العودة الى الصفحة السابقة
شرح سفر الجامعة

شرح سفر الجامعة

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم

للقس وليم مارش


Bibliography

السّنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم: شرح سفر الجامعة. للقس وليم مارش . Copyright © 2012 All rights reserved Call of Hope. . صدر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بيروت 1973. . English title: . German title: . Call of Hope. P.O.Box 10 08 27 D - 70007 Stuttgart Germany http: //www.call-of-hope.com .

مقدمة

تفتقر خزانة الأدب المسيحي إلى مجموعة كاملة من التفاسير لكتب العهدين القديم والجديد. ومن المؤسف حقاً أنه لا توجد حالياً في أية مكتبة مسيحية في شرقنا العربي مجموعة تفسير كاملة لأجزاء الكتاب المقدس. وبالرغم من أن دور النشر المسيحية المختلفة قد أضافت لخزانة الأدب المسيحي عدداً لا بأس به من المؤلفات الدينية التي تمتاز بعمق البحث والاستقصاء والدراسة، إلا أن أياً من هذه الدور لم تقدم مجموعة كاملة من التفاسير، الأمر الذي دفع مجمع الكنائس في الشرق الأدنى بالإسراع لإعادة طبع كتب المجموعة المعروفة باسم: «كتاب السنن القويم في تفسير أسفار العهد القديم» للقس وليم مارش، والمجموعة المعروفة باسم «الكنز الجليل في تفسير الإنجيل» وهي مجموعة تفاسير كتب العهد الجديد للعلامة الدكتور وليم إدي.

ورغم اقتناعنا بأن هاتين المجموعتين كتبتا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلا أن جودة المادة ودقة البحث واتساع الفكر والآراء السديدة المتضمنة فيهما كانت من أكبر الدوافع المقنعة لإعادة طبعهما.

هذا وقد تكرّم سينودس سوريا ولبنان الإنجيلي مشكوراً - وهو صاحب حقوق الطبع - بالسماح لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى بإعادة طبع هاتين المجموعتين حتى يكون تفسير الكتاب في متناول يد كل باحث ودارس.

ورب الكنيسة نسأل أن يجعل من هاتين المجموعتين نوراً ونبراساً يهدي الطريق إلى معرفة ذاك الذي قال: «أنا هو الطريق والحق والحياة».

القس ألبرت استيرو

الأمين العام

لمجمع الكنائس في الشرق الأدنى

مقدمة سفر الجامعة

«الجامعة» بالعبرانية «فوهلث» ولم ترد هذا الكلمة إلا في هذا السفر. والكلمة مذكر بالمعنى وإن كانت مؤنثاً باللفظ ومعناها من يجمع الناس ليعظهم وهو الواعظ أو كما يقول البعض من يجتمع مع الناس ويشترك معهم في المناقشة. ولعل الاسم «الجامعة» يشير أولاً إلى الكاتب وهو رجل. وثانياً إلى تعليمه وموضوعه الحكمة وهي اسم مؤنث لأن الحكمة مشبهة بامرأة (انظر أمثال 1: 20 وص 8 و9 من أمثال) (انظر بعض الألقاب العربية كجلالة الملك وحضرة القسيس الخ).

اتفق اليهود وآباء الكنيسة والمفسرون القدماء على أن الكاتب سليمان بناء على ما يأتي (1) ما جاء في أول السفر «كَلاَمُ ٱلْجَامِعَةِ ٱبْنِ دَاوُدَ ٱلْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ» (2) ما جاء في 1: 12 «أَنَا ٱلْجَامِعَةُ كُنْتُ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي أُورُشَلِيمَ» و2: 4 - 9 «فَعَظَّمْتُ عَمَلِي. بَنَيْتُ لِنَفْسِي بُيُوتاً الخ» (3) رجاء الكنيسة أن ملكاً وهو ابن داود وحكيم وباني الهيكل ومؤلف جزء من الكتاب المقدس لم يهلك في خطاياه بل إنه رجع إلى الله في آخر حياته وكتب هذا السفر ليحذر الناس من الخطايا التي سقط فيها ويشهد لفوائد الإيمان الحقيقي.

وأكثر المفسرين المحدثين ينسبون هذا السفر إلى كاتب غير سليمان ويبنون رأيهم على ما يأتي (1) لغة الكتاب فإنها تختلف عن لغة سفر الأمثال وسفر نشيد الأنشاد وتشبه لغة الأسفار التي كُتبت بعد السبي (2) إن مضمون السفر لا يوافق ما يُعرف عن أحوال الشعب في زمن سليمان (انظر 4: 1) «رَأَيْتُ كُلَّ ٱلْمَظَالِمِ ٱلَّتِي تُجْرَى تَحْتَ ٱلشَّمْسِ، فَهُوَذَا دُمُوعُ ٱلْمَظْلُومِينَ وَلاَ مُعَزٍّ لَهُمْ، وَمِنْ يَدِ ظَالِمِيهِمْ قَهْرٌ» و5: 8 «إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ ٱلْفَقِيرِ وَنَزْعَ ٱلْحَقِّ وَٱلْعَدْلِ فِي ٱلْبِلاَدِ» و10: 5 - 7 «يُوجَدُ شَرٌّ رَأَيْتُهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ كَسَهْوٍ صَادِرٍ مِنْ قِبَلِ ٱلْمُتَسَلِّطِ. ٱلْجَهَالَةُ جُعِلَتْ فِي مَعَالِي كَثِيرَةٍ، وَٱلأَغْنِيَاءُ يَجْلِسُونَ فِي ٱلسَّافِلِ. قَدْ رَأَيْتُ عَبِيداً عَلَى ٱلْخَيْلِ، وَرُؤَسَاءَ مَاشِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ كَٱلْعَبِيدِ» و10: 16 «وَيْلٌ لَكِ أَيَّتُهَا ٱلأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ وَلَداً، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي ٱلصَّبَاحِ».

وأما في زمان سليمان (1ملوك 4: 20) «وَكَانَ يَهُوذَا وَإِسْرَائِيلُ كَثِيرِينَ كَٱلرَّمْلِ ٱلَّذِي عَلَى ٱلْبَحْرِ فِي ٱلْكَثْرَةِ. يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَفْرَحُونَ» وفي آخر ملكه ثقل على الشعب (انظر 1ملوك 12: 4) ولكنه ليس من المحتمل أن الكلام من جهة الظلم والدموع ونزع الحق والعدل والشر الصادر من قبل المتسلط يكون من سليمان وهو الملك وليس لنا خبر أنه تاب في آخر حياته أو أنه نزل عن العرش فقال «كنت ملكاً الخ». وكل ما قيل هنا يناسب زمان ملوك فارس (انظر ما قيل في سفر أستير في أحشويروش ملك فارس وعبده هامان وانظر ما قيل في تاريخ فارس وما عمل ملوكها من الخلاعة والقساوة والظلم).

وأما من جهة القول في 1: 1 «كَلاَمُ ٱلْجَامِعَةِ ٱبْنِ دَاوُدَ ٱلْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ» فيجاوب أن كاتب السفر جعل كلامه في فم الملك سليمان وصوّر أنه قال ما قيل في (ص 1 وص 2) من جهة اختباره في بطل المجد العالمي وكل الخيرات الجسدية فإن لا أحد يقدر أن يتكلم في هذا الموضوع مثل سليمان لو تكلم. (انظر ما جاء في سفر الحكمة وهي من الأسفار الغير قانونية فإن كاتب هذا السفر ككاتب سفر الجامعة جعل كلامه من فم سليمان) - الحكمة 9: 7 و8 «إنك قد اخترتني لشعبك ملكاً ولبنيك وبناتك قاضياً وأمرتني أن أبني هيكلاً في جبل قدسك ومذبحاً في مدينة سكناك الخ». وبما أن كاتب الجامعة جعل كلامه في فم سليمان هكذا كاتب سفر الحكمة جعل هو أيضاً كلامه في فم سليمان كأنه قال «كان سليمان قال كذا وكذا لو كان حياً».

فيُظن أن سفر الجامعة كُتب منذ نحو 400 سنة ق. م. في زمان مملكة فارس أو بعده قليلاً وكان ذلك الزمان زمان ظلم وانحطاط الشعب وزماناً بلا رجاء كأن الله كان رفض شعبه وترك العالم ليهلك بشرّه.

وموضوع السفر متضمن في الجملة المكررة «باطل الأباطيل الكل باطل» والكاتب جمع من اختباره ومن اختبار سليمان فوائد مختلفة في هذا الموضوع. وتأثير السفر في القارئ هو اليأس أكثر من الرجاء وفائدة السفر هي أن الإنسان لا يجد في خيرات هذا العالم مهما كثرت لذة حقيقية ولا ما يشبع النفس فعليه أن يقبل بالشكر كل ما يعطيه الله وبالصبر كل ما يصيبه من البلايا ويطلب فرحه في حفظ وصايا الله ويثبت في إيمانه بالله وإن كان لا يقدر أن يفهم كل ما يعمله في العالم وموضوع السفر يشبه موضوع سفر أيوب.

إن الكتاب المقدس يناسب جميع الناس على اختلاف طباعهم. وفي أيامنا كما في القديم شرور كثيرة وأمور كثيرة لا نقدر أن نوفق بينها وبين وجود إله قادر على كل شيء وعادل وصالح فالبعض يعثرون ويشكون في جودة الله أو في وجوده فأعطانا الله أسفاراً مثل هذا السفر وسفر أيوب لتعبر عن أفكار هؤلاء المرتابين وتدلهم إلى الصواب. ولا نقول إن كل أقوال سفر الجامعة وسفر أيوب هي من أقوال الله بل البعض منها أقوال الشاك الضعيف الإيمان. والغاية من إدراجها في الأسفار القانونية هي إرشاد المشككين وتشديد إيمانهم.

يستفاد من أسفار العهد القديم ولا سيما أسفار موسى إن الذين يحفظون وصايا الله مدعوون بكل البركات وعلى الذين يخالفونها كل الويلات وأما كاتب سفر الجامعة وكاتب سفر أيوب فرأيا لهذه القاعدة شواذ كثيرة ولم يعرفا كما نعرف نحن أن بركات روحية قد تكون بواسطة مصائب والذين يتعدون ناموس الله وإن نجوا من العقاب في هذا العالم لا ينجون في الآخرة مع أنه في آخر سفر الجامعة تلميح إلى الدينونة بعد الموت إذ قال (12: 14) «لأَنَّ ٱللّٰهَ يُحْضِرُ كُلَّ عَمَلٍ إِلَى ٱلدَّيْنُونَةِ، عَلَى كُلِّ خَفِيٍّ، إِنْ كَانَ خَيْراً أَوْ شَرّاً» و(11: 9) «اِفْرَحْ أَيُّهَا ٱلشَّابُّ فِي حَدَاثَتِكَ... وَٱعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى هٰذِهِ ٱلأُمُورِ كُلِّهَا يَأْتِي بِكَ ٱللّٰهُ إِلَى ٱلدَّيْنُونَةِ» وقوله هذا كسراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار.

اَلأَصْحَاحُ ٱلأَوَّلُ

ذكر الكاتب أولاً اسمه وموضوعه ثم شرح الموضوع بذكر التغييرات غير المنقطعة في الطبيعة التي تمثل أتعاب الناس المتصلة فإنها تأتي وتمضي ولا تأتي بنتيجة ولا تترك أثراً ثم ذكر من اختباره كملك ما يثبت قوله.

1 - 3 «1 كَلاَمُ ٱلْجَامِعَةِ ٱبْنِ دَاوُدَ ٱلْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ: 2 بَاطِلُ ٱلأَبَاطِيلِ قَالَ ٱلْجَامِعَةُ. بَاطِلُ ٱلأَبَاطِيلِ ٱلْكُلُّ بَاطِلٌ. 3 مَا ٱلْفَائِدَةُ لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ ٱلَّذِي يَتْعَبُهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ؟».

ع 12 وص 7: 27 و12: 8 - 10 ع 12 ص 12: 8 ومزمور 39: 5 و6 و62: 9 و144: 4 ورومية 8: 20 ص 2: 11 و3: 9 و5: 16

ٱلْجَامِعَةِ انظر المقدمة. إن سليمان جمع الشعب لتدشين الهيكل ولكن ذكر ذلك الاجتماع لا يوافق موضوع هذا السفر وما عدا ذلك ليس لنا خبر بأنه كان يجمع الشعب ولعل معنى «الجامعة» أنه جمع أقوال العلماء (12: 9) «ٱلْجَامِعَةَ كَانَ حَكِيماً، وَأَيْضاً عَلَّمَ ٱلشَّعْبَ عِلْماً، وَوَزَنَ وَبَحَثَ وَأَتْقَنَ أَمْثَالاً كَثِيرَةً».

ٱبْنِ دَاوُدَ أي سليمان.

ٱلْمَلِكِ فِي أُورُشَلِيمَ أي الجامعة هو الملك في أورشليم. كان سليمان أعظم الملوك في الغنى والمجد فاختاره كاتب السفر ليكون المتكلم من اختباره.

بَاطِلُ ٱلأَبَاطِيلِ (ع 2) وبالأصل «هبيل هبيليم» و «هابيل» هو البخار والنَّفَس والفاني والتكرار هو للتشديد «كنشيد الأنشاد» أي أحلى الأنشاد وباطل الأباطيل هو أعظمها ووردت كلمة «باطل» 39 مرة في هذا السفر والمقصود بها جميع خيرات العالم بذاتها وبدون الرجاء لإله والحياة الأبدية. وهي باطلة (1) لأنها فانية وحياة الإنسان في هذا العالم سريعة الزوال ومهما جمع من المال والعلوم والمجد ومهما تمتع بلذات العالم يتركها (2) لأن خيرات العالم لا تشبع النفس والنفس التي ليس لها رجاء إلا بأمور هذا العالم كعصفور بري في قفص لا يشبع ولو قدم له أحسن أطعمة ولو كان قفصه من ذهب لأن من طبعه أن يبسط جناحيه ويطير نحو السماء. كان لسليمان أعظم ما يمكن لإنسان من الغنى والمجد ولكنه ابتعد عن الله الذي منه وحده السرور الحقيقي فاحتقر الحياة واحتقر نفسه أيضاً وكانت نتيجة ملكه الانشقاق ودخول الفساد. وفي هذا السفر أقوال الشيخ للأحداث وفيه حذّرهم من الاتكال على أباطيل هذه العالم وحرّضهم على حفظ وصايا الله.

يستلزم هذا السؤال (ع 3) جواباً إنكارياً والسؤال على هذا النوع لتشديد الإنكار والكلمة الأصلية المترجمة «الفائدة» أي (يثرون) لم ترد في العهد القديم إلا في هذا السفر فوردت فيه عشر مرات ومعناها الأصلي رصيد الحساب أي ما يبقى من الربح بعد إخراج المصروف. والقول «تحت الشمس» وردت في هذا السفر 29 مرة ولم ترد في غيره ومعناه كل مكان ويشير إلى أتعاب الإنسان كلها وليس لهذه الأتعاب فائدة باقية والكلام كله في خيرات العالم بذاتها بغض النظر عن الإيمان بالله والرجاء بالآخرة.

4 - 11 «4 دَوْرٌ يَمْضِي وَدَوْرٌ يَجِيءُ، وَٱلأَرْضُ قَائِمَةٌ إِلَى ٱلأَبَدِ. 5 وَٱلشَّمْسُ تُشْرِقُ، وَٱلشَّمْسُ تَغْرُبُ، وَتُسْرِعُ إِلَى مَوْضِعِهَا حَيْثُ تُشْرِقُ. 6 اَلرِّيحُ تَذْهَبُ إِلَى ٱلْجَنُوبِ وَتَدُورُ إِلَى ٱلشِّمَالِ. تَذْهَبُ دَائِرَةً دَوَرَاناً، وَإِلَى مَدَارَاتِهَا تَرْجِعُ ٱلرِّيحُ. 7 كُلُّ ٱلأَنْهَارِ تَجْرِي إِلَى ٱلْبَحْرِ وَٱلْبَحْرُ لَيْسَ بِمَلآنَ. إِلَى ٱلْمَكَانِ ٱلَّذِي جَرَتْ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ إِلَى هُنَاكَ تَذْهَبُ رَاجِعَةً. 8 كُلُّ ٱلْكَلاَمِ يَقْصُرُ. لاَ يَسْتَطِيعُ ٱلإِنْسَانُ أَنْ يُخْبِرَ بِٱلْكُلِّ. ٱلْعَيْنُ لاَ تَشْبَعُ مِنَ ٱلنَّظَرِ، وَٱلأُذُنُ لاَ تَمْتَلِئُ مِنَ ٱلسَّمْعِ. 9 مَا كَانَ فَهُوَ مَا يَكُونُ، وَٱلَّذِي صُنِعَ فَهُوَ ٱلَّذِي يُصْنَعُ. فَلَيْسَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ جَدِيدٌ. 10 إِنْ وُجِدَ شَيْءٌ يُقَالُ عَنْهُ: ٱنْظُرْ. هٰذَا جَدِيدٌ! فَهُوَ مُنْذُ زَمَانٍ كَانَ فِي ٱلدُّهُورِ ٱلَّتِي كَانَتْ قَبْلَنَا. 11 لَيْسَ ذِكْرٌ لِلأَوَّلِينَ. وَٱلآخِرُونَ أَيْضاً ٱلَّذِينَ سَيَكُونُونَ لاَ يَكُونُ لَهُمْ ذِكْرٌ عِنْدَ ٱلَّذِينَ يَكُونُونَ بَعْدَهُمْ».

مزمور 104: 5 و119: 90 مزمور 19: 4 - 6 ص 11: 5 ص 4: 8 وأمثال 27: 20 ص 2: 12 و3: 15 و6: 10 ص 2: 16 و9: 5

يفتخر الإنسان كأنه سلطان ولكن الأرض تبقى والإنسان يمضي. فالشاعر اليوناني هوميروس شبه الإنسان بأوراق الأشجار تسقط في الخريف ويأتي غيرها في الربيع.

ٱلشَّمْسُ تَغْرُبُ (5) قيل إن إبراهيم نظر إلى الشمس ليسجد لها ولكنه قال لما غربت لا أسجد لما يغيب.

تُسْرِعُ إِلَى مَوْضِعِهَا على اعتقاد القدماء للشمس سفر طويل تحت الأرض بالليل من الغرب إلى الشرق لتقوم صباحاً يوماً ثانياً فعليها أن تسرع لئلا تتأخر عن الوقت المعين والريح أيضاً (ع 6) تشبه حياة الإنسان في دورانها الدائم ورجوعها كان دورانها بلا فائدة.

كُلُّ ٱلأَنْهَارِ تَجْرِي (ع 7) بحث الفلاسفة القدماء في أمر البحر والأنهار وظن البعض منهم أن مياه البحر تحت الأرض إلى ينابيع وإنها هكذا تتصفّى فتصير مياه المالحة عذبة وتجري الأنهار إلى البحر فالبحر لا يزيد ولا ينقص.

كُلُّ ٱلْكَلاَمِ يَقْصُرُ (ع 8) لا يقدر متكلم أن يذكر كل الحوادث الطبيعية ولا أن يعبّر عن بطلها ومللها.

ٱلْعَيْنُ لاَ تَشْبَعُ الخ أي مهما رآه الإنسان ومهما سمعه لا يجد مطلوبه فإن حياة الإنسان كحلم يلزمها من يعبرها.

لَيْسَ ذِكْرٌ لِلأَوَّلِينَ الخ (ع 11) كان ذكر الحوادث الطبيعية المختصة بالشمس والأنهار والرياح وقال «ليس تحت الشمس جديد» ثم ذكر الإنسان الذي لأجله خُلق العالم وهو أيضاً يأتي ويمضي كالحوادث الطبيعية أي يولد ويموت وليس له ذكر بعد موته. ولا نصادق على هذا القول إجمالاً لأن كثيرين من القدماء لهم ذكر حتى اليوم كأفاضل العهد القديم (انظر عبرانيين ص 11) والرسل الأطهار وعلماء وأتقياء كثيرين عاشوا بعدهم. ولا نصادق على القول «ليس تحت الشمس جديد» لأننا نرى اختراعات جديدة وعلوماً جديدة وتقدماً في التمدن والأدب والدين فنطلب الجديد ونستنظر الجديد. انظر قول بولس الرسول «إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً» (2كورنثوس 5: 17).

12 - 18 «12 أَنَا ٱلْجَامِعَةُ كُنْتُ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ فِي أُورُشَلِيمَ. 13 وَوَجَّهْتُ قَلْبِي لِلسُّؤَالِ وَٱلتَّفْتِيشِ بِٱلْحِكْمَةِ عَنْ كُلِّ مَا عُمِلَ تَحْتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. هُوَ عَنَاءٌ رَدِيءٌ جَعَلَهُ ٱللّٰهُ لِبَنِي ٱلْبَشَرِ لِيَعْنُوا فِيهِ. 14 رَأَيْتُ كُلَّ ٱلأَعْمَالِ ٱلَّتِي عُمِلَتْ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ فَإِذَا ٱلْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ. 15 اَلأَعْوَجُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَوَّمَ، وَٱلنَّقْصُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْبَرَ. 16 أَنَا نَاجَيْتُ قَلْبِي قَائِلاً: هَا أَنَا قَدْ عَظُمْتُ وَٱزْدَدْتُ حِكْمَةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ مَنْ كَانَ قَبْلِي عَلَى أُورُشَلِيمَ، وَقَدْ رَأَى قَلْبِي كَثِيراً مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَعْرِفَةِ. 17 وَوَجَّهْتُ قَلْبِي لِمَعْرِفَةِ ٱلْحِكْمَةِ وَلِمَعْرِفَةِ ٱلْحَمَاقَةِ وَٱلْجَهْلِ. فَعَرَفْتُ أَنَّ هٰذَا أَيْضاً قَبْضُ ٱلرِّيحِ. 18 لأَنَّ فِي كَثْرَةِ ٱلْحِكْمَةِ كَثْرَةُ ٱلْغَمِّ، وَٱلَّذِي يَزِيدُ عِلْماً يَزِيدُ حُزْناً».

ع 1 ع 17 ص 3: 10 و11 و7: 25 و8: 17 ص 2: 23 و26 و3: 10 ص 2: 11 و17 و4: 4 و6: 9 ص 7: 13 ص 2: 9 و1ملوك 3: 12 و4: 30 و10: 23 ع 13 ص 2: 12 و7: 25 ص 2: 23 و12: 12

كُنْتُ مَلِكاً عَلَى إِسْرَائِيلَ صوّر كاتب السفر سليمان كأنه في آخر حياته. راجع زمان ملكه وذكر ما كان له من الغنى والمجد والحكمة فحكم أن الكل باطل وقبض الريح (2: 26).

وَوَجَّهْتُ قَلْبِي (ع 13) أي سليمان وجه قلبه حسب تصوّر الكاتب وفتش بالاجتهاد والرغبة وما فتش عنه هو كل ما عُمل تحت السموات كأعمال الناس وأحوالهم وأفراحهم وأحزانهم.

هُوَ عَنَاءٌ رَدِيءٌ أي التفتيش عن أعمال الناس وغايتها ومنفعتها والموافقة بينها وبين تدبير الله للعالم فإنه اجتهد وتعب في التفتيش بلا نتيجة.

جَعَلَهُ ٱللّٰهُ في الترجمة اليسوعية «جعله الله» أي جعل الله عناء رديئاً لبني البشر ليعنوا فيه. إن التفتيش بالحكمة عن كل ما عُمل والرغبة في معرفة معنى الحياة دليل على سمو الأفكار خلافاً للذين لا يهتمون إلا بالأكل والكسوة والبيوت والأملاك وغيرها مما للجسد ولكن هذا التفتيش وإن كان فضيلة لا يأتي بنتيجة وليس إلا عناء رديئاً.

وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ (ع 14) رأى أن الناس يسعون وراء خيرات العالم ويجتهدون ويتعبون ليقبضوها وإذا قبضوها لا يجدون بأيديهم شيئاً وقوله هذا قول عمومي وبعد التفتيش والتأمل فإنه كان رأى كل الأعمال وكان وجه قلبه للسؤال بالحكمة فتسلط عليه اليأس. ومن له حكمة كحكمة سليمان يشبه رجلاً بيده نظارة مكبرة (مكرسكوب) وبها يرى ما لا يقدر غيره أن يراه فالأقمشة الناعمة تظهر خشنة وبالمأكولات الطيبة يرى جراثيم الفساد وهكذا الحكيم يرى في الناس نقائص وعيوباً لا يفتكر عموم الناس فيها.

نَاجَيْتُ قَلْبِي (ع 16) كلّم نفسه فكان في قلبه سؤال وجواب واعتراض ورد عليه كما يتكلم إنسان مع صديقه.

أَنَا قَدْ عَظُمْتُ ليس في هذا القول افتخار بل شهادة من كان الله أعطاه حكمة أكثر من غيره.

