العودة الى الصفحة السابقة

هل الخلاص بالإيمان أم بالأعمال؟

«لأَنَّكُمْ بِٱلنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِٱلإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ ٱللهِ» (أفسس 2: 8)

في أيامنا هذه تدور رحى حرب عقائدية بين مختلف الاتجاهات من يمينية ويسارية. وهذه الحرب التي يلقبونها بالحرب الباردة قسمت الى معسكرين. وكل انسان ينتصر للطريق الذي يميل اليه. ولكن الحرب التي هي أقدم وأخطر من الحرب الباردة والساخنة هي الحرب التي تدور رحاها بين الحق والباطل، بين الصدق والكذب بين الصواب والخطأ. والسؤال الآن: ما هو موقفنا نحن المسيحيين حيال هذا الصراع؟ وأي سعي يجب ان نسعاه لاجل تأييد الحق وملاشاة الباطل؟

الجواب في قول الرسول بولس: « إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ ٱلْمَسِيحِ، كَأَنَّ ٱللّٰهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ ٱلْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ ٱللهِ. لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللهِ فِيه» (2كورنثوس 5: 20 و21). فهذه الاية تأمرنا بالسعي بكل قوانا لنشر انجيل المحبة والسلام بين الناس. أي نعلمهم ان يحفظوا جميع ما أوصانا به المسيح عن المحبة التي لا تصنع شرا للقريب. وأن نعيش بينهم كما يحق للدعوة التي دعينا بها، بكل تواضع ووداعة وطول أناة. وأن نعظهم بكلمة الحق إنجيل خلاصنا، وأن نسلك أمامهم كأولاد نور. لأن العيش كما يحق للانجيل والوعظ بكلمة الحق والسلوك في النور، يتأيد الحق ويزهق الباطل.

قد تكون أهم المعارك في تاريخ هذه الحرب بين الحق والباطل معركة الإصلاح الديني التي كان محورها هذا السؤال: هل الخلاص بالإيمان، أم بالأعمال؟ وهذا ما أود بنعمة الله ان أتأمل فيه واياكم في هذه الساعة. وقبل ان أسترسل في الكلام يجب أن أبسط أمامكم حقيقة مهمة جدا، وهي ان للشيطان أعواناً كثيرين في العالم وأبرزهم صفان:

الصف الأول، الاشقياء الذين يتوغلون في الشر، ويفتخرون في كونهم يمارسون هذا أو ذاك النوع من المخالفات. والأكثر من ذلك انهم يدعون الناس لمشاركتهم في أعمالهم الشريرة. وبما أن عدو الخير لا يستطيع حصر جميع الأشرار في هذا الصف فقد شكل صفاً آخر له لون الشريعة، ذلك هو صف المنادين بأن الخلاص بالاعمال. هذا الاعتقاد يجعل الانسان ان يستغني عن صليب المسيح، ويعطيه مادة للافتخار بأعماله، لكأن الخلاص أداة لتمجيد الانسان، وليس لتمجيد الله معطي الخلاص. بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم، هو عطية الله، قال الرسول. ليس من أعمال كي لا يفتخر أحد. قد يفتخر متسول وهو يمد يده لتقبل الإحسان من ثري كريم. ولكن لا يجوز لإنسان مفتدىً بدم أن يفتخر بإيمانه، لأن الانسان ليس منه، بل هو عطية الله. ويمكننا ان نتحقق ذلك جيدا، متى ذكرنا ان الخلاص مقدم للإنسان وهو ميت في الذنوب والخطايا. والأسوأ من المتكلمين على برهم الذاتي للخلاص، هم أولئك المعتقدون بأن أعمال القديسين الزائدة عن واجباتهم، هي كنز يساعد في خلاص الخطاة الذين يعيشون بعدهم. سمعت مرة رجل دين يعظ في جنازة فتاة، قيل انها كانت تقية، فقال: لقد ذهبت فقيدتنا الى عند الله لتشفع بخطايا ذويها وتحصل لهم على رضاه. هذا الاعتقاد الخاطئ يعد اهانة للمسيح، الذي هو الشفيع الأوحد، كما هو مكتوب: «لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلٰهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ ٱللهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلإِنْسَانُ يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ، ٱلَّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ ٱلْجَمِيعِ، ٱلشَّهَادَةُ فِي أَوْقَاتِهَا ٱلْخَاصَّة»ِ (1تيموثاوس 2: 5 و6).

