شعبه على الأرض، ستودع أيضاً بين يديه مهمة دينونة العالم.

في الواقع أن هذا المزمور وإن كان يشير مباشرة إلى تجسد ربنا المبارك، فإنه يقدم لنا صورة عن المسيا في مجيئه الثاني، حينئذ يوضع كل شيء في يديه، وتوضع أعداؤه موطئاً لقدميه. ولن تكون الفترة آنئذ فترة بشارة بالإنجيل كما هي الآن، بل تكون يوم دينونة،كما هو مكتوب «ُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذٰلِكَ ٱلدَّيْنُونَةُ» (عبرانيين 9: 27).

(10-12) يختم رجل الله نبوته بعبارات مفعمة بالمحبة. وفيها دعوة إلى جميع ذوي السلطان من ملوك ورؤساء وقضاة، ليعترفوا بمطاليب ابن الله وحقوقه. والدعوة جاءت في قالب ثلاثي:

  1. أن يعبدوا الرب بخوف، أن يظهروا له الخشوع المتعبد.

  2. أن يهتفوا برعدة. أي أن يبتهجوا لنجاتهم من الكارثة العظيمة المقبلة. وهو الابتهاج المقترن بالخوف المقدس.

  3. أن يقبلوا الابن لئلا يغضب. والتقبيل هنا معناه التعبد له كملك الملوك ورب الأرباب. وقد أشار المسيح نفسه إلى هذا التعبد بقوله «لِكَيْ يُكْرِمَ ٱلْجَمِيعُ ٱلِٱبْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ ٱلآبَ. مَنْ لا يُكْرِمُ ٱلِٱبْنَ لا يُكْرِمُ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 5: 23).

هل تدرك يا أخي ما في هذه الآيات من حقائق؟ فهذا الملك الذي رفضه خاصته، فمع أنه يظهر الآن كالمنتصر القادم ليحكم أعداءه بعصا من حديد، إلا أنه ما زال يبسط يده التي ثقبت على الصليب ويبسطها للسلام، ولكن محذراً من غضبه، الذي سيرجف به كل من أهمل الخلاص الذي اشتراه لهم بموته.

الترنيمة

Table 10. 

عَلَى جَبِينِ ٱلْمُفْتَدِييَبْدُو سَنَى ٱلْجَمَالْ
وَرَأْسُهُ مَكَلَلٌبِٱلْمَجْدِ وَٱلْجَلاَلْ
وَفَيْضُ نِعْمَةٍ يُرَىفِي ثَغْرِهِ ٱلْمُنِيرْ
فَمَا لَهُ بَيْنَ ٱلْوَرَىأَوْ فِي ٱلسَّمَا نَظِيرْ
لَمَّا رَأَى ٱلإِنْسَانَ فِيبَحْرِ ٱلرَّدَى قَدْ غَاصْ
دَنَا إِلَيْهِ مُسْرِعاًبِنِعْمَةِ ٱلْخَلاَصْ
قَدْ صَارَ عَنِّي فِدْيَةًمُخَلِّصِي ٱلْحَبِيبْ
إِذْ مَاتَ عَنِّي رَافِعاًإِثْمِي عَلَى ٱلصَّلِيبْ
شُكْراً لِمُحْيِي عَبْدَهُوَمَصْدَرُ ٱلنَّصْرِ
إِذْ حُزْتُ مِنْ نِعْمَتِهِنَصْراً عَلَى ٱلْقَبْرِ
يُمْنَاهُ تَهْدِينِي إِلَىمَنَازِلِ ٱلْمَجْدِ
فَمُهْجَتِي أُهْدِي لَهُوَكُلَّ مَا عِنْدِي

الصلاة: نبارك اسمك العزيز، أيها المسيح الرب. ونرفع لك آيات الحمد والتسبيح. من أجل الخلاص الذي وهبته للبشر. ارسل روحك لكي يوقظ النفوس من سبات نوم الموت، ويفتح عيون ذهنها لكي ترى مجدك بالفداء. بفضائلك ويذيعوا بشرى خلاصك في بقاع الأرض. أيد الغيورين على نشر إنجيلك بقوة من الأعالي، حتى تثمر أتعابهم لمجد اسمك بخلاص كثيرين. آمين.

السؤال: 10 - ما هي أهم محتويات المزمور 2؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلرَّابِعُ وَٱلْعِشْرُونَ - أغاني الملك

7اِرْفَعْنَ أَيَّتُهَا ٱلأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَٱرْتَفِعْنَ أَيَّتُهَا ٱلأَبْوَابُ ٱلدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ ٱلْمَجْدِ. 8مَنْ هُوَ هٰذَا مَلِكُ ٱلْمَجْدِ؟ ٱلرَّبُّ ٱلْقَدِيرُ ٱلْجَبَّارُ، ٱلرَّبُّ ٱلْجَبَّارُ فِي ٱلْقِتَالِ! 9ٱرْفَعْنَ أَيَّتُهَا ٱلأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَٱرْفَعْنَهَا أَيَّتُهَا ٱلأَبْوَابُ ٱلدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ ٱلْمَجْدِ؟ 10مَنْ هُوَ هٰذَا مَلِكُ ٱلْمَجْدِ! رَبُّ ٱلْجُنُودِ هُوَ مَلِكُ ٱلْمَجْدِ. سِلاهْ

نظم داود هذا المزمور حين انتهت إقامته في حبرون، ولم يبق في البلاد سوى حصن واحد في يد الأعداء، وهو حصن صهيون، ورأى داود أن يكون هذا الحصن نفسه عاصمة مملكته. ويجمع المفسرون على أن المرنم الحلو كتب هذا المزمور بمناسبة الاستيلاء على الحصن وجعله مقراً لتابوت العهد، الذي هو رمز حضور الله وبركته.

كان يوم فرح عظيم حين سار داود والشعب أمام تابوت الرب في غناء ورقص وأصوات جميع آلات الطرب. ولعلهم غنوا الترنيمة المحبوبة التي رنمها آباؤهم في عدة مناسبات: قم يا رب، أنت وتابوت عزك (أخبار الثاني 6: 41) وكان ذلك أعظم يوم في حياة داود، إذ كان فاتحة عهد جديد، لأنه من ذلك اليوم صارت مدينة القدس عاصمة له.

(7-10) والآن يقف الموكب أمام بوابات المدينة، وهي الأبواب القديمة، التي يطلب منها أن ترتفع وتتسع لدخول ملك المجد. والتابوت مثل المجد، لأنه لما أخذ الفلسطينيون تابوت الله، قالت امرأة فينحاس بعد ولادتها وهي على فراش النزع: زال المجد لأن تابوت الله قد أخذ (صموئيل الأول 4: 22) وسمت ابنها أيخابود، الذي تفسيره: أين المجد؟ ومع أن التابوت قد عاد، فكان السؤال من الداخل يدل على الشك. لكأن المدينة لم تعرف ملكاً غير الذين ملكوا عليها سنين طويلة، لذلك كان السؤال: من هو هذا ملك المجد؟ فأجيب بملء الثقة وبلهجة الغلبة والانتصار «الرب القدير الجبار، الرب الجبار في القتال» إله العهد الذي نصر عبده داود. ومع ذلك بقي السائل من الداخل محجماً متردداً، لكأنه يمثل تردد الناس في قبول الإله الحقيقي. فسأل ثانية «من هو هذا ملك المجد؟» فأنشد الجمهور المواكب تابوت الرب «رب الجنود هو ملك المجد!» وعند سماع اسم الله القادر على كل شيء، ملك الكون، رفعت الأبواب رؤوسها وأدخل التابوت في وسط أصوات الهتاف والغناء ورنات آلات الموسيقى.

أما من الناحية النبوية فإن الآيات الكريمة تتحدث عن مجيء الرب يسوع ثانية إلى عاصمة ملكه. يوم ذاك سوف يظهر في مجده غالباً منتصراً، بعد تحطيم أعدائه. وبحسب أقوال النبوات، ستكون المدينة المقدسة يومئذ مظللة بسحابة مجد، علامة لحضور الرب (إشعياء 4: 5).

هنا صورة رائعة للرب يسوع، وهو عائد إلى مدينته المقدسة. فبعد انتهاء صراع الأمم الطويل، يظهر ملك الله المجيد متوجاً بقدرة لا تقاوم. بعد أن رفضه الناس وتجاهلوه أحقاباً طويلة. والارتاج التي كانت موصدة في وجهه، ها هي تؤمر أن ترفع رؤوسها لتستقبله له المجد.

أجل إن تلك الحادثة وما جاء فيها من تفاصيل، هي حادثة رمزية. والمزمور فيها يتطلع إلى الأمام، إلى استكمال الرمز، بمجيء داود الحقيقي. أي المسيح الرب في مجده الإلهي. سيأتي في مجده كما رآه يوحنا راكباً على فرس أبيض (رؤيا 19: 11) كالملك المحارب لخلاص أتقيائه وعتق الأرض، «جبار في القتال».

قال احد الاتقياء في إيضاح معنى رب الجنود: في عهد الآباء عرف الله باسم إلوهيم أي الحصن. وفي ايام موسى عرف باسم يهوه أي وجود ذاتي. وفي العهد الجديد عرف بالآب لأنه أحب العالم بمقدار أنه بذل ابنه الوحيد لفدائه.

أما في الأيام الأخيرة، بعد أن يكون يوم النعمة قد انتهت ساعاته فإن ملك السموات آت باسم رب الجنود.

والآن دعني أسألك برأفة الله، أن تتأمل في معنى هذه الآيات، مصلياً وطالباً إرشاد الروح القدس. فلعلك تفكر في ما هو لسلامك، وتفيد من يوم افتقاد الرب العظيم، بفتح أرتاج قلبك، ليدخل ملك المجد. فيحل السلام في قلبك طيلة أيامك هنا. وحين تدعى إلى الرحيل سيحملك الرجاء على جناحيه إلى ميراث القديسين في النور. حيث سيستقبلك الفادي الرب، ويقول لك، هيا يا مبارك أبي، رث المجد المعد لك قبل تأسيس العالم.

الترنيمة

Table 11. 

هُوَذَا ٱلظَّافِرُ جَاءَبِهُتَافِ ٱلنَّصْرِ هُبُّوا ٱسْتَقْبِلُوهْ
اُنْثُرُوا ٱلأَزْهَارَ تَرْحِيباً بِهِتَوِّجُوهُ عَظِّمُوهُ كَرِّمُوهُ
هُوَذَا ٱلْمَلِيكُ جَاءَأَصْلُ يَسَّى كَوْكَبُ ٱلصُّبْحِ ٱلْمُنِيرْ
أَسَدٌ فَرْدٌ قَدِيرٌ غَالِبٌوَاهِبُ ٱلْبِرَّ وَمُطْلِقُ ٱلأَسِيرْ
هُوَذَا ٱلْمَسِيحُ جَاءَمَلِكُ ٱلْكَوْنِ وَنُورُ ٱلْعَالَمِينْ
ضَابِطُ ٱلْكُلِّ وَدَيَّانُ ٱلْوَرَىقَاهِرُ ٱلْمَوْتِ وَفَادِي ٱلْمُؤْمِنِينْ

الصلاة: يا رب إلهنا الصالح، نشكرك لأجل نعمتك الراحمة التي لم تتركنا في ظلال الجهل. بل أشرقت علينا بنور المعرفة الخلاصية، فعرفناك في يسوع ابنك المخلص الوحيد. ثبتنا في هذه النعمة، التي أقمتنا فيها مغسلين من خطايانا. ونشكرك لأجل تحذيراتك لنا من الارتداد. هيِّئ الأسباب حتى يعرف جميع مواطنينا حاجتهم إلى يسوع المخلص، وينالوا البر من يمينه المباركة. آمين.

السؤال: 11 - في أي مناسبة نظم داود المزمور 24؟ وهل في المزمور نبوة عن المسيح؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلأَرْبَعُونَ - القلب الملآن

6بِذَبِيحَةٍ وَتَقْدِمَةٍ لَمْ تُسَرَّ. أُذُنَيَّ فَتَحْتَ. مُحْرَقَةً وَذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ لَمْ تَطْلُبْ. 7حِينَئِذٍ قُلْتُ: «هَئَنَذَا جِئْتُ. بِدَرْجِ ٱلْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي 8أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلٰهِي سُرِرْتُ. وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي». 9بَشَّرْتُ بِبِرٍّ فِي جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ. هُوَذَا شَفَتَايَ لَمْ أَمْنَعْهُمَا. أَنْتَ يَا رَبُّ عَلِمْتَ. 10لَمْ أَكْتُمْ عَدْلَكَ فِي وَسَطِ قَلْبِي. تَكَلَّمْتُ بِأَمَانَتِكَ وَخَلاصِكَ. لَمْ أُخْفِ رَحْمَتَكَ وَحَقَّكَ عَنِ ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْعَظِيمَةِ.

(6-8) حين نقابل هذه الآيات بعبرانيين 10: 6-10 نرى تطبيقاً كاملاً لهذا المزمور على شخص يسوع، فربنا المبارك استعرض جميع ذبائح وقرابين العهد الناموسي بكل أنواعها: ذبائح السلامة، وذبائح الإثم، والمحرقات، وذبائح الخطية والقرابين. وبعد استعراضها جميعاً، نطق بحكمة قائلاً بأنها لم تكن مطلب القدير.

والله أعلن في الأنبياء نفس الشيء مراراً كثيرة. ففي إشعياء نجد الحكم على هذه الذبائح باعتبار كونها طقوساً فارغة، إذ يقول «لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟» يَقُولُ ٱلرَّبُّ «ٱتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ، وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ» (إشعياء 1: 11).

وفي إرميا يصدر الحكم عليها بالرفض، إذ يقول «مُحْرَقَاتُكُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَذَبَائِحُكُمْ لا تَلُذُّ لِي» (إرميا 6: 20).

وفي عاموس يظهر كراهية حيالها، إذ يقول «بَغَضْتُ، كَرِهْتُ أَعْيَادَكُمْ، وَلَسْتُ أَلْتَذُّ بِٱعْتِكَافَاتِكُمْ. إِنِّي إِذَا قَدَّمْتُمْ لِي مُحْرَقَاتِكُمْ وَتَقْدِمَاتِكُمْ لا أَرْتَضِي، وَذَبَائِحَ ٱلسَّلامَةِ مِنْ مُسَمَّنَاتِكُمْ لا أَلْتَفِتُ إِلَيْهَا» (عاموس 5: 21-23).

والسبب في ذلك واضح تماماً، وهو أنها كانت طقوساً خارجية، وفي معظم الأحيان كانت تقدم في عدم إيمان. ويقول الرسول بولس: إن تلك الذبائح «لا يُمْكِنُ مِنْ جِهَةِ ٱلضَّمِيرِ أَنْ تُكَمِّلَ ٱلَّذِي يَخْدِمُ» (عبرانيين 9: 9) بمعنى أن ذبائح الناس لم يكن ممكناً قط أن تكمل الساجد من جهة ضميره لأن ذكر خطاياه كان يعاد في يوم عيد الكفارة. وكان يستنتج من ذكرها أنها في الماضي لم تغفر كاملاً. وبكلمة أخرى أن ضميره لم يكن يجد راحة كاملة. لأنه لم يحصل على يقين كامل بغفران خطاياه.

كانوا يمارسون الغسل في الهيكل عند المرحضة. وكان هناك رش دم لتقديس المنجس، وعلى مذبح النحاس، وعلى قرون مذبح البخور. ولكن هذه كلها لم تكن قادرة أن تكمل الضمير أو تعطي للنفس سلاماً حقيقياً. كانت أشياء مادية تمارس وفقاً لفرائض تتناول علاقة الإنسان بالله، ولكنها لم تكن سوى علاقة خارجية، ولعل هذه العلاقة تجعل الإنسان طيباً صادقاً في أشياء كثيرة، ومع ذلك يبقى بعيداً عن السلام مع الله، أو الوجود في حضرته.

صحيح أن أتقياء العهد القديم، في أيام موسى كانوا يرجعون إلى الله على أساس الذبائح. وفي عهد الملوك، كانت الذبائح تشغل مركزاً هاماً في العبادة، إذ كانت ذبائح المحرقة تقدم باستمرار بحيث نارها لا تطفأ أبداً وفي زمن سليمان كانت ربوات المحرقات تخفي وجه السماء فوق الهيكل بدخانها المتصاعد. حتى يمكن أن يقال، أنهم كانوا شعب قرابين وذبائح ومحرقات. ومع ذلك ما أشد النبرة التي لفظ بها الرب هذا الحكم! «ذبيحة وقرباناً لم ترد».

في الواقع أن الروح القدس، الذي تكلم عن المسيح بفم داود، يؤكد لنا بصريح العبارة، أن الله ما كان ممكناً أن يسر بمجرد تقديم ذبيحة حيوانية. وإنما يشتاق إلى الشيء الذي تكلم بالسلام إلى قلب وضمير الخاطئ الخائف. وهذا الشيء هو دم المسيح، المعروف سابقاً قبل تأسيس العالم.

تخبرنا الكتب المقدسة، أنه كان في مشورات الله الأزلية إعداد ذبيحة أفضل. وإذ ننحني سجداً، يقودنا الروح القدس إلى ذاك الماضي الأزلي الذي إن كنا لا نستطيع إدراكه بحكم قصورنا البشري، إلا أننا نفهم من إعلانات الله في الكتاب العزيز، أن أقانيم اللاهوت وهم يتطلعون إلى جنسنا البشري المزمع أن يأتي إلى الوجود، وإلى الخطية التي ستدخل إلى العالم ومعها الموت أصدروا المشورة بالفداء. ويمكننا أن نتصور أن الله الابن قدم نفسه لعمل الفداء قائلاً هأنذا أذهب وأصنع الكفارة لذلك العالم المرتد.

وهكذا تمت المشورة الإلهية بالفداء، وصارت الكلمة المكتوبة «يَنْزِعُ ٱلأَّوَلَ لِكَيْ يُثَبِّتَ ٱلثَّانِيَ»(عبرانيين 10: 9) ينزع الذبائح التي كانت تقدم تحت الناموس، لكي يثبت مشيئة الله المباركة بالفداء. وهي خلاصنا بذبيحة المسيح: كما هو مكتوب «فَبِهٰذِهِ ٱلْمَشِيئَةِ نَحْنُ مُقَدَّسُونَ بِتَقْدِيمِ جَسَدِ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ مَرَّةً وَاحِدَةً» (عبرانيين 10: 10).

(9 و10) لم يكتف ابن الله بأن تكون المشيئة الإلهية بالفداء محصورة في شعب حسب نفسه وارثاً وحيداً لمواعيد الله. بل أراد نشرها في العالم أجمع وفقاً لقوله «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 16). وحين توقفت شفتا يسوع عن الكلام، صار رسله شفاهاً تكرز بإنجيل الخلاص للعالم أجمع، وذلك صدوعاً بأمره القائل «ٱذْهَبُوا إِلَى ٱلْعَالَمِ أَجْمَعَ وَٱكْرِزُوا بِٱلإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (الإنجيل بحسب مرقس 16: 15).

الترنيمة

Table 12. 

جَرَى دَمُ ٱلْفَادِي ٱلذَّبِيحْمُغَسِّلاً ذَنْبِي
مِنْ جَنْبِهِ ٱلدَّامِي ٱلْجَرِيحْمُطَهِّراً قَلْبِي
دَمُ ٱلْمُخَلِّصِ ٱنْبَجَسْيَا حَبَّذَا ذَاكَ ٱلْمَعُينْ
مَحَتْ ذَنَوبُي وَٱلدَّنَسْدِمَاءُ مُنْقِذِي ٱلْطَعِينْ
صَوْتُ ٱلدِّمَا أَشْعَرَنِيبِٱلْحَادِثِ ٱلسَّعِيدْ
وَٱلرُّوحُ قَدْ بَشَّرَنِيبَٱلْبَعْثِ وَٱلتَّجْدِيدْ
فِي ٱلنُّورِ أَمْشِي ظَافِراًبِٱلنَّاصِرِي رَبِّي
ثَوْباً كَسَانِي طَاهِراًإِذْ حَلَّ فِي قَلْبِي
قَدْ بَدَأَتْ فِيَّ ٱلسَّمَافِي دَاخِلِ ٱلْنَفْسِ
مُذْ طَهَّرَتْ قَلْبِي ٱلدِّمَابِرُوحِهِ ٱلْقُدْسِي

الصلاة: أيها الفادي الرب، لا يستطيع لساني أن يعبر لك عن حبي وعن شكري وامتناني. لأنك نظرت مذلتي، وتحننت على ضعفي. شكراً لك لأنك أحببتني منذ الأزل، وبدون أن أكون مستحقاً، كتبت اسمي في سجل المفديين. يا رب ماذا أرد لك، من أجل جميع حسناتك؟ غفرت إثمي وسترت عيوبي ثبتني في محبتك، وزدني إيماناً بك. آمين.

السؤال: 12- ماذا تجد بمقارنة هذا المزمور بعبرانيين 10: 6-10؟ وفي أي النبوات يظهر حكم الرب على الذبائح الحيوانية؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْخَامِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ - المسيح الإلهي

6كُرْسِيُّكَ يَا اَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. قَضِيبُ ٱسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. 7أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ ٱلإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ مَسَحَكَ ٱللّٰهُ إِلٰهُكَ بِدُهْنِ ٱلِٱبْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ.

(6) حين نقابل هذه الآيات بقرائنها في رسالة العبرانيين، يتضح لنا أنها تتكلم عن المسيح، إذ يقول الرسول «وَأَمَّا عَنْ ٱلِٱبْنِ: كُرْسِيُّكَ يَا أَللّٰهُ إِلَى دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. قَضِيبُ ٱسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ. أَحْبَبْتَ ٱلْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ ٱلإِثْمَ. مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ مَسَحَكَ ٱللّٰهُ إِلٰهُكَ بِزَيْتِ ٱلِٱبْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ شُرَكَائِكَ». وَأَنْتَ يَا رَبُّ فِي ٱلْبَدْءِ أَسَّسْتَ ٱلأَرْضَ، وَٱلسَّمَاوَاتُ هِيَ عَمَلُ يَدَيْكَ» (عبرانيين 1: 8-10).

بهذا الإعلان يطل علينا الوحي بشهادة الله عن أمجاد الابن القدوس. لكأن الآب السماوي، أراد أن يعلمنا أن معرفة أمجاد ابنه لازمة وجوهرية لكل إنسان، ليرفع الحمد الأبدي للحمل المستحق الكرامة. والواقع إن تكلمت شهادة الآب عن ابنه، وإن حدثنا الوحي عن عظمته كصورة الله غير المنظور، أو كخالق الكل، أو كحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، أو كالفادي المطهر من الخطايا فإن ذلك يثير فينا أحاسيس السجود والحمد، للذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه.

ويقيناً أن هذه الآيات المجيدة ومثيلاتها في المزامير: 2 و89 و97 و110 ليست سوى إشارة إلهية إلى الموقف الواجب أن تتخذه النفس حيال ابن الله. وفي الحق أنه لامتياز لنا، أن ننضم إلى صفوف العابدين الأتقياء، الذين بدأوا منذ الماضي البعيد يسبحون الرب يسوع، ويتحدثون عن أمجاده. وباعتبار كوننا نعيش في يوم النعمة، يليق بنا أن نضم أصواتنا إلى أصوات الملائكة، مرنمين وقائلين «قدوس قدوس قدوس، رب الجنود مجده ملء كل الأرض».

حين نتأمل في المزمور 45 ككل، نرى المسيح في جلال ملكوته الألفي، نازلاً من الأعالي: تحف به أجناد السماء، مسبحين وقائلين «كرسيك يا الله إلى دهر الدهور» ويا له من تعبير عجيب! لا يستطيع الإنسان الطبيعي الوقوف طويلاً في جوه المفعم بالقداسة. لأنه لا يستطيع أن يدرك، كيف يصح أن يخاطب يسوع بهذه العبارة «كرسيك يا الله».

حقاً إنه لأمر عجيب! أن ذاك الذي، كان يتأوه حزيناً حتى الموت في جثسيماني، والذي قال على الصليب: أنا عطشان، يهتف له كخالق السماء والأرض! أتستطيع أن تتصور طرفا نقيض معاً أكثر من هذين حسب الظاهر؟! اتضاع متناهٍ وإعياء لا حل له من طرف، ومن الطرف الآخر هتاف آت من عرش الله «كرسيك يا الله»! ألا يقودنا هذا إلى تذكر قول إشعياء «ويدعى اسمه عجيباً»، وبالتالي إلى الاتجاه بقلوب متعبدة إلى ذلك السيد المبارك؟ قائلين مع توما «ربي وإلهي» مع أنه لم يكن أمام التوأم سوى دلائل اتضاع يسوع العميق... «هات اصبعك إلى هنا وابصر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي». هذا هو الإيمان الحي الذي يتلذذ بالاعتراف بالسيد الرب في عميق اتضاعه، ويحمده كالله فوق الكل مباركاً إلى الأبد.

لما أقبل يسوع على يوحنا المعمدان للاعتماد منه بنهر الأردن، لم يكن فيه بحسب الظاهر ما يميزه عن جمهور الشعب، الذين جاءوا لممارسة معمودية التوبة. ولكن الآب السماوي ميزه عنهم، لأنه فيما يسوع يمارس المعمودية، وإذا السماء قد انفتحت له فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه وصوت من السموات قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت (الإنجيل بحسب متى 3: 13-17).

انظر إلى جبل التجلي تر منظراً مدهشاً، لأن الرب يسوع تراءى في عينة من مجده. فأمام دهشة الذين كانوا معه على الجبل، تغيرت هيئته قدامهم، وصار وجهه كالشمس وثيابه كالنور... وفميا هو يتكلم مع موسى وإيليا إذا سحابة نيرة ظللتهم، وصوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا (الإنجيل بحسب متى 17: 1-7).

تأمل في كولوسي 1: 16 و17 ترى لاهوت المسيح بكل وضوح. فهو صورة الله غير المنظور... فيه خلق الكل، ما في السموات وما على الأرض، سواء كان عروشاً أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق، الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل.

هل أدركت معنى الكلمة «صورة الله غير المنظور؟» هو يفسر لك ذلك بقوله «من رآني فقد رأى الآب» وبكلمة أخرى أنه صورة ذاك الذي لا يمكن أن نعرفه إلا في شخص ابنه الحبيب. هكذا قال له المجد «لا أَحَدٌ يَعْرِفُ ٱلآبَ إِلَّا ٱلِٱبْنُ وَمَنْ أَرَادَ ٱلِٱبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ، تعالوا اليّ...» (الإنجيل بحسب متى 11: 27).

وكم كان أمراً مباركاً وجميلاً أن نعلم أن ربنا يسوع له هذه الوحدة مع الآب السماوي! وأنه خلال حياته على الأرض كان الآب ملء حياته. ونعلم من إنجيل يوحنا، الذي هو إنجيل الآب، أن الابن كان يحيا بالآب. وكان هدف حياته أن يعلن اسمه للناس. وكم حقق يسوع كلمات الإعلان القائل «أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً».

أما تنازله العجيب حتى وضع النفس، فلا يعثرنا إطلاقاً. لأنه في اتضاعه حمل إلينا قلب الآب السماوي الدافق بالحب، ليتعامل معنا بالفداء العجيب. فجاء وبشرنا نحن البعيدين، إننا صرنا قريبين بدم المسيح. وهذا ما يدعوك إلى التأمل في كون يسوع بهاء مجد الله، وفي نفس الوقت حمل الله، الذي يرفع خطيتك.

(7) كان مسح الملوك قديماً يتم بإهراق الزيت المقدس على رأس الملك، وهو رسم خارجي (صموئيل الأول 10: 1) أما يسوع فلم يمسح بالزيت، وإنما مسح بالروح القدس. وفقاً لقوله «رُوحُ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ» (إشعياء 61: 1 ، لوقا 4: 18) فمسحة يسوع إلهية روحية من العلاء. والحق أن روح الله كان عليه دائماً، لكنه أشار خاصة إلى حلول الروح القدس عليه علانية عند معموديته، مقدمة لخدمته وإعلاناً لتكريسه، وتأهيلاً له في إنجاز المواعيد الإلهية، كنائب عن جنس البشر، «ابن الإنسان».

أما الرفاق الذين أتى المرنم على ذكرهم، فهم أولئك الذين ارتضى وبررهم وقدسهم. وعلمهم أن يسيروا في خطواته، فيحبون البر ويبغضون الإثم.

اذكر يا أخي أن يسوع الرأس يعلمنا ليس فقط أن نحب البر، بل أيضاً أن نصنع البر. وليس على أساس فريضة، بل على أساس المحبة، حتى لأجل الذين أساؤوا إلينا. وقد علمنا أن لا نبتعد عن الإثم وحسب بل أن نكرهه، كما هو مكتوب: كارهين الشر ملتصقين بالخير (رومية 13: 9).

الترنيمة

Table 13. 

صَوْتَ يُوبِيلَ ٱسْمَعُواإِنَّهُ صَوْتُ ٱلسُّرُورْ
كَرُعُودِ ٱلْجَوِّ أَوْلُجَجٍ فَوْقَ ٱلصُّخُورْ
هَلِّلُويَا رَبُّنَاذُو ٱقْتِدَارٍ سَيَسُودْ
لِيَرِنَّ ٱلصَّوْتُ فِيكُلِّ أَقْطَارِ ٱلْوُجُودْ
سِمَةَ ٱلنَّصْرِ ٱنْظُرُواقَدْ سَطَا سِيْفُ ٱلإِلَهْ
إِنَّ مُلْكَ ٱلأَرْضِ قَدْصَارَ مُلْكاً لِفَتَاهْ
هُوَ يَسْتَوْلِي عَلَىكُلِّ أَسْبَاطِ ٱلأُمَمْ
حِينَمَا تُطْوُى ٱلسَّمَافَهْوَ يَسْتَولِي نَعَمْ
تَحْتَ رِجْلَيهِ ٱلْعِدَىوَهْوَ فِي حِضْنِ أَبِيهْ
هَلِّلُويَا ٱلآبُ فِياِبْنِهِ وَٱلاِبْنُ فِيهْ

الصلاة: اللهم ربنا الصالح، يا مالئ الوجود وحامل كل الأشياء بكلمة قدرتك. إننا نشكرك من الأعماق يا ربنا لأجل الفداء العجيب، الذي أكملته على الصليب لتبريرنا من خطايانا، وجعلنا أمة مقدسة وشعب اقتناء. اعطنا اللهم أن نقابل محبتك الباذلة بتسليم حياتنا لك، والسير طبقاً لمشيئتك الصالحة المرضية الكاملة. استجب صلواتنا منعماً، آمين.