فوائد

  1. إن التفتيش عن أحوال الناس يجب أن لا ينشئ فينا اليأس بل الغيرة في إصلاح هذه الأحوال.

  2. لا يمكن الأعرج أن يقوّم بالحكمة البشرية ولكن المسيح يقوّم ويجبر كل شيء (انظر النبوة في إشعياء 40: 4) في مجيء المسيح «كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ، وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَيَصِيرُ ٱلْمُعَوَّجُ مُسْتَقِيماً».

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي

في هذا الأصحاح كما في الأصحاح السابق راجع المتكلم اختباره في التفتيش عن الخبز الحقيقي وذكر بالتفصيل غناه وأعماله وعدم سروره فيها وبحثه عن الحكمة والحماقة والنتيجة أنها باطلة كقبض الريح.

1 - 11 «1 قُلْتُ أَنَا فِي قَلْبِي: هَلُمَّ أَمْتَحِنُكَ بِٱلْفَرَحِ فَتَرَى خَيْراً. وَإِذَا هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. 2 لِلضَّحْكِ قُلْتُ: مَجْنُونٌ وَلِلْفَرَحِ: مَاذَا يَفْعَلُ؟ 3 اِفْتَكَرْتُ فِي قَلْبِي أَنْ أُعَلِّلَ جَسَدِي بِٱلْخَمْرِ، وَقَلْبِي يَلْهَجُ بِٱلْحِكْمَةِ، وَأَنْ آخُذَ بِٱلْحَمَاقَةِ حَتَّى أَرَى مَا هُوَ ٱلْخَيْرُ لِبَنِي ٱلْبَشَرِ حَتَّى يَفْعَلُوهُ تَحْتَ ٱلسَّمَاوَاتِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِمْ. 4 فَعَظَّمْتُ عَمَلِي. بَنَيْتُ لِنَفْسِي بُيُوتاً، غَرَسْتُ لِنَفْسِي كُرُوماً. 5 عَمِلْتُ لِنَفْسِي جَنَّاتٍ وَفَرَادِيسَ، وَغَرَسْتُ فِيهَا أَشْجَاراً مِنْ كُلِّ نَوْعِ ثَمَرٍ. 6 عَمِلْتُ لِنَفْسِي بِرَكَ مِيَاهٍ لِتُسْقَى بِهَا ٱلْمَغَارِسُ ٱلْمُنْبِتَةُ ٱلشَّجَرَ. 7 قَنِيتُ عَبِيداً وَجَوَارِيَ، وَكَانَ لِي وُلْدَانُ ٱلْبَيْتِ. وَكَانَتْ لِي أَيْضاً قِنْيَةُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ كَانُوا فِي أُورُشَلِيمَ قَبْلِي. 8 جَمَعْتُ لِنَفْسِي أَيْضاً فِضَّةً وَذَهَباً وَخُصُوصِيَّاتِ ٱلْمُلُوكِ وَٱلْبُلْدَانِ. اتَّخَذْتُ لِنَفْسِي مُغَنِّينَ وَمُغَنِّيَاتٍ وَتَنَعُّمَاتِ بَنِي ٱلْبَشَرِ، سَيِّدَةً وَسَيِّدَاتٍ. 9 فَعَظُمْتُ وَٱزْدَدْتُ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ ٱلَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي فِي أُورُشَلِيمَ، وَبَقِيَتْ أَيْضاً حِكْمَتِي مَعِي. 10 وَمَهْمَا ٱشْتَهَتْهُ عَيْنَايَ لَمْ أُمْسِكْهُ عَنْهُمَا. لَمْ أَمْنَعْ قَلْبِي مِنْ كُلِّ فَرَحٍ، لأَنَّ قَلْبِي فَرِحَ بِكُلِّ تَعَبِي. وَهٰذَا كَانَ نَصِيبِي مِنْ كُلِّ تَعَبِي. 11 ثُمَّ ٱلْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي ٱلَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ، وَإِلَى ٱلتَّعَبِ ٱلَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا ٱلْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ، وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ».

ص 7: 3 و6 وأمثال 14: 13 ص 10: 19 وقضاة 9: 13 ومزمور 104: 15 ص 7: 25 ع 24 وص 3: 12 و13 و5: 18 و6: 12 و8: 15 و12: 13 و1ملوك 7: 1 - 12 نشيد الأنشاد 8: 10 و11 نشيد الأنشاد 4: 16 و5: 1 نحميا 2: 8 نحميا 2: 14 و3: 15 و16 تكوين 14: 14 و15: 3 و1ملوك 4: 23 و1ملوك 9: 28 و10: 10 و14 و21 و1ملوك 4: 21 و1ملوك 20: 14 ومراثي 1: 1 و2صموئيل 19: 25 ص 1: 16 و1أيام 29: 25 ص 6: 2 ص 3: 22 و5: 18 و9: 9 ع 22 و23 وص 1: 14 ص 1: 3 و3: 9 و5: 16

أَمْتَحِنُكَ بِٱلْفَرَحِ خاطب نفسه كالغبي في (لوقا 12: 18 و19) وكان امتحن الفلسفة ولم يجد فيها حل المشكل (1: 13) فوجه قلبه للفرح لعله يجد فيه مطلوبه ولكن هذا أيضاً باطل.

لِلضَّحْكِ (ع 2) لم يشر إلى الضحك والفرح مطلقاً لأن للضحك وقتاً ومكاناً بل أشار إلى ضحك السكارى والجهال الذين يلتجئون إليه لينسوا مشقاتهم ويسكّتوا ضمائرهم. قال يسوع (لوقا 6: 25) «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلضَّاحِكُونَ ٱلآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ» أي الفرحون حسب الجسد وقال أيضاً (ع 21) «طُوبَاكُمْ أَيُّهَا ٱلْبَاكُونَ ٱلآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَضْحَكُونَ» أي الفرحون بالرب.

وَقَلْبِي يَلْهَجُ بِٱلْحِكْمَةِ (ع 3) لم يشرب كالجهال بل كفيلسوف يطلب زيادة معرفته باختباره السكر.

عَظَّمْتُ عَمَلِي (ع 4) ذكر هنا نوعاً من الفرح أعلى من المذكور سابقاً وهو الفرح في العمل فإن الفرح في جمع المال قد يكون أكثر من الفرح في إنفاقه والفرح في بناء البيت أكثر من الفرح في السكن فيه وأعمال سليمان في البناء مذكورة بالتفصيل في (1ملوك 7: 1 - 9 و2أيام 8: 3 - 6 ونشيد الأنشاد 8: 11).

فَرَادِيسَ (ع 5) كلمة فارسية معناها مكان أشجار ومياه وزهور ومناظر جميلة لأجل النزهة.

بِرَكَ (ع 6) بقرب بيت لحم وفي حشبون وبركة الملك (نحميا 2: 14) وربما بركة سلوام وبركة بيت حسدا.

قَنِيتُ عَبِيداً (ع 7) الأبنية والأملاك المذكورة استلزمت استخدام عبيد كثيرين والبعض منهم مشترى والبعض ولدان البيت وكان سليمان يسخر كثيرين (1ملوك 9: 20 - 23).

قِنْيَةُ بَقَرٍ «كَانَ طَعَامُ سُلَيْمَانَ لِلْيَوْمِ ٱلْوَاحِدِ: عَشَرَةَ ثِيرَانٍ مُسَمَّنَةٍ وَعِشْرِينَ ثَوْراً مِنَ ٱلْمَرَاعِي وَمِئَةَ خَرُوفٍ الخ» (1ملوك 4: 22 - 23).

فِضَّةً وَذَهَباً (ع 8) (1ملوك 9: 14 و28 و10: 14 و21 - 27).

خُصُوصِيَّاتِ ٱلْمُلُوكِ هدايا من الملوك أو ما كان للملك لكونه ملكاً.

سَيِّدَةً وَسَيِّدَاتٍ بالترجمة اليسوعية «حليلة وسراري» أخذ سليمان أولاً ابنة فرعون ولعلها السيدة وأخذ أيضاً سبع مئة من النساء السيدات وثلاث مئة من السراري. ويفهم البعض القول «سيدة وسيدات» بمعنى «سيدات كثيرات» (انظر 1ملوك 11: 1).

ٱلَّذِينَ كَانُوا قَبْلِي فِي أُورُشَلِيمَ (ع 9) لم يكن قبل سليمان ملك في أورشليم إلا داود أبوه فجعل كاتب السفر في فم سليمان ما لا يوافق الحقيقة تماماً.

وَبَقِيَتْ أَيْضاً حِكْمَتِي مَعِي كما في (ع 3) «وقلبي يلهج بالحكمة» فامتاز عن الذين تستعبدهم الشهوات الجسدية وإلا فلم يقدر على أعماله كأبنيته العظيمة ونظام المملكة والخدمة وتأليفه وإتقان العلوم. ولكن صح فيه قوله في (أمثال 6: 27) «أَيَأْخُذُ إِنْسَانٌ نَاراً فِي حِضْنِهِ وَلاَ تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ؟» فإنه وإن لم يسكر فقد ابتعد عن الله وخزن لنفسه ولمملكته أحزاناً وأتعاباً.

لأَنَّ قَلْبِي فَرِحَ بِكُلِّ تَعَبِي (ع 10) أي فرح بنفس التعب وليس فقط بنتيجته فإنه فرح في بناء الأبنية وغرس الكروم ولعله انتظر فرحاً أعظم يكون له بعد تكملة أعماله ولكنه وجد الأمر بالعكس وقال «إن الكل باطل».

12 - 19 «12 ثُمَّ ٱلْتَفَتُّ لأَنْظُرَ ٱلْحِكْمَةَ وَٱلْحَمَاقَةَ وَٱلْجَهْلَ. فَمَا ٱلإِنْسَانُ ٱلَّذِي يَأْتِي وَرَاءَ ٱلْمَلِكِ ٱلَّذِي قَدْ نَصَبُوهُ مُنْذُ زَمَانٍ؟ 13 فَرَأَيْتُ أَنَّ لِلْحِكْمَةِ مَنْفَعَةً أَكْثَرَ مِنَ ٱلْجَهْلِ، كَمَا أَنَّ لِلنُّورِ مَنْفَعَةً أَكْثَرَ مِنَ ٱلظُّلْمَةِ. 14 اَلْحَكِيمُ عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ. أَمَّا ٱلْجَاهِلُ فَيَسْلُكُ فِي ٱلظَّلاَمِ. وَعَرَفْتُ أَنَا أَيْضاً أَنَّ حَادِثَةً وَاحِدَةً تَحْدُثُ لِكِلَيْهِمَا. 15 فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: كَمَا يَحْدُثُ لِلْجَاهِلِ كَذٰلِكَ يَحْدُثُ أَيْضاً لِي أَنَا. وَإِذْ ذَاكَ، فَلِمَاذَا أَنَا أَوْفَرُ حِكْمَةً؟ فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ! 16 لأَنَّهُ لَيْسَ ذِكْرٌ لِلْحَكِيمِ وَلاَ لِلْجَاهِلِ إِلَى ٱلأَبَدِ. كَمَا مُنْذُ زَمَانٍ كَذَا ٱلأَيَّامُ ٱلآتِيَةُ: ٱلْكُلُّ يُنْسَى. وَكَيْفَ يَمُوتُ ٱلْحَكِيمُ؟ كَٱلْجَاهِلِ! 17 فَكَرِهْتُ ٱلْحَيَاةَ. لأَنَّهُ رَدِيءٌ عِنْدِي ٱلْعَمَلُ ٱلَّذِي عُمِلَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ، لأَنَّ ٱلْكُلَّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ. 18 فَكَرِهْتُ كُلَّ تَعَبِي ٱلَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ حَيْثُ أَتْرُكُهُ لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَكُونُ بَعْدِي. 19 وَمَنْ يَعْلَمُ، هَلْ يَكُونُ حَكِيماً أَوْ جَاهِلاً، وَيَسْتَوْلِي عَلَى كُلِّ تَعَبِي ٱلَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ وَأَظْهَرْتُ فِيهِ حِكْمَتِي تَحْتَ ٱلشَّمْسِ؟ هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ!».

ص 1: 17 ص 1: 9 و10 ص 7: 11 و12 و 19 و9: 18 و10: 10 أمثال 17: 24 و1يوحنا 2: 11 ص 3: 19 و6: 6 و7: 2 و9: 2 و3 ومزمور 49: 10 ع 16 ص 6: 8 و11 ص 1: 11 و4: 16 و9: 5 ع 14 ص 4: 2 ع 11 وص 1: 3 مزمور 39: 6 و49: 10

ٱلْحِكْمَةَ وَٱلْحَمَاقَةَ غايته أن يعرف الحكمة ولكنه التفت قليلاً لينظر الحماقة فإن العلماء إذا قصدوا تحديد أمر يقولون أولاً ليس الأمر كذا وكذا ثم يقولون هو كذا وكذا.

ٱلَّذِي قَدْ نَصَبُوهُ مُنْذُ زَمَانٍ أي سليمان الذي ملك زماناً طويلاً. وبالترجمة اليسوعية «وماذا يفعل الإنسان الذي يعقب الملك غير ما قد فُعل آنفاً» وهكذا الترجمة الإنكليزية بالمعنى. ليس لأحد حكمة وغنى وسلطة أكثر من سليمان وإن لم يجد هو الخير الحقيقي فمن يجده.

عَيْنَاهُ فِي رَأْسِهِ (ع 14) فيرى ويفهم ما يبصره قيل في إشعياء 6: 9 «أَبْصِرُوا إِبْصَاراً وَلاَ تَعْرِفُوا» وفي أمثال 17: 24 «عَيْنَا ٱلْجَاهِلِ فِي أَقْصَى ٱلأَرْضِ» أي يرى ولا يتأمل ويرى كل شيء إلا ما كان يجب أن يراه (انظر أفسس 1: 18).

حَادِثَةً وَاحِدَةً تَحْدُثُ لِكِلَيْهِمَا أي الموت وإن كان للحكمة منفعة أكثر من الجهل كما أن للنور منفعة أكثر من الظلمة كلاهما يموتان فليس ذكر للحكيم ولا للجاهل.

فَلِمَاذَا أَنَا أَوْفَرُ حِكْمَةً (ع 15) إي إذا كان للحكمة منفعة وقتية فقط وليس للحكيم ذكر بعد موته لماذا تعبه في اقتناء الحكمة. وأما سليمان فقال في (أمثال 14: 32) «اَلشِّرِّيرُ يُطْرَدُ بِشَرِّهِ، أَمَّا ٱلصِّدِّيقُ فَوَاثِقٌ عِنْدَ مَوْتِهِ» وبقوله أشار إلى الذكر الطيب للصديق بعد موته ولعله أشار أيضاً إلى الحياة بعد الموت (انظر عبرانيين ص 11) وأما موضوع البحث هنا فهو الأفراح الجسدية والحكمة العالمية فالقول فيها أنها باطلة بنفسها ولا يُستند عليها.

فَكَرِهْتُ ٱلْحَيَاةَ (ع 17) هذا قول من يظن أنه يجد في حياته في هذا العالم ما يكفيه جسداً ونفساً وقول من عاش لنفسه ولم يهتم بغيره ولا يمجد الله. ونرى أن الذين يقولون هذا القول هم من الأغنياء والأقوياء وليس فقط البائسين.

أَتْرُكُهُ لِلإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَكُونُ بَعْدِي (ع 18) ولعله أشار إلى رحبعام بن سليمان الذي كان جاهلاً (1ملوك ص 12) وكثيراً ما يجمع الإنسان وليس له ابن أو يجمع ويترك ثروته لابن يبذرها.

20 - 23 «20 فَتَحَوَّلْتُ لِكَيْ أَجْعَلَ قَلْبِي يَيْأَسُ مِنْ كُلِّ ٱلتَّعَبِ ٱلَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ. 21 لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ إِنْسَانٌ تَعَبُهُ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَعْرِفَةِ وَبِٱلْفَلاَحِ، فَيَتْرُكُهُ نَصِيباً لإِنْسَانٍ لَمْ يَتْعَبْ فِيهِ. هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ وَشَرٌّ عَظِيمٌ. 22 لأَنَّهُ مَاذَا لِلإِنْسَانِ مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ وَمِنِ ٱجْتِهَادِ قَلْبِهِ ٱلَّذِي تَعِبَ فِيهِ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ؟ 23 لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِهِ أَحْزَانٌ وَعَمَلَهُ غَمٌّ. أَيْضاً بِٱللَّيْلِ لاَ يَسْتَرِيحُ قَلْبُهُ. هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ هُوَ».

ص 4: 4 ع 18 ص 1: 14 ص 1: 18 و5: 17 وأيوب 5: 7 و14: 1 مزمور 127: 2

فَتَحَوَّلْتُ لِكَيْ الخ كمن سافر في طريق ووقف والتفت إلى ما وراءه وما أمامه فلم يجد ما يسرّه ولا وراءه ولا أمامه والنتيجة اليأس.

بِٱللَّيْلِ لاَ يَسْتَرِيحُ (ع 23) قال شكسبير «لا يستريح الرأس الذي عليه إكليل» وليس للأغنياء والأكابر نوم لذيذ كما للفقراء. وكرر الكلام في نفس الموضوع كمن يبحث في موضوع عويص.

24 - 26 «24 لَيْسَ لِلإِنْسَانِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيُرِيَ نَفْسَهُ خَيْراً فِي تَعَبِهِ. رَأَيْتُ هٰذَا أَيْضاً أَنَّهُ مِنْ يَدِ ٱللّٰهِ. 25 لأَنَّهُ مَنْ يَأْكُلُ وَمَنْ يَلْتَذُّ غَيْرِي؟ 26 لأَنَّهُ يُؤْتِي ٱلإِنْسَانَ ٱلصَّالِحَ قُدَّامَهُ حِكْمَةً وَمَعْرِفَةً وَفَرَحاً. أَمَّا ٱلْخَاطِئُ فَيُعْطِيهِ شُغْلَ ٱلْجَمْعِ وَٱلتَّكْوِيمِ لِيُعْطِيَ لِلصَّالِحِ قُدَّامَ ٱللّٰهِ! هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ».

ع 3 وص 3: 12 و13 و22 و5: 18 و6: 12 و8: 15 و9: 7 و1تيموثاوس 6: 17 ص 3: 13 أيوب 33: 8 وأمثال 2: 6 أيوب 15: 20 أيوب 27: 16 و17 وأمثال 13: 22 ص 1: 14

الكلام هو في الخيرات العالمية والمعنى أنه خير للإنسان أن يأكل مما تعب فيه ويكتفي بالأكل والشرب باعتدال ومن له خيرات فعليه أن يشكر الله ومن عليه أتعاب أن يتممها بالحكمة والمعرفة والفلاح ومن عليه مشقات أن يحتملها بالصبر لأن الكل من الله الذي يدبر كل شيء ويوزع الخيرات بالعدل والمحبة. قال يسوع في لوقا 12: 15 «مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ» أي فرح الإنسان الحقيقي ليس بما هو فيه بل بما فيه هو.

يَلْتَذُّ غَيْرِي (ع 25) كان سليمان اختبر الأمر كله ولا يمكن غيره أن يحصل على خيرات جسدية أكثر مما حصل هو عليه فيكفي اختباره.

لأَنَّهُ يُؤْتِي ٱلإِنْسَانَ ٱلصَّالِحَ (ع 26) هنا اعتراف بعناية الله فإنه هو الذي يُعطي واعتراف بعدل الله لأن الخيرات الحقيقية للصالحين (انظر أمثال 28: 8 وأيوب 27: 16 و17) وأما القول الأخير «هذا أيضاً باطل وقبض الريح» فلا يشير إلى الجملة السابقة بل إلى الكلام السابق كله فإن الكاتب وإن رأى قليلاً من النور كنور الشمس بين الغيوم حالاً رجع اليأس.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّالِثُ

مضمونه أنه في الكون ترتيب معيّن من الله وأعظم خير للإنسان هو التسليم لترتيب الله ومن يبتعد عن الله ويطلب أن يستوفي خيراته في هذا العالم فهو كالبهائم.

1 - 8 «1 لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَقْتٌ. 2 لِلْوِلاَدَةِ وَقْتٌ وَلِلْمَوْتِ وَقْتٌ. لِلْغَرْسِ وَقْتٌ وَلِقَلْعِ ٱلْمَغْرُوسِ وَقْتٌ. 3 لِلْقَتْلِ وَقْتٌ وَلِلشِّفَاءِ وَقْتٌ. لِلْهَدْمِ وَقْتٌ وَلِلْبِنَاءِ وَقْتٌ. 4 لِلْبُكَاءِ وَقْتٌ وَلِلضِّحْكِ وَقْتٌ. لِلنَّوْحِ وَقْتٌ وَلِلرَّقْصِ وَقْتٌ. 5 لِتَفْرِيقِ ٱلْحِجَارَةِ وَقْتٌ وَلِجَمْعِ ٱلْحِجَارَةِ وَقْتٌ. لِلْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ وَلِلانْفِصَالِ عَنِ ٱلْمُعَانَقَةِ وَقْتٌ. 6 لِلْكَسْبِ وَقْتٌ وَلِلْخَسَارَةِ وَقْتٌ. لِلصِّيَانَةِ وَقْتٌ وَلِلطَّرْحِ وَقْتٌ. 7 لِلتَّمْزِيقِ وَقْتٌ وَلِلتَّخْيِيطِ وَقْتٌ. لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ وَلِلتَّكَلُّمِ وَقْتٌ. 8 لِلْحُبِّ وَقْتٌ وَلِلْبُغْضَةِ وَقْتٌ. لِلْحَرْبِ وَقْتٌ وَلِلصُّلْحِ وَقْتٌ».

ع 17 وص 8: 6 أيوب 14: 5 و عبرانيين 9: 27 رومية 12: 15 مزمور 126: 2 خروج 15: 20 عاموس 5: 13 مزمور 101: 3 وأمثال 13: 5

الأرجح أن الكاتب لم يقصد التمييز بين لفظة «زمان» ولفظة «وقت» بل وضع جملتين متشابهتين بالمعنى حسب اصطلاح اللغة العبرانية. وذكر أولاً أعظم حوادث حياة الإنسان وهما الولادة والموت وكلاهما من الله فإن الحياة منه ومنه أجل الحياة أيضاً. ومن الأزمنة الثلاثة أي الماضي والحاضر والمستقبل ليس للإنسان إلا الحاضر فقط. والغرس (ع 2) في النباتات كالولادة في الحيوانات وقلعها كالموت. وللغرس والزرع أوقات معينة من الله ومعروفة عند الحارث فلا ينجح في حراسته إلا بتسليمه لترتيب الله. والبعض يرى هنا إشارة إلى قيام مدن وهدمها (إرميا 1: 10) «قَدْ وَكَّلْتُكَ هٰذَا ٱلْيَوْمَ عَلَى ٱلشُّعُوبِ وَعَلَى ٱلْمَمَالِكِ، لِتَقْلَعَ وَتَهْدِمَ وَتُهْلِكَ وَتَنْقُضَ وَتَبْنِيَ وَتَغْرِسَ».

لِلْقَتْلِ وَقْتٌ (ع 3) في ع 2 إشارة إلى الولادة الطبيعية والموت الطبيعي والإشارة هنا إلى القتل بيد الإنسان والتعليم هو أن القتل ضروري وجائز في الأوقات التي تستوجبه كإعدام المجرم بموجب حكم شرعي.

وَلِلشِّفَاءِ وَقْتٌ إشارة إلى وسائط طبية وغيرها لأجل حفظ الحياة وفي الحروب يتوقف القتال عندما يسلم أحد الجيشين للآخر فيجتهد الغالبون في حفظ حياة المغلوبين. ووقت الله للشفاء الروحي هو بعد رجوع الخاطئ إليه تعالى بالتوبة (هوشع 6: 1) «هَلُمَّ نَرْجِعُ إِلَى ٱلرَّبِّ لأَنَّهُ هُوَ ٱفْتَرَسَ فَيَشْفِينَا، ضَرَبَ فَيَجْبِرُنَا».

لِلْهَدْمِ وَقْتٌ وَلِلْبِنَاءِ وَقْتٌ هُدمت مدن قديمة لسبب خطايا أهلها ثم بُنيت ثانية كأورشليم لما رجعوا إلى الرب. وبمعنى روحي قال بولس (غلاطية 2: 18) «فَإِنِّي إِنْ كُنْتُ أَبْنِي أَيْضاً هٰذَا ٱلَّذِي قَدْ هَدَمْتُهُ الخ» فأشار إلى هدم الفرائض الموسوية وبناء الكنيسة المسيحية التي بها تمت الفرائض وعرف بولس بالحكمة المعطاة له من الله ملء الأزمنة أي وقت الهدم ووقت البناء.

