العودة الى الصفحة السابقة
نساء في الكتاب المقدس

نساء في الكتاب المقدس

مريم ومرثا

دورا بك


Bibliography

نساء في الكتاب المقدس: مريم ومرثا. دورا بك. Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. . . SPB 7389 ARA. English title: Mary and Martha. German title: Maria und Marta. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http://www.call-of-hope.com .

مريم ومرثا

مريم

لوقا 10: 38-42 يوحنا 11 و12 مرقس 14: 8 و9

إنّه من البديهي أن تختلف الأخت عن شقيقتها في مزايا كثيرة. وهكذا كان الحال معي ومع أختي الكبرى مرثا. فبالرغم من اختلاف طبيعتنا كنا نحب بعضنا بعضاً وكم تمنيت أن تكون لي بعض صفات أختي. بتدبير وحزم حاسم وحيوية تغلّبت على أصعب الأوضاع التي كانت تواجهنا. وطالما ساعدتها حيثما قدرت إذ كان العمل معها يسبب فرحاً لي. كنت شكورة بسبب أخذ مرثا المبادرة دائماً واتباعي لتعليماتها. ولكن حدث مرة، وأنا أتذكر هذا جيداً أني خيّبت أملها جداً. لم أفعل هذا عن وعي. لم أرد بحال من الأحوال أن أؤلمها. لقد هيّأت نفسها لمساعدتي إياها في المطبخ لاستضافة الضيوف الكثيرين في بيتنا. بطبيعة الحال كان قصدي أن أساعدها وخاصة أننا أردنا أن نكرم هؤلاء الضيوف بقدر الإمكان. جاء يسوع مع تلاميذه إلى بيتنا وهذا كان شرفاً عظيماً وفرحاً لنا. وبعد أن بدأ يسوع يتكلم ويعلّم تلاميذه وأخي لعازر كان جالساً معنا، سُحرت بما قاله. وأخذت كل كلمة قالها يسوع بالحرف الواحد كأنها موجهة إليّ. كانت كلماته تعني لي كل شيء. لم أقدر أن أسمع الكفاية ولئلا تضيع كلمة واحدة جلست عند قدميه إذ كانت كلماته الحياة لنفسي العطشانة. وبينما أنا متعمقة ومستسلمة وناسية كل ما هو حولي ومصغية إلى ما قاله المعلم ومرددة في نفسي آه ما أسعدني وأنا أنتهز هذه الدقائق التي نادراً ما نحصل على مثل هذه المناسبة بأن يكون لنا شركة بليغة معه، إذ بمرثا تقف فجأة متهيّجة بوجه محمرٍّ أمام يسوع. وقائلة بكل تأثر : يا سيد، ألا ترى أن أختي لا تساعدني؟ تترك العمل كله عليّ. ألا تقدر أن تقول لها أن تساعدني.

فزعت من شكوى مرثا ونظرت إلى الأرض بوعي الذنب وبخجل. لقد كانت مرثا على حق! أهملت واجباتي المنزلية بسبب سماعي أقوال يسوع. والآن يلومني يسوع لهذا السبب الجوهري؟ أو هل لاحظ بأن كلماته في تلك اللحظة كانت تعني لي أكثر من العمل؟ هي سرت فيّ كالماء البارد من ينبوع حيّ. قدر يسوع أن يعطيني ما لا أقدر أن أعطيه لنفسي. لم آخذ منه الكفاية. مَن قدر أن يطفئ شوقي العميق إلى حياة ملآنة حقاً؟

نظرت إلى يسوع متسائلة. لم أقدر أن أدافع عن نفسي. مرثا لم تفهمني في هذه الحالة. وهكذا صمتّ منتظرة ما يقوله يسوع. يا للغرابة! لم يلتفت إليّ بل التفت إلى مرثا وقال: «مَرْثَا مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلٰكِنَّ ٱلْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَٱخْتَارَتْ مَرْيَمُ ٱلنَّصِيبَ ٱلصَّالِحَ ٱلَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا» (لوقا 10: 41 و42).