السؤال: 13 - كيف تعرف أن هذا المزمور 45 يتكلم عن أمجاد يسوع؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلسَّادِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ - هللويا

5طُوبَى لِمَنْ إِلٰهُ يَعْقُوبَ مُعِينُهُ، وَرَجَاؤُهُ عَلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِهِ 6ٱلصَّانِعِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ، ٱلْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا. ٱلْحَافِظِ ٱلأَمَانَةَ إِلَى ٱلأَبَدِ. 7ٱلْمُجْرِي حُكْماً لِلْمَظْلُومِينَ ٱلْمُعْطِي خُبْزاً لِلْجِيَاعِ. ٱلرَّبُّ يُطْلِقُ ٱلأَسْرَى. 8ٱلرَّبُّ يَفْتَحُ أَعْيُنَ ٱلْعُمْيِ. ٱلرَّبُّ يُقَوِّمُ ٱلْمُنْحَنِينَ. اَلرَّبُّ يُحِبُّ ٱلصِّدِّيقِينَ. 9ٱلرَّبُّ يَحْفَظُ ٱلْغُرَبَاءَ. يَعْضُدُ ٱلْيَتِيمَ وَٱلأَرْمَلَةَ. أَمَّا طَرِيقُ ٱلأَشْرَارِ فَيُعَوِّجُهُ. 10يَمْلِكُ ٱلرَّبُّ إِلَى ٱلأَبَدِ، إِلٰهُكِ يَا صِهْيَوْنُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ. هَلِّلُويَا.

هذا واحد من المزامير الخمسة التي تفتتح بالقول «سبحوا الرب». والابتهاج المعبر عنه في هذه الترانيم، يبلغ معظمه في الكلمات الأخيرة من مزمور 150 «كل نسمة فلتسبح الرب» وينسب بعض المفسرين هذا المزمور والمزمورين التاليين 147 و148 إلى حجي وزكريا.

في هذا المزمور يدعو المرنم إلى الاتكال على الرب الخالق والحافظ الأمانة. مما يدل على أن قلبه كان مملوءاً بالشكر، الذي يود إعلانه ما دام حيّاً. ويتضح لنا من آيات المزمور الأولى أن الكاتب الملهم لا يستصوب الاتكال على الناس، حتى ولو كانوا من الرؤساء. لأن الاتكال على الناس يقترن في الغالب بالخيبة وعدم الفائدة.

(5-7) الإنسان السعيد المطوب، هو من يأتيه العون من الله، ويجعل الرب متكله في كل شيء وفي كل حين. والرب الإله في محبته الكثيرة يرسل إلينا العون من قدسه، كما أعلن يعقوب من قبل.

يعقوب هو أحد الآباء الذين عاهدوا الرب عهداً أبدياً. كان ذلك حين افتقده الرب عند بيت إيل، حيث كانت رؤيا السموات المفتوحة، وملائكة الله الصاعدة والنازلة، ووعد الله له دليل تجاوبه مع إيمانه برحمة واسعة. ولما استيقظ من نومه، قال حقاً إن الرب في هذا المكان... ثم نذر ذاته للرب (تكوين 28: 10-22).

وفي طريق عودته من ديار الغربة وفيما كان عند نهر يبوق جاهد مع ملاك الرب ونال البركة. ودعا اسم المكان فنيئيل أي وجه الله. لأنه قال «أَنِّي نَظَرْتُ ٱللّٰهَ وَجْهاً لِوَجْهٍ» (تكوين 32: 22-32). وكانت هذه الحادثة نقطة تحول في حياة يعقوب. فقد كان حتى الآن معتمداً على قوته الذاتية ودهائه. ولكنه تعلم في أثناء جهاده أن يتكل على الرب، مستعيناً بالصلاة.

صحيح أنه ارتكب أخطاء عديدة، من غش وخداع وقساوة. إلا أنه اعترف بها وتاب، فأدركته النعمة الإلهية وصيرته من أبطال الإيمان (عبرانيين 11: 21).

هل تتعلم الدرس من رجل الله يعقوب، وتتبع مثاله بتكريس ذاتك للرب. يعقوب كانت عاقبة الرب معه، أنه بالإيمان نال بركات لا تُحصى. وهذا الرب الأمين، يريد أن تتمتع ببركاته، وأولاها بركة الخلاص بيسوع المسيح ابنه. لأن مشيئة الله، أن الجميع يخلصون وإلى معرفة المحق يقبلون.

اذكر أن معونة البشر محدودة، وغالباً ما تكون مشروطة أو يتوخى أصحابها الشهرة وإطراء الناس. ولكن ماذا يهم المؤمن، الذي يترجى الله، ولا يلتفت إلى الغطاريس والمنحرفين، فالرب وحده يحفظ الأمانة، وهو لا يستطيع أن ينكر نفسه، ولا يغير وعداً خرج من فمه.

لقد عرف المرنم أمانة الرب، وتمتع ببركاته فوثق فيه، وجعله متكله. وهو يريد أن يرسخ في أذهاننا أن الرب قريب من الذين يدعونه، الذين يدعونه بالحق. وأول من يلتفت إليهم، هم المظلومون. فيكون لهم عوناً في الضيقات، ويخلصهم من يد الظالم، ويطعمهم في الجوع، ويفكهم من أسر العبودية.

(8 و9) يتابع رجل الله نشيده بعبارات تحمل الناس على الالتفات إلى الله. فالسيد إله السماء والأرض، يتعطف وينظر بعين الرأفة إلى المتواضعين والمتضايقين. وكذلك يفتح أعين العمي ويقوّم المنحنين.

هكذا كان في المسيح يسوع، وقد أشار إلى رسالته حين قال «رُوحُ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ ٱلْمُنْكَسِرِي ٱلْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِٱلإِطْلاقِ ولِلْعُمْيِ بِٱلْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ فِي ٱلْحُرِّيَّةِ» (الإنجيل بحسب لوقا 4: 18 و19).

رأى يسوع شاباً أعمى منذ ولادته، يعيش في حال سيئة من البؤس. كان قابعاً في الظلام، وكم هو أليم للنفس أن يأكل المرء كل أيام حياته في الظلام! (جامعة 5: 17) كان الرجل بسبب عاهته منفصلاً عن المجتمع، كما لو كان في جزيرة نائية، محبوساً في سجن تسود فيه الظنون السيئة والأفكار المظلمة والشكوك المتضاربة. هذه الحالة استصرخت حنان يسوع، فأنعم عليه بالبصر، قائلاً «ما دمت في العالم فأنا نور العالم».

وكم يجب أن نشكر الرب، لأنه في شفاء هذا الإنسان، أعطى نموذجاً عن عمل نعمته في نفس الخاطئ، التي تفتح بصيرة من ولدوا عمياً روحياً بالطبيعة.

كان يسوع يعلم في أحد المجامع... وإذا امرأة كان بها روح ضعف ثماني عشرة سنة. وكانت منحنية ولم تقدر أن تنتصب البتة (لوقا 14: 11). كانت المرأة في حالة تستدر الشفقة. ولكن الناس لم يروا فيها سوى كتلة مهملة من سقط المتاع. ولكن يسوع رأى في المنحنية التاعسة إنسانة معذبة جديرة بالشفقة. فدعاها وقال لها «يا امرأة إنك محلولة من ضعفك ووضع يديه عليها، ففي الحال استقامت ومجدت الله». فتم القول الإلهي «الرب يقوي المنحنين».

كل القلوب التي لم تتقدس هي تحت سلطان الضعف، وهي معوجة وغير مستقيمة. وتبعاً لذلك صارت مواهب النفس مشوشة وفي غير موضعها منحنية ومتجهة إلى ما هو أسفل. يقول المثل اللاتيني: النفوس المنحطة تنحني متجهة إلى الحضيض، ولا تقدر أن تنتصب نحو السماء لتنظر الله.

إن نفوساً معوجة كهذه، لا تطلب المسيح. لكن المسيح له المجد يطلبها ويدعوها إليه. ويضع يد سلطانه ونعمته عليها، وينطق لها بكلمة الشفاء. فيحلها من ضعفها فتستقيم حالا، وتصير في الوضع الصحيح. ويوجه عواطفها ورغباتها وأهدافها نحو السماء.

ويختم المرنم بذكر عمل الرب المعزي والمقوي. فكما أنه يطلق المأسورين، ويفتح أعين العمي ويقوّم المنحنين، هكذا يحفظ الصديقين ويهتم بالغرباء. وهو كَرَبٍ معتن، لا يتخلى عن اليتيم الذي لا معين له. ولا يهمل الأرملة المكسورة الخاطر من رعايته. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يكره أعمال الأشرار. ولا يقبل طرقهم المعوجة، التي تؤدي بهم أخيراً إلى الهلاك. هذا هو ملك الله، يعامل المساكين بالمحبة، ويسخط الأشرار بغضبه.

الترنيمة

Table 14. 

نَشِيدِي يَعْلُو بِٱلْهُتْافِوَكَذَا ٱلتَّمْجِيدْ
وَٱلسُّبْحِ وَٱلتَّرَنُّمِلِسَيِّدِي ٱلْمَجِيدْ
فَذَاكَ رَبِّيَ ٱلَّذِيسُكْنَاهُ فِي قَلْبِي
فَأَغْلُبُ وَأُنْشِدُ: يَسُوعُ حَيٌّ فِيَّ
قرار 
يَسُوعُ حَيٌّ فِيَّ (2) فَذَا نَشِيدُ غَلْبَتِي يَسُوعُ حَيٌّ فِيَّيَسُوعُ حَيٌّ فِيَّ (2) وَذَا ضَمَانُ نُصْرَتِي يَسُوعُ حَيٌّ فِيَّ
إِنْ هَاجَتِ ٱلْبِحَارُ مِنْحَوْلِي وَلاَ سَنِيدْ
وَٱشْتَدَتِ ٱلْحَرْبُ مَعَعَدُوِّيَ ٱلْعَنِيدْ
لاَ أَرْهَبُ.. وَلَيْسَ ذَابِفَضْلِ قُوَّتِي
بَلْ وَاثِقٌ أَنَّ ٱلْعَلِييَسُوعُ.. حَيٌّ فِيَّ
يَا أَيُّهَا ٱلْحَيُّ ٱلَّذِيحَيٌّ فِي دَاخِلِي
مَا دُمْتَ حَيّاً سَيِّدِيفَلاَ ٱنْكِسَارَ لِي
شُكْراً لَكَ: فِي مَوْكِبِٱلنَّصْرِ تَقُودُنِي
يَبْقَى شعِارِي دَائِماً:يَسُوعُ حَيٌّ فِيَّ

الصلاة: أبانا الذي في السموات، ننحني أمام جلالك بكل خشوع لأنك أنت المعين. نشكرك لأنك تباركنا، ولا تمنع حقك عنا. ونشكرك لأجل عطفك على بني البشر وخصوصاً الساقطين، الذين لم ينهضهم أحد، والحزانى الذين لم يعزهم أحد. أرسل نورك وحقك لهداية الضالين. ارحم النفوس الحائرة والهمها الصواب، حتى تستقر وتجد سلامها فيك. آمين.

السؤال: 14 - ماذا تعرف عن يعقوب؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ - غضب الله

1إِلٰهِي! إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيداً عَنْ خَلاصِي عَنْ كَلامِ زَفِيرِي؟ 2إِلٰهِي، فِي ٱلنَّهَارِ أَدْعُو فَلا تَسْتَجِيبُ. فِي ٱللَّيْلِ أَدْعُو فَلا هُدُوءَ لِي. 3وَأَنْتَ ٱلْقُدُّوسُ ٱلْجَالِسُ بَيْنَ تَسْبِيحَاتِ إِسْرَائِيلَ. 4عَلَيْكَ اتَّكَلَ آبَاؤُنَا. اتَّكَلُوا فَنَجَّيْتَهُمْ. 5إِلَيْكَ صَرَخُوا فَنَجُوا. عَلَيْكَ اتَّكَلُوا فَلَمْ يَخْزُوا. 6أَمَّا أَنَا فَدُودَةٌ لا إِنْسَانٌ. عَارٌ عِنْدَ ٱلْبَشَرِ وَمُحْتَقَرُ ٱلشَّعْبِ.

يطبق العهد الجديد هذا المزمور بطريقة إيجابية قاطعة على يسوع، حين أخذ وظيفة حمل الله. لأن في عباراته تفصيلات واضحة عن موته على الصليب، حتى أنك لترى في محتوياته مجموعة من الكلمات التي فاه بها رب المجد خلال ساعات آلامه المبرحة. وهو بذلك يرينا جوهر الكفارة والارتباط بين البر الإلهي والنعمة في عمل المسيح. هذا الارتباط من أعظم بركات الله لنا، لأنه يهبنا قدوماً إلى الله في ثقة الإيمان، وفرح الرجاء، وغبطة المحبة.

(1) إلهي إلهي لماذا تركتني؟ هذه الكلمات تكشف لنا عن مدى العمق الذي نزل إليه يسوع وهو ينفذ المشورات الإلهية بالفداء. وقيل إن الفادي كان يردد كلمات المزمور تصويراً لحاله وإعلاناً لثقته الكاملة بالله. لأنه يعلم أن الآلام التي يجتازها ستنتهي بالنصر.

لقد وقف سيدنا في تلك الظلمة، حيث لم يستطع أحد أن يقف. وهناك أرسى أساس الخليقة الجديد، التي لا تتزعزع، فأسقط سقوط الإنسان، ورد لله مجده بالإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. وبكلمة أخرى إنه بعمله الكفاري دان الخطية وأمكن تبرير الخاطئ بالنعمة المخلصة، فصار القول «الحق والرحمة التقيا، البر والسلام تلاثما».

من الواضح أن الذين سمعوا صرخة يسوع لم يفهموا ماذا كان يجري على الصليب. فقد ظن بعضهم أنه ينادي إيليا، وهؤلاء كانوا يهوداً. ولعل الوثنيين ظنوا أنه ينادي أحد الآلهة. وعلى أي حال لو أن المسيح مات وعلى لسانه صرخة كهذه لكان الأمر يبدو فظيعاً. لكن الأمر لم يكن كذلك فالإنجيل يخبرنا أنه قبل أن يسلم الروح صرخ بصوت عظيم «قد أكمل» (الإنجيل بحسب يوحنا 19: 3) وهذه الصرخة تركت آثارها في عقول الناس. لأنها كانت صرخة المنتصر. وهي أيضاً هتاف من أتم عمله وفاز في المعركة، وصرخة من خرج من الظلام إلى مجد الضياء، وأمسك بإكليل الظفر. فالمسيح إذن مات وصرخة الانتصار على شفتيه.

ولنا في فوز المسيح درس رائع، فقد هبط له المجد إلى عمق الهاوية، ليتيح لنا خلاصاً، وهكذا نحن، إن كنا نتعلق بالله حتى عندما لا يلوح لنا رجاء بالعون، وإن كنا نتمسك ببقايا إيماننا، فإن الفجر سيشرق علينا. وبكلمة أخرى إن المنتصر هو من لا يترك إيمانه، حتى عندما تضيع كل وسائل الإيمان.

يخبرنا الإنجيل أن يسوع تبارك اسمه، أمضى على الصليب ست ساعات في آلام مريرة جداً. ومع ذلك لم يتلفظ بكلمة تنم عن حزنه، ولم يشك ولم يرث لنفسه. على العكس، فحين سمره أعداؤه على الخشبة وراحوا يستهزئون به ويجدفون على اسمه رفع صوته نحو السماء وقال «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون». وحين وضع أحد اللصين المصلوبين معه ثقته فيه قال له «الحق أقول لك، اليوم تكون معي في الفردوس».

(2 و3) إن كلمة نهار الواردة هنا تشير إلى الساعات الثلاث الأولى للصليب حيث كانت الشمس تطل على الأرض لكي تسجل على البشر بشاعة الجريمة التي ارتكبت ضد ابن الله. أما كلمة ليل فتشير إلى ساعات الظلمة حين حجبت الشمس نورها عن الكون لتلقي ستاراً على ذلك المنظر الذي يحمر له الجبين خجلاً.

كانت أوجاعه أكثر مما يحتمله الإنسان، ومع ذلك فقد دعا الله وبرره وأعلن أنه القدوس. ولكن لم يكن منه جواب. والسبب هو أن يسوع كان يتعامل مع العدل الإلهي، الذي سر بأن يسحقه بالحزن إذ جعل نفسه ذبيحة إثم (إشعياء 53: 10). ومعنى هذا أن كل ما استحقته خطايانا من سخط وغضب ودينونة، وضع على القدوس، كما هو مكتوب «لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (كورنثوس الثانية 5: 21).

(4-6) يوجد فرق بين معاملة الله للآباء الأقدمين، ومعاملته للرب يسوع على الصليب. فأولئك عاملهم بالرحمة، وإذا اعترفوا بخطاياهم وتركوها، غفر لهم. أما يسوع قفد عومل كحمل ذبيح للتكفير عن خطايانا، وبذلك تم القول النبوي «وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء 53: 6).

لقد اقتضى عمل الفداء أن ينزل إلى دون ما نزل إليه إنسان من قبل. احتقر وذل من الناس، ولم يكن له أن يدافع عن نفسه. وبتعليقه على صليب العار، صار عاراً عند الشعوب.

هل تدرك معنى ما تحمله يسوع من أجلك؟ إنه لمن الشر، بل هو الشر عينه أن ترفض خلاصاً هذا مقداره. تحمل المسيح كل هذا الألم والحقارة والموت لكي يعده لنا. فكر يا أخي في اللعنة التي حملها يسوع بتعليقه على خشبة الصليب لتصير إليك البركة، لأنه مكتوب «ملعون كل من علق على خشبة».

الترنيمة

Table 15. 

أُسْلِمَ فَادِينَا ٱلْكَرِيمْإِلَى أَيَادِي ٱلظَّالِمِينْ        
فَذَاقَ صَلْباً كَأَثِيمْلِكَيْ يُنَجِّي ٱلْعَالَمِينْ        
أَوَّاهُ مَا أَقْسَى قُلُوبْقَضَتْ عَلَى ٱلْفَادِي ٱلْحَنُونْ        
وَٱسْتَذْنَبَتْ مَاحِي ٱلذُّنُوبْفَذَاقَ غَصَّاتَ ٱلْمَنُونْ        
لأَجْلِنَا أَحْزَانُهُكَانَتْ بِهِ مُجَسَّمَةْ        
وَقَدْ بَدَا حَنَانُهُلأُمِّهِ ٱلْمُكْرَّمَةْ        
أَوْمَا إِلَى ٱلْخِلِّ ٱلْحَبِيبْوَقَدْ جَرَى مِنْهُ ٱلدَّمُ        
وَقَالَ مِنْ أَعْلَى ٱلصَّلِيبْهَذَا لَكِ ٱبْنُ مَرْيَمُ        
فَهَكَذَا ٱعْطُفْ يَا رَحِيمْعَلَى جَمِيعِ ٱلْمُتْعَبِينْ        
وَٱغْرِسْ لَكَ ٱلْحُبُّ ٱلْعَظِيمْفِينَا عَلَى مَرِّ ٱلسِّنِينْ        

الصلاة: أيها الفادي الرب، يا من أسلمت نفسك عن خطايانا، وقمت من الموت لأجل تبريرنا، نمجد آلامك أيها السيد الرب، ونتعبد لشخصك المبارك، مسبحين وشاكرين عملك العظيم من أجل جنسنا الساقط والمائت في الذنوب والخطايا. إننا نذكر بكل خشوع القول الذي أطلقته في مسمع الزمن «ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه». شكراً لك وحمداً لأنك وضعت نفسك عنا فتقبل شكرنا وحمدنا آمين.

السؤال: 15 - ماذا كان سيحدث لو أن المسيح مات وهو يصرخ إلهي إلهي لماذا تركتني؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ - تتمة

7كُلُّ ٱلَّذِينَ يَرُونَنِي يَسْتَهْزِئُونَ بِي. يَفْغَرُونَ ٱلشِّفَاهَ وَيُنْغِضُونَ ٱلرَّأْسَ قَائِلِينَ: 8 «ٱتَّكَلَ عَلَى ٱلرَّبِّ فَلْيُنَجِّهِ. لِيُنْقِذْهُ لأَنَّهُ سُرَّ بِهِ». 9لأَنَّكَ أَنْتَ جَذَبْتَنِي مِنَ ٱلْبَطْنِ. جَعَلْتَنِي مُطْمَئِنّاً عَلَى ثَدْيَيْ أُمِّي. 10عَلَيْكَ أُلْقِيتُ مِنَ ٱلرَّحِمِ. مِنْ بَطْنِ أُمِّي أَنْتَ إِلٰهِي. 11لا تَتَبَاعَدْ عَنِّي لأَنَّ ٱلضِّيقَ قَرِيبٌ. لأَنَّهُ لا مُعِينَ.

12أَحَاطَتْ بِي ثِيرَانٌ كَثِيرَةٌ. أَقْوِيَاءُ بَاشَانَ ٱكْتَنَفَتْنِي. 13فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ كَأَسَدٍ مُفْتَرِسٍ مُزَمْجِرٍ. 14كَٱلْمَاءِ ٱنْسَكَبْتُ. ٱنْفَصَلَتْ كُلُّ عِظَامِي. صَارَ قَلْبِي كَٱلشَّمْعِ. قَدْ ذَابَ فِي وَسَطِ أَمْعَائِي. 15يَبِسَتْ مِثْلَ شَقْفَةٍ قُوَّتِي، وَلَصِقَ لِسَانِي بِحَنَكِي، وَإِلَى تُرَابِ ٱلْمَوْتِ تَضَعُنِي. 16لأَنَّهُ قَدْ أَحَاطَتْ بِي كِلابٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ ٱلأَشْرَارِ ٱكْتَنَفَتْنِي. ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ. 17أُحْصِي كُلَّ عِظَامِي، وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَيَتَفَرَّسُونَ فِيَّ. 18يَقْسِمُونَ ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي يَقْتَرِعُونَ.

19أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَلا تَبْعُدْ. يَا قُوَّتِي أَسْرِعْ إِلَى نُصْرَتِي. 20أَنْقِذْ مِنَ ٱلسَّيْفِ نَفْسِي. مِنْ يَدِ ٱلْكَلْبِ وَحِيدَتِي. 21خَلِّصْنِي مِنْ فَمِ ٱلأَسَدِ، وَمِنْ قُرُونِ بَقَرِ ٱلْوَحْشِ ٱسْتَجِبْ لِي.

(7 و8) في هذه الفقرة، تصف كلمة الوحي الحال التي صار إليها المخلص. فقد لاحقته تعييرات الأردياء من البشر. فالشيوخ كانوا يهزأون به، قائلين: آه يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام! خلص نفسك وانزل عن الصليب (الإنجيل بحسب مرقس 15: 29 و30). وحذا آخرون من أبناء الشعب حذو الشيوخ، ففغروا أفواههم وأطلقوا ألسنتهم بكلام التعيير والتحقير. وفيما هم يظنون أن الله قد تخلى عنه، راحوا يجدفون على اسمه. ويخبرنا متى الإنجيلي أن المجتازين، كانوا يهزّون رؤوسهم استهزاء وسخرية. وكذلك سجل البشير على رؤساء الكهنة والكتبة، أنهم في سخريتهم استخدموا نفس كلمات المزمور إذ قالوا «ٱتَّكَلَ عَلَى ٱللّٰهِ، فَلْيُنْقِذْهُ» (الإنجيل بحسب متى 27: 43).

كانوا أغبياء ومظلمي الفكر إلى حد أنه طمس على عيون ذهنهم، وغلظت قلوبهم، فاستهانوا بقداسة الله ورحمته. ولم يدركوا معنى النبوة التي كانت تتم فيهم. فقد كانت عبارات هذا المزمور بين أيديهم، ولعل بعضهم كانوا يحفظونها. ولكنهم في جهالتهم كانوا هم المتممين لها.

ويخبرنا لوقا في روايته عن صلب رب المجد «وَكَانَ ٱلشَّعْبُ وَاقِفِينَ يَنْظُرُونَ، وَٱلرُّؤَسَاءُ أَيْضاً مَعَهُمْ يَسْخَرُونَ بِهِ قَائِلِينَ: خَلَّصَ آخَرِينَ، فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إِنْ كَانَ هُوَ ٱلْمَسِيحَ مُخْتَارَ ٱللّٰهِ» (الإنجيل بحسب لوقا 23: 35) والواقع أن الرؤساء وقد تمموا كل مشورتهم، تبعوا يسوع إلى مكان الصلب، لكي يتلذذوا بنتائج ظفرهم. ومن فضلة قلوبهم العامرة بالشر، تكلمت ألسنتهم بالسخرية والهزء. وكانوا يظنون أنهم يتكلمون بالمنطق «خلص آخرين فليخلص نفسه» وهنا تغافلوا عن أهم الحقائق فلو خلص نفسه لما كان هو المسيا المخلص.

وهناك حقيقة أخرى جديرة بالملاحظة، وهي قصر نظرهم في الأمور الروحية، فإذا لم يقدروا أن يعيروه بخطية، عيروه بما كان يميز مجده الأدبي وهو اتكاله على أبيه وسرور الآب به. السرور الذي سمع الآب يعبر عنه، حين اعتمد يسوع في نهر الأردن. ولعلهم بسبب تجاهلهم هذا الأمر، نسوا أيضاً النبوة القائلة: «أَمَّا ٱلرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِٱلْحُزْنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ وَمَسَرَّةُ ٱلرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ» (إشعياء 53: 10).

(9-11) ما أعمق كلمات هذه الفقرة العجيبة! فإن المسيا الذي حبل به من الروح القدس، جاء إلى العالم في ملء الإحساس بعلاقته بالآب السماوي. واليوم في ساعات آلامه، يخاطبه بما معناه أنت أخرجتني من البطن، وكنت أساس طمأنينتي وموضوع ثقتي، منذ جئت إلى الدنيا ونشأت قريباً منك. والآن قد أصبح ضيق الموت قريباً، فلا تتباعد عني.

هنا حقيقة جديرة باهتمامنا، وهي أن الاعتماد الكلي على الله هو الضمان الوحيد للحياة النقية الطاهرة أمام الرب. أما الخطية التي تباعد بين الإنسان وخالقه فليست سوى تنفيذ مشيئتنا نحن. فليت كل واحد منا يخضع مشيئته لله، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله الذي كان الله بالنسبة له كل شيء. ولما رفع على الصليب وبدت الأمور وكأن السماء تخلت عنه، لم يتلاش سروره في أن يفعل مشيئة الآب الذي أرسله. ويتعبير آخر أنه ارتضى أن يأخذ مكان الإنسان البعيد عن الله، لكي يقربه بدمه (أفسس 2: 13).

(12 و13) في الفقرة السابقة، رأينا وصفاً لآلام السيد، التي تقبلها من يد الآب، والتي هي آلام دينونة الله للخطية. وقد تطوع ابن الله ليرفعها بذبيحة نفسه. أما في هذه الفقرة فنقرأ عن آلامه من يد البشر. هذه الآلام التي تفوق الوصف، لا دخل لها في نطاق الكفارة، وإنما هي تكشف عن شر الإنسان وعداوته للرب الذي جاء لكي يحسن إليه.

لقد صورهم المزمور بالثيران التي هي رمز القوة الجامحة والكبرياء المتمردة. وهي تمثل شعب إسرائيل المرتد عن الله، بصورة عامة وزعماءه بصورة خاصة. هذا ما أوضحه عاموس النبي حين قال: اسمعي هذا القول يا بقرات باشان (عاموس 4: 1). ووصفهم أيضاً بالسباع المفترسة المزمجرة. أما الله نفسه فقد وصفهم بالشعب الصلب الرقبة (خروج 32: 9) ومعنى هذا أن أعداء يسوع كانوا قساة، لا مكان للرأفة في قلوبهم، لأن الحقد احتلها. وبدافع هذا الحقد تعقبوه منذ البداية، في غضب ووحشية لإهلاكه. وقد أشار يسوع إلى ذلك بقوله «رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي» (الإنجيل بحسب يوحنا 15: 24).

(14 و15) أمام حقد اليهود الذي لا يعرف هوادة اكتأب السيد رب المجد وتألم وتضايق. حتى أنه قال في جثسيماني «نفسي حزينة حتى الموت. ويخبرنا لوقا الإنجيلي أن عرقه صار كقطرات دم نازلة على الأرض».

ويصور لنا المزمور تعبه وأوجاعه بعبارات مؤثرة تهتز لها أقسى العواطف. وهل من مشهد كهذا يذيب القلوب؟ يسوع الحبيب بدا معلقاً على الصليب، وكأن كل عضو في جسده قد انفصل عن الآخر. وكأن قلبه يذوب كالشمع في نار غضب عدل الله على الخطية. أما قوته فتحطمت مثل إناء خزف ضرب به الصخر. وقد أحس سيد الوجود بالجفاف والتصق لسانه بشفتيه الداميتين، وتمنى جرعة ماء يبرد بها غليله.

(16-18) لقد كشف الصليب الأشرار في وحشيتهم. أنهم كلاب مسعورة نجسة، تفترس غيلة، مجردة من كل عاطفة شريفة. جماعة من الأشرار التفوا حول ابن الله، ولم تأخذهم عليه شفقة، بل إن منظره الأليم أثار ضحكهم واستخفافهم. فعلقوه على صليب بمسامير ثقبوا بها يديه ورجليه. وفي عدم استحياء جردوه من ثيابه، واقتسموها بينهم بالقرعة، التي هي سلطان الله، وإنما حقروا بها القدوس الحق.