لِلْبُكَاءِ وَقْتٌ (ع 4) لا يليق البكاء في وقت الفرح كما أنه لا يليق الضحك في وقت البكاء. والضحك جائز في وقته ويساعد في احتمال المشقات وإتمام الواجبات. ووقت البكاء ووقت الضحك من الله فلا يقول أحد غداً أبكي أو غداً أضحك لأن لا أحد يعلم ماذا يلده يوم.

لِتَفْرِيقِ ٱلْحِجَارَةِ (ع 5) الأرجح أن الإشارة إلى ما يصير في الحرب (2ملوك 3: 19) «وَتُفْسِدُونَ كُلَّ حَقْلَةٍ جَيِّدَةٍ بِٱلْحِجَارَةِ» وجمع الحجارة بالعكس (إشعياء 5: 2 عن الكرم) «نَقَبَهُ وَنَقَّى حِجَارَتَهُ وَغَرَسَهُ الخ» والمعانقة إشارة إلى المعاهدة والاتحاد. والانفصال عن المعانقة إشارة إلى إشهار الحرب.

لِلْخَسَارَةِ وَقْتٌ (ع 6) قد تكون الخسارة حكمة (أعمال 27: 18) «وَإِذْ كُنَّا فِي نَوْءٍ عَنِيفٍ جَعَلُوا يُفَرِّغُونَ فِي ٱلْغَدِ» وكما يحدث في التجارة لأن أحياناً خسارة وقتية تأتي بالربح في الآخر. وفي الروحيات كما قال يسوع (متّى 16: 25) «مَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي يَجِدُهَا».

لِلتَّمْزِيقِ وَقْتٌ (ع 7) إشارة إلى الحزن (أيوب 1: 20) «مزّق أيوب جبته» أو إلى الانقسام (انظر 1ملوك 11: 30) قبض أخيا النبي على الرداء الجديد الذي كان يربعام لابسه ومزقه 12 قطعة إشارة إلى انقسام المملكة. والتعليم هنا أن الانشقاق واجب أحياناً. قال يسوع (متّى 10: 35) «فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ ٱلإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَٱلابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا» أي الاتحاد مع المسيح ألزم من الاتحاد مع الناس حتى أهل بيتنا وليس اتحاد حقيقي وثابت إلا المؤسس على الاتحاد بالمسيح. والانشقاق غالباً يكون لأسباب غير كافية فيكون خطية. ومثل الرقعة من قطعة جديدة على ثوب عتيق (متّى 9: 16) مثل الخياطة في غير وقتها.

لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ كأصحاب أيوب (أيوب 2: 12 و13) الذين قعدوا معه على الأرض سبعة أيام بالسكوت. وهارون (لاويين 10: 3) لما مات ابناه. ويجب السكوت عن كلام الغباوة (انظر أمثال 10: 8 ويعقوب 1: 19).

وَلِلتَّكَلُّمِ وَقْتٌ (أمثال 15: 23) «ٱلْكَلِمَةُ فِي وَقْتِهَا مَا أَحْسَنَهَا» و(إشعياء 50: 4) «لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ ٱلْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ» و(أمثال 25: 11) «تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ كَلِمَةٌ مَقُولَةٌ فِي مَحَلِّهَا».

لِلْحَرْبِ وَقْتٌ (ع 8) كل صالح يريد أن يحب جميع الناس ولكن ما دامت الخطية في العالم لا بد من الحرب والبغض. (هوشع 9: 15) «أَبْغَضْتُهُمْ. مِنْ أَجْلِ سُوءِ أَفْعَالِهِمْ أَطْرُدُهُمْ مِنْ بَيْتِي. لاَ أَعُودُ أُحِبُّهُمْ» و(مزمور 139: 21) «أَلاَ أُبْغِضُ مُبْغِضِيكَ يَا رَبُّ» ولنا تعزية في القول «للحرب وقت» فإن الله لا يزال حاكماً في العالم ولا تقع حرب إلا بعلمه وتنتهي الحرب بأمره فلا تبقى الحروب إلى الأبد ولا يسمح الله لبني البشر أن يُبطلوا مقاصده الصالحة. وعدد «الأوقات» المذكورة 28 والخلاصة أن الله يعين كل شيء ويعتني بكل شيء فمن الحكمة التسليم له والاتكال عليه.

9 - 15 «9 فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِمَنْ يَتْعَبُ مِمَّا يَتْعَبُ بِهِ! 10 قَدْ رَأَيْتُ ٱلشُّغْلَ ٱلَّذِي أَعْطَاهُ ٱللّٰهُ بَنِي ٱلْبَشَرِ لِيَشْتَغِلُوا بِهِ. 11 صَنَعَ ٱلْكُلَّ حَسَناً فِي وَقْتِهِ، وَأَيْضاً جَعَلَ ٱلأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ، ٱلَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ ٱلإِنْسَانُ ٱلْعَمَلَ ٱلَّذِي يَعْمَلُهُ ٱللّٰهُ مِنَ ٱلْبِدَايَةِ إِلَى ٱلنِّهَايَةِ. 12 عَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ خَيْرٌ إِلاَّ أَنْ يَفْرَحُوا وَيَفْعَلُوا خَيْراً فِي حَيَاتِهِمْ. 13 وَأَيْضاً أَنْ يَأْكُلَ كُلُّ إِنْسَانٍ وَيَشْرَبَ وَيَرَى خَيْراً مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ، فَهُوَ عَطِيَّةُ ٱللّٰهِ. 14 قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ كُلَّ مَا يَعْمَلُهُ ٱللّٰهُ أَنَّهُ يَكُونُ إِلَى ٱلأَبَدِ. لاَ شَيْءَ يُزَادُ عَلَيْهِ، وَلاَ شَيْءَ يُنْقَصُ مِنْهُ، وَأَنَّ ٱللّٰهَ عَمِلَهُ حَتَّى يَخَافُوا أَمَامَهُ. 15 مَا كَانَ فَمِنَ ٱلْقِدَمِ هُوَ. وَمَا يَكُونُ فَمِنَ ٱلْقِدَمِ قَدْ كَانَ. وَٱللّٰهُ يَطْلُبُ مَا قَدْ مَضَى».

ص 1: 3 و2: 11 و5: 16 ص 1: 13 و2: 26 تكوين 1: 31 ص 7: 23 و8: 17 وأيوب 5: 9 ورومية 11: 33 ص 2: 34 ص 2: 24 و5: 19 ص 5: 7 و7: 18 و8: 12 و13 و1: 13 ص 1: 9 و6: 10

فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ ليس منفعة لمن يتكل على هذه الأمور الزائلة.

صَنَعَ ٱلْكُلَّ حَسَناً (ع 11) وهو حسن للإنسان الذي يستعمله حسناً وحسب ما رسمه الله ولكن الله لا يعطي الإنسان هذه الخيرات بلا تعب ولا يعطيه ما يدوم ولا ما يشبع النفس لئلا يتكل عليها ويكتفي بها فينسى الله والأبدية.

جَعَلَ ٱلأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ أي خلقهم على صورته وجعل فيهم نفساً خالدة تشتاق إلى معرفة سر الحياة فلا يكتفي بالنظر إلى حوادث الحياة واحدة واحدة بل يطلب أن يعرف معنى الحياة كلها من بدايتها إلى نهايتها وذلك كإنسان يرى كومة حجارة البعض منها منحوت ومنقوش على هيئة جميلة ويرى أنها مجموعة ومهيأة لغاية ولكنه لا يعرف ما هي الغاية. ولا نستنتج من قول الكاتب أن الله جعل في قلبهم معرفة الأبدية بل أنه جعل فيهم الشوق إلى تلك المعرفة وذكر ما أصابهم من التعب واليأس من عدم الحصول عليها.

وَيَفْعَلُوا خَيْراً (ع 12) أي الخير لأنفسهم كما يظهر من العدد التالي «أن يأكل كل إنسان ويشرب الخ». فإن أفضل شيء للإنسان هو أن يقبل خيرات هذا العالم بالشكر ويستعملها بالحكمة والاعتدال (انظر 1تيموثاس 4: 3 - 5).

يَكُونُ إِلَى ٱلأَبَدِ (ع 14) بلا تغيّر لا زيادة ولا نقصان وكما كان من الأول هكذا يكون إلى الأبد.

حَتَّى يَخَافُوا أَمَامَهُ حينما يتأملون في نواميس الله الثابتة والغير المتغيرة يخافون من التعدي عليها.

ٱللّٰهُ يَطْلُبُ مَا قَدْ مَضَى (ع 15) أو يعيد الله ما قد مضى كأنه أكمل دوراً من الحوادث ثم رجع إلى الأول وأعاد الدور. ونلاحظ أن طابع سفر الجامعة هو طابع اليأس لا طابع الرجاء والمفهوم هنا من سياق الكلام (انظر 2: 20 - 25) أنه مهما تعب الإنسان لا يحصل على النتيجة المطلوبة لأنه مقيّد بحكم الله المطلق. والبعض يرى في الكلام تعزية أي أن الله لا يتغير (ملاخي 3: 6) «لأَنِّي أَنَا ٱلرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ فَأَنْتُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ لَمْ تَفْنَوْا».

16 - 22 «16 وَأَيْضاً رَأَيْتُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ: مَوْضِعَ ٱلْحَقِّ هُنَاكَ ٱلظُّلْمُ، وَمَوْضِعَ ٱلْعَدْلِ هُنَاكَ ٱلْجَوْرُ! 17 فَقُلْتُ فِي قَلْبِي: ٱللّٰهُ يَدِينُ ٱلصِّدِّيقَ وَٱلشِّرِّيرَ. لأَنَّ لِكُلِّ أَمْرٍ وَلِكُلِّ عَمَلٍ وَقْتاً هُنَاكَ. 18 قُلْتُ فِي قَلْبِي: مِنْ جِهَةِ أُمُورِ بَنِي ٱلْبَشَرِ، إِنَّ ٱللّٰهَ يَمْتَحِنُهُمْ لِيُرِيَهُمْ أَنَّهُ كَمَا ٱلْبَهِيمَةِ هٰكَذَا هُمْ. 19 لأَنَّ مَا يَحْدُثُ لِبَنِي ٱلْبَشَرِ يَحْدُثُ لِلْبَهِيمَةِ، وَحَادِثَةٌ وَاحِدَةٌ لَهُمْ. مَوْتُ هٰذَا كَمَوْتِ ذَاكَ، وَنَسَمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْكُلِّ. فَلَيْسَ لِلإِنْسَانِ مَزِيَّةٌ عَلَى ٱلْبَهِيمَةِ، لأَنَّ كِلَيْهِمَا بَاطِلٌ. 20 يَذْهَبُ كِلاَهُمَا إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ. كَانَ كِلاَهُمَا مِنَ ٱلتُّرَابِ، وَإِلَى ٱلتُّرَابِ يَعُودُ كِلاَهُمَا. 21 مَنْ يَعْلَمُ رُوحَ بَنِي ٱلْبَشَرِ هَلْ هِيَ تَصْعَدُ إِلَى فَوْقٍ، وَرُوحَ ٱلْبَهِيمَةِ هَلْ هِيَ تَنْزِلُ إِلَى أَسْفَلَ، إِلَى ٱلأَرْضِ؟ 22 فَرَأَيْتُ أَنَّهُ لاَ شَيْءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَفْرَحَ ٱلإِنْسَانُ بِأَعْمَالِهِ، لأَنَّ ذٰلِكَ نَصِيبَهُ. لأَنَّهُ مَنْ يَأْتِي بِهِ لِيَرَى مَا سَيَكُونُ بَعْدَهُ؟»

ص 14: 1 و5: 8 و8: 9 ص 11: 9 وتكوين 18: 25 ومزمور 96: 13 و98: 9 ومتّى 16: 27 ورومية 2: 6 - 10 و2تسالونيكي 1: 6 - 9 ع 1 وص 8: 6 مزمور 49: 12 و20 و73: 22 ص 9: 12 ص 12: 7 وتكوين 3: 19 ومزمور 103: 14 ص 12: 7 ص 2: 24 ص 2: 18 و6: 12 و8: 7 و10: 14

فَقُلْتُ فِي قَلْبِي (ع 17) بعد ما كان تأمل في وجود الظلم في موضع الحق والجور في موضع العدل رأى لمحة نور أي أن الله يدين الصديق والشرير ويجازيهما كليهما حسب أعماله وفي كلمة «هناك» إشارة إلى حكم الله في الآخرة وبالترجمة اليسوعية «هنا لكل غرض وقت لكن هناك على كل عمل حساب». قال في قلبه ولكنه رجع إلى ما كان فيه من اليأس.

يَمْتَحِنُهُمْ فلا يفتخرون بل يعلمون أنهم يموتون كما تموت البهيمة فلا فرق بين الصديق والشرير ولا بين بني البشر والبهائم وللكل حادثة واحدة ونسمة واحدة وليس للإنسان مزية على البهيمة.

مَنْ يَعْلَمُ (ع 21) من جهة الجسد الأمر واضح فإن الجسد يموت كما تموت البهيمة وينزل إلى أسفل إلى التراب ولكن من جهة روح بني البشر فالكاتب مشكك «من يعلم».

إِلَى فَوْقٍ أي إلى مكان البقاء بعد موت الجسد.

إِلَى أَسْفَلَ أي إلى القبر حيث يتلاشى الجسد والنفس كلاهما حسب فكر الكاتب وغالباً الذين يسلّمون أنفسهم لتسلط الشهوات وأفراح العالم يشكون في وجود الله والآخرة ويحبون لو أمكن أن ينكروا وجودهما.

فَرَأَيْتُ الخ (ع 22) وهذه نتيجة بحثه والقول مكرر كثيراً في هذا السفر (انظر 2: 24 و3: 12 و5: 18 و8: 15 و9: 7).

لأَنَّ ذٰلِكَ نَصِيبَهُ أي ما يحدث له (ع 19) وهو عطية الله (ع 13) والكلام يشبه مذهب القدرية أي أن كل شيء من الله ولا يقدر الإنسان أن يغير ما قضى الله به.

لأَنَّهُ مَنْ يَأْتِي بِهِ أي يأتي به من الأموات ليرى ما يكون بعده فلا يهمه ذلك. وليس الكلام هنا تعليماً لنا لنقبله ونعمل بموجبه بل كلام المشكك ويشبه تعليم مذهب الأفيكوريين القدماء وجوابه في أقوال كثيرة من الكتاب المقدس ومن هذا السفر نفسه (11: 1 و12: 7 و13).

وكيف يتميز الإنسان عن البهيمة. ليس بالقوة الجسدية. وبالوظائف الجسدية كالبصر والسمع والشم تفوق البهائم الإنسان. وبموت جسد الإنسان كما يموت جسد البهيمة وأما الإنسان فيتميز بما أن الله خلقه على صورته تعالى وجعل فيه نفساً ناطقة خالدة تقدر أن تعرف الله والأمور الروحية وماهية الصلاة والواجب وغير الواجب وتشتاق إلى الخلاص والأبدية. فمن يهتم بما للجسد فقط فهو حيوان ليس إنساناً غير أنه لا يقدر أن يهرب من المسؤولية كإنسان. ومما يدل على أن البهيمة ليس لها بقاء بعد الموت أن الله سمح للإنسان أن يذبح الحيوان (انظر تكوين 9: 3) ومنعه عن سفك دم الإنسان (انظر تكوين 9: 6).

فوائد

  1. إن الله يدبر أمور العالم وأمور كل إنسان بمفرده فمن الحكمة الخضوع له والاتحاد معه (ع 1 - 10).

  2. إن الله صنع الكل حسناً وجميع الأتعاب والأحزان ناتجة عن الخطية (ع 11).

  3. إنه إذا ترك الإنسان الله يتركه الله ليتعلم بالاختبار ضعفه وعواقب الخطية.

اَلأَصْحَاحُ ٱلرَّابِعُ

موضوعه عدم النتيجة للذين يتعبون في طلب الخير الحقيقي في هذا العالم فإن الفقراء مظلومين والأغنياء محسودون ومن يجمع المال لا يشبع منه ولا يعرف لمن يتركه ومن يتسلط لا يثبت في سلطته ولا يفرح الشعب فيه.

1 - 6 «1 ثُمَّ رَجَعْتُ وَرَأَيْتُ كُلَّ ٱلْمَظَالِمِ ٱلَّتِي تُجْرَى تَحْتَ ٱلشَّمْسِ، فَهُوَذَا دُمُوعُ ٱلْمَظْلُومِينَ وَلاَ مُعَزٍّ لَهُمْ، وَمِنْ يَدِ ظَالِمِيهِمْ قَهْرٌ. أَمَّا هُمْ فَلاَ مُعَزٍّ لَهُمْ. 2 فَغَبَطْتُ أَنَا ٱلأَمْوَاتَ ٱلَّذِينَ قَدْ مَاتُوا مُنْذُ زَمَانٍ أَكْثَرَ مِنَ ٱلأَحْيَاءِ ٱلَّذِينَ هُمْ عَائِشُونَ بَعْدُ. 3 وَخَيْرٌ مِنْ كِلَيْهِمَا ٱلَّذِي لَمْ يُولَدْ بَعْدُ، ٱلَّذِي لَمْ يَرَ ٱلْعَمَلَ ٱلرَّدِيءَ ٱلَّذِي عُمِلَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ! 4 وَرَأَيْتُ كُلَّ ٱلتَّعَبِ وَكُلَّ فَلاَحِ عَمَلٍ أَنَّهُ حَسَدُ ٱلإِنْسَانِ مِنْ قَرِيبِهِ! وَهٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ. 5 اَلْكَسْلاَنُ يَأْكُلُ لَحْمَهُ وَهُوَ طَاوٍ يَدَيْهِ. 6 حُفْنَةُ رَاحَةٍ خَيْرٌ مِنْ حُفْنَتَيْ تَعَبٍ وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ».

ص 3: 16 و5: 8 وأيوب 35: 9 ومزمور 12: 5 وإشعياء 5: 7 مراثي 1: 9 ص 2: 17 وأيوب 3: 11 - 26 ص 6: 3 ص 2: 21 ص 1: 14 إشعياء 9: 20 أمثال 6: 10 و24: 33 أمثال 15: 16 و16: 18

رَجَعْتُ إلى قوله في 3: 16 وأما هنا فنظر إلى حال المظلومين ورق قلبه عليهم.

لاَ مُعَزٍّ لَهُمْ القول مكرر لأن الأمر أثر في المتكلم (مزمور 69: 20) «ٱنْتَظَرْتُ رِقَّةً فَلَمْ تَكُنْ وَمُعَزِّينَ فَلَمْ أَجِدْ» (مراثي 1: 2) «لَيْسَ لَهَا مُعَزٍّ مِنْ كُلِّ مُحِبِّيهَا».

فَغَبَطْتُ أَنَا ٱلأَمْوَاتَ (ع 2) كما قال أيوب (3: 1) وإرميا (20: 14) والقول مبالغة تدل على حزن شديد وهو وقتي وأما الحياة فهي من أعظم بركات الله وقليلون يرفضونها وإن كان فيها مشقات.

أَنَّهُ حَسَدُ (ع 4) والأغنياء في كل جيل يصادقون على هذا القول فإن كل غني عرضة للحسد من الذين هم أقل منه غنىً وهو أيضاً يحسد الذين هم أغنى منه.

اَلْكَسْلاَنُ يَأْكُلُ لَحْمَهُ (ع 5) إن البعض يفهمون كلمة «لحمه» بمعنى طعامه أي الجاهل يأكل طعامه البسيط بلا تعب وبلا هم ويقول «حفنة راحة» أي العيشة البسيطة مع الراحة «خير من حفنتي تعب» أي عيشة الأغنياء مع التعب. ويقول أكثر المفسرين أن «لحمه» هو لحم الكسلان وبموجب هذا التفسير القول في ع 6 قول كاتب السفر وليس قول الجاهل فلا يمدح الكسلان الذي لا يعمل مطلقاً ولا الذي يتعب تعباً زائداً بل من يرتضي بعيشة بسيطة مع تعب معتدل.

7 - 12 «7 ثُمَّ عُدْتُ وَرَأَيْتُ بَاطِلاً تَحْتَ ٱلشَّمْسِ: 8 يُوجَدُ وَاحِدٌ وَلاَ ثَانِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ ٱبْنٌ وَلاَ أَخٌ، وَلاَ نِهَايَةَ لِكُلِّ تَعَبِهِ، وَلاَ تَشْبَعُ عَيْنُهُ مِنَ ٱلْغِنَى. فَلِمَنْ أَتْعَبُ أَنَا وَأُحَرِّمُ نَفْسِي ٱلْخَيْرَ؟ هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ وَأَمْرٌ رَدِيءٌ هُوَ. 9 اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ، لأَنَّ لَهُمَا أُجْرَةً لِتَعَبِهِمَا صَالِحَةً. 10 لأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ، أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ رَفِيقُهُ. وَوَيْلٌ لِمَنْ هُوَ وَحْدَهُ إِنْ وَقَعَ، إِذْ لَيْسَ ثَانٍ لِيُقِيمَهُ. 11 أَيْضاً إِنِ ٱضْطَجَعَ ٱثْنَانِ يَكُونُ لَهُمَا دِفْءٌ. أَمَّا ٱلْوَحْدُ فَكَيْفَ يَدْفَأُ؟ 12 وَإِنْ غَلَبَ أَحَدٌ عَلَى ٱلْوَاحِدِ يَقِفُ مُقَابِلَهُ ٱلاثْنَانِ، وَٱلْخَيْطُ ٱلْمَثْلُوثُ لاَ يَنْقَطِعُ سَرِيعاً».

ص 1: 8 و5: 10 وأمثال 27: 20 ص 2: 31 ص 1: 13 و1ملوك 1: 1

لاَ ثَانِيَ لَهُ أي لا ثاني للطماع لأنه لا يريد أن يُشرك أحداً ولا ينفق شيئاً من أمواله على غيره ولا تشبع عينه من الغنى لأنه كلما ازداد غناه ازداد طمعه أيضاً يحرم نفسه الخير أي لا يحب أن ينفق على نفسه وهكذا يقضي حياته بالتعب والهموم وأخيراً يترك لغيره ما كانت تعب فيه.

اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ (ع 9) قال المثل اليد الواحدة تغسل الأخرى و «الأجرة الصالحة» هي الفرح والتعزية من الرفقة وربما أشار إلى مسافرين ومساعدة أحدهما الآخر في الطريق ودفئهما بنومهما مع بعضهما في المنزل ونصر الواحد الآخر على عدوّه.

وَٱلْخَيْطُ ٱلْمَثْلُوثُ (ع 12) للتشديد كما في (أمثال 30: 15 و18 و21 و29) أي اثنان وزيادة ولا نرى في القول إشارة إلى العائلة أي الأب والأم والولد ولا إلى الثالوث الأقدس.

13 - 16 «13 وَلَدٌ فَقِيرٌ وَحَكِيمٌ خَيْرٌ مِنْ مَلِكٍ شَيْخٍ جَاهِلٍ، ٱلَّذِي لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُحَذَّرَ بَعْدُ. 14 لأَنَّهُ مِنَ ٱلسِّجْنِ خَرَجَ إِلَى ٱلْمُلْكِ، وَٱلْمَوْلُودُ مَلِكاً قَدْ يَفْتَقِرُ. 15 رَأَيْتُ كُلَّ ٱلأَحْيَاءِ ٱلسَّائِرِينَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ مَعَ ٱلْوَلَدِ ٱلثَّانِي ٱلَّذِي يَقُومُ عِوَضاً عَنْهُ. 16 لاَ نِهَايَةَ لِكُلِّ ٱلشَّعْبِ، لِكُلِّ ٱلَّذِينَ كَانَ أَمَامَهُمْ. أَيْضاً ٱلْمُتَأَخِّرُونَ لاَ يَفْرَحُونَ بِهِ. فَهٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ!».

ص 7: 19 و9: 15 تكوين 41: 14 و41 - 43 ص 1: 14

وَلَدٌ فَقِيرٌ الخ القول عمومي غير أن البعض خصصوه لأناس معروفين كيوسف وفرعون وداود وشاول. وكثيراً ما يصبح ابن الغني فقيراً وعبده غنياً. والملك كغيره يجب أن يحذّر أي يقبل التعليم والتوبيخ.

مَعَ ٱلْوَلَدِ ٱلثَّانِي (ع 15) هو الملك الجديد الذي يسير كل الشعب معه والظاهر أن الكاتب عنى حوادث معروفة في زمانه. ويظن البعض أن الملك الشيخ الجاهل هو أنطيوكس الشهير والولد الفقير هو ديمتريوس الذي خلفه والولد الثاني هو الاسكندر الذي خلف ديمتريوس (انظر مكابيين ص 10 و11).

