العودة الى الصفحة السابقة
أَنَا ٱلْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ ٱلأَغْصَانُ. ٱلَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هٰذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً (يوحنا 15: 5)

أَنَا ٱلْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ ٱلأَغْصَانُ. ٱلَّذِي يَثْبُتُ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ هٰذَا يَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ، لأَنَّكُمْ بِدُونِي لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئاً (يوحنا 15: 5)


أرأيت مرة كرمة في الحقول؟ إنها أبَّان الشتاء تظهر خشنة قبيحة مهزولة، ولكن يكون فيها قوة كبيرة هاجعة (هادئة)، حتى إذا جاء فصل الربيع دبت في عروقها عصارة الحياة الحارة. ولقد زفتت الحكومة مرة طريقاً، ورصته جيداً بحجارة متينة وسط كرم للعنب. ولكن بعد سنين عدة انشقت الطريق رغم رصفها السميك بالصخور الضخمة، لأن القوة في جذور الكرمة كانت أقوى وأعتى.

إن المسيح يشبّه ذاته بالكرمة الحقة، لأن كل القوى الإلهية تعمل فيه مجتمعة. فاخترق هو بنفسه كل الخطايا المتراكمة والسلطات الشيطانية بفوزه الظافر. وحتى سلطة الموت الزؤام فإن المسيح قد غلبها، عندما قام من القبر. وهو اليوم جالس في السموات عن يمين الله استقراراً. ولكن المسيح ليس أنانياً ولا يريد أن يحتفظ بحياته القوية لنفسه، بل يمنحنا إياها مجاناً.

أرأيت مرة في فصل الربيع كيف تنفتح الكروم المخشوشنة فتظهر فجأة من قشورها اليابسة براعم، تتطور فتنمو في أطرافها نبيتات وأطراف معربشة، وأوراق خضراء يانعة، وزهور تتحول عناقيد لؤلؤية ومرجانية بديعة. وكل هذه الأشياء والنمو الغريب يدبره عصير الكرمة، كأنه يعلم الوقت الذي فيه ينبغي أن يأمر الخلايا المختلفة في جسد الكرمة، لتتحرك وتنشئ أوراقاً وأطرافاً متعلقة وثماراً شهية. فالغصن كله نتيجة من الكرمة وحدها.

إن المسيح يشاء أن يعمل ويثبّت نفسه فيك، حتى ينشئ روحه القدوس فيك الحياة والإيمان والمحبة. فإن التصقت بالمسيح يمنحك قوته ومعرفته، ويرشدك إلى التوبة النصوحة وتغيير الفكر والصلاة الحارة والمحبة لله. وإذ ذاك تدرك أن المسيح أكمل خلاصك على الصليب، وتشعر بالروح القدس المنشئ فيك الحياة الأبدية. وهذا الروح يتحرك ويشعل في قلبك الفرح والسلام مع الله. وضميرك اللطيف المحب، فتتغير في شكلك وتصبح صبوراً مع الناس كما أن الله هو صبور. فجوهرك الجديد هو نتيجة التصاقك بيسوع. فلا تعيش متعقداً حقوداً، بل حليماً رفيقاً لطيفاً.

ومما لا ريب فيه أن الناس أشرار منذ حداثتهم. والجميع زاغوا وفسدوا معاً. ولكن ثباتك في المسيح يضع فيك الجودة الإلهية لتصبح خادم كل الناس طوعاً، بالتواضع وإنكار النفس. فتعظم الله وحده. والروح القدس يقوي إيمانك، عندئذ تسلم إرادتك لله وتتجاوب مع هداه، وتجد الناس الذين يرسلك إليهم. فتطلب إليه أن يقدس حياتك في كل النواحي الاجتماعية والأدبية والإيمانية، وتلتمس منه الغفران لجميع خطاياك كل يوم. المسيح يشاء أن يطهّرك من أطراف شعرك إلى أخمص قدميك، ويملأك بجوهره الخاص.

وثمار الروح القدس ليست تطوراً للفضائل الإلهية في ذاتك فقط، بل هذا الروح ينشئ فيك المحبة للآخرين، لتشعر بمشاكلهم وتفهم حاجتهم الروحية. وحياتك الجديدة في المسيح تجعلك منارة في الظلمة، فيطلب كثيرون المخلص، إذ يرون محبته واستقامته ومساعدته فيك. فبواسطة قدوتك تتغير حياتهم، فيتجددون ويمتلئون بثمار البر. صلِ لأجل أصدقائك وجيرانك، الذين لا يعرفون الغفران، لكي يدركوا نعمة الله في المسيح، ويتحرروا لخدمته.

ولا تظن أنك صالح من ذاتك، أو تستطيع تقديس نفسك. فإنك لا تشبه ذلك الرجل في الأسطورة، الذي وهو غارق في الوحل مد يده اليمنى وأمسك شعره الخاص وانتزع ذاته من اليم. هذا مستحيل حيث أنك بحاجة إلى مخلص ومحافظ أمين. والمسيح هو المستعد أن يمد يده إليك، وينزعك من وحل خطاياك. وأنت بدونه لا تقدر على عمل أي شيء صالح. وهو يرغب أن يسكب فيك إيماناً ومحبة ورجاء. سلّم حياتك بالتمام إلى المسيح، وتعمق في إنجيله، فتختبر أن يقبلك ويحملك. قوته تكمل في ضعفك. تجاسر للإيمان بقدرته، لأنه مستعد أن يباركك الآن، ويحررك من ارتباطاتك الخاصة، ويمنحك الثبات في حياة شركته. هل أنت مستعد أن تتعاهد معه بإيمان أبدي، إن ربك ينتظرك لينشئ فيك كل الفضائل السماوية لتصبح إنساناً نافعاً مقبولاً.

إذا كان عندك سؤال حول الإيمان والخلاص، فاكتبه لنا ونحن نجيبك بكل صراحة وإخلاص.