قال الدكتور زويمر: إن لهول الصلب الذي اختبره يسوع مظهرين: الألم الجسداني والألم النفسي. فألم الجسد من جراء الجلد الفظيع وتسمير اليدين والقدمين وعطش الحمى واختلاج الأعصاب يعذبها حمل الجسد المكسور الراغب في الانطلاق. وألم الروح لكونه رفض من خاصته، وعري من ثيابه وأحصي مع أثمة، وعلق على صليب اللعنة.

تلك كانت نهاية الجانب البشري من قصة الصليب، حيث كشفت خسة الإنسان. ويا له من وصف كامل لما حدث على تلة الجلجثة! وقد كتبت القصة بلغة الأنبياء. كتبها داود قبل وقوع الحادث بما يزيد على ألف سنة.

(19-21) يتحول الفادي عن أشرار البشر قاتليه إلى أبيه القدوس، ومرة أخرى يسأله أن لا تنقطع الشركة بينهما. فإنه مهما بالغ الناس في سوء معاملته لا يؤثر. فالمهم في نظره هو موقف الآب، فما دام قريباً منه فلا عبرة بما يلاقيه من الناس.

أما سؤاله أن يُنْقَذ من سيف الموت، فهو القيامة من الأموات هذا ما تؤكده الكلمة الرسولية القائلة «ٱلَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ ٱلْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ» (عبرانيين 5: 7) والكلب والأسد في هذه الآية يمثلان الشيطان.

بقي أن أسألك هل أدركت مدى فظاعة ما عاناه المسيح على الصليب لأجلك، لكي يفتديك، ويشتري لك الحياة الأبدية؟ إن الثمن باهظ كما ترى، وله من الاعتبار ما يحرك ضميرك المثقل. فتتجاوب مع المحبة الفدائية العجيبة التي احبك بها. فتعرف الفادي في شركة آلامه، وبالتالي تصير بقيامته.

الترنيمة

Table 16. 

خَلِّنِي قُرْبَ ٱلصَّلِيبْحَيْثُ سَالَ ٱلْمَجْرَى
مِنْ دَمِ ٱلْفَادِي ٱلْحَبِيبْدَاءُ نَفْسِي يَبْرَا
قرار 
فِي ٱلصَّلِيبْ، فِي ٱلصَّلِيبْرَاحَتِي بَلْ فَخْرِي
فِي حَياتِي وَكَذَابَعْدَ دَفْنِ ٱلْقَبْرِ
قَدْ مَحَا عِنْدَ ٱلصَّلِيبْدَمُ رَبِّي إِثْمِي
وَعَنِ ٱلْقَلْبِ ٱلْكَئِيبْزَالَ كُلُّ ٱلْهَمِّ
قَدْ رَأَيْنَا فِي ٱلصَّلِيبْقُوَّةَ ٱلرَّحْمَانِ
إِذْ بَدَا أَمْرٌ عَجِيبْفِدْيَةٌ لِلْجَانِي
مَنْ قَضَى فَوْقَ ٱلصَّلِيبْذَاكَ جُلُّ ٱلْقَصْدِ
سَأَرَاهُ عَنْ قَرِيبْفَوْقَ عَرْشِ ٱلْمَجْدِ

الصلاة: أيها السيد الرب المتألم، أنت حملت أحزاننا وتحملت أوجاعنا. أخذت الدينونة والقصاص نيابة عنا. ماذا نرد لك بالمقابل يا سيد؟ أهو الشكر؟ إن الشكر بالكلام لرخيص جداً، ولا يليق بجلالك الأقدس. فاعطنا اللهم نعمة جديدة لكي نشكرك بالعمل والحق. قدرنا على أن نعرفك في شركة آلامك، حتى نعرفك أيضاً بقيامتك، حتى تقيمنا من الموت لنحيا معك. آمين.

السؤال: 16 - ماذا فعل الرؤساء بعد أن تمموا كل مشورتهم؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلْعِشْرُونَ - تتمة

22أُخْبِرْ بِٱسْمِكَ إِخْوَتِي. فِي وَسَطِ ٱلْجَمَاعَةِ أُسَبِّحُكَ. 23يَا خَائِفِي ٱلرَّبِّ سَبِّحُوهُ. مَجِّدُوهُ يَا مَعْشَرَ ذُرِّيَّةِ يَعْقُوبَ. وَٱخْشُوهُ يَا زَرْعَ إِسْرَائِيلَ جَمِيعاً. 24لأَنَّهُ لَمْ يَحْتَقِرْ وَلَمْ يَرْذُلْ مَسْكَنَةَ ٱلْمَسْكِينِ، وَلَمْ يَحْجِبْ وَجْهَهُ عَنْهُ، بَلْ عِنْدَ صُرَاخِهِ إِلَيْهِ ٱسْتَمَعَ. 25مِنْ قِبَلِكَ تَسْبِيحِي فِي ٱلْجَمَاعَةِ ٱلْعَظِيمَةِ. أُوفِي بِنُذُورِي قُدَّامَ خَائِفِيهِ. 26يَأْكُلُ ٱلْوُدَعَاءُ وَيَشْبَعُونَ. يُسَبِّحُ ٱلرَّبَّ طَالِبُوهُ. تَحْيَا قُلُوبُكُمْ إِلَى ٱلأَبَدِ. 27تَذْكُرُ وَتَرْجِعُ إِلَى ٱلرَّبِّ كُلُّ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ. وَتَسْجُدُ قُدَّامَكَ كُلُّ قَبَائِلِ ٱلأُمَمِ. 28لأَنَّ لِلرَّبِّ ٱلْمُلْكَ وَهُوَ ٱلْمُتَسَلِّطُ عَلَى ٱلأُمَمِ. 29أَكَلَ وَسَجَدَ كُلُّ سَمِينِي ٱلأَرْضِ. قُدَّامَهُ يَجْثُو كُلُّ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى ٱلتُّرَابِ وَمَنْ لَمْ يُحْيِ نَفْسَهُ. 30ٱلذُّرِّيَّةُ تَتَعَبَّدُ لَهُ. يُخَبَّرُ عَنِ ٱلرَّبِّ ٱلْجِيلُ ٱلآتِي. 31يَأْتُونَ وَيُخْبِرُونَ بِبِرِّهِ شَعْباً سَيُولَدُ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ.

في ما تقدم رأينا عمل الفداء يتم، وقد قبله الآب وشبعت نفسه به. ورأينا المخلص يتجرع آلامه الفدائية وحيداً، إلا أنه لا يُرى هكذا في الآيات التالية. إننا نراه في غمرة الفرح، وليس وحيداً بل محاطاً بربوات القديسين، الذين فداهم بدمه، وكمل فرحه فيهم. فحبة الحنطة كما قال، «وقعت في الأرض وماتت، فأتت بثمر كثير».

(22) الآن وقد أكمل يسوع العمل الكفاري بذبيحة نفسه، نجد تبايناً مباركاً. فليس هو بالمتروك فيما بعد ولا الصارخ إلى الله. ولكننا نسمع صوتاً قوياً حلواً قديراً، متحدثاً بتسبيح الله وسط أولئك الذين يسميهم إخوته، قائلاً «أُخَبِّرُ بِٱسْمِكَ إِخْوَتِي، وَفِي وَسَطِ ٱلْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ» (عبرانيين 2: 12).

إنه لامتياز لنا سعيد، أننا كمفديين نشترك مع القديسين بتسابيح الحمد، ونرفع عبادتنا وشكرنا للرب الذي فدانا. ولكن أليس أعجب من هذا أننا نصغي أولاً إلى رب المجد الذي كان طول أيام جسده يعلن اسم الآب ومجد الآب، إلا أنه في هذه المرة يخبر المؤمنين باسم الآب في وسط الكنيسة؟! هؤلاء صيرهم بالنعمة أولاد الله وبالتالي إخوته، وفقاً لقوله في صلاته الشفاعية: وعرفتهم اسمك، وسأعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني وأكون أنا فيهم (الإنجيل بحسب يوحنا 17: 26) فيا لها من رابطة عجيبة! ويا له من قول مجيد... يرينا ارتباطنا المبارك مع رب المجد! ويا لها من نعمة فائقة، إننا نقترن به كالمسيح وكالقائد لتسبيحاتنا!

ويخبرنا يوحنا الإنجيلي أن إعلان تلك الإخوة المباركة، كانت الرسالة، التي حملها للمجدلية بعد قيامته مباشرة، إذ قال لها «ٱذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ» (الإنجيل بحسب يوحنا 20: 17) هنا تأسست الصلة العجيبة، وأعلن الاسم الإلهي المجيد، اسم آب الكل، مع التمييز الضروري بين الرب وشعبه، حيث قال له المجد «أبي وأبيكم» ولم يقل أبونا. وهو تمييز يذكرنا بمطلق مجده. فلنسبح ذلك الذي سر بأن يدخلنا في هذه القرابة معه، والتي تضم كل شعب الله. وعلى هذا نرى الرسول يقول «أَنَّ ٱلْمُقَدِّسَ وَٱلْمُقَدَّسِينَ جَمِيعَهُمْ مِنْ وَاحِدٍ، فَلِهٰذَا ٱلسَّبَبِ لا يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً» (عبرانيين 2: 11) فكم هو جميل ومبارك، أن تكون أنت نفسك من عداد أولئك المقدسين الذين لا يستحي المسيح أن يدعوهم إخوة!!!

(23) في هذه الآية دعوة موجهة إلى جميع خائفي الرب، لكي يسبحوا الرب. وهنا نجد لمسة من العهد الجديد، الذي يمتد إلى جميع خائفي الرب من كل قبيلة وشعب ولسان وأمة. هذه الدعوة لم تكن متفقة مع سنن الأمة اليهودية، التي كانت متقوقعة وراء تقاليد الآباء، ضاربة بشريعة الله عرض الحائط. ولهذا كان قادة اليهود موضوعاً لتوبيخ الرب يسوع إذ قال «فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ ٱللّٰهِ بِسَبَبِ تَقْلِيدِكُمْ! يَا مُرَاؤُونَ! حَسَناً تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلاً: يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هٰذَا ٱلشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيداً. وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَنِي وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا ٱلنَّاسِ» (الإنجيل بحسب متى 15: 6-9).

(24) قد يبدو للمتأمل وهو يقرأ الآيات السابقة كأن الآب وهو متخذ صفة الديان، قد حول وجهه عن ابنه باعتبار كونه حامل خطايا البشر في جسده على الخشبة. ولكن في الحقيقة أنه لم يتركه، إلا أن مستلزمات الفداء الذي أخذه الابن على عاتقه قضت أن يتعامل الآب معه كديان، في نفس الوقت الذي كانت أحشاؤه تحن إلى ابنه الحبيب. ولا بد أن بهجته كانت عظيمة في اللحظة التي قام فيها الابن من بين الأموات، منتصراً على الموت والهاوية.

لقد بدا السيد المصلوب لأعدائه وكأنه مصاباً، مضروباً من الله ومذلولاً، أو كما وصف بأنه دودة لا إنسان رجل أوجاع ومختبر الحزن. وحين صرخ، إلهي إلهي لماذا تركتني، ظن الأعداء أن الآب قطع علاقته به، فقالوا ليس له خلاص بإلهه. وأخيراً نزل إلى القبر، ففرح الأعداء المغتاظون. ولكن الآب أقامه، ناقضاً أوجاع الموت.

(25) إن الذين قبلوا رسالة الجلجثة، تمتعوا بفوائد الفداء وصاروا بركة لجميع الأمم. وصار اقتبالهم حياة من الأموات (رومية 11: 15) وبهذا اتسعت دائرة التسبيح، التي فيها أعلنت محبة الله ولطفه وطول أناته. وهنا يجب التمييز بين الجماعة التي ذكرت في الآية 22 والجماعة التي ذكرت هنا فالأولى كنيسة الوقت الحاضر، والبقية الأمينة في المستقبل. أما الثانية التي أطلق عليها اسم الجماعة العظيمة، فهي جماعة الشعوب الألفية، من كل القبائل والشعوب. والأمم والألسنة (رؤيا 7: 9).

(26) إن الودعاء هم الذين قادهم الاتضاع ونكران الذات، إلى الإقرار بأنهم خطاة. ثم لجأوا إلى الرب المخلص، واحتموا في قمة موته الكفاري على الصليب. هؤلاء يعيشون، وكأن حياتهم تتكلم بمحبة الرب الذي فداهم. فهم بركة عظيمة بين شعوب الأرض «لأنهم يضيئون بينهم كأنوار متمسكين بكلمة الحياة».

(27 و28) في هذه العبارات وصف لملكوت الله، حين تدخل الخلائق في بركة ملك المسيح الألفي. صحيح أن هذا لم يتم بعد، ولكنه سيتم حين يأتي الرب ثانية في قوة ومجد كثير. وحينئذ يعترف كل لسان، أن يسوع رب لمجد الله الآب.

(29-31) في نموذج الصلاة الذي علمه المسيح ودعي بالصلاة الربانية، نقرأ هذه الطلبة «ليأت ملكوتك» ومعنى أننا نتوقع أن يأتي ملكوت الله بكل بركاته. وعندئذ تأخذ الخليقة موقفها الصحيح قدام الله، فتنال البركة التامة، التي هي وليمة الشكر على خلاص الله للذين لهم وعد المسيح بالجلوس على مائدته. يقابل ذلك وبصورة عكسية، أن الذين يزدرون بما فعل الله لأجل خلاص العالم، ويسخرون من صليب الفداء، ينحدرون إلى التراب ومصيرهم إلى الهلاك، لأنهم لم يحيوا أنفسهم.

يختم هذا المزمور بلمسة من العهد الجديد، فإن الحق الرئيسي للإنجيل هو بر الله. البر الذي يناله الخاطئ الأثيم، بواسطة عمل الرب على الصليب. هذا العمل يعطي كل مؤمن، ليس البر وحسب، بل أيضاً القوة لكي يغلب. ومن يغلب له وعد المسيح بأن يعطيه إكليل الحياة.

الترنيمة

Table 17. 

سَلاَماً نِلْتُ مِنْ رَبِّيوَهَذَا مِنْهُ يَكْفِينِي
أَزَالَ ٱلْخَوْفَ مِنْ قَلْبِيوَمِنْهُ ٱلنَّصْرُ يَأْتِينِي
إِذَا مَا حَلَّتِ ٱلْبَلْوَىلِسَانِي يَرْفَعُ ٱلشَّكْوَى
إِلَهِي يَمْنَحُ ٱلسَّلْوَىوَحُسْنَ ٱلصَّبْرِ يُوْلِينِي
مَحَا فِي صَلْبِهِ ذَنْبِيوَأَحْيَا بِٱلْفِدْا قَلْبِي
فَأَضْحَى مَلْجَأِي رَبِّيوَأَمْسَى حَبُّهُ دِينِي
يُكَافِينِي إِذَا تِبْتُوَيَرْعَانِي إِذَا عِشْتُ
وَإِنْ فِي حَبِّهِ مِتُّفَبَعْدَ ٱلْمَوْتِ يُحْيِينِي

الصلاة: أيها الرب الكريم، يا غافر الذنوب وساتر العيوب. إليك نأتي وعند موطئ قدميك نسجد فعاملنا اللهم برحمتك. ونق قلوبنا بكلمتك، حتى نعاينك، ونفرح بعمل نعمتك. يا رب اسمع صلواتنا التي نرفعها بإيمان إلى جلال قدسك. ليس لنا ليس لنا يا رب ولكن لاسمك القدوس اعط مجداً. مبارك أنت إلى الأبد. آمين.

السؤال: 17 - ما هو الامتياز الذي صار لنا كمفديين؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلتَّاسِعُ وَٱلسِّتُّونَ - الغيرة لبيت الله

4أَكْثَرُ مِنْ شَعْرِ رَأْسِي ٱلَّذِينَ يُبْغِضُونَنِي بِلا سَبَبٍ. ٱعْتَزَّ مُسْتَهْلِكِيَّ أَعْدَائِي ظُلْماً. حِينَئِذٍ رَدَدْتُ ٱلَّذِي لَمْ أَخْطَفْهُ... 9لأَنَّ غَيْرَةَ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي، وَتَعْيِيرَاتِ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ. 21وَيَجْعَلُونَ فِي طَعَامِي عَلْقَماً، وَفِي عَطَشِي يَسْقُونَنِي خَلاً.

يوجد ارتباط بين هذا المزمور والمزمور الثاني والعشرين. إذ في كليهما وصف لآلام الرب يسوع على الصليب. وفي كلا المزمورين انفرجت شفتا الفادي عن صرخة داوية، فيما كانت الظلمة الدامسة تلف الأرض، معلنة أن سيد العالم يكابد آلام الموت الكفاري. ويعاني وحده قصاص الخطية، كنائب عن البشر.

نعم إن السيد قد صرخ، ليعبر عن مرارة نفسه. تلك المرارة التي لا يستطيع حسنا البشري أن يتذوقها. لأن المعاقِب هو الآب القدير، والمعاقَب هو الابن الحبيب البار.

ولعل تفكيرنا البشري يطرح هذا السؤال: هل لأن عبيد التراب صاروا هدفاً لهذا الحب العظيم، يصير القدوس الحق هدفاً للقصاص الصارم؟! هذا السؤال يجيب عليه الإنجيل بقوله «لأَنَّهُ هٰكَذَا أَحَبَّ ٱللّٰهُ ٱلْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ٱبْنَهُ ٱلْوَحِيدَ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 3: 16).

في الحقيقة لولا هذا الإعلان عن حب الله العجيب، ما كنا علمنا أن الله كريم لدرجة أنه «لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين» فإلى شاشة الصليب المصبوغة بالدم، أسألك أن توجه نظرك لتقرأ في وجه المصلوب الكلمة الرائعة: «الله محبة».

نعم إننا في الصليب نكتشف سر الحب العجيب، ونتحسس فيه روح التضحية. فهناك نرى خالقاً يجود بنفسه، لأجل جبلة ساقطة. فيا للاكتشاف المذهل! هكذا احب الله العالم حباً فاض معينه وطمت مياهه، لتغسل خطايا البشرية وتروي ظمأها إلى البر، فتثمر أطيب الثمار.

(4) كان أعداء يسوع كثيرين جداً، وقد أبغضوه بلا سبب (الإنجيل بحسب يوحنا 15: 25) وقد وصفهم يوحنا بكلمة العالم، إشارة:

  1. إلى عددهم فقد كان هناك عالم من البشر قاوموا المسيح والمسيحية. وقد أشار إليهم الكتاب بالقول «يَا رَبُّ مَا أَكْثَرَ مُضَايِقِيَّ. كَثِيرُونَ قَائِمُونَ عَلَيَّ» (مزمور 3: 1).

  2. تحالفهم واتحادهم وتضامنهم وتآمرهم بالقلب وتعاهدهم على الرب ومسيحه وكنيسته (مزمور 83: 5) وهذا ما سجله التاريخ عن اليهود والأمم، في اتفاقهم معاً على اضطهاد جماعة المسيح، ومع أنهم كانوا لا يتفقون على شيء آخر.

  3. روحهم وميولهم. وقد أطلق عليهم الكاتب لقب أهل الدنيا. وذلك نظراً لانغماسهم في الدنيويات. حتى أنهم جعلوا نصيبهم قاصراً على إملاء بطونهم وإشباع شهواتهم، دون أن يفكروا في الحياة الأبدية.

(9) كان قصد المسيح من مجيئه إلى العالم، إصلاح العالم. وهذا ما علمنا إياه بتطهير الهيكل من الأرجاس. فقد وجد في إحدى دوره سوقاً تجارية، تعج بالباعة مع بضائعهم من غنم وبقر وتيوس وحمام وكل ما هو لازم لتقديم الذبائح. وكان هؤلاء يجنون أرباحاً فاحشة مستغلين حاجة الحجاج الغرباء.

كانت هذه السوق تقام سابقاً بجوار بركة بيت حسدا (الإنجيل بحسب يوحنا 5: 2) ولكن رؤساء الكهنة سمحوا بإقامتها في الهيكل، من أجل الحصول على حصة من الأرباح، علاوة على الأجرة التي كانوا يتقاضونها من أجل فحص الحيوانات، وإعطاء الشهادة بأنها بلا عيب.

وسمحوا أيضاً للصيارفة أن يقيموا لهم مراكز لأجل إبدال النقود للغرباء. لأن هؤلاء كانوا ملزمين بدفع رسم للهيكل (خروج 30: 12).

هذه الحالة المؤسفة التي صار إليها بيت الله، أثارت الغضب المقدس في نفس الرب يسوع. فصنع سوطاً من الحبال وطرد الجميع من الهيكل: الغنم والبقر، وكب دراهم الصيارفة وقلب موائدهم. وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا، لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة. فتذكر تلاميذه انه مكتوب غيرة بيتك أكلتني (الإنجيل بحسب يوحنا 2: 14-17).

لقد دهشوا في أول الأمر أن يروا ذاك الذي قيل عنه أنه حمل الله، يحتد ويغضب إلى هذه الدرجة! لكنهم تذكروا النبوة الواردة في هذا المزمور المجيد حيث يتكلم داود عن المسيا. وقد أعلن له أن للرب غيرة من أجل بيته. وهي شديدة جداً، حتى أنها أكلته، أي جعلته يتضع ويبذل نفسه على مذبح الصليب.

حين نتأمل في رومية 15: 3 نجد أن المسيح قد طبق الجزء الأخير من هذه الآية على نفسه، بدليل قول الرسول «لأَنَّ ٱلْمَسِيحَ أَيْضاً لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ، بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ».

(21) يخبرنا الإنجيل أن يسوع، بعد أن فرغ من إتمام وصيته بشأن أمه، رأى أنه أكمل كل ما كان عليه أن يعمل، فلم يبق أمامه إلا أن يتجرع كأس الموت. إلا أنه في هذه الأثناء سمح لنفسه بأن ينتبه لحظة إلى آلامه الجسدية، التي كان قد شغله عنها اهتمامه بغيره فقال «أنا عطشان» فجاءت كلمته مطابقة لما ورد عنه في هذه الآية. ونفهم من القرائن أنه لم يقل أنا عطشان، بقصد أن يتم الكتاب، بل أنه كان عطشان فعلاً. لأن آلام الصليب المحرقة، كانت على جسمه الشديد الحساسية أحر من الجمر فيبس لسانه.

أنا عطشان، كانت هذه الكلمة أقصر العبارات التي فاه بها يسوع على الصليب. كانت غصصه المريرة قد بلغت مرحلة الفداء، فاستساغ المر لنستحق نحن الحلو. وأزكى العطش صدره ليروي ظمأنا من نهر صاف من ماء حياة لامعاً كبلور خارجاً من عرش الله (رؤيا 22: 1).

قال أنا عطشان، ولكن من يستجيب لطلبته في تلك الساعة؟ من يمد يد الرأفة لمصلوب؟ إن اليهود الذين انتظر منهم رقة، كان في قلبهم حقد عليه لا ينحل. فضنوا عليه وهو المشرف على الموت بنقطة ماء. كان احد الجنود الرومان آنئذ يرفع إلى شفتيه كأس البوسكا، وهي الخمر الرخيصة المصنوعة من الخل أو النبيذ التالف والبيض المخفوق. ورأى عن قرب قطعة الاسفنج، فأمسك بها وغرز رمحه فيها، ثم غمسها في الكأس حتى تشبعت بالشراب ورفعها إلى شفتي يسوع المحمومتين. أما يسوع فلما ذاق السائل الحمضي الذي ألهب الشفتين الممزقتين، قال «قد أكمل» وهكذا مات بين أعدائه في حرارة العطش.

اذكر هذا يا أخي ، أن المسيح لأجل فدائك وصل إلى هذا الدرك من الهوان. فاستغاث وليس من يغيث. ومع أن شريعة اليهود تقول: إن جاع عدوك فاطعمه، وإن عطش فاسقه، إلا أنهم عاملوا المسيح كما لو كان أكثر من عدو. كل هذا من أجلك لكي يصالحك مع الله. لاحظ أن الكلمات السبع التي فاه بها على الصليب، ليس فيها عن آلامه الجسدية، إلا هذه الكلمة «أنا عطشان» وهذا يعني أن عطشه فدائي اختبره ليرفع عنك ذلك العطش، الذي كان عليك أن تختبره في لهيب الوقائد الأبدية (الإنجيل بحسب لوقا 16: 24).

الترنيمة

Table 18. 

حِينَ أَرَى صَلِيبَ مَنْقَضَى فَحَازَ ٱلاِنْتِصَارْ
رِبْحِي أَرَى خَسَارَةًوَكُلَّ مَجْدِ ٱلْكَوْنِ عَارْ
يَا رَبُّ لاَ تَسْمَحْ بِأَنْأَفْخَرَ إِلاَّ بَٱلصَّلِيبْ
مُكَرِّساً نَفْسِي وَمَاأَمْلِكُ لِلْفَادِي ٱلْحَبِيبْ
مِنْ رَأْسِهِ وَكَفِّهِوَجَنْبِهِ وَقَدَمِهْ
سَالَتْ يَنَابِيعُ ٱلشِّفَاوَٱلْحُبُّ أَيْضاً مَعْ دَمِهْ
أَيُّ دَمٍ زَاكٍ جَرَىكَدَمِهِ ٱلزَّاكِي ٱلثَّمِينْ
وَأَيُّ تَاجٍ مِثْلُ تَاجِ ٱلشَّوْكِ أَحْيَا ٱلْعَالَمِينْ
بِمَ أُكَافِي مُنْقِذِيمِنْ سُلْطَةِ ٱلْخَطِيَّةِ
إِلاَّ بِتَكْرِيسِي لَهُنَفْسِي وَكُلَّ قُوَّتِي

الصلاة: يا سيدي الرب، إني أخجل من ماضي الملوث، فقد عشت طويلاً في العالم للعالم. ولكنك رحمتني وقبلت توبتي، وفديتني بدمك الكريم. ثبتني فيك، ثبتني في كلمتك، ثبتني في محبتك. اعضدني بيمين برك لكي أغلب التجارب وأتابع شوطي معك إلى المنتهى. آمين.

السؤال: 18 - هل يوجد ارتباط بين هذا المزمور 69 ومزمور آخر وماذا يصف المزموران؟

َالْمَزْمُورُ ٱلْحَادِي وَٱلثَّلاثُونَ - التسليم الكامل

1عَلَيْكَ يَا رَبُّ تَوَكَّلْتُ. لا تَدَعْنِي أَخْزَى مَدَى ٱلدَّهْرِ. بِعَدْلِكَ نَجِّنِي. 2أَمِلْ إِلَيَّ أُذْنَكَ. سَرِيعاً أَنْقِذْنِي. كُنْ لِي صَخْرَةَ حِصْنٍ، بَيْتَ مَلْجَأٍ لِتَخْلِيصِي. 3لأَنَّ صَخْرَتِي وَمَعْقِلِي أَنْتَ. مِنْ أَجْلِ ٱسْمِكَ تَهْدِينِي وَتَقُودُنِي. 4أَخْرِجْنِي مِنَ ٱلشَّبَكَةِ ٱلَّتِي خَبَّأُوهَا لِي لأَنَّكَ أَنْتَ حِصْنِي. 5فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي. فَدَيْتَنِي يَا رَبُّ إِلٰهَ ٱلْحَقِّ.

(1) يستهل المرنم هذا المزمور بصلاة لأجل الخلاص. وحجته أنه متكل على الرب، والمتكل على الرب لا يخزى. صحيح أن الخطية تسبب الخزي، ولكن الذي جعل الرب متكله ينقذ من الخطية ومن أثرها المخزي.

الاتكال على الرب يهيب بالمؤمن أن يطلب الله في ثقة ولجاجة، والله لا يتغاضى عن طلبته، بل يعطيه سؤل قلبه، ويسرع إلى تنجيته، وفقاً لوعده القائل: «فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ. فَأُوجَدُ لَكُمْ يَقُولُ ٱلرَّبُّ» (إرميا 29: 12-14).

(2) بما أن للمؤمن هذه الثقة بمواعيد الله، فمن البديهي أن يتقدم إليه بطلب العطف عليه، والإسراع إلى تنجيته من مخاوفه ومضايقيه. وإذ هو يطلب ذلك متضعاً ومقراً بخطاياه، فالرب لا يمنع بره عنه. بل سرعان ما يميل إليه، ويغفر له خطاياه، كما هو مكتوب «إِنِ ٱعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ» (يوحنا الأولى 1: 9).

وبعد الغفران يتمتع المؤمن بعناية الله الحافظة، التي شبهها المرنم بالحصن المانع. بمعنى أن الله يعطيه نعمة، لكي يتحصن في البر ويحفظ إناءه بقداسة وكرامة. ويتم خلاصه بخوف ورعدة.

(3) قال يسوع في أحد أمثاله «فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هٰذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُلٍ عَاقِلٍ، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى ٱلصَّخْرِ فَنَزَلَ ٱلْمَطَرُ، وَجَاءَتِ ٱلأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ ٱلرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذٰلِكَ ٱلْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّساً عَلَى ٱلصَّخْرِ» (الإنجيل بحسب متى 7: 24 و25) المطر يمثل النوازل، التي تسمح بها السماء، والتي لا دخل للإنسان فيها كالفقر والمرض والموت. والانهار تشير إلى التجارب الأرضية، مثل اضطهادات الناس والتعاليم الفاسدة، التي تقود إلى الضلال. والرياح تشير إلى التجارب الشهوانية، التي تحرك نزوات الإنسان. هذه التجارب تعترض الجميع. ولكن البيت المؤسس على الصخر، أي الإنسان الذي بنى حياته على كلمة المسيح صخر الدهور، وعلى الطاعة التامة، يستطيع أن يصمد أمام التجارب وينتصر عليها، ويخرج منها ممحصاً كالذهب.

(4) الشبكة هي فخاخ إبليس، وقد قال بطرس: «اُصْحُوا وَٱسْهَرُوا لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ فَقَاوِمُوهُ رَاسِخِينَ فِي ٱلإِيمَانِ» (بطرس الأولى 5: 8) والواقع أن إبليس ينصب فخاخه هنا وهنالك لكي يصيد لو أمكن حتى المختارين. ولكن المولود من الله يحفظ نفسه بالنعمة والشرير لا يمسه (يوحنا الأولى 5: 18) والرب ساهر على الذين هم له. ويسرع إلى إنقاذهم في وقت الخطر. هكذا أنقذ داود من مشورة أخيتوفل، وأنقذ حزقيا الملك من فخاخ سنحاريب.