لاَ نِهَايَةَ لِكُلِّ ٱلشَّعْبِ ذكر بطل المجد العالمي فإن للملك في أول ملكه أتباعاً كثيرين ولكن المتأخرين أي الذين يكونون في آخر ملكه فلا يفرحون به.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْخَامِسُ

1 - 7 «1 اِحْفَظْ قَدَمَكَ حِينَ تَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ ٱللّٰهِ، فَٱلاسْتِمَاعُ أَقْرَبُ مِنْ تَقْدِيمِ ذَبِيحَةِ ٱلْجُهَّالِ، لأَنَّهُمْ لاَ يُبَالُونَ بِفِعْلِ ٱلشَّرِّ. 2 لاَ تَسْتَعْجِلْ فَمَكَ وَلاَ يُسْرِعْ قَلْبُكَ إِلَى نُطْقِ كَلاَمٍ قُدَّامَ ٱللّٰهِ. لأَنَّ ٱللّٰهَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَأَنْتَ عَلَى ٱلأَرْضِ، فَلِذٰلِكَ لِتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً. 3 لأَنَّ ٱلْحُلْمَ يَأْتِي مِنْ كَثْرَةِ ٱلشُّغْلِ، وَقَوْلَ ٱلْجَهْلِ مِنْ كَثْرَةِ ٱلْكَلاَمِ. 4 إِذَا نَذَرْتَ نَذْراً لِلّٰهِ فَلاَ تَتَأَخَّرْ عَنِ ٱلْوَفَاءِ بِهِ. لأَنَّهُ لاَ يُسَرُّ بِٱلْجُهَّالِ. فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَهُ. 5 أَنْ لاَ تَنْذُرُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَنْذُرَ وَلاَ تَفِيَ. 6 لاَ تَدَعْ فَمَكَ يَجْعَلُ جَسَدَكَ يُخْطِئُ. وَلاَ تَقُلْ قُدَّامَ ٱلْمَلاَكِ: إِنَّهُ سَهْوٌ. لِمَاذَا يَغْضَبُ ٱللّٰهُ عَلَى قَوْلِكَ وَيُفْسِدُ عَمَلَ يَدَيْكَ؟ 7 لأَنَّ ذٰلِكَ مِنْ كَثْرَةِ ٱلأَحْلاَمِ وَٱلأَبَاطِيلِ وَكَثْرَةِ ٱلْكَلاَمِ. وَلٰكِنِ ٱخْشَ ٱللّٰهَ».

(ص 4: 17 في العبراني) خروج 3: 5 و30: 18 - 20 وإشعياء 1: 12 و1صموئيل 15: 22 وأمثال 15: 8 و21: 27 (ص 5: 1 في العبراني) أمثال 20: 25 أمثال 10: 19 ومتّى 6: 7 ص 10: 14 وأيوب 11: 2 عدد 30: 2 ومزمور 50: 14 و76: 11 مزمور 66: 13 و14 أمثال 20: 25 وأعمال 5: 4 لاويين 4: 2 و22 وعدد 15: 25 الخ ص 3: 14 و7: 18 و8: 12 و12: 13

اِحْفَظْ قَدَمَكَ يقول البعض أن حفظ القدم هو إصلاح السلوك (مزمور 119: 101) «مِنْ كُلِّ طَرِيقِ شَرٍّ مَنَعْتُ رِجْلَيَّ» فهو الاستعداد الواجب للذهاب إلى بيت الله. وغيرهم وجدوا إشارة إلى خلع الأحذية (انظر خروج 3: 5 ويشوع 5: 15) أي الذهاب إلى بيت الله يجب أن يكون باحترام مقدس. وبيت الله هو المجمع.

فَٱلاسْتِمَاعُ أَقْرَبُ مِنْ تَقْدِيمِ ذَبِيحَةِ (انظر 1صموئيل 15: 22 ومزمور 50 وميخا 6: 6 - 8). والجهال لا يبالون بفعل الشر أي من جهلهم يخطئون بلا فكر.

لاَ تَسْتَعْجِلْ فَمَكَ (ع 2) يجب التأمل والاستعداد القلبي قبل نطق كلام قدام الله أي قبل الصلاة ويجب أن ندنو منه باحترام مقدس كما علمنا يسوع قائلاً «أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك» ويجب أن تكون كلماتنا قليلة بخلاف صلوات الوثنيين (انظر متّى 6: 7 و8) غير أنه لا ينهانا عن كثرة الكلام وتكراره في الصلوات الحارة الحقيقية.

ٱلْحُلْمَ... قَوْلَ ٱلْجَهْلِ (ع 3) في الحلم تصورات بلا عقل وبلا ترتيب وإذا كثر الشغل والهم بالنهار تُرى هذه الأشغال في أحلام الليل ولكنه بلا علاقة طبيعية وبلا عقل وهكذا قول الجهل.

إِذَا نَذَرْتَ (ع 4) (انظر تثنية 23: 22 و23) والنذور لا توافق أيام العهد الجديد (1) لأننا لا نعرف المستقبل فنقصد شيئاً اليوم وغداً لا نستحسنه ولا نقدر أن نعمله بسبب تغير الأحوال (2) لأننا لا نشترط على الرب فإنه وعدنا بأنه يعطينا مهما طلبنا منه في الصلاة (انظر يوحنا 14: 14) ونحن كذلك نعده بأننا نعمل مهما طلب منا وكله بلا شرط (3) لأنه يكفينا عهودنا الجامعة كعهد المعمودية والزواج والدخول في عضوية الكنيسة والرسامة الخ. وإذا نذر أحد نذراً ثم وجد فيه خطية فيجب أن لا يفي النذر.

لاَ يُسَرُّ بِٱلْجُهَّالِ الذين ينذورن على الفور ثم يندمون ويبطلون.

أَنْ لاَ تَنْذُرُ خَيْرٌ (ع 5) (انظر أعمال 5: 4) والقول يطابق الذين يتكلمون بالتدين والإخلاص والمحبة لله والغيرة لخدمته ولكنهم لا يعلمون شيئاً فلا يسر الله بهم وأشد ويلات يسوع كانت على الفريسيين المرائين.

يَجْعَلُ جَسَدَكَ يُخْطِئُ (ع 6) الجسد هو الإنسان كله (انظر 2: 3 و11: 10 وأمثال 14: 30 ويعقوب 3: 2).

ٱلْمَلاَكِ هو مرسل من قبل الله ولعله الكاهن «لأنه رسول رب الجنود» (ملاخي 2: 7 وبالعبراني «ملاك») والقول «أنه سهو» يدل على الاستخفاف والإهانة فإنه لا يليق القول «لم أفتكر» أو «نسيت» في أمور مقدسة كالنذور. ويقول البعض إن الملاك هو أحد ملائكة الله في السماء وهو المعيّن من الله ليجري للإنسان ما يستحقه من المجازاة.

وَيُفْسِدُ عَمَلَ يَدَيْكَ لا يقبل الله تقدمات الذين يقتربون إليه بالكلام والفرائض وهم بعيدون عنه في قلوبهم وأعمالهم (انظر إشعياء 29: 13).

ٱلأَحْلاَمِ (ع 7) انظر ع 3 وكلمة ذلك تشير إلى نكث النذور والقول هنا أنه ناتج عن كثرة الأحلام أي أفكار بلا عقل وكلام بلا معنى.

وَلٰكِنِ ٱخْشَ ٱللّٰهَ كان ذكر الأحلام والأباطيل وكثرة كلام الجهال وخاتمة كلامه في هذا الموضوع أنه خير للإنسان أن يتجنب ذلك كله ويخشى الله وأوامره الثابتة.

8 - 17 «8 إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ ٱلْفَقِيرِ وَنَزْعَ ٱلْحَقِّ وَٱلْعَدْلِ فِي ٱلْبِلاَدِ فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ ٱلأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ ٱلْعَالِي عَالِياً يُلاَحِظُ، وَٱلأَعْلَى فَوْقَهُمَا. 9 وَمَنْفَعَةُ ٱلأَرْضِ لِلْكُلِّ. ٱلْمَلِكُ مَخْدُومٌ مِنَ ٱلْحَقْلِ. 10 مَنْ يُحِبُّ ٱلْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ ٱلْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ ٱلثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْلٍ. هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. 11 إِذَا كَثُرَتِ ٱلْخَيْرَاتُ كَثُرَ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا، وَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِصَاحِبِهَا إِلاَّ رُؤْيَتَهَا بِعَيْنَيْهِ؟ 12 نَوْمُ ٱلْمُشْتَغِلِ حُلْوٌ إِنْ أَكَلَ قَلِيلاً أَوْ كَثِيراً، وَوَفْرُ ٱلْغَنِيِّ لاَ يُرِيحُهُ حَتَّى يَنَامَ. 13 يُوجَدُ شَرٌّ خَبِيثٌ رَأَيْتُهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ: ثَرْوَةٌ مَصُونَةٌ لِصَاحِبِهَا لِضَرَرِهِ. 14 فَهَلَكَتْ تِلْكَ ٱلثَّرْوَةُ بِأَمْرٍ سَيِّئٍ، ثُمَّ وَلَدَ ٱبْناً وَمَا بِيَدِهِ شَيْءٌ. 15 كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ عُرْيَاناً يَرْجِعُ ذَاهِباً كَمَا جَاءَ، وَلاَ يَأْخُذُ شَيْئاً مِنْ تَعَبِهِ فَيَذْهَبُ بِهِ فِي يَدِهِ. 16 وَهٰذَا أَيْضاً مَصِيبَةٌ رَدِيئَةٌ. فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا جَاءَ هٰكَذَا يَذْهَبُ، فَأَيَّةُ مَنْفَعَةٍ لَهُ لِلَّذِي تَعِبَ لِلرِّيحِ؟ 17 أَيْضاً يَأْكُلُ كُلَّ أَيَّامِهِ فِي ٱلظَّلاَمِ، وَيَغْتَمُّ كَثِيراً مَعَ حُزْنٍ وَغَيْظٍ».

ص 4: 1 حزقيال 18: 18 و1بطرس 4: 12 خروج 2: 25 ومزمور 12: 50 ص 2: 10 و11 ص 2: 9 أمثال 3: 24 ص 6: 2 أيوب 1: 21 مزمور 49: 17 و1تيموثاوس 6: 7 ص 1: 3 و2: 11 و3: 9 أمثال 11: 29 ص 2: 23

وَٱلأَعْلَى فَوْقَهُمَا يرى البعض ثلاث رتب من الحكام أي حاكم وحاكم أعلى منه وحاكم فوقهما (وبالعبراني «حكام فوقهما») وكلهم ظالمون فلا فائدة من رفع الدعوى إلى حاكم أعلى. ومعنى القول «منفعة الأرض للكل الخ» (ع 9) إن كل الحكام ظالمون ويأخذون منفعة الأرض كلها والملك يأخذ منفعة الحقل أي البرية فلا يبقى شيء للفلاحين. ويقول غيرهم إن الأعلى هو الله وهو فوق الملك وجميع الحكام فيجب أن يرتاع الإنسان من وجود الظلم ونزع الحق لأن الله يملك بالعدل والحق ويعرف كل شيء ويجازي كل إنسان حسب أعماله. وبموجب هذا التفسير الفائدة من ع 9 هي أن الزراعة أساس النجاح في كل مملكة وإن لم ينجح الفلاحون لا ينجح التجار ولا أصحاب الصنائع والملك نفسه مخدوم من الحقل أي دخله من الأرض وبدونه لا يقدر أن يعمل شيئاً.

مَنْ يُحِبُّ ٱلْفِضَّةَ (ع 10) بالفضة أي المال يحصل الإنسان على ما يلزم للجسد كالمأكولات والملبوسات والمساكن ووسائط الراحة والكيف ونوعاً من الاعتبار والطمأنينة فيحب الفضة ولكنه لا يشبع منها لأنه ليس كالبهائم ليكتفي بما للجسد بل له نفس تشتاق إلى أفضل أي إلى الله (انظر المزامير 16: 11 و17: 15 و23: 1 و73: 23 - 28 الخ) ولعله لا يعرف لماذا لا يشبع فيكثر المال لزعمه أنه يشبع إذا كثره وذلك باطل.

كَثُرَ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا (ع 11) الذين يخدمونه والذين يطلبون معونة فيثقلون عليه (انظر إشعياء 22: 24) «فيعلقون عليه كل مجد بيت أبيه».

لِضَرَرِهِ (ع 13) (1) لأن من يحب المال ولو اغتنى بالجسد يفتقر بالنفس فيتقسى قلبه ويفقد عواطف الرحمة والشفقة وتعزيات الإيمان والرجاء بخيرات أفضل من المال «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه» (2) لأنه من المحتمل أنه يخسر المال الذي تعب في جمعه «بأمر سيء» كأمر السرقة أو إفلاس الذين استقرضوا منه فلا يكون له شيء ليتركه لأولاده (3) لأنه ولو حفظ ماله وتركه لابنه ربما الابن يصرفه بعيش مسرف فيكون مال أبيه سبباً لهلاكه.

يَرْجِعُ ذَاهِباً (ع 15) كما دخل العالم وليس بيده شيء هكذا يخرج منه. والاعتبار لدخوله وخروجه فقط وليس لكيفية دخوله بالولادة من أمه.

فِي ٱلظَّلاَمِ (ع 17) من بخله لا يضيء سراجاً. أو مجازاً يأكل طعامه بلا فرح وإن كان بيته مضيئا ومزيناً.

18 - 20 «18 هُوَذَا ٱلَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا خَيْراً ٱلَّذِي هُوَ حَسَنٌ: أَنْ يَأْكُلَ ٱلإِنْسَانُ وَيَشْرَبَ وَيَرَى خَيْراً مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ ٱلَّذِي يَتْعَبُ فِيهِ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ ٱلَّتِي أَعْطَاهُ ٱللّٰهُ إِيَّاهَا، لأَنَّهُ نَصِيبُهُ. 19 أَيْضاً كُلُّ إِنْسَانٍ أَعْطَاهُ ٱللّٰهُ غِنىً وَمَالاً وَسَلَّطَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ وَيَفْرَحَ بِتَعَبِهِ، فَهٰذَا هُوَ عَطِيَّةُ ٱللّٰهِ. 20 لأَنَّهُ لاَ يَذْكُرُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ كَثِيراً، لأَنَّ ٱللّٰهَ مُلْهِيهِ بِفَرَحِ قَلْبِهِ».

ص 2: 24 ص 2: 10 ص 6: 2 و1أيام 1: 12 ص 6: 1 ص 3: 13

ٱلَّذِي رَأَيْتُهُ ذكر الكاتب نتيجة اختباره أي يجب الشكر لله على أمرين الأول إن الله أعطاه الحياة والثاني أن الله أعطاه مالاً (أو ما يكفيه منه) وسلّطه عليه أي أعطاه المكنة ليفرح فيه.

لأَنَّهُ لاَ يَذْكُرُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ كَثِيراً (ع 20) لا يذكر أن أيام حياته قليلة فيغتم بل يقبل بالشكر عطايا الله ويفرح فيها.

لأَنَّ ٱللّٰهَ مُلْهِيهِ يعزيه ويعوّض عليه بأفراح وبركات. وكما يجب أن لا يهتم بالمستقبل هكذا يجب أن لا يحزن كثيراً على ما مضى من حياته بل يفرح بالخيرات التي أنعم الله بها ويهتم بإتمام الواجبات الحاضرة. وللذين يخافون الله أفراح الحياة كثيرة وإذا مضت أيامها سريعاً لهم يقين الرجاء بالأبدية.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّادِسُ

1، 2 «1 يُوجَدُ شَرٌّ قَدْ رَأَيْتُهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ وَهُوَ كَثِيرٌ بَيْنَ ٱلنَّاسِ: 2 رَجُلٌ أَعْطَاهُ ٱللّٰهُ غِنىً وَمَالاً وَكَرَامَةً، وَلَيْسَ لِنَفْسِهِ عَوَزٌ مِنْ كُلِّ مَا يَشْتَهِيهِ، وَلَمْ يُعْطِهِ ٱللّٰهُ ٱسْتِطَاعَةً عَلَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، بَلْ يَأْكُلُهُ إِنْسَانٌ غَرِيبٌ. هٰذَا بَاطِلٌ وَمُصِيبَةٌ رَدِيئَةٌ هُوَ».

ص 5: 12 و1ملوك 3: 13 مزمور 17: 14 و73: 7

يُوجَدُ شَرٌّ رجع الكاتب إلى ما كان في صدده (4: 7 و8) لأنه لم يجد للمسألة حلاً.

لَمْ يُعْطِهِ ٱللّٰهُ ٱسْتِطَاعَةً لم يعطه أن يبقى في التمتع بماله بل بعد سرور سني حياته يلتزم أن يتركه لإنسان غريب أي ليس من نسله. انظر قول إبراهيم (تكوين 15: 2) «أَنَا مَاضٍ عَقِيماً، وَمَالِكُ بَيْتِي هُوَ أَلِيعَازَرُ ٱلدِّمَشْقِيُّ».

3 - 8 «3 إِنْ وَلَدَ إِنْسَانٌ مِئَةً، وَعَاشَ سِنِينَ كَثِيرَةً حَتَّى تَصِيرَ أَيَّامُ سِنِيهِ كَثِيرَةً، وَلَمْ تَشْبَعْ نَفْسُهُ مِنَ ٱلْخَيْرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَيْضاً دَفْنٌ، فَأَقُولُ: إِنَّ ٱلسِّقْطَ خَيْرٌ مِنْهُ. 4 لأَنَّهُ فِي ٱلْبَاطِلِ يَجِيءُ وَفِي ٱلظَّلاَمِ يَذْهَبُ، وَٱسْمُهُ يُغَطَّى بِٱلظَّلاَمِ. 5 وَأَيْضاً لَمْ يَرَ ٱلشَّمْسَ وَلَمْ يَعْلَمْ. فَهٰذَا لَهُ رَاحَةٌ أَكْثَرُ مِنْ ذَاكَ. 6 وَإِنْ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ مُضَاعَفَةً وَلَمْ يَرَ خَيْراً، أَلَيْسَ إِلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يَذْهَبُ ٱلْجَمِيعُ؟ 7 كُلُّ تَعَبِ ٱلإِنْسَانِ لِفَمِهِ وَمَعَ ذٰلِكَ فَٱلنَّفْسُ لاَ تَمْتَلِئُ. 8 لأَنَّهُ مَاذَا يَبْقَى لِلْحَكِيمِ أَكْثَرَ مِنَ ٱلْجَاهِلِ. مَاذَا لِلْفَقِيرِ ٱلْعَارِفِ ٱلسُّلُوكَ أَمَامَ ٱلأَحْيَاءِ؟».

إشعياء 14: 20 وإرميا 8: 2 و22: 19 ص 4: 3 وأيوب 3: 16 ص 2: 14 أمثال 16: 26 ص 2: 15

إِنْ وَلَدَ إِنْسَانٌ مِئَةً كرحبعام (انظر 2أيام 11: 21) وأخآب (انظر 2ملوك 10: 1) وهذا الفرض عكس ما سبقه. مات ذاك بلا نسل وولد هذا مئة ولكن لكليهما مصيبة واحدة أي عدم الشبع وبالآخر الموت. قيل أن أرتحشثتا ملك فارس ولد 115 ولداً وعاش 94 سنة ومات حزيناً من سلوك أولاده.

لَيْسَ لَهُ أَيْضاً دَفْنٌ كان الدفن عند القدماء أمراً مهماً جداً. قيل في شلوم ملك يهوذا (إرميا 22: 19) «يُدْفَنُ دَفْنَ حِمَارٍ مَسْحُوباً وَمَطْرُوحاً بَعِيداً عَنْ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ» انظر أيضاً مصيبة إيزابل (2ملوك 9: 35) ويهورام (2أيام 21: 20) الذي «ذَهَبَ غَيْرَ مَأْسُوفٍ عَلَيْهِ» فهو كمن ليس له دفن. والسقط كناية عن كل مشروع بلا نتيجة مرضية. والسقط خير منه لأنه يجيء ويذهب ولا يرى الشمس أي لا يحيا في هذا العالم الشرير ولا يعرف خيراً ولا شراً وليس له اسم. والطمّاع يشبه السقط بما أنه لا يعمل خيراً ولا يُذكر بعد موته ويذهب بالظلام ويُغطّى اسمه. والسقط خير منه لأن ليس عليه مسؤولية ولا خطية. ومن لا يعتبر اسم الله في زمان حياته لا يكون له اسم بعد موته.

أَلْفَ سَنَةٍ مُضَاعَفَةً (ع 6) مضاعف عمر متوشالح وهو أكبر الناس عمراً. وحياة الإنسان في هذا العالم وإن كانت قصيرة تكفي لامتحانه فإن من لا يتعلم من اختبار سبعين سنة لا يتعلم ولو عاش ألفي سنة. ومهما كانت حياة الإنسان طويلة آخرها القبر.

كُلُّ تَعَبِ ٱلإِنْسَانِ لِفَمِهِ (ع 7) أي ليحصّل طعامه وهذا التعب لا ينتهي لأن الشهية ترجع بعد الشبع. قيل إن الفم صغير والشهية كبيرة فإن الإنسان من طمعه يطلب أكثر مما يلزمه للجسد.

فَٱلنَّفْسُ لاَ تَمْتَلِئُ لأن نفس الإنسان ليست كنفس البهيمة فلا تشبع مما للجسد.

مَاذَا يَبْقَى لِلْحَكِيمِ (ع 8) نظراً إلى الجسد الحكيم كالجاهل فإنه يحتاج إلى الطعام كالجاهل. كان الرسول بولس يعمل بيديه لكي يأكل.

مَاذَا لِلْفَقِيرِ الخ لعل تكملة الجملة كما في الجملة السابقة «أكثر من الجاهل». وجواب هذا السؤال في العدد التالي.

9 - 12 «9 رُؤْيَةُ ٱلْعُيُونِ خَيْرٌ مِنْ شَهْوَةِ ٱلنَّفْسِ. هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ وَقَبْضُ ٱلرِّيحِ. 10 ٱلَّذِي كَانَ فَقَدْ دُعِيَ بِٱسْمٍ مُنْذُ زَمَانٍ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَنَّهُ إِنْسَانٌ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَاصِمَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ. 11 لأَنَّهُ تُوجَدُ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تَزِيدُ ٱلْبَاطِلَ. فَأَيُّ فَضْلٍ لِلإِنْسَانِ؟ 12 لأَنَّهُ مَنْ يَعْرِفُ مَا هُوَ خَيْرٌ لِلإِنْسَانِ فِي ٱلْحَيَاةِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاةِ بَاطِلِهِ ٱلَّتِي يَقْضِيهَا كَٱلظِّلِّ؟ لأَنَّهُ مَنْ يُخْبِرُ ٱلإِنْسَانَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ؟».

ص 11: 9 ص 1: 14 ص 1: 9 و3: 15 أمثال 21: 30 وأيوب 9: 32 و40: 2 وإشعياء 45: 9 ص 3: 22

رُؤْيَةُ ٱلْعُيُونِ... شَهْوَةِ ٱلنَّفْسِ الحكيم يرى والجاهل يشتهي فإنه من الحكمة أن الإنسان يرى ما له من الخيرات ومن الفرص للخدمة ويرى أن في كل شيء يد الله وعنايته الأبوية. وأما الجاهل فيتذمر ويشتهي ما ليس له كالإسرائيليين الذين اشتهوا السمك والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم ولم يروا أن الرب معهم وأنه كان حررهم من عبودية مصر.

هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ أي الشهوة وعدم القناعة.

ٱلَّذِي كَانَ (ع 10) وبالعبرانية «ما كان» كما في 10: 9 «ما كان فهو ما يكون» (انظر 3: 9 - 15).

فَقَدْ دُعِيَ بِٱسْمٍ مُنْذُ زَمَانٍ الاسم ما يميز شيئاً عن غيره أو إنساناً عن غيره والاسم يشمل جميع صفات الإنسان وأعماله وهذه الصفات والأعمال معروفة ومقضي بها منذ زمان.

إِنَّهُ إِنْسَانٌ إشارة إلى أن الله جبل الإنسان تراباً وقال له «أَنتَ تُرَابٌ وَإِلَى التُرَابٍ تَعُودُ» (تكوين 3: 19) أي الإنسان فانٍ نظراً إلى الجسد وكل الخيرات الجسدية فانية ومعنى الاسم آدم «الأحمر أو الترابي».

مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ الإنسان لكونه جسداً ومن التراب لا يقدر أن يخاصم الله القدير والبعض ومنهم مفسرون من اليهود يقولون إن الأقوى من الإنسان هو الموت.

أُمُورٌ كَثِيرَةٌ (ع 11) هي المذكورة سابقاً أي إذا ازداد الغنى ازدادت أيضاً الهموم وإذا ازداد المجد العالمي ازداد أيضاً الحسد من الناس وإذا ازدادت المعرفة ازداد أيضاً الشعور بالضعف ولعل الإنسان في أول حياته يرجو من الخير ما يشبع النفس ولكن عندما يزداد اختباره ومعرفته يزداد أيضاً شعوره بأن الكل باطل. ومعرفته يزداد أيضاً شعوره بأن الكمال باطل. والكلام هنا في الخيرات العالمية بغض النظر عن معرفة الله والأبدية التي بالإعلان من الله.

