العودة الى الصفحة السابقة
نساء في الكتاب المقدس

نساء في الكتاب المقدس

مريم أم يسوع

دورا بك


Bibliography

نساء في الكتاب المقدس: مريم أم يسوع. دورا بك. Copyright © 2007 All rights reserved Call of Hope. الطبعة الأولى . 1996. SPB 7385 ARA. English title: Mary the Mother of Jesus. German title: Maria die Mutter Jesu. Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

مريم أم يسوع

بعد نحو ألف وأربع مئة سنة من موت مريم أخت هارون، عاشت في مدينة الناصرة عذراء اسمها مريم، كانت مخطوبة لنجار ناصري فقير اسمه يوسف. وقد صارت مريم العذراء هذه أعظم امرأة في التاريخ، تطوّبها جميع الأجيال.

1- إعلان ولادة المسيح

ساد السكون حولي، ولكن أفكاري وشعوري تواردت بسرعة جنونية في داخلي. من أنا حتى اختارني الله ودعاني لأكون أُمَّ ابنه؟ أنا المنتسبة الى أسرة كهنوتية فقيرة، وأسكن في الناصرة القرية الحقيرة، التي يقطن فيها القلائل من النبلاء وأشراف النّسب.

ولكن، ماذا قال ملاك الرب لي حين دخل الى مخدعي؟ قال: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا ٱلْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ» (لوقا 1: 28).

كان غير مألوف ومخالفاً لآداب شعبنا أن يُحيّيني الملاك بصفتي امرأة. ارتعْتُ في أعماقي بسبب كلماته الغريبة. وبنفس الوقت أصبحت على وعيٍ كامل من إثمي تجاه طهارة ملاك الله. حدث لي مثل ما حدث للنبي إشعياء الذي صاح، حين انفتحت السماء أمام عينيه وظهر القليل من مجد الله وقداسته، قائلاً: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ ٱلشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ ٱلشَّفَتَيْنِ» (إشعياء 6: 5).

أما الملاك فعزّاني وقال لي: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ ٱللّٰهِ» (لوقا 1: 30). وعندها تنفّستُ الصُّعداء وملأ الامتنان قلبي. قبلت النعمة التي قدّستني للعمل العظيم الذي أراد الله أن يعمله فيَّ، بكل سرور. كالمنعَم عليها جاز لي عندئذ أن أتلقى البشارة العجيبة الغير معقولة بالنسبة إليّ وهي: «هَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ٱبْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى ٱلأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ» (لوقا 1: 31-33).

فقلتُ للملاك: «كَيْفَ يَكُونُ هٰذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» فأجاب الملاك بلطف: «اَلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ ٱلْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذٰلِكَ أَيْضاً ٱلْقُدُّوسُ ٱلْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ٱبْنَ ٱللّٰهِ» (لوقا 1: 34 و35). كانت هذه البشارة بأكملها لا تزال غير معقولة لديّ. لكن الملاك قال لي بعد ذلك شيئاً واقعياً استطعت أن أفهمه: «هُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِٱبْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهٰذَا هُوَ ٱلشَّهْرُ ٱلسَّادِسُ لِتِلْكَ ٱلْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً، لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى ٱللّٰهِ» (لوقا 1: 36و37). والآن أدركت السرّ وهو: «ليس شيءٌ غير ممكن لدى الله». بهذه الكلمة تمسَّك إيماني. لم يستطع فهمي أن يستوعبها ولم يقدر عقلي أن يدركها، ولكني أردت أن أثق بوعد الله.

كان الإعلان الذي نقله الملاك اليَّ إعلاناً رائعاً. ولكنّه احتوى على عبء ثقيل وُضع على نفسي، أن أصبح أمّاً، لا بل أم مخلِّص العالم كله. هذه مهمّة ذات مسؤولية كبرى لم ينلها إنسان قط قبلي. حدّثني قلبي وعلمت أن هذا الاختيار، لأكون أمّ يسوع، سيجلب عليّ الإهانة والاحتقار والعزلة والإذلال. ولكني كنت مستعدة أن أسير في طريق الطاعة والتسليم لمشيئة الله.

وهكذا أجبت الملاك قائلة: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ ٱلرَّبِّ» أضع ذاتي كلياً تحت تصرّفه، «لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ» (لوقا 1: 38). وبالتالي اختفى ملاك الرب.