(5) هذه العبارة «في يدك أستودع روحي» هي الكلمة الأخيرة العزيزة التي فاه بها يسوع على الصليب (الإنجيل بحسب لوقا 23: 46) وإن ما تضمنته هذه الكلمة من حقائق يعتبر دعامة الإيمان المسيحي.

حين علق يسوع على الصليب، واعتبره قانون الفداء حاملاً خطايا العالم، أطلق تلك الصرخة الأليمة «إلهي لماذا تركتني»؟ أما الآن فلكي يبين أن تلك الآلام النيابية المكفرة عن خطايا العالم قد انتهت، خاطب الآب بلفظة «يا أبتاه» وذلك من أجلنا لكي ننال روح التبني فنصرخ «يا َأبا الآب» (غلاطية 4: 6).

ولعله استخدم هذه الكلمات بطريقة خاصة به كشفيع، لأنه في تلك الساعة كان يقدم نفسه بين يدي الآب كذبيحة إثم عن خطايانا، ويبذل نفسه فدية عن كثيرين (إشعياء 53: 10، متى 20: 28) والمناسبة تشير إلى أن يسوع في عمله هذا، كان هو الكاهن الأعظم وفي نفس الوقت الذبيحة العظمى. كانت أرواحنا هالكة، فسلم روحه للآب لكي يفدي أرواحنا. كان يجب أن يدفع الثمن في يدي الله، الطرف الذي أساءت إليه الخطية، وذلك وفقاً للتعهد بأن يقدم الكفارة كاملة.

«يا أبتاه في يديك أستودع روحي» قالها يسوع وهو يجتاز الموت، رابط الجأش، واقر الجنان، لا يستشعر خشية ولا يرهب شراً. لأنه استودع نفسه لأبيه، الذي هو محبة.

وأخيراً تحامل يسوع على قدميه المسمرتين، ورفع جسده إلى فوق واستجمع قواه وصرخ «قد أكمل» لقد أكملت رسالة الرب الفادي، وتم العمل الذي جاء لأجله كحمل الله رافع خطية العالم.

اما ابن الإنسان في السنة الخامسة عشرة لسلطنة طباريوس قيصر، في الشهر الذي يعتبر رأس الشهور العبرية، مات في اليوم الذي يسبق أكل الفصح. وبينما كانت ألوف الحملان تذبح، كان الحمل الحقيقي يجود بدمه ونفسه من أجلنا. فكان صوته بداية حياة وراحة وعيداً للجنس البشري.

مات المسيح رب المعجزات، فلا عجب إن مادت الأرض بقشعريرة عنيفة وانشقت هضبة الجلجثة من الشرق إلى الغرب. ومثلها انشق حجاب الهيكل إلى نصفين، من أعلى إلى أسفل. وتفتحت القبور، وقام كثيرون من القديسين الراقدين من قبورهم. وجميع الذين شهدوا هذا المنظر، رجعوا وهم يقرعون صدورهم، قائلين «حقاً كان هذا الإنسان باراً».

أما الجند فإذا أرادوا التأكد من موت يسوع، أخذ أحدهم رمحه وصوبه إلى جنب المسيح، فمرق الرمح بين الضلع الخامس والسادس ومزق الغشاء البلوري ثم إحدى الرئتين، واستقر سنانه في أعلى القلب. ولما اجتذب الجندي رمحه، سال من جسد يسوع بعض الدم مختلطاً بالماء. دلالة على أن يسوع كان قد مات.

أنزل المسيح إلى القبر، ولكن هل كان باستطاعة القبر أن يحتجزه؟ وهل كان ممكناً أن تطوى صفحته، ويلحق من غبُر من الناس؟ لا إنه فقط استودع نفسه في يدي أبيه بطمأنينة مطلقة، تاركاً لنا مثالاً لنحذو حذوه. فنثق في الرب، ونؤمن أن يسوع هو القيامة والحياة، وأن من يؤمن به ولو مات فسيحيا. بهذا الإيمان يمكننا أن نجتاز ساعتنا الأخيرة ساعة الاحتضار باطمئنان، قائلين مع المرنم «أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي».

لقد مضى المسيح ليعد لنا مكاناً في منازل الآب، وسوف يأخذنا إليه، حتى حيث يكون هو نكون نحن، فكيف نحزن وقد انكشف القناع عن حقيقة الموت، فإذا به وإن لبس أسمال الخسارة فهو عين الربح. هكذا قال بولس: «لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح».

إن صليب المسيح يعلمنا أن نصرف الحياة باستقامة لنصير إلى أبدية سعيدة. فإن استودعنا نفوسنا لله هنا، فلا بد أن نجدها هناك. وبكلمة أخرى، إن من يقف بالإيمان بين يدي الرحمة الإلهية هنا، فلا يدان بالخطية بين يدي العدل هناك.

الترنيمة

Table 19. 

تَوِّجُوا رَبَّ ٱلْمَحَبَّةْوَٱنْظُرُوا ٱلْجُرْحَ بِحَرْبَةْ
قَدْ زَهَى فِي جَنْبِهِ  
اُنْظُرُوا كِلْتَا ٱلْيَدَينِلِلْفِدَاءِ مَثْقُوبَتَيْنِ
لِلْوَرَى مِنْ حُبِّهِ  
فَٱلْمَلاَكُ فِي ٱلسَّمَاءِإِذْ يَرَى رَبَّ ٱلْفِدَا
قَدْ عَلاَ فِي عَرْشِهِ  
ٱلْعَيْنُ مِنْهُ تَحْسُرُوَٱلْفَزَعُ مِنْهُ يَظْهَرُ
لَدَى جِرَاحِ رَبِّهِ  

الصلاة: أيها الرب فادينا، يا من حملت القصاص نيابة عنا. إننا نتوجك على قلوبنا، ونهتف مع جميع قديسي الأرض هتاف الظفر، لأن ربنا وفادينا أكمل الخلاص من أجل العالم أجمع. والآن نتوسل إليك أيها القدير المتعالي، أن توقظ القلوب المستغرقة في ثبات نوم الموت، حتى تتحرك رجوعاً إليك. وتطلب خلاصك، وتلتمس برك، أيها القدوس البار. لأن منك الخلاص وحدك، يا رجاء الجميع. آمين.

السؤال: 19 - ما هي حجة المرنم في صلاته لأجل الخلاص؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّادِسُ عَشَرَ - قُرب الرب

8جَعَلْتُ ٱلرَّبَّ أَمَامِي فِي كُلِّ حِينٍ. لأَنَّهُ عَنْ يَمِينِي فَلا أَتَزَعْزَعُ. 9لِذٰلِكَ فَرِحَ قَلْبِي وَٱبْتَهَجَتْ رُوحِي. جَسَدِي أَيْضاً يَسْكُنُ مُطْمَئِنّاً. 10لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي ٱلْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً. 11تُعَرِّفُنِي سَبِيلَ ٱلْحَيَاةِ. أَمَامَكَ شِبَعُ سُرُورٍ. فِي يَمِينِكَ نِعَمٌ إِلَى ٱلأَبَدِ.

(8) حين نقابل هذه الآية بما ورد في أعمال 2: 22 يتضح لنا أن المرنم يتكلم بلسان الرب يسوع، وهو يواجه أقسى التجارب. فقد كان له المجد عالماً بما ينتظره من آلام. كان يدرك دلالة الذبائح التي كانت تقدم كل يوم في الهيكل، ويعلم أنه حمل الله الحقيقي. ولكم راقب خروف الفصح عالماً أنه الذبيح الذي يرمز إليه.

فكر في مدى تأمل الرب يسوع وهو يقرأ قصة الفداء، كما جاءت في إشعياء النبي «وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ، كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى ٱلذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَاّزِيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ» (إشعياء 53: 5-7).

كان السيد يعلم أن هذه الأقوال تتنبأ عنه، لكنه كان واضعاً كل ثقته في أبيه، ولهذا قال: جعلت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني... وكلمة يمين تعني القرب والرضى والاعتزاز. وبهذا المعنى كان يسوع إنساناً، ينظر إلى الآب. صحيح أن الكتابة المقدسة، تقول إنه أخلى نفسه. آخذاً صورة عبد وصائراً في شبه الناس. ولكن هذا صار تمشياً مع متطلبات الفداء. لكي يصل إلى مذبح الصليب، ليكفر بموته عن خطايانا. وهذا على وفق ما جاء في الإنجيل: «وَٱلْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا» (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 14) ولكن هذا التعبير لا يعني إطلاقاً أن الابن بمجرد ظهوره، فقد الألوهية. كلا! وإنما هكذا صارت المسرة في عينيه أن يظهر حبه للبشر في الفداء، كما هو مكتوب «عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (تيموثاوس الأولى 3: 16) وكان هذا لفترة من الزمن ثم عاد إلى مجده. هذا ما أخبر به الوحي إذ قال أن يسوع «بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ ٱلْعَظَمَةِ فِي ٱلأَعَالِي» (عبرانيين 1: 3) لقد عاد إلى المجد الذي له عند الآب، قبل تأسيس العالم. وهل نعجب بعد ذلك، أن وصفه الروح القدس بأنه « بهاء مجد الله ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته».

ومما يدعو إلى الملاحظة، أن كلمة رسم هنا، جاءت في لغة الكتاب الأصلية بمعنى الختم، الذي يوضع على النقود. وفي ذات الوقت تعني أخلاقاً أو صفات، مما يدل على أن سيدنا المبارك هو الإعلان الكامل لأخلاق وصفات الله: قداسته، صلاحه، قوته، محبته، وكل ما هو لله، ليس في طرقه وحسب، بل أيضاً في كيانه.

نقرأ في المزمور 121: 5 هذه العبارة «ٱلرَّبُّ حَافِظُكَ. ٱلرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ ٱلْيُمْنَى» ففي أيام جسد الرب يسوع، كان الآب ليس فقط معه، بل أيضاً كان فيه، بدليل قوله «ٱلآبَ ٱلْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ ٱلأَعْمَالَ» (الإنجيل بحسب يوحنا 14: 10) لذلك فلم يتزعزع ولم يكن في مقدور أيَّة قوة أن تعوقه. تنكر له الناس وأنكروا فضله، وقابلوا حبه بالبغضاء. وفي يوم محاكمته أمام بيلاطس، رفضوا إطلاقه هو البار، مفضلين عليه اللص... باراباس، صارخين إلى بيلاطس: هذا الناصري، اصلبه اصلبه! ولما علقوه على صليب العار، سخروا به وجدفوا على اسمه المبارك. ومع أن عدل السماء حسبه حاملاً خطايا العالم قديمها وحديثها، إلا أنه بقي ثابتاً لا يتزعزع تاركاً لنا مثالاً في الثبات.

هكذا نقرأ: من قال إنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك، هكذا يسلك هو أيضاً (يوحنا الأولى 2: 6) هل تذكر كيف سلك الإنسان يسوع؟ إن وضعت أمام عينيك سلوكك وراء غايات دنيوية كالمال والصيت والمركز المرموق، أفلا يكون معنى هذا أن حياتك في جملتها ومبادئها مغايرة لحياة يسوع؟ تذكر معي السؤال الذي طرحه يسوع على البشر في كل جيل «لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ ٱلإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ ٱلْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي ٱلإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ» (الإنجيل بحسب متى 16: 26).

(9 و10) في هذه العبارات: نرى أن الإنسان كائن ثلاثي: روح ونفس وجسد (تسالونيكي الأولى 5: 23) والروح هي أسمى ما في الإنسان. فهي مقر الفطنة ومركز الإدراك (كورنثوس الأولى 2: 11) والنفس نسمة الحياة، وهي تربط الروح بالجسد. أما الجسد فهو الهيكل، الذي تعبر به النفس عن ذاتها، وهو يربطها بالعالم المحيط بها. وفي كلمة أخرى أن الروح تشعر الإنسان بالله، والنفس تشعره بذاته، والجسد يشعره بالعالم. وقيل عن النفس والروح إنهما يفرحان بالرب ويبتهجان بخلاصه (حبقوق 3: 18).

هكذا كان شأن المخلص إذ تأكد من نصرته على الموت، فرح قلبه وابتهجت روحه. ولهذا ومع أنه عرف كل ما يحيط بالصليب من كآبة وآلام، تقدم إليه بثقة وارتياح كامل، عالماً أنه سيخرج منتصراً. وقد عبر عن ارتياحه بالقول «لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لِآخُذَهَا أَيْضاً. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً» (الإنجيل بحسب يوحنا 10: 17 و18).

وعلى ذلك يكون المقصود من هذه العبارة أن الآب الذي لن يدع جسد يسوع يرى فساداً، لن يسمح ببقائه في حالة الموت، بل سيقيمه. وقوله «تقيك أو قدوسك» يقصد به جسد يسوع (أعمال 2: 27).

(11) إذا كان المسيح ينظر إلى القيامة كشيء مؤكد، استطاع أن يقول «تعرفني سبل الحياة» إن سبيل الحياة هو الطريق، التي تنتهي بنا إلى الله. لأن الحياة في حقيقتها، لا يمكن التمتع بها إلا حيث يوجد الله معطيها. إن الموت هو الانفصال عن الله مصدر الحياة. وإذ انفصل الإنسان عن الله، أصبح في حالة الموت الروحي.

كل مساعي الإنسان للرجوع إلى الله في كل الأجيال باءت بالفشل، بل أكدت عليه حكم الموت. ولكن لما جاء ابن الله إلى مكان الخراب والموت، أرانا سبيل الحياة، وهو الطريق الذي لم تبصره عين باشق (أيوب 28: 7) كان هو الحياة، وهو الذي رسم لنا طريق الحياة، وعلينا أن نسلك فيه، لأنه كما قال لا يقدر أحد أن يأتي إلى الآب إلا به. ولكن فتح الطريق استلزمه أن يجتاز الآلام، وعلينا أن نتبع خطواته.

إن شبع السرور، يحصل في معرفة الآب وابنه يسوع المسيح. ومن امتيازات هذه المعرفة، أنها تؤدي إلى الحياة الأبدية. بدليل قول المسيح «وَهٰذِهِ هِيَ ٱلْحَيَاةُ ٱلأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ ٱلإِلٰهَ ٱلْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ ٱلَّذِي أَرْسَلْتَهُ» (الإنجيل بحسب يوحنا 17: 3) ولا مراء في أن كل لحظة نصرفها في ظل هذه المعرفة، هي عربون للسعادة في كمالها، بانتظار أن ننظر فادينا وجهاً لوجه.

إن البركة العظمى المعدة لك على أساس الفداء، تتضمن عنصرين: أن تكون مع المسيح، وأن تكون مثل المسيح. وهذا متاح لك، إذ قبلت المسيح مخلصاً شخصياً. هذا ما أكده الرسولان بولس ويوحنا، فقد قال الأول «مَتَى أُظْهِرَ ٱلْمَسِيحُ حَيَاتُنَا، فَحِينَئِذٍ تُظْهَرُونَ أَنْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ فِي ٱلْمَجْدِ» (كولوسي 3: 4) وقال الثاني «نحن أولاد الله، ولم يظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو. وكل من عنده هذا الرجاء به، يطهر نفسه كما هو طاهر» (يوحنا الأولى 3: 2 و3).

الترنيمة

Table 20. 

ٱلْمَسِيحُ ٱلْيَوْمَ قَامْ هَلِّلُويَافَائِزاً بِٱلظَّفَرِ هَلِّلُويَا
بَعْدَ حَرْبٍ وَصِدَامْ هَلِّلُويَامَعْ عَدُّوِ ٱلْبَشَرِ هَلِّلُويَا
شَوْكَةُ ٱلْمَوْتِ مَضَتْ هَلِّلُويَاوَٱنْتَهَى هَوْلُ ٱلْجَحِيمْ هَلِّلُويَا
مُدَّةُ ٱلْحَرْبِ ٱنْقَضَتْ هَلِّلُويَابِخَلاَصٍ لِلأَثِيمْ هَلِّلُويَا
أَيُّهَا ٱلْفَادِي ٱلْحَبِيبْ هَلِّلُويَاأَنْتَ أَحْيَيْتَ ٱلْقُلُوبْ هَلِّلُويَا
ذُقْتَ آلاَمَ ٱلصَّلِيبْ هَلِّلُويَالِفِدَى أَسْرَى ٱلذُّنُوبْ هَلِّلُويَا
قُمْتَ فِي عَرْشِ ٱلْقَضَا هَلِّلُويَاشَافِعاً بِٱلْمُعْتَدِينْ هَلِّلُويَا
فَاتِحاً بَابَ ٱلسَّمَا هَلِّلُويَالِرُجُوعِ ٱلشَّارِدِينْ هَلِّلُويَا
فَلْنُرَّنِمْ بِٱنْتِصَارْ هَلِّلُويَاوَهُتَافٍ وَسُرُورْ هَلِّلُويَا
وَلْنَعِشْ بِٱلإِنْتِظَارْ هَلِّلُويَالِرَجَا يَوْمِ ٱلنُّشُورْ هَلِّلُويَا

الصلاة: يا إلهي الصالح، أيها القدوس الحق، إليك أرفع صلاتي حامداً وشاكراً، لأنه في وسعي أن أتكل عليك كل حين فلا أتزعزع أشكرك لأنك فرحتني بخلاصك، وأبهجت روحي بسلامك الذي يفوق كل عقل. أسألك وأنت الرب القادر على كل شيء أن تشيع سلامك في كل قلب مضطرب، حتى يهدأ، وينعم بالراحة. اقبل صلاتي واستجب، اكراماً للمخلص يسوع. آمين.

السؤال: 20 - ما هو المقصود بهذه العبارة لن تدع تقيك يرى فساداً؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلسَّابِعُ وَٱلأَرْبَعُونَ - الصعود الإلهي

1يَا جَمِيعَ ٱلأُمَمِ صَفِّقُوا بِٱلأَيَادِي. ٱهْتِفُوا لِلّٰهِ بِصَوْتِ ٱلِٱبْتِهَاجِ. 2لأَنَّ ٱلرَّبَّ عَلِيٌّ مَخُوفٌ، مَلِكٌ كَبِيرٌ عَلَى كُلِّ ٱلأَرْضِ. 3يُخْضِعُ ٱلشُّعُوبَ تَحْتَنَا وَٱلأُمَمَ تَحْتَ أَقْدَامِنَا. 4يَخْتَارُ لَنَا نَصِيبَنَا، فَخْرَ يَعْقُوبَ ٱلَّذِي أَحَبَّهُ. سِلاهْ.

5صَعِدَ ٱللّٰهُ بِهُتَافٍ، ٱلرَّبُّ بِصَوْتِ ٱلصُّورِ. 6رَنِّمُوا لِلّٰهِ رَنِّمُوا. رَنِّمُوا لِمَلِكِنَا رَنِّمُوا. 7لأَنَّ ٱللّٰهَ مَلِكُ ٱلأَرْضِ كُلِّهَا رَنِّمُوا قَصِيدَةً. 8مَلَكَ ٱللّٰهُ عَلَى ٱلأُمَمِ. ٱللّٰهُ جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ قُدْسِهِ.

كان هذا المزمور أغنية رأس السنة قديماً، ولكن الكنيسة المسيحية تستخدمه لعيد الصعود. والمزمور في مجمله يعلن انتصار الرب يسوع، ويدعو جميع الأمم لكي تهتف له هتافات الفرح، بمناسبة صعوده إلى مجده وجلوسه إلى يمين أبيه في مكان العظمة والسلطان حيث يرعى أتقياءه. ويحافظ عليهم، لأنه الضابط الكل.

(1) احتقر اليهود يسوع وتآمروا عليه، ثم صرخوا إلى بيلاطس، اصلبه، اصلبه! وكان هدفهم ليس القضاء على حياة القدوس الحق وحسب، بل ايضاً ملاشاة تعاليمه. ولكن القبر الذي أنزلوه إليه وختموه بخاتم الوالي وحرسوه بثلة من الجند، لم يستطع احتجازه. فسرعان ما قام، فقام الحق وانتشر الإنجيل بين شعوب الارض. فتجاوبت مع الدعوة القائلة: يا جميع الأمم صفقوا بالأيادي، وهللوا بصوت الابتهاج. أيها الأمم صفقوا بأيديكم، التي تطهرت من رجاسات الأوثان، فصارت قادرة على تقديم ذبائح الشكر والحمد المرضية للرب، الذي افتداها بموته وقام. اعملوا بأيديكم الصالحات، التي يسر بها الله. اصنعوا ثماراً تليق بالتوبة، وتعبر عن تمتعكم بخلاص الرب.

ويا له من عمل عجيب ومجيد! أن أفواه الأمم المجدفة، قد تعلمت التسبيح للرب بصوت الابتهاج، الصاعد من أعماق القلب. أليس معنى هذا ان الله تمم الوعد لإبراهيم، حين قال «تَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ ٱلأَرْضِ؟» (تكوين 12: 2).

(2 و3) من المعلوم أن الله ساكن في الأعالي، في نور لا يُدنى منه. وهو الملك العظيم، فوق كل شعوب الأرض. كل ملوك الأرض، تستمد قوتها من الله. أما الله فهو القادر على كل شيء، وقوته من ذاته. ولكن هذا الإله العالي المرهوب، عبر لنا عن ذاته في المسيح يسوع، الذي أعلن لنا أن الله محبة. وأنه في محبته، يتنازل ليمكث في قلب عبده المؤمن. إنه يحل بالمسيح في قلوبنا، ليؤسسها ويؤصلها في المحبة. فتحب الله، وتعبده بالحق. وتحب القريب، فتعامله بالحق. وتحب العدو، فتقتل فيه العداوة، وتزرع فيه بذور المودة الأخوية.

فكم من نفس أخضعتها المحبة لنير المسيح! فاحتملت من أجله الاضطهاد والطرد وحكم الموت. خذ المثال من شاول الطرسوسي، الذي كان من أكثر أعداء المسيحية شراسة. إلا أنه حين استنار بمحبة المسيح تغير وصار بولس رسول المسيح. ومن أجل المسيح تقبل مراراً كثيرة أربعين جلدة إلا جلدة واحدة. ومن أجل حب المسيح قيد بالسلاسل سنين عديدة، إلى أن استشهد لأجل إخلاصه للمسيح. وقد تقبل كل شيء بسرور، قائلاً «ولكن في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا» (رومية 8: 37).

(3 و4) هنا اختبار عظيم للمفديين بدم المسيح، إنهم انتصروا على خطية الأمم. ونبتت بذور الشهداء كنيسة مجيدة، لا عيب فيها ولا غضن. يخبرنا الكتاب المقدس أن يعقوب، بعد جهاده مع الرب حصل على بركة خاصة. وصار رمزاً لكل مؤمن غلب أهواءه، وانتصر بالمسيح على العالم والشيطان.

لما تنازع يعقوب وعيسو في البطن، قال الرب لأمهما رفقة: في بطنك أمتان، ومن أحشائك يفترق شعبان. شعب يقوى على شعب، وكبير يُستعبد لصغير. ونحن نشكر الرب، الذي قال عن المؤمنين لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سر أن يعطيكم الملكوت (الإنجيل بحسب لوقا 12: 32). فنحن قطيع صغير متواضع، ولكن لسعادتنا أننا موضوع اختيار الله وحائزون على ميراثه.

اشتهى عيسو أكلة عدس، فباع بكوريته ليعقوب بطبق من هذه الأكلة. وبكلمة أخرى أن عيسو اشتهى الأرضيات، واشتهى يعقوب الروحيات. ولقد أحب الله جمال يعقوب، وكان جماله شوقه إلى الروحيات. أما عيسو فقد حسب مستبيحاً، لأنه باع بكوربته التي هي بركته. ولما أراد أن يرث البركة، رُفض إذ لم يجد مكاناً للتوبة مع أنه طلبها بدموع (عبرانيين 12: 16).

(5) حينما نقول صعد الله، فمعنى ذلك أنه نزل. نزل في المسيح لإتمام المشورات الإلهية بالفداء. وقد أشار الرسول بولس إلى هذه الحقيقة، حين قال «وَأَمَّا أَنَّهُ صَعِدَ، فَمَا هُوَ إِلَّا إِنَّهُ نَزَلَ أَيْضاً أَّوَلاً إِلَى أَقْسَامِ ٱلأَرْضِ ٱلسُّفْلَى» (أفسس 4: 9) فكما أن يسوع قد ارتقى إلى أعلى عليين، فهو أيضاً في اتضاعه قد نزل إلى حضيض الأرض. فهو إذن باسط نفوذه على كل العالمين، فلا يخلو مكان من حضوره، مهما تكن درجة علوه. ولا يبرح نفوذه مكانا، مهما يكن درك تنازله.

هذا هو المسيح الملك العظيم، الذي تنازل في اتضاعه، حتى بلغ أقسام الأرض السفلى. وارتقى في ارتفاعه إلى ما فوق جميع السموات. فالأرض وما دونها، والسموات وما فوقها، وكل ما هو كائن بين السموات والأرض، داخل ضمن دائرة سلطان هذا الملك الإلهي.

الواقع أن كلمة الله، تخبرنا أن يسوع ربنا، بعد أن قهر الموت وكسر شوكة الخطية وهزم الشيطان، صعد إلى السموات. فهتفت الملائكة بفرح وصوت التهليل. وقد نزل أحد هذه الملائكة ووقف أمام التلاميذ، فيما المسيح صاعداً عنهم، فقال لهم «أَيُّهَا ٱلرِّجَالُ ٱلْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هٰذَا ٱلَّذِي ٱرْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ سَيَأْتِي هٰكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إِلَى ٱلسَّمَاءِ» (أعمال 1: 11) وكأن الملاك يقول لهم، إن السيد ارتفع عنكم. ولكن انتظروه، الرب قريب. لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء والشكر، لتعلم طلباتكم لدى الله (فيلبي 4: 5 و6) ويخبرنا الرسول أن ربنا يسوع، سيحضر ثانية بهتاف بصوت ملائكة وبوق الله (تسالونيكي الأول 4: 16).

(6) رنموا ترنيمة جديدة، قولوا: مستحق أنت - يا حمل الله - أن تأخذ السفر وتفك ختومه، لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمة، وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة (رؤيا 5: 10) هذه هي الترنيمة الجديدة، وهي تهدي الشكر لله على رحمة جديدة أظهرها. وقد صارت في فم داود بن يسى، حين أخرجه الله من جب الهلاك من طين الحمأة (مزمور 40: 1-3) رنموا ترنيمة الفداء للمسيح قائلين مع الملائكة بصوت عظيم «مُسْتَحِقٌّ هُوَ ٱلْحَمَلُ ٱلْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ ٱلْقُدْرَةَ وَٱلْغِنَى وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلْقُّوَةَ وَٱلْكَرَامَةَ وَٱلْمَجْدَ وَٱلْبَرَكَةَ... وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا 5: 12 و13).

رنم يا أخي فالكون كله، يشدو بتسبيح الحمل. إن ترنيمة الخليقة تظهر مجد المسيح واحداً مع الآب. الملائكة في السماء والكواكب اللامعة والبشر على الأرض، وأرض الأموات من تحت تمجد المسيح، كما هو مكتوب «طُوبَى لِلأَمْوَاتِ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي ٱلرَّبِّ مُنْذُ ٱلآنَ - نَعَمْ يَقُولُ ٱلرُّوحُ، لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ» (رؤيا 14: 13).

(7 و8) سبح الرب، اعبده بفرح ادخل إلى حضرته بترنم. لأن الله ملك الأرض. قبل المسيح. كان الله معروفاً على رقعة ضيقة من الأرض. وكان عابدوه أقلية من البشر. ولكن حين تجسد في المسيح، عُرف الرب في كل الأرض وتعبد له البشر من كل الأمم والشعوب، وملك على القلوب، وصار اسمه قصيدة على الألسنة.

الترنيمة

Table 21. 

يَا لَهُ مِنْ مَنْظَرٍ سَامٍ عَظِيمْيَجْذِبُ ٱلأَبْصَارَ حُبّاً وَٱشْتِيَاقْ
إِذْ تَرَاءَى رَبُّنَا ٱلْفَادِي ٱلْكَرِيمْصَاعِداً بِٱلْمَجْدِ يَوْمَ ٱلإِفْتِرَاقْ
قرار 
يَا لَهُ مِنْ مَنْظَرٍ سَامٍ عَجِيبْيَجْذِبُ ٱلأَبْصَارَ حُبّاً وَٱشْتِياقْ
قَدْ عَلاَ كَيْ يَلْبَسَ ٱلإِكْلِيلَ فِيحَضْرَةِ ٱلْقُدُّوسِ بِٱلسُّحْبِ عَلاَ
سَارَ وَٱلأَبْصَارُ رَاحَتْ تَقْتَفِينُورَهُ ٱلأَسْنَى إِلَى دَارِ ٱلْعُلاَ
حَيْثُ أَضْحَى جَالِساً طُوْلَ ٱلْمَدَىعَنْ يَمِينِ ٱلآبِ فِي أَسْمَى مَقَامْ
وَلَهُ ٱلأَبْرَارُ تَجْثُو سُجَّدَابِوَقَارٍ وَٱعْتِبَارٍ وَٱحْتِرَامْ
سَارَ وَٱلأَمْلاَكُ وَافَتْ إِذْ صَعِدْتَنْشُرُ ٱلْبُشْرَى بِأَصْوَاتِ ٱلطَّرَبْ
وَتُعَزِّي رُسْلَهُ فِي مَا وَعَدْإِنَّهُ يَأْتِي نَعَمْ كَمَا ذَهَبْ
قَدْ مَضَى حَتَّى يُعِدَّ ٱلْمَنْزِلاَفِي دِيَارِ ٱلْمَجْدِ يَا نِعْمَ ٱلدِّيَارْ
فَٱحْمَدُوهُ وَٱهْتِفُوا بَيْنَ ٱلْمَلاَسَنُلاَقِي ٱلرَّبَّ فِي دَارِ ٱلْقَرَارْ

الصلاة: يا رب إلهي الحق القدوس، شكراً لك، سمعت صراخي. ونظرت إلى خزي وعاري، من جراء خطاياي. فتحننت ولم تتركني في شقائي. بل أخرجتني من جب الخطية وحمأة الرذيلة. وبالغفران وضعت الفرح في قلبي. فتحرك فمي بترنيمة جديدة. الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه - له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين.