وهنا تنفست الصعداء لأن يسوع لم يؤنبني على تصرفي. دافع عني ووجد أني محقة لا بل ضروري جداً أن أولي أقواله سماعي داعياً هذه المناسبة فرصة وحيدة ضرورية. لأنه عندما يأتي يسوع إلينا فهو يريد بواسطة كلمته أن يجلب لنا الخلاص والبركة. وكل شيء ما عدا ذلك يصبح من درجة ثانوية. ليس العمل بروح طيبة هو الذي له الأفضلية بل سماع أقوال يسوع. كم كنت شكورة لأني لم أدافع عن نفسي بل تركت ليسوع أن يفعل هذا. هو أخذ أمري على عاتقه. فكلماته لم تخيّب الرجاء في قلب مرثا لأنها كانت في الأساس مستعدة أن تسمع أقوال يسوع وها هي منذ الآن تريد أن تضع الأوليات في حياتها قبل كل شيء.

سررت بأن أعرف في هذا الحدث بوجود واحد يعرفني ويفهمني. فإذا لامني الناس يرى هو وضع قلبي وسبب عملي. أنا أيضاً أردت أن أخدم يسوع ولكني اشتقت أولاً بأن يخدمني بواسطة كلمته. وبواسطة سماعي بهدوء حصلت على القيادة والتقوية والسلام. وهذا ما أعطى حياتي معنى وهدفاً يُثاب بحسن الجزاء.

وبعد فترة وُضعت ثقتي بيسوع وبأقواله تحت التجربة عندما أصابنا ألم شديد بسبب مرض أخينا لعازر حتى الموت. ولكننا عرفنا لمن نلتجئ في ضيقتنا. لم يكن يسوع في بيت عنيا في ذلك الوقت، ولكننا أرسلنا رسولاً إليه. وكنت مقتنعة بأن يسوع يعمل دائماً الأفضل والأصحّ. وهكذا تركت كل شيء للرب ولم أضع أي طلبات. وإذ لم يفعل شيئاً في بادئ الأمر فقد حدث الشيء المخيف. مات أخونا لعازر ويسوع لم يكن هنا! وهكذا حرّكت الساعات والأيام التي تلت موت لعازر أسئلة كثيرة في قلبي. كثيراً ما خفت على نفسي وكان كأن الأرض تموج تحت قدمي. دموع كثيرة سالت على خسارة أخي الحبيب. بدونه لم أقدر أن أفكر في المستقبل. ولكن برغم السُّحب القاتمة والأفكار الثقيلة التي ساورتني عرفت في داخلي أن يسوع لا يعمل أخطاء حتى ولو أني لا أفهمه في هذه اللحظة المحزنة المحرجة.

لقد ملأ بيتنا عدد من المعزّين تمشياً مع عادة التعزية وكان من واجبنا أن نتقبل تعازيهم. جلسوا عندي ليندبوا ويبكوا ولكن أيضاً ليعزّوا.

وفجأة رأيت مرثا عند الباب. هل كانت غائبة؟ وليس عند الضيوف؟ لم ألاحظ ذهابها. وبإشارة سرّية دعتني إليها وهمست في أذني: «المعلم ههنا وهو يدعوك» يا لها من رسالة عجيبة! يسوع يدعوني! والآن قدرت أن ألقي همومي والآمي عليه. ولكن قيامي المفاجئ وخروجي حرّك فضول المعزّين إذ قال بعضهم لبعض: «تذهب إلى القبر لتبكي هلمّ نتبعها».

أسرعت لملاقاة يسوع لأن دعوة معلمي كانت بالنسبة لي فوق كل شيء. بيت ملآن بالضيوف لم يقدر أن يردني. كل شيء آخر يجب أن يتوقف. والآن لم يكن مهماً لي أن أسمع تعازي الناس. فعندما يدعوني يسوع يجب أن أكون بأسرع ما يمكن عنده.

ولما رأيت يسوع سقطت متأثرة عند رجليه. قلت له والدموع تسيل من عيني: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هٰهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي» (يوحنا 11: 21).