كان قلبي متأثراً جداً وغنياً بالنعمة ومليئاً بالفرح. سلَّمت ذاتي كلياً بالايمان لعمل الله وأصبحتُ على وعي كامل من أن أكون أمّاً لابن الله. دبَّ فيَّ الشوق إلى إنسان أحكي له عن اختباري وأنفِّس عن نفسي. مَن هو هذا الانسان يا ترى الذي أَأْتمنه على سرّي العظيم؟ هل أتكلم مع خطيبي يوسف؟ كلا. لا يستطيع أن يفهمني. هل يوجد إنسان بالنسبة إليَّ أفضل من أليصابات نسيبتي؟ لِحُسن حظي لفت الملاك نظري إليها. استطاعت أن تفهمني أكثر من غيرها لأنها كانت في وضعي.

هكذا عزمت على زيارة أليصابات التي كانت تسكن مع زوجها الكاهن في بلدة صغيرة في جبال اليهودية. وبأسرع ما يمكن، وبشجاعة، انتقلت من الجليل إلى اليهودية. كان في الواقع غير معقول في بلدنا أن تكون امرأة شابّة لوحدها خلال السفر دون حماية رجل. لكنَّ ظروفاً فوق العادة تقتضي سبلاً وسرعة فوق العادة.

كلما اقتربت من بيت أنسبائي انقبض قلبي وتساءلت: كيف يستقبلونني عندما يسمعون عن سرّي العظيم؟ وماذا يقولون لي يا ترى؟ هل تَسيءُ أليصابات فهمي وتظنُّ السوءَ فيَّ؟

دخلت الى بيتها وحيَّيت الموجودين بالتحيّة المألوفة: «السلام عليكم». وفي اللحظة التي فيها سمعت أليصابات صوتي امتلأت من الروح القدس وصرخت بصوت عظيم وقالت: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي ٱلنِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! فَمِنْ أَيْنَ لِي هٰذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ٱرْتَكَضَ ٱلْجَنِينُ بِٱبْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ» (لوقا 1: 42-45).

كان لكلامها تأثير رائع، وشعرتُ براحة النفس عندما سمعت أليصابات تنطق بأعمق سرٍّ عندي. كانت كلماتها تعزيةً لي، وإثباتاً وتأكيداً للواقع، وختماً لإيماني. لم يكن إعلان الملاك لي حلماً أو وهماً بل حقيقةً وواقعاً.

الروح القدس الذي ملأ أليصابات ملأني أيضا، فحمدت الله وشكرته من أعماق قلبي قائلة: «تُعَظِّمُ نَفْسِي ٱلرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِٱللّٰهِ مُخَلِّصِي، لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى ٱتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ ٱلآنَ جَمِيعُ ٱلأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي، لأَنَّ ٱلْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَٱسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ ٱلأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ ٱلْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ ٱلأَعِزَّاءَ عَنِ ٱلْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ ٱلْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ ٱلْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ ٱلأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ. عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً، كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لِإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى ٱلأَبَدِ» (لوقا 1: 46-55).

تمتَّعت مدة ثلاثة أشهر بضيافة أليصابات وزكريا، وعشت أوقاتاً ثمينةً في معاشرتهما وفي تبادل الآراء معهما. كانا عزيزين عليَّ.

لكن كان عليّ أن أسير في طريق شاق وأعود إلى بلدتي الناصرة. حدث ما كنت أخشاه. أثبت الجيران أني حامل. أصابتني في الصميم نظرات الاحتقار وكلمات الشتيمة. وقد تألّم أيضاً خطيبي يوسف ألماً يجل عن الوصف تحت وطأة الحقيقة الهائلة بأني حامل. أحسَّ بأني خنته. تجنَّبني خائب الأمل فيَّ وشاعراً بمرارة في نفسه. لم يعد ينظر إليّ. انقطعت علاقتنا الوطيدة. لم يعد يفهمني أعزُّ إنسان لديّ. لكني سلّمت شدّتي لله وأودعت أمري بين يديه، كذلك كرامتي وحماية زيجتي العتيدة. هو يعتني بي ويوجّه كل شيء إلى ما يؤول لخيري. لقد منحني هذا اليقين وهذا التوكل على الله القوة لاحتمال العزلة والإهانة.

ولم يخيِّب الله أملي، بل تدخّل في الأمر. قصد يوسف أن يفسخ خطوبتنا سراً. أراد أن يطيع وصايا الله، ولكنه في الوقت نفسه لم يصدّقني. أجل، أردت أن أتدرّب على الإيمان وأومن دائماً من جديد به. أردت أن أمجّد الله بثقتي به ولا أشكُّ في محبته حتى لو أظلم المستقبل في وجهي وأثقل كاهلي.