السؤال: 21 - ما هي دعوة هذا المزمور؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ عَشَرَ - يمين الرب

12أَحَاطُوا بِي مِثْلَ ٱلنَّحْلِ. ٱنْطَفَأُوا كَنَارِ ٱلشَّوْكِ. بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ أُبِيدُهُمْ. 13دَحَرْتَنِي دُحُوراً لأَسْقُطَ. أَمَّا ٱلرَّبُّ فَعَضَدَنِي. 14قُوَّتِي وَتَرَنُّمِي ٱلرَّبُّ، وَقَدْ صَارَ لِي خَلاصاً. 15صَوْتُ تَرَنُّمٍ وَخَلاصٍ فِي خِيَامِ ٱلصِّدِّيقِينَ. يَمِينُ ٱلرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ. 16يَمِينُ ٱلرَّبِّ مُرْتَفِعَةٌ. يَمِينُ ٱلرَّبِّ صَانِعَةٌ بِبَأْسٍ. 17لا أَمُوتُ بَلْ أَحْيَا وَأُحَدِّثُ بِأَعْمَالِ ٱلرَّبِّ. 18تَأْدِيباً أَدَّبَنِي ٱلرَّبُّ وَإِلَى ٱلْمَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي.

(12-14) في هذه الآيات نبوة عن المسيح، حين حاول أعداؤه خذلانه، وشاؤوا سقوطه. وإلى هذا أشار إشعياء النبي بقوله: محتقر ومخذول من الناس (إشعياء 53: 2) ولكن المحاولات مع أنها انتهت بتعليق الفادي على الصليب، ثم إنزاله إلى القبر، إلا أنها فشلت. لأن الرب الإله عضد ابنه، فأكمل عمل الفداء العظيم. وانتصر على الموت بقيامته، فترنم المفديون بنشيد الرجاء الحي، قائلين مع بطرس «مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات، لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السموات لأجلنا».

لو أن أعداء المسيح كانوا قد نجحوا في القضاء عليه نهائياً، لكان معنى ذلك أن الباطل أقوى من الحق. قال إيرل مورتن حاكم اسكوتلندا في مناسبة قضية مالاندرو لملقيل زعيم الإصلاح العظيم: لن تهدأ هذه البلاد إلا إذا شنق عدد منكم، أو نفوا من البلاد. فأجاب ملقيل «يمكنك يا سيدي أن تهدد رجال حاشيتك، أو رجال حكومتك بمثل هذا الكلام. أما أنا فيستوي عندي أن يتعفن جسدي في التراب، أو يعلق في الهواء. ومع ذلك فإنه مجداً لله، لن يكون في مقدورك إطلاقاً أن تشنق الحق الإلهي أو تنفيه» لأن القيامة هي الضمان النهائي لخلود الحق وعدم قابليته للفناء.

والقيامة لا تبرهن فقط على أن الحق أقوى من الباطل، بل ايضاً تبرهن على أن الخير أقوى من الشر. كتب أ. فرود المؤرخ العظيم «هناك درس واحد، واحد فقط، يمكن أن يقال أن التاريخ يردده بشكل أوضح ومميز، وهو أن العالم قد بني على شكل ما على أسس أدبية وأخلاقية، وعلى المدى البعيد سوف يتضح لنا أن الخير لا بد أن يعلو وينتصر. وأن الشر لا بد أن يقضي عليه وينهزم» ولكن لو لم تحدث القيامة لتزعزع هذا المبدأ العظيم للناموس الأدبي والاخلاقي للكون. ولولا القيامة، لما كان لنا أن نستعيد ثقتنا ويقيننا في أن الخير أقوى من الشر.

والقيامة تبرهن على أن المحبة أقوى من الكراهية، وأقوى من الموت نفسه. كان يسوع هو حب الله متجسداً، أما موقف الذين صلبوه فيعكس الكراهية المتجسمة في قلوب أولئك القساة القلوب. لقد بلغت كراهيتهم له حداً جعلتهم ينسبون المحبة والنعمة المتجسدة في حياته إلى الشيطان. فلو لم تكن هناك قيامة، لكان معنى هذا أن كراهية الإنسان في النهاية هزمت محبة الله. ولكن شكراً لله لأن المسيح قد قام، فصارت القيامة برهاناً نهائياً قاطعاً على أن المحبة أقوى من الكراهية.

والقيامة أقوى من الموت. فلو أن يسوع لم يقم منتصراً على الموت لكان معنى هذا أن الموت قد استطاع أن يقضي على أجمل وأحسن حياة ظهرت في الوجود.

حدث في سنوات الحرب العالمية الثانية، أن إحدى كنائس لندن قامت بجمع تقدمات بمناسبة عيد الشكر. وكان من بين الهبات حزمة من سنابل القمح. ولكن غارة جوية حدثت قبل أن تحتفل الكنيسة بالعيد، وأصابت القنابل مبنى الكنيسة، فحولته إلى أنقاض. ومرت شهور وجاء الربيع، فلاحظ أحد المارة وجود بعض النباتات الخضراء في وسط الخرائب حيث كان مبنى الكنيسة قائماً. وعندما جاء الصيف شاهد الناس هناك رقعة مغطاة بنبات القمح. فالقنابل المدمرة، لم تستطع أن تقتل الحياة من بذور القمح. لقد كانت الحياة أقوى من الموت.

(15-17) عند انتصار الحق، يتحول كل شيء إلى بهجة وحبور. ذلك لأن الرب، هو الذي صنع خلاصاً بقدرته. وعندئذ تمتلئ مساكن الصديقين بالترنم. إنهم يشاركون هوشع النبي نشيد الانتصار: أين أوباؤك يا موت، أين شوكتك يا هاوية؟ (هوشع 13: 14).

قبل قيامة المسيح، كان الموت شبحاً يخيف الناس ويرعبهم. وإنه لمن البديهي أن يخاف الإنسان، لأنه يجهل ما بعد الموت. إلا أن الجانب الأكبر للخوف من الموت، يرجع إلى الإحساس بالخطية. أما الذي تخلص من خطاياه بقبول يسوع مخلصاً، فإن الموت بالنسبة له، كما قال أحد الأتقياء مجرد مغامرة عظمية، مغامرة تؤدي به إلى الحياة الأبدية.

إن الإحساس بالخطية، يأتي من شعور الإنسان بأن الله مجرد ناموس للبر. أو بتعبير آخر إنه مجرد قاض منتقم للعدل، وليس من أمل بالبراءة من حكمه. ولكن هذا ما جاء المسيح ليمحوه ويلاشيه. فقد جاء ليخبرنا أن الله ليس ناموساً، بل حباً. وإن مركز كيان الله ليس هو الشريعة، بل النعمة. وإننا سنمثل ليس أمام قاض، بل أمام أب انتظر طويلاً عودة أبنائه إلى بيته السماوي. هذا هو معنى قول المرنم «لا أموت بل أحيا». وهذا ما أكده المسيح حين قال: أنا هو القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا (الإنجيل بحسب يوحنا 11: 25).

(18) قد يسمح الله بتأديب أبنائه، لتقديس حياتهم اليومية. وكم نحتاج فعلاً إلى التأديب بالنسبة لميولنا الفاسدة، لتوقيف نزواتنا المنحرفة. ولهذا يذكرنا الرسول بقول الرب: يا ابني لا تحتقر تأديب الرب، ولا تخر إذا وبخك. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين... ولكن إن كنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه، فأنتم نغول لا بنون (عبرانيين 12: 5-7) ومعنى هذا أننا دعينا لنقبل عصا التأديب كجزء من الدليل على محبة الله، التي جعلته يبذل ابنه الوحيد لأجلنا. على أن هذا ليس من الأمور السهلة. وقد قال الرسول «كل تأديب في الحاضر لا يرى أنه للفرح بل للحزن...» ثم يذكرنا بالنتيجة، قائلاً: إن آباء أجسادنا أدبونا بحسب استحسانهم، وكذلك لمنفعتنا الزمنية. أما الله فإنه يريد أن نشترك في قداسته (عبرانيين 12: 10) لأنه قد أعطيت لنا مواعيد عظمى وثمينة، لنصير بها شركاء الطبيعة الإلهية (بطرس الثانية 1: 4) وبكلمة أخرى إن غاية الله من التأديب، أن يشركنا في قداسته، ولكي تظهر ثمار القداسة في حياتنا العملية. لأنه بعد التأديب يأتي ثمر البر للسلام لأولئك الذين يتدربون به. ونلاحظ هنا أنه يمكن للإنسان أن يتخذ إحدى طرق ثلاث تجاه التأديب:

  1. أن يحتقر تأديب الرب، أي يستهين به. فإذا كان التأديب احتقاراً من الناس، يقول إني لا ابالي بأفكار الناس. ويظهر بطولة ذاتية في مواجهة هذا التحقير. فهو في هذه الحالة، يحتقر تأديب الرب. ومن ثم لا يأتي منكسراً أمام الله بسببه.

  2. أن يخور إذا وبخه الرب، فترتخي يداه ويفشل على عكس الطريقة الأولى. ولكن كليهما ليسا من الإيمان.

  3. إن التدريب بالتأديب، وهذه هي الطريق الصحيحة التي يجب أن يسلكها كل مؤمن، يجيزه الله في التأديب. إنه لا يحتقره ولا ينؤ تحته بالفشل، بل يتدرب ويتعلم الدروس، التي يقصد الله أن يعلمه إياها، ملتجئاً إليه لطلب الإرشاد والمعونة والتمسك بنعمته ورحمته.

الترنيمة

Table 22. 

صَحَّ عَزْمِي بِثَبَاتِأَتْبَعُ ٱلْفَادِي ٱلْحَبِيبْ          
رَاضِياً طُوْلَ حَيَاتِيأَبَداً حَمْلَ ٱلصَّلِيبْ          
إِنْ يَكُنْ وَعْراً طَرِيقِيوَغَدَا ٱلسَّيْرُ عَسِيرْ          
وَعْدُهُ يَبْقَى رَفِيقِيمَعَهُ دَوْماً أَسِيرْ          
وَإِذَا قَامَتْ أَمَامِيعَقَبَاتٌ أَوْ قُيُودْ          
أَوْ سُدُولٌ مِنْ ظَلاِمٍأَوْ سُيُولٌ أَوْ سُدُودْ          
كُلُّ هَذِي ٱلْعَقَبَاتْكَهَبَاءٍ سَتَطِيرُ          
وَبِعَزْمٍ وَثَبَاتْمَعْ مُخَلِّصِي أَسِيرُ          
وإِذَا مَا ٱلأَرْضُ مَادَتْوَٱخْتَفَتْ شَمْسُ ٱلنَّهَارْ          
وَإِذَا ٱلأَعْدَاءُ جَاءَتْوَأَحَاطَتْ كَٱلسِّوَارْ          
نِعْمَةُ ٱلْفَادِي عِمَادِيفِي دُجَى ٱلْخَطْبِ ٱلْخَطِيرْ          
لاَ أُبَالِي بِٱلأَعَادِيحَيْثُ مَعْ رَبِّي أَسِيرْ          

الصلاة: أبانا الذي في السموات، إليك أقترب مصلياً بإيمان، وطالباً أن تقويني حتى أمضي قدماً في حياتي. اشكرك من أجل عصا التأديب التي شاءت محبتك أن تهش بها علي، لأجل تقويم إعوجاجي، وكمقدمة لإشراكي في قداستك. أعني يا إلهي، وأزل من أمامي كل عقبة، حتى أكمل مسيرتي هنا سائراً في خطى مخلصي وفاديّ يسوع. وامنحني قوة احتمال أمام مضايقات الناس، لكي أقضي أيام غربتي منتصراً. آمين.

السؤال: 22 - ماذا كان سيحدث لو أن أعداء المسيح نجحوا في القضاء عليه؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ عَشَرَ - رأس الزاوية

19اِفْتَحُوا لِي أَبْوَابَ ٱلْبِرِّ. أَدْخُلْ فِيهَا وَأَحْمَدِ ٱلرَّبَّ. 20هٰذَا ٱلْبَابُ لِلرَّبِّ. ٱلصِّدِّيقُونَ يَدْخُلُونَ فِيهِ. 21أَحْمَدُكَ لأَنَّكَ ٱسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلاصاً. 22ٱلْحَجَرُ ٱلَّذِي رَفَضَهُ ٱلْبَنَّاؤُونَ قَدْ صَارَ رَأْسَ ٱلزَّاوِيَةِ.

(19) يستهل رجل الله هذا القسم من المزمور بذكر أبواب البر بصيغة الجمع. ومنها يدخل الصديقون إلى المقادس لتأدية العبادة للإله الحي خالق السموات والأرض. ولكنه لا يلبث أن يذكر أن للرب باباً واحداً لدخول الصديقين إلى حضرته، ليعبدوه بالروح والحق. وهذا الباب بحسب العهد الجديد هو الرب يسوع، بدليل قوله «أَنَا هُوَ ٱلْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى» (الإنجيل بحسب يوحنا 10: 9) ونعلم من إعلانات الرب أن مزايا الداخل، هي مزايا اختبارية، تمنح لكل من يتحد اتحاداً روحياً حيوياً بالمسيح، ويتخذه فادياً وشفيعاً. ويسوع له القدرة على جعل مختبره يخلص تماماً، كما هو مكتوب «فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضاً إِلَى ٱلتَّمَامِ ٱلَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى ٱللّٰهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ» (عبرانيين 7: 25) نلاحظ أن هذه المزايا مثلثة، والثلاثة رمز الكمال، فهي (أ) خلاص تام «يخلص» (ب) حرية تامة «يدخل ويخرج» هذا تعبير يطلق على من صار بالنعمة متمتعاً بحرية وحقوق أبناء البيت الذين يدخلون ويخرجون مرفوقين بالبركة كما هو مكتوب «مُبَارَكاً تَكُونُ فِي دُخُولِكَ وَمُبَارَكاً تَكُونُ فِي خُرُوجِكَ» (تثنية 28: 6) (ج) شبع «ويجد مرعى» كما هو مكتوب: في مراع خضر يربضني (مزمور 23: 2).

إن أبناء العالم لا يعرفون الخلاص، لأن الخلاص من امتياز الذين تجاوبوا مع النعمة المخلصة، فصاروا شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة (بطرس الثانية 1: 4) ولا يعرفون الحرية، لأن الحرية من امتياز الذين ثبتوا في كلام المسيح، فعرفوا الحق، والحق حررهم من عبودية الخطية (الإنجيل بحسب يوحنا 8: 31) بمعنى أن الحق في المسيح يهدف إلى تحرير الناس من إثم الخطية الذي جعل الناس تحت قصاص من الله. ولكن التقديس بروح المسيح، يخلصنا من أجرة الخطية التي تصدنا عن البر.

وليس هذا فقط بل إن معرفة هذا الحق والإيمان به تحررنا أيضاً من الآراء المنحرفة، التي لا شيء يستعبد النفس أكثر منها. وفوق هذا، تحررنا من سلطان الشهوة، وترد النفس إلى طاعة خالقها.

يقول كثيرون إنهم ليسوا في حاجة إلى عمل المسيح، لكي يتمتعوا بالحرية، وخصوصاً حرية التفكير. ولكن الثابت بالاختبار أن الذين ثبتوا في المسيح وفي كلام المسيح، هم الوحيدون الذين يتمتعون حقاً بحرية التفكير.

(20 و21) كان الحجاب في الهيكل يقف حاجزاً أمام العابدين، فلا يستطيع أحد أن يدخل قدس الأقداس ما عدا رئيس الكهنة، وذلك في يوم الكفارة العظيم. وهذا يعني رمزياً أن الله، كان بعيداً ومحتجباً. لكن حين قدم يسوع نفسه ذبيحة إثم عن البشر، انشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل (الإنجيل بحسب متى 27: 51) وهكذا تمت نبوة المرنم، ففتح باب البر، وظهرت محبة الله المستترة. والدخول إلى حضرة الله الذي كان ممنوعاً على الناس من قبل، صار متاحاً للجميع. وقد أشار الرسول بولس إلى هذه الحقيقة بقوله «لأن به لنا كلينا قدوماً في روح واحد إلى الآب» وهذا يدعو إلى الحمد والتسبيح، لأن الله نفسه متحداً في المسيح صار خلاصاً. كما هو مكتوب «إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم».

(22) في ختام مثل الكرام اتخذ المسيح صورة الحجر المرفوض، ليصف بها نفسه (الإنجيل بحسب متى 21: 42) ونرى فيه صورتين: الأولى صورة الحجر الذي رفضه البناؤون، والذي صار أهم حجر في البناء كله. والواقع أن في شخص المسيح تتحقق كل الآمال، التي توقعها أتقياء الله في كل جيل وعصر. ولئن كانت الأمة اليهودية قد رفضته، فإن الفادي الرب قد صار للعالم كله «حكمة وبراً وفداء». في جيلنا قد يرفض الناس أيضاً المسيح ويكرهونه، ويحاولون إبعاده عن محور حياتهم. ولكنهم في النهاية، يجدون هذا الذي رفضوه أهم شخصية في العالم.

لقد حاول الأمبراطور الروماني جوليان، أن يمحق المسيحية ويلاشيها وأن يعزز عبادة الآلهة الوثنية في الأمبراطورية، لكنه فشل تماماً. وأخيراً اعترف بأنه لم يستطع أن يهزم المسيح، بل المسيح هزمه.

الصورة الثانية هي صورة الحجر، الذي يترضض من يسقط عليه، ومن سقط عليه الحجر يسحقه. وفي العهد القديم صورتان لهذا الحجر: الأولى في إشعياء، حيث يقول: قدسوا رب الجنود فهو خوفكم ورهبتكم. ويكون مقدساً وحجر صدمة وصخرة عثرة لبني إسرائيل وفخاً وشركاً لسكان أورشليم. فيعثر بها كثيرون، ويسقطون وينكسرون ويعلقون (إشعياء 8: 13-15) الثانية «هَئَنَذَا أُؤَسِّسُ فِي صِهْيَوْنَ حَجَرَ ٱمْتِحَانٍ، حَجَرَ زَاوِيَةٍ كَرِيماً، أَسَاساً مُؤَسَّساً» (إشعياء 28: 16) والفكرة الكامنة وراء هذه العبارات أن العهد القديم يذكر لنا أن هذه الصورة عن الحجر، كلها ستتحقق في شخص المسيح. فهو حجر الزاوية، الذي عليه يُبنى كل البناء. والذي يربط كل الأجزاء معا. ومن يرفضه يصدم بناموس الله، كما حصل لشعب اليهود. ومن يتحداه يسحق تماماً. قد تكون هذه الصور بعيدة على أفهام الناس، لكنها شيء مألوف لكل من درس الأنبياء.

الترنيمة

Table 23. 

مِنْ يَسُوعَ ٱلْمُعْتَمَدْلاَجِئاً ْأَرْجُو ٱلنَّجَاةْ
بَيْنَمَا ٱلأَرْيَاحُ قَدْغَمَرَتْنِي بِٱلْمِيَاهْ
أَعْطِنِي ٱلسِّتْرَ ٱلْحَصِينْرَيْثَمَا يَأْتِي ٱلْحِمَامْ
وَٱهْدِنِي ٱلْمِينَا ٱلأَمِينْخَاتِماً لِي بِٱلسَّلاَمْ
أَنْتَ عَوْنِي وَعَلَيْكْلَمْ أَزَلْ مُتَّكِلاً
غَطِّ رَأْسِي بِيَدَيْكْكَجَنَاحِ ظَلَّلاَ
أَنْتَ حَسْبِي لَيْسِ لِيحَاجَةٌ إِلاَّ إِلَيْكْ
وَلَكَ ٱلْحُبُّ ٱلْجَلِيغَيْرَ مَحْدُودٍ لَدَيْكْ
أَنْهِضِ ٱلسَّاقِطَ بَلْشجِّعِ ٱلْعَبْدَ ٱلضَّعِيفْ
وَٱشْفِ أَصْحَابَ ٱلْعِلَلْمُرْشِدَ ٱلْغَاوِي ٱلْكَفِيفْ
أَنْتَ قُدُّوسٌ كَرِيمٌرَبُّ حَقِّ وَنِعَمْ
وَأَنَا ٱلْعَبْدُ ٱلأَثِيمْكُلُّ أَعْمَالِي عَدَمْ
يَا رَحِيماً عَادِلاًوَحَنُوناً غَافِرَا
طَهِّرَنِّي دَاخِلاَوَٱحْفَظَنِّي ظَاهِرَا
أَنْتَ يَنْبُوعُ ٱلْحَيَاةْإِنَّنِي مِمَّنَ وَرَدْ
فِضْ بِقَلْبِي فِي حَشَاهْفِضْ عَلَى طُولِ ٱلأَبَدْ

الصلاة: أيها الاب القدوس، منك نرتجي الخلاص، نحن الخطاة الأثمة. نحن نعيش في عالم مضطرب مليئ بالمخاوف، وأنت وحدك قادر أن تشيع الاطمئنان والسلام في قلوبنا. يا رب ما لنفسي من صلاح، وليس في حياتي بر. لهذا التجئ إلى برك في يسوع المسيح، لكي تبررني. أشبعني من مراحمك، بغفران خطاياي. قوني حتى أستمر في حياتي معك. آمين.

السؤال: 23 - ماذا كانت طلبة رجل الله المرنم في بداية هذا القسم من المزمور 118؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ عَشَرَ - يوم الرب

23مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ كَانَ هٰذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا.

24هٰذَا هُوَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي صَنَعَهُ ٱلرَّبُّ. نَبْتَهِجُ وَنَفْرَحُ فِيهِ. 25آهِ يَا رَبُّ خَلِّصْ! آهِ يَا رَبُّ أَنْقِذْ! 26مُبَارَكٌ ٱلآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ. بَارَكْنَاكُمْ مِنْ بَيْتِ ٱلرَّبِّ. 27ٱلرَّبُّ هُوَ ٱللّٰهُ وَقَدْ أَنَارَ لَنَا. أَوْثِقُوا ٱلذَّبِيحَةَ بِرُبُطٍ إِلَى قُرُونِ ٱلْمَذْبَحِ. 28إِلٰهِي أَنْتَ فَأَحْمَدُكَ. إِلٰهِي فَأَرْفَعُكَ. 29ٱحْمَدُوا ٱلرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى ٱلأَبَدِ رَحْمَتَهُ.

(23) يجمع المفسرون على أن هذه الآية نبوة عن ربنا ومخلصنا يسوع. فقد كانت الأمة اليهودية تنتظر المسيا الملك، بالاستناد على ما أوحى للأنبياء عن القضيب الذي يخرج من جذع يسى، ويحل عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب (إشعياء 11: 1 و2) وقد انتظروا أن يبني خيمة داود الساقطة (أعمال 15: 16) ويجلس على كرسي داود أبيه (إشعياء 9: 7) وقد انتظرت الأمة المستعبدة، أن يأتي المسيا ملكاً قوياً، يعبئ طاقات الشعب القتالية ويسحق دولة الرومان. من أجل ذلك يجب أن لا نندهش، أن رؤساء اليهود لم يرحبوا بيسوع، حين جاء على عكس انتظاراتهم، وديعاً متواضعاً ينادي بالسلام. لذلك رفضوه واحتقروه. ولعل أكثر ما أثار اشمئزازهم هو كونه نشأ في عائلة فقيرة بائسة، لا جاه عالمي لها ولا اعتبار لدى الشعب. لهذا قالت النبوة «من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا».

والواقع أن البيئة التي ولد فيها المسيح قد أحاطته بمظاهر الضعة، بحيث نندهش أن يكون أساساً لكنيسة العهد الجديد المجيدة. هذا هو حجر الصدمة الذي صار عثرة في صهيون، وقد عثر به اليهود، لأنهم لم يطيعوا الكلمة الإلهية الخاصة بالمسيا (بطرس الأول 2: 8).

ولكن الله الذي قال «أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي» لحكمة لم يدركها البشر، استحسن أن يكون الأمر هكذا عجيباً في أعين الناس!!! أو ليست حوادث الفداء كلها على غاية العجب؟! وهل أعجب من هذا أن يتجسد الرب ويصير فادياً؟! في الحقيقة أنه لأمر يدهش الألباب، أن يصير الرب إنساناً، ويعيش في ضعة وفاقة متناهية، حتى أنه حين قال أحدهم: أتبعك أينما تمضي، أجابه «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار أما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه». وهل أدل على الدهشة من هذا، أن تُرفض رسالته ويقتله الذين جاء لكي يخلصهم؟! وهل من حدث أعجب من هذا، أن يقوم من بين الأموات، بعد أن ثوى في بطن الأرض ثلاثة أيام؟! هذه آية الآيات فعلاً، إنها عجيبة الدهر الفريدة في بابها، لأنه اتبعت بصعوده إلى مجده الأسنى في السماء «وجلوسه في عرش الله». هذه الأمور كلها عجيبة عند الناس ولكنها ليست بعجيبة في عيني الرب، «لأن غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله».

(24) هذه الآية تشير إلى يوم دخول الرب يسوع مدينة القدس في موكب كملك الوداعة والسلام، راكباً على جحش. فتمت النبوة القائلة في زكريا: «اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، ٱهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَانٍ» (زكريا 9: 9).

لقد اندهش تلاميذه في ذلك اليوم، لأن سيدهم الذي رفض إلى الآن أمجاد الملك. وقاوم كل محاولات الجماهير الشعبية لتنصيبه ملكاً، قبل أخيراً ولاء تلك الجماهير، ودخل العاصمة المقدسة في موكب له طابع رسمي، كالوارث عرش داود حسب الوعد.

(25 و26) لم تدم دهشة التلاميذ طويلاً، بل سرعان ما اندمجوا في وحي الساعة مع الجماهر الهاتفة. ويخبرنا لوقا الإنجيلي أنه حين بلغ الموكب منحدر جبل الزيتون، «ٱبْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ ٱلتَّلامِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ ٱللّٰهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقُّوَاتِ ٱلَّتِي نَظَرُوا، قَائِلِينَ: مُبَارَكٌ ٱلْمَلِكُ ٱلآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! سَلامٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي ٱلأَعَالِي» (الإنجيل بحسب لوقا 19: 37 و38).

ثم التقت تسابيحهم بهتافات المستقبلين، الذين خرجوا من المدينة في موكب كبير، حاملين سعف النخل. وإنه لمن المدهش جداً، أن الهتاف لم يأت عفوياً، بل ترديداً لصوت النبوة القائلة في هذا المزمور «هذا هو اليوم الذي صنعه الرب» وفي المدينة كان الاستقبال فخماً جداً، حتى أنه قيل: ولما دخل أورشليم ارتجت المدينة قائلة من هذا؟ فقالت الجموع يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل (الإنجيل بحسب متى 21: 10 و11).

(27) ومع أن جمهور المستقبلين هتفوا لملك المحبة قائلين «الرب هو الله وقد أنار لنا»، لم يلبثوا أن تنكروا له لأن الملك جاء وديعاً متواضعاً ورئيس سلام، بينما أورشليم، أرادت ملكاً متشامخاً ورئيس جيش محارب. وتلك الجماهير الجاهلة المتقلبة، التي صرخت في استقباله: أوصنا لابن داود، لم تلبث أن صرخت إلى بيلاطس «اصلبه اصلبه» فتمت النبوة القائلة «أوثقوا الذبيحة إلى قرون المذبح».

آه ليت الرب يبعد عنا هذا الروح المتقلب، حتى إذا هتفنا مع المعيدين: أوصنا يكون الهتاف نابعاً من قلوب ثابتة في الرب، وفي محبة الرب، وفي كلمة الرب. فلا تعود تصرفاتنا ضد وصايا المسيح، تصرخ «اصلبه اصلبه»!

الترنيمة

Table 24. 

أُوْصَنَّا فِي ٱلأَعَالِيلِكَوْكَبِ ٱلْهُدَى
أُوْصَنَّا فِي ٱلأَعَالِيلِوَاهِبِ ٱلْفِدَى
جُنْدُ ٱلأَطْهَارِتُهْدِي لَكَ ٱلْثَنَا
وَيُهْتِفُ ٱلأَبْرَارُوَٱلأَرْضُ وَٱلسَّمَا
سَارَتْ بِكَ ٱلْجُمُوعْبِٱلسُّعْفِ هَاتِفِيْنْ
فَٱلْحَمْدُ يَا يَسُوعْنُهْدِيكَ خَاشِعِينْ
يَا مَنْ تَسَامَى مَجْدَابِمَوْتِهِ عَنَّا
مِنْهُمْ قَبِلْتَ ٱلْحَمْدَافَٱقْبَلْ كَذَا مِنَّا
فَادِي ٱلأَسِيرَ ٱلْعَانِيمِنْ رَبْقَةِ ٱلْقَصَاصْ
بِبِرِّكَ ٱلْمَجَانِيوَهَبْتَنَا ٱلْخَلاَصْ
تَجْثُو لَكَ ٱلأَقْوَامُوَتَخْضَعُ ٱلْشُعُوبْ
وَيَمْلِكُ ٱلسَّلاَمُوَتُفْرَجُ ٱلْكُرُوبْ

الصلاة: يا مليك العالمين يا رئيس المؤمنين، من أعماق قلبي أرفع لك الشكر والحمد، لأجل محبتك التي تواضعت من أجلي أنا الخاطي الأثيم. يا سيدي الرب، كم يطيب لي أن أهتف هتاف القلب: أوصنا للملك! تعال واملك قلبي، وسير حياتي وفقاً لمشيئتك. واعطني النعمة لكي أتجاوب مع ملك الوداعة، فأحيا وديعاً كسيدي وفاديّ. أمين.