لما رأى يسوع بكائي وبكاء المعزّين الذين تبعوني اضطربت نفسه وتحرّكت عواطفه. لم أره في مثل هذه الحالة من قبل. لماذا اضطربت نفسه؟ أكان هذا بسبب الغضب على سلطة الموت الذي سبب آلامي؟ أو اغتاظ لأجل عدم إيماني؟ فعوض عن أن أؤمن بسلطة حضوره سقطت باكية ومولولة ويائسة أمامه. لم أعرف السبب ولم يقل لي شيئاً. وبالرغم من هذه الصدمة سأل يسوع بشعور المتأثر معنا: «أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟» . فأجاب الناس المحيطون بنا: «يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَٱنْظُرْ» (يوحنا 11: 34). وبينما نحن في طريقنا إلى القبر بهدوء وحزن عميق سالت دموع يسوع. ها هو يشاركنا أحزاننا وشعورنا التي هي ليست غريبة عليه. قال المعزّون: «ٱنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ يُحِبُّهُ» (يوحنا 11: 36). هذا أشهد أنا به! ولكن يسوع لم يحب فقط لعازر ومرثا وإيّاي بل كل الناس في كل العالم.

وكما أقام يسوع أخي من الموت إلى الحياة فإنه هكذا يريد أن يقيمك ويقيمني من الموت الروحي إلى حياة جديدة. قال يسوع لأختي مرثا: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ» (يوحنا 11: 25). وهذا ما اختبرناه فعلاً.

قبل عيد الفصح بستة أيام جاء يسوع ثانية إلى بيت عنيا. كنا بانتظاره ولتكريمه حضرّنا له طعامَ وليمة. هذه المرة أتينا إلى بيت سمعان بسبب وسعه وإمكانية استيعاب المزيد من الضيوف. وهنا أيضاً انهمكت أختي مرثا بخدمة الضيوف كعادتها كان أخي لعازر أيضاً حاضراً وجالساً مع الضيوف الذين جاؤوا لرؤيته عندما سمعوا أن يسوع أقامه من بين الأموات. وبذلك جاؤوا إلى المعرفة وتحققوا بأن يسوع هو بالحقيقة المسيح الآتي إلى العالم وآمنوا به.

كيف بإمكاني أن أبرهن عن شكري ومحبتي ليسوع؟ لا شك أن أفضل وأثمن شيء عندي يجب أن يخصه. وهكذا جلبت المنا من طيب ناردين خالص كثير الثمن. كان من العادة أن يُرشّ شعر الضيوف الذين يُراد إكرامهم بهذا الطيب. وأنا أردت بدوري أن أكرم يسوع بلا قيد أو شرط. تاق قلبي إلى أن يعبّر عن شكري للمعلم لأجل ما عمله لي ولأختي وأخي. لا شيء يغلو لأجله مهما كثر ثمنه. أردت أن أعطيه كل شيء. وهكذا دهنت قدمي يسوع بهذا الطيب. ومن حيث أنه لم يكن معي منديل. مسحت قدميه بشعري الطويل. فامتلأ البيت من رائحة الطيب. وكانت رغبتي أن يصبح هذا الطيب الغالي الثمن ذو الرائحة الطيبة ليسوع ومحيطي.

ولكنّ أحد تلاميذه وهو يهوذا انتقد عملي. وقال مستنكراً: «لِمَاذَا لَمْ يُبَعْ هٰذَا ٱلطِّيبُ بِثَلاَثَمِئَةِ دِينَارٍ وَيُعْطَ لِلْفُقَرَاءِ؟» (يوحنا 12: 5). كانت نيّة يهوذا بعكس ما حرّكني تماماً - محبتي لا تحاسب - المحبة تبذل بسخاء. وهكذا عبّر يهوذا بكلامه عن عدم المحبة التي تعني نفسها وليس يسوع. رأى في عملي تبذيراً بلا معنى فقط. ندم على المال الذي بحسب رأيه طُرح لأجل لا شيء. هو سعّر القارورة وقدّر ماذا نقدر أن نعمل بالثمن قائلا: «يُعطى للفقراء». وفي الواقع فإنه لم يبال بالفقراء بل بالمال. كان سارقاً مؤتمناً على الصندوق وما يُلقى فيه. محبة المال هذه والعمل الغير الشريف جلبت ليهوذا الدمار في النهاية. لم يهمني انتقاد يهوذا إذ وجدت سروري بإكرام يسوع ومحبته وخدمته بكل ما عندي.