الخلاص يا اخوة هبة مجانية من الله أعطاها في المسيح. هكذا قال الرسول بولس: «مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِٱلْفِدَاءِ ٱلَّذِي بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي قَدَّمَهُ ٱللهُ كَفَّارَةً بِٱلإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ ٱلصَّفْحِ عَنِ ٱلْخَطَايَا ٱلسَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ ٱللهِ» (رومية 3: 24 و25). هب ان ملكا شاهد أحد رعاياه واقفا على قارعة الطريق ينتظر وسيلة نقل الى مكان يقصده. فيشفق هذا الملك عليه ويحمله في سيارته الى حيث يقصد. ولكن هذا الانسان حين وصوله يخرج من جيبه بعض المال ويقدمه للملك أجرة لنقله، أفلا يكون هذا التصرف رفضا لنعمة الملك واهانة له؟

حين جنح الغلاطيون الى الأركان الضعيفة متخذين الأعمال وسيلة لنيل البر، وبخهم الرسول بولس قائلا: «قَدْ تَبَطَّلْتُمْ عَنِ ٱلْمَسِيحِ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ تَتَبَرَّرُونَ بِٱلنَّامُوسِ. سَقَطْتُمْ مِنَ ٱلنِّعْمَةِ. لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذًا مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ!... أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوبًا!. أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ مِنْكُمْ هذَا فَقَطْ: أَبِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَخَذْتُمُ الرُّوحَ أَمْ بِخَبَرِ الإِيمَانِ؟» (غلاطية 5: 4، 2: 21، 3: 1 و2) في الحق لو كانت أعمال برنا الضعيفة القاهرة تصنع لنا برا، يكون المسيح فضوليا في مجيئه وموته لاجل خطايانا .

لاحظوا أيها الأعزاء، ان عجز الاعمال عن نيل البر، يظهر في مثل العبد الظالم. لأن العشرة آلاف وزنة تمثل العجز الكلي عن وفاء الدين. لانها تعادل ثلاثة آلاف مليون ليرة لبنانية، وهذا المبلغ لا يملكه أثرى أثرياء العالم، فكم بالحري العبد الفقير. فان كان هذا تشبيه المسيح لمقدار دين الخاطي فأية أعمال لنا يمكنها ان تشتري الخلاص؟ يا أخي النفس البشرية في تقدير الله ثمينة بمقدار انه اشتراها بدم ابنه يسوع المسيح. فان كان أحد يحاول شراءها ببعض القروش التي يتصدق بها، فانه يبخسها ثمنها، وبالتالي ينسب الحماقة لله.

في رسالته الى تيطس أكد الرسول بولس ان الخلاص يتم بناء على رحمة الله اذ يقول: ولكن حين ظهر لطف مخلصنا واحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا.

أيها الأحباء

إن من أضرار عقيدة الخلاص بالأعمال الذاتية أنها تفتح باب الافتخار، كما فعل الفريسي حين صلى في الهيكل هكذا: «اَللّٰهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي ٱلنَّاسِ ٱلْخَاطِفِينَ ٱلظَّالِمِينَ ٱلزُّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هٰذَا ٱلْعَشَّارِ. أَصُومُ مَرَّتَيْنِ فِي ٱلأُسْبُوعِ، وَأُعَشِّرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ» (لوقا 8: 11 و12). هذا الانسان قال المسيح انه لم يتبرر، لأنه اتكل على أعمال بره، وافتخر بأريحيته أمام الله. لقد برر نفسه أمام الله، ومن يبرر نفسه أمام الله يدين الله، لأن الله يقول: الرب أشرف من السماء على بني البشر، لينظر هل من فاهم طالب الله. «ٱلْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحاً لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ» (رومية 3: 12).

وأيضا عقيدة الخلاص بالأعمال تفتح باب الرياء. فقد عُرف ان كثيرين ممن يتمسكون بها يستولي عليهم حب الظهور فيبسطوا أكفهم بالعطاء ليظهروا انهم من أهل الخلاص. ولكن المسيح قال انهم مراؤن يفعلون الخير لكي يُمجدوا من الناس. الأعمال الصالحة هي ثمر الايمان العامل بالمحبة، وهذا الايمان هو عطية من الله، والله لم يضع بوقا في أفواه مختاريه ليعلنوا أعمالهم الحسنة.

قال الرب يسوع في العظة على الجبل: احترزوا من ان تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات. فمتى صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤن.

أيها الأحباء

لست أعني بما تقدم من كلمتي صرف أنظاركم عن صنع الخير، أو الزعم باننا غير ملزمين بالأعمال الصالحة، حاشا! فالرب نفسه قال: فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات. وانما قصدت ان أذكركم بكلمة الله ان الأعمال ليست هي علة الخلاص بل هي من ثماره. ومعلوم عندنا ان الثمر لا يمنح الشجرة حياة، بل الحياة التي في الشجرة تنتج الثمر.

قال رجل الإصلاح العظيم مارتن لوثر: ان الأعمال الصالحة لا تصنع قديسا وانما القديس يصنع أعمالاً صالحة. والانجيل نفسه لم يأتنا بما يطلبه الله منا، بل بالحري أتانا بما يقدمه الله لنا. وقد قدم لنا ابنه يسوع المسيح حكمة وبرا وفداء. صحيح ان العهد الأول مع الانسان كان هذا «من يفعلها يحيا». ولكن العهد الثاني هو هذا: «بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ» (أفسس 2: 8).

في أحد الاجتماعات كان رجل الله مودي الواعظ الشهير يؤكد مجانية الخلاص. فانتصب أحد السامعين دون ان يفكر في الجمهور المحيط به وصاح: آه! هذا شيء جميل جداً. لقد كنت دائما أظن ان عليّ شيئا لأعمله لأجل خلاصي! ولكنني علمت الآن ان لي شيئا لآخذه وهو الخلاص نفسه ولكن مجاناً. حين قال يسوع: بهذا يتمجد أبي ان تأتوا بثمر فتكونون تلاميذي، كان يكلم أهل الخلاص، لأنه لم يقل فتصيرون تلاميذي.

وأيضا المعمدان حين تكلم عن الحياة، قال فاصنعوا ثمارا تليق بالتوبة، فالتائب هو الذي يثمر وهو أيضا نائل الخلاص. مثله كالزيتونة البرية قبل ان تطعم لا تعطي ثمرا طيبا. قال الرسول بولس مخاطبا أهل رومية: «وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ»(رومية 6: 18). أما الان اذ اعتقتم صرتم عبيدا لله. فلكم ثمركم للقداسة والنهاية حياة أبدية. وكتب مخاطبا أهل أفسس: ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد. لاننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع. لاعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها.

أيها الأحباء

لا تنسوا ما سمعتم اليوم من كلمة الله، انكم بالنعمة مخلصون بالايمان وذلك ليس منكم هو عطية الله. وانكم تتبررون مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح ربنا. اي ان خلاص الله مقدم على طبق محبة في المسيح يسوع. ومتى قبلتموه بالإيمان ينتج فيكم ثمر البر والصلاح المقبول لدى الله. تذكروا انه منذ مجيء المسيح الى العالم، صار الجواب لكل سائل «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ» (أعمال 16: 31).