مَنْ يَعْرِفُ (ع 12) عجز الفلاسفة القدماء عن معرفة خير الإنسان الحقيقي وغاية وجوده وقول الكاتب هنا قول مرتاب فإنه بلا نور العهد الجديد.

كَٱلظِّلِّ (انظر أيوب 29: 15) الظل يُرى ولا يُحس ولا يبقى في مكان إلا قليلاً من الزمان.

بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ أي ما يحدث في هذا العالم بعد وفاته.

ولعل هذا الكلام يحمل البعض على اليأس لأنه إذا كان الله يقضي بكل ما يحدث فليس للإنسان عمل. ولكنه يبعث غيرهم على الرجاء لأن الذي يقضي بكل شيء هو إله محبة لكل بشر ويكلم الإنسان كذي عقل وضمير وحرية ومسؤولية.

اَلأَصْحَاحُ ٱلسَّابِعُ

1 - 7 «1 اَلصِّيتُ خَيْرٌ مِنَ ٱلدُّهْنِ ٱلطَّيِّبِ، وَيَوْمُ ٱلْمَمَاتِ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ ٱلْوِلاَدَةِ. 2 اَلذَّهَابُ إِلَى بَيْتِ ٱلنَّوْحِ خَيْرٌ مِنَ ٱلذَّهَابِ إِلَى بَيْتِ ٱلْوَلِيمَةِ، لأَنَّ ذَاكَ نِهَايَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَٱلْحَيُّ يَضَعُهُ فِي قَلْبِهِ. 3 اَلْحُزْنُ خَيْرٌ مِنَ ٱلضَّحِكِ، لأَنَّهُ بِكَآبَةِ ٱلْوَجْهِ يُصْلَحُ ٱلْقَلْبُ. 4 قَلْبُ ٱلْحُكَمَاءِ فِي بَيْتِ ٱلنَّوْحِ، وَقَلْبُ ٱلْجُهَّالِ فِي بَيْتِ ٱلْفَرَحِ. 5 سَمْعُ ٱلانْتِهَارِ مِنَ ٱلْحَكِيمِ خَيْرٌ لِلإِنْسَانِ مِنْ سَمْعِ غِنَاءِ ٱلْجُهَّالِ، 6 لأَنَّهُ كَصَوْتِ ٱلشَّوْكِ تَحْتَ ٱلْقِدْرِ هٰكَذَا ضِحْكُ ٱلْجُهَّالِ. هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. 7 لأَنَّ ٱلظُّلْمَ يُحَمِّقُ ٱلْحَكِيمَ، وَٱلْعَطِيَّةَ تُفْسِدُ ٱلْقَلْبَ».

أمثال 22: 1 ع 8 وص 4: 2 ص 2: 16 و3: 19 و20 و6: 6 و9: 2 و3 مزمور 90: 12 ص 2: 2 و2كورنثوس 7: 1 ص 9: 17 ومزامير 141: 5 وأمثال 6: 23 و13: 18 و15: 31 و32 و25: 12 مزمور 58: 9 و118: 12 ص 2: 2 ص 4: 1 و5: 8 خروج 23: 8 وتثنية 16: 19 وأمثال 17: 8 و23

ٱلدُّهْنِ ٱلطَّيِّبِ (انظر نشيد الأنشاد 1: 3) «ٱسْمُكَ دُهْنٌ مُهْرَاقٌ» و(مزمور 45: 8 وعاموس 6: 6 ولوقا 7: 37 و38). كان الدهن من أفضل التنعمات. وقول الجامعة إن الصيت أي المدح والاعتبار من الناس أفضل منه لأن الدهن لمكان وزمان وأما الصيت فلكل مكان وزمان. والدهن للجسد فقط والصيت للإنسان كله فيشمل كل صفاته العقلية والأدبية وكل أعماله وحياته. دهنت مريم رأس يسوع بالطيب الثمين فأعطاها يسوع عوض الطيب اسماً يُذكر في كل العالم إلى الأبد (متّى 26: 13). والصيت هنا ليس الاسم الكاذب بل كون الإنسان كاسمه.

يَوْمُ ٱلْمَمَاتِ (4: 2 و3) والولادة هي الدخول في حياة مجهولة ربما تكون حياة مشقات وشرور وأما الموت فهو نهاية الجهاد والراحة بعد التعب. والموت مغبوط لمن كان صيته حسناً في حياته. قال الرسول «قَدْ جَاهَدْتُ ٱلْجِهَادَ ٱلْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ ٱلسَّعْيَ، حَفِظْتُ ٱلإِيمَانَ» (2تيموثاوس 4: 7) وقال أيضاً «لِيَ ٱشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدّاً».

اَلذَّهَابُ إِلَى بَيْتِ ٱلنَّوْحِ (ع 2) من عوائد اليهود أن ينوحوا على الميت سبعة أيام. وعلى هارون بكوا ثلاثين يوماً (انظر عدد 20: 29) وعلى موسى كذلك (انظر تثنية 34: 8) وكانوا يجتمعون ليعزوا أهل الميت (انظر يوحنا 11: 31). وفي بيت نوح فرصة للتأمل في أمور الحياة والموت والأبدية وأما في بيت الوليمة فأفراح جسدية وما يُلهي الإنسان عن ما يختص بالنفس. ولكن قول الكاتب لا يصح مطلقاً فإنه لا يوافق الإنسان أن يفتكر كثيراً في الموت بل أن يفتكر في الخدمة اليومية وأحسن استعداد للموت هو الحياة المفيدة.

ٱلانْتِهَارِ مِنَ ٱلْحَكِيمِ (ع 5) يفيد السامع وإن كان غير مقبول في الزمان الحاضر وغناء الجهال على الغالب مدح الخطية كالسكر والزنى فيميت الضمير ويهيج الشهوات.

صَوْتِ ٱلشَّوْكِ (ع 6) عندما يحترق الشوك يعطي صوتاً قوياً ولهيباً عالياً ولكنه لوقت فقط وفائدته قليلة. وكذلك ضحك الجهال لأنه بلا فائدة أو تعزية أو تسلية حقيقية. والحكماء يضحكون والضحك مفيد للجسد وللنفس ولكن له وقت ومكان ولا يخرج عن دائرة العقل واللياقة (3: 4).

لا يصح اتصال الكلام في (ع 7) ولعل الجامعة كتب هذه الفوائد كما يكتب إنسان أفكاراً وفوائد شتى في دفتره اليومي بلا علاقة بعضها في بعض.و «الحكيم» هو الظالم أو المظلوم والأرجح أنه الظلام بناء على تكملة الجملة «والعطية تفسد القلب» فالحكيم إذا ظلم يفسد قلبه ويتغير عن ما كان أصلاً ويصير أحمق.

8 - 14 «8 نِهَايَةُ أَمْرٍ خَيْرٌ مِنْ بَدَايَتِهِ. طُولُ ٱلرُّوحِ خَيْرٌ مِنْ تَكَبُّرِ ٱلرُّوحِ. 9 لاَ تُسْرِعْ بِرُوحِكَ إِلَى ٱلْغَضَبِ، لأَنَّ ٱلْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حِضْنِ ٱلْجُهَّالِ. 10 لاَ تَقُلْ: لِمَاذَا كَانَتِ ٱلأَيَّامُ ٱلأُولَى خَيْراً مِنْ هٰذِهِ؟ لأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ حِكْمَةٍ تَسْأَلُ عَنْ هٰذَا. 11 اَلْحِكْمَةُ صَالِحَةٌ مِثْلُ ٱلْمِيرَاثِ، بَلْ أَفْضَلُ لِنَاظِرِي ٱلشَّمْسِ. 12 لأَنَّ ٱلَّذِي فِي ظِلِّ ٱلْحِكْمَةِ هُوَ فِي ظِلِّ ٱلْفِضَّةِ، وَفَضْلُ ٱلْمَعْرِفَةِ هُوَ أَنَّ ٱلْحِكْمَةَ تُحْيِي أَصْحَابَهَا. 13 اُنْظُرْ عَمَلَ ٱللّٰهِ، لأَنَّهُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَقْوِيمِ مَا قَدْ عَوَّجَهُ؟ 14 فِي يَوْمِ ٱلْخَيْرِ كُنْ بِخَيْرٍ، وَفِي يَوْمِ ٱلشَّرِّ ٱعْتَبِرْ. إِنَّ ٱللّٰهَ جَعَلَ هٰذَا مَعَ ذَاكَ لِكَيْلاَ يَجِدَ ٱلإِنْسَانُ شَيْئاً بَعْدَهُ».

ع 1 أمثال 14: 29 و16: 32 وغلاطية 5: 22 وأفسس 4: 2 أمثال 14: 17 ويعقوب 1: 19 أمثال 8: 10 و11 ع 19 وص 9: 18 أمثال 3: 18 و8: 35 ص 3: 11 و8: 17 ص 1: 15 ص 3: 22 و9: 7 وتثنية 26: 11 تثنية 8: 5 ص 3: 22

نِهَايَةُ أَمْرٍ خَيْرٌ مِنْ بَدَايَتِهِ (1) لأن الأمر مجهول عند بدايته ومعروف عند نهايته كذهاب جندي إلى الحرب ورجوعه ظافراً (2) لأن بداية الأمر بداية تعب ونهايته بداية راحة. فيجب على كل إنسان أن يعيش هكذا حتى يكون آخر حياته خيراً من أولها.

لاَ تُسْرِعْ (ع 9) لا يسرع الحكيم إلى الكلام ولا إلى الغضب بل يسمع ويتأمل والكلام في نهاية الأمر خير منه في البداية.

ٱلْغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حِضْنِ ٱلْجُهَّالِ الجاهل يتكلم ويحكم في البداية قبل ما يفهم الأمر ثم من جهله يصرّ على قوله ولو وضح غلطه.

ٱلأَيَّامُ ٱلأُولَى (ع 10) كثيراً ما يمدح المتقدمون في السن والعواجز عن العمل ما كان لهم يد فيه ويحتقرون ما يعمله غيرهم في الأيام الحاضرة ومن أراد أن يحكم حكماً عادلاً فعليه أن ينظر إلى الأيام الأولى وإلى الأيام الحاضرة بلا تغرض وإذ ذاك فلا بد أن يرى التقدم المتواصل في العالم وإن وُجد بعض شرور في الأيام الحاضرة فإن الله هو العامل في العالم وملكوته على الكل يسود.

بَلْ أَفْضَلُ (ع 11) (1) لأنه بالحكمة يقدر الإنسان أن يحصل معيشته (2) لأن الحكمة هي في داخل الإنسان ولا تنفصل عنه وأما المال فللجسد وقد يُخسر (3) لأن الحكمة للنفس وأما المال فللجسد.

لِنَاظِرِي ٱلشَّمْسِ أي الأحياء. ومن فوائد الحكمة العمل وليس التأمل فقط.

ظِلِّ ٱلْحِكْمَةِ (ع 12) «ظِلِّ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فِي أَرْضٍ مُعْيِيَةٍ» (إشعياء 32: 2) والفضة أي المال ظل لأن الناس يلجأون إليها لتصونهم من الضيق. وفي الترجمة اليسوعية «الحكمة مع الغنى أفضل... لأنهم إذ ذاك في ظل الحكمة وظل الفضة» أي يلزم الإنسان الحكمة والمال معاً. و «الحكمة تحيي أصحابها» لأنها تعلم الناس طرقاً لتحصيل معيشتهم وتحييهم أيضاً حياة عقلية وأدبية كما من مطالعة الكتب ومعاشرة الأفاضل ومشاهدة الجمال في الصور وفي الطبيعة وما أشبه ذلك.

مَا قَدْ عَوَّجَهُ (ع 13) أعمال الله جميعها مستقيمة «يَدِينُ ٱلشُّعُوبَ بِٱلاسْتِقَامَةِ» (مزمور 9: 8) ولكن بعض أعماله تظهر لنا كأنها معوجة لأننا لا نقدر أن نفهمها أو لأنها ليست بحسب إرادتنا ولكننا لا نقدر أن نغير شيئاً ولو عرفنا كل شيء لما كنا نريد أن نغير شيئاً فيجب عندما ننظر إلى عمل الله أن نسلم لإرادته.

كُنْ بِخَيْرٍ (ع 14) أي اقبله بالشكر واستعمله حسناً.

ٱعْتَبِرْ اعتبر المصيبة أنها من الله وهو قاصد بها خيراً.

جَعَلَ هٰذَا مَعَ ذَاكَ ليست الحياة كلها خيراً ولا كلها شراً والله رتب أمورها.

لِكَيْلاَ يَجِدَ ٱلإِنْسَانُ شَيْئاً بَعْدَهُ (انظر 3: 22) أي رتب الله أمور حياة الإنسان هكذا لكي لا يقدر أن يعرف مستقبله فعليه أن يفرح بالخير الحاضر وإن كان لا يعرف أنه يدوم ويصير في الضيق الحاضر وإن كان لا يعرف أنه يزول. وحياة الإنسان بالإيمان وليس بالعيان. وبالترجمة اليسوعية «لئلا يطلع البشر على شيء مما يكون فيما بعد» وعلى تفسير اليهود «لكي لا يجد الإنسان شيئاً من النقص في تدبير الله».

15 - 22 «15 قَدْ رَأَيْتُ ٱلْكُلَّ فِي أَيَّامِ بُطْلِي. قَدْ يَكُونُ بَارٌّ يَبِيدُ فِي بِرِّهِ، وَقَدْ يَكُونُ شِرِّيرٌ يَطُولُ فِي شَرِّهِ. 16 لاَ تَكُنْ بَارّاً كَثِيراً وَلاَ تَكُنْ حَكِيماً بِزِيَادَةٍ. لِمَاذَا تَخْرِبُ نَفْسَكَ؟ 17 لاَ تَكُنْ شِرِّيراً كَثِيراً وَلاَ تَكُنْ جَاهِلاً. لِمَاذَا تَمُوتُ فِي غَيْرِ وَقْتِكَ؟ 18 حَسَنٌ أَنْ تَتَمَسَّكَ بِهٰذَا وَأَيْضاً أَنْ لاَ تَرْخِيَ يَدَكَ عَنْ ذَاكَ، لأَنَّ مُتَّقِيَ ٱللّٰهِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا. 19 اَلْحِكْمَةُ تُقَوِّي ٱلْحَكِيمَ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ مُسَلَّطِينَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي ٱلْمَدِينَةِ. 20 لأَنَّهُ لاَ إِنْسَانٌ صِدِّيقٌ فِي ٱلأَرْضِ يَعْمَلُ صَلاَحاً وَلاَ يُخْطِئُ. 21 أَيْضاً لاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَى كُلِّ ٱلْكَلاَمِ ٱلَّذِي يُقَالُ، لِئَلاَّ تَسْمَعَ عَبْدَكَ يَسِبُّكَ. 22 لأَنَّ قَلْبَكَ أَيْضاً يَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ كَذٰلِكَ مِرَاراً كَثِيرَةً سَبَبْتَ آخَرِينَ».

ص 6: 12 و9: 9 ص 8: 14 ص 8: 12 و13 رومية 12: 3 أيوب 22: 16 ومزمور 55: 23 وأمثال 10: 27 ع 16 ع 17 ص 3: 14 و5: 7 و8: 12 و13 و12: 13 ع 12 وص 9: 13 - 18 و1ملوك 8: 46 و2أيام 6: 36 ومزمور 143: 2 وأمثال 20: 9 ورومية 3: 23 أمثال 30: 11

أَيَّامِ بُطْلِي وصف حياته بالبطل نظراً إلى قصرها وقلة نفعها وذكر ما كان بأفكاره قبلما فهم الأمر والذي رآه هو أن «البار يبيد في بره وقد يكون شريراً يطول في شره» والمشكلة هنا هو ما بحث فيه أيوب وأصحابه والمرنم في (مزمور 73).

لاَ تَكُنْ بَارّاً كَثِيراً (ع 16) حذّر القارئ من بر كبرّ الفريسيين في زمان يسوع الذين كانوا يحفظون الناموس حرفياً وعشروا النعنع والشيث والكمون وتركوا أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان (انظر متّى 23: 23) وكانوا يأكلون بيوت الأرامل ولعلة يطيلون صلواتهم. والحكمة المذكورة (لا تكن حكيماً زيادة) هي الحكمة الفلسفية التي تحمل الإنسان على الافتخار فإن من يظن أنه يعرف كل شيء لا يعرف شيئاً كما يجب.

لِمَاذَا تَخْرِبُ نَفْسَكَ إن عقاب الافتخار والتطرف في البر الحرفي والحكمة الفلسفية هو الهلاك كما قال يسوع للفريسيين «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ... أَيُّهَا ٱلْحَيَّاتُ أَوْلاَدَ ٱلأَفَاعِي، كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟» (متّى 23: 29 و33).

لاَ تَكُنْ شِرِّيراً كَثِيراً (ع 17) كالذين يخطئون تعمداً وحباً بالخطيئة ويبقون فيها ويزدادون شراً كالقتلة واللصوص والسكارى والزناة. وهم جهال لأنهم لا يعرفون خيرهم و «يموتون في غيرتهم» أي يقصرون أيامهم بشرورهم. ولا نستنتج أن الجامعة سمح للقارئ أن يخطئ بعض الخطايا.

هٰذَا... ذَاكَ (ع 18) النصيحتان المتقدمتان أي «لا تكن باراً كثيراً... لا تكن شريراً كثيراً» أي أن لا يكون الإنسان متطرفاً في ممارسة فرائض الدين بترك جوهره كما كان للبعض عادة في أيامه ولا يرخى يده عن ذاك أي لا يرفض الدين جوهره مع فرائضه. و «متقي الله» يخرج منهما أي يسلم من الخطإ من الجهتين.

عَشَرَةِ مُسَلَّطِينَ (ع 19) العشرة عدد كامل والمعنى أن حكيماً واحداً خير من مسلطين كثيرين بالقوة الجسدية. وحكمة الإنسان تتسلط في حياته كمسلطين في مدينة.

لأَنَّهُ (ع 20) العلاقة بالكلام السابق أي الحكمة التي تقوي الحكيم هي اتقاء الله وليست حكمة عقلية فقط وهذه الحكمة من الله وحده. ويحتاج الإنسان إلى هذه الحكمة من الله لكي يتحفظ من المعاشرات الردية لأن «لا إنسان صديق في الأرض» فلا بد من هذه المعاشرات (انظر 1كورنثوس 5: 9 و10).

لاَ تَضَعْ قَلْبَكَ (ع 21) الاهتمام الزائد فيما يقوله الناس عنا علامة الضعف وأفضل الناس هم الذين لا يطلبون المجد لأنفسهم ولا يتكدرون كثيراً من اللوم بل ينسون أنفسهم في اهتمامهم بغيرهم (انظر 2كورنثوس 13: 7 - 9). ومن وضع قلبه على كل الكلام يعتبر حتى كلام عبده الذي لا يُعتبر.

أَنْتَ كَذٰلِكَ (ع 22) انظر قول يسوع «بِالْكَيْلِ ٱلَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ» (متّى 7: 1) ولعل العبد الذي يرى سلوك سيده اليومي وحياته البيتية يعرف نقائصه أكثر من غيره.

23 - 29 «23 كُلُّ هٰذَا ٱمْتَحَنْتُهُ بِٱلْحِكْمَةِ. قُلْتُ: أَكُونُ حَكِيماً. أَمَّا هِيَ فَبَعِيدَةٌ عَنِّي. 24 بَعِيدٌ مَا كَانَ بَعِيداً، وَٱلْعَمِيقُ ٱلْعَمِيقُ مَنْ يَجِدُهُ؟ 25 دُرْتُ أَنَا وَقَلْبِي لأَعْلَمَ وَلأَبْحَثَ وَلأَطْلُبَ حِكْمَةً وَعَقْلاً، وَلأَعْرِفَ ٱلشَّرَّ أَنَّهُ جَهَالَةٌ، وَٱلْحَمَاقَةَ أَنَّهَا جُنُونٌ. 26 فَوَجَدْتُ أَمَرَّ مِنَ ٱلْمَوْتِ: ٱلْمَرْأَةَ ٱلَّتِي هِيَ شِبَاكٌ، وَقَلْبُهَا أَشْرَاكٌ، وَيَدَاهَا قُيُودٌ. ٱلصَّالِحُ قُدَّامَ ٱللّٰهِ يَنْجُو مِنْهَا. أَمَّا ٱلْخَاطِئُ فَيُؤْخَذُ بِهَا. 27 اُنْظُرْ. هٰذَا وَجَدْتُهُ قَالَ ٱلْجَامِعَةُ: وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً لأَجِدَ ٱلنَّتِيجَةَ 28 ٱلَّتِي لَمْ تَزَلْ نَفْسِي تَطْلُبُهَا فَلَمْ أَجِدْهَا. رَجُلاً وَاحِداً بَيْنَ أَلْفٍ وَجَدْتُ. أَمَّا ٱمْرَأَةً، فَبَيْنَ كُلِّ أُولَئِكَ لَمْ أَجِدْ! 29 اُنْظُرْ. هٰذَا وَجَدْتُ فَقَطْ: أَنَّ ٱللّٰهَ صَنَعَ ٱلإِنْسَانَ مُسْتَقِيماً، أَمَّا هُمْ فَطَلَبُوا ٱخْتِرَاعَاتٍ كَثِيرَةً».

ص 3: 11 و8: 17 رومية 11: 33 أيوب 11: 7 و37: 23 ص 1: 17 و10: 13 أمثال 5: 4 أمثال 7: 23 وأمثال 6: 23 و24 أمثال 22: 14 و1ملوك 11: 3 تكوين 1: 27

قال الجامعة أنه طلب الحكمة ولم يجدها وإذا وجد شيئاً منها بالامتحان فهو كلا شيء بالنسبة إلى ما لم يجده. وما كان بعيداً عن الإدراك لم يزل بعيدا وتكرار الكلمة «العميق» (ع 24) يفيد ما كان عميقاً جداً ولعل الأمور التي تأمل فيها هي ما كان في ما مضى من تاريخ العالم وما سيكون بعد انقضاء الدهر ووجود الشرور والخطية في العالم وما أشبه ذلك.

أَنَا وَقَلْبِي (ع 25) كأن قلبه شخص آخر فيخاطبه والقلب يعترض أو يصدق والمعنى أنه طلب الحكمة برغبة ومن كل قلبه.

لأَعْرِفَ ٱلشَّرَّ أَنَّهُ جَهَالَةٌ ينسب الخطية إلى الجهالة فيقال إن كل خاطي جاهل وأحياناً تصل جهالته إلى درجة الجنون (انظر أمثال 2: 16 - 19 و7: 1 - 27 وقضاة 16: 4 - 20).

أَمَرَّ مِنَ ٱلْمَوْتِ: ٱلْمَرْأَةَ (ع 26) إن العفة واجبة على الرجل كما على المرأة ولكنها من صفات المرأة الجوهرية وسقوط المرأة كالأقذار في الثياب البيضاء والمرأة الشريرة شر من الرجل الشرير ولا ينجو أحد منها إلا بنعمة الله.

وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً (ع 27) هذا دليل على التفتيش بالتدقيق. ولا يخفى وجود مبالغة في قوله هذا. وإذا نظرنا إلى القرينة نرى أن المرأة الشريرة كانت بأفكاره. إن الملوك والعظماء في القديم كثّروا النساء كسليمان الذي أخذ ألفاً وهنّ غريبات ووثنيات فلا عجب إذا لم يجد بينهن امرأة فاضلة. وطبعاً من يأخذ أكثر من واحدة ليس له حق أن يطلب من إحداهن أن تحبه من كل قلبها لأنه لا يحبها من كل قلبه وحالة النساء تحسنت جداً بواسطة الديانة المسيحية كما يظهر جلياً بمقابلة حالتهن في البلدان الوثنية بما هن عليه في البلدان المسيحية. إن الله أعطى النساء بعض مواهب والرجال مواهب أخرى ومن مواهب النساء الخصوصية المحبة واللطف وطول الأناة والحنو والحكمة في التكلم والخدمة البيتية وتربية الأولاد.