قبل يسوع تقدمتي بكل سرور ووقف مدافعاً عن عملي وأجاب يهوذا والتلاميذ كلهم: «ٱتْرُكُوهَا. إِنَّهَا لِيَوْمِ تَكْفِينِي قَدْ حَفِظَتْهُ، لأَنَّ ٱلْفُقَرَاءَ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مَعَكُمْ فِي كُلِّ حِينٍ» (يوحنا 12: 7 و8). آلمتني كلماته ورنّت في أذني كوداع وموت. لقد ذكّرني بهدوء: «الانفصال يأتي، كوني شجاعة!» ولكن علامة محبتي وتقدمتي الكلّية كانت بلسماً للنفس الذي أنعشه في آخر مرحلة من حياته على الأرض.

مسابقة «مريم»

عزيزي القارئ،

نرجو أن تكون قد استمتعت بقراءة هذا الكتيّب، لذلك نأمل بالإجابة على الأسئلة التالية مع كتابة اسمك وعنوانك الكاملين وبخطٍ واضح:

  1. ماذا منع مريم عن مساعدة أختها؟

  2. كيف أثرّت كلمات يسوع على مريم؟

  3. لماذا لم تدافع مريم عن نفسها؟

  4. المهم هو واحد! ما هو؟

  5. لماذا كانت مريم مبذّرة؟

  6. هل كان انتقاد يهوذا بحقّ؟

  7. ماذا تتعلم من هذه القصة لحياتك الشخصيّة؟

مرثا

لوقا 10: 38-41 ويوحنا 11: 14-12: 2

بيتٌ ملآن بالضيوف الكثيرين! هذا ما أحببته كامرأة شرقية لأننا نفرح بالضيافة المشهورة عندنا جداً! كنا في جوّي الحقيقي لأن اليوم كان بالنسبة إليّ يوم عيد. يسوع مع تلاميذه جعلني أدعوه إلى بيتي. أي بيتنا، لأني لم أسكن البيت في بيت عنيا لوحدي بل كان معي أختي مريم وأخي لعازر. ومن حيث أنني كنت الكبرى فلقد استلمت بفرح واجبات الضيافة. كان لي الشرف العظيم أن يكون يسوع ضيفي. سمعنا الكثير عن تعاليمه وعجائبه. ولكن أن نسمعه ونراه ونستضيفه في بيتنا كان حدثاً عظيماً. مريم وأنا أحببنا يسوع منذ زمن طويل. فعلى المحبة أن تتجلى الآن. كنت أفرح بطهي الطعام وخاصة عندما كانت أختي مريم تقف دائماً إلى جانبي بأمانة. وهكذا بدأت العمل بحماس. ولكني سرعان ما شعرت بأني مكلفة أكثر مما في وسعي. فانتظاري مساعدة مريم خيّب ظني. أصبحت ثائرة الأعصاب لا بل غاضبة. أتعبت نفسي في المطبخ بينما جلست أختي عند قدمي يسوع صاغية لأقواله. ألم تفكر بتاتاً بالواجبات. تركتني وشأني! وقفت عند موقد الطبخ الحار وحضّرت الطعام وكنت أغلي في داخلي. كانت مريم وحدها سبب إثارتي النفسية. هذا بكل تأكيد. شعرت بأنني مطروحة إلى جانب ومرفوضة من الشركة. لا أحد ساعدني ولا أحد اهتم بي وكنت منسيّة من الكل. اعتراني الرثاء لنفسي. حتى أن مريم لم تنتبه إلى صوت غطاء القدر (الطنجرة). ولم تلاحظ نظرتي العابسة. ركّزت فكرها في يسوع وكلماته فقط. لم يبال يسوع بأن مريم تركتني لوحدي في العمل والخدمة لأجله وحده. وكان أيضاً من غير المألوف أن يجعل يسوع المعلم امرأة تلميذة له بينما الأحبار لم يفسروا التوراة أمام النساء. كان عليه أن يزجر مريم من قبل. ليس لها الحق أن تجلس مع الرجال. والحق يقال كان بودّي أنا أن أجلس عند قدمي يسوع ولكنني لم أقدر أن أفعل هذا، لم يكن لي الوقت إذ كنت مشغولة جداً لأجله. لقد ازداد عدم هدوئي وهيجاني ولم أقدر أن أوقف سُخُط قلبي. ذهبت إلى يسوع وأنا مضطربة وعالمة أنه قادر بكل تأكيد أن يحل نزاع قلبي ويوضّح لمريم ما كان مستحيلاً عليّ توضيحه. لهذا السبب قلت ليسوع معاتبة: «يَا رَبُّ، أَمَا تُبَالِي بِأَنَّ أُخْتِي قَدْ تَرَكَتْنِي أَخْدِمُ وَحْدِي؟ فَقُلْ لَهَا أَنْ تُعِينَنِي!» (لوقا 10: 40).