السؤال: 24 - إلى ماذا تشير الآية 24؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْعَاشِرُ - مُلك الله

1قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: «ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ». 2يُرْسِلُ ٱلرَّبُّ قَضِيبَ عِزِّكَ مِنْ صِهْيَوْنَ. تَسَلَّطْ فِي وَسَطِ أَعْدَائِكَ. 3شَعْبُكَ مُنْتَدَبٌ فِي يَوْمِ قُوَّتِكَ، فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ مِنْ رَحِمِ ٱلْفَجْرِ. لَكَ طَلُّ حَدَاثَتِكَ.

حين نتأمل محتويات هذا المزمور المجيد، نجد أنه من أكثر المزامير علاقة بالعهد الجديد، إذ اقتبس أكثر من أي مزمور آخر. وفد فسره كتبة العهد الجديد تفسيراً خاصاً يختص بالمسيح - انظر أعمال 2: 34 و34 ، عبرانيين 1: 13 وكثيراً ما أشير به إلى ارتفاع المسيح وجلوسه عن يمين الله (متى 26: 64 ، عبرانيين 1: 3).

(1) يبدو جلياً أن كتبة العهد الجديد، اعتبروا هذه الآية نبوة عن انتصار المسيح النهائي والحاسم على أعدائه، حين تجثو له كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع رب لمجد الله الآب. ويسوع نفسه أيد هذا الاعتبار، إذ صحح لليهود أفكارهم عن صلة المسيح بداود، قائلاً: كيف يقولون أن المسيح ابن داود، وداود نفسه يقول في كتاب المزامير «كَيْفَ يَقُولُونَ إِنَّ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنُ دَاوُدَ، وَدَاوُدُ نَفْسُهُ يَقُولُ فِي كِتَابِ ٱلْمَزَامِيرِ: قَالَ ٱلرَّبُّ لِرَبِّي: ٱجْلِسْ عَنْ يَمِينِي حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئاً لِقَدَمَيْكَ. فَإِذاً دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبّاً. فَكَيْفَ يَكُونُ ٱبْنَهُ؟» (الإنجيل بحسب لوقا 20: 41-44).

فهذه الأقوال تعتبر من أهم ما نطق به الرب يسوع. ورغم أننا لا نستطيع الوصول إلى عمق المعاني التي تتضمنها، إلا أننا نرى فيها وصفاً لعظمة المسيح. في الحق إن من يتأمل عميقاً في هذه الآيات، ولا يقتنع بلاهوت المسيح، يكون واحداً من اثنين: إما أن يكون جاهلاً، قد بسطت الغباوة غشاوة على بصيرته، فلا يقدر أن يرى. أو أن يكون مكابراً قد طمس العناد قلبه، فلا يريد أن يرى. لأن الألقاب والأوصاف التي وردت في هذا المزمور، لا تنطبق إلا على المسيح. فهو رب داود، وهو الوحيد المقام عن يمين الله.

في تتبعنا سيرة يسوع من خلال الأناجيل نرى أنه كان يوصي أتباعه بأن لا يعلنوا أنه المسيا. ولعله كان يرجئ ذلك إلى أن يعلمهم تدريجياً الحقائق المسيانية ورسالتها. وقد عرف من أقوالهم أن أفكارهم عن المسيا كانت تحتاج إلى تصحيح. لأن اللقب الشائع للمسيا لدى اليهود كان إذ ذاك ابن داود: وبحسب مفهومهم لهذا اللقب، كانوا ينتظرون أن يقوم يوماً أمير عظيم من نسل داود، يقود حروبهم وغزواتهم المنتصرة على الشعوب. ولهذا كان التفكير في المسيا يتخذ عندهم طابع القومية والمجد الدنيوي.

«قال الرب لربي» هذه هي المرة الوحيدة التي ورد فيها هذا التعبير في سفر المزامير، وهو تعبير قوي جداً، لأن الكلمة الأولى المترجمة «رب» هي في الأصل «يهوه»، والكلمة الثانية المترجمة «ربي» هي في الأصل «أدوناي» وهي اصطلاح اللغة العبرية لاسم الجلالة.

«اجلس عن يميني» اليمين هو مكان الأفضلية والامتياز والسلطان حتى لدى البشر. وهو هنا يدل على مكان الترفع إلى أعظم مركز في الإكرام، وإلى المشاركة في الحكم الإلهي. وكان هناك أساس تاريخي لهذا الأمر في حالة داود نفسه، لأن سلطانه كان يمارس باسم الرب (صموئيل الثاني 8: 14) ولكن القوة الخاصة بهذه العبارة تسمو بما لا يقاس على ما ورد في شأن داود.

على أي حال فالكلمة التي تلفظ بها يسوع تدل بوضوح على أنه ليس مناسباً أن يعتبر المسيا أميراً، أو ملكاً من سلالة داود، أو قائداً أرضياً، يعيد إلى الأمة عصر داود الذهبي من الوجهة السياسية والحربية. وفي يقيني أن حقيقة المسيح تهيب بنا أن نرتفع إلى إعلانه الواضح «إنه رب داود».

اقرأ الإنجيل جيداً، تلاحظ أن يسوع قد صرح أكثر من مرة، بأنه لم يأت ليجلس على عرش زمني. لكنه جاء باسم الرب ليعلن محبة الله عملياً على الصليب. وإن كان كثيرون لم يدركوا المعنى الذي قصده يسوع من تصريحه «إنه رب داود»، فعلى الأقل سمعوا صوتاً عجيباً يحدثهم. ولعلهم أحسوا ولو جزئياً أنهم كانوا يسمعون صوتاً إلهياً. وأن الذي كان يكلمهم، كان يشرق عليهم بوجه الله.

إن كنت ما زلت ترى في هذه الإعلانات المسيانية لغزاً يتعذر عليك حله، فاقرأ ما كتبه بولس رسول يسوع المسيح، موضحاً شخصية ابن الله، إذ قال إنه «صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ، وَتَعَيَّنَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ بِقُّوَةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ، بِٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلأَمْوَاتِ: يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ رَبِّنَا» (رومية 1: 2-4).

(2 و3) قضيب العز يرمز إلى السلطان المطلق الذي للرب يسوع، المقام والمنتصر على الموت، بدليل قوله: دفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض. وهذا يعني أنه لا يوجد شيء في السماء وعلى الأرض، ليس في متناوله له المجد. وكلمة «تسلط» تتضمن تصريحاً آخر من الرب، كما في الآية الأولى. وهي تعني أن جماعة الرب يتجندون لخدمة سيدهم الذي له كل سلطان في السماء وعلى الأرض.

أما كلمة «شعبك منتدب في يوم قوتك في زينة مقدسة» فهي تشير إلى كهنوت قديسي العهد الجديد. لأن هؤلاء متسربلين ثياب البهاء، التي هي البر والخلاص والقداسة، ينتشرون للخدمة منذ الفجر عاملين بصمت ونكران ذات.

الترنيمة

Table 25. 

هَلْ لِيَسُوعَ مِنْ مَثِيلْفِي ٱلْطُهْرِ وَٱلْجَمَالْ!
فِي شَخْصِهِ ٱلْفَذِّ ٱلْفَرِيدْتَجَسَّمَ ٱلْكَمَالْ!
قرار 
(لاَ لَيْسَ مِثْلَهُقَدْ فَاقَ مَجْدُهُ
قَلْبِي يُحِبُّهُوَيَهْوَى شَخْصَهُ)2
هَلْ لِيَسُوعَ مِنْ مَثِيلْمَنْ ضَحَّى بِٱلْمَجْدِ!
مَعْ أَنَّهُ ٱلرَّبُّ ٱلْقَدِيرْقَدْ عَاشَ كَٱلْعَبْدِ
هَلْ لِيَسُوعَ مِنْ مَثِيلْفِي ٱلْحُبِّ لِلأَشْرَارْ!
فَقَدْ قَضَى مِنْ أَجْلِهِمْعَلَى صَلِيبِ ٱلْعَارْ!
هَلْ لِيَسُوعَ مِنْ مَثِيلْيَبْقَى لَنَا صَدِيقْ!
يَهْدِي يُعَزِّي كُلَّ حِينْمَا دُمْنَا فِي ٱلطَّرِيقْ!
هَلْ لِيَسُوعَ مِنْ مَثِيلْلاَ لَسْتُ أَعْلَمُ
كُلُّ حَيَاتِي وَقُوَايْلَهُ أُقَدِّمُ

الصلاة: أيها الرب سيدنا ما أعظم اسمك في كل الأرض، حيث جعلت جلالك فوق السموات. قلوبنا مفعمة بالحب لشخصك القدوس. وألسنتنا تلهج بالحمد والتسبيح والشكر لجلالك الأقدس، لأجل كل حسناتك ومراحمك تجاه بني البشر. فاقبل اللهم شكرنا، ورسخنا في إيماننا، وقونا في رجائنا، وزدنا حباً لشخصك الكريم. باسم الحبيب يسوع. آمين.

السؤال: 25 - ما هو الفكر اليهودي عن المسيا؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْعَاشِرُ - كاهن إلى الأبد

4أَقْسَمَ ٱلرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: «أَنْتَ كَاهِنٌ إِلَى ٱلأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادِقَ». 5ٱلرَّبُّ عَنْ يَمِينِكَ يُحَطِّمُ فِي يَوْمِ رِجْزِهِ مُلُوكاً. 6يَدِينُ بَيْنَ ٱلأُمَمِ. مَلأَ جُثَثاً أَرْضاً وَاسِعَةً. سَحَقَ رُؤُوسَهَا. 7مِنَ ٱلنَّهْرِ يَشْرَبُ فِي ٱلطَّرِيقِ، لِذٰلِكَ يَرْفَعُ ٱلرَّأْسَ.

(4) يخبرنا الوحي أن ملكي صادق ملك ساليم، الذي كان كاهناً للعلي، لم تذكر الكتب المقدسة شيئاً عن نسبه ولا عن خلفائه. بخلاف الكهنوت اللاوي، الذي كان يبعد عنه أيا كان، لا يثبت انحداره من العائلة الكهنوتية. ولكن نرى أن الله استثنى ملكي صادق من هذا الحكم. فهو يقف شخصية فريدة في عظمة اقترابها لله، وفي كرامة وجلال مجدها الملوكي والكهنوتي. ويعلن الروح القدس أن ملكي صادق في هذا مشبه بابن الله. وفي معرض الحديث عن ابن الله، اذكر أن نسبة يسوع الأزلية لله هو الابن الحبيب، مسرة الآب الابن الفريد في الأزل. وهو ايضاً وبمعنى مبارك جداً ابن الله الوحيد في عبر الزمن. وإذا كان ياتي بأبناء كثيرين إلى المجد، فأولئك هم رفقاء له، وليس خلفاء بعده. وهذا ما نجده رمزاً في ملكي صادق.

نقرأ في عبرانيين 7: 1-3 أن ملكي صادق استقبل ابراهيم، لدى رجوعه من كسرة الملوك. وقد قسم له ابراهيم عشراً من كل الغنائم التي آب بها. وليس هذا فقط بل أيضاً بارك ملكي صادق ابراهيم، مع كونه هو الذي أخذ المواعيد من الله، وهذا يعني أن ابراهيم الأصغر بالنسبة لملكي صادق. ونظراً لصلة الكهنوت اللاوي بابراهيم، يبدو الأمر وكأن الكهنوت اللاوي قد أدى العشور لملكي صادق. لأن لاوي الذي لم يكن قد ولد بعد كان ممثلاً بأبيه ابراهيم، عندما أعطى العشور لملكي صادق.

فما أعجبها من نتيجة! لأن اليهودي اعتاد أن يتطلع إلى رؤساء الكهنة باعتبارهم الممثلين لله ذاته. أما الآن فقد برز أمامهم واحد يفوقهم جميعاً. فإن كان هذا الكاهن الذي عينه الروح القدس رمزاً للمسيح، فائقاً على الكهنوت اللاوي بهذا المقدار، فكم بالحري يكون المسيح أعظم بما لصاحب الحقيقة من مجد إلهي؟! لقد قدموا له عشورهم في شخص ابراهيم، وبالتالي خضوعهم كالمتفوق. وهذا من شأنه أن يشعر المؤمن العبراني، أن جميع من كانوا في اعتباره يمثلون الله، ليسوا شيئاً بالمقابلة مع الحقيقة الكبرى المباركة، وهي أنه يوجد كاهن من رتبة عظمى يبقى إلى الأبد.

في الحقيقة لو أن الكهنوت اللاوي قد استطاع أن يأتي بالكمال، أي أن يحقق علامة مرضية بين الإنسان والله، لما كانت من حاجة بعد للكلام عن كاهن آخر، ليس من نسل هرون ومن رتبة أعظم (انظر عبرانيين 9: 11-13).

إن الكمال بحسب رسالة العبرانيين، ليس معناه الكمال الشخصي، بل كمال العلاقة بالله، العلاقة المؤسسة على ضمير كامل. الضمير الذي استنار بالله، واستراح في الله، بواسطة عمل المسيح الكامل. فنحن نعلم من الإعلانات الإلهية، أن المؤمنين قد جعلوا كاملين بذبيحة المسيح الواحدة، كما هو مكتوب «بذبيحة واحدة، قد أكمل إلى الأبد المقدسين».

(5 و6) مرة أخرى يذكر الرب، ولكن في هذه الكلمات وضع الترتيب بشكل آخر. إذ يسوع يجلس وأبيه عن يمينه. وهو يحكم بسلطان أبيه، وهو يحطم في يوم رجزه ملوكاً، لأنه هو الديان. هكذا نقرأ: «لأَنَّ ٱلآبَ لا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ٱلدَّيْنُونَةِ لِلِٱبْنِ» (الإنجيل بحسب يوحنا 5: 22) وهذا لا يعني أن الآب قد تنحى عن الحكم. بل إنه سر بأن يحكم بيسوع المسيح ابنه.

لقد أعطى كل الدينونة للابن باعتبار كونه رب الكل (أعمال 10: 36 ، رومية 14: 9) ولأنه هو المهيمن على كل أعمال العناية الإلهية، ورأس فوق كل شيء (أفسس 1: 22) وهو رأس كل رجل (كورنثوس الأولى 11: 3) وفيه يقوم الكل (كولوسي 1: 17) ولأن له السلطان أن يضع نواميس تربط الضمير مباشرة. لأنه إذا ما تأملنا في عظة يسوع على الجبل، التي دونها متى الإنجيلي، نرى أن صيغة شرائع ملكوت السموات تجري وفقاً لقوله «وأما أنا فأقول لكم» بمعنى أن كل الشرائع تتم به وبسلطانه. وأن كل الأعمال التي تجري الآن، يلمسها بقضيبه الذهبي. ويقول الإعلان الموحى به أن له السلطان أن يحدد ويقرر شروط العهد الجديد وأن يضع شروط السلام بين الله والإنسان. فالله يصالح العالم لنفسه بيسوع المسيح (كورنثوس الثانية 5: 18) وأن له السلطان أن يشهر الحرب ضد قوات الظلمة، وهو قادر على أن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً. كل هذه الحقائق عرفها الآباء الأولون، وآمنوا بأن الدينونة النهائية العامة في يد يسوع، الذي سيجلس على كرسي الدينونة وحوله الملائكة المقتدرون قوة. وسيفحص كل القضايا ويصدر حكمه بالعدل (أعمال 17: 31).

(7) ينعش الظافر نفسه بنهر في الطريق، ويرفع رأسه كعلامة الانتصار، ومن جهة روحية ينطبق هذا على المسيا، الذي بعد جهاده المرير في معركة الفداء وانتصاره الكاسح على قوات الظلمة، ارتوت نفسه من نهر السرور الذي وضع أمامه بعد أن أزال بعمله الكفاري كل عائق من طريق مختاريه، ليتحدوا معه ويكونوا معه في مجده. ومن يستطيع أن يصف سروره بهذا، أليس هذا ما عبر عنه المرنم بقوله: أمامك شبع سرور؟

لكل تلميذ حقيقي طريق مرسوم، محفوف بالمخاطر. ولكنه محروس بالرب، الساهر على حياتنا. صحيح أن هذا الطريق وعر وكرب، ولكنه يؤدي بنا إلى الحياة الأبدية. وما علينا إلا أن نتبع خطوات رئيس إيماننا ومكمله بإيمان كامل، وبطاعة بنوية واثقة في صلاحه.

ولكن بما أن طريقنا يمر في أرض معادية، علينا أن نسهر ونصلي بلا ملل. وليكن معلوماً لدينا أن كل صعوبة في هذا الطريق لها هدف تهذيبي. وأن كل اختبار مرير فيه درس ثمين، يعيننا في النمو روحياً.

كان أتقياء العهد القديم في أثناء اجتيازهم البرية، يشربون جميعاً من صخرة روحية كانت تابعتهم وهذه الصخرة هي المسيح (كورنثوس الأولى 10: 4). ونحن في اجتيازنا برية هذا العالم، لنشرب من هذا الينبوع الحي عينه ولنستحث السير رافعين الرأس. لأننا في طريقنا إلى ميراث القديسين في النور. والله أبونا يريد أن نصل إلى هذا الهدف، شرط أن يكون قلبنا كاملاً من نحوه، وأن تكون إرادتنا خاضعة لمشيئته.

الترنيمة

Table 26. 

قُومُوا نُسَبِّحْ كُلُّنَالِرَيِّسِ ٱلأَحْبَارْ
أَسْمَاؤُنَا مَكْتُوبَةٌفِي صَدْرِهِ ٱلْمُخْتَارْ
لَنَا وَسِيطٌ وَاحِدٌلَيْسَ لَنَا سِوَاهْ
يَسُوعُ فَادٍ مَاجِدُحَيَاتُنَا رِضَاهْ
قَدْ غَسَلَتْ دِمَاؤُهُأَوْزَارَنَا هُنَا
وَهْوَ هُنَاكَ شَافِعٌطُوْلَ ٱلْمَدَى بِنَا
لاَ سَبَبٌ يَقْدِرُ أَنْيُخْمِدَ حُبَّ ذَاكْ
مَاتَ هُنَا عَنَّا كَمَايَحْيَا لَنَا هُنَاكْ
فَلْنَذْكُرِ ٱلْفَضْلَ وَلاَنَسْتَحِي بِٱسْمِهِ
وَلْتَعْتَرِفْ شِفَاهُنَابِشُكْرِ حِلْمِهِ

الصلاة: أيها السيد الرب، يا وسيط صلحنا وشفيعنا الوحيد، نعظم اسمك أيها الرب الكريم، ونسبح بحمدك أيها القدوس الحق. نشكرك جزيلاً ونرنم لك كثيراً، لأنك غسلتنا بدم العهد الأبدي. وقدستنا وجعلتنا قنية مقدسة، تشهد لعمل نعمتك الكامل. ثبتنا في محبتك ووسع مداركنا في معرفتك، التي هي معرفة الحق بربنا يسوع المسيح.

السؤال: 26 - من هو ملكي صادق؟ ومن أكرمه وكيف؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلثَّانِي وَٱلسَّبْعُونَ - السجود للرحيم

9أَمَامَهُ تَجْثُو أَهْلُ ٱلْبَرِّيَّةِ، وَأَعْدَاؤُهُ يَلْحَسُونَ ٱلتُّرَابَ. 10مُلُوكُ تَرْشِيشَ وَٱلْجَزَائِرِ يُرْسِلُونَ تَقْدِمَةً. مُلُوكُ شَبَا وَسَبَأٍ يُقَدِّمُونَ هَدِيَّةً، 11وَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ ٱلْمُلُوكِ. كُلُّ ٱلأُمَمِ تَتَعَبَّدُ لَهُ 12لأَنَّهُ يُنَجِّي ٱلْفَقِيرَ ٱلْمُسْتَغِيثَ وَٱلْمَِسْكِينَ إِذْ لا مُعِينَ لَهُ. 13يُشْفِقُ عَلَى ٱلْمَِسْكِينِ وَٱلْبَائِسِ وَيُخَلِّصُ أَنْفُسَ ٱلْفُقَرَاءِ. 14مِنَ ٱلظُّلْمِ وَٱلْخَطْفِ يَفْدِي أَنْفُسَهُمْ، وَيُكْرَمُ دَمُهُمْ فِي عَيْنَيْهِ. 15وَيَعِيشُ وَيُعْطِيهِ مِنْ ذَهَبِ شَبَا. وَيُصَلِّي لأَجْلِهِ دَائِماً. ٱلْيَوْمَ كُلَّهُ يُبَارِكُهُ.

ليس من الضروري أن يكون عنوان هذا المزمور، كاتبه سليمان. وإنما المرجح أن أحداً كتبه لأجل سليمان. ولعله داود، حين تسلم سليمان كرسي الملك (ملوك الأول 1: 30) ويتناول المزمور حياة الملك من نواح ثلاث (أ) إدارة الملك لأمته نفسها وإشاعة الرخاء في كل أرجاء المملكة (ب) صيت الملك واعتباره في الخارج (ج) جودة الملك وصلاحه، واعتباره النسل المبارك.

(9) إن ملكاً عظيماً وباراً بهذا المقدار، لا بد أن تمتد شهرته خارج حدود مملكته وإلى أقصى الأرض. ولا عجب أن يخطب وده ملوك الأرض ورؤساء القبائل، ويرهبون جانبه. ولا عجب أن يواليه سكان البادية ويخضعوا له، ويعملوا رضاه. حتى الأعداء ما كانوا ليجسروا على رفع الرأس، بل كانوا يتذللون أمامه. ملتمسين العفو والرضا منه لئلا يحطمهم.

(10) وهذا المرهوب الجانب، لا عجب أن يمتد صيت هيبته إلى أقاصي المسكونة، الى ترشيش التي هي أسبانيا، وجزر البر البعيدة جداً، وبلاد شبا وسبأٍ وغيرها من البلدان. فيسرع أمراء هذه الممالك إلى التماس رضاه، مقدمين له تقدمات وهدايا، هي علامات الخضوع لسيادته.

(11) عندما نتأمل هذه الآية في ضوء الوصايا العشر، نجد أنها تنطبق على المسيح في حكمه الألفي العتيد. فهو بحسب الوعود والنبوات، سوف يأتي ثانية ويأخذ مكانه هنا كرئيس ملوك الأرض، وعندئذ يتم المرسوم الإلهي، وهو أن ذاك الذي جاء مرة في صورة وليد بيت لحم: يجيء هذه المرة على السحاب بقوة ومجد عظيم. وقد صوره يوحنا الرائي الملهم، آتياً والأجناد الذين في السماء يتبعونه على خيل بيض... وهو سيرعى الأمم بعصا من حديد وله على ثوبه وفخذه اسم مكتوب «ملك الملوك ورب الأرباب». والرب الذي يأتي بكل هذا المجد إلى العالم ليسود عليه، يدعو جميع الأجناد المصاحبين له أن يسجدوا له. كما هو مكتوب: ولتسجد له كل ملائكة الله (عبرانيين 1: 5) وهذا السجود يمتد إلى أهل الأرض، فتتم النبوة القائلة: كل الأمم تتعبد له. وإلى هذا أشار بولس حين قال «لِكَيْ تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى ٱلأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ ٱللّٰهِ ٱلآبِ» (فيلبي 2: 10 و11).

«يسوع» هذا هو الاسم الذي أطلق على ابن العلي وقت الولادة. وهو اسم يعبر عن أسمى كائن وجد في كل الكون. أمام هذا الاسم المجيد، يجمل بنا أن نخضع عقولنا له، وأن نتأمل في مجد السيد الذي سجد له ملائكة الله، وتعبدوا لشخصه المبارك. وأنه لآت ذلك اليوم الذي فيه يقدم كل مخلوق في كل الكون سواء كان في السماء أو على الأرض واجب السجود والعبادة للرب يسوع.

ليتك تشترك مع جماهير الذين يسجدون ليسوع، ويتعبدون لشخصه، ليس ارتهاباً من جبروته، بل بدافع المحبة المتعجبة المنذهلة بعمله الكفاري، الذي أذاب قلوب الناس وكسر مقاومتهم. وليس من إنسان عرفه في عمق محبته للبشر إلا وقال بخشوع: يا له من فاد محب يستحق أن أعطيه حياتي!

وأنا كاتب هذه السطور، أرى لزاماً عليّ أن أصرح بأنني سلمت حياتي للفادي الرب، في ساعة كنت منذهلاً أشد الانذهال أمام محبته الفائقة المعرفة. وبكلمة أخرى أقول بأنها ليست قوة المسيح، هي التي أخضعتني واضطرتني للتسليم بل محبته، التي استولت على كياني وجعلتني أركع وأسجد أمام هذا السيد.

يخبرنا التاريخ أن اللقب العظيم، الذي عرف به يسوع في الكنيسة الأولى هو لقب كيريوس أي الرب. وهو الكلمة اليونانية التي ترجمت إليها الكلمة العبرية «يهوه» بمعنى أن يسوع، صار السيد والمالك للحياة كلها. وصار بحق ملك الملوك ورب الأرباب. وذلك لكونه خالقاً ولكونه فادياً. فلا تندهش إذا إن قال المرنم بوحي الروح القدس «ويسجد له كل الملوك كل الأمم تتعبد له».

(12-14) يعلل المرنم وجوب هذا السجود بصلاح الرب الملك، وبرأفته المعتنية بالمضطرب، الذي يلتجئ إليه، وبحرصه على خلاص النفوس بدافع حبه الذي حمله على وضع نفسه عن البشر، لكي تكون لهم حياة أبدية.

الترنيمة

Table 27. 

مَسِيحِي حَبِيبِي أَنَا فِي يَدَيْكْطَرِيحٌ أَرُومُ ٱلنَّجَاةْ
لِمَنْ يَذْهَبُ ٱلْعَبْدُ إِلاَّ إِلَيْكْفَمِنْكَ كَلاَمُ ٱلْحَيَاةْ
دَعَوْتَ ٱلأَثِيمَ بِحُبٍّ عَظِيمْلِيَطْرَحَ حِمْلَ ٱلذُّنُوبْ
فَيُدْرِكَ رَاحَةَ رَبٍّ كَرِيمْوَرُوحاً يُنِيرُ ٱلْقُلُوبْ
فَهَبْ لِي ٱلرَّجَاءَ ٱلْقَوِيَّ ٱلْوَطِيدْبِمَا قَدْ وَعَدْتَ ٱلْجَمِيعْ
وَكُنْ أَنْتَ عَوْنِي وَصَخْرِي ٱلشَّدِيدْوَسُوراً مَتِيناً مَنِيعْ
خَلاَصٌ وَرُشْدٌ لَنَا بِٱلْحَبِيبْوَنُورٌ لِمَنْ فِي ٱلظَّلاَمِ
وَلِلنَّفْسِ مِيرَاثُ خَيْرِ ٱلنَّصِيبْوَصَوْنٌ بِرُوحِ ٱلسَّلاَمْ

الصلاة: إلهنا الصالح، يا مصدر الخير العميم. شكراً لك لأجل الحب الذي عبرت عنه بالفداء بيسوع ابنك. هذا الحب العجيب خلصني من ذنوبي وآثامي الكثيرة. وشكراً لك لاجل نقاوة القلب التي أعطيتني إياها بكلمة الحياة، التي نقلتني من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة. وشكراً لك لأجل الروح القدس العامل فيّ، والذي يرشدني إلى جميع الحق، ويبكتني حين أفتخر في محبتي، ويعيد لي بهجة خلاصي. اقبل شكري يا رب يا كريم. آمين.

السؤال: 27 - ماذا ترى في مزمور 72 الآية 11؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْخَامِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ - تسبيح الملك

1أَرْفَعُكَ يَا إِلٰهِي ٱلْمَلِكَ، وَأُبَارِكُ ٱسْمَكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ. 2فِي كُلِّ يَوْمٍ أُبَارِكُكَ، وَأُسَبِّحُ ٱسْمَكَ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ. 3عَظِيمٌ هُوَ ٱلرَّبُّ وَحَمِيدٌ جِدّاً، وَلَيْسَ لِعَظَمَتِهِ ٱسْتِقْصَاءٌ. 4دَوْرٌ إِلَى دَوْرٍ يُسَبِّحُ أَعْمَالَكَ، وَبِجَبَرُوتِكَ يُخْبِرُونَ. 5بِجَلالِ مَجْدِ حَمْدِكَ وَأُمُورِ عَجَائِبِكَ أَلْهَجُ. 6بِقُوَّةِ مَخَاوِفِكَ يَنْطِقُونَ، وَبِعَظَمَتِكَ أُحَدِّثُ. 7ذِكْرَ كَثْرَةِ صَلاحِكَ يُبْدُونَ، وَبِعَدْلِكَ يُرَنِّمُونَ.

هذا المزمور هو مقدمة المجموعة الأخيرة للمزامير، التي تكون معاً الخاتمة العظمى لسفر المزامير. وهو أيضاً تسبيحة لله الملك الجواد. والمزمور بجملته يتناول موضوعين هامين: الأول عناية الله بخلائقه والثاني صلاح الله وبره. والمعروف أن الكنيسة المسيحية منذ نشأتها، كانت تستعمل أحياناً الآية الخامسة عشرة منه، في أثناء ممارسة الشركة المقدسة.

(1-3) هذه العبارة «ارفعك يا إلهي الملك» تذكرنا بالآية التي استهل بها المرنم المزمور 34 ، حيث يقول «أبارك الرب كل حين دائماً تسبيحه في فمي» ومن يقدر أن يسبحه كل حين إلا الملائكة؟ صحيح أن الرب قال «يجب أن يُصلى كل حين ولا يُمل» ولكن هل معنى هذا انه علينا أن نصرف الوقت جثواً على الركب، في صلوات متلاحقة؟ لا اظن أن الأمر كذلك، وإنما أراد السيد الرب أن تكون لنا صلاة المثابرة واللجاجة. بمعنى أنه يهيب بنا أن لا ندع مشغولياتنا تحملنا على إهمال الصلاة، فتحرمنا من امتياز الشوق للشركة مع الله. وما أحسن أن نصلي كلما أردنا الشروع في أمر ذي شأن! وأن يكون قلبنا مستعداً أبداً لسؤال الله كل حاجة. وأن نصلي خصوصاً في وقت الحزن، كما في وقت الفرح. في وقت الضيق، كما في وقت الفرج. إننا نحتاج كل حين إلى الله وبركاته. وفي وقت مزاولة أعمالنا، يجب أن نؤدي كل عمل بروح الصلاة، أي بالأمانة والصدق.