وخاتمة الأمر (ع 29) إن الله صنع الإنسان مستقيماً (انظر تكوين 1: 26 - 28) وأما الخطية فمن الإنسان. كان الجامعة امتحن أمور الحياة وكان دار ليعلم ويبحث ويطلب حكمة وعقلاً وأما الناس فلم يبحثوا عن هذه الأمور الجوهرية وما طلبوا الله بل اخترعوا لأنفسهم اختراعات كثيرة كمدينة قايين (تكوين 4: 17) وبرج بابل (تكوين 11: 4) والمخترعات وإن كانت نافعة قد تكون للإنسان تجربة إذ تُنشئ فيه الكبرياء والاتكال على نفسه دون الاتكال على الله.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّامِنُ

1 - 8 «1 مَنْ كَٱلْحَكِيمِ، وَمَنْ يَفْهَمُ تَفْسِيرَ أَمْرٍ؟ حِكْمَةُ ٱلإِنْسَانِ تُنِيرُ وَجْهَهُ، وَصَلاَبَةُ وَجْهِهِ تَتَغَيَّرُ. 2 أَنَا أَقُولُ: ٱحْفَظْ أَمْرَ ٱلْمَلِكِ، وَذَاكَ بِسَبَبِ يَمِينِ ٱللّٰهِ. 3 لاَ تَعْجَلْ إِلَى ٱلذَّهَابِ مِنْ وَجْهِهِ. لاَ تَقِفْ فِي أَمْرٍ شَاقٍّ، لأَنَّهُ يَفْعَلُ كُلَّ مَا شَاءَ. 4 حَيْثُ تَكُونُ كَلِمَةُ ٱلْمَلِكِ فَهُنَاكَ سُلْطَانٌ. وَمَنْ يَقُولُ لَهُ: مَاذَا تَفْعَلُ؟ 5 حَافِظُ ٱلْوَصِيَّةِ لاَ يَشْعُرُ بِأَمْرٍ شَاقٍّ، وَقَلْبُ ٱلْحَكِيمِ يَعْرِفُ ٱلْوَقْتَ وَٱلْحُكْمَ. 6 لأَنَّ لِكُلِّ أَمْرٍ وَقْتاً وَحُكْماً. لأَنَّ شَرَّ ٱلإِنْسَانِ عَظِيمٌ عَلَيْهِ، 7 لأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا سَيَكُونُ. لأَنَّهُ مَنْ يُخْبِرُهُ كَيْفَ يَكُونُ؟ 8 لَيْسَ لإِنْسَانٍ سُلْطَانٌ عَلَى ٱلرُّوحِ لِيُمْسِكَ ٱلرُّوحَ، وَلاَ سُلْطَانٌ عَلَى يَوْمِ ٱلْمَوْتِ، وَلاَ تَخْلِيَةٌ فِي ٱلْحَرْبِ، وَلاَ يُنَجِّي ٱلشَّرُّ أَصْحَابَهُ».

خروج 34: 29 و30 وتثنية 28: 50 خروج 22: 11 و2صموئيل 21: 7 وحزقيال 17: 18 ص 10: 4 أيوب 9: 12 ودانيال 4: 35 ص 12: 13 أمثال 12: 21 ص 3: 1 و17 ص 3: 22 و6: 12 و7: 14 و9: 12 مزمور 49: 7 - 9 تثنية 20: 5 - 8 ع 13

مَنْ كَٱلْحَكِيم جملة افتتاحية تلفت الأنظار إلى الكلام الآتي.

تُنِيرُ وَجْهَهُ يُعرف الحكيم من وجهه وإن كان بلا كلام وكذلك من يتقي الله ويحب الناس. ووجه الإنسان كشباك النفس يُرى فيه النور الداخلي.

ٱحْفَظْ أَمْرَ ٱلْمَلِكِ (ع 2) (انظر أمثال 25: 2 - 6 ورومية 13: 1 - 7 و1تيموثاوس 2: 2 و1بطرس 2: 13 - 17).

يَمِينِ ٱللّٰهِ بين الله وشعبه عهد (1صموئيل 11: 15) «ملّكوا شاول أمام الرب» أي كان العهد بينهم وبين الملك وبينهم وبين الرب أيضاً فمن يعصى الملك ينكث عهده مع الله. ولا يجب العجلة إلى الذهاب من وجهه (ع 3) أي الغضب والعصيان (انظر 1ملوك 12: 16) و «الأمر الشاق» هو العصيان على الملك لأن الملك ذو سلطان.

حَافِظُ ٱلْوَصِيَّةِ (ع 5) أي وصية الملك والأمر الشاق هو العصيان وما ينتج منه فمن يحفظ وصية الملك يكون في الراحة والأمان.

قَلْبُ ٱلْحَكِيمِ يَعْرِفُ ٱلْوَقْتَ وَٱلْحُكْمَ يسلم الحكيم للظلم ويحتمله بالصبر لأنه يعرف أنه لوقت محدود وفي الوقت المعين من الله ينتهي فيحكم الله على الظالمين.

لأَنَّ شَرَّ ٱلإِنْسَانِ عَظِيمٌ عَلَيْهِ (ع 6) أي شر الإنسان الظالم عظيم على المظلوم لأن المظلوم لا يعلم متى ينتهي الظلم مع أنه يعلم أنه ينتهي وله وقت وعليه حكم. وشر الظالم عظيم على نفسه أيضاً ولأمره وقت وحكم. فإن الله سيطالبه ولشره العظيم مجازاة عظيمة لا يعلمها هو ولا يفتكر بها في الوقت الحاضر.

وَلاَ تَخْلِيَةٌ فِي ٱلْحَرْبِ (ع 8) لا يقدر الجندي أن يستعفي عن الخدمة والحرب أمامه وهو مضطر أن يتقدم أراد أو لم يرد. وهكذا الموت أمام كل إنسان.

9 - 13 «9 كُلُّ هٰذَا رَأَيْتُهُ إِذْ وَجَّهْتُ قَلْبِي لِكُلِّ عَمَلٍ عُمِلَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ وَقْتَمَا يَتَسَلَّطُ إِنْسَانٌ عَلَى إِنْسَانٍ لِضَرَرِ نَفْسِهِ. 10 وَهٰكَذَا رَأَيْتُ أَشْرَاراً يُدْفَنُونَ وَضُمُّوا، وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا بِٱلْحَقِّ ذَهَبُوا مِنْ مَكَانِ ٱلْقُدْسِ وَنُسُوا فِي ٱلْمَدِينَةِ. هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. 11 لأَنَّ ٱلْقَضَاءَ عَلَى ٱلْعَمَلِ ٱلرَّدِيءِ لاَ يُجْرَى سَرِيعاً، فَلِذٰلِكَ قَدِ ٱمْتَلأَ قَلْبُ بَنِي ٱلْبَشَرِ فِيهِمْ لِفَعْلِ ٱلشَّرِّ. 12 اَلْخَاطِئُ وَإِنْ عَمِلَ شَرّاً مِئَةَ مَرَّةٍ وَطَالَتْ أَيَّامُهُ، إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ خَيْرٌ لِلْمُتَّقِينَ ٱللّٰهَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ قُدَّامَهُ. 13 وَلاَ يَكُونُ خَيْرٌ لِلشِّرِّيرِ، وَكَٱلظِّلِّ لاَ يُطِيلُ أَيَّامَهُ لأَنَّهُ لاَ يَخْشَى قُدَّامَ ٱللّٰهِ».

ص 4: 1 و5: 8 و7: 7 ص 1: 11 و2: 16 و9: 5 و15 خروج 34: 6 ومزمور 86: 15 ورومية 2: 4 و2بطرس 3: 9 ص 9: 3 ص 7: 15 وإشعياء 65: 20 تثنية 4: 40 و12: 25 ومزمور 37: 11 وأمثال 1: 33 وإشعياء 3: 10 ع 8 وإشعياء 3: 11 ص 6: 12 وأيوب 14: 2

لِضَرَرِ نَفْسِهِ القول عن الظالم فإن ظلمه لا يضر المظلوم فقط بل نفسه أيضاً. والضرر لنفسه إن قلبه يتقسى وضميره يموت وهو يبتعد عن الله ويفقد اللذة في خيراته في زمان حياته والرجاء بالحياة الأبدية.

رَأَيْتُ أَشْرَاراً (ع 10) الظالمون المذكورون سابقاً. يُدفنون بالكرامة ويضمون إلى آبائهم بالسلام (انظر لوقا 16: 22).

ذَهَبُوا مِنْ مَكَانِ ٱلْقُدْسِ أي الهيكل والذين ذهبوا منه هم المطرودون لأنهم عملوا بالحق (انظر يوحنا 9: 22 و12: 42) ويقوم جيل آخر لا يعرفهم فنسوا في المدينة التي كانوا فيها. وفي الأصل العبراني التباس وفهم البعض أن الذين ذهبوا من مكان القدس هم الأشرار وهم كالذين حكموا على يسوع ثم ذهبوا من مكان القدس لإجراء مشوراتهم عليه فنصيبهم أنهم يُنسون في المدينة. وهكذا الترجمة الإنكليزية القديمة وفي الترجمة اليسوعية «منافقين قبروا بكرامة ومضوا وقد كانوا متباعدين عن المكان المقدس فنُسي في المدينة أنهم قد فعلوا ذلك».

هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ أي نقاوة الكأس الخارجية مع نجاستها الداخلية ومنظر القداسة بدون حقيقتها والمجد في زمان الحياة مع المقت أو النسيان بعد الموت. والتسلط الوقتي وبعده العبودية الأبدية. وهذه كلها باطل.

ٱمْتَلأَ قَلْبُ بَنِي ٱلْبَشَرِ (ع 11) يخطئون خطيئة ولا يصيبهم شيء فيتجاسرون ويخطئون أكثر وأكثر حتى يمتلئ قلبهم لفعل الشر «مملوئين من كل إثم» (رومية 1: 29).

أَنَّهُ يَكُونُ خَيْرٌ لِلْمُتَّقِينَ ٱللّٰهَ (ع 12) (1) لأن حياة المتقين الله أفضل جداً وإن كانت قليلة الأيام وكثيرة المشقات. (2) لأن الله سيجازي جميع الناس حسب أعمالهم. فيدل القول على إيمان الجامعة بعناية الله العادلة في الزمان الحاضر وعلى رجائه بمجازاة كاملة بعد الموت.

كَٱلظِّلِّ (ع 13) حياة الإنسان كظل لأنها تمضي سريعاً. وكل إنسان حينما يصل إلى آخر حياته وينظر إلى أيامه الماضية يقول إنها قليلة ومضت كظل. قال يعقوب (تكوين 47: 9) «أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً. قَلِيلَةً وَرَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي» وأيام الشرير كظل أيضاً لأن ليس فيها فوائد حقيقية ولا خيرات جوهرية ولا تُقاس حياة الإنسان بعدد أيامه بل بأعماله وقد تكون حياته كثيرة الأيام وعديمة الفوائد فهو كأنه لم يعش. فلا مضادة بين القول في ع 12 «وإن طالت أيامه» والقول في ع 13 «كالظل لا يطيل أيامه». والظل نقطة سوداء في يوم شمس وذلك لوجود شيء يحجب عنه نور الشمس وهكذا الشرير نقطة سوداء في الهيئة الاجتماعية وذلك لأن أعماله السيئة فاصلة بينه وبين الله الذي منه كل خير.

14 - 17 «14 يُوجَدُ بَاطِلٌ يُجْرَى عَلَى ٱلأَرْضِ: أَنْ يُوجَدَ صِدِّيقُونَ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلأَشْرَارِ، وَيُوجَدُ أَشْرَارٌ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلصِّدِّيقِينَ. فَقُلْتُ: إِنَّ هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ. 15 فَمَدَحْتُ ٱلْفَرَحَ، لأَنَّهُ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ خَيْرٌ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ إِلاَّ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَفْرَحَ، وَهٰذَا يَبْقَى لَهُ فِي تَعَبِهِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ ٱلَّتِي يُعْطِيهِ ٱللّٰهُ إِيَّاهَا تَحْتَ ٱلشَّمْسِ. 16 لَمَّا وَجَّهْتُ قَلْبِي لأَعْرِفَ ٱلْحِكْمَةَ، وَأَنْظُرَ ٱلْعَمَلَ ٱلَّذِي عُمِلَ عَلَى ٱلأَرْضِ، وَأَنَّهُ نَهَاراً وَلَيْلاً لاَ يَرَى ٱلنَّوْمَ بِعَيْنَيْهِ، 17 رَأَيْتُ كُلَّ عَمَلِ ٱللّٰهِ أَنَّ ٱلإِنْسَانَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجِدَ ٱلْعَمَلَ ٱلَّذِي عُمِلَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ. مَهْمَا تَعِبَ ٱلإِنْسَانُ فِي ٱلطَّلَبِ فَلاَ يَجِدُهُ، وَٱلْحَكِيمُ أَيْضاً وَإِنْ قَالَ بِمَعْرِفَتِهِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَجِدَهُ».

ص 7: 15 ومزمور 73: 14 أيوب 21: 7 ومزمور 73: 3 و12 وإرميا 12: 1 وملاخي 3: 15 ص 2: 24 و3: 12 و13 و5: 18 و9: 7 ص 1: 13 و14 ص 2: 23 ص 3: 11 ص 7: 23 ومزمور 73: 16 ورومية 11: 33

رجع الجامعة إلى ما كان تأمل فيه كثيراً ولم يقدر أن يفهمه تماماً (انظر 2: 15 وأيوب 21 ومزمور 73 وإرميا 12: 1) والجامعة كرجل في يوم شتاء انشقت الغيوم ورأى قليلاً من نور الشمس فقال «إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ يَكُونُ خَيْرٌ لِلْمُتَّقِينَ ٱللّٰهَ» (ع 12) ثم تلبدت الغيوم وانقطع النور وقال «يُوجَدَ صِدِّيقُونَ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلأَشْرَارِ، وَيُوجَدُ أَشْرَارٌ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلصِّدِّيقِينَ. فَقُلْتُ: إِنَّ هٰذَا أَيْضاً بَاطِلٌ» (ع 14).

فَمَدَحْتُ ٱلْفَرَحَ (ع 15) (انظر 3: 12 و22 و5: 18) وفي قوله يأس لأنه بعد البحث لم يجد شيئاً أفضل من هذه الأفراح الجسدية وهي وقتية ولمدة أيام حياته ولا يقول «سني حياته».

لاَ يَرَى ٱلنَّوْمَ (ع 16) أي لا يرى الإنسان النوم كما في (ع 17) «الإنسان لا يستطيع الخ».

لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَجِدَ ٱلْعَمَلَ أي أن يفهم كل ما يعمله الله ولا سيما التوفيق بين جودته ومصائب متقيه. ومن يفتخر بحكمته ويطلب أن يستقصي طرق الله ولو درسها نهاراً وليلاً ولم ير النوم بعينيه لا يجد مطلوبه «مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ ٱلْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ ٱلاسْتِقْصَاءِ» (رومية 11: 33) لا يقدر الإنسان أن يدرك أمور الله ولكنه يقدر أن يقبلها ويعرفها بالإيمان.

اَلأَصْحَاحُ ٱلتَّاسِعُ

1 - 6 «1 لأَنَّ هٰذَا كُلَّهُ جَعَلْتُهُ فِي قَلْبِي، وَٱمْتَحَنْتُ هٰذَا كُلَّهُ: أَنَّ ٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلْحُكَمَاءَ وَأَعْمَالَهُمْ فِي يَدِ ٱللّٰهِ. ٱلإِنْسَانُ لاَ يَعْلَمُ حُبّاً وَلاَ بُغْضاً. ٱلْكُلُّ أَمَامَهُمُ. 2 ٱلْكُلُّ عَلَى مَا لِلْكُلِّ. حَادِثَةٌ وَاحِدَةٌ لِلصِّدِّيقِ وَلِلشِّرِّيرِ، لِلصَّالِحِ وَلِلطَّاهِرِ وَلِلنَّجِسِ. لِلذَّابِحِ وَلِلَّذِي لاَ يَذْبَحُ. كَٱلصَّالِحِ ٱلْخَاطِئُ. ٱلْحَالِفُ كَٱلَّذِي يَخَافُ ٱلْحَلْفَ. 3 هٰذَا أَشَرُّ كُلِّ مَا عُمِلَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ: أَنَّ حَادِثَةً وَاحِدَةً لِلْجَمِيعِ. وَأَيْضاً قَلْبُ بَنِي ٱلْبَشَرِ مَلآنُ مِنَ ٱلشَّرِّ، وَٱلْحَمَاقَةُ فِي قَلْبِهِمْ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَبَعْدَ ذٰلِكَ يَذْهَبُونَ إِلَى ٱلأَمْوَاتِ. 4 لأَنَّهُ مَنْ يُسْتَثْنَى؟ لِكُلِّ ٱلأَحْيَاءِ يُوجَدُ رَجَاءٌ، فَإِنَّ ٱلْكَلْبَ ٱلْحَيَّ خَيْرٌ مِنَ ٱلأَسَدِ ٱلْمَيِّتِ. 5 لأَنَّ ٱلأَحْيَاءَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ، أَمَّا ٱلْمَوْتٰى فَلاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً، وَلَيْسَ لَهُمْ أَجْرٌ بَعْدُ لأَنَّ ذِكْرَهُمْ نُسِيَ. 6 وَمَحَبَّتُهُمْ وَبُغْضَتُهُمْ وَحَسَدُهُمْ هَلَكَتْ مُنْذُ زَمَانٍ، وَلاَ نَصِيبَ لَهُمْ بَعْدُ إِلَى ٱلأَبَدِ فِي كُلِّ مَا عُمِلَ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ».

تثنية 33: 3 وأيوب 12: 10 ومزمور 119: 109 ع 6 ص 10: 14 ع 11 وأيوب 9: 22 ص 2: 14 و3: 19 و6: 6 و7: 2 ع 2 ص 8: 11 ص 1: 17 أيوب 14: 21 ص 1: 11 و2: 16 و8: 10 ومزمور 88: 12 وإشعياء 26: 14 ص 2: 10 و3: 22

قال الجامعة في آخر الأصحاح السابق إن الإنسان لا يستطيع أن يجد العمل الذي يُعمل تحت الشمس أي أنه لا يقدر أن يدرك أمور عناية الله في العالم وفي هذا الأصحاح يذكر البعض من هذه الأمور. قال سابقاً (8: 14) «يُوجَدَ صِدِّيقُونَ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلأَشْرَارِ، وَيُوجَدُ أَشْرَارٌ يُصِيبُهُمْ مِثْلُ عَمَلِ ٱلصِّدِّيقِينَ» أي جميع الناس الصديقون والأشرار بيد الله فيعاملهم كما يشاء ويوزع خيراته كما يشاء فلا يقدر الإنسان أن يفهم عمل الله ولا أن يعترض عليه.

لاَ يَعْلَمُ حُبّاً وَلاَ بُغْضاً أي لا يقدر الإنسان أن يعلم من حوادث حياته إن كان الله يحبه أو يبغضه (انظر ملاخي 1: 2 و4).

ٱلْكُلُّ أَمَامَهُمُ أي بيد الله في مستقبلهم وليس بيدهم ولا بعلمهم. وبالترجمة اليسوعية «لكنهم معرضون لجميع الحوادث».

ٱلْكُلُّ عَلَى مَا لِلْكُلِّ (ع 2) كل الناس على ما لكل الناس وحادثة واحدة للكل أي الموت.

لِلصَّالِحِ وَلِلطَّاهِرِ الصالح في أمور حياته الأدبية والطاهر من جهة حفظ الناموس الطقسي.

ٱلْحَالِفُ كَٱلَّذِي يَخَافُ ٱلْحَلْفَ المعنى إما أن الحالف هو الصالح الذي يتقي الله ويحلف باسمه (انظر تثنية 6: 13) والشرير هو الذي يخاف الحلف فلا ينذر شيئاً ولا يقدم نفسه للرب أو أن الحالف هو الشرير الذي ينطق باسم الرب باطلاً والذي يخاف الحلف على هذا النوع هو الصالح.

قَلْبُ بَنِي ٱلْبَشَرِ مَلآنُ مِنَ ٱلشَّرِّ (ع 3) لا يخافون من الخطيئة لأنهم لا يرون تمييزاً بين الخاطئ والصالح بل حادثة واحدة للجميع. والخطية حماقة والخاطئ كالمجنون.

يَذْهَبُونَ إِلَى ٱلأَمْوَاتِ والموت إذا قيل أنه خير يكون للأشرار وليس للصالحين فقط وإذا قيل أنه شر يكون للصالحين كالأشرار.

لِكُلِّ ٱلأَحْيَاءِ يُوجَدُ رَجَاءٌ (ع 4) مهما أصاب الإنسان يرجو النجاة منه فالمريض يرجو الشفاء والفقير تحسين أحواله والمظلوم الراحة الخ. فالكلب الحي وهو أدنى الحيوانات أفضل من الأسد الميت وهو أشرفها.

ٱلأَحْيَاءَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ سَيَمُوتُونَ (ع 5) قال الجامعة (7: 2) «اَلذَّهَابُ إِلَى بَيْتِ ٱلنَّوْحِ خَيْرٌ مِنَ ٱلذَّهَابِ إِلَى بَيْتِ ٱلْوَلِيمَةِ» إن جميع الناس يعلمون أنهم سيموتون وأما الذي يتأمل في الأمر كما يجب فيدبر أيامه بالحكمة ويقبل بالشكر والفرح الخيرات الحاضرة فيكون أفضل من الأموات الذين لا يعلمون شيئاً.

وَلَيْسَ لَهُمْ أَجْرٌ بَعْدُ من كان جمع المال لا يأخذ معه شيئاً ومن نال الشرف والشهرة لا يُذكر. ولا يحس الأموات بالمحبة ولا بالبغض ولا بالحسد وهي أعظم حسيات الإنسان ومصدر أعظم أفراحه وأعظم آلامه. وعبّر الجامعة بكلامه هذا عن أفكار كثيرين في زمانه وهو زمان يأس كالظلام الدامس قبل الفجر.

7 - 10 «7 اِذْهَبْ كُلْ خُبْزَكَ بِفَرَحٍ وَٱشْرَبْ خَمْرَكَ بِقَلْبٍ طَيِّبٍ، لأَنَّ ٱللّٰهَ مُنْذُ زَمَانٍ قَدْ رَضِيَ عَمَلَكَ. 8 لِتَكُنْ ثِيَابُكَ فِي كُلِّ حِينٍ بَيْضَاءَ، وَلاَ يُعْوِزْ رَأْسَكَ ٱلدُّهْنُ. 9 اِلْتَذَّ عَيْشاً مَعَ ٱلْمَرْأَةِ ٱلَّتِي أَحْبَبْتَهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاةِ بَاطِلِكَ ٱلَّتِي أَعْطَاكَ إِيَّاهَا تَحْتَ ٱلشَّمْسِ، كُلَّ أَيَّامِ بَاطِلِكَ، لأَنَّ ذٰلِكَ نَصِيبُكَ فِي ٱلْحَيَاةِ وَفِي تَعَبِكَ ٱلَّذِي تَتْعَبُهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ. 10 كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَٱفْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ وَلاَ ٱخْتِرَاعٍ وَلاَ مَعْرِفَةٍ وَلاَ حِكْمَةٍ فِي ٱلْهَاوِيَةِ ٱلَّتِي أَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَيْهَا».

انظر ص 2: 24 رؤيا 3: 4 مزمور 23: 5 ص 6: 12 و7: 15 ص 11: 6 ورومية 12: 11 وكولوسي 3: 23 ع 5 تكوين 37: 35 وأيوب 21: 13 وإشعياء 38: 10

(انظر ما قيل في 2: 24 و3: 12 و22 و5: 18).

مُنْذُ زَمَانٍ قَدْ رَضِيَ عَمَلَكَ كل خبزك بفرح الخ واعلم أن ذلك مرضي عند الله والبرهان على أن الله قد رضي عملك هذا هو أنه قد حفظ حياتك وأعطاك الخيرات المذكورة منذ زمان أي من أول حياتك.

الثياب البيضاء علامة الطهارة والفرح امتيازاً عن ثياب العمل اليومي. والدهن علامة الابتهاج (انظر مزمور 45: 7) والفرح (انظر إشعياء 61: 3).

ٱلْمَرْأَةِ ٱلَّتِي أَحْبَبْتَهَا الزوجة الشرعية الوحيدة وشريكة رجلها كل أيام حياته.

أَيَّامِ حَيَاةِ بَاطِلِكَ على الرجل وامرأته أن يذكرا أن حياتهما على الأرض باطلة أي قصيرة فيطلبان خيرات أفضل وباقية (انظر 1كورنثوس 7: 29 - 31).

ذٰلِكَ نَصِيبُكَ الأفراح البيتية أحسن أجر لصاحب البيت فإنه يطعم أولاده ويكسيهم ويربيهم فيحبونه ويطيعونه ويتقدمون وذلك له نصيبه أو أجره.

كُلُّ مَا تَجِدُهُ يَدُكَ الخ (ع 10) انظر قول يسوع «يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ» (يوحنا 9: 4) والكلام هنا في العمل في هذا العالم وبما أن أيام هذه الحياة محدودة على الإنسان أن يعمل الأعمال المطلوبة منه بالنشاط فإنه بعد الموت لا يمكنه أن يعمل ما كان ينبغي عمله في مدة حياته.