فوجئت جداً بقول يسوع: «مَرْثَا مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلٰكِنَّ ٱلْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَٱخْتَارَتْ مَرْيَمُ ٱلنَّصِيبَ ٱلصَّالِحَ ٱلَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا» (لوقا 10: 41 و42).

أما أنا ففكرت بأن يسوع سيحمدني ويقدّر اجتهادي ويعاتب مريم. ولكنه عوضاً عن ذلك قال: «مرثا مرثا أنت...» لم يكن اللوم على مريم لأجل تصرفاتي بل عليّ أنا بنفسي. ليست هي بل أنا عليّ أن أغيّر نفسي. كيف أفهم هذا؟ ماذا أراد يسوع أن يقول لي بهذا؟ وبدون تساؤل فقد أردت أن أحضر أفضل شيء لضيوفي. ولكن - وهذا كان صحيحاً - أُخذت كلياً بأعمال الضيافة والخدمة وحدها. حتى أني لم أسمع أقوال يسوع. لومه لي قادني إلى الوعي بأن عملي حوّلني عن بركة هذه الزيارة. هذه الساعات القلائل مع يسوع كان علي أن أنتهزها بالأكثر لمنفعتي. فالمهم في الأمر ليس ما أعمله أنا ليسوع بل ما يعمله هو فيّ. لقد كان لأختي مريم حاسة رقيقة لتعرف متى وقت الراحة وسماع كلام الله ومتى وقت الخدمة. والآن فهمت يسوع، هو لامني ليس لأني خُدِمت، بل لأني الآن خَدَمت. لم أميّز اللحظة التي فيها يخدمني بواسطة كلمته. رأى يسوع كيف أني تحت ضغط أعمالي الكثيرة تهاونت عن سماع كلمته حيث كان مستعداً أن يعطيني قوة لحياتي. مَن يمتلئ في الهدوء فقط يقدر أن يعطي في أعمال النهار. كم يكون الإنسان مشغولاً للرب ولكنه ينسى الشركة الشخصية معه. إن كان ينقصنا السماع يومياً إلى كلمات الله نفتر سريعاً في الخدمة لأجله ونصبح بلا رغبة ونفقد شجاعتنا. حقاً اختارت مريم النصيب الصالح، منها أتعلّم.

مرضٌ مفاجئ أصاب أخانا لعازر وملأ قلوبنا هماً. كنا نعتني به نهاراً وليلاً بلا كلل. بذلنا قصارى جهدنا لننعشه ونريحه. ولكن مجهوداتنا ذهبت سدى. ارتفعت الحرارة وزاد المرض وأصبح في خطر. ماذا كان بإمكاننا أن نفعله لنساعد أخانا الحبيب؟ «لو كان يسوع ههنا ووضع يديه الشافيتين عليه!» كم مرة قلنا هذا بعضنا لبعض. وأخيراً عزمنا، مريم وأنا، أن نرسل خبراً ليسوع. قلنا له بواسطة الرسول: «صديقك لعازر مريض جداً!» كنا مسرورين لأن يسوع كان يعلم كل شيء. إنه يساعدنا ولا يتركنا في حزننا لوحدنا. اتكلنا عليه في هذا!

ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان. مات أخونا لعازر. يسوع لم يكن هنا. لماذا؟ هو أحب أخونا، ولعازر آمن به. لماذا لم يأت في حينه؟ لم نقدر أن نفهم هذا. ولكن ثقتنا به لم تتزعزع.

بعد أن انتشر الخبر بأن لعازر قد مات امتلأ بيتنا بالضيوف. فكل الأقارب والأصدقاء جاؤوا ليعزّونا وأقاموا النواح. في خلال 24 ساعة اضطررنا أن نودع أخانا ونحمل جثمانه إلى القبر. وكما هي العادة المتبعة في بلدنا جاء وذهب المعزّون وساعدونا وعزّونا في وحدتنا. وهذا دام أسبوعاً كاملاً. وكذلك جاءوا من أورشليم التي تبعد 3 كيلومترات وصعدوا إلى بيت عنيا ليشاركونا حزننا. ومع هذا عليّ أن أقول بأن هؤلاء المعزّين البشريين الذين عزّونا بمحبة وقصدوا لنا الخير لم يعزّونا الكفاية. لو كان يسوع هنا لكان أعطانا التعزية التي نحن بحاجة إليها. تألمت كثيراً من غياب يسوع ووجدت غموضاً وصعوبة في عدم مجيئه عندما أرسلنا له الخبر.

ولكن فجأة جاء خبر غيّر حالتنا النفسية: «يسوع في طريقه إلى بيت عنيا». لا شيء قدر أن يمسكني عن الإسراع لملاقاة يسوع. وأخيراً قدرت أن أقول له ما كان يحزّ في نفسي ويضايقني: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هٰهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي» (يوحنا 11: 21). في حضور يسوع لم يكن سلطة للموت، هذا ما عرفته. كانت ثقتي به بلا حدود. والآن أيضاً ليست حدود لمساعدته. لهذا السبب قلت له أيضاً: «لٰكِنِّي ٱلآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ ٱللّٰهِ يُعْطِيكَ ٱللّٰهُ إِيَّاهُ» (يوحنا 11: 22). فأجابني يسوع بوعد صريح: «سَيَقُومُ أَخُوكِ» (يوحنا 11: 23). الآن سيقيم يسوع لعازر إلى الحياة! لم أجرؤ على تفكير هذا الفكر الجريء إلى نهايته. أراد يسوع بكل تأكيد أن يلفت نظري إلى القيامة في يوم الدينونة. لهذا السبب قلت له: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي ٱلْقِيَامَةِ، فِي ٱلْيَوْمِ ٱلأَخِيرِ» (يوحنا 11: 24). كان لي تعزية كبرى أن أعرف هذا ولكنه كان رجاء يقع بعيداً في المستقبل.

وهنا جلب يسوع بكلمة جبارة المستقبل إلى الحاضر. حوّل نظري إليه وقال لي: «أَنَا هُوَ ٱلْقِيَامَةُ وَٱلْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى ٱلأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهٰذَا؟» (يوحنا 11: 25 و26).

والآن أدركت الشيء الحاسم. القيامة والحياة لا تقع في مكان ما في نهاية أيامنا. كلا، كل هذا يقع في شخص يسوع الذي هو القيامة والحياة بذاته.

سؤال يسوع لي: «أتؤمنين بهذا» أصابني في الصميم. كان لي كأنه يسألني: «أتؤمنين أيضاً بالنظر إلى قبر أخيك مع أني أمسكت نفسي ولم أوفر عليك موت أخيك؟». «نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ، ٱلآتِي إِلَى ٱلْعَالَمِ» (يوحنا 11: 26).