لكن يوسف فيما هو مُتفكِّر في كيفية حلِّ مشكلته إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلا: «يَا يُوسُفُ ٱبْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ ٱمْرَأَتَكَ، لأَنَّ ٱلَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ٱبْناً وَتَدْعُو ٱسْمَهُ يَسُوعَ (أي مخلّص)، لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متّى 1: 20و21). استيقظ يوسف من النوم مندهشاً وفعل كما أمره الرب. جاء اليّ وأخذني إليه. ومنذ ذلك الحين كنت في مأمن رجل وقاني من التعيير والازدراء، وكان لي مأوى أحتمي فيه.

2 - ولادة يسوع المسيح

اقتربت ساعة الولادة أكثر فأكثر. وكان الأفضل لي أن أبقى في البيت ولا أغادره. لكن الرب كان قد دبّر الأمر مسبّقاً. كان يجب أن يولد يسوع ابن داود في بيت لحم كما تنبأ النبي ميخا (ميخا 5: 1و2). أراد أوغسطس، القيصر الروماني الذي احتلّ بلدنا بجيشه، أن يفرض ضريبة جديدة. لذلك أمر بأن يُحصي كل المسكونة. وكان على كل واحد أن يذهب إلى مدينة عشيرته ليُكتتب هناك. لذلك اضطررنا أن نهيّىءَ أنفسنا للسفرة الطويلة. تساءلت قلقة: هل أجتاز السفرة الشاقة بحملي الجسدي الثقيل؟ ماذا يحدث يا ترى لو تمّت الولادة في الطريق؟ أين نجد لنا ملجأً نلجأ إليه؟ عندها تذكرت كلمات إليصابات: «طُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ ٱلرَّبِّ» (لوقا 1: 45).

توقّعنا تحديات جديدة في بيت لحم. لم نجد مأوى لنا في المدينة الصغيرة المزدحمة بالناس. وأخيراً نزلنا في اسطبل متواضع. فكرت في نفسي: «هل يولد ابن العليِّ في ظلّ هذه الظروف؟». كانت الليلة مظلمة وباردة. بالكاد كنت ترى النور في الاسطبل. كان الفراش بدائياً. في حالة العوز هذه ولدتُ يسوع ابني البكر. قمّطته وأضجعته في مذود فارغ في الاسطبل.

هل يصبح هذا الطفل الفقير الذي وُلد في الاسطبل المظلم مخلِّصاً يحرِّر شعبنا من جميع خطاياه؟ كاد الشك يساورني. لكنّ الله لم يُحمّلني أكثر مما أستطيع أن أحتمله. مَنَّ عليَّ سريعاً بإثبات قصده لخلاص البشر.

تدافع الرعاة بانفعال إلى إسطبلنا الضيّق. جثوا مندهشين وخاشعين أمام الطفل في المذود. كانت قلوبهم تفيض فرحاً. لذلك أخبرونا بما اختبروه فوق العادة وقالوا: كنا في الحقل نحرس رعيتنا، وإذا ملاك الرب وقف بنا ومجد الرب أضاء حولنا فخفنا خوفاً عظيماً. فقال لنا الملاك: «لاَ تَخَافُوا. فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ ٱلشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱلرَّبُّ. وَهٰذِهِ لَكُمُ ٱلْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطاً مُضْجَعاً فِي مِذْوَدٍ. وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ ٱلْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ ٱلْجُنْدِ ٱلسَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ ٱللّٰهَ وَقَائِلِينَ: ٱلْمَجْدُ لِلّٰهِ فِي ٱلأَعَالِي، وَعَلَى ٱلأَرْضِ ٱلسَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ ٱلْمَسَرَّةُ» (لوقا 2: 10-14). لم نتردّد طويلا. تركنا رعيّتنا وأتينا الى هنا. والآن نرى أن الله تمّم وعده وتحقق كل شيءٍ كما قال الملاك.

بتأثر شديد أصغيت إلى تسبيح الرعاة وتمجيدهم الله لأنّه غيَّر حياتهم في تلك الليلة وملأ قلوبهم فرحاً. وأنا كنت أحفظ جميع هذا الكلام متفكّرة به في قلبي. لم أعد أنساه. كنت على طول الزمن أتذكر بشارة الملاك.

3 - تقديم يسوع للرب في الهيكل

لما مضت أربعون يوماً على ولادة الطفل يسوع، صعدنا به أنا ويوسف إلى أورشليم التي تبعد نحو عشرة كيلومترات عن بيت لحم لنزور الهيكل. أردنا أن نتمّم شريعة موسى. فرض الناموس عليّ في الواقع أن أقدّم حملاً ابن سنة للمحرقة كتقدمة تطهير، وفرخَي حمام لذبيحة الخطية. ولكن من حيث أننا كنا فقراء أُعفينا من تقديم الحمل وقدَّمنا فقط فرخي حمامٍ عوضاً عنه (اللاويين 12). بالإضافة إلى ذلك دخلنا الى الهيكل لنكرّس يسوع لله حسب الناموس (العدد 3: 13و47). لما دخلنا مع الطفل الى أروقة الهيكل المقدسة أسرع إلينا سمعان الشيخ، بمزيج من الفرح. أخذ الطفل على ذراعيه وبارك الله وهو ممتلىء من الروح القدس وقال: «ٱلآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ، ٱلَّذِي أَعْدَدْتَهُ قُدَّامَ وَجْهِ جَمِيعِ ٱلشُّعُوبِ. نُورَ إِعْلاَنٍ لِلأُمَمِ» (لوقا 2: 29-32).

بمزيد من التعجب والتأثر استمعنا أنا ويوسف إلى كلمات سمعان. شكرنا الله لأنه أثبت لنا مراراً وتكراراً، أولاً بواسطة الملاك، ثم بواسطة الرعاة، والآن بواسطة سمعان، أنّ هذا الطفل هو مخلص العالم حقاً. وهو سيتمّم مهمّة عالمية عظيمة لجميع الناس. وعلاوة على ذلك شعرت بعونٍ وتقويةٍ لنا حين وضع سمعان يديه علينا وباركنا. كانت بركة الله أفضل ما واسانا بها سمعان البار التقي. وبهذا أصبح أسهل عليَّ أن أتقبَّل كلمات سمعان الصعبة الكئيبة المتنبّئة التالية: «هَا إِنَّ هٰذَا (الطفل) قَدْ وُضِعَ لِسُقُوطِ وَقِيَامِ كَثِيرِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، وَلِعَلاَمَةٍ تُقَاوَمُ. وَأَنْتِ أَيْضاً يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ» (لوقا 2: 34و35). لم يخطر على بالي آنذاك بأية سرعة ستتحقَّق هذه الكلمة.

4 - الهرب الى مصر

بعد مضيّ بضعة أشهر اختبرنا تشجيعاً جديداً بواسطة زيارة علماء الفلك (المجوس) الذين أتوا من المشرق. لم أكن أتوقَّع بأنَّ كلمة سمعان تتمّ بهذه السرعة وهي: «نور إعلان للأمم»، فهو مخلص العالم كلّه.

لم يخجل العلماء الشرفاء أن يدخلوا إلى مأوانا الوضيع. بكل هيبة ووقار جثوا على ركبهم وعبدوا الطفل. وعقب ذلك قدَّموا هداياهم: ذهباً ولباناً ومرّاً. بكل فرح قصّوا علينا كيف قادهم النجم وهم في طريقهم الطويل إلى أورشليم، ثم إلى بيت لحم.

لم يكد ينصرف علماء الفلك حتى تلقّى يوسف أمر الله في حلم قائلاً له: «قُمْ وَخُذِ ٱلصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَٱهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ ٱلصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ» (متّى 2: 13).

هربنا بسرعة في ظلام الليل. كان علينا أن نقطع شوطاً بعيداً في السير عبر الصحراء. لم أقدر أن أتصوَّر تعريض مولود جديد للخطر أعظم من السير تحت سعير الشمس وفي برد الليل القارس. لكنه لم يبقَ لنا خيار آخر. كانت مسألتنا تتعلَّق بالحياة أو الموت. قصد الملك هيرودس أن يهلك طفلنا بطريقة وحشية. لم يتورَّع في السابق عن قتل بعض أفراد العائلة المالكة لأنه خاف أن يخلعوه عن الملك. وهو يرى الآن في يسوع منافساً له. اختبرنا عناية الله في وسط مشاق الهرب الطويل المدى والأمد. وأخيراً أوصلنا سالمين إلى مصر عبر الصحراء الخطيرة. لم نقلق من جهة ضيق العيش، لأنّ عناية الله بنا بواسطة هدايا علماء الفلك كانت بالغة وملوكية. لم يكن العيش في مصر هيِّناً بالنسبة لنا. الشعب غريب، واللغة لا نفهمها، والعادات غير مألوفة لدينا. وصعَّب هذا علينا السكن في مصر. بالإضافة إلى ذلك لم نكن نعرف كم مدة بقائنا هناك. كنا ننتظر نداء الله، وكنا على استعداد للعودة في كل حين. أوجس قلبي خيفة بأن بعض الضيقات والآلام ستواجهني من أجل يسوع. السيف سيجوز في نفسي مراراً عديدةً.

بعد موت الملك هيرودس ظهر ملاك الرب في حلم ليوسف وقال له: «قُمْ وَخُذِ ٱلصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَٱذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ ٱلصَّبِيِّ» (متّى 2: 20).

بكل سرور أخذت على عاتقي عناء حزم أهمّ متاعنا. كانت الرحلة عبر الصحراء متعبة هذه المرة أيضاً. لكن فرح عودتنا إلى الوطن الذي غبنا عنه طويلاً خفّف عنا مشاق السفر. كانت بيت لحم بالمعنى الصحيح هدفنا المقصود، لكن الله أشار علينا أن نذهب إلى الجليل. وهكذا عدنا إلى الناصرة وطننا القديم.

5 - طفولة يسوع في الناصرة

كنت شكورة لأن مرحلة تجوالنا قد انتهت. مارس يوسف عمله الشاق في النجارة. وأنا أتممت واجباتي اليومية في التدبير المنزلي وكرَّست نفسي لتربية يسوع الصغير. سرَّني بنوع خاص أن أرى كيف تحلّ نعمة الله وحكمته على الصبيّ الناشىء. نما وترعرع كسائر أولاد الناصرة، لكنه مع ذلك اختلف عن أولاد محيطه. بطبيعته اللطيفة، المستعدَّة للخدمة، العطوفة، الصادقة، استمال قلوب الكثيرين.

اقترب اليوم الذي اشتقنا إليه منذ زمن طويل. بلغ يسوع الثانية عشرة من عمره. في هذه السنة اختبر حدثاً سعيداً بالنسبة إليه وإلى عائلتنا. لأول مرّة سُمح له أن يذهب إلى أورشليم ويدخل الهيكل لينضمّ إلى الطائفة اليهودية. انتهت سنوات طفولته وانتقل إلى مرحلة الشباب. سافرنا مدة ثلاثة أيام من الناصرة إلى أورشليم مع أقربائنا ومعارفنا لنقدّم القرابين في الهيكل ونعبد الله.

بعدما أكملنا أيام العيد شرعنا في العودة إلى الناصرة. كان بديهياً ليوسف ولي أن ينضمَّ يسوع إلى فرقتنا. لكنه كما أثبتنا ذلك فيما بعد لم يفعل هذا. أَلم أفهم في صخب أيام العيد ما كان يجول في خاطر الصبي؟ لماذا لم يرافقنا في طريق العودة؟ أين يمكن أن يكون؟ فتَّشنا عنه مدة ثلاثة أيام في يأس، وكنا محتارين في أمرنا. وأخيراً وجدناه في رواق الهيكل جالساً في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم في الأمور اللاهوتية. كان قد نسي الوقت وميعاد العودة إلى وطنه. وجد هنا فرصة سانحة للإجابة على أسئلة حركت قلبه وحواسَّه. وإنّ أسئلته العميقة أثارت الدهشة في عقول المفكرين المختبرين. أما أنا فكنت مرتاعة، واضطررت أن أدرك أن يسوع تجاوز سنَّ الصبوَّة. عاش بأفكاره في عالم آخر. جلس في وسط الكتبة وكأنه واحد منهم. هناك كان مكانه. لما سمع صوتي رفع عينيه مندهشاً، فقلت له: «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هٰكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!» . فقال لي: «لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟» (لوقا 2: 48و49). كان جوابه لي مجدداً بمثابة معرفة آلمتني. لم يعد لي حقّ على ابني. انتُزع مني. علَّمني بنفسه قائلاً: أنا أخصُّ أبي وعليّ أن أبقى عنده. وضع خطّاً فاصلاً في معرفته: ليس يوسف بل الله هو أبي. وهذا السرّ طبع حياته التالية بطابعه. كان أبوه السماوي محور أفكاره ومشاعره وأقواله وأفعاله كلها.

أُعيد يسوع إليّ ظاهرياً. نزل معنا وجاء الى الناصرة وكان خاضعاً لنا. لكنّ الله أوضح لي بما شاهدته وسمعته في الهيكل أن هذا الصبي ليس لي بل لله أبيه وحده.

6 - العرس في قانا الجليل

مرّت سنوات كثيرة اشتغل فيها يسوع كنجار، وساهم في إعالة عائلة كانت تكبر أكثر فأكثر. (متى 1: 25، 13: 55 و56، ومرقس 3: 31-35، 6: 3، ولوقا 8: 19-21، ويوحنا 2: 12).

شعرت في السنوات التالية بأكثر وضوح كيف يُنتزع يسوع مني. مقامه لم يكن على هذه الأرض. انحدر من عالم آخر. وهب حبَّه لأبيه السماوي. خطرت ببالي أحياناً الأسئلة التالية: متى يبرز ويُري الناس أنَّه مخلِّص العالم ونور الأمم؟ لماذا لم يشهد علانية بأنّ الله أبوه؟ كان عليَّ أن أتعلّم مجدداً أن أنتظر ساعة الله بالايمان والصبر.

وجاء الميعاد الذي عيَّنه الله. ابتهج قلبي بمواهب ابني الروحية وحكمته الفائقة حين شرع في تجميع تلاميذه حوله. لكنه آلمني بنفس الوقت أنه ترك بيتنا وابتعد عني.

بعد ذلك بوقت قصير عُدت والتقيت بيسوع في عرس قانا الجليل. سررت بجماعة التلاميذ التي انضمَّت إلى ابني. كنت فخورة أن أكون أماً لابنٍ مثل هذا.

لاحظت أثناء حفلة العرس أنّ المضيفين أصبحوا في حرج إذ نفدت الخمر. وعندها أتتني الفكرة أن ابني لا بدّ أن يعرف مخرجاً من هذا المأزق الحرج. باستطاعته أن يساعد متى اقتضى الأمر. كان في بيتنا على الدوام مستعداً للمساعدة. ذهبت إليه في الحال وقلت له: «لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ» . فأجابني بوضوح: «مَا لِي وَلَكِ يَا ٱمْرَأَةُ! لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ» (يوحنا2: 3و4).

السيف الذي تكلَّم عنه سمعان، نفذ مجدّداً إلى نفسي. كان عليَّ أن أدرك أني كأمّ لا أقدر أن أقوم بدور الأُم الوليَّة عليه فيما بعد. كانت واجباته تختلف كلياً عن واجباتي. أراد أن يفعل ما كلَّفه أبوه السماوي به فقط. لذلك تُهْمَل مطالب البشر بالنسبة إليه. لكني فهمت من جوابه أنَّ ساعة إظهار سلطانه ستأتي حتماً. إنها فقط لم تكن قد دَنَت في هذه اللحظة. أراد يسوع أن ينتظر أباه مطيعاً إلى أن يُريه الساعة الحاسمة. لذلك قلت للخدام الذين كانوا مسؤولين عن الضيافة: «مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَٱفْعَلُوهُ» (يوحنا 2: 5). بهذا أردت أن أوضح لهم أن يسوع سيجد طريقةً ما ليُخرجهم من مأزقهم الحرج. وما عليهم إلا أن يتَّجهوا صوبه. لم يكن لي داعٍ للوساطة بعد.

أطاع المساعدون في حفلة العرس كلام يسوع دون تردّد حين كلَّفهم فيما بعد بالتكليف الغريب في هذا الأمر وقال لهم: «املأوا الأجران الستة ماء». فملأوها إلى فوق. وإنّ طلبه التالي بدا لهم أكثر إبهاماً حين قال لهم: «ٱسْتَقُوا ٱلآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ ٱلْمُتَّكَإِ» (يوحنا 2: 7و8). لبّى الخدام أوامره بالتمام فحدثت عجيبة التحويل. تحوَّل الماء خمراً. امتلأ قلبي دهشةً وعبادةً وشكراً. شرع الله في إتمام مواعيده وأظهر مجده في يسوع. أظهر يسوع سلطانه فآمن به تلاميذه.

في الأسابيع التي تلت العرس في قانا الجليل بلغت أذنيَّ أخبار جديدة عن يسوع. أقام في بلدة كفرناحوم عند بحيرة طبرية. تزاحم الكثيرون من الناس حوله. شفى المرضى بطرق عجيبة. أصبح العمي يبصرون والبُرص يطهَّرون وحتى الموتى أقامهم من الموت. ذاع صيته في كل الجليل واليهودية. أسعدني كل ما سمعته عنه.

7 - محاولة مريم إنذار يسوع

لكنه كلما أطال مدة خدمته للناس، ساورني القلق أكثر فأكثر. سمعت أخباراً عنه تدعو إلى القلق. قيل لي إنه يكشف من غير هوادة عيوب جميع طبقات شعبنا وخطاياهم. أزاح قناع الرياء في الدين عن وجوه الأبرار بحسب الناموس. ماذا تكون النتيجة يا ترى إذا وقف الكهنة والفريسيون ضدّه جهراً؟ كان عليَّ أن أنذره وأتكلم معه. قال إخوته عنه: «فَقَدَ عقله». الأفضل أن نُعيده إلى بيتنا في الناصرة. هنا يمكنه أن يلجأ إلى السكينة. كما سمعت، لم يجد يسوع الوقت الكافي لتناول طعامه وشرابه بانتظام. لما وصلنا الى كفرناحوم كان بيته غاصّاً بالناس. كان مستحيلاً علينا أن نشقَّ طريقنا بين المحتشدين ونَصِل إليه. لذلك طلبت إلى أحد أصدقائه أن يبلغه قائلا: «هُوَذَا أُمُّكَ وَإِخْوَتُكَ خَارِجاً يَطْلُبُونَكَ» . لكنه أعطى الصديق جواباً ثاقباً وقال: «مَنْ أُمِّي وَإِخْوَتِي؟ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ ٱللّٰهِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي» (مرقس 3: 32-35).

لم يستجب يسوع لطلبي، ولم يخرج إليَّ مع أني اشتقت أن أراه وأكلّمه مرة أخرى. كان صعباً جداً عليَّ كأم أن أطلقه مراراً وتكراراً وأضعه تحت تصرّف الله لإتمام مُهمَّته. كان لكلامه تأثير مَهانةٍ لي. أعلن أمام المحتشدين كلهم أنه قطع بصورة نهائية رباط القرابة الأرضية. كان ينبغي أن تقوم مقامها قرابة روحية أسمى منها، استطعت أنا أيضاً أن أشترك فيها إذ انضممت إلى جماعة أولئك الذين يقولون من صميم قلوبهم: «أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلٰهِي سُرِرْتُ» (المزامير 40: 8).

كان عليّ أن أتذكّر من جديد أمل واستبشار سمعان الشيخ. نفذ السيف مرة أخرى الى نفسي مؤلماً. كنت مستعدّة أن أفهم وضعي بطريقة أفضل وحاولت أن أتنازل عن جميع حقوق الأُمومة وشعوري الإنساني. هل بإمكاني أن أُتمّم هذا الواجب كاملاً؟

8 - موت يسوع على الصليب

كان لقلقي أساسٌ من الصحة. أراد الكهنة والفريسيون أن يقتلوا ابني. وضعوا خططاً وهيَّجوا الشعب ضدَّه. لقَّبوه بمضلّل الشعب، وقالوا إنه قد أصابه مَسٌّ من الشيطان. آلمني هذا غاية الألم، لأنه حصد البغض وليس إلا البغض، مع أنه زرع الحبَّ فقط في قلوب الشعب وصنع الحسنات له. وأنا بصفتي امرأة وجدتُ نفسي مكتوفة اليدين أمام مجرى الأحداث. كاد أحد الرجال الذين منحهم يسوع الشفاء والمعرفة أن يبذل كل ما في وسعه لينقذه. صرخ قلبي إلى الله قائلاً: لا يمكنك أن تسمح بأن يقتل يسوع، لقد قُلتَ لي بواسطة الملاك جبرائيل: «هٰذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَٱبْنَ ٱلْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ ٱلرَّبُّ ٱلإِلٰهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ» (لوقا 1: 32). لم أعد أفهم طرق الله. لوى قلبي من الألم لأن الله كما يظهر لم يعد يتمّم مواعيده. لم أستطع شيئاً إلا أن أذهب الى أورشليم. أردت أن أكون بالقرب من يسوع. لم تعفني الآلام من هموم كثيرة وأنا في طريقي مع يسوع. تألمت معه جسدياً ونفسياً. سمعت كيف ألقوا القبض عليه واستجوبوه وعذّبوه وحكموا عليه بالموت على الصليب. هزَّني الهول والفزع من جرّاء الأساليب التي اتخذوها لتعذيب يسوع. لماذا صمت الله وسمح بأن يحدث هذا كله؟

تدافعتُ برفقة أختي، ومريم زوجة كليوباس، ومريم المجدلية إلى قاعدة الصليب. ووقف إلى جانبنا يوحنا الشاب. ذاق يسوع أمَرَّ العذاب. انتبه إليَّ وصوَّب بصره نحوي. حدَّثه قلبه بأني أتألم معه. رأى المصير المرّ الذي كان ينتظرني كأرملة، وأم شاب حُكم عليه بالموت. بصفته ابني البكر لم يقدر بعد أن يساعدني بنفسه. لم يترك لي وسائل المعيشة. لذلك التفت إليَّ معزّياً إيّاي بقوله: «يَا ٱمْرَأَةُ، هُوَذَا ٱبْنُكِ» . ثم قال لتلميذه يوحنا: «هُوَذَا أُمُّكَ» (يوحنا 19: 26و27). بالرغم من اهتمامه بي نفذ سيف سمعان الشيخ مرة أخرى إلى نفسي. الآن أيضاً في ساعة موته لم يدعُني «أمّهُ». ماتت الأُمومة فيَّ كلياً وبقيت فيَّ «التلمذة» فقط.

سمعت صرخة العذاب التي انطلقت من فمه: «إِلٰهِي إِلٰهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (متّى 27: 46). وأنا أيضا صرخت في نفسي في نزاع ويأس: إلهي لماذا تركتني؟ لماذا قُدتني في طريق مرير كهذا؟

لكني سمعت بعد ذلك صرخة يسوع: «قَدْ أُكْمِلَ» (يوحنا 19: 30). وفي النهاية صلّى قائلاً: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي» (لوقا 23: 46). لم أستطع آنذاك أن أفهم معنى هذه الكلمات كلياً. لكنها أيقظت فيّ رجاءً كامناً. دعا يسوع الله في النهاية «أباه». ذهب إلى ذاك الذي من عنده أتى. وعندها نكّس يسوع رأسه وأسلم الروح.

9 - قيامة يسوع ونتائجها

كانت الساعات والأيام التالية صعبة بالنسبة إليّ. لكني في أيام الحزن والدموع هذه عرفت ابني كمخلّصي. سفك دمه لأجلي أيضاً وخلّصني. قام من بين الأموات ليمنحني أنا أيضاً حياة جديدة.

خمسون رجلاً، والتلاميذ، وبعض النساء اللواتي آمنَّ بيسوع وخلاصه الكامل كانوا يجتمعون معاً وتكراراً للصلاة. وأنا التحقت بأولئك الذين انتظروا تحقيق مجيء الروح القدس في علّية بيت في أورشليم. كان يسوع قد قال لنا قبل أن يصعد إلى مجد أبيه: «سَتَنَالُونَ قُّوَةً مَتَى حَلَّ ٱلرُّوحُ ٱلْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُوداً» (أعمال الرسل 1: 8، 13 و14).

سرّني جداً أنَّ جميع أولادي جاؤوا إلى جمعية الصلاة الخفية المنتظرة. ليس فرح لأمّ مؤمنة أعظم من هذا، وهو أن تقول لله مع الشكر: «هَئَنَذَا وَٱلأَوْلاَدُ ٱلَّذِينَ أَعْطَانِيهِمُ ٱلرَّبُّ» (إشعياء 8: 18).

لما جاء عيد العنصرة نلنا قوة الله بواسطة الروح القدس. بهذا منحنا يسوع المقام من بين الأموات حياته الأبدية وبنفس الوقت أعطانا سلطاناً لنكون شهوداً له.

استعادةً لحياتي الماضية يجوز لي أن أشهد بما يلي: كان اختياري لأُصبح أم يسوع عظيماً. بالمثل كانت آلامي عظيمة. أدّى طريقي عبر الآلام الى المجد. كان لي نصيب في فرح يسوع وكان لي امتياز أن أحتفل بانتصاراته. خلاصه الرحيم وسلطان محبته يشملان شعوب الأرض كلها.

مسابقة الكتاب

أيها القارئ العزيز،

إن تعمقت في قراءة هذا الكتيب تستطيع أن تجاوب على الأسئلة بسهولة. ونحن مستعدون أن نرسل لك أحد كتبنا الروحية جائزة على اجتهادك. لا تنسَ أن تكتب اسمك وعنوانك كاملين عند إرسال إجابتك إلينا، داخل المظروف، وليس خارجه فقط.

  1. كم سنة مضت بين موت مريم أخت هارون وولادة مريم العذراء؟

  2. ماذا كانت كلمات التحية التي حيّا بها الملاك مريم العذراء؟

  3. ماذا كانت الرسالة الغريبة التي بشّرها بها؟

  4. تعجّبت العذراء من إعلان الملاك، فطمأنها بإعلانين سماويين. ما هما؟

  5. لماذا كان إعلان الملاك سيجلب على مريم إهانة؟

  6. لماذا سافرت العذراء إلى بيت نسيبتها أليصابات؟

  7. كيف شجّعت أليصابات العذراء مريم؟

  8. ماذا كانت تسبيحة العذراء بعد أن شجَّعتها أليصابات؟

  9. ماذا أراد يوسف النجار أن يعمل لما عرف أن خطيبته حامل؟

  10. ماذا كان إرشاد الله له؟

  11. كانت انفعالات مريم العذراء بخصوص ولادة الطفل في مذود متضاربة. فكيف شجّعها الرعاة؟ وكيف شجّعها المجوس؟

  12. شجّع سمعان الشيخ العذراء بكلمات حلوة. ما هي؟

  13. تألمت العذراء من كلمات قالها سمعان الشيخ. ما هي؟

  14. لماذا أراد هيرودس أن يقتل الطفل يسوع؟

  15. لماذا زار الصبي يسوع هيكل أورشليم في الثانية عشرة من عمره؟

  16. ماذا كان جواب الصبي يسوع عندما قالت له العذراء: «أبوك وأنا كنّا نطلبك مُعذَّبين»؟

  17. قاد الآب السماوي المسيح والعذراء في طريق مرير، (انظر إنجيل متى 27: 46). ما هو؟ وماذا كانت نهايته؟

  18. اكتب الفقرة الأخيرة من الكتاب. واكتب (إن شئت) تعليقاً عليها.

عنواننا:


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D-70007
Stuttgart
Germany