11 - 18 «11 فَعُدْتُ وَرَأَيْتُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ أَنَّ ٱلسَّعْيَ لَيْسَ لِلْخَفِيفِ، وَلاَ ٱلْحَرْبَ لِلأَقْوِيَاءِ، وَلاَ ٱلْخُبْزَ لِلْحُكَمَاءِ، وَلاَ ٱلْغِنَى لِلْفُهَمَاءِ، وَلاَ ٱلنِّعْمَةَ لِذَوِي ٱلْمَعْرِفَةِ، لأَنَّهُ ٱلْوَقْتُ وَٱلْعَرَضُ يُلاَقِيَانِهِمْ كَافَّةً. 12 لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ أَيْضاً لاَ يَعْرِفُ وَقْتَهُ. كَٱلأَسْمَاكِ ٱلَّتِي تُؤْخَذُ بِشَبَكَةٍ مُهْلِكَةٍ، وَكَالْعَصَافِيرِ ٱلَّتِي تُؤْخَذُ بِٱلشَّرَكِ، كَذٰلِكَ تُقْتَنَصُ بَنُو ٱلْبَشَرِ فِي وَقْتِ شَرٍّ إِذْ يَقَعُ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً. 13 هٰذِهِ ٱلْحِكْمَةُ رَأَيْتُهَا أَيْضاً تَحْتَ ٱلشَّمْسِ، وَهِيَ عَظِيمَةٌ عِنْدِي. 14 مَدِينَةٌ صَغِيرَةٌ فِيهَا أُنَاسٌ قَلِيلُونَ. فَجَاءَ عَلَيْهَا مَلِكٌ عَظِيمٌ وَحَاصَرَهَا وَبَنَى عَلَيْهَا أَبْرَاجاً عَظِيمَةً. 15 وَوُجِدَ فِيهَا رَجُلٌ مِسْكِينٌ حَكِيمٌ، فَنَجَّى هُوَ ٱلْمَدِينَةَ بِحِكْمَتِهِ. مَا أَحَدٌ ذَكَرَ ذٰلِكَ ٱلرَّجُلَ ٱلْمِسْكِينَ! 16 فَقُلْتُ: ٱلْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنَ ٱلْقُوَّةِ. أَمَّا حِكْمَةُ ٱلْمِسْكِينِ فَمُحْتَقَرَةٌ وَكَلاَمُهُ لاَ يُسْمَعُ. 17 كَلِمَاتُ ٱلْحُكَمَاءِ تُسْمَعُ فِي ٱلْهُدُوءِ أَكْثَرَ مِنْ صُرَاخِ ٱلْمُتَسَلِّطِ بَيْنَ ٱلْجُهَّالِ. 18 اَلْحِكْمَةُ خَيْرٌ مِنْ أَدَوَاتِ ٱلْحَرْبِ. أَمَّا خَاطِئٌ وَاحِدٌ فَيُفْسِدُ خَيْراً جَزِيلاً».

عاموس 2: 14 و15 و2أيام 20: 15 ومزمور 76: 5 وإشعياء 40: 29 وزكريا 4: 6 تثنية 8: 17 و18 و1صموئيل 6: 9 ص 8: 7 أمثال 7: 23 أمثال 29: 6 وإشعياء 24: 18 وهوشع 9: 8 لوقا 21: 34 و35 ص 4: 13 و2صموئيل 20: 22 ص 2: 16 و8: 1 ص 7: 12 و19 ص 7: 5 و10: 12 ع 16 يشوع 7: 1 - 26 و2ملوك 21: 2 - 17

ٱلْوَقْتُ وَٱلْعَرَضُ الوقت هو وقت العمل فلا ينجح العمل إلا في وقته والعرض هو ما لا ينتظره الإنسان ولا يستعد له فلا يأمن أحد على نجاحه في عمله مهما كان قوياً وفهيماً.

لاَ يَعْرِفُ وَقْتَهُ (ع 12) وقت البلية ووقت الموت كالأسماك التي لا تعرف أنها أخذت في الشبكة (انظر حزقيال 32: 3) والعصافير التي لا تعرف أنها أُخذت في الشرك (انظر مزمور 124: 7).

مَدِينَةٌ صَغِيرَةٌ (ع 14) لعل الجامعة لم يشر إلى مدينة معروفة بل ذكر ما حدث وما سيحدث كثيراً كمدينة آبل (انظر 2صموئيل 20: 15 - 22).

مَا أَحَدٌ ذَكَرَ الخ (ع 15) كما نسي الساقي يوسف (انظر تكوين 40: 23).

ٱلْمُتَسَلِّطِ بَيْنَ ٱلْجُهَّالِ (ع 17) أي أكبرهم والمتكلم في جماعتهم. يظن الجهال أنهم يغلبون بقوة أصواتهم وكثرة كلامهم ولكن «كلمات الحكماء تُسمع في الهدوء» (إشعياء 42: 2).

خَاطِئٌ وَاحِدٌ كعخان (انظر يشوع 7: 1 - 12) والخاطئ أحياناً يعمل من الشر أكثر مما يعمل الحكماء من الخير لأن الخراب أهون من البناء والقتل أهون من حفظ الحياة وإسقاط الناس في الخطيئة أهون من تخليصهم منها... فما المنفعة من الحكمة.

اَلأَصْحَاحُ ٱلْعَاشِرُ

1 - 3 «1 اَلذُّبَابُ ٱلْمَيِّتُ يُنَتِّنُ وَيُخَمِّرُ طِيبَ ٱلْعَطَّارِ. جَهَالَةٌ قَلِيلَةٌ أَثْقَلُ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَمِنَ ٱلْكَرَامَةِ. 2 قَلْبُ ٱلْحَكِيمِ عَنْ يَمِينِهِ، وَقَلْبُ ٱلْجَاهِلِ عَنْ يَسَارِهِ! 3 أَيْضاً إِذَا مَشَى ٱلْجَاهِلُ فِي ٱلطَّرِيقِ يَنْقُصُ فَهْمُهُ، وَيَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ إِنَّهُ جَاهِلٌ!».

خروج 30: 25 أمثال 13: 16 و18: 2

تتمة الكلام في الأصحاح السابق.

اَلذُّبَابُ ٱلْمَيِّتُ أو الذباب المميت فإن الذباب الحي يحمل جراثيم الفساد. والذباب صغير ولكنه يفسد الطيب الثمين وهكذا جهالة قليلة أو عيوب صغيرة تفسد الحكمة والكرامة. وهذه العيوب لا تظهر في الجهلاء والأشرار كما لا تظهر نقطة حبر على الثوب الأسود ولكنها تظهر في الثوب الأبيض. كخطية الكذب في إبراهيم والغش في يعقوب وعدم التعفف في داود مع أن تلك الخطايا كانت كثيرة الوجود بل كانت عمومية في أيامهم.

قَلْبُ ٱلْحَكِيمِ عَنْ يَمِينِهِ (ع 2) اليمين كناية عن الحذاقة والتوفيق واليسار بالعكس والقلب عند القدماء مركز المعرفة والقضاء والمعنى أن الحكيم يهتم للأعمال النافعة والموافقة للزمان والأحوال والجاهل بخلاف ذلك.

يَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ إِنَّهُ جَاهِلٌ (ع 3) ليس بالقول ولكن جهالته تظهر في كل كلامه وأعماله. وربما المعنى أنه يقول لكل من يلاقيه في الطريق أنت جاهل أي يظن أن كل العالم جهلاء وهو وحده حكيم.

4 - 7 «4 إِنْ صَعِدَتْ عَلَيْكَ رُوحُ ٱلْمُتَسَلِّطِ فَلاَ تَتْرُكْ مَكَانَكَ، لأَنَّ ٱلْهُدُوءَ يُسَكِّنُ خَطَايَا عَظِيمَةً. 5 يُوجَدُ شَرٌّ رَأَيْتُهُ تَحْتَ ٱلشَّمْسِ كَسَهْوٍ صَادِرٍ مِنْ قِبَلِ ٱلْمُتَسَلِّطِ. 6 ٱلْجَهَالَةُ جُعِلَتْ فِي مَعَالِي كَثِيرَةٍ، وَٱلأَغْنِيَاءُ يَجْلِسُونَ فِي ٱلسَّافِلِ. 7 قَدْ رَأَيْتُ عَبِيداً عَلَى ٱلْخَيْلِ، وَرُؤَسَاءَ مَاشِينَ عَلَى ٱلأَرْضِ كَٱلْعَبِيدِ».

ص 8: 3 و1صموئيل 25: 24 - 33 وأمثال 25: 15 ص 5: 6 أستير 3: 1 وأمثال 28: 12 و29: 2 أمثال 19: 10 أستير 6: 8

إِنْ صَعِدَتْ عَلَيْكَ رُوحُ ٱلْمُتَسَلِّطِ أي غضبه (انظر مزمور 78: 31) «صعد عليهم غضب الله».

فَلاَ تَتْرُكْ مَكَانَكَ أي لا تستعف من مأموريتك (انظر 8: 3) «لاَ تَعْجَلْ إِلَى ٱلذَّهَابِ مِنْ وَجْهِهِ».

خَطَايَا عَظِيمَةً المعنى إما أن المأمور بهدوءه وحكمه على نفسه يتحفظ من ارتكاب خطايا عظيمة أو أنه بهدوءه وجوابه اللين يحفظ المتسلط من خطايا عظيمة.

كَسَهْوٍ (ع 5) عند المتسلط الجاهل الخطايا العظيمة كسهو فيعملها بلا فكر ولا نظر إلى أهميتها ونتائجها. انظر نبأ الملك أحشويروش (في سفر أستير) الذي عظم هامان وجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء وأمر بذبح كل شعب اليهود رجالاً ونساء وأطفالاً لأن هامان طلب ذلك وبعد قليل من الزمان عظم مردخاي وأركبه على فرس الملك وجعل هامان يمشي أمامه وكله كان عند الملك أمراً زهيداً.

ٱلْجَهَالَةُ جُعِلَتْ فِي مَعَالِي (ع 6) المتسلطون الجهلاء يجعلون عبيدهم في معالي أي في وظائف عالية والعبيد يملقون سادتهم ويخضعون لهم ويجرون مقاصدهم الشريرة بلا اعتراض وأما الرؤساء أي ذوو العقل والشرف فلا يمكنهم أن يخضعوا هكذا للحكام الجهلاء ويخدمونهم خدمتهم الدنية.

8، 9 «8 مَنْ يَحْفُرُ هُوَّةً يَقَعُ فِيهَا، وَمَنْ يَنْقُضُ جِدَاراً تَلْدَغُهُ حَيَّةٌ. 9 مَنْ يَقْلَعُ حِجَارَةً يُوجَعُ بِهَا. مَنْ يُشَقِّقُ حَطَباً يَكُونُ فِي خَطَرٍ مِنْهُ».

مزمور 7: 15 وأمثال 26: 27 عاموس 5: 19

مَنْ يَحْفُرُ هُوَّةً المعنى إما (1) إن من يقصد الشر لقريبه يقع هو فيه فالهوة لأجل قريبه والجدار جدار قريبه والحجارة حجارة بيت قريبه أو حجارة التخم بينه وبينه الحطب هو من حطب قريبه أو (2) إن الإنسان عُرضة لمصائب متنوعة كمن يحفر هوة لعله يقع فيها الخ فيلزمه أن يحترس أو (3) إن من يقصد الإصلاح في الحكومة يحتاج إلى الحذر والحكمة لئلا يقع عليه البيت حينما يمسك الأساس أو يخرج عليه مهلك من الجدران الخ. وهذا المعنى الأخير يوافق القرينة. فالمصلح لا تكفيه الغيرة بل يلزمه أيضاً الحكمة والاستعداد والنظر إلى ما سينتج من عمله كمن يريد أن يبني برجاً عليه أن يجلس أولاً ويحسب النفقة أو كالملك الذي يقصد حرباً عليه أن يجلس أولاً ويتشاور (انظر لوقا 14: 28 - 32).

10، 11 «10 إِنْ كَلَّ ٱلْحَدِيدُ وَلَمْ يُسَنِّنْ هُوَ حَدَّهُ، فَلْيَزِدِ ٱلْقُوَّةَ. أَمَّا ٱلْحِكْمَةُ فَنَافِعَةٌ لِلإِنْجَاحِ. 11 إِنْ لَدَغَتِ ٱلْحَيَّةُ بِلاَ رُقْيَةٍ فَلاَ مَنْفَعَةَ لِلرَّاقِي».

مزمور 58: 4 و5 وإرميا 8: 17

إِنْ كَلَّ ٱلْحَدِيدُ سن الحديد يوفر على الحطاب تعباً وهكذا الحكمة تسهل جميع الأعمال ومن فوائد الحكمة (1) ترتيب الأعمال فيكون لكل عمل وقت ولكل وقت عمل ولا تأخذ الأعمال الثانوية مكان الأعمال الرئيسية (2) اختراع آلات تساعد في العمل (3) راحة الأفكار فلا يضيع الإنسان وقته في الهم للمستقبل أو الندامة على الماضي أو التردد والحيرة في الزمان الحاضر.

إِنْ لَدَغَتِ ٱلْحَيَّةُ (ع 11) يجب أن تكون رقية الحية قبلما تلدغ وهكذا استعمال وسائط تسكن الغضب وتصرف الشر قبلما يحدث (انظر أمثال 17: 14 وخروج 7: 11 ومزمور 58: 5 وإرميا 8: 17).

12 - 15 «12 كَلِمَاتُ فَمِ ٱلْحَكِيمِ نِعْمَةٌ، وَشَفَتَا ٱلْجَاهِلِ تَبْتَلِعَانِهِ. 13 اِبْتِدَاءُ كَلاَمِ فَمِهِ جَهَالَةٌ، وَآخِرُ فَمِهِ جُنُونٌ رَدِيءٌ. 14 وَٱلْجَاهِلُ يُكَثِّرُ ٱلْكَلاَمَ. لاَ يَعْلَمُ إِنْسَانٌ مَا يَكُونُ. وَمَنْ يُخْبِرُهُ مَاذَا يَصِيرُ بَعْدَهُ؟ 15 تَعَبُ ٱلْجُهَلاَءِ يُعْيِيهِمْ، لأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ يَذْهَبُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ».

أمثال 10: 32 و22: 11 ولوقا 4: 22 ص 4: 5 وأمثال 10: 14 و18: 7 ص 7: 25 ص 5: 3 وأمثال 15: 2 ص 3: 22 و6: 12 و7: 14 و8: 7

كَلِمَاتُ فَمِ ٱلْحَكِيمِ نِعْمَةٌ النعمة ما يرضي الناس ويقنعهم ويجتذب محبتهم وأحسن مثال لذلك كلام يسوع «تعجبوا من كلمات النعمة الخارجة من فمه» (لوقا 4: 22).

تَبْتَلِعَانِهِ بعض كلمات الجاهل تناقض البعض الآخر ويقول ما لا يوافق الأحوال وما كان يجب أن يخفيه ولا يلزم الناس أن يجاوبوه لأنه يربك نفسه.

جَهَالَةٌ... جُنُونٌ يتقدم من أمر بسيط إلى شر أعظم لأن المتكلم يهيج نفسه بكلامه فيقول في الآخر ما لم يفتكر به في الأول.

ٱلْجَاهِلُ يُكَثِّرُ ٱلْكَلاَمَ (ع 14) يتكلم بما سيعمله بالمستقبل مع أن المستقبل مجهول ويتكلم بكل جسارة في أمور غامضة لا يفهمها أفضل العلماء ومن كثرة كلامه لا يعطي غيره فرصة للتكلم فلا يقدر أن يتعلم شيئاً.

يُعْيِيهِمْ (ع 15) لأنه تعب بلا منفعة كالمشي في طريق الضلال والبناء على الرمل وجمع المال في كيس مثقوب. والمفرد «لا يعلم» بدل الجمع «تعب الجهلاء» بذات المعنى.

كَيْفَ يَذْهَبُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لا شيء أسهل من الذهاب إلى المدينة لأن كل الطرقات تؤدي إليها أو أنه وهو في الحقل لا يعلم كيف يذهب إلى بيته وهو في المدينة أو القرية. والبعض وإن كانوا من علماء هذا العالم جهلاء في طريق الخلاص وذلك لأنهم يريدون أن يسلكوا فيها.

16، 17 «16 وَيْلٌ لَكِ أَيَّتُهَا ٱلأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ وَلَداً، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي ٱلصَّبَاحِ. 17 طُوبَى لَكِ أَيَّتُهَا ٱلأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ ٱبْنَ شُرَفَاءَ، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي ٱلْوَقْتِ لِلْقُوَّةِ لاَ لِلسَّكْرِ».

إشعياء 3: 4 و12 أمثال 31: 4 وإشعياء 5: 11

مَلِكُكِ وَلَداً كأحاز ومنسى ويهوآحاز ويهواقيم. وأحياناً الملك وإن كان بالغ السن يكون ولداً بالمعرفة كرحبعام.

يَأْكُلُونَ فِي ٱلصَّبَاحِ (انظر إشعياء 5: 11 وأعمال 2: 15) والصباح وقت العمل وعند الحكماء وقت الجلوس للقضاء (انظر 2صموئيل 15: 2) والشرفاء هنا ليسوا الشرفاء بالنسل فقط بل بفضائلهم.

18 - 20 «18 بِٱلْكَسَلِ ٱلْكَثِيرِ يَهْبِطُ ٱلسَّقْفُ، وَبِتَدَلِّي ٱلْيَدَيْنِ يَكِفُ ٱلْبَيْتُ. 19 لِلضِّحْكِ يَعْمَلُونَ وَلِيمَةً، وَٱلْخَمْرُ تُفَرِّحُ ٱلْعَيْشَ. أَمَّا ٱلْفِضَّةُ فَتُحَصِّلُ ٱلْكُلَّ. 20 لاَ تَسُبَّ ٱلْمَلِكَ وَلاَ فِي فِكْرِكَ، وَلاَ تَسُبَّ ٱلْغَنِيَّ فِي مَضْجَعِكَ، لأَنَّ طَيْرَ ٱلسَّمَاءِ يَنْقُلُ ٱلصَّوْتَ، وَذُو ٱلْجَنَاحِ يُخْبِرُ بِٱلأَمْرِ».

أمثال 24: 3 - 34 ص 2: 3 وقضاة 9: 13 ومزمور 104: 15 ص 7: 12 خروج 22: 28 وأعمال 23: 5 و2ملوك 6: 12 ولوقا 12: 3

المملكة مشبهة ببيت (انظر عاموس 9: 11) وكما يكف البيت من عدم الاعتناء ويؤول ذلك إلى الخراب هكذا المملكة من الكسل وعدم الاعتناء من الرؤساء.

أَمَّا ٱلْفِضَّةُ (ع 19) الحكام الظالمون يعملون ولائم ويشربون خمراً ويجمعون المال لأجل عيشهم وذلك بواسطة الظلم والرشوة.

لاَ تَسُبَّ ٱلْمَلِكَ (ع 20) في الممالك القديمة وفي بعض الممالك في أيامنا جواسيس في كل مكان وهم متنكرون ويظن الإنسان أنه مع أصدقائه لا غريب بينهم ومع ذلك ينتقل كلامه إلى الملك.

لأَنَّ طَيْرَ ٱلسَّمَاءِ مبالغة والمعنى أنه من الحكمة أن لا يسب الملك مطلقاً (انظر 2ملوك 6: 12).

اَلأَصْحَاحُ ٱلْحَادِي عَشَرَ

1 - 6 «1 اِرْمِ خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ ٱلْمِيَاهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ. 2 أَعْطِ نَصِيباً لِسَبْعَةٍ وَلِثَمَانِيَةٍ أَيْضاً، لأَنَّكَ لَسْتَ تَعْلَمُ أَيَّ شَرٍّ يَكُونُ عَلَى ٱلأَرْضِ. 3 إِذَا ٱمْتَلأَتِ ٱلسُّحُبُ مَطَراً تُرِيقُهُ عَلَى ٱلأَرْضِ. وَإِذَا وَقَعَتِ ٱلشَّجَرَةُ نَحْوَ ٱلْجَنُوبِ أَوْ نَحْوَ ٱلشِّمَالِ فَفِي ٱلْمَوْضِعِ حَيْثُ تَقَعُ ٱلشَّجَرَةُ هُنَاكَ تَكُونُ. 4 مَنْ يَرْصُدُ ٱلرِّيحَ لاَ يَزْرَعُ، وَمَنْ يُرَاقِبُ ٱلسُّحُبَ لاَ يَحْصُدُ. 5 كَمَا أَنَّكَ لَسْتَ تَعْلَمُ مَا هِيَ طَرِيقُ ٱلرِّيحِ، وَلاَ كَيْفَ ٱلْعِظَامُ فِي بَطْنِ ٱلْحُبْلَى، كَذٰلِكَ لاَ تَعْلَمُ أَعْمَالَ ٱللّٰهِ ٱلَّذِي يَصْنَعُ ٱلْجَمِيعَ. 6 فِي ٱلصَّبَاحِ ٱزْرَعْ زَرْعَكَ وَفِي ٱلْمَسَاءِ لاَ تَرْخِ يَدَكَ، لأَنَّكَ لاَ تَعْلَمُ أَيُّهُمَا يَنْمُو هٰذَا أَوْ ذَاكَ، أَوْ أَنْ يَكُونَ كِلاَهُمَا جَيِّدَيْنِ سَوَاءً».

إشعياء 32: 20 تثنية 15: 10 وأمثال 19: 17 ومتّى 1: 42 و2كورنثوس 9: 8 وغلاطية 6: 9 وعبرانيين 6: 10 مزمور 112: 9 ومتّى 5: 42 ولوقا 6: 30 و1تيموثاوس 6: 18 و19 ع 8 وص 12: 1 يوحنا 3: 8 مزمور 139: 13 - 16 ص 1: 13 و3: 10 و11 و8: 17 ص 9: 10

اِرْمِ خُبْزَكَ الإشارة إلى عمل الخير على اختلاف أنواعه وإن كان بدون النتيجة المرغوبة كالإحسان لغير الشاكرين وتوزيع الكتب المقدسة على غير المنتبهين ووعظ السامعين أو غير الفاهمين فيقول الجامعة لهؤلاء العاملين أن لا ييأسوا فإنهم سيجدون ثمر عملهم وإن كان عبثاً حسب الظاهر. ووجد البعض إشارة إلى الزرع على مياه النيل عند فيضانه الذي يأتي بالحصاد بعد أيام كثيرة. ويفهم غيرهم إرسال مراكب تجارية في البحر التي ترجع بعد أيام كثيرة بمكسب لأصحابها وأما يسوع فقال (انظر لوقا 14: 12 - 14) إنه يجب عمل الخير بلا نظر إلى هذه المكافأة.

لِسَبْعَةٍ وَلِثَمَانِيَةٍ (ع 2) أي المطلوب وأكثر من المطلوب (انظر أيوب 5: 19 وعاموس 1: 3) فيكون العطاء بالسخاء وليس كأجرة محدودة.

لأَنَّكَ لَسْتَ تَعْلَمُ يجب العطاء اليوم بالسخاء لأن الغد مجهول وربما لا يمكن الإنسان أن يعطي بالمستقبل كما اليوم.

إِذَا ٱمْتَلأَتِ ٱلسُّحُبُ (ع 3) السحب والمطر كناية هنا عن البلايا وكذلك وقوع الشجرة ولا بد من إراقة المطر ووقوع الشجرة وحدوث بلايا «حيث تقع الشجرة هناك تكون» وليست هذه الحوادث بيد الإنسان ولا بعلمه فعليه أن لا يهتم بها ولا يمتنع عن عمل الخير لخوفه منها وكما أن الحارث الذي يرصد الريح ويراقب السحب لا يحصد (ع 4) هكذا من ينتظر فرصة موافقة تماماً وزوال كل الصعوبات قبلما يعمل الخير فإنه لا يعمل شيئاً ولا يحصد شيئاً.

طَرِيقُ ٱلرِّيحِ (ع 5) الريح غير منظورة وطريقها غير معروفة وكذلك تكوين الولد في بطن أمه وهذان الأمران يمثلان عناية الله. وفي الترجمة اليسوعية وغيرها «أي مسلك للروح وكيف تنشأ العظام في بطن الحبلى» وليست الصعوبة في كيفية تكوين الجسد فقط بل بالأكثر في مصدر الروح والصفات العقلية والأدبية أي يمتاز بها كل إنسان عن غيره. قال يسوع (يوحنا 3: 8) «اَلرِّيحُ تَهُبُّ حَيْثُ تَشَاءُ، وَتَسْمَعُ صَوْتَهَا، لٰكِنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ تَأْتِي وَلاَ إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ. هٰكَذَا كُلُّ مَنْ وُلِدَ مِنَ ٱلرُّوحِ» أي كما أننا لا نعلم طريق الريح ولا نعلم ولادة الجسد ومصدر حياته لا نعلم كيفية الولادة من فوق. فعلينا أن نزرع الكلمة عن رجاء وبالإيمان بأن الله ينميها وإن كنا لا نعلم كيف (انظر مرقس 4: 27) والكلمة المزروعة قد تكون واسطة للولادة من فوق.