فوجئت أن أسمع نفسي أتكلم بكلمات كهذه، ولكن هذه الشهادة كانت أعمق اقتناعاتي. هدوء داخلي ورجاء حيّ ملآني من جديد. أسرعت إلى مريم لأجعلها تقابل هي أيضاً يسوع. وعليها هي أيضاً أن تجد عند يسوع كما أنا تأكيداً لإيمانها وتعزية وسلاماً. همست في أذنها سراً: «المعلم قد حضر وهو يدعوك». ومع الأسف فإنها لم تقدر أن تتكلم وحدها مع يسوع لأن المعزّين تبعوها.

والآن وقف يسوع عند القبر. تشوّق وهدوء متوتر سيطر على الشعب. التلاميذ ومريم وأنا وقفنا عند يسوع. ماذا يعمل الآن يا ترى؟ بصوت ذي سلطة مخوّلة أمر: «ٱرْفَعُوا ٱلْحَجَرَ» (يوحنا 11: 39). كان لعازر موضوعاً في قبر حجري مغلقاً بحجر كبير. فصرخت منزعجة: «يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ» (يوحنا 11: 39). اكتنفني فزع من سلطة الموت المنظورة عوضاً عن أن أنظر إلى يسوع الذي شهد بأنه القيامة والحياة. نظرت مرتعبة إلى مغارة القبر التي تحوي فقط شيئاً فظيعاً. استعادني يسوع إلى الإيمان إذ التفت نحوي وقال: «أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ ٱللّٰهِ» (يوحنا 11: 40).

والآن صمّمت أن أثق بكلمات يسوع دون قيد أو شرط وكذلك وثقت بكلمته وبالسلطة المخوّلة له من الله التي لم تجعل من الموت ولا من التعفن الرِّمّة. أردت أن أؤمن لأرى مجد الله وليس هول الموت. وهكذا سمحت لهم دون معارضة أن يرفعوا الحجر عن باب القبر. وبعدما رفعوا الحجر نظر يسوع إلى السماء وصلى: «أَيُّهَا ٱلآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلٰكِنْ لأَجْلِ هٰذَا ٱلْجَمْعِ ٱلْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي» (يوحنا 11: 41 و42). ثم صرخ بصوت عظيم ومتأكداً من النصر: «لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً» (يوحنا 11: 43). بتوتر منقطع النفس تحوّل نظري إلى القبر الحجري. شيء لا يصدّق، ولكنه حقيقي، خرج لعازر وقد رُبطت يداه ورجلاه بأقمطة ولُف وجهه بمنديل. لقد كانت هيئته الملفوفة بالأقمشة البيضاء مرعبة. ارتعشت من الهيجان ومن الفرح في كل جسمي. وقفنا كلنا جامدين منذهلين. وعندها طلب يسوع من الناس الصامتين بوعي قائلاً: «حُلُّوهُ وَدَعُوْهُ يَذْهَبْ» (يوحنا 11: 44).

امتلأ قلبي هتافاً وشكراً وترّنمت مع صاحب المزمور مرددةً: «عَظَّمَ ٱلرَّبُّ ٱلْعَمَلَ مَعَنَا وَصِرْنَا فَرِحِينَ» (مزمور 126: 3). والآن حصلت على التأكيد لي رب ومخلص من الحياة والموت. يسوع هو القيامة والحياة. هو الحق الكامل. المجد لله والحمد والتسبيح لأجل هذا!

مسابقة «مرثا»

عزيزي القارئ،

نرجو أن تكون قد استمتعت بقراءة هذا الكتيّب، لذلك نأمل بالإجابة على الأسئلة التالية مع كتابة اسمك وعنوانك الكاملين وبخطٍ واضح:

  1. متى كانت مرثا في مجالها الطبيعي؟

  2. لماذا شعرت مرثا بأنها مكلّفة أكثر مما في وسعها؟

  3. لماذا اختارت مريم النصيب الصالح؟

  4. كيف آتي إلى خدمة مفرحة؟

  5. من كان لعازر؟ لماذا كانت مرثا ومرث قلقتين عليه؟

  6. كان بإمكان يسوع أن يقيم الموتى إلى الحياة. لماذا؟

  7. ما هو جوابك الشخصي على سؤال يسوع: «أتؤمن بهذا»؟


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany