العودة الى الصفحة السابقة
إِنَّ الله لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَل بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ (2تيموثاوس 1: 7)

إِنَّ الله لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَل بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ (2تيموثاوس 1: 7)


هذه الكلمات أوردها الله جلّ جلاله، لجميع المؤمنين والطالبين وجهه الكريم.

لو نظرنا إلى العالم لرأينا رجالاً ونساءً وبنين وبنات من مختلف الجنسيات والملل والشعوب والحضارات، يغرقون في اليأس البائس، لأنّهم فشلوا في الحياة. تلك الحياة التي هي هبة ونعمة من رحمته تعالى. والسبب في فشلهم يعود إلى ابتعادهم عن الحق والصدق والإخلاص. فأبدلوا الحق بالباطل، والصدق بالكذب. الحلال يقولون عنه حرام، والحرام حلال. يقولون إنّ الزنى والمكر مع الرّشوة طيبات الحياة. أما قراءة كتاب الله المقدّس والإعتراف بالذنب والرجوع إلى الله فيسمّونه خرافات أو رجعية مقيتة. ولأنّـهم أبدلوا الحليب بالمسكر والعسل بالميسر، فلذا أصيب العالم بالفشل في جميع مجهوداته الجبارة التي بذلها لترقيته إلى الأفضل. ولكن هذه جميعها سبّبت له الشلل وهو لا يزال غارقا في فشله المستمر.

وبكلمة أوضح، إنّ الإنسان شرير ومذنب، كما جاء في الكتاب المبارك المقدّس قوله تعالى: «اَلْقَلْبُ أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ، مَنْ يَعْرِفُهُ!» (إرميا 17: 9).

أمام هذه الحقيقة المبينة، لا نقدر أن نقول إلاّ: اللهمّ أيّـها الحي، يا من تعرف خفايا الإنسان. أيّـها الطاهر القدوس، اغفر لنا خطايانا، وامح ذنوبنا، ورُدّ قلوبنا إلى الحق وإلى الكلمة المقدّسة التي أرسلتها لنا هدايةً ومصباحاً للعالمين أجمعين.

عندما نرى حقيقة فساد المرء وحالته المؤسفة، نخاف ونرتعب أمام الحق الإلهي وعدالته الكاملة. ولكن هنا نجد قول المسيح: «لا تخف إني حي». ولأنّه حي يستطيع أن يحيينا ويخلّصنا من فشلنا المحتم، لأنّه لم يعطِ روح الفشل بل روح القوّة، الذي ينشطنا ويبث فينا حيوية فيتلاشى أمامها كل فشل في حياة كل فرد. وكم نحن بحاجة إلى هذا الروح المحيي الطاهر، الذي يمسك بيدنا ويسير بنا إلى الله كأولاد عاملين إرادته ومشيئته المقدّسة.

وهذا الروح الذي يعطيه الله الأبوي من السّماء هو روح المحبة، أي حنان الله نفسه.

لا تسيء فهمي أيها القارئ، مهما كنت متديّناً فإن لم تكن فيك محبّة صادقة للآخرين، فباطلة هي عبادتك، ولو كنت تتعبّد بعبادة الملائكة السّماوية.

هذا الروح المحيي والفائض محبّة مصدره الله، ويعطيه لكل من يطلب وجهه اللطيف كما يقول في كتابه العزيز: «اُطْلُبُوا الرَّبَّ فَتَحْيَوْا» (عاموس 5: 6).

وعندما نطلبه بكلّ قلبنا يعطينا روحه المحيي المنير. وهذا الرّوح القدّوس ينصحنا أيضاً ويرشدنا إلى الإيمان الحق مانحاً لنا موهبة التمييز. عندئذ نرى أنّ المسيح هو الذي أعلن لنا الله أباً حنوناً محبّاً.

والمسيح هو كلمته المتجسّد وروح منه. لم يكن متكبّراً مكّاراً بل وديعاً ومتواضع القلب ومجّد أباه الذي في السّماوات قولاً وعملاً.

وروح الله المُعطى لنا لم يمجّد ذاته ولا حامليه بل يمجّد المسيح الفادي المخلّص الحمل الوديع.

ربما لا تعرف المسيح المولود من روح الله حقاً. ولكن إن فتحت قلبك لروح المحبّة ونصحه يرشدك مباشرة إلى المصلوب الذي صلب تاريخياً وواقعياً. ويعلّمك معنى الصّليب الذي هو سبب لكلّ فلاحٍ حقيقي.

وقد أتى روح الله القوي إلينا لأنّ المسيح صالح العالم بالله. فكل المولودين من الروح القدس يعلمون هذا يقينا. فهل أنت ابن الانسان فقط أو ابن لله أيضا حتى حلّت فيك كلمة الله وروحه متجسّداً فيك.

اطلب من الله ليسكب روحه في نفسك لتعرف وتبصر الحق عن الله وعن نفسك.