وبتعبير آخر إن أبينا السماوي، يريد أن يكون اتصالنا به مستمراً. وأنه لامتياز بل شرف لنا أن نكون في حضرة الله، سواء كان في وقت الصلاة، أم في وقت الشغل، أم في وقت الراحة. ويجب أن تفعم تسابيحنا وترنيماتنا بروح الشكر، وفقاً للكلمة الرسولية «شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (أفسس 5: 20) لأنه إن كان الترنيم خير معبر عن الفرح الذي يغمر قلب المؤمن، فإن الشكر من أظهر الأدلة على أن الإنسان مؤمن حقاً. لأن الشرير هو من لا يذكر نعم الله عليه. وإنه لمن البديهي أن الحمد للرب، لا يتقيد بوقت خاص. بل يمكن أداؤه حتى في الوقت الذي يحسبه الناس غير مناسب. وما أجمل أن نحمد الله في السراء والضراء، في حلكة الدجى، كما في نور النهار. ويقيناً أنه لمن واجبنا، لا بل من أفضل امتيازاتنا أن نحمد الله ونثني عليه على كل شيء، موقنين أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده.

لنأخذ المثل من المرنم الملك، الذي أخذ على نفسه أن يسبح اسم الرب كل يوم، ويبارك اسمه القدوس على الدوام وإلى الأبد. بمعنى أنه في شركته مع الله، ينسى حدود الزمان هذا هو الاشتياق الروحي، أن ينصرف الإنسان لله بالتسبيح والتمجيد والشكر.

(3-7) صحيح أن الإنسان لا يستطيع أن يرى كنه الأشياء، ولا يفهم أسرار الله، أو يستقصي عظمته، كما هو مكتوب «يَا لَعُمْقِ غِنَى ٱللّٰهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ ٱلْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ ٱلِٱسْتِقْصَاءِ» (رومية 11: 33) فنحن لا نستطيع أن نستقصي عظمته، وإن كنا نؤمن بأنه صنع كل أعماله بحكمة وقدرة. وعلى أي حال، فهذا لا يهدم استنتاجاتنا عن المشورة الإلهية. إلا أنه في ذات الوقت، يرد على كل أسئلتنا الغريبة بأن السرائر ليست لنا (تثنية 29: 29) ومع ذلك فمحبته لنا لم تشأ أن يترك أتقياءه في الجهل. فقد تكلم بالأنبياء، وأخبر بأنه صالح، وأن «مراحمه هي لنا كل يوم» وقد أرى الرائين شيئاً من أمجاد عظمته، فسبحوا أعمال الرب وأخبروا بقوته وسلطانه. وناظم المزمور نفسه أُعطِيَ بصيرة، فرأى أمجاد الله في أعماله، وحدث عنها قائلاً «اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ ٱللّٰهِ، وَٱلْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ» (مزمور 19: 1).

ولكن أهم ما نعرفه عن عظمة الله، هو ما أعلن لنا في ابنه يسوع المسيح، الذي أظهر لنا مجد الله في تجسده فصار في عمانوئيل «الله معنا» فعرفنا فيه «أن الله محبة» وصار لنا الإعلان المجيد «وَبِٱلإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ ٱلتَّقْوَى: ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي ٱلرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلائِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ ٱلأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي ٱلْعَالَمِ، رُفِعَ فِي ٱلْمَجْدِ» (تيموثاوس الأولى 3: 16) فعظمة الله بالمحبة الفادية، التي كانت في العصور الخالية مكتومة عن الملائكة والناس، أعلنت بالمسيح يسوع ربنا.

الحق أنه في إعلان النظام الإلهي لتبرير الخاطئ وخلاصه، ظهرت عظمة الله. وقد سُمِّى هذا النظام بسر التقوى. وَوُصف بالعظمة، لأنه أساس التقى وعلته في الإنسان، ولأنه غاية الله في إعلان الخلاص بالمسيح. وايضاً التقوى عظيمة لأنها حياة الله في الإنسان. وهي تقوم بحلول المسيح بالإيمان في القلب، على مقتضى الكلمة الرسولية القائلة «ٱلَّذِينَ أَرَادَ ٱللّٰهُ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ مَا هُوَ غِنَى مَجْدِ هٰذَا ٱلسِّرِّ فِي ٱلأُمَمِ، ٱلَّذِي هُوَ ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ ٱلْمَجْدِ» (كولوسي 1: 27).

في الواقع أن التجسد، يظهر لنا مجد الله. لأن تجسد المسيح، كان أول إعلان لذلك السر العظيم. وعظمته كائنة في أنه كان مقتدراً على كل أعمال الفداء بالنعمة. وقد شهد الرسول لذلك بقوله «وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ ٱلآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (تيموثاوس الثانية 1: 10).

الترنيمة

Table 28. 

هَلُمَّ بِٱلإِنْشَادْيَا مَعْشَرَ ٱلْعُبَّادْ
فَلْنَشْكُرَنَّ ٱلْفَادِيرَبَّ ٱلسَّمَا ٱلْجَوَّادْ
يَا أَيُّهَا ٱلْعَظِيمُيَا مَعْدِنَ ٱلسُّرُورْ
تَسْبِيحُنَا يَدُومُإِلَيْكَ يَا غَفُورْ
قَدْ مَضَتِ ٱلأَيَّامُيَا رَبُّ وَٱلسِّنِينْ
وَكَمْ غَدَا أَقْوَامُفِي ٱلْقَبْرِ قَاطِنِينْ
مَا أَعْظَمَ ٱلإِشْفَاقَانَحْوِي أَنَا ٱلْمِسْكِينْ
وَلُطْفُ رَبِّي فَاقَاوَحُبُّهُ ٱلْمُبِينْ
أَسْرَعَتِ ٱلأَدْهَارُوَنَحْنُ غَافِلُونْ
وَٱلنَّاسُ أَيْضاً سَارُواإَذْ مَضَتِ ٱلسِّنُونْ
قَوِّ بِنَا ٱلآمَالَوَٱلْحُبَّ وَٱلإِيمَانْ
وَكَلِّلِ ٱلأَعْمَالَبِٱلْفَوْزِ يَا رَحْمَانْ

الصلاة: باركي يا نفسي الرب، وسبحي اسمه القدوس. وارفعي له الشكر لأجل كل حسناته ولأجل مراحمه، التي هي لنا كل يوم. سبحي الرب الذي فداك وتمجد بخلاصك. يا أيها الرب السيد، ليكن اسمك صلاة على لساني، وحباً أبدياً في قلبي. قوني يا إلهي لكي أمضي أيام غربتي في سلام معك ومع قريبي. آمين.

السؤال: 28 - بم تذكرنا هذه العبارة «أرفعك يا إلهي الملك»؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْخَامِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ - تسبيح الأتقياء

8اَلرَّبُّ حَنَّانٌ وَرَحِيمٌ، طَوِيلُ ٱلرُّوحِ وَكَثِيرُ ٱلرَّحْمَةِ. 9ٱلرَّبُّ صَالِحٌ لِلْكُلِّ، وَمَرَاحِمُهُ عَلَى كُلِّ أَعْمَالِهِ. 10يَحْمَدُكَ يَا رَبُّ كُلُّ أَعْمَالِكَ، وَيُبَارِكُكَ أَتْقِيَاؤُكَ. 11بِمَجْدِ مُلْكِكَ يَنْطِقُونَ وَبِجَبَرُوتِكَ يَتَكَلَّمُونَ، 12لِيُعَرِّفُوا بَنِي آدَمَ قُدْرَتَكَ وَمَجْدَ جَلالِ مُلْكِكَ. 13مُلْكُكَ مُلْكُ كُلِّ ٱلدُّهُورِ، وَسُلْطَانُكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْرٍ.

(8) في هذه الآية يسجل المرنم الحلو أربع صفات لله مقتبسة من خروج 34: 6 وهي الصفات التي أطلقها موسى على الرب، فيما هو على جبل سيناء، حيث كانت تغطية يد الله وهو في شق صخرة، حين اجتاز مجد الرب قدامه. وما كان يسمح له، بأن يرى من مخبأ إلا أثر مجد الله المجتاز قدامه.

قال موسى آنذاك: الرب الرب إله رحوم ورؤوف، بطيء الغضب وكثير الإحسان والوفاء. وهذا الاسم الجديد لله، ليس بالاسم العلم، بل هو وصف له في عدة صفات متوالية. فإنه له المجد أعلن لموسى من العليقة الملتهبة، أنه ابدي واجب الوجود. وفي نزوله على جبل سيناء، أبان له وللشعب أنه مرهوب جداً. ولكنه في صفحه عن البشر ورده إياهم إلى كرامتهم أعلن ذاته بصفات تجعله قريباً من قلوبهم:

  1. «رحيم» إذ قال «أَنِّي أَرْجِعُ فَأَرْحَمُهُمْ، وَأَرُدُّهُمْ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى مِيرَاثِهِ» (إرميا 12: 15) وقد ظهرت رحمته فعلاً، وتجسدت عند ملء الزمان في شخص الرب يسوع المسيح. وقد أشار إليها زكريا الكاهن في تسبيحته الرائعة، التي أنشدها مترنماً بأمجاد الفادي، إذ قال: بأحشاء رحمة إلهنا، التي افتقدنا بها المشرق من العلاء، ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت، لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام (الإنجيل بحسب لوقا 1: 78 و79).

    بهذا النشيد الرائع مجد رجل الله الرحمة القلبية، التي منبعها أحشاء الله، والتي افتقد المسيح المشرق من العلاء بها. فكان في ظهوره كالشمس المشرقة، وهي تضيء في قوتها، فتبدد ظلام الجهل الروحي عن البشر. وتلاشي ظلال الخطية والموت. وتهدي الشعب إلى طريق السلام مع الله. وإذا كانت الظلمة ترمز إلى الخوف والخطية والحزن والشك والتعاسة، فإن النور يرمز إلى الأمان والقداسة والسرور والمعرفة واليقين والسعادة. وقد أوحي لرجل الله، فتكلم عن البركات التي صارت إلى الناس في المسيح وهي:

    خلاص من الأعداء، الممثلين بالخطية والشيطان. فالمسيح جاء ليرفع الخطية، التي دخلت العالم ومعها الموت. وليخلص الناس من الشيطان، الذي تسلط على العالم ومعه الغواية التي تقود إلى طرق الهلاك.

    صنع الرحمة، فعمل الفادي ليس فقط سحق رأس الشيطان، بل أيضاً تثبيت كل من يؤمن برحمة الله وعهده المقدس.

    إعداد المؤمنين للعبادة الحقة، لأن هدف الإنجيل المباشر، هو أن يخلق من كل واحد منا إنساناً جديداً، على صورة خالقه في البر وقداسة الحق، ليعبد الله بالروح والحق.

    يقول الرسول إننا جميعنا بالطبيعة أبناء الغضب... «اَللّٰهُ ٱلَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي ٱلرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ ٱلْكَثِيرَةِ ٱلَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، 5 وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِٱلْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ ٱلْمَسِيحِ» (أفسس 2: 4 و5). هذه صفحة مجيدة في سجل الرحمة، إننا كنا أمواتاً في الذنوب والخطايا، ولكن رحمة الله في المسيح أحيتنا. ليس لأننا نستحق الإحياء، وإنما محبته الكثيرة، لكي تظهر غنى نعمته، تدخلت ولم تدعنا نمضي إلى الهلاك.

  2. «رؤوف» إن الثقة في الله أنه رؤوف ويغفر الخطية، تحمل الخاطئ على التوبة. ولولا هذا الرجاء كان يتقسى قلبه، فيزداد انغماساً في الخطية. ومما يقوي ثقتنا في رحمة الله هو قول الوحي في يوئيل «ٱرْجِعُوا إِلَى ٱلرَّبِّ إِلٰهِكُمْ لأَنَّهُ رَأُوفٌ رَحِيمٌ، بَطِيءُ ٱلْغَضَبِ وَكَثِيرُ ٱلرَّأْفَةِ وَيَنْدَمُ عَلَى ٱلشَّرِّ» (يوئيل 2: 13) وكلمة «يندم» هنا تعني أنه يعدل عن إجراء أحكامه بالقصاص، إذا رجع الناس عن خطاياهم، كما كانت الحال مع أهل نينوى.

    تأكد أن الله يريد أن تطرح كل خوف، وتتقدم إليه بيسوع المسيح. فهو في محبته الفائقة، يسر بأن يترأف، ضارباً صفحاً عن أزمنة الجهل. ولعله بوحي من هذه الحقيقة قال ميخا النبي: من هو إله مثلك، غافر الإثم، وصافح عن الذنب لبقية ميراثه. لا يحفظ إلى الأبد غضبه، فإنه يسر بالرأفة (ميخا 7: 18).

  3. «بطيء الغضب» قال بطرس «يَتَأَنَّى عَلَيْنَا، وَهُوَ لا يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ ٱلْجَمِيعُ إِلَى ٱلتَّوْبَةِ» (بطرس الثانية 3: 9) ومعنى هذا أن طول أناة الله هو نتيجة لنعمته المتفاضلة جداً. فهو «لا يُسَرُّ بِمَوْتِ ٱلشِّرِّيرِ، بَلْ بِأَنْ يَرْجِعَ ٱلشِّرِّيرُ عَنْ طَرِيقِهِ وَيَحْيَا» (حزقيال 33: 11) إنه يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (تيموثاوس الأولى 2: 4).

  4. «كثير الإحسان» «بِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ، قَالَ وَلِيُّكِ ٱلرَّبُّ» (إشعياء 54: 8) «فَإِنَّ ٱلْجِبَالَ تَزُولُ وَٱلآكَامَ تَتَزَعْزَعُ، أَمَّا إِحْسَانِي فَلا يَزُولُ عَنْكِ وَعَهْدُ سَلامِي لا يَتَزَعْزَعُ، قَالَ رَاحِمُكِ ٱلرَّبُّ» (إشعياء 54: 10) أجل إن الناس يتغيرون ويزولون، وأما إحسان الرب فسرمدي ولا يمكن أن يزول. هكذا علمنا المسيح في مثل الابن الضال. فإن محبة الآب لابنه لم تزل بابتعاد الابن عن البيت مدة طويلة من الزمن. ويخبرنا الإنجيل أنه إذ رآه من بعيد راجعاً تائباً، تحنن عليه. وركض ووقع على عنقه وقبّله، وقبله أيضاً في بيته وصنع وليمة بمناسبة عودته.

(10) من البديهي أن يحمد الأتقياء الرب، من أجل محبته الغنية بالرأفة، ومن أجل طول أناته وكثرة إحسانه، وأن يباركوه، ليس فقط لأجل غناه في المراحم، بل أيضاً حباً به واعترافاً بأفضاله.

(11-13) إن أعمال الرب لأجل الإنسان وفي مقدمتها عمل الفداء عظيمة جداً. وإذ يتوقف عليها خلاص البشر، وجب على كل من يتمتع بها أن يحدث الآخرين عنها، حتى يقبل الجميع إلى معرفة خلاص الله. هذا كان أمر المسيح لمجنون كورة الجدريين، بعد أن طرد منه لجئون الأرواح النجسة، إذ قال له: اذهب إلى بيتك وإلى أهلك واخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك (الإنجيل بحسب مرقس 5: 19 و20) إنه في الواقع لدين علينا من نحو المسيح ومن نحو إخوتنا أن ندعو بفضائل الرب، لكي ينجذب الآخرون بشهادتنا إلى المسيح، فيتمجد المسيح بخلاصهم. لنتمثل برجل الله دواد، الذي شهد لعمل النعمة بين الناس قائلاً «هَلُمَّ ٱسْمَعُوا فَأُخْبِرَكُمْ يَا كُلَّ ٱلْخَائِفِينَ ٱللّٰهَ بِمَا صَنَعَ لِنَفْسِي» (مزمور 66: 16).

حين ننشر معرفة الله حولنا، يمتد ملكوت الله. ونكون في ذات الوقت منسجمين مع الطلبة، التي نرددها كل يوم «ليأت ملكوتك» وعندئذ يرى الناس أن هذا الملكوت في كل الدهور، لا تغيير فيه لا تبديل، سواء كان من جهة شخص الملك الإلهي أو من جهة سلطانه على كل البشر.

الترنيمة

Table 29. 

قرار 
إِهْتِفِي يَا كُلَّ ٱلأَرْضِ إِهَتِفِيإِهْتِفِي لَلرَّبِّ دَوْماً إِهْتِفِي
اهتفي يا كُلَّ ٱلأَرْضِإِهْتِفِي يَا كُلَّ ٱلأَرْضِ إِهْتِفِي
رَنِّمُوا بِمَجْدِ ٱلرَّبِّ، لاِسْمِهِسَمِّعُوا فِي ٱلْكَوْنِ صَوْتَ سُبْحِهِ
(إِهْتِفُوا يَا شَعْبَهُوَلْنُفرِّحْ قَلْبَهُ)2
وَٱهْتِفِي يَا كُلَّ ٱلأَرْضِ إِهْتِفِي 
أُنْظُرُوا مَا أَرْهَبَ أَفْعَالَهُوَٱسْمَعُوا مَا أَعْذَبَ أَقْوَالَهُ
(إِهَتِفُوا، غَنُّوا لَهُعَظِّمُوا أَعْمَالَهُ)2
وَٱهْتِفِي يَا كُلَّ ٱلأَرْضِ إِهَتِفِي 
حُبُّهُ يَسْبِي ٱلْقُلُوبَ وَٱلْعُقُولْمَجْدُهُ لِلْدَّهْرِ يَبْقَى لاَ يَزُولْ
(فَٱلْهَجُوا بَحُبِّهِوَٱنْشِدُوا لِمَجْدِهِ)2
وَٱهْتِفِي يَا كُلَّ ٱلأَرْضِ إِهْتِفِي 
حَرَرَّ ٱلأَنَامَ مِنْ أَسْرِ ٱلرَّجِيمْأَنْقَذَ ٱلنُّفُوسَ مِنْ مَوْتِ ٱلْجَحِيمْ
(كُلُّ ذَرَّةٍ تَصِيحْإِنَّنِي مِلْكُ ٱلْمَسِيحْ)2
فَٱهْتِفِي يَا كَلَّ ٱلأَرْضِ إِهْتِفِي 

الصلاة: أيها الآب القدوس، الرؤوف الواسع الحلم، شكراً للطفك وطول أناتك علينا. لم تعاملنا حسب خطايانا، بل عاملتنا بمقتضى المحبة المتأنية، التي لم تشأ أن تهلكنا. بل أعطتنا فرصة للتوبة، وقبول يسوع مخلصنا. ثبتني في توبتي يا إلهي، وقو إيماني الضعيف. وليكن لك المجد في حياتي. آمين.

السؤال: 29 - ما هي الصفات التي أطلقها موسى على الله؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْخَامِسُ وَٱلأَرْبَعُونَ - تسبيحة الرجاء

14اَلرَّبُّ عَاضِدٌ كُلَّ ٱلسَّاقِطِينَ وَمُقَوِّمٌ كُلَّ ٱلْمُنْحَنِينَ. 15أَعْيُنُ ٱلْكُلِّ إِيَّاكَ تَتَرَجَّى، وَأَنْتَ تُعْطِيهِمْ طَعَامَهُمْ فِي حِينِهِ. 16تَفْتَحُ يَدَكَ فَتُشْبِعُ كُلَّ حَيٍّ رِضىً. 17ٱلرَّبُّ بَارٌّ فِي كُلِّ طُرُقِهِ وَرَحِيمٌ فِي كُلِّ أَعْمَالِهِ. 18ٱلرَّبُّ قَرِيبٌ لِكُلِّ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَهُ، ٱلَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِٱلْحَقِّ. 19يَعْمَلُ رِضَى خَائِفِيهِ وَيَسْمَعُ تَضَرُّعَهُمْ، فَيُخَلِّصُهُمْ. 20يَحْفَظُ ٱلرَّبُّ كُلَّ مُحِبِّيهِ، وَيُهْلِكُ جَمِيعَ ٱلأَشْرَارِ. 21بِتَسْبِيحِ ٱلرَّبِّ يَنْطِقُ فَمِي، وَلِْيُبَارِكْ كُلُّ بَشَرٍ ٱسْمَهُ ٱلْقُدُّوسَ إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ.

(14) في الآيات السابقة وصف المرنم الله بأنه حنان ورحيم، طويل الروح وكثير الرحمة، وبأنه صالح. فمن كثرة غناه في هذه السجايا، يعضد الساقطين، الذين لم ينهضهم أحد. ويسند الضعفاء الذين لم يسندهم أحد. ويهتم بالمسكين البائس، الذي لم يهتم به أحد. ويتحنن على النائحين، ويمسح كل دمعة من عيونهم. ويترأف على المتألمين، فيهدهد آلامهم بتعزيات الروح القدس.

هذا ما عمله فعلاً في يسوع المسيح، كما هو مكتوب «رُوحُ ٱلسَّيِّدِ ٱلرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ ٱلرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ ٱلْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي ٱلْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِٱلْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِٱلإِطْلاقِ... لأُعَّزِيَ كُلَّ ٱلنَّائِحِينَ... لأُعْطِيَهُمْ جَمَالاً عِوَضاً عَنِ ٱلرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضاً عَنِ ٱلنَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضاً عَنِ ٱلرُّوحِ ٱلْيَائِسَةِ، فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ ٱلْبِرِّ، غَرْسَ ٱلرَّبِّ لِلتَّمْجِيدِ» (إشعياء 61: 1-3) ونلاحظ أن يسوع لما قدم أول عظة للشعب، ضمنها التطويبات المباركة للمساكين بالروح، والجياع والعطاش إلى البر، والمطرودين، والمضطهدين.

وفي أثناء خدمته نفذ يسوع بنود رسالته هذه. والإنجيل قدم لنا نماذج من أعمال الرحمة التي صنعها الرب، فواسى كثيرين. وإليك أحد هذه النماذج:

أتوا إليه بامرأة مسكينة أوقعت في زلة، وقد أحدق بها جماعة من الكتبة والفريسيين ليرجموها حتى الموت، وعلى لسان كل واحد منهم لعنة على الساقطة. التفوا حولها وظلال الآثام تطمس على بصائرهم، حتى لا يروا فظاعة خطاياهم. وضجيج الشهوة إلى القتل تضع وقراً في آذانهم، لكي لا يسمعوا أنين التائبين.

ولكن فيما هم يهتفون للشريعة التي أدانت تلك التعسة، انتصب أمامهم القدوس الحق، والغضب المقدس يملأ صدره، وكرهه للرياء الخسيس يزكي سخطه، فلو كانوا من حماة الأخلاق حقاً، لأتوا بشريك الجانية إلى الرجم. لقد استاءوا من فعلتها وهم أشرار، لكأن القلب البشري الفاسد يرتاح إذا اكتشف من هو أشر منه. هذا النوع من الناس أبعد الناس عن الرحمة، حتى أن ضمائرهم لتثور إذا ما رجم ساقط. وكأني بأولئك المجموعة ممن أوكل إليهم حفظ الشريعة قد نسوا القول الإلهي «تَعَلَّمُوا مَا هُوَ إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لا ذَبِيحَةً» (هوشع 6: 6، متى 9: 13) وفاتهم أن يعلموا أن لله قلباً غنياً بالرحمة. وأنه من أجل محبته الغنية باللطف، يعامل الخاطئ بالرأفة لكي يحييه بالغفران.

لقد سقطت المشتكى عليها فعلاً، ولكن رأفة الله بها أوجدتها أمام الذي جاء لكي يقيم الساقطين. وكانت هالكة بذنبها، ولكن رحمة الله بها أوقفتها أمام من جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك.

يخبرنا الإنجيل أنه في لحظة في طرفة، تحول أولئك القضاة إلى متهمين. لأن القدوس واضع الشريعة، نظر إليهم في غضب. وكديان كل الأرض، صرخ في وجههم «من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر». فجاءت كلمته لاذعة كالسوط، لاهبة كالنار. فخافوا وارتعدت فرائصهم. وفيما كل واحد منهم يتطلع إلى رفيقه، أن يكون هو البادئ بالرجم، تراءت في خواطرهم صورة بشعة من خطاياهم فارتعشت أيديهم مفلتة الحجارة، التي كانوا قد حملوها لقتل الخاطئة. ولم يلبثوا أن انسلوا واحداً تلو الآخر ابتداء من الشيوخ.

ولما خلت الساحة من أولئك الأردياء، وجدت تلك المرأة الشقية العاثرة نفسها وجهاً لوجه، أمام الشخص الوحيد الذي يحق له أن يرميها بحجر لأنه لم يعرف خطية. ولكن لسعادتها أنه كان يسوع، الذي جاء ليخلص شعبه من خطاياهم. وهذا السيد الذي جاء بالنعمة والحق سألها: يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليك، أما دانك أحد؟ لا أحد يا سيد! فقال لها بسلطان الغافر: ولا أنا أدينك، اذهبي ولا تخطئي أيضاً (الإنجيل بحسب يوحنا 8: 1-11).

سعيد وسعيد جداً من لا يدينه المسيح لأن تبريره يغطي على كل إدانة. ولأن بره يعطي التائب ثوب القداسة، فيستمر في توبته.

(15) يصور لنا الإنجيل السيد الرب كأب كريم في بيته، تلتفت إليه أعين أفراد الأسرة، فتجد فيه رجاءها. هكذا قال الرسول «ٱلْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ ٱلْمَجْدِ» (كولوسي 1: 27) فمختارو الله صدورهم عامرة بالرجاء. ووجوههم دائماً نحو شروق شمس البر يسوع، الذي عليه رجاء الأمم.

ربما كثيرون من الناس، لا يبصرون هذا الرجاء، مع أنه يقف إلى جانب كل إنسان، ينتظر إشارة منه لكي يفتح له باب أسره، ويطلقه في حرية أولاد الله. إنه وسيط عهد جديد مع الله. العهد الذي تكرس بدم يسوع نفسه، الذي هو ضامن العهد. لأنه سفك دمه المبارك، فصار نائباً عن أبناء البشر، وبالتالي يكون لنا إلهاً، ويتخذنا له شعباً. وهو نفسه تعهد نيابة عنا بأن نكون شعباً خاصاً لله، غيوراً في أعمال حسنة (تيطس 2: 14).

هذا العهد يشمل كل الذين آمنوا، وكل الذين يؤمنون وكل الذين سوف يؤمنون. إنه يشملك إن كنت تقبل يسوع مخلصاً. وعندئذ يكملك في كل عمل صالح، لا بفضل استحقاقك بل من أجل الراعي الصالح الذي أقيم من الأموات بدم العهد الأبدي، بعد أن صنع بنفسه تطهيراً عن خطاياك.

(16 و17) إن البرية كلها تلتفت إلى رب المجد، وتلتمس الرضى الإلهي. والرب يميل إليها ويفتح يده ليشبع بالخير عمرها. وهو سخي بمقدار فائق إنه يشبعها إلى الملء وإلى الفيض. لأنه بار وقد قال «طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يُشبعون».

(18-20) إنه قريب جداً، قريب من الذين يطلبونه من كل القلب. إنه إله كريم منعم جواد، تنازل في المسيح، إلى أن صار بقربه في متناول كل إنسان، شرط أن ذلك الإنسان يدعوه بالحق، ويخلص في دعواه من كل قلبه.

إنه يعمل رضى خائفيه الراجين رحمته بإيمان القلب. وقد قال «اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا اقرعوا يُفتح لكم» وشرطه الوحيد أن نطلب بإيمان، غير مرتابين البتة. قال الرسول يعقوب إنه «يعطي الجميع بسخاء ولا يعير» بمعنى أنه لا يكشف عيوبنا، ولا يصدنا إذا طلبنا كثيراً. ولا ينتظر أن نرد له ما أعطاه لنا بنفس الكيل وبنفس الوزن.

ويختم المرنم هذه القصيدة الرائعة بضرورة أن ينطق فمه بتسبيح الرب، متهللاً ومترنماً، وداعياً الجميع إلى رفع آيات الثناء إلى خالقهم العظيم، وأن يباركوا اسمه القدوس على الدوام. وفي هذه الدعوة تمهيد للمزمور 150.

الترنيمة

Table 30. 

بِرَأْفَةٍ دَعَانِييَسُوعُ ذُو ٱلأَلْطَافْ
أَدْخَلَنِي حَنَانَاحَظِيرَةَ ٱلْخِرَافْ
حُبُّهُ دَعَانِيدَمُهُ ٱشْتَرَانِي
قَادَنَي بِنِعْمَةِ ٱلْفِدَاقَادَنِي بِنِعْمَةِ ٱلْفِدَا
شَفَى جُرُوحَ نَفْسِيبِٱلزَّيْتِ وَٱلْخَمْرِ
فَهَا أَنَا مَدِينٌلَهُ مَدَى ٱلدَّهْرِ
فِي رَأْسِهِ جِرَاحُوَهَكَذَا يَدَاهْ
وَجَنْبُهُ طَعِينٌوَسُمِّرَتْ رِجْلاَهْ
يَطِيبُ لِي ٱلْمَقَامْلِلدَّهْرِ فِي حِمَاهْ
تُؤْنِسُنِي نَجْوَاهْيَغْمُرُنِي نِدَاهْ
تَمُرُّ بِي ٱلْحَيَاةْبِٱلْبِشْرِ وَٱلْفَلاَحْ
مُرْتَقِباً بِشَوْقٍتَأَلُّقَ ٱلصَّبَاحْ

الصلاة: شكراً أيها الرب يسوع، لأنك لم تأت لتديننا، مع أننا نستحق الدينونة والقصاص. بل أتيت لكي تخلصنا نحن المزدرى، فماذا نرد لك يا سيدي الرب من أجل جودك وإحسانك؟ لا شيء صالح فينا أو لائق بجلالك لكي نقدمه لك. ولكن نشكرك لأجل يسوع الذي أرضاك نيابة عنا. اقبل يا رب شكر قلوبنا وثبتنا في البر الذي اشتراه لنا الرب يسوع. آمين.