فِي ٱلصَّبَاحِ... وَفِي ٱلْمَسَاءِ (ع 6) أي دائماً وكل حياتك من أولها إلى آخرها وفي كل الأوقات موافقة كانت أو غير موافقة.

7 - 10 «7 اَلنُّورُ حُلْوٌ، وَخَيْرٌ لِلْعَيْنَيْنِ أَنْ تَنْظُرَا ٱلشَّمْسَ. 8 لأَنَّهُ إِنْ عَاشَ ٱلإِنْسَانُ سِنِينَ كَثِيرَةً فَلْيَفْرَحْ فِيهَا كُلِّهَا، وَلْيَتَذَكَّرْ أَيَّامَ ٱلظُّلْمَةِ لأَنَّهَا تَكُونُ كَثِيرَةً. كُلُّ مَا يَأْتِي بَاطِلٌ. 9 اِفْرَحْ أَيُّهَا ٱلشَّابُّ فِي حَدَاثَتِكَ، وَلْيَسُرَّكَ قَلْبُكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ وَٱسْلُكْ فِي طَرِيقِ قَلْبِكَ وَبِمَرْأَى عَيْنَيْكَ، وَٱعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى هٰذِهِ ٱلأُمُورِ كُلِّهَا يَأْتِي بِكَ ٱللّٰهُ إِلَى ٱلدَّيْنُونَةِ. 10 فَٱنْزِعِ ٱلْغَمَّ مِنْ قَلْبِكَ، وَأَبْعِدِ ٱلشَّرَّ عَنْ لَحْمِكَ، لأَنَّ ٱلْحَدَاثَةَ وَٱلشَّبَابَ بَاطِلاَنِ».

ص 6: 5 و7: 11 ص 9: 7 ص 12: 1 ص 2: 10 عدد 15: 39 وأيوب 31: 7 ص 3: 17 و12: 4 ورومية 14 و2كورنثوس 7: 1 و2تيموثاوس 2: 22

نظر النور والشمس هو الحياة والحياة حلوة إن عاش الإنسان سنين كثيرة أو قليلة وأيام الظلمة هي الموت وهي كثيرة لأنها بلا نهاية. وكل ما يأتي أي بالمستقبل باطل أنه مجهول وحسب اعتقاد القدماء بلا فرح ويقول الجامعة للشاب أن يفرح في حداثته لأنها باطلة أي تزول سريعاً فعليه أن يفرح فيها قبلما تزول. ووصية كهذه يجب أن لا تحمل الشاب على السكر والخلاعة بل بالعكس على الاعتدال والصحو والحكمة والاستعداد ليوم الحساب. والفرح الحقيقي هو باستعمال الخيرات استعمالاً جيداً بتقوى الله. وكان اليهود الأتقياء يفرحون بدينونة الله المقبلة (انظر مزمور 96: 10 - 13) «لِتَتَرَنَّمْ... أَمَامَ ٱلرَّبِّ لأَنَّهُ جَاءَ. جَاءَ لِيَدِينَ ٱلأَرْضَ. يَدِينُ ٱلْمَسْكُونَةَ بِٱلْعَدْلِ وَٱلشُّعُوبَ بِأَمَانَتِهِ».

وَٱسْلُكْ فِي طَرِيقِ قَلْبِكَ (ع 9) في سفر العدد 15: 39 «لاَ تَطُوفُونَ وَرَاءَ قُلُوبِكُمْ» فيفهم البعض أن وصية الجامعة تهكم والمعنى «إذا رفضت الإنذار واخترت العصيان اسلك في طرق قلبك واعمل كما تشاء ولكن اعلم الخ» والأرجح أن المعنى أن أفراح الحياة مقدسة فيمكن الشاب أن يسلك في طرق قلبه إذا كان في قلبه خوف الله والأبدية فلا يميل إلى الخطية.

فَٱنْزِعِ ٱلْغَمَّ مِنْ قَلْبِكَ، وَأَبْعِدِ ٱلشَّرَّ عَنْ لَحْمِكَ (ع 10) كل الخطايا من القلب (انظر متّى 15: 19) وبعض الخطايا تؤثر نوعاً في الجسد كالسكر والزنى. والغم يكون من عدم الإيمان بالله أو عدم المحبة للناس أو وجود الحسد والحقد في القلب الخ فعلى الشاب أن ينزع هذه كلها لكي يفرح فرحاً حقيقياً.

لأَنَّ ٱلْحَدَاثَةَ وَٱلشَّبَابَ بَاطِلاَنِ أي الشباب بلا خوف الله الذي أفراحه وقتية وآخرها مرارة ولكن الشباب المقدس جميل ومكرّم ونافع. وفخر الكنيسة شبابها.

اَلأَصْحَاحُ ٱلثَّانِي عَشَرَ

1 «فَٱذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ ٱلشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ ٱلسِّنِينَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ».

تثنية 8: 18 ونحميا 4: 14 و مزمور 63: 6 و119: 55 ص 11: 8 و2صموئيل 19: 35

ٱذْكُرْ خَالِقَكَ (1) لأن الخالق يستحق السجود والإكرام والطاعة والمحبة وليس هو الخالق فقط بل أيضاً من يعتني بالإنسان على الدوام كأب بأولاده (2) لأنه يستحق أفضل ما للإنسان فلا يليق أن تقدم له البقايا فقط من الحياة بل باكورتها. (3) لأن كل الأفراح الحقيقية من الله ولا فرح حقيقي بالخطية فيجب أن الحياة كلها تكون لله لتكون كلها فرحاً من أولها إلى آخرها ومن لا يذكر خالقه في شبابه يخسر خسارة عظيمة (4) لأن أيام الشيخوخة أيام شر لمن لا يذكر خالقه في شبابه فإنه بالشيخوخة تضعف القوى الجسدية والعقلية ولا يؤثر كلام الوعظ ويصعب ترك العوائد الشريرة. فيحتاج الشاب إلى وصية كهذه لأن أفراح العالم جديدة ولذيذة عنده والحياة طويلة وكلها فرح كما يراها وقوته وصحته تطمّنه فلا يشعر بأنه يفتقر إلى الله.

2 «قَبْلَ مَا تُظْلِمُ ٱلشَّمْسُ وَٱلنُّورُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ، وَتَرْجِعُ ٱلسُّحُبُ بَعْدَ ٱلْمَطَرِ».

إشعياء 5: 30 و13: 10 وحزقيال 32: 7 و8 ويوئيل 3: 15 ومتّى 24: 29

في الآيات 2 - 8 وصف الشيخوخة بتشبيهات مختلفة إذ الشمس والنور والقمر والنجوم كناية عن الحياة والسرور (انظر إشعياء 13: 10 وحزقيال 32: 7) وانحجابها كناية عن زوال السرور وقدوم الموت. والسحب تشير إلى البلايا ورجوع السحب بعد المطر يشير إلى بلايا متواصلة فلا يخلص الإنسان من واحدة حتى تأتيه أخرى.

3 «فِي يَوْمٍ يَتَزَعْزَعُ فِيهِ حَفَظَةُ ٱلْبَيْتِ، وَتَتَلَوَّى رِجَالُ ٱلْقُوَّةِ، وَتَبْطُلُ ٱلطَّوَاحِنُ لأَنَّهَا قَلَّتْ، وَتُظْلِمُ ٱلنَّوَاظِرُ مِنَ ٱلشَّبَابِيكِ».

مزمور 35: 14 و38: 6 تكوين 27: 1 و48: 10 و1صموئيل 3: 2

يُمثّل جسد الإنسان ببيت وحفظة البيت الذراعان وتزعزع حفظة البيت قدوم عدو أي الموت وارتجاف الذراعين نتيجة الضعف ورجال القوة الرجلان وكان لقوة الرجلين اعتبار خصوصي في الحروب القديمة (انظر مزمور 147: 10) والطواحن الأضراس والنواظر من الشبابيك العينان.

4 «وَتُغْلَقُ ٱلأَبْوَابُ فِي ٱلسُّوقِ. حِينَ يَنْخَفِضُ صَوْتُ ٱلْمِطْحَنَةِ وَيَقُومُ لِصَوْتِ ٱلْعُصْفُورِ وَتُحَطُّ كُلُّ بَنَاتِ ٱلْغِنَاءِ».

مزمور 141: 3 إرميا 25: 10 ورؤيا 18: 22 و2صموئيل 19: 35

الأبواب ما يُدخل به كالعينين لدخول النور والأذنين لدخول الصوت والشفتين لدخول الطعام والمنخارين لدخول الهواء والروائح. وهذه الأبواب تُغلق حين يعمى الشيخ ويطرش ويفقد أضراسه وينخفض صوت المطحنة من قلة الأضراس فلا يقدر الشيخ أن يمضغ ولا يتكلم كما يجب. وهنا انتهت تشابيه البيت.

وَيَقُومُ لِصَوْتِ ٱلْعُصْفُورِ يقلق بنومه فيقوم باكراً عند الفجر حين يُسمع أولاً صوت العصفور أو أنه يستيقظ من صوت منخفض كصوت عصفور.

بَنَاتِ ٱلْغِنَاءِ قال برزلاي لداود (2صموئيل 19: 35) «هَلْ أَسْمَعُ أَيْضاً أَصْوَاتَ ٱلْمُغَنِّينَ وَٱلْمُغَنِّيَاتِ» والشيخ لفقده السمع لا يقدر أن يلتذ كالشبان بالأصوات.

5 «وَأَيْضاً يَخَافُونَ مِنَ ٱلْعَالِي، وَفِي ٱلطَّرِيقِ أَهْوَالٌ، وَٱللَّوْزُ يُزْهِرُ، وَٱلْجُنْدُبُ يُسْتَثْقَلُ، وَٱلشَّهْوَةُ تَبْطُلُ. لأَنَّ ٱلإِنْسَانَ ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِهِ ٱلأَبَدِيِّ، وَٱلنَّادِبُونَ يَطُوفُونَ فِي ٱلسُّوقِ».

أيوب 17: 13 و30: 23 تكوين 50: 10 وإرميا 9: 17

يَخَافُونَ مِنَ ٱلْعَالِي لا يقدر الشيخ من ضعفه أن يصعد إلى مكان عال وإذا قصد سفراً يعظّم الصعوبات ويتوهم أهوالاً وما كان هيناً على الشاب ثقيل عليه.

وَٱللَّوْزُ يُزْهِرُ يزهر اللوز قبلما يورق فيكون منظره كمنظر رأس الشيخ الشائب ولعل الإشارة هنا أيضاً إلى العجلة التي بها يأتي الشيب والموت لأن اللوز من الأشجار المبكرة الأزهار (قاموس الكتاب).

وَٱلْجُنْدُبُ يُسْتَثْقَلُ يُمثّل بالجندب كل صغير (انظر عدد 13: 33) «فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَٱلْجَرَادِ» أي الجندب و(إشعياء 40: 22) «ٱلْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ ٱلأَرْضِ وَسُكَّانُهَا كَٱلْجُنْدُبِ».

وَٱلشَّهْوَةُ تَبْطُلُ لا يشتهي الشيخ الطعام ولا غيره من اللذات الجسدية والبعض يترجمون الكلمة الأصلية بالأَصَف أي شجر الكير وعند العامة القبّار وبراعم هذا النبات مستعملة في الطعام وطعمها عطري حاد كالفلفل ويهيج القابلية للأكل والمعنى أن أحسن الأطعمة والبهارات لا تحيي القابلية في الشيخ وبالترجمة اليسوعية «ينشق قشر الأصف» أي يسقط الإنسان حينما تكمل أيامه كما يسقط بزر الأصف حينما ينشق قشره.

بَيْتِهِ ٱلأَبَدِيِّ القبر وبالعهد الجديد البيت غير المصنوع بيد (انظر 2كورنثوس 5: 1) والمنازل المعدة للمؤمنين (انظر يوحنا 14: 2) والوطن السماوي (انظر عبرانيين 11: 16) والمدينة المقدسة أورشليم الجديدة (انظر رؤيا 21: 2).

ٱلنَّادِبُونَ وصف الدفن. كان النادبون يتبعون النعش (انظر لوقا 7: 12) وأحياناً كانوا رجالاً ونساء صنعتهم الندب ولهم أجرة وأحياناً يرثون الميت مراثي طويلة وشعرية. قيل «يطوفون» لا «سيطوفون» كأنهم في الشوارع حول بيت الشيخ مستنظرون وفاته طمعاً في أجرتهم.

6 «قَبْلَ مَا يَنْفَصِمُ حَبْلُ ٱلْفِضَّةِ، أَوْ يَنْسَحِقُ كُوزُ ٱلذَّهَبِ، أَوْ تَنْكَسِرُ ٱلْجَرَّةُ عَلَى ٱلْعَيْنِ، أَوْ تَنْقَصِفُ ٱلْبَكَرَةُ عِنْدَ ٱلْبِئْرِ».

زكريا 4: 2 و3

قَبْلَ مَا يَنْفَصِمُ حَبْلُ ٱلْفِضَّةِ أي «اذكر خالقك قبل قدوم الموت». الكوز هو وعاء الزيت على رأس المنارة (انظر زكريا 4: 2 - 6) ومنه ينزل الزيت إلى السراج. والسراج يُكنى به عن الحياة. وفي بيوت الأغنياء يعلق الكوز وسراجه إلى السقف بحبل من الفضة أو حبل فيه أسلاك من الفضة فإذا انفصم الحبل يقع الكوز وينكسر وينطفي النور وهذا يمثل موت الإنسان.

ٱلْجَرَّةُ عَلَى ٱلْعَيْنِ والماء كالنور يمثل الحياة وكما يأخذ الإنسان الماء من العين في جرة هكذا يأخذ حياته من الله وكسر الجرة يمثل الموت أي انفصال الإنسان عن مصدر الحياة (انظر مزمور 36: 9).

ٱلْبَكَرَةُ عِنْدَ ٱلْبِئْرِ البئر عميقة كالبئر في سوخار (انظر يوحنا 4: 11) فيلزم لانتشال الماء حبل ودلو والبكرة لأجل الحبل وإذا انقصفت البكرة سقط الحبل والدلو وهنا مثال آخر لموت الإنسان. ويرى البعض فيه مثالاً للقلب وهو كالبكرة بما أن عروق الجسد متعلقة به فيأتيه الدم ويخرج منه.

7 «فَيَرْجِعُ ٱلتُّرَابُ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجِعُ ٱلرُّوحُ إِلَى ٱللّٰهِ ٱلَّذِي أَعْطَاهَا».

ص 3: 20 وتكوين 3: 19 وأيوب 34: 15 ومزمور 104: 29 ص 3: 21 وأيوب 34: 14 ولوقا 23: 46 وأعمال 7: 59 عدد 16: 22 و27: 16 وإشعياء 27: 16 وزكريا 12: 1

قال الجامعة في 3: 21 «مَنْ يَعْلَمُ رُوحَ بَنِي ٱلْبَشَرِ هَلْ هِيَ تَصْعَدُ إِلَى فَوْقٍ، وَرُوحَ ٱلْبَهِيمَةِ هَلْ هِيَ تَنْزِلُ إِلَى أَسْفَلَ، إِلَى ٱلأَرْضِ» وأما هنا فظهر إيمانه بالله ورجاؤه بالحياة الأبدية فليس الإنسان كالبهيمة بل هو مخلوق على صورة الله فلا بد من بقاء النفس ورجوعها إلى الله بعد انحلال الجسد وتبقى ذاتية الإنسان ومسؤوليته بعد الموت.

فَيَرْجِعُ ٱلتُّرَابُ إِلَى ٱلأَرْضِ (انظر تكوين 2: 7 و3: 19).

8 «بَاطِلُ ٱلأَبَاطِيلِ قَالَ ٱلْجَامِعَةُ: ٱلْكُلُّ بَاطِلٌ».

ص 1: 2

ٱلْكُلُّ بَاطِلٌ قال في آخر سفره ما قاله في أوله ولكن في أول السفر كان النظر إلى حياة الإنسان الجسدية في هذا العالم وأما في آخره فنظر أيضاً إلى الأبدية وقوله يطابق ما قاله بولس في (1كورنثوس 4: 17 و18) فإن جميع الخيرات الجسدية كلا شيء بالنسبة إلى الأشياء الأبدية والسماوية.

9 - 14 «9 بَقِيَ أَنَّ ٱلْجَامِعَةَ كَانَ حَكِيماً، وَأَيْضاً عَلَّمَ ٱلشَّعْبَ عِلْماً، وَوَزَنَ وَبَحَثَ وَأَتْقَنَ أَمْثَالاً كَثِيرَةً. 10 اَلْجَامِعَةُ طَلَبَ أَنْ يَجِدَ كَلِمَاتٍ مُسِرَّةً مَكْتُوبَةً بِٱلاسْتِقَامَةِ، كَلِمَاتِ حَقٍّ. 11 كَلاَمُ ٱلْحُكَمَاءِ كَٱلْمَنَاخِسِ، وَكَأَوْتَادٍ مُنْغَرِزَةٍ، أَرْبَابُ ٱلْجَمَاعَاتِ، قَدْ أُعْطِيَتْ مِنْ رَاعٍ وَاحِدٍ. 12 وَبَقِيَ، فَمِنْ هٰذَا يَا ٱبْنِي تَحَذَّرْ: لِعَمَلِ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ لاَ نِهَايَةَ، وَٱلدَّرْسُ ٱلْكَثِيرُ تَعَبٌ لِلْجَسَدِ. 13 فَلْنَسْمَعْ خِتَامَ ٱلأَمْرِ كُلِّهِ: ٱتَّقِ ٱللّٰهَ وَٱحْفَظْ وَصَايَاهُ، لأَنَّ هٰذَا هُوَ ٱلإِنْسَانُ كُلُّهُ. 14 لأَنَّ ٱللّٰهَ يُحْضِرُ كُلَّ عَمَلٍ إِلَى ٱلدَّيْنُونَةِ، عَلَى كُلِّ خَفِيٍّ، إِنْ كَانَ خَيْراً أَوْ شَرّاً».

1ملوك 4: 32 أمثال 10: 32 أمثال 22: 20 و21 ص 7: 5 و1: 12 وأمثال 1: 6 و22: 17 أعمال 2: 37 عزرا 9: 8 وإشعياء 22: 23 و1ملوك 4: 32 و23 ص 1: 18 ص 3: 14 و5: 7 و7: 18 و8: 12 ص 8: 5 وتثنية 4: 2 تثنية 10: 12 و ميخا 6: 8 ص 3: 17 و11: 9 ومتّى 12: 26 ورومية 2: 16 و1كورنثوس 4: 5

في هذه الآيات خاتمة السفر. يقول البعض أن هذه الآيات ملحق من كاتب آخر وليس من الجامعة لأنه يتكلم عن الجامعة كغائب ويذكر حكمته ووظيفته وتأليفاته واستقامته. وإذا قلنا إن الكلام كله من الجامعة لا نعترض عليه إذا قال عن نفسه أنه حكيم لأنه كان معلماً وطبعاً كان أكبر من تلاميذه علماً ويجوز له أن يذكرهم أنه أكبر منهم اختباراً فيجب عليهم أن ينتبهوا إلى كلامه ويقبلوا نصائحه.

أَتْقَنَ أَمْثَالاً كَثِيرَةً في هذا السفر أمثال ولا شك أن الجامعة أتقن أمثالاً غير المتضمنة في الكتاب المقدس. وليس من الضرورة أن نقول إن الأمثال المشار إليها هي سفر الأمثال ولا أن الجامعة هو مؤلف ذلك السفر.

اَلْجَامِعَةُ طَلَبَ (ع 10) اجتهد وتعب في إتقان الكلام فإن الوحي ينشط الكاتب ويحفظه من الغلط ولكنه لا يحفظه من الاجتهاد والتعب في الإنشاء.

كَٱلْمَنَاخِسِ (المناسيس) (ع 11) ليس المنساس مسراً للثور ولكنه يحركه على العمل الواجب وهكذا كلام الله لأنه يبكت على الخطية ويقتاد إلى التوبة ويحرّك على العمل والمقاومة لا تضر كلام الله بل تضر المقاوم (انظر أعمال 26: 14).

والبعض يفهمون أن أرباب الجماعات (ع 11) هم رؤساء الشعب كالكهنة والكتبة والشيوخ وهم كأوتاد (1) لأنهم ثابتون في تعليمهم (2) لأن الشعب يتعلق بهم ومنهم الإرشاد والتدبير (انظر إشعياء 22: 23 و24). ويقول غيرهم إن الجماعات هي الأقوال والتعليم. والقول كلام الحكماء كمناسيس يشير إلى المتكلمين شفاهاً كالوعاظ والقول كأوتاد منغرزة أرباب الجماعات يشير إلى الذين كتبوا وجمعوا أقوال الحكماء وهم كأوتاد لأن أقوالهم ثابتة ويتعلق بها الرجاء بالخلاص.

قَدْ أُعْطِيَتْ مِنْ رَاعٍ وَاحِدٍ بموجب التفسير الأول أي أن أرباب الجماعات هم رؤساء الشعب والراعي الواحد هو رئيس المتكلمين والكتّاب كسليمان وغيره من الملوك (انظر إرميا 2: 8 و3: 15) وبموجب التفسير الثاني أي أن الجماعات هي جماعات أقوال مفيدة. الله هو راعي الرعاة ومرشد المرشدين (انظر مزمور 23: 1 و80: 1 و1كورنثوس 12: 1 - 11 ويوحنا 1: 8 و11 و1بطرس 5: 4).

يَا ٱبْنِي (ع 12) هذا اللقب الذي يأتي كثيراً في سفر الأمثال لم يأت بهذا السفر إلا هنا ويجب أن كل معلم يكون لتلاميذه كوالد.

تَحَذَّرْ مما سيأتي ذكره.

لِعَمَلِ كُتُبٍ كَثِيرَةٍ لم يكن في أيام الجامعة كتب كما في أيامنا ومع ذلك كانت كثيرة العدد لمن يريد أن يدرسها كلها ويفهم تعليمها ويوفق بين مناقضاتها. وليس لها نهاية لأنها لم تحل جميع المشاكل ولا علمت كل ما يريد الإنسان أن يعرفه فعلى القارئ المخاطب بالقول يا ابني أن يتحذر من الظن أن الكتب تحل كل مشكل.

ٱلدَّرْسُ ٱلْكَثِيرُ تَعَبٌ لِلْجَسَدِ كان التعب من الدرس في القديم أكثر من اليوم بما أن الكتب كانت كلها خطّية ولم يكن الخط مقرياً كما يجب. وهنا مبالغة لأن درس الكتاب مفيد ولكننا نفهم (1) للدرس وقت وللعمل وقت فلا يكون كل الوقت للعمل ولا كل الوقت للدرس (2) على من يدرس أن يختار الكتب المفيدة بترك غيرها لأن مطالعة كتب قليلة بالتدقيق أفضل من مطالعة كتب كثيرة بلا تأمل وهو كأكل كثير بلا هضم.

كان الجامعة بحث في الغنى والمجد والأفراح الجسدية والحكمة والعلوم وختام البحث أن التقوى وحفظ وصايا الله يتضمنان كل خير (ع 13) لأن من يتقي الله لا يخاف شراً (انظر رومية 8: 38 و39) وله كل شيء لأن كل خير من الله (انظر 1كورنثوس 3: 21 - 23) وليس خير الإنسان من ماله ولا من علومه ولا من قوته الجسدية والعقلية بل من تقواه.

وحفظ الوصايا دليل على حالة الإنسان القلبية فإن الخدمة الاختيارية دليل على المحبة للمخدوم والطاعة القلبية دليل على الإيمان بالمطاع.

وكل فهيم يحفظ الوصايا ويشكر الله عليها لأنها كسياج يحفظه من الضلال وكحائط لسطح البيت (انظر تثنية 22: 2) يحفظه من السقوط ودليل للطريق يهديه إلى مكانه.

لأَنَّ ٱللّٰهَ يُحْضِرُ كُلَّ عَمَلٍ إِلَى ٱلدَّيْنُونَةِ (ع 14) يظهر جلياً من هذا القول أن الجامعة عرف الدينونة الآتية بعد الموت وإن كان في هذا السفر بعض أقوال تدل على الريب فيها. وكما يخاف الأشرار من الدينونة الآتية (انظر أعمال 24: 25) ينتظرها المؤمنون بفرح لأن الله سيجازيهم على ما عملوه من الخير ويغفر خطاياهم بالمسيح الذي سيعترف بهم أمام أبيهم والديان هو يسوع الذي أحبهم وفداهم.


Call of Hope 
P.O.Box 10 08 27 
D - 70007
Stuttgart
Germany