السؤال: 30 - ماذا استوقفك في مزمور 145 من الآيات 18-21؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ وَٱلأَرْبَعُونَ - سبحوا الرب

1هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا ٱلرَّبَّ مِنَ ٱلسَّمَاوَاتِ. سَبِّحُوهُ فِي ٱلأَعَالِي. 2سَبِّحُوهُ يَا جَمِيعَ مَلائِكَتِهِ. سَبِّحُوهُ يَا كُلَّ جُنُودِهِ. 3سَبِّحِيهِ يَا أَيَّتُهَا ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ. سَبِّحِيهِ يَا جَمِيعَ كَوَاكِبِ ٱلنُّورِ. 4سَبِّحِيهِ يَا سَمَاءَ ٱلسَّمَاوَاتِ، وَيَا أَيَّتُهَا ٱلْمِيَاهُ ٱلَّتِي فَوْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ. 5لِتُسَبِّحِ ٱسْمَ ٱلرَّبِّ لأَنَّهُ أَمَرَ فَخُلِقَتْ، 6وَثَبَّتَهَا إِلَى ٱلدَّهْرِ وَٱلأَبَدِ، وَضَعَ لَهَا حَدّاً فَلَنْ تَتَعَدَّاهُ.

هذا المزمور يطور ويوسع أفكاراً كثيرة من المزامير التي سبقته. ويرجح أنه كان إحدى ترانيم العائدين من السبي، التي أنشدوها معبرين عن ابتهاجهم بجمع شملهم وانتظام عقدهم، بما في ذلك من الكرامة والمنفعة المعبر عنها بالقول «ينصب قرناً لشعبه» ولشدة اغتباطهم وابتهاجهم، نراهم يدعون السموات والأرض لمشاركتهم في الحمد له والتسبيح. وفي ذلك توقع نبوي للوقت الذي فيه ستعتق كل الخليقة الآنة والمتمخضة من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله (رومية 8: 21).

ومن ميزات هذا المزمور أنه يضع أمام الكنيسة واجب قيادة البشرية في التسبيح والترنيم لله. لئلا يمر الناس بعظائم الله دون التفاف كاف، ودون تقديم أسمى ما عند النفس من التجلة والإكرام للسيد الرب.

(1-3) إن العبادة لله مرتبطة أولاً في أعالي السموات، حيث يعبد الملائكة الرب. ومن هنا كانت دعوة المرنم لمن في السموات، ليسبحوا الرب. أما بالنسبة للشمس والقمر والكواكب، فمصدر التسبيح هو في خلق الله لها. وكأن رجل الله يقول: لتتعلم أفلاك السماء أن تسبح الله بإرسال نورها إلى كل مكان... وليكن هذا النور ذاته لسان حالها لتسبيح الرب. حتى إذا رأى بنو البشر هذه الأمجاد الناطقة بمجد الله، يتخشعون أمامه وتنطلق أفواههم بالتسبيح. وبكلمة أخرى أن تصورات المرنم، تذهب إلى القول بأنه حين تحدث السموات بمجد الله وتخبر أفلاكها بعمل يديه. تصير قدوة للأرضيين الذين هم لاهون بما هو باد أمام أبصارهم الكليلة. فيرفعوا أبصارهم إلى فوق بالتهليل والحمد والثناء للمنعم الجواد، الذي منه وله كل الأشياء وهي بقدرته صنعت.

(4-6) يرفع المرنم بصره مرة بعد أخرى إلى فوق محاولاً أن يصل ولو بالفكر إلى أبعد ما يرى من صفحة الجلد المرصعة بالنجوم. ولكن سرعان ما يرتد طرفه كليلاً. فيعود إلى الاكتفاء بتأمل الأجرام السماوية، وكلها مشرقة ومرتبة كعقد نظيم. فيندهش وهو يراقب دوران المجرات حول الشمس بصورة منتظمة فيرى جلال الله، الذي يحمل كل الأشياء بكلمة قدرته، ويرى حكمته في الحدود التي وضعها لها بحيث لا تتعداها. هذه الكائنات تستطيع فعلاً، أن تؤثر في وجدان البشر، بنظامها العجيب ودورانها الرتيب. لأنها تحمل الإنسان على الاستغراق في التأمل، وبالتالي تقدم له أوسع دعوة شاملة لتسبيح الرب. وفي الواقع أن في هذه القوات أعظم دعوة للتسبيح بلا انقطاع، لأنها ظاهرة دوماً للعيان، ولأنها دليل واضح على قوة الله المبدعة. فضلاً عن أن خضوعها لأمر الله يبين عمل هذا الخالق وحكمته.

لقد سبق للمرنم أن قال في المزمور الثالث والثلاثين «بِكَلِمَةِ ٱلرَّبِّ صُنِعَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَبِنَسَمَةِ فَمِهِ كُلُّ جُنُودِهَا» (مزمور 33: 6) وفي الإنجيل أعلن لنا أن الكلمة الخالق هو يسوع، إذ نقرأ «فِي ٱلْبَدْءِ كَانَ ٱلْكَلِمَةُ، وَٱلْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ ٱللّٰهِ، وَكَانَ ٱلْكَلِمَةُ ٱللّٰهَ... كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ» (الإنجيل بحسب يوحنا 1: 1-3).

فالتسبيح الذي دعي الجند السماوي لتأديته، هو إذن للرب يسوع في وحدته مع أبيه. وقد قدم لنا إشعياء النبي صورة لأولئك الجند وهم يسبحون، إذ يقول «رَأَيْتُ ٱلسَّيِّدَ جَالِساً عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلَأُ ٱلْهَيْكَلَ. ٱلسَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ. بِٱثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِٱثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَٱثْنَيْنِ يَطِيرُ. وَهَذَا نَادَى ذَاكَ: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ رَبُّ ٱلْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ ٱلأَرْضِ» (إشعياء 6: 1-3).

ويوحنا رسول يسوع المسيح، رأى صورة مماثلة فكتب لنا شهادته هكذا «فِي وَسَطِ ٱلْعَرْشِ وَحَوْلَ ٱلْعَرْشِ أَرْبَعَةُ حَيَوَانَاتٍ مَمْلُّوَةٌ عُيُوناً... لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ حَوْلَهَا وَمِنْ دَاخِلٍ مَمْلُّوَةٌ عُيُوناً، وَلا تَزَالُ نَهَاراً وَلَيْلاً قَائِلَةً: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ ٱلْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، ٱلَّذِي كَانَ وَٱلْكَائِنُ وَٱلَّذِي يَأْتِي» )رؤيا 4: 6-8).

هذه الصورة ترينا أن الغرض الذي خلقت له الكائنات سواء كانت في السماء أم على الأرض هو تمجيد الله. ونحن نؤمن أن كل ما في الكون يمجد الله، ويخدمه فعلاً. وان الله يستخدم خلائقه كلها لإتمام مقاصده.

وهذا يرينا أيضاً، أن أبسط عمل نقوم به ما دام واجباً، هو نوع من العبادة. لأن عبادة الله، لا تقتصر على كلمات نتلوها، وترانيم نرددها. بل هي أيضاً الحياة التي نحياها. وليكن معلوماً عندنا وبصورة مستمرة أن هدف الإنسان الأسمى هو أن يمجد الله بكلامه وعمله. ولنذكر أن كل عمل يؤدى بأمانة يرتفع إلى الله بصوت عذب كالتسبيح. فالطبيب في عيادته، والعالم في مخبره، والمدرس في فصله، والإداري في مكتبه، والعامل في ورشته، والزوجة في تدبير منزلها، والسكرتيرة أمام آلتها الكاتبة، كل هؤلاء لو أدوا أعمالهم بأمانة وإتقان لمجدوا الله. وما أحلى أن نقول قبل مزاولة أي عمل: لنعبد الله، لنسبحه لنمجده!!!

الترنيمة

Table 31. 

سَبِّحُوا ٱلرَّبَّامِنْ سَمَاءِ ٱلْمَجْدِ فِي ٱلأَعَالِي
سَبِّحُوا حُبَّاأَيُّهَا ٱلأَمْلاَكُ ذَا ٱلْجَلاَلِ
يَا جُنُودَ ٱللَّهِمَجِّدُوا تَمْجِيدَا
فَٱلْوَرَى لَوْلاَهُلَمْ يَكُنْ مَوْجُودَا
سَبِّحِيهِ يَاشَمْسُ يَا بَدْرُ وَيَا نُجُومُ
يَا عُلَى ٱلْعُلْيَا يَامِيَاهَ ٱلْبَحْرِ يَا غُيُومْ
نُورُ كُلِّ ٱلْخَلْقِمُبْدِعُ ٱلأَفْلاَكْ
شَمْسُ أُفْقِ ٱلْحَقِّسَيِّدُ ٱلْأمْلاَكْ

الصلاة: يا سيدنا الرب، أيها الموجود في كل أرجاء الوجود. أيها الحامل كل شيء بكلمة قدرتك. أشكرك يا إلهي الصالح، لأجل محبتك التي شاءت أن تنظر إلى ذلي وحقارتي، وأن لا تأنف من الإمساك بي، لإصعادي من جب الهلاك لكي تتيح لي التمتع بنور وجهك. اللهم اعطني النعمة لكي أمجدك بأفكار قلبي، واقوال فمي، وعمل يدي. اقبل تسبيحة الشكر التي أرفعها إليك باسم فادي يسوع. آمين.

السؤال: 31 - ما هي العناصر التي دعاها المرنم للتسبيح في هذه الفقرات؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلثَّامِنُ وَٱلأَرْبَعُونَ - التعبد الأرضي

7سَبِّحِي ٱلرَّبَّ مِنَ ٱلأَرْضِ يَا أَيَّتُهَا ٱلتَّنَانِينُ وَكُلَّ ٱللُّجَجِ. 8ٱلنَّارُ وَٱلْبَرَدُ، ٱلثَّلْجُ وَٱلضَّبَابُ، ٱلرِّيحُ ٱلْعَاصِفَةُ ٱلصَّانِعَةُ كَلِمَتَهُ، 9ٱلْجِبَالُ وَكُلُّ ٱلآكَامِ، ٱلشَّجَرُ ٱلْمُثْمِرُ وَكُلُّ ٱلأَرْزِ، 10ٱلْوُحُوشُ وَكُلُّ ٱلْبَهَائِمِ، ٱلدَّبَّابَاتُ وَٱلطُّيُورُ ذَوَاتُ ٱلأَجْنِحَةِ، 11مُلُوكُ ٱلأَرْضِ وَكُلُّ ٱلشُّعُوبِ، ٱلرُّؤَسَاءُ وَكُلُّ قُضَاةِ ٱلأَرْضِ، 12ٱلأَحْدَاثُ وَٱلْعَذَارَى أَيْضاً، ٱلشُّيُوخُ مَعَ ٱلْفِتْيَانِ، 13لِيُسَبِّحُوا ٱسْمَ ٱلرَّبِّ لأَنَّهُ قَدْ تَعَالَى ٱسْمُهُ وَحْدَهُ. مَجْدُهُ فَوْقَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَاوَاتِ. 14وَيَنْصِبُ قَرْناً لِشَعْبِهِ، فَخْراً لِجَمِيعِ أَتْقِيَائِهِ، لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱلشَّعْبِ ٱلْقَرِيبِ إِلَيْهِ. هَلِّلُويَا.

في هذا القسم من المزمور، يوجه المرنم الأنظار إلى العبادة الأرضية، أي إنه يضع أمام أعيننا أن للعبادة السماوية نظيرها في الأرض. وكما أن التسبيح في الأولى قد امتد من الملائكة، إلى المياه التي فوق السموات نفسها، هكذا التسبيح في الثانية ينطلق من عمق المحيطات حيث الكائنات الحية، إلى أعالي الأرض بما عليها من مخلوقات وعلى رأسها الإنسان.

(7) التنانين هي الوحوش المائية، المذكورة في سفر التكوين 1: 21 وهي كبيرة وضخمة الأحجام. وقد ذكرها حزقيال تحت اسم التمساح الرابض في وسط أنهاره (حزقيال 29: 3) وقد ذكرها أيضاً إشعياء، إذ قال: «أَلَسْتِ أَنْتِ ٱلْقَاطِعَةَ رَهَبَ، ٱلطَّاعِنَةَ ٱلتِّنِّينَ؟» (إشعياء 51: 9).

حين نتأمل هذه الآية نرى أن المرنم يحول بصره نزولاً عن السماء وما تحويه، إلى الأرض وما يسكنها، وما يعيش على خيراتها. وأول الكائنات التي ركز عليها كلامه، هي تلك المخلوقات المائية الكبيرة جداً. ولعله وهو يتأمل في حياتها، وكيف تتوالد وتحصل على قوتها اليومي، رأى أنها تشهد بعظائم الله وتنطق بقدرته الفائقة. فاشتهى أن تشدو بالتسبيح لهذا الخالق العظيم، الذي يدبر ويسوس كل مخلوقاته بحكمة وقدرة.

(8) في هذه الآية يوجه المرنم الأنظار إلى الطبيعة وما فيها من قوى: النار المنبعثة من البروق، أو التي تقذفها البراكين بالحمم المستعرة. ثم يتأمل في البرد والثلوج التي تكسو بعض المناطق من الأرض، وفي الضباب الذي يلف الأرض، وفي الريح العاصفة وهي تزمجر. وكأنها تنطق معلنة عظمة الخالق، ومشتركة مع العناصر الأخرى في تسبيحة رائعة لمبدع الأكوان المجيد جداً.

ولكن هذه القوى الجبارة وإن كانت في عتوها تستطيع تدمير الكائنات الأخرى، إلا أن الخالق المعتني بكل شيء وضع لها حدوداً لا تتعداها. فهي في سلطانه المطلق يكبح جماحها وينتهرها ويوقف طغيانها حينما يشاء. وهذا ما حدث عندما كان يسوع وتلاميذه في السفينة. فقد هبت عليهم رياح عاصفة، وصفها الإنجيل بأنها كالزلازل، حتى أن المياه غطت السفينة. كان يسوع آنئذ نائماً. فتقدم تلاميذه وايقظوه قائلين: يا سيد نجنا فإننا نهلك. فقال لهم: ما بالكم خائفين، يا قليلي الإيمان. ثم قام وانتهر الرياح والبحر، فصار هدوء عظيم (الإنجيل بحسب متى 8: 23-26).

كتب القديس أغسطينوس تعليقاً على هذه المعجزة فقال: إن رحلتنا في هذه الحياة في بحر أمواجه آلام، ورياحه تجارب لا حد لها. ولماذا هذا الخوف والاضطراب الشديد؟! لأن يسوع نائم فيك، أي أن الإيمان بيسوع ليس مستيقظاً فيك. ماذا تفعل لكي تخلص؟ أيقظه وقل له: يا سيد إنني أهلك. عندئذ يستيقظ فيك. ويرجع إليك إيمانك، ويسكن فيك دواماً. وعندما يستيقظ يسوع فإنه رغم العاصفة، سوف لا تغمر السفينة. سوف يتحكم إيمانك في الرياح والأمواج، وتكون في مأمن من الخطر.

لعل خوف التلاميذ من اللجة، يعود إلى اعتقاد يهودي كان شائعاً في تلك الأيام. وهو أن البحر باب الهاوية الأول، وأورشليم بابها الثاني، والبرية بابها الثالث. فحين طغت الأمواج على سفينتهم، خافوا أن تفغر الهاوية فاها لتبتلعهم. ولكن في غمرة الخوف ذكروا أن سيدهم له سلطان على الهاوية وقواتها... تمثل بهم، واثقاً في الرب، الذي قال «ولي مفاتيح الهاوية والموت».

(9 و10) يرفع المرنم نظره إلى راسيات الجبال المكتسية بالأحراش، ثم يسرح بصره فوق الحقول وبساتين الأشجار المثمرة، فيتصور أنها مشتركة في تسبيحة الأزل. ومثله فعل إشعياء النبي، إذ قال «ٱلْجِبَالُ وَٱلآكَامُ تُشِيدُ أَمَامَكُمْ تَرَنُّماً، وَكُلُّ شَجَرِ ٱلْحَقْلِ تُصَفِّقُ بِٱلأَيَادِي» (إشعياء 55: 12).

هذه التشبيهات تتم في الناس، حين يرجعون إلى الله بفرح وبتوبة شاملة، حيث يبدلون سلوكهم غير النافع بما يمجد الله. وهذا ما حدث فعلاً في مدينة برجة بمفيليا، بعد عظة ألقاها بولس. إذ يخبرنا الكتاب المقدس أن الأمم، لما سمعوا كلمة الله كانوا يفرحون ويمجدون كلمة الرب (أعمال 13: 48).

فيما المرنم الملهم يستعرض في خياله الجبال والآكام والأشجار المثمرة، واشجار الأرز المرتفعة نحو السماء وكأنها تسبح الرب، ذكر أيضاً تلك الأعداد الهائلة من الوحوش وكل البهائم والدبابات والطيور ذوات الاجنحة. فأرادها أيضاً أن تشترك في النشيد الخالد.

(11-14) ثم ينتقل رجل الله إلى أعاظم الأرض ليجمع بين أبسط المخلوقات وبين الملوك والقضاة وكل من هو في منصب وعامة الشعب، ويدعو الجميع للاشتراك في الحمد والتسبيح لاسم الرب. ولم يشأ التماس عذر للفتيان والاحداث والعذارى، لو أنهم أحجموا عن التسبيح قائلين: إن الوقت متسع أمامهم للتوبة. على العكس فقد شاء أن يعملوا بموجب الحكمة القائلة: «ٱذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ ٱلشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ ٱلسِّنِينَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ» (جامعة 12: 1).

ويقيناً أن هذا الإله الحميد مستحق كل التسبيح، لأن اسمه وحده أعلى الأسماء، ومجده يملأ الأرض. وهذا الإله المجيد، الذي تسبحه خلائقه، يجازي أتقياءه خيراً، وقد عبر المرنم عن هذه الانعامات بكلمة: ينصب قرناً لشعبه. أي أنه يعطي مختاريه مركزاً عالياً بين الشعوب. مركزاً يكون داعية لفخرهم في الرب الذي أحبهم وميزهم، وأعطاهم في المسيح امتياز القدوم إليه في روح واحد، ليتعبدوا له وليرنموا لاسمه على الدوام - هللويا! هذا هو مركز أتقياء الله، الذي يخصهم بعناية فائقة، والمحبة توجب عليهم أن يشتركوا مع الخليقة بالترنم لاسمه. لأنه يقود الجميع بالبر والقداسة، حتى تمتلئ السموات والأرض من مجده.

الترنيمة

Table 32. 

سَبِّحِ ٱلْقَادِرْأَيُّهَا ٱلْثَلْجُ وَيَا ضَبَابْ
وَٱرْهَبِي ٱلْقَاهِرْيَا جِبَالَ ٱلأَرْضِ يَا هِضَابْ
اِرْهَبِي ٱلْقَاهِرْمَالِكُ ٱلأَكْوَانْ
ذَا ٱلْقَوِّي ٱلْجَبَارْمُطْلِقُ ٱلسُّلْطَانْ
سَبِّحِ ٱلدَّائِمْيَا جَمَادَ ٱلْكَوْنِ يَا نَبَاتْ
وَٱحْمَدُوا ٱلرَّاحِمْيَا مُلُوكَ ٱلأَرْضِ يَا قُضَاةْ
أَيُّهَا ٱلأَنَامْسَبِّحُوا أَسْمَاهْ
وَعَلَى ٱلدَّوَامْاُشْكُرُوا نُعْمَاهْ

الصلاة: قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجدك يملأ السموات والارض. نمجد اسمك يا كريم مع الخليقة، التي دعيت لكي تحمدك وتمجد اسم. أشكرك يا إلهي لأجل عنايتك التي رعتني بأمانة إلى اليوم، ويطيب لي أن أسبح اسمك العظيم. احفظني في القداسة إلى ذلك اليوم الذي أترك فيه أرض الفناء، وأذهب إلى المنازل التي أعدها لي المسيح في حماك. آمين.

السؤال: 32 - إلى م يوجه المرنم الأنظار في هذا القسم من المزمور؟

اَلْمَزْمُورُ ٱلْمِئَةُ وَٱلْخَمْسُونَ - تسبيحة فائقة السمو

1هَلِّلُويَا. سَبِّحُوا ٱللّٰهَ فِي قُدْسِهِ. سَبِّحُوهُ فِي فَلَكِ قُوَّتِهِ. 2سَبِّحُوهُ عَلَى قُوَّاتِهِ. سَبِّحُوهُ حَسَبَ كَثْرَةِ عَظَمَتِهِ. 3سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ ٱلصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. 4سَبِّحُوهُ بِدُفٍّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ. 5سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ ٱلتَّصْوِيتِ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ ٱلْهُتَافِ. كُلُّ نَسَمَةٍ فَلْتُسَبِّحِ ٱلرَّبَّ. هَلِّلُويَا.

هذا المزمور دعوة عامة للتسبيح والحمد. وهو موافق للخدمة الكنسية. والمزمور في مجمله يعد أفضل خاتمة لمجموعة مزامير التسبيح التي يبدأ كل منها وينتهي بكملة «هللويا» والجميل في هذه القصيدة،التي بها تختم المزامير، أنها ترى كخلاصة لجميع الأحوال والاختبارات المذكورة في الترانيم، المفعمة بالفرح من الأعماق، وهي تخبرنا أين يجب أن يسمع التسبيح، ولماذا يجب أن يقدم، وكيف ينبغي أن يتم. ومن ميزاتها أن تهليلها الثنائي يعكس وحدة المؤمنين. وذلك بقطع النظر عن الشعب والجنس واللون.

(1 و2) القدس المذكور هنا هو بيت الله، المفرز لعبادته والذي فيه يتكلم الناس عن مجد الرب الإله، كما هو مكتوب «فِي هَيْكَلِهِ ٱلْكُلُّ قَائِلٌ: مَجْدٌ» (مزمور 29: 9).

والتسبيح المذكور هنا، يقدم أولاً وأخيراً الى «ياه» إله العهد مع شعبه. أي إلى الله القوي، الذي يسود على الكون، ويسكن في فلك قوته، أي ناحية الخليقة الأصلية، التي بها مد الله الفضاء مظهراً قوته الجبارة. إن مسكن الله المزدوج في سماء السموات وفي بيته على الأرض قد ذكر مراراً في الأسفار المقدسة (مزمور 99: 1 و2 ، ملوك الأول 8) وإله يسبح في كل الخليقة لسبب مجده وكثرة عظمته وأعماله المقتدرة. وبكلمة أخرى إن الساجدين في الأرض والملائكة في السماء، مدعوون لأن يتحدوا ويهتفوا معاً بصوت واحد وهتاف التسبيح، حامدين الله لأجل أعماله المقتدرة مرة بعد مرة، ولأجل كثرة مراحمه.

(3-5) إذا تمعنا في هذه الآيات، نرى أن ترانيم التسبيح، كانت تصحب غالباً بالتصعد الموسيقي من الجوقة، عندما تتحد بالتتابع بالآلات الموسقية. وكان صوت الصور أو البوق من قرن الكبش، يتبع بصوت الرباب والعود (أخبار الأول 15: 19). والدف والآلات الصغيرة كان يستخدمها الراقصون (مزمور 68: 25). وقد أضيف إلى صوت الآلات الوترية نغمات المزمار ورنين الصنوج.

(6) في هذه الآية دعوة عامة للتسبيح، لأن كلمة «كل نسمة» هنا تعني كل البشرية، وربما كل صورة من صور الحياة. وهي مدعوة لتتحد في الهتاف. وهذا أكمل تسبيح للرب.

قال اسحق تيلر: نظم هذا النشيد ليكون التأثير فيه أولاً للصوت البشري، ثم للآلات الموسيقية بنغمات عالية رخيمة، مصحوبة بحركات رقص رشيقة. والمرتلون يكررون هذه اللازمة «وكل نسمة فلتسبح الرب» ومعنى هذا أن الدعوة متحررة من الشعوبية، أي أنها ليست موجهة إلى شعب خاص، ليمجد الله، بل هي موجهة إلى كل خلائق الله. لأن الله إله الجميع، وأن كل إنسان وكذا كل العوالم هيكل الله العزيز.

وسيأتي ذلك اليوم الذي فيه تتم طلبة المرنم، وتندمج الخلائق كلها لترفع التسبيح والحمد للرب الإله. قد يكون ذلك اليوم بعيداً أو قريباً. ولكن بانتظار أن يأتي، يجدر بنا أن نجاري المرنم في إحراز الثقة الوطيدة في الله، والإيمان الراسخ بأن جميع مقاصد نعمته العظيمة، تتم بالطريقة التي يختارها وفي الوقت الذي يعينه. يتم ما رآه رجل الله يوحنا وأشار إليه قائلاً «وَكُلُّ خَلِيقَةٍ مِمَّا فِي ٱلسَّمَاءِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ وَتَحْتَ ٱلأَرْضِ، وَمَا عَلَى ٱلْبَحْرِ، كُلُّ مَا فِيهَا، سَمِعْتُهَا قَائِلَةً: لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَلِلْحَمَلِ ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (رؤيا 5: 13).

«كل نسمة فلتسبح الرب - هللويا».

الترنيمة

Table 33. 

ٱلْمَجْدُ لِلَّهِ ٱلْعَظِيمْرَبُّ ٱلْوُجُودِ ٱلسَّرْمَدِي
وَٱلْحَمْدُ لاِسْمِهِ ٱلْكَرِيمْفَخْرُ ٱلْعِبَادِ ٱلأَوْحَدِ
ٱلشُّكْرُ لِلرَّبِّ ٱلصَّمَدْمِنْ أْجْلِ فَيْضِ نِعْمَتِهْ
وَٱلْحَمْدُ مِنَّا لِلأَبَدْعَلَى عَظِيمِ رَحْمَتِهْ
لَيْسَ لَنَا مِنْ حَاجَةٍإِلاَّ إِلَيْكَ يَا قَدِيرْ
وَمَا لَنَا مِنْ نِعْمَةٍسِوَى رِضَاكَ يَا مُجِيرْ

الصلاة: تحمدك الشعوب يا الله، وتهتف لك الأمم بالمجد والكرامة والسلطان. يا إلهي أشكرك لأجل نعمتك المخلصة. التي علمتني أن أنكر الفجور الذي في العالم بالشهوة. أعطني القوة حتى أثبت في توبتي متغلباً على التجارب. باسم الرب الفادي أسألك أن تسمع صلاتي وتستجيب لي. آمين.

السؤال: 33 - ما هي الآلات الموسيقية التي ورد ذكرها في هذا المزمور150؟

المسابقة الثالثة لمرشد الصلاة باركي يا نفسي الرب

إن أجبت على 24 سؤالاً بصواب نرسل إليك أحد الكتب الذي تختاره من قائمة مطبوعاتنا.

  1. ماذا طلب المرنم في صلاته؟ (مزمور 120)

  2. ما هي الكلمة المكررة في المزمور 121؟ وما هو عدد المرات التي تكررت فيها وفي أي صيغة؟

  3. من هو كاتب المزمور 127؟

  4. ماذا يلفت نظرك في المزمور 128؟

  5. ماذا يقصد المرنم بهذا القول: من الأعماق صرخت؟ وماذا كان سيفعل الله لو تعامل معنا بحسب العدل؟ (مزمور 130)

  6. ماذا قال المفسرون في كلمات المزمور 131؟

  7. لماذا لم يستطع داود الملك بناء بيت الله؟ (مزمور 132)

  8. ما هي الأشياء التي كانت محفوظة في تابوت العهد؟ وماذا حدث حين انتهى سليمان من صلاة التدشين؟ (مزمور 132)

  9. ماذا ترى في هذه الآيات؟ (مزمور 2)

  10. ما هي أهم محتويات المزمور 2؟

  11. في أي مناسبة نظم داود المزمور 24؟ وهل فيه نبوة عن المسيح؟

  12. ماذا تجد بمقارنة المزمور 40 بعبرانيين 10: 6-10؟ وفي أي النبوات يظهر حكم الرب على الذبائح الحيوانية؟

  13. كيف تعرف أن المزمور 45 يتكلم عن أمجاد يسوع؟

  14. ماذا تعرف عن يعقوب؟ (مزمور 146)

  15. ماذا كان سيحدث لو أن المسيح مات وهو يصرخ إلهي إلهي لماذا تركتني؟ (مزمور 22)

  16. ماذا فعل الرؤساء بعد أن تمموا كل مشورتهم؟ (مزمور 22)

  17. ما هو الامتياز الذي صار لنا كمفديين؟ (مزمور 22)

  18. هل يوجد ارتباط بين هذا المزمور 69 ومزمور آخر، وماذا يصف المزموران؟

  19. ما هي حجة المرنم في صلاته لأجل الخلاص؟ (مزمور 31)

  20. ما هو المقصود بهذه العبارة لن تدع قديسك يرى فساداً؟ (مزمور 16)

  21. ما هي دعوة هذا المزمور 47؟

  22. ماذا كان سيحدث لو أن أعداء المسيح نجحوا في القضاء عليه؟ (مزمور 118)

  23. ماذا كانت طلبة رجل الله المرنم في بداية هذا القسم من المزمور 118؟

  24. إلى ماذا تشير الآية 24؟ (مزمور 118)

  25. ما هو الفكر اليهودي عن المسيا؟ (مزمور 110)

  26. من هو ملكي صادق ومن أكرمه وكيف؟ (مزمور 110)

  27. ماذا ترى في الآية 11 من المزمور 72؟

  28. بم تذكرنا هذه العبارة أرفعك يا إلهي الملك؟ (مزمور 145)

  29. ما هي الصفات التي أطلقها موسى على الله؟ (مزمور 145)

  30. ماذا استوقفك في مزمور 145 من الآيات 18-21؟

  31. ما هي العناصر التي دعاها المرنم للتسبيح في هذه الفقرات من المزمور 148؟

  32. إلى م يوجه المرنم الأنظار في هذا القسم من المزمور؟ (مزمور 148)

  33. ما هي الآلات الموسيقية التي ورد ذكرها في هذا المزمور 150؟

بعد الإجابة اذكر عنوانك كاملاً ونحن بانتظار رسالتك.


Call of Hope
P.O.Box 100827 
D-70007 
Stuttgart